عبدالله البيروتي.. القائد الشجاع في ثورة فلسطين الكبرى بقلم:حَمــزة أُســــــامـة الـعَـقْـرَبـاوي
تاريخ النشر : 2011-12-14
بسم الله الرحمن الرحيم

المجاهد عـــبــد الله الــبــيــروتـــي
الـقـائـد الـشـجـاع فـي ثـورة 36


حَمــزة أُســــــامـة الـعَـقْـرَبـاوي
2011
[email protected]




عبر تاريخ فلسطين ظل جبل نابلس مُستعصياً وَمُستَنِدَاً لِقُوة أبنائه وَفُتُوَتِهم، وقد أصبح الجبل مَضرب المثل في المَنَعةِ والإباء والاستعصاء على الغزاة والطامعين. ولذا تغنى الناس بجبل نابلس (جبل النار) وبات رمزاً للكفاح والعطاء الذي لا يَنقطع مِداده ولا يَتوقَفُ جَريانُه.
ومن بين أركان الجبل عُرفت المشاريق (مشاريق جبل نابلس) بِعفَتها وَمَنعتِها وَشدّة أبنائها. ووعورة تضاريسها واطلالتها على الغور ووقوعها على بوابة البلاد من الشرق. فكان للمشاريق شأن ومكانة، ولرجالها حضرة ووجود.
وبحكم موقعها المُهم بين نابلس والقدس، ونابلس والشرق فقد كانت مسرحاً للكثير من الأحداث المُهمة في تاريخ الجبل. وقد قَدمت صفحات عزٍ خالدة في تاريخ فلسطين وفي مسيرة جهادها. ومنها: دورها في الثورات والهبات الشعبية التي شهدتها فلسطين من العام 1921 وحتى أيامنا هذه.
وفي محاولة متواضعة لتسجيل دور مشاريق الجبل في ثورات فلسطين من عهد أبو كباري وعصابته وأبو جلده والعرميط رفيق دربه حتى ثورة فلسطين الكبرى (1936-1939) مروراً بجيش الانقاذ والمتطوعين للجهاد تحت رايته، تأتي هذه الدراسة التي تتناول سيرة بَطلٍ هُمام وفارسٍ شُجاع تَقَدمَ وَقدم. وهي باكورة دراسات ستتبعها إن شاء الله وكلها تتحدث عن الكفاح الشعبي والمقاومة ورموزها في المشاريق. بدءاً بالمجاهد عبدالله البيروتي وخميس القنبر العقرباوي وتركي عديلي وعربي البدوي وأبو كباري وأبو سليقة وأبو جلده والعرميط ، وعبد الحميد أبو ناصر، وثُلة كبيرة من ثوار هذا الوطن وخصوصاً الذين برزوا في الثورة الكبرى.
وتعتمد هذه الدراسة على التاريخ الشفوي والروايات التي سُجلت ممن عاصر الأحداث وأدركها بالإضافة إلى الكتب والمصادر التاريخية والأرشيفية التي أتت على ذكر رجال المشاريق ودورهم. راجياً أن أكون قد وفقت في ذلك دون مبالغة أو انتقاص .

