صالح أبو سليقة من رواد النضال الشعبي في فلسطين بقلم:حـمزة أســـــامة العقرباوي
تاريخ النشر : 2011-10-09
بسم الله الرحمن الرحيم



صــــــالـــــــح أبــــو ســــــــــلــيــقــة
مــــن رُواد الـنـضـــال الـشـــــعـبـي فـي فـلـســــــطـيـن

حـمزة أســـــامة العقرباوي
2011


طوال سنوات الاحتلال البريطاني لفلسطين (1918-1948) خاض الشعب الفلسطيني عدداً من تجارب المقاومة المسلحة، وقد امتازت مرحلة العشرينات والثلاثينات بتشكل حالة وعي وعداء ضد الاحتلال الذي بدأ يُنفذ سياسته لصالح اليهود وَيُمَكِنُ لهم في البلاد تمهيداً لدولتهم الموعوده. وهذه الثورات والهبات تفاوتت في مستوياتها وأثرها وحجم الفعل الذي مارسته.
وقد تناول الباحثون كُبرى الهبات والثورات منها: (انتفاضة موسم النبي موسى 1920، انتفاضة يافا1921، ثورة البراق1929، وعصابة الكف الأخضر 1929، وهبة 1930 ، وهبة اكتوبر1933، ، وثورة القسام ، وثورة "36-39"، وحرب 48. وَكُتِبَ الكثير عنها ، غير أنه أُهمِلَ عدد من الحركات الثورية والتي مثلت حالة مُميزة في الكفاح والقتال ضد بريطانيا في تلك الفترة مع تفاوت في دورها وأثرها والدافع وراء تشكلها، ومنها: عصابة أبو كباري، وعصابة أبو جلدة ، وعصابة الكف الأسود. وهذه العصابات الثلاث لعبت دوراً مهماً في اعلان الحالة الثورية وكانت منذ البدايات تحمل السلاح في وجهة الاحتلال وذلك منذ ظهور اولاها (عصابة أبو كباري) عام 1923. ثم عصابة أبو جلده (1928- 1934).
وصالح أبو سليقة عنوان هذا المقال يَنتمي لأول عصابة مُسلحة ظهرت في عشرينات القرن الماضي وجابهت الوجود البريطاني في فلسطين، وقد كانت خلفية هذه العصابة (جنائية) حيث كانت بقيادة (أبو كباري) من بلدة بيتا ومعه صالح أبو سليقة من عقربا وحموده الطموني وَكُلهم مَلاحقون على خلفية قتل(1).
وقد لعبت عصابة أبو كباري دوراً مُهماً في النصف الأول من العشرينات باعتبارها أول عصابة مُسلحة مارست الكفاح المسلح وإن كان أكثر ما اشتهرت به هذه العصابة الشقاوة واللصوصية. ولم تكن اللصوصية، كما نفهمها اليوم من سرقة بيت، أو متاع أو نحوه. إذ كان هؤلاء لهم مكانة كبيرة في المجتمع، يَحتمي بهم الناس، ويفرضون هيبتهم على الجميع، وَيُعتَبرونَ من أكابر القوم. وهي ظاهرة اشتهرت في أواخر العهد العثماني؛ ولعل الظرف الذي كان سائداً في تلك الفترة من الفوضى السياسية والإدارية، وضعف السلطة العثمانية؛ أوجد المناخ، لتظهر أعمال تشبه ما كان يقوم به الصعاليك في العصر الجاهلي؛ أو ما كان سائداً إلى عهد قريب من أعمال الغزو بين القبائل.
و نسمع في الأزهازيج الشعبية قولهم عن شقاوة أبو كباري ولصوصيته:
دَكْ أبو كباري عَلى بَلاطَة ... أَجَــتْ الـدّكـه في أبـو كُـراكَـه
دَكْ أبوكباري على حُواره ... أَجَـتْ الدّكهَ فِ صاحِبْ لِحمارَه
والفترة التي ظهرت ونشطت بها عصابة أبو كباريي (1923 - 1927) تقريباً، ثم انتهت بِمَقتَل أبو كباري واعتقال صاحباه. ولم تحظ هذه العصابة بأية محاولة جادة لتوثيق سيرتهم ودورهم الكفاحي والباعث في نفوسهم على إعلان العداء لبريطانيا رغم مُلاحقتهم وتفررهم على قضايا جنائية. واليوم وعلى الرغم من بُعد المسافة الزمنية بين تدوين الأحداث والفترة التي حدثت بها إلا أننا وجدنا لها أثراً وبقايا في الذاكرة الشعبية. وهذه محاولة لتسليط الضوء على حركة أبو كباري من خلال سرد سيرة أحد رفاقه والملازمين له في الأحداث التي خاضها الرجل وعصابته.
