مشروع اعادة احياء وتأهيل نهر قويق في سوريا بقلم:ريّان ذنون العبّاسي
تاريخ النشر : 2011-10-27
شروع اعادة احياء وتأهيل نهر قويق في سوريا
ريّان ذنون العبّاسي
رئيس قسم الدراسات السياسية والإستراتيجية
مركز الدراسات الإقليمية / جامعة الموصل
[email protected]

أولت سوريا في الماضي اهتماماً كبيراً بالثروة المائية ، فحرصت على كريّ الأنهار الجارية فيها من أجل المحافظة على ديمومتها واستمرار وصول مياهها إلى المستفيدين منها. كما كانت الحكومة تقوم قديماً عن طريق دائرة البلدية بجمع بعض المال سنوياً من الأشخاص الذين يستخدمون مياهه لأغراض الشرب والزراعة يطلق عليه اسم (مال النهر)، يخصص من أجل إعادة بناء ضفتيه بإزالة الأتربة عنه والرواسب التي تغمر مياهه.
وبعد انقطاع مياه النهر عن سوريا منذ أربعينيات القرن الماضي ظلت فكرة إعادة الحياة إليه حلماً راود مخيلة الكثير من كبار المسؤولين في البلاد وعلى رأسهم الرئيس حافظ الأسد (1969-2000)، الذي عاش جزءاً من ذكريات حياته مع هذا النهر عندما كان يدرس في المدرسة الحربية، حيث عرضت عليه فكرة إحيائه أثناء حضوره اجتماعاً مع بعض وجهاء مدينة حلب عام 1972، لكنها ظلّت فكرةً بعيدة المنال حتى أصبحت حقيقةً ملموسة في عهد خلفه بشار الأسد.
في الواقع طرأت فكرة لدى المسؤولين المختصين في سوريا تتلخص بإمكانية الاستفادة من حصة بلادهم من مياه نهر الفرات لتحويلها إلى مجرى نهر قويق بعد إعادة تأهيله وتنظيفه في خطوةٍ ترمي إلى إحيائه مرةً ثانية. وهذا ما أوضحه وزير الـريّ المهندس نـادر البني بقوله: " ... المشروع سيتيح الاستفادة من 55 م3/ثا عبر القناة الرئيسة، القادمة من نهر الفرات إلى سهول حلب، بالإضافة لأخذ مأخذ بطاقة تصريفية 4 م3/ثا باتجاه مجرى نهر قويق الذي يخترق مدينة حلب لمسافة 18 كم ، وعليه قررت الحكومة التي رصدت الاعتماد إنشاء قناة جر بطول 55 كم ".
بدأت الأعمال الأولية لتنفيذ هذا المشروع وإعادة إحياء النهر في كانون الأول / ديسمبر 2004، واستمرت لغاية 2008 تم خلالها الانتهاء من تنفيذ المراحل الأخيرة من مشروع ضخ مياه الفرات في نهر قويق، ثم أعقبه القـيام بعمـلية تجريبية تهـدف إلى ضـخ ( 3 م3 / ثا) لاستجرار المياه من نهر الفرات لكي تصب بشكلٍ شلالي في منطقة حندرات شمال مدينة حلب، مروراً بالحديقة العامة التي تتوسطها وصولاً إلى محطة المعالجة التي تقع في منطقة (الشيخ سعيد) في الجهة الجنوبية من المدينة.
1- الافتتاح الرسمي للمشروع وأهميته
في الخامس من كانون الثاني / يناير 2008 جرت مراسم افتتاح مشروع ( إعادة تأهيل وإحياء نهر قويق في حلب) من قبل الرئيس بشار الأسد، وبحضور رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد ناجي عطري ووزير الريّ المهندس نادر البني ووزير الإدارة المحلية والبيئة المهندس هلال الأطرش ومحافظ حلب تامر الحجة. وابتدأ الرئيس الأسد جولته بزيارة محطة (مسكنة غرب) الواقعة في منطقة (السفيرة) شرقي مدينة حلب، حيث أطلقت المياه من قناة جر نهر الفرات والتي تبعد (20) كم عن موقع السقوط الشلالي باتجاه مجرى نهر قويق، بتدفق بلغ (3 م3/ثا) ، إيذاناً بعودة الحياة إلى هذا النهر الذي يخترق حلب من شمالها إلى جنوبها بعد انقطاعٍ دام زمناً طويلاً.