وعبدالله البيروتي عنوان هذه الدراسة فارس من فرسان مشاريق الجبل وأحد عناوين الصمود والبطولة التي لن تغيب شمسها ولن يُنسى بحر تضحياته وجهاده. فقد عَرفت المشاريق هذا الثائر المُجاهد طَوال سنوات الثورة الكبرى وهو مُمتَطٍ صَهوة جواده حَاملاً سلاحه، وَيُقاتل من أجل هذا الوطن. وهذه صفحات من سيرته وجهاده وكلي أمل أن أكون في فلك الحقيقة قد دُرت وما برحت الحق وما جاوزته. و الله ولي التوفيق.
ولد عبدالله بيروتي أبو الحلاوه في قرية عقربا قضاء نابلس في العام 1896م. وكان ينتمي لعائلة تتمتع بمكانة اجتماعية عالية في قريته. وكان جده من كبار الضُباط العثمانيين الذين خدموا في بيروت وقد لقبوه بالبيروتي مما جعله يُسمي ولده باسم البيروتي . وهو والد عبدالله.(1)وله من الأخوة ستة أشقاء هو أكبرهم، وقد عرفت هذه العائلة بدورها واسهامها الوطني، فقد شارك مجموعة من أبنائها في ثورة 36 أشهرهم عبد الله البيروتي أبو عزيز وعبد الرحمن أبو حلاوة (أبو بارودتين)، وكذلك في حرب 48 إذ شارك فيها نايف البيروتي والشهيد محمود أبو حلاوة. وقد قدمت العائلة عدداً من الشهداء عبر تاريخ الصراع مع الاحتلال، كما كان أخوه إبراهيم البيروتي مختاراً لقرية عقربا ثم أول رئيس لمجلسها القروي في الستينات(2).
درس عبدالله في كتّاب القرية وكان من المُلمين بالقراءة والكتابة وذا فهم وذكاء وفطنه ، ثم عمل عبدالله في الزراعة والتجارة وتربية الأغنام، وكان يُعرف في القرية بفتوته وشجاعته وأنه كان مضرب المثل في الفروسية والرجولة. وبه كان يُضرب المثل بين الرجال. أما السلاح واجادته لاستخدامه فكان وصاحبه خميس العقرباوي من أمهر الرُماة وأكثر الشباب دقة في إصابة الهدف وكانا مُنذ الصبا يُتقنان الأمر ويُجيدانه.
وقد اتصف عبدالله بالرجولة وكان شُجاعاً جسوراً لا يعرف الخوف. دائم الشقاوة والتمرد ولا يُحب أن يخضع لسلطان أحد في القرية وغيرها، يعتلي صهوة جواده ويسير به مُعتداً ومتباهياً ولا يحسب حساباً لأحد.
وقد أصبح مطلوباً للحكومة البريطانية عام 1932م . على خلاف بينه وبين إحدى عائلات القرية وقد تطور هذا الخلاف وبدأت الأمور تتراكم والمشاحنات تزداد حتى العام 1932 حيث شُكي إليه فِعلٌ مَمقوت من غريمه وخَصمِه فَقرر عبدالله البيروتي وضع حَدٍ لهذه المُنازعات. فقام بقتل هذا الشخص حيث أطلق عليه النار فأصيب بِعيارٍ في بَطنه تُوفي على إثره بعد ثلاثة أيام.(3)
تفرر عبدالله من وجه الحكومة ولم يرض بأن يُسلم نفسه لها وبدأت تُلاحقة الشُرطة في محاولة يائسة لإعتقاله، ثم ما لبثت الحكومة أن أقامت مخفر للشرطة في بلدة عقربا عام 1933 وقد جعل المخفر في منزل شقيق عبدالله البيروتي(4)، وذلك لملاحقة أبو جلده والعرميط والفرارات الآخرين الذين جعلوا من الغُور مَلاذاً لهم لِصُعوبة تَضاريسه وامتداده وَسُهوله الهروب والاختباء فيه، أضف لذلك وَفرة عُيون الماء وكثرة الفلاحين وأصحاب الأغنام المُقيمين هُناك والذين سَيُوفرون الطعام والمبيت لهؤلاء الفارين من الحكومة.
وبعد عامٍ من تَفَرُرِ عبدالله البيروتي من وجه الحكومة إلتحق به خميس قنبر العقرباوي ، فكانا معاً ولاذا بالفرار من وجه الحكومة، وقد لاحقتهما الحكومة وحاولت الامساك بهم وحدثت عدة مناوشات ومواجهات بينهم وبين الشرطة التي حاولت الامساك بهم.(5)
في بداية الثورة الكبرى ومع انطلاق شرارتها الأولى التحق المطلوبون للحكومة (الفرارات) بالعمل الوطني وكان من هؤلاء: عبدالله البيروتي وخميس القنبر العقرباوي من عقربا (وكانا على جانب من البسالة والتدريب على السلاح)(6)، وصادق أبو حيط من بيت فوريك، وفريد العسعس من المزرعة الشرقية، وسعود لِعمير من حواره، وسعيد الحاج من خربة أبو فلاح، وتركي عديلي من أوصرين، وإبراهيم الأشرم من عصيرة القبلية ..الخ.
وكان لهم دور مهم في منطقة الغور وقرى شرق جنوب نابلس ومنطقة رام الله، وقد امتد نُفوذ بَعضهم لمناطق أخرى وكان لهم اسهام مُهم في الثورة. مع تفاوت واضح في دورهم واسهامهم وحضورهم في الثورة طوال سنواتها.
كانت العلاقة بين الرجلين (عبدالله وخميس) على أفضل ما يكون وقد شكلا معاً فصيلاً أسمياه "فصيل خالد بن الوليد" . وبقيا معاً طوال المرحلة الأولى من الثورة وقد اشتركا بعدة عمليات وصفت بالمهمة في حينه. ثم افترق الرجلان وقاد كُلٌ منهم فصيلاً لوحده بناءً على طلب قادة الثورة كما روى من عاصر الرجليين وأدرك دورهما في الثورة.(7)
تولى عبدالله البيروتي وخميس العقرباوي مهمة قيادة الثورة في منطقة المشاريق وقد انضم إلى كل منهم جماعة من أبناء المشاريق إلا أن مرابطاتهما كانت قليلة.. ثم نُقل اليهم السلاح والعتاد .. حيث كان الحاج أمين الحسيني اعتمد عادل بك العظمة واخوانه من الاستقلاليين لشراء السلاح والعتاد . وقد لحق بهم بتوصية من المفتي السيد (احسان النمر) من نابلس وقد اتفقوا على امداد المشاريق بالسلاح قبل كل شيء، واعتمد لذلك السيد أحمد المحمود الجوريشي، وبعدها لنابلس.)(8) (انظر تاريخ جبل نابلس والبلقاء، احسان النمر ج3 ص254)
وكان عبدالله البيروتي أحد أهم قادة الثورة في منطقة مشاريق نابلس وله عدة معارك مشهوره وكانت علاقاته وصلاته مع قادة الثورة جيدة وكان أكثر تواصلاً مع قيادة الثورة من غيره من قادة الفصائل في المنطقة ولذا حُفظت لنا بَعض وثائقة ومراسلاته. وكان من دهاء وحكمة عبدالله البيروتي في الثورة ما وَصَفه بِه (شمعون بلاص) في كتابه ثورة الفلاحين في فلسطين: ( كان على الدوام يحتفظ بمفكره يسجل فيها معلومات عن عديد وعدة القوات البريطانية وأماكن تمركزها وخطوط امداداتها)(9)
وقد عُرف عنه الحيطة والحذر والاستعداد الدائم لإطلاق النار فكان لا يدع سلاحه من يده، إذ يمسك به في وضع يمكنه من إطلاق النار بأي وقت، وأكثر من ذلك أنه كان إذا سار في الليل يسير وسط رفاقه وفصيله ولا يسير في المقدمة خوفاً من الغدر والكمائن، أما في النهار فانه يتقدم الفصيل ويسير في أمام الجميع ويكون في حالة الاستعداد لإطلاق النار.(10) وقد حاولت الحكومة الايقاع به وبصاحبه أكثر من مرة وكلفت من يراقبه ويتجسس عليه غير أنه ظل يقضاً ولم يقع في قبضة الاحتلال. وفي أحد التقارير السرية للعملاء بتاريخ 481938 ورد ذكر خميس القنبر وعبدالله البيروتي أنهما يعملان في نفس المنطقة .(11)
ومما يذكر لعبدالله البيروتي وخميس العقرباوي (رباطمها طوال سنوات الثورة(36-39) على طريق نابلس القدس، فكان لهذا العمل أثر كبير لأن طريق الساحل اليهودية لم تكن أنشئت وكانت قوافل سيارات اليهود والحكومة والجيش مضطرة للمرور من هذه الطريق إلى شمال فلسطين لا سيما إلى حيفا)،(12) وقد اتخاذا عدة مواقع على هذه الطريق لتنفيذ عملياتهم البطولية ومنها عقبة زعترة، ليّات اللبن، واد البلاط، عيون الحرامية.
وكان يجمع في فصيله مجاهدين من مناطق " عقربا، بيت فوريك، بيت دجن، الجفتلك، جوريش، الغور"، وقد بلغ عدد المجاهدين معه (15 -50) وفي بعض المعارك كان العدد يزيد إلى الضعف. ومن بين المجاهدين الذين كانوا مع القائد عبد الله البيروتي: (