أما صــالــح خـلـيـل عـلـي أبـو ســلـيـقـه ( 1877 - 1952) فهو من قرية عقربا قضاء نابلس وَقِصة تَفرُره من وجه الشُرطة أنه قام بقتل مختار عقربا (أحـمـد أبـو عـلـي) المُعين من قِبَل الاحتلال البريطاني ، بعد أن تَعرض لهم بالسوء وآذاهم . وقد تعاون معه أهالي البلدة لِقتل المختار الذي كان ظالماً وَمُتعاوِنَاً مع البريطانيين.

تعين ومقتل المختار أبو علي: في نهاية العام 1918 تقريباً حضر أحد المسؤولين من منطقة القدس للقرية برفقة عدد من الضباط البرطانيين .. ولما نزلوا للقرية لم يَستقبِلهُم أحد (حيث تغيب المُختار قاسم المالك وأعضاء اللجنه ووجهاء البلدة) وبعد فتره من إنتظارهم استقبلهم أحمد أبو علي من أبناء القرية وكان رجلاً مُتكلماً وذا ناطقه قوية، وقدم لهم الضيافة وعلى اثر ذلك عينوه مُختاراً للقرية. وأحمد أبو علي أول مختار مُعين من قبل الأنكليز في عقربا.(2)
مارس هذا المُختار المعين سلطته بنوع من الجبروت والعنف لأنه كان مَدعُوماً من قِبل السلطة الجديدة في البلاد، وقد أساء كثيراً لأهالي القرية وحدثت عدة خلافات معه بسبب مواقفه وأعماله المرفوضة. وصار (أبو علي) مضرب المثل في الظلم والتجبر على عباد الله وحتى اليوم يقولون (مِثلْ أبو علي).
وخرج الأمر عن السيطره حين تجبر المختار أبو علي على عائلة أبو سليقة واستغلهم وألحق الأذى بهم وقيل عن سبب ذلك: رفضهم تزويج ابنتهم لمحمود إبن المختار أبو علي. وبدأت الاخباريات تصل للاحتلال عن دار ابو سليقة حيث كان الانكليز يُفتشون دار صالح أبو سليقه واخوانه بشكل شبه يومي بحثاً عن سلاح أو ثُوار(فرارات)، وأثناء عملية التفتيش يُخربون وَيُتلِفون أغراض البيت وَيعيثون فيه فساداً، والمُتّهم بهذا الأمر كان المختار أبو علي وابنه محمود . وبالتالي بدأ الناس يُعلنون تذمرهم واستيائهم من المختار الجديد. (3). ومن قسوة المختار (أبو علي) على دار أبو سليقة مُصادرة الشاة (العنزة) التي اقتناها صالح لإبنه الصغير (زعل) الذي تُوفيت والدته (نايفه عفانه) وهو رَضيع صَغير، فاشتراها والده لِيَرضَع مِن حَليبها، فقام المختار بِمُصادرتها والاستيلاء عليها.
في صيف ذات العام(1920) (شهر 5 أوشهر6) اصطحب المختار أبو علي دورية للانكليز لمنطقة الغور وتوجهوا صَوب بيادر القمح المملوكة لدار أبو سليقة في منطقة (لِفْجِم) للتفتيش عن سلاح (وفرارات) وحدث خلاف ومشاجرة بين عسكر الدولة ودار أبو سليقة، فقام العساكر بضرب مَطر أبو سليقة شقيق صالح، فأردوه قتيلاً. الأمر الذي وَتّر العلاقة مع المختار وجعل مَوجَة الاعتراض تزداد ضِدّه. (4)
أمام هذا العَداء من قِبل المُختار (أبو علي) لدار أبو سليقة استغل أحد أولاد المختار (محمود) الأمر وبدأ يُسيء بالكلام لِعرض أبو سليقة الأمر الذي يُعتبر في مُجتمع قروي خُروجاً عن القيم ويستوجِبُ القتل. وقد أخبر صالح أبو سليقة أهالي القرية بالكلام الذي يُردده (محمود) ابن المختار.