وبعدها تولى وزير الريّ ومحافظ حلب ومدير المشروع محمد الكريط ، على تقديم لمحةٍ موجزة عن مراحل تنفيذ المشروع وأهدافه وأقسامه، من مأخذه إلى مصبه في خزان طومان من خلال شاشةٍ الكترونية مزودة بالصور الثابتة والفيديو.
ثم تساءل الرئيس الأسد عن فرق منسوب المياه وتكلفة عملية الضخ وتجميل وتأهيل مجراه داخل المدينة، وعن موقع مشتل مديرية الزراعة الواقع ضمن خط سيره، قبل أن يعطي الرئيس توجيهاً إلى محافظ حلب بضرورة تحويل هذا المشتل وكافة موجوداته إلى مكانٍ أخر تخصص له حديقة عامة تبلغ مساحتها (12) هكتار يتم إنشاؤها خلال عامٍ واحد.
بعد ذلك اطلع الأسد على منشاة السقوط الشلالي عند (مشفى الكندي) الذي يشكّل أول أقسام المشروع والأعمال التي أنجزت فيه، أعقبها تفقّد عملية إسالة المياه في مجرى نهر قويق في الحديقة العامة والذي يبلغ طوله (650) م ليشاهد من خلالها المياه وهي تجري نحو مجراه الذي ينقسم إلى قسمين مسقوف ومكشوف.
وفي سياقٍ متصل أكد رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد ناجي عطري، أن حكومته عازمة على تعميم هذه التجربة الفريدة على بقية المدن السورية الأخرى بقوله: " هذا المشروع جعلنا نفكر في أن نعرج أمثال هذا المشروع في عددٍ من المدن السورية، وقد تحدثت مع وزير الريّ أن نطبق هذه التجربة في مدينة دمشق الجزء المعمور فيها وأيضاً في حمص وحماه، وأن نعيد إحياء مجاري الأنهر داخل المدن السورية بإمكانياتنا الفنية وبوسائلنا وقدرات مهندسينا وخبراتنا الفنية ". مؤكداً أن: " تجربة جر المياه إلى المدن ستطبق في دمشق وحمص وحماة والمدن السورية كافة ".
أما وزير الريّ المهندس نادر البني فقد قال : "إن بلاده تعمل اليوم على إحياء الأنهار الجافة وهي قـضية مهمة ودائماً نسـمع عن أنهارٍ جفّت ولا نسمع عن أنهارٍ عادت لها الحياة ".
وفي سياقٍ متصل أيّد وزير الإدارة المحلية والبيئة المهندس هلال الأطرش ما ذهب إليه وزير الريّ قائلا: " هناك تعاطف حقيقي وجدّي مع موضوع إعادة الحياة للأنهر الجافة في دمشق، حماه، حمص، وغيرها من المدن ".
2- وصف المشروع وأبرز أقسامه الفنية
نحاول في هذا المقال أن نسلّط الضوء على التفاصيل الفنية لمشروع إعادة تأهيل وإحياء نهر قويق في حلب، كونه يمثل تجربةً فريدة من نوعها في تاريخ سوريا ،وهي تحاول جاهدةً أن تستثمر جميع ثروتها المائية في مجال تنمية البلاد من النواحي الاقتصادية والسياحية.
أ- وصف المشروع: ويتألف من شقين
- الشق الأول جر (4) م3/ثا من نهر الفرات إلى مجرى نهر قويق: وتم ذلك عن طريق القناة الرئيسة التي تروي مشاريع مسكنة غرب باعتبارها تشّكل المصدر المائي المغذي للمشروع. ويمكن وصفها بأنها عبارة عن قناة شبه منحرفة مكسوة بالبيتون، وذات تدفق يصل إلى حوالي (90) م3/ثا. وتستمد هذه القناة مياهها من بحيرة الأسد قرب قرية (تل حاصل) الواقعة خلف سد الفرات، عبر محطة الضخ الرئيسة في منطقة (البابيري) على طول قرى (مير الحصين) و (تيارة) و (نقاربين) و (الشيخ زيات) و (عويجة).
