مفاوضات سياسية عبثية وعمليات استشهادية أكثر عبثية بقلم:د.ابراهيم ابراش
تاريخ النشر : 2005-06-23
مفاوضات سياسية عبثية وعمليات استشهادية أكثر عبثية

Dr. Ibrahem Ibrash

بعد طول انتظار وترقب وإعداد وتخطيط ومراهنات عُقد لقاء عباس وشارون يوم الثلاثاء 21/6 دون أن يخرج من الطرفين أية تصريحات تُطمئن أو على الأقل تُبدد أقاويل فشل اللقاء،وهذا الفشل يضاف إلى رصيد غير قليل من فشل المراهنة على حل القضايا السياسية العالقة بين السلطة وإسرائيل عن طريق طاولة المفاوضات .

وخلال نفس الأسبوع أفشل الجيش الإسرائيلي عملية استشادية كان من المقرر أن تقوم بها فتاة فلسطينية مريضة ومعوقة حصلت على تصريح إسرائيلي للعلاج في إسرائيل ،وسبق ذلك فشل محاولات مشابهة كان يزمع القيام بها فتية تابعين لهذا الفصيل أو ذاك ،وخلال الشهر الماضي تبددت بالتدريج الآمال على صيرورة الانتخابات مدخلا لنظام ديمقراطي فلسطيني كما راهن البعض ،ووسط كل ذلك وربما بسبب كل ذلك تتزايد

حالة الفوضى الأمنية في مناطق السلطة وتتزايد احتمالات انهيار التهدئة مع ما يصاحب ذلك من توتر بالعلاقات ما بين السلطة والمعارضة .....


هذه الصورة المأساوية للمشهد السياسي الفلسطيني والتي تنبني على النظر لنصف الكأس الفارغة، لا تعني تجاهل حقيقة عطاء الشعب ونضالاته ولا تُسقط من الحسبان جهود أولئك الجنود المجهولين الذين يعملون بصمت وتنتابهم حالة من القهر ويبدون كالممسكين بالجمر وسط هذا المشهد المأساوي،كما لا نروم من تكرار خطابنا الذي لا يخلو من قسوة وجلد الذات أحيانا ،الترويج لليأس والإحباط ،بل نروم كشف الحقيقة

وإخراج العقل السياسي الفلسطيني من حالة الإغماء التي يمر بها بسبب خطاب دعائي وإعلامي وشعاراتي ومؤدلج وعاطفي وألا عقلاني ،خطاب يتداخل فيه الجهل مع المكابرة مع الاستهتار مع التآمر،إخراجه من حالة سكر وتخدير هي أخطر وأسوء من سكر وتخدير الخمر والمخدرات ،سكر الشعارات والايديولوجيات والتي ضيعت وغيبت شعوب بكاملها لعقود عن ساحة الفعل والإنجاز .

المشهد المأساوي لا يمكنه إلا أن يترجم بحقيقة وهي الفشل المتعاظم والدراماتيكي للماسكين بزمام الأمور سواء من كان منهم بالسلطة أو أولئك المتربعين على عرش المعارضة . الحقيقة التي لا ينكرها إلا كل مكابر جاهل أو مكابر متواطئ هي:-

أولا : فشل السلطة في أن تنجز لوحدها عن طريق المفاوضات مع إسرائيل أي من الأهداف الوطنية ولو بالحد الأدنى الذي ورد في الخطاب الانتخابي للرئيس أبو مازن ،وغموض أسوء واخطر من الفشل نتج عن المفاوضات المصرية الإسرائيلية والفلسطينية الإسرائيلية- موفاز ومحمد دحلان- حول تنفيذ خطة شارون .

ثانيا: فشل المعارضة لوحدها بان تجعل من العمل العسكري والعمليات الاستشهادية استراتيجية نضالية قابلة للحياة وقابلة لان تقربنا من أهدافنا الوطنية ،وليس مجرد عمليات استعراضية وارتجالية تُفقد العمل المقاوم نبله وأخلاقياته وعقلانيته ومصداقيته،عمليات فاشلة وظُف فيها حتى المعاقين والمرضى والمراهقين.