قرر صالح أبو سليقة وضع حدٍ لهذا الأمر وبالتعاون مع أهالي القرية تم ترتيب مقتل المختار أبو علي أثناء عودته من مدينة نابلس وكان يصحبه ابنه المطلوب أيضاً لدار أبو سليقة بسبب الإساءة لهم.(5)
وجرى ترتيب مقتل المختار على النحو التالي:
أُعلِنَ في البلدة أن صالح أبو سليقة بَاعَ بَيدر القمح (بيادر المسيد) لعبدالكريم طه من حمولة بني منيه حتى لا تتم مُصادرة القمح من قبل المُختار (أبو علي) أو الانكليز كما تَبين لاحقاً. واتفق أهالي البلدة على أن تُخرِجَ كُلُ حَمولةٍ عِدة شباب مُسلحين لِيَقوموا بِقَتل المُختار، وتم توزيع الشباب على مَداخل القرية لهذه المُهِمة ومن جُملة من خَرج صالح وإبراهيم أبو سليقة، وكان الأحرص يَومها على قَتل المُختار.
وقد تمت مراقبة (أبو علي) جيداً، وجلس الشباب في مواضِعهم لانتظار عودته من نابلس، وعند وصوله لمنطقة باب الذيقة( على الطريق بين عقربا- يانون- نابلس) بدأ اطلاق النار عليه، فَقُتِلَ ابنه (محمود) وقتلت (البغلة) التي يَركبها المختار وحاول الفِرار باتجاه عين (إم الجرب) بالقرب من بيتا وقبل وصوله للعين فوجىء باطلاق نار من قبل آخرين من أبناء القرية، فَهرب باتجاه قرية عورتا، والشباب من خلفه يطلبونه للموت.
على مدخل عورتا مَرَّ بأشخاصٍ يُقيمون (كُبّارة نار) وَطلب مِنهم حمايته لكنهم رفضوا، فهرب باتجاه مَغارة واختبئ فيها. فأدركه بعضهم وقتلوه هناك.(6).
يُشار الى أن الدكتور مصطفى بشناق كان يسير خلف (أبو علي) وابنه إلا أنه لم يَكترث للأمر وواصل طريقة باتجاه مدينة نابلس وكأن شيئاً لم يحدث. والدكتور مصطفى بشناق وطني معروف.
بمقتل المختار أبو علي وابنه محمود (سنة 21) على وجه التقريب، لم تنته المشكلة إذ كانت المشكلة الأكبر هي تدخل الانكليز الذين بِمُجَرد سماعهم الخبر تداعوا الى بلدة عقربا وضربوا عليها طوقاً، ففر الرجال وهربوا وغادروا البلدة، تحسباً وخوفاً من الآتي، وبدخول الانكليز للبلدة بدأوا يَجمعون الناس من بيوتهم وسط البلدة، وبدأ التعذيب والضرب والارهاب والاهانة، وكان جَوا مُرعباً يومها.. يَدخُلُ العسكر للبيت ولا يخرجون الا بتكسير كل محتوياته . ضُرب الرجال واهينوا ثم نُقلوا سَيراً على الاقدام الى سجن نابلس واحتجزوا هناك.
ومن طريف الأمر ان الهاربين من شباب البلدة التقوا بعـبـدالله الـبـيـروتـي (7) أثناء عودته للقرية وسألهم عن الأمر فأخبروه بملاحقة الإنكليز لهم وانهم لا يرحمون أحداً، ولما أبلغوه أن الانكليز عاثوا في منازل دار البيروتي فساداً بحكم مساعدتهم لدار أبو سليقة قال لهم : (مِش مُهم شو الانكليز بِدهُم يِعمَلوا المُهِم المُختار انقَتَل)(8).
بعد احتجازٍ لأهالي البلدة في نابلس أشتُرِطَ للافراج عنهم حضور زوجة المختار (أبو علي) لنابلس، وبحضورها للسجن أَفرَج القائد البريطاني عن جميع المعتقلين الذين نَفوا علاقتهم بمقتل المختار. وبذلك أصبح صالح أبو سليقة وأخوه إبراهيم مطلوبان بتهمة القتل.