وبحسب المخطط الموضوع لهذا الشق فان حصـة المدينة الصناعية في الشيخ نجار تبلغ (1) م3/ثا ، في حين يجري الباقي (3) م3/ثا إلى مصب مجرى نهر قويق عند نقطة مخيم (حندرات) الواقع شمال مدينة حلب وصولاً في النهاية إلى منطقة الشيخ سعيد جنوب المدينة بطول يبلغ (20) كم.
- الشق الثاني تأهيل مجرى نهر قويق:ويبدأ من مصب مشروع جر (4) م3/ثا شمالي المدينة عند مشفى الكندي مروراً بمشتل مديرية الزراعة والحديقة العامة وسوق الهال والشيخ سعيد، وينتهي عند مصبه في محطة معالجة مياه الصرف الصحي للمدينة.
وبلغ طول إعادة تأهيل هذا المجرى حوالي (18) كم بدءاً من داخل المدينة حيث تم اكساء وصيانة وتجديد مقاطعه العلوية لمجراه العام على مساحة (12) كم.
ب- أقسام المشروع وهي تتفرع إلى شقين أيضاً
- الشق الأول الخاص بجر (4) م3/ثا من نهر الفرات إلى مجرى نهر قويق ويتألف من:
1- منشأة المأخذ على القناة الرئيسة التي تروي مشروع مسكنة غرب مع البوابات المعدنية التي تقع في منطقة محطة ضخ البابيري على نهر الفرات.
2- قناة مكشوفة مكسوة بالبيتون المسلّح ذات مقطع شبه منحرف بطول (245) م .
3- محطة الضخ المؤلفة من (أربع) مضخات، ثلاث منها رئيسية والرابعة احتياطية ( أفقية ذات طرد مركزي)،يبلغ تدفق كل واحدة (53,1) م3/ثا ، وتعطي تدفقاً قدره(4) م3/ثا .
4- أنبوب الدفع الفولاذي، وقطره (1700) ملم بطول (625,6) كم.
5- منشأة المفرغ السيفوني.
6- خط الإسالة الذي يتألف من أنبوب بيتوني، يبلغ طوله (4) كم بالنسبة لمناطق الحفر ذات العمق اقل من (4) م، وأقطار (1700) ملم و(2000) ملم.ومن أنبوب بولي ايثيلين بأقطار تبلغ(1600) ملم و(1800) ملم ذات طول يبلغ (580,8) كم في مناطق الحفر العميقة.
7- منشأة السقوط الشلالي أمام مخيم حندرات في نهاية مشروع الجر (4) م3/ثا عند مشفى الكندي .
- الشق الثاني الخاص بإعادة تأهيل مجرى نهر قويق ويبدأ من
1- منطقة السقوط الشلالي عند مشفى الكندي حتى جسر مديرية الزراعة بطول (5,6) كم يتخلله (5800) م داخل المشتل الزراعي خلف مديرية الزراعة، حيث تم إكساء المقطع العلوي بالحجر الأصفر،وإكساء مجرى النهر في موقع الحديقة بطول (550) م للجزء المكشوف انتهاءً بالقسم الجنوبي من المجرى الذي يبدأ من منطقة سوق الهال إلى محطة المعالجة، وهو بطول (6600) م ويدعى بالقسم الجنوبي من مجرى النهر ويقسـم إلى جزئين:
- يسير الأول من سوق الهال إلى جسر السنديانة بطول (2400) م.
-يسير الثاني من جسر السنديانة إلى الهدار بطول (4200) م .
2- القيام بتنفيذ أعمال إزالة الاكساء البيتوني القديم، وتنفيذ عمليات الحفر والردم، وتنفيذ قميص بيتوني مسلح بسماكة (10) سم، وإكساء الأكتاف الأفقية بالبيتون المسلح بسماكة (12) سم وعرض (5,1) م مع اكساء الميول الخارجية ضمن المشتل الزراعي بالحجر الأصفر المنشور بسماكة (10) سم، وتنفيذ أعمال الصرف للمياه الجوفية.