أما السلاح وما يلزم الثورة فقد كان سلاح الثورة متشابهاً إلى حدٍ كبير من حيث قلته وقدمه فالسلاح الذي مع الثوار قديم كالبارود العثماني والألماني وفي أحسن الأحوال الانكليزي والكندي. وكان السلاح والذخيرة وما يلزمهم من مال ولباس يصلهم من قيادة الثورة في دمشق ومن القائد عبدالرحيم الحاج محمد. أما منطقة نفوذه فكانت: " الغور، بيت فوريك، بيت دجن "(13) وقد أوكلت مهمة تدريب الثوار للشيخ شحادة (أبو العباس) وكان ضابطاً بالجيش العثماني ثم شارك في الثورة السورية ضدّ المحتل الفرنسي عام 1925 وكان على معرفة كافية بالسلاح والمعارك ، وقد قام الشيخ شحادة بتدريب المجاهدين وتوزيعهم في المعارك، وكان حامل لواء الفصيل وأهم مجاهديه.
استمر عبدالله البيروتي في الثورة في مشاريق نابلس مُتخذاً من بيت فوريك وبيت دجن مقراً لقيادته ومركزاً للثوار في فصيله، ثم في نهاية صيف 1938 الثورة انتقل عبدالله البيروتي وفصيله إلى منطقة الجنوب بتكليف من القائد العام عبد الرحيم الحاج محمد رحمه الله.
وكان فصيل خالد بن الوليد الذي يقوده عبدالله البيروتي يتبع لعبد الرحيم الحاج محمد القائد العام للثورة في فلسطين،(14) وكانت له علاقات طيبه مع الشيخ عبد الفتاح المزرعاوي أحد قادة الثورة في منطقة رام الله ، وحمد زواتا، سليمان القنة (كفر قليل)، وفصيل السلط بقيادة أحمد وحافظ النجداوي، وعبد الفتاح السيلاوي أبو عبدالله، وسالم السيخ من الخليل، وآخرين من قادة الثورة.
غادر عبدالله البيروتي وخميس العقرباوي وتركي عديلي البلاد في نهاية العام 1936 وذلك بعد انسحاب فوزي القاوقجي وقادة الثورة إلى الشام . ولم يطل غيابهم حيث عادوا للمنطقة وواصلوا الجهاد. وقد حصلوا على السلاح وما يلزم الثورة من القيادة، حيث أولت القيادة منطقة المشاريق أهمية خاصة. فزاد رباطهم وفاعليتهم في الثورة.(15)
وعن دوره رحمه الله في الثورة فقد كان من المُبادرين إلى خوض المعارك والمشاركة في الاجتماعات التي عُقدت من أجل ترتيب الثورة وتنظيم أعمالها، وقد شارك في عدة اجتماعات مُهمة منها: اجتماع طوباس الأول والثاني في بداية الثورة عام 1936، واجتماع بيت فوريك والذي انتهى بمعركة بيت فوريك واستشهاد القائد عبد الفتاح السيلاوي أبو عبدالله, واجتماع عقربا والذي انتهي بمعركة واد سباس بالقرب من قرية قصرى.
أما المعارك التي قادها القائد عبدالله البيروتي وشارك فيها فمنها: معركة سنيرية والتي كانت بقيادته، ومعركة إحتلال أريحا برفقة خميس العقرباوي، ومعارك زعترة، ومعارك عيون الحرامية، ومعارك واد البلاط، ومعارك ليّات اللبّن، ومعركة العوجا، ومعركة دوما، ومعركة واد التفاح، ومعركة واد سباس ، ومعركة بيت فوريك... ومعارك أخرى.
وكان الختم الخاص بعبدالله البيروتي يحمل العبارة التالية :
المعتمد على الله
عبدالله البيروتي

وكان رحمه الله كثير المراسلات إلى الوجهاء والمشايخ وذوي الشأن، وذلك لمساعدة الثورة واسنادها بما يلزم، ومن ذلك رسائله لأمراء الغور والمساعيد ورجالات البدو والملاكين في الغور ومنهم: الشيخ مشهور الظامن والأمير علان الظامن، وسعود الدبعي، وأحمد العبيسي وحسين شاهين والشيخ عبد القادر عبد الجليل. وكان يُرسل الرسائل والمكاتيب لهؤلاء من إخوانه الأصغر منه.(*)
وقد كان عدد م الثوار يلجأون إلى عبدالله البيروتي ويرافقونه حين تزداد ملاحقتهم ومن هؤلاء : المجاهد سالم السيخ من الخليل، وحلمي بكري من نابلس وسليمان القنة، وفريد ...الخ
أما عن الدور البطولي للقائد عبدالله البيروتي في ثورة فلسطين الكبرى (1936-1939) والمعارك التي خاضها مع رجاله واخوانه من المجاهدين فمنها :