ثالثا:فشل الانتخابات في إخراج النظام السياسي من مأزقه ،وهو فشل كان متوقعا منذ البداية ليس لأننا شعب غير متحضر أو غير مؤهل لفهم العملية الانتخابية والعملية الديمقراطية ،بل لأن الحديث عن الانتخابات ومباشرتها حدثا بسرعة بشكل ارتجالي حتى بدت وكأنها خارج السياق،سياق شعب خاضع للاحتلال يجب أن تتكاتف جهود كل القوى السياسية لمواجهة سلطة وجيش الاحتلال وليس أن تتصارع للوصول لسلطة

خاضعة لسيادة الاحتلال ،وخارج سياق بنية ثقافية واجتماعية وسياسية لم تُهيئ تربتها لتقبل استحقاقات أية عملية انتخابية نزيهة.

هذا المشهد المأساوي أو المأزق السياسي والنضالي يمكن الخروج منه بتفعيل المطلب الشعبي والعقلاني القابل للتحقيق والذي يردده الجميع ونقصد به تشكيل قيادة وحدة وطنية تنبثق منها حكومة وحدة وطنية .ألم يكن هدف الانتخابات الوصول لهذه القيادة وهذه الحكومة التي تضع استراتيجية وطنية يتفق عليها الجميع ؟فإذا كانت نفس الأحزاب والقوى السياسية المتحمسة للانتخابات مقتنعة بان الانتخابات هي آلية للمشاركة في سلطة وطنية لها ثوابت ومرجعيات متفق عليها وليس انتخابات للسيطرة على السلطة ،وحيث أن معوقات عطلت الانتخابات إلى حين ،فما الذي يَحُول بين هذه القوى نفسها وتشكيل قيادة وحدة وطنية تزيل العقبات من أمام الانتخابات النزيهة وتُعد خطة وطنية لمواجهة مشروع شارون وتضع حدا لحالة الفوضى

الأمنية وتوفق ما بين الحق بالمقاومة وممارسة هذا الحق بما لا يضر بالمصلحة الوطنية؟.

الظروف المحلية والإقليمية والدولية اليوم ليست هي قبل سنة أو خمس سنوات او عشرين سنة ،فشل التهدئة لن يؤدي بالضرورة للعودة للحالة الانتفاضية السابقة بما صاحبها من زخم جماهيري وعمليات استشادية متكررة ونوعية ومن حالة شعبية عربية مساندة، وبفشل المفاوضات لن تعود السلطة كما عهدناها سابقا ،الفشل بالحالتين سيؤدي لفوضى مدمرة ،حيث الطاقة العنفوية عند الشعب وعند آلاف المقاتلين عندما تتكسر على الجدار العازل وأمام الإجراءات الأمنية الإسرائيلية والتنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي وأمام الرفض الدولي للعملياتالاستشادية داخل إسرائيل ... هذه الطاقة ستردد داخليا على شكل عنف مجتمعي بدأت

مفاعيله تتبدى أمامنا منذ اليوم. وحتى لا تصل الأمور لهذا الحد فأن المخرج هو قيادة وحدة وطنية وحكومة وحدة وطنية ،وهو أمر في حكم الممكن لو توفرت النية الحسنة والإرادة الصادقة.

مواجهة إسرائيل على طاولة المفاوضات هي معركة لا تقل أهمية وصعوبة عن مواجهتها في ساحة الوغى ،وبدلا من أن ينقسم الشعب لقسمين كل واحد يحارب على جبهة ،يمكنه بقيادة وحدة وطنية وباستراتيجية عمل وطني خوض المعركة موحدا ،فما لا يستطيع أن ينجزه الجزء قد ينجزه الكل ،مواجهة إسرائيل تحتاج إلى رد استراتيجي وطني وليس ردا فصائليا وحزبيا موتورا .