3- التكاليف المادية لإنشاء المشروع
بلغت التكاليف الإجمالية لمشروع إعادة تأهيل وإحياء هذا النهر الذي بوشر العمل فيه منذ منتصف كانون الأول / ديسمبر من عام 2004 ، نحو (2,1) مليار ليرة سورية بما فيها تكاليف توريد وتركيب التجهيزات الميكانيكية والكهربائية والهيدروميكانيكية وخط نقل القدرة للمشروع، بحجوم أعمال رئيسة وصلت إلى (2,1) مليون م3 للردميات المخـتلفة، و(56360) م3 للأعمال البيتونية.
4- دور الشركات الفنية الاستشارية في بناء المشروع
بذل القائمون على إنشاء المشروع جهوداً مضنية استحقت أن تكون مفخرة لعمل جبار وكبير تفتخر به سوريا على جميع الأصعدة، بعد أن تمت أعمال التصميم والتنفيذ والتمويل بخبراتٍ ومؤهلاتٍ وطنية قامت بها كوادر الشركات العامة السورية. وفيما يلي استعراض مختصر لأهم الأعمال التي قامت بها هذه المؤسسات.
1- الشركة العامة للمشاريع المائية
قامت كوادر هذه المؤسسة بتنفيذ وتأهيل مجرى نهر قويق في الحديقة العامة الذي يبلغ طوله (650) م. وأوضح مدير الشركة (معد المدلجي) إلى أن (المشاركات) التي قدمتها شركته أيضاً شملت عملية ضخ مياه الفرات النظيفة باتجاه مجرى إحياء النهر.
2- المؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي- فرع حوض الفرات الأعلى
أوضح مديرها (عبد المجيد المصري) أن دور شركته اقتصر على المساهمة في إكمال عملية الضخ التجريبي الذي سبق عملية الافتتاح النهائي للمشروع.
3- مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية (متاع)
أكد المدير التنفيذي لهذه المؤسسة (أياد طه) تجاوز كل العقبات التي وقفت حائلاً أمام تنفيذ المشروع مشيراً إلى: " التحديات التي فرضتها أعمال الحفر الكبيرة ومد الأنابيب إلا أن كل الأمور تيسرت لتنتهي بعد شهرين من العمل الدؤوب الذي بدأناه عام 2005 ".
4- الشركة العامة للصرف الصحي
أشار المدير العام لهذه الشركة (وائل علوان) أن الشركة التي استبقت عمليات المباشرة بتنفيذ المشروع منذ عام 2003، تعتبر بحق الجندي المجهول الذي أزال مصبات الصرفين الصحي والصناعي والبالغ عددها (49) مصباً، تبدأ من جسر الكندي إلى محطة المعالجة لمساحة تبلغ (24) كم وصولاً في النهاية إلى عمليات الإزالة ما عدا منطقة الدباغات الواقعة جنوب مدينة حلب والتي سيجري معالجتها لاحقاً بإنشاء محطة معالجة خاصة بها.
5- مجموعة شركات (المتين) للتجارة والصناعة
أشار رئيسها (لبيب اخوان) إلى أن: " أنابيب البولي ايتيلين صنعتها إحدى شركات مجموعتنا التي تعمل في مجال الصناعات الزراعية ومنها صناعة الأنابيب من قطر (16) ملم إلى (2000) م، وتكاد تكون صناعة هذه الأنابيب قفزة نوعية على مستوى الصناعة السورية وخاصةً للأقطار الكبيرة (20) م المنفذة بنهر قويق وخصوصاً في أعماق بلغت في بعض المواقع إلى (20) م؛ وكنا بلغنا الصعوبات التي واجهتنا في أعمال التركيب لجهة تضاريس المشروع وانحناءاته وتكيفنا مع طبيعته بما يخص مسألة الأعماق والالتواءات ، وهي سابقة الأولى من نوعها في سورية نطمح إلى تعميمها في مشاريع أخرى مشابهة ".
