إخواننا أيها الأسارى يا أحبة الإسلام..بقلم /الشــيخ ياســين الأســطل
الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة
بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين
إن الفرج قريب ، وإن النصر مع الصبر ، أنتم والله الرجال نعم الرجال ، تدفعون الثمن من أغلى ما تملكون عنا ، تدفعون سني شبابكم ، ومقتبل أعماركم ، فلكم الله لكم الله لكم الله يجازيكم ويعلي مكانتكم ، أيها المغاوير الأبطال ، إن الكلمات لتعجز عن الثناء عليكم ، ولكننا نسأل الله عزوجل أن يرفع ذكركم ، ويجزل شكركم ، ويفرج عنكم ، ولتعلموا أن ديننا الحنيف لم يترك شاردةً ولا واردةً إلا أحصاها ، لاسيما الأمور العظيمة ، والشئون الكبرى ، ومنها قضية الأسرى وما يتعلق بها من واجباتٍ وحقوق ، فقد أحكم شأنها ، وأصلح أمرها ، وبين حالها ، فلم يدعها لتخرصات الأفاكين ، ولا لظنون المستريبين ، بل أجلى حقيقتها ، وأعلى ذكرها ، فقد قال جل وعلا في سورة الإنسان :{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) } .
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على فكاك الأسير ، روى البخاري في الصحيح قال : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فُكُّوا الْعَانِيَ يَعْنِي الْأَسِيرَ وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ " .
وفي رواية أخرى عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال البخاري : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :( هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنْ الْوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ . قُلْتُ : وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ ؟ قَالَ : الْعَقْلُ وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) .
وقد كان النبي يفادي الأسرى المسلمين ويعمل على فك أسرهم ، ومن ذلك أنه فادى أسيراً مسلماً برجلين أسيرين من الكفار فقد روى الإمام الدارمي في سننه قال : أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَبِى الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ :( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَادَى رَجُلاً بِرَجُلَيْنِ ) اهـ.
وهذا واجبٌ على ولي أمر المسلمين أن يسعى في فكاك الأسرى وتحريرهم من أعداء المسلمين ، وأن يرعى أهاليهم وأولادهم وأسرهم .
وقد روى البيهقي في شعب الإيمان ما فعله أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال البيهقي : أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَةَ السَّلِيطِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ سَمُرَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَتَبَ إِلَى الْأَسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ:"أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكُمْ تَعُدُّونَ أَنْفُسَكُمُ الْأَسَارَى، وَمُعَاذَ اللهِ بَلْ أَنْتُمُ الْحُبَسَاءُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أُقَسِّمُ شَيْئًا بَيْنَ رَعِيَّتِي إِلَّا خَصَّصْتُ أَهْلِيَكُمْ بِأَكْثَرِ ذَلِكَ وَأَطْيَبُهُ، وَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ، فَلَوْلَا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يَحْبِسَهُمَا عَنْكُمْ طَاغِيَةُ الرُّومِ لَزِدْتُكُمْ، :"يعني بعث بالدنانير من بيت مال المسلمين في المدنية إلى أسَارَى المسلمين في حبس الروم وفي أسر الروم في الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ بعث إليهم بالدنانير ولذلك على ولي أمر المسلمين أن يرصد للأسرى في السجون ما يقيم عودهم ويحفظ عليهم صحتهم وأبدانهم وعقولهم فرضٌ واجب على ولي أمر المسلمين أن يرعاهم عظيم الرعاية"؛فَلَوْلَا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يَحْبِسَهُمَا عَنْكُمْ طَاغِيَةُ الرُّومِ لَزِدْتُكُمْ، وَقَدْ بَعَثَتُ إِلَيْكُمْ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ يُفَادِي صَغِيرَكُمْ، وَكَبِيرَكُمْ، وَذَكَرَكُمْ، وَأُنْثَاكُمْ، وَحُرَّكُمْ، وَمَمْلُوكَكُمْ بِمَا يُسْأَلُ بِهِ، فَأَبْشِرُوا، ثُمَّ أَبْشِرُوا، وَالسَّلَامُ " .