- اجتماع طوباس 1936:
ورد في عدة مصادر بناءً على تقرير لأحد الجواسيس حدوث عدة اجتماعات من أجل تنظيم الثورة في فلسطين وذلك في مرحلتها الأولى وذلك قبل دخول القاوقجي للبلاد وهذه التقرير التي استند عليها أكثر من مؤرخ موجودة في أرشيف الهاجنا بتل أبيب، ملف رقم 39/8 وهو بتاريخ 2571936، وملف 408 وهو بتاريخ 1081936 ، وأحد التقريرين مكون من سبع صفحات ويتحوي تفاصيل الاجتماع الذي عقد بالقرب من منطقة طوباس.
ففي نهاية شهر تموز سنة 1936 (25-7-1936) اجتمع فخري عبد الهادي وعارف عبد الرازق وعبد الله البيروتي قرب طوباس وذلك من أجل ايجاد مواقف متفق عليها وترتيب شأن الثورة في البلاد، غير أن هذه المحاولة لم تنجح ولذلك جرت محاولة ثانية ناجحة أكثر من الاولى فقد عقد اجتماع آخر بتاريخ 10-8-1936 وقد شارك فيه خمسة من قادة الثورة في مرحلتها الاولى وهم: فخري عبد الهادي وخميس عقرباوي والشيخ فرحان السعدي وعبدالله البيروتي وضرار النشاشيبي، عُقد الاجتماع إلى الشمال من طوباس وكان الإجتماع بترتيب من سليم عبدالرحمن وآخرون. وكان من نتائج هذا الاجتماع تشكيل ثلاث قيادات اقليمية: واحدة في جبال نابلس، وأخرى في منطقة طولكرم، وثالثة في حيفا وجوارها. كما قرروا تأسيس محكمة عليا لمحاكمة المتعاونين مع العدو(16)
- معركة واد البلاط 1936 :
وهذه المعركة حدثت في الشهور الأولى من الثورة في العام 36 ، ثم توالت المعارك في هذا الموقع. وواد البلاط يقع على طريق نابلس – القدس . وقد جرت معركة قوية حيث توجه الثوار بصحبة خميس العقرباوي وعبدالله البيروتي ومعهم رجال من قرى رام الله وعقربا وغيرها. واربطوا هناك بانتظار مرور دوريات الانكليز وذلك بعد أن أغلقوا الشارع العام بالحجارة . وقد جرى تبادل لاطلاق النار بين الثوار وقوات الاحتلال. وبعد ساعة من الاشتباك انسحب الثوار دون أن تقع بينهم أية أصابة. وطوال سنوات الثورة(36 -39) بقي واد البلاط مسرحاً للعمليات العسكرية التي يشنها الثوار وبذات الطريقة(17)
- معركة عقبة زعترة 1936:
عقبة زعترة على طريق نابلس – القدس كانت مسرحاً مهماً للعديد من المعارك البطولية التي شنها الثوار طوال سنوات الثورة . وأولى المعارك كانت في هذه المنطقة كانت في بداية الثورة عام 36 حيث توجه الثوار إلى الموقع وقاموا بإغلاق أحد جوانب الطريق الرئيسي بالحجارة لما بلغهم خروج دوريات الانكليز من نابلس . وقد توزع الثوار على جانبي الجبل بانتظار وصول الهدف المنتظر. وعندما تقدمت سيارات الانكليز باتجاه الجهة المغلقة من الطريق قام الثوار بإغلاق الشارع من الجهة الثانية حيث أصبحت الدوريات بوضع لا يمكنها من التقدم أو التراجع إلا بنزول الجنود لإزاحة الحجارة من الشارع.
ولما نزل الجنود من الدوريات بدأ الثوار باطلاق النار عليهم من كل الجهات . وكانت هذه المعركة أول معركة تحدث في الموقع ولم يتوقع الجنود ما حدث . واستمر القتال عدة ساعات . وقد تدخلت النجدات العسكرية من نابلس ولما شاهد الثوار اقتراب هذه النجدات انسحبوا بسلام تاركين خلفهم صراخ وعويل الجنود الانكليز. (18) وبعد هذه المعركة بأيام جرت معركة أخرى وبذات الطريقة في عيون الحرامية.
- معركة العوجا 1937:
توجه عبدالله البيروتي وخميس العقرباوي إلى منطقة العوجا بالقرب من أريحا ، وبينما هم جلوس عند أحد وجهاء القرية قام أحد الوشاة بالابلاغ عنهم فقامت قوة صغيرة من الجند بتطويق المكان، وقد شعر المجاهدون بالخطر غير أنهم قرروا المواجهة ومحاولة الخروج من الطوق. قفز القائدان عن طريق سطح أحد البيوت واستحكموا وتركوا أفراد الدورية بالتقدم لتطويق البيت الذي من المفترض أن يكونوا بداخله، وبعدها باغتهم خميس العقرباوي بإطلاق النار فيما تعطلت بندقية عبدالله البيروتي في البداية. وقد جرى تبادل قوي لإطلاق النار مما أربك الجنود الذين أحاطوا بالبيت وسهل عملية الانسحاب باتجاه الغرب. وقد حضرت نجدات من الانكليز وقاموا بالبحث عن الفارين ولاحقوهم باتجاه الغرب. وقاموا باعتقال عدد من البدو الذين صادف مرورهم في الجبال وهم يحملون السلاح، فيما لاذ عبدالله البيروتي وخميس العقرباوي بالفرار. وقد أصيب في هذه المواجهه اثنان من الجند.(19)
- اجتماع عقربا ومعركة واد سباس 1938(20):
في العام 1938 جرى اجتماع في عقربا بحضور عبدالله البيروتي وخميس العقرباوي وأحمد وحافظ النجداوي وتركي عديلي . وأثناء الاجتماع بلغهم خبر مرور دوريات للانكليز من واد سباس بالقرب من قرية قصرى جنوب غرب عقربا. فتحركت الفصائل للمرابطة في الواد المذكور وقد جرت معركة استمرت من العصر لساعات الغروب وقد تكبدت القوات البريطانية خسائر فادحة وأصيبت إحدى طائراتها مما اضطرها للهبوط. فيما استشهد ثمانية من الثوار. وقد قام المتطوعون والفزيعة من القرى بالمشاركة في المعركة (21). وقد أصيب في هذه المعركة من فصيل عبدالله البيروتي: أحمد نايف اسميرات من الجفتلك، ومحمد العودة من جوريش.(*)
- معركة سنيريا 1938:
بتاريخ: 12101938 ذهب فصيل خالد بن الوليد بقيادة عبدالله البيروتي الى الطريق الرئيسي قرب قرية (صنيريه) . وتم وضع ألغام على الطريق الرئيسي .. وعند مرور المركبات انفجرت الالغام وفتح المجاهدون النار.. ويعتقد بأنهم قتلوا اثنين من الجنود.
وفي صباح اليوم التالي وجد الناس 4 حقائب ووجدوا علامات دم .. والحمد لله لم تقع اصابات وخسائر في صفوف المجاهدين .(22).
- معركة احتلال أريحا 1938:
بتاريخ: 6111938 قام فصيل خالد بن الوليد بالتوجه إلى أريحا وقام باحتلال المدينة لعدة ساعات، حيث سيطر الثوار عليها . وقبل مغادرتها توجهوا الى مركز الشرطة الحكومية فوجدوا عدد من رجال الشرطة تحت إمرة ( على أفندي عزية) ففتشوا المركز بحثاً عن سلاح ، وأخذوا الملابس التي وجدوها في الخزائن من بنطلونات وضمادات وأحذية وطواقي وأمتعة أخرى، وبعد ذلك غادر الثوار عند الساعة الواحدة وهم يغنون في الشوارع.(23)
ويذكر أيضاً بأن خميس العقرباوي قد هاجم عدة مراكز أخرى طوال الثورة منها مخفر شرطة اللبن، حيث هاجمه الثوار عدة مرات مما اضطر الحكومة لإغلاقة، وكذلك الهجوم على مخفر شرطة في شرق الأردن ومصادرة السلاح والخيل التي كانت بحوزة العساكر.
- اجتماع ومعركة بيت فوريك 1938:
بعد استلام القائد عبد الفتاح السيلاوي أبو عبدالله القيادة في منطقة نابلس قادماً من الشمال(24) رتب اجمتاعاً بالقرب من بيت فوريك وكانت مقراً لقيادة القائد عبدالله البيروتي. وتم الاجتماع في منطقة الشراربة في مكان يُسمى (بستان المشمش) في بيت فوريك وقد شمل الاجتماع قادة الفصائل النشطة في المنطقة وقد شارك في الاجتماع فصيل القائد ابو عبدالله وعبدالله البيروتي وأحمد النجداوي وتركي عديلي وآخرين..(25)
وأثناء الأجتماع تحركت قوات من الانكليز قدر عددها ب( 3000) جندي لبيت فوريك للقضاء على القائد أبو عبدالله.. وحدثت معركة ضارية وجرى قتال عنيف بين الثوار وقوات الاحتلال الانكليزي وقد تكبد الانكليز خسائر فادحه في هذه المعركة حدثت المعركة وذلك بتاريخ: 14-15 111938 . وقد استشهد في هذه المعركة عدد من الابطال منهم الشيخ القائد أبو عبدالله عبدالفتاح السيلاوي، والشهيد أحمد النجداوي قائد فصيل السلط وأحد أبطال معركة واد سباس، والشهيد جمال جقه السلطي والشهيد عدنان الزقزوق ابو غالب. وقد أصيب في هذه المعركة القائد عبدالله البيروتي، والمجاهد مصطفى الشيخ محمد من عصيرة الشمالية وآخرون كُثر. وقد انسحب عبدالله البيروتي ببقية الثوار الى منطقة (عين الدوا) شمال عقربا وعسكروا في مغارة (الرتمه) وقام أهالي عقربا بنقل الطعام والدواء للجرحى من الثوار.(26)