4- أهداف المشروع
تحرص الحكومة السورية على وضع الخطط والدراسات الطموحة لنظامٍ استثماري شامل يضمن لها تحقيق أهداف هذا المشروع في أسرع وقتٍ ممكن وبالشكّل الأمثل بما يسهم ويعزز ازدهار محافظة حلب وتقدمها وتطورها. وفيما يأتي أبرز هذه الأهداف:
أولاً- الأهداف الصناعية
لغرض تنمية الاستثمار بصورةٍ صحيحة في مدينة حلب، تقرر تأمين الاحتياجات الضرورية لمنطقة الشيخ نجار بتدفق قدره (1) م3/ثا، على اعتبار أنها تمثل المدينة الصناعية التي ينبغي لها أن تتوفر فيها جميع مستلزمات الاستثمار الناجح لكي تتفاعل مع بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى.
ثانياً- الأهداف الزراعية
تعّد مدينة حلب من أكثر المناطق الزراعية في سوريا، ففيها عدد كبير من المزارع والبساتين. كما أن تربتها غنية بعناصر الحديد لهذا مال لونها إلى الحمرة مما جعلها صالحةً للزراعة، وهذا ما دفع الحكومة السورية إلى التفكير ملياً في إعادة إحياء نهر قويق من أجل العمل على استثمار هذه الأراضي، وهو ما أوضحه رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي عطري بقوله: " إن كمية 3 أمتار مكعبة في الثانية التي أصبحت تضخ هي نفس الكمية التي كانت عليها غزارة نهر قويق سابقا أي حوالي (100) مليون متر مكعب سنويا، ستروي سهول جنوب حلب " . كما أكد عطري أن هنالك أهداف أخرى تنوي سوريا تحقيقها من أجل النهوض بالواقع الزراعي لمحافظة حلب خاصةً والبلاد بصورةٍ عامة هي:
1- إنشاء سد تنظيمي في موقع خزان طومان الذي سيوضع حجر أساسه قريباً، وبتكلفة قدرها (5) مليار ليرة سورية، من أجل تخزين حوالي (70) مليون م3 من مياه نهر قويق التي ستستخدم لاستصلاح (20) ألف هكتار على مدى الخطة الخمسية العاشرة وبداية الخطة الحادية عشرة.
2- سيساعد هذا السد على درء مخاطر الفيضان التي تتعّرض لها منطقة السيحة الواقعة جنوب حلب.
3- تجفيف حوالي (22) ألف هكتار في منطقة السيحة المغمورة بالمياه الآسنة.
4- استصلاح حوالي (65) ألف هكتار في سهول مدينة حلب.
5- الاستفادة من شبكة الصرف الزراعي التي ستقوم بإرواء (65) ألف هكتار المشار إليها أنفاً، وكذلك الأراضي المغمورة بالمياه البالغة مساحتها (22) ألف هكتار في سهول حلب الجنوبية من أجل تخزينها في خزان مويلح الذي سيروي (10) آلاف هكتار. وبعبارةٍ أخرى فان المساحة التي سيتم إرواؤها جميعاً تبلغ (197) ألف هكتار وتسمى بـ( المنظومة المتكاملة لإدارة الموارد المائية) بكلفة تقديرية تبلغ حوالي (20) مليار ليرة سورية.
6- تدقيق ومعاينة التركيبات الكهربائية في مبنى التحكم لمحطة الضخ .
7- استعمال مياه ذات خواص جيدة ملائمة للريّ بما يحقق الفائدة الاقتصادية المرجوة.
ثالثاً- الأهداف السياحية
فسح إنشاء هذا المشروع الباب أمام سكان مدينة حلب للترفيه عن أنفسهم وقضاء أوقاتٍ سعيدة في التمتع بمشاهدة المنشات السياحية التي تمت إقامتها في منطقة المشروع في أوقات فصل الصيف الحار، حيث ستتحول منطقة السقوط الشلالي لنهر قويق والمناطق المحيطة به إلى متنزهٍ يقصده الأهالي من أجل الاستمتاع بهذه المناظر. كما سيتهافت الكثير من الشباب إلى البحيرة الصغيرة التي تصب فيها الشلالات من أجل ممارسة رياضة السباحة ، وهذا ما جعل الكثير من العوائل التي تسكن بالقرب منها تستغني عن السفر إلى الساحل السوري في اللاذقية من أجل الاستجمام وممارسة السباحة.