بل إن المسلمين كانوا يحسنون معاملة الأسرى من أعدائهم كحق مكفولٍ لهم في الإسلام بغض النظر عن أي شيءٍ آخر ، فهذه قصة حفلت بها كتب الحديث والتاريخ والسير تبين كيفية معاملة الأسير في الإسلام ، فقد روى البخاري واللفظ له وكذلك مسلم وأبوداود والنسائي وأحمد في المسند قال البخاري :حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:" مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فَقَالَ:عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ،وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ.فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ :"مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟"قَالَ:مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ : " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟" فَقَالَ:عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ:أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ،وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى ؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ.فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ:صَبَوْتَ ؟ قَالَ:لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
أيها الأسرى يا أحبة الإسلام ثم الوطن :أنتم مقل العيون،وثمرات القلوب،ومهج الأرواح ، أنتم الرجال فقد عزت الرجال،أنتم السهام المسددة ، والرماح المشرعة ، أنتم عدتنا عند النوائب ، بكم بعد الله ثباتنا ، وصلاح أمرنا فلتعملوا ولنعمل سوياً معكم على استعادة وحدة الوطن،والخلاص من الاحتلال الغاصب ، وأرجو أن تكونوا ونحن معكم كما أمرنا الله تعالى فيا أخي أيها الأسير في سجون الاحتلال ، إن هناك من هو أسيرٌ قد استهواه الانقسام ، ولكن أنت أيها المسلم على العلم والعمل والأثر يا من تمسكت بفطرتك فلم تبدل ولم تغير في دينك عن نهج السلف الصالحين،فقد أنزل الله قوله:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(24)}الأحزاب .
فلا زالت الأمة في إيمانها بخير رغم المُحْدَثَاتِ - وإن رغم المُحْدِثُون - وهذا ما أخبرنا به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففي حديث مالك الإمام في الموطأ ومن طريقه أحمد ومسلم وأبو داود عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ " . يعني إذا قال إنسان لقد هلك الناس ويظن أنه هو فهو الناجي من الناس وأنه خير الناس فهذا هو أهلكهم وفي رواية فهو أهلكهم -إذا قال ذلك رجل أو قالت ذلك طائفة أو فرقة وإن تسمت بالإسلامية وزعمت أن الناس هلكت إلا هم فهم الهلكى لأن الأمة أمة مرحومة الأمة أمةً مرحومة وإنما ترحم الأمة بضعفائها وضعفائها هم ضعفائها ضعف في الرأي ضعف في المال ضعف في العمل لكنهم على فطرة قويمة وعلى نفس مستقيمة وعلى تسليم لله عز وجل هؤلاء الضعفاء إما بكثرة ذنوب وإما بقلة مال وإما .. وإما.. وإما.. تجدون أنهم هم المقرون المعترفون بذنوبهم هم المقصرون الراجون الرحمة من الله الداعون الله أن ينقذهم من أسر نفوسهم وهواهم فهؤلاء مرحومون بإذن الله سبحانه وتعالى وإن أصابهم من البلاء في الدنيا ما أصابهم فهو كفارة لهم على ما أذنبوا فلا يظنن عامل أنه من عمله ناجٍ مسلم وإنما برحمة الله فلا يملك أحد أن يقول هذا القول لأنه هو الذي هالك والعياذ بالله .
يا عبد الله:أيها المؤمن المتمسك بدينك ، المنصف من نفسك إخوانك والمسلمين والناس أجمعين،إنك أنت الرجل..في زمن عز فيه الرجالُ إذ عزت الرجولة،الرجولة كما دل عليها القرآن والسنة،وكما دلت هي على القرآن والسنة،فالرجولة موقف ، والرجولة آثر ، والرجولة تضحية ، والرجولة عقيدة ، والرجولة سياسة مستهدية بالعقيدة ، والرجولة حيث يوزن الرجل الواحد بألف رجل ، ولا يوزن الألف بالواحد،الرجولة بكلمتها،الرجولة بمعناها وبمدلولها ، الرجولة بقيمتها وآثارها ، وفي المستدرك للحاكم أن زيد بن أسلم حدث عن أبيه ، عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأصحابه:( تمنوا ، فقال بعضهم : أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله وأتصدق ، وقال رجل : أتمنى لو أنها مملوءة زبرجدا وجوهرا فأنفقه في سبيل الله وأتصدق ، ثم قال عمر : تمنوا . فقالوا : ما ندري يا أمير المؤمنين ، فقال عمر:أتمنى لو أنها مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وحذيفة بن اليمان ) اهـ .