- معارك عقبة زعترة وعيون الحرامية وواد البلاط وليّات اللبّن:
كانت هذه المناطق مرتكزاً اساسياً لنتفيذ العمليات ضد جيش الاحتلال البريطاني طوال سنوات ثورة فلسطين الكبرى (1936-1939) فهي تقع على طريق نابلس - القدس الذي يعتبر الطريق الحيوي الذي يربط الشمال بالجنوب لأن طريق الساحل اليهودية لم تكن أنشئت وكانت قوافل سيارات اليهود والحكومة والجيش مضطرة للمرور من هذه الطريق إلى شمال فلسطين، ثم لموقعها المميز من حيث صعوبة التضاريس المحيطة بالموقع، وسهولة تنفيذ العمليات والانسحاب قبل وصول النجدات والامدادات العسكرية، وَبُعْدَهما عن المُدن ذات الثقل والمراكز العسكرية. فهي تتوسط طريق نابلس- القدس، ولا ننسى قربهما من القرى العربية التي تُساعد الثوار من ناحية امدادهم بالمتطوعين في المعارك(الفزيعة) وسهولة انسحاب واختباء الثوار في هذه القرى.
وقد نفذت عشرات العمليات العسكرية في هذه المواقع طوال فترة الثورة 36-39، بل إن البعض أشار الى أن خميس العقرباوي وعبدالله البيروتي وبعض الثوار كانوا يَقومون بالعمليات في هذه المواقع من العام 1933( من اللحظة التي أصبحوا فيها مطلوبين للحكومة).
والمعارك بهذه المواقع تأخذ طابع واحد إلى حدٍ كبير من حيث نصب الكمائن وإغلاق طرف الشارع ثم اغلاق الطرف الآخر مما يتيح للثوار أكبر وقت من الاشتباك قبل وصول الامدادات وفتح الطريق للوصول لموقع المعركة.
وأحياناً كان الثوار يُغلقون الشارع ويستحكمون إلى حين مرور دورية للاحتلال فينتظرون نزول الجنود لفتح الشارع حتى يفاجئوهم بالرصاص .. فيوقعوا أكبر عدد منهم قتلى وجرحى.
وقد تنبه الاحتلال لخطورة هذه المواقع وصعوبة السيطرة عليها وأدرك أنه بات من الصعب ايقاف عمليات اطلاق النار من قبل الثوار. لوعورة المنطقة واستحكام الثوار، ولذا لجأ إلى اعتقال الفلاحين والمزارعين من الرجال والنساء والأطفال ووضعهم في العربات لحين مرورهم من الكمائن (دروع بشرية)، لكن هذه الوسيلة لم تنجح حيث كان هؤلاء الفلاحين يبدأون بالغناء بصوت عالٍ ليحددوا للثوار مواقعهم، فان وُضعوا في المقدمه أنشدوا(27):
عَلَى دَلْعْــونَـا وعَلَى دَلْعْــونَـا
واحـنا الأوالا ولا تضـربونا
وإن وَضَعوهم في مُؤخرة السيارات العسكرية أنشدوا:
عَلَى دَلْعْونَا وعَلَى دَلْعْونَا
واحنا التيالا ولا تضـربونا
وبالتالي لم تنجح هذه الوسيلة في ايقاف هجمات الثوار عبر هذه المواقع. واستمرت حتى نهاية الثورة ولم يقتصر الأمر على عبدالله البيروتي وخميس العقرباوي إذ قام غاليبة الثوار في المنطقة المحيطة بهذه الطريق (نابلس – القدس) باتباع هذه الوسيلة عبر هذه المواقع التي ذكرتها.

• وفي العام 1938 حدث بعض الفتور والتراخي من قبل الثوار في منطقة المشاريق لإنقطاع الذخيرة وازدياد الأعباء التي فُرضت على القُرى من قبل الاحتلال البريطاني ولذا نشأ تراخي وفتور شجعه بعض الذين عارضوا الثورة في نابلس ووقفوا في وجهها، وقد بعث عبدالله البيروتي بكتاب إلى القائد العام عبدالرحيم الحاج محمد يشكوا إليه الأمر. فكان جواب القائد العام للثورة (28):
ديوان الثورة العربية في فلسطين
الجبال- 19/10/38
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزي المجاهد عبدالله البيروتي
إنني أشعر بالامتعاض من الحالة التي وصل إليها المجاهدون في قرى المشاريق. إننا نفعل كل ما بوسعنا من أجل المجاهدين، ولكنني لا أستطيع أن أقبل وضعاً لا يقوم فيه المجاهدون بواجبهم.
عليك أن تعاقب بشدة كل الذين يحضُّون المجاهدون على الإضراب، عليك ألا تسمح لأي شخص يجعلك مسؤلاً عن هذا التمرد.
لن أسمح للمجاهدين بالكف عن العمل إلى أن تجيء الذخيرة، إنني أرى في هذا العمل رفضاً، والرافضون بنظري أسوأ من الكفار. لقد حذرنا القرويين من التعاون مع الخونة. وسنفرض على الخونة عقوبات شديدة.

خادم دينه ووطنه – المجاهد الصغير
عبدالرحيم الحاج محمد

وبعد هذه المعارك والبطولة التي خطها القائد عبدالله البيروتي انتقل فصيله إلى منطقة الجنوب (الخليل، الفالوجة، غزة) وذلك بتكليف من القائد العام عبدالرحيم الحاج محمد. وقد قام فصيل عبد الله البيروتي بعدة عمليات في تلك المناطق. حيث كانت الثورة هناك في حالة من الضعف. ومن بين العمليات التي نفذها القائد الشجاع عبدالله البيروتي في منطقة الجنوب عملية قتل عمال شركة الكهرباء قرب قرية المسمية.(29)
- آخر مهامه الجهادية:
وصل للقائدعبدالله البيروتي كتاب من الشيخ عبدالفتاح المزرعاوي قائد منطقة رام الله يطلب منه مرافقة القائد عبد القادر الحسيني وايصاله إلى منطقة طوباس ليُغادر البلاد إلى الشام(30).
فقام عبدالله البيروتي بترتيب الأمر لاصطحاب الرجل وابلاغه هدفه، فقام بمرافقة القائد الحسيني إلى طوباس حيث جهز للأمر عدد من رجاله فصحبه حتى منطقة طوباس، ولما تأكد من عبوره وأنه أصبح في مأمن عاد إلى بيت دجن فبيت فوريك حيث بقية فصليه.
- عبدالله البيروتي ومحكمة الثورة:
منذ الأيام الأولى لإنطلاق الثورة عام 36 كان هناك توجه لدى قادة الثورة لإيجاد محكمة للثورة تُعنى بمتابعة المتعاونيين مع الإحتلال البريطاني ومنشأ هذا الوعي بضرورة نقاء الثورة واستمراريتها بدون متابعات واختراقات خطيرة. ولذا فقد تقرر في الإجتماع الذي عقد بتاريخ 10-8-1936 في منطقة طوباس تشكيل محكمة للثورة تتولى مهمة محاكمة المتعاونيين مع العدو(31)..
ثم أقرها القائد فوزي القاوجي وأمر بتشكيل محكمة للثورة تتابع ذات الأمر وتهتم به، وذلك أثناء فترة توليه القيادة العامة للثور الكبرى في فلسطين ..
ويبدو أن هذه المحكمة (محكمة الثورة) أخذت دور المحاكم المدنية حيث أصبحت تَبتُّ في الخلافات والمشاكل بين الناس، وأخذ الناس يلجأون اليها لطرح مشاكلهم وخلافاتهم بدلاً من التوجه للمحاكم المدنية، ولعل سبب اقبال الناس على هذه المحاكم التابعة للثورة سرعة تنفيذ القرارات وثقة الناس بالثوار ولما يرجونه من عدالة عندهم .
يُشار إلى أن هذه المحاكم قد (وضعت حداً سريعاً لحالات النهب والسرقة في الدرجة الأولى على الرغم من قلة هذه الحالات في تلك المرحلة من الثورة ولا شك أن تأليف المحكمة وسرعة انجازها في الأحكام ونزاهتها كانت سبباً مهما في الحفاظ على أجواء الأمن. كما كانت المحكمة تنظر في دعاوي التجسس).(32)
وفي منطقة مشاريق نابلس تبين من خلال القصص الشفوية والوثائق أن محكمة الثورة كانت تمارس عملها وأن قادة الفصائل كانوا يمارسون القضاء بين الخُصماء ولا نعرف إن كان ذلك اجتهاداً منهم أم تكليفاً من القيادة العامة للثورة.
ومن بين الوثائق والروايات التي جمعتها تأكد لي أن اثنين من قادة الثورة في المشاريق كانا يوقعان على القرارات المتعلقة بالقضاء وهما: القائد عبد الله البيروتي وخميس العقرباوي، وتتنوع القضايا التي تم تسجيلها أو الحصول على وثائق حولها. وأكتفي هنا بذكر حادثة واحدة(33) :

اجتمعت محكمة الثورة صباحاً وقام الشهود بحلف اليمين. الشهود هم: حمدان الحلاوة وحسن السليم من عورتا، وشهدوا أن قاسم الشيخ حسن اتفق معهم على أن يدفع لسليم الحسن مبلغ 40 ليرة ثمن أرضه. لذلك تقرر أن يدفع سليم الحسن 40 ليرة لورثة قاسم وأن تنقل جميع أراضيه لسليم بعد أن يدفع مبلغ ال40 ليرة .

التوقيع:
القائد عبد الله البيروتي
القائد خميـس القـنـبـر


وهذه تشير بوضوح لدور الثورة في رد الحقوق لأصحابها وحضور قادة الثورة كَقُضاة في المجتع القروي أثناء فترة الثورة(36-39) ولعل الطابع القروي عموماً يدعم مثل هذه المحاكم حيث كان الفلاحون يعتمدون على القضاء العشائري والقضاة المحليين من الوجهاء والمشايخ المعروفين لحل خلافاتهم ومشاكلهم، الأمر الذي عزز محاكم الثورة وأعطاها طابعاً شرعياً لدى عامة الناس.
وفي إحدى الوثائق يسجل القائد عبدالله البيروتي حادثة حصلت معه في قرية بيت دجن شرق نابلس، وهي في الحقيقة تستدعي الانتباه لأهمية هذه الوثيقة والداعي لكتابتها ، وتبين حرص الثورة على تدوين تفاصيل الأمور، ولعل هذا الأمر اشتهر به عبدالله البيروتي حيث كان يمتلك مذكرة شخصية يحرص على الكتابة فيها. غير أننا لم نستطع الحصول عليها، وتفاصيل هذه القصة(34):
قيادة الثورة في جنوب سوريا
قائـد فصـيـل خالـد بن الوليـد
عــبـد الله الــبـــيـــروتــــي

شــــهـــادة
الاسم: علي محمد حسين من قرية دير الحطب
الديانة: مسلم المهنة: مزارع
بتاريخ 241038 كان لدينا عرس في قرية دير الحطب وكنت موجود في هذا العرس الذي كان في الساعة (7:30) بعد الظهر وبعد أن دفع مهر العروس حسب العادة أخذت أمزح مع عبد العزيز بن يوسف الحمد ونتيجة لهذا المزاح نشبت خصومة بين إبراهيم عبدالرحمن وبيني، فتدخل بعض الحضور وقالوا: "صلوا على النبي"، وهنا شتم إبراهيم عبدالرحمن النبي . وكان فصيل خالد بن الوليد بقيادة عبدالله البيروتي موجود في المكان، فسمع بعض مقاتليه أقواله وحاولوا منعه واعتقاله إلا أنه هرب من المكان إلى الحرس الذين كانوا في الداخل يحرسون، فحاول الحرس اعتقاله فرفض الامتثال لهم فأطلقوا عليه النار فانفجرت البندقية بيد أحد الحراس الذي أطلق النار.
التوقيع : على محمد حسين