من هذا المنطلق قررت الجهات المسؤولة عن المشروع إقامة عددٍ من المتنزهات بهدف تحسين الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمناطق والأحياء المطلة على جانبي النهر ، حسب التوجيهات التي أوعزها الرئيس بشار الأسد لمحافظ حلب عند افتتاحه المشروع، منها القيام بمسح المنطقة المحيطة بالمسقط الشلالي-الشلالات- وتحويلها إلى مناطق جذب سياحية ومتنزهات تعمل على تعزيز السياحة الشعبية في المدينة.
وفي سياقٍ متصل طلب الرئيس الأسد أيضاً من محافظ المدينة وأعضاء مجلسها القيام بإنشاء الحديقة السادسة التي تقع قرب المشتل الزراعي الحالي من مديرية الزراعة، وتخصيص مساحة لها قدرها (12) هكتار شرط أن يتم انجازوها في غضون عامٍ واحد.
من جانبه أوضح محافظ حلب تامر الحجة أن : " هذا المشروع يقدم لحلب عدة فوائد هامة: أولها- يشّكل نقطة استقطاب سياحية وتنموية وشعبية مهمة لأهالي حلب وزوار حلب. ثانياً- المشروع عطاء أوجد عطاءً أخر بإطلاق الحديقة السادسة في حلب لتزيد من المساحات الخضراء والمتنفسات الشعبية لأبناء حلب. ثالثاً- وجّه السيد رئيس الجمهورية بتشكيل إدارةٍ خاصة للحفاظ على هذا المجرى وصيانته ".
رابعاً- الأهداف الصحية والبيئية
ترتّب على قيام تركيا بقطع مياه نهر قويق عن سوريا، وإنشائها فيما بعد لعددٍ من السدود على مجراه، نتائج سلبية كثيرة لعّل من أهمها هو تحّول مصبه الواقع داخل الأراضي السورية إلى مكانٍ لتجّمع مياه الصرف الصحي الثقيلة والفضلات المختلفة الناتجة عن مخّلفات المعامل الصناعية الواقعة على ضفتيه،مما ساعد ذلك على انتشار أنواعٍ كثيرة من الحشرات التي تسببّت في إصابة الكثير من أهالي المدينة بالأوبئة والأمراض منها "حبة حلب" أو ما يعرف محلياّ بـ" حبة السنة" التي تنتج عن قرصة البعوض الذي يعيش على أطراف هذا النهر.
وبهدف القضاء على هذه الظواهر الملوثة للبيئة، والحد من تدهور الحالة الصحية للسكان، لجأت الجهات المشرفة على تنفيذ المشروع إلى تحقيق جملةٍ من الأهداف التي تعمل على تحسين الحالة البيئية للمدينة من خلال تنظيف مجرى النهر، والتخلص من المخلفّات الموجودة فيه، والقضاء على الروائح الكريهة المنتشرة على طول مساره ضمن مدينة حلب، إلى جانب توفير الملايين من الليرات التي كانت تصرف في الماضي على معالجة مرض (الليشمانيا) والذي كان مجرى النهر هو السبب المباشر في حدوثه.
وفي هذا السياق أكد تامر الحجة أن: " هذا المشروع يعّد من المشاريع الحيوية والرائدة، والأول بيئياً على مستوى المنطقة إذ تحّولت فكرة المشروع من حلمٍ راود أهالي حلب إلى حقيقةٍ ستكون لها آثار بيئية وسياحية مهمة ".