انظروا عباد الله كيف يكون التمني لعمل الخير فلنتمنَّ ولنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من العاملين بكتابه الوقافين عند سنة نبيه صلى الله عليه وسلم المتبعين للصالحين الراحمين لعموم المسلمين المُتَّهِمين لأنفسهم الظانين بأنفسهم سوءاً لولا رحمة الله .
إخوة الإسلام والإيمان ، يا عباد الله : فلنسع في تفريج كرب الأسارى ، ولنقم على رعاية أهليهم ، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما والسياق للبخاري بسنده إلى ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ،وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " اهـ .وقد رواه مسلمٌ من طريق أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ،وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ،وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ،وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ ،وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ " اهـ .
يا إخوتاه:فَلْنَعِ ولْنَتَّبِعْ ، ولنسمع ولنطع، وقد صدق الحسن البصري رحمه الله إذ روى ابن أبي الدنيا عن الربيع بن صبيح ، قال : ( كان الحسن يقول:ارض عن الله يرض الله عنك وأعط الله الحق من نفسك أما سمعت ما قال تبارك وتعالى:{رضي الله عنهم ورضوا عنه} التوبة 100؛ وكما رضي المؤمنون عن ربهم جزاهم الرضا عنهم فالجزاء من جنس العمل ، اللهم يا حي يا قيوم ، يا رحمن يا رحيم ، يا سميع يا عليم ، إنا راضون عنك فارض عنا ؛ اللهم ربنا إنا نستهديك فاهدنا يا الله إنك واسع الفضل المبين .
فيا عباد الله ، يا أهل الإسلام : الدنيا مهما طال أمدها ،وزاد مددها ، وصفا ماؤها ، وبرد هواؤها، وأينعت زهرتها ، إنما هي دار الارتحال والفناء ، والبصير اللبيب فيها من أخذ بحاجته من حلالها ولو مازجته مرارةٌ ، ولم يلتفت إلى الحرام فحلاوته كاذبةٌ غَرَّارَة ، يا إخوتاه :فلنتأهب للرحيل قبل حلوله،ولنستعد للموت قبل نزوله،ولنشمر عن ساق الاجتهاد والعمل ، قبل أن يُنَادى بنا ونساقَ للركوب فلا مَهَل ، فإن رواحل الموت قد أنيخت بالأبواب ، وإن الآخرة قد جهزت بجهازها من الثواب والعقاب ، فلا يجدينا اعتذارٌ ولا ينفَعُنَا عتاب ، ولن ينصرنا من دون الله الأهلون ولا الأصحاب ، بهذا جاءت السُّنَّة ونطق الكتاب ، فالجزاء من جنس العمل ، والخير بالخير والبادي أكرم ، والشر بالشر والبادي أظلم .
يا إخوة الإسلام ، يا أهل فلسطين : ما أحرانا أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ،فهؤلاء لهم البشرى ، وأما أنتم يا من ألهته آماله ، وأغرته أعماله ، وأعجبه مقاله ، فعمي هو عنه حالُه ، كيف بكم وقد زال ملككم وسُلِبْتُم أملاككم ؟! ..كيف بكم وقد نزل مما بكم ما ينزل ببابكم ؟!..وما يُسْتَقْبَلُ إنه والله لهو الأدهى والأمر مما بكم ،يوم تقوم الساعة ، إذ تنشر صحائف الأعمال ، وتحشر حفاةً عراةً غرلاً النساء والرجال، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد...البدار البدار ، والتوبة التوبة ، قبل فوات الأعمال ، وانقطاع الآمال، وانقضاء الآجال ، أيها القوم : أحلوا ما أحل الله لا ما أحللتم ، أيها القوم..يا أهل فلسطين...يا أهل غزة يا أهل غزة وتسمونها العزة يا أهل غزة أحلوا ما أحل الله لا ما أحللتم ، وحرموا ما حرم الله لا ما حرمتم ، صلوا الأرحام المقطوعة يا من تملكتم رقاب الناس في غزة أو حتى في رام الله ، صلوا الأرحام المقطوعة وأجروا الأرزاق الممنوعة وزنوا بالقسطاس المستقيم ، لا تتشبعوا بما لم تُعْطَوا فالمتشبع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبي زور أوفوا بما نقضتم من العقود،وأحسنوا بما أسأتم من العهود ، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " وإن حسن العهد من الإيمان "،وقروا الكبير ، وارحموا الصغير ، وأغنوا الفقير ، واجبروا الكسير ، وفكوا الأسير ، فإن أطعتم فأبشروا وأملوا ما يسركم ، وإن عصيتم فانتظروا وَارْجَوا ما يضركم ، فالله الله فيما تحت أيديكم مما بأيديكم ، فإن الجزاء من جنس العمل .