أنا عبدالله البيروتي قائد فصيل خالد بن الوليد . كنت في دير الحطب في الساعة (7:30) وكان هناك عرس في القلعة. وعند دفع الفلوس سمعت أحداً يسب النبي عليه الصلاة والسلام فسألت أهل القرية عمن أصدر الشتيمة إلا أن أحداً منهم لم يعترف . وعندما حققت في الأمر سمعت طلقات من جانب الحرس، الذي كان يقف في طرف القلعة وحالاً أخرجت فصيلي خارج القرية حسب التعليمات الموجودة معنا خشية تطويق القرية .
وجاء إلي أحد الحراس وأبلغني أنه رأى شخص ما يهرب من الحرس وعندما دعوه للوقوف رفض الانصياع لهم فأطلقوا عليه النار ولكن عندما أطلق الحارس النار من البندقية التركية انفجرت البندقية، وعندما تأكدت من عدم وجود جيش بريطاني في المكان عدت إلى الموقع وبحثت عن الشخص الذي هرب فأبلغني الناس بأن الشخص هو إبراهيم عبدالرحمن وهرب بعد اسائته للنبي
المعتمدعلى الله
عبدالله البيروتي

- مقتل القائد عبدالله البيروتي :
في العام 1939 ضعفت الثورة ونشط دور فصائل السلام التي لاحقت الثوار وكانت عوناً للاحتلال وعيناً له، ثم كان استشهاد القائد العام للثورة عبدالرحيم الحاج محمد (2931939) وما تلا ذلك من اغتيالات واعتقالات لقادة الفصائل. فأصبح حال الثوار صعباً وبات عليهم بذل جهد أكبر في حماية أنفسهم والحذر من الوقوع في قبضة الاحتلال وفصائل السلام.
وكانت الثورة في تلك الثورة في حالة يائسة والكلمة في الميدان للاحتلال وأعوانه ورجالات فصائل السلام الذين لم يدخروا جهداً لملاحقة الثوار والايقاع بهم. وبات قادة الثورة يترجلون واحداً تلو الآخر اعتقالاً أو اغتيالاً أو هرباً خارج البلاد.
في تلك الفترة كان غُرماء عبدالله البيروتي وخصومه السابقين في قرية عقربا يستعدون للأخذ بثأر قتيلهم الذي تفرر عبدالله على إثر قتله في العام 1932م، وقد استغلوا سوء أحوال الثورة وضعفها وقوة فصائل السلام والحكومة وتعقبها للثوار، وبالتالي فإن أنسب وقت للأخذ بالثأر كان في هذه الفترة.
وقد حاولوا نصب عدة كمائن لعبدالله البيروتي دون علمه غير أنه أفلت منهم، ولم يظفروا به، وقد علموا من خلال المراقبة أي الطرق يسلكها القائد عند قدومه للبلدة. ولذا قاموا باعداد الكمين بين الجبال وتوزعوا في عدة أماكن وانتظروا سطوع الشمس لكي يظفروا بالرجل الثائر الذي اعتاد أن يسير في مقدمة المجاهدين الذي يصحبهم معه وفجأة دوى صوت الرصاص، وكانت أول رصاصه أصابته في كتفه فانحنى باتجاه الأرض عن ظهر حصانه فأبصر رأس أحدهم قبل أن يصل الأرض فأطلق عليه النار وهو مصاب فأسقط (العقال) عن رأسه، وهذا من مهارته واجادته لاستخدام السلاح. وبدأوا باطلاق النار عليه بغزاره فقتلوه ومثلوا فيه. ولم يشفع له جهاده وبطولته في وجه اليهود والاحتلال البريطاني. (35)

وللأمانة فإنني أقول إن هناك ملاحظات وجهت للقائد عبدالله البيروتي من قبل البعض في قريته، كاستغلال موقعه في الثورة، ولذا دائماً تجرى مقارنة بينه وبين القائد الشعبي خميس العقرباوي، وقد أشار البعض إلى نزعة عبدالله البيروتي الجبارة وسطوته الشديدة وخصوصاً على غُرمائه وخصومه، ولعل هذه أحد الأسباب التي دعت القائد العام للثورة لتوجيهه لمنطقة الجنوب في مراحل الثورة الأخيرة.. ومع ذلك لم تبلغ هذه الملاحظات درجة اتهام الرجل بصريح القول بأنه أساء للثورة وأساء استخدام موقعه. لكن بلا شك بأنه سجلت عليه ملاحظات عدة سآتي للحديث عنها لاحقاً إن شاء الله.
وبعد مقتل عبدالله البيروتي حدثت انتكاسة حقيقة في الثورة في مشاريق نابلس ولم يبقَ من ثوار مشاريق الجبل إلا فصيل خميس العقرباوي، أما تركي عديلي فقد إلتحق بفصائل السلام ثم اعتزل ولزم بيته.
وقد كان لإستشهاده رحمه الله أثر في الثورة وقد خُلد ذكره في المراثي والأهازيج الشعبية التي كانت تتردد في الأعراس والمناسبات وتحكي عن بطولته وجهاده ومنها:
وأنـا أخــوي عبدالله .. ضرّاب القله يا ما شا الله
ألا فل تحيا عبدالله .. يا سيطه واصل خلق الله
علمي يا بطل بارودتك جنبك .. علمي يا أبو عزيز ما حدا بقدرلك
علمي يا بطل بارودتك فايدك .. علمي يا أبوعزيز ما حدا بكيدك
رحمك الله يا أبا عزيز ورحم رفاقك المجاهدين الذين سطروا ملاحم الفخر على أرض فلسطين.