تفرر صالح وابراهيم من وجه الدولة وقررا عدم تسليم نفسيهما للموت ، وبات عليهما اللحاق بعدد من (الفرارات) من أبناء بلدتهم عقربا والذين تلاحقهم الدولة على قضايا قتل، وذلك تجنباً للوقوع في قبضة الشُرطة التي كثفت من قدومها للبلدة.
بعد عام من مقتل المختار (1922) أُلقي القبض على إبراهيم أبو سليقة من قبل الشُرطة ونقل للسجن تمهدياً لمحاكمته بتهمة قتل ممثل الحكومة ومختار قريته. فيما لاذ صالح بالفرار ولم يقع في قبضتهم. ومن سجن نابلس الى سجن عكا نُقل (إبراهيم) انتظاراً لتفيذ الحكم الصادر بِحَقّه.
استشهاد إبـراهـيـم أبـو سـلـيـقـة: في العام (23) قدم ثلاثة من المعتقلين في سجن عكا إلتماساً للحكومة لنقلهم لسجن نابلس كان منهم أبو كباري وابراهيم أبو سليقة وحميده الطموني وكانوا قد خَططوا للهرب من السجن عند نقلهم.
وفي لحظة تنفيذ المُخطط المتفق عليه بين المعتقلين الثلاثة، قام إبراهيم أبو سليقة وكان شُجاعاً ذا قلب قوي، لا يرهب الموت ولا يخافه؛ باختطاف بندقية العسكري الذي يقودهم وألقاه بالأرض وقتله، ثم تقدم مع رفيقيه أبو كباري وحميده، وقصدوا الباب للخروج من السجن، ففاجئهم الحارس الذي على البرج فأطلق عليهم النار فَفرَّ اثنان ووقع إبراهيم أبو سليقة على الأرض مُدَرجَاً بِدِمائه.
فَرّ أبو كباري وصاحبه وتفررا في الجبال وأعلنت الحكومة عن مقتل أبو سليقة وهرب اثنان آخران من السجن، ولما ضاقت الدنيا بصالح أبو سليقة التحق بهم ورافقهم في تفررهم من وجه الدولة.
وأمام مُلاحقة الشرطة وجواسيسها لهم قرروا مغادروا البلاد وتوجوا للاردن، فسكن صالح وحميده في بلدة (عنجرة) قضاء عجلون بينما أقام صاحبهم أبو كباري في قرية (سوف) ، وقد تزوج صالح من امرأة من بلدة عنجرة اسمها (عليويه)(9). وقد شكلوا حالة ازعاج في إمارة شرق الأردن حتى تدخل (بيك باشا) المندوب السامي البريطاني في الأردن وطالب بِمُلاحَقَتهم والامساك بهم غير أن عبد العزيز باشا الزعيم المحلي في سوف رفض تسليمهم للسلطات البريطانية.
بدأ صالح أبو سليقة ورفاقه( أبو كباري وحميده) بالقدوم لفلسطين والقيام بهجوم على الدوريات وأحياناً النهب والتقشيط ثم يعودون الى أماكنهم في الأردن.
أمام مُلاحقة الحكومة وتعقبها لهم قررت العصابة مُغادر الأردن والعودة الى الأغوار والأختباء فيها، وصل أبو كباري وأبو سليقة وحميده وأقاموا في غور الجفتلك فترة وكانوا من هناك ينطلقون ويعودون ليلاً.
شارك أبو سليقة في عدة معارك ضد الشرطة البريطانية وفي إحدى تلك المعارك تمكن من قتل بريطاني وأخذ بندقيته .. ولما ابتعدوا عن مكان المعركة فطن الى أنه ترك (بارودته) الألمانية عندما هَمَّ بِحَملِ (البارودة) الانكليزية. فقال له رفاقه أن هذه (البارودة) لا تَصلُح لهم لأنهم لا يَملِكون ذَخيرَةً لها . فعاد الى موضع المعركة وأحضر (بارودته) الألمانية.(10)
حاولت الشرطة الايقاع بهم أكثر من مرة وبذلك كل ما بوسعها لذلك، وأخيرا اهتدت لطريقة توقع بها هذه العصابة، فأعدت لهم كميناً حيث أفرجت عن شخص مَحكوم بالاعدام من سجن عكا أثناء نقله الى سجن نابلس وأذاعت نبأ هَربه وأن أي معلومة تُقدم عنه ستكون مكافأتها(200)جنيه فلسطيني وهو مبلغ ضخم