وأيّد وزير الإدارة المحلية والبيئية المهندس هلال الأطرش ما ذهب إليه محافظ حلب حول أهمية المشروع بيئياً فقال: " إن هناك تعاطف حقيقي وجدّي مع موضوع إعادة الحياة للأنهر الجافة في دمشق ، حماه ، حمص ، وغيرها من المدن لان هناك تغييراً في التعاطي مع الأحواض المائية وهذا التغيير له أبعاد بيئية كبيرة عدا عن تحّول مجاري الأنهار إلى بؤرةٍ لمخّلفات الصرف الصحي والمخلفات الصناعية، وما تحمله من آثارٍ صحية وبيئية ، فمسألة معالجة الأنهار أولوية ومشروع اليوم سينقل حلب من مدينة متدهورة بيئياً إلى مدينة منتعشة ونشيطة سياحياً واقتصادياً ".
إذاً فان هذه التجربةً تعّد فريدةً من نوعها تكاد تكون هي الأولى على صعيد استثمار الموارد المائية في المنطقة، وذلك بإحيائها أحد الأنهار الجافة الذي كانت تصب مياهه سابقاً في مدينة حلب أكبر المحافظات السورية وهو نهر قويق، لتعيد إليه الحياة مرةً ثانية ولكن بحلةٍ جديدة ورونقٍ أخر. ويأتي هذا التحرك في إطار خطوةٍ هادفة ترمي إلى إثبات قدرة الحكومة على القيام بتنفيذ مشاريع مائية مماثلة، لغرض الاستفادة من جميع المصادر المائية المتاحة في البلاد حتى تتمكن من مواجهة التغيّرات الطبيعية والمناخية التي تشهدها المنطقة حالياً بسبب الانخفاض الملحوظ في معدلات سقوط الأمطار وكثرة حدوث موجات الجفاف .
إن النجاح الكبير والمتميز الذي حققته سوريا في مجال إنشائها للمشاريع الإستراتيجية ومنها هذا المشروع الذي اختارت أن تطلق عليه اسم (مشـروع إعادة تأهيل وإحياء نهر قويق)، جاء نتيجةً لاعتمادها على القدرات الذاتية وكفاءة كوادرها الفنية والعلمية المتخصصة، التي نجحت نجاحاً باهراً في التغلب على الصعوبات والعراقيل المختلفة عند تنفيذها لهذا العمل خصوصاً فيما يتعلق (بالتضاريس المعّقدة للنهر) و(مشكلة التلوث الحاصل في مجراه)، مما دفع الجهات الحكومية إلى أن تسارع في الإعلان رسمياً عن عزمها على تعميم هذه التجربة، على بقية الأنهار الأخرى التي تعاني هي أيضاً من مشاكل مشابهة لنهر قويق يأتي في مقدمتها المشاكل البيئية والصحية المنتشرة في أنهار مدن دمشق وحمص وحماه .
اللافت للنظر هنا، وجود تشابهٍ بين مشروع نهر قويق ومشروعٍ أخر يجري استكماله حالياً في تركيا ألا وهو مشروع جنوب شرقيّ الأناضول المعروف اختصاراً (بالكاب).ومن أبرز ملامح هذا التشابه وجود برنامجٍ شامل للتنمية الاقتصادية لجميع القطّاعات في كل واحدٍ منهما، وكذلك وجود برنامج مستقّل لإدارة وحدات كل مشروع على حدا.
ويقيناً أننا في العراق بحاجةٍ ماسة إلى محاكاة التجربتين السورية والتركية في مجال استثمار الموارد المائية، عن طريق وضع الخطط والبرامج الطموحة التي من شأنها أن تؤدي إلى عدم ضياع هذه الثروة المهمة، فكثير من الأنهار التي تجري في العراق اليوم، قد جّفت مياهها لأسباب كثيرة مما تسبّب في خسارتها وجفاف الأراضي الزراعية وهجرة سكان الأرياف منها إلى المدن، كما هو الحال بالنسبة لبعض الروافد الحدودية المشتركة مع إيران مثل نهريّ الوند وسيروان،اللذين أخذت مياههما تنحسر وتجف بسبب قيام السلطات الإيرانية بتحويل مجراهما إلى داخل أراضيها.كما ينبغي على الحكومة العراقية أيضاً أن تتحرك من أجل إحياء مشروع ريّ الجزيرة المتوقف منذ عام 2003 لما فيه من منافع اقتصادية كبيرة للبلاد.