ولتنظروا إلى أهاليكم من نافذتكم وبابكم لا من خارجها ، لننظر لأنفسنا جميعاً من فلسطين وليس من بلاد بعيدة عن فلسطين ، لننظر إلى أنفسنا بأعيننا لا بأعين غيرنا ، ولنسمع لأنفسنا ولنستمع بآذاننا لا بآذان غيرنا ، ولنقرأ كتبنا بألسنتنا لا بلسان غيرنا ، وقد أعذر من أنذر فإني نذير لكم ولي معكم ، فأنا منكم بين يدي أخذٍ عذابٍ أليم إن لم نتب ونرجع إلى الله إن لم نتب ونرجع إلى الله رام الله ليست مكتوبة على من فيها عند الله ، وغزة ليست مكتوبة على من تملك رقبتها عند الله ، لا..لا أبداً لا بل نحن أحرار ولدتنا أمهاتنا وإننا والله لنستعيدن حريتنا رضي من رضي وكره من كره ، لنستعيدن حريتنا بإذن الله رضي من رضي وكره من كره ، لسنا عبيداً ولسنا أُجراء ولا أذلاء عند زيد ولا عند عمرو ولنتق الله في أنفسنا لنتق الله في أنفسنا ولا نبحث عن حل بلائنا من دولة مجاورة قريبة أو بعيدة بل إن حل بلائنا بأيدينا إن دولتنا بأيدينا وإن وحدتنا بأيدينا وإن صلاحنا بأيدينا وإن فسادنا بأيدينا فلنتق الله...فلنتق الله أو ليغيرن الله سبحانه وتعالى من يستحق التغيير ، الله هو الذي يغير:( وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ * إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) الله عز وجل وليس أنا ولا أنت (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الله ينعم علينا نعمة ما نغيرها عنا بنقمة إلا أن نغير ما بأنفسنا من الشكران بالكفران ، ومن الصلة بالقطيعة ، ومن الرحمة بالنقمة والقسوة والغلظة على بعضنا بعضا، اللهم هل بلغت ؟.. اللهم اشهد .
قد يسأل سائل لماذا في كل خطبة الترضي على الصحابة والدعاء للآل، الترضي على الصحابة يخرجنا من الرفض بأن نكون كالشيعة لأنهم يلعنون الصحابة والترضي والدعاء للآل يخرجنا من النصب يعني من الخوارج وممن يصلون أهل البيت العداء والدعاء للأئمة والحكام وولاة الأمر أيضاً يخرجنا من الخوارج الذين يكفرون المسلمين ويكفرون ولاة الأمر فهذا من علامات السني من علامات علماء السنة والجماعة أنهم يترضون عن الأصحاب ويدعون للآل ويدعون أيضاً دعاء بالخير وبالتراحم لولاة الأمور ولعموم المسلمين لأنهم ليسوا سيوفاً قاطعةً ولا حديداً باتراً إنما هم رحمة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم رحمة :{ وما أرسلناك رحمة للعالمين }؛ يا عباد الله : ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال:{إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 ..اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وآله الطاهرين المطهرين ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ، الأئمة المهديين -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي –،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إخواننا أيها الأسارى يا أحبة الإسلام..بقلم:الشــيخ ياســين الأســطل
تاريخ النشر : 2011-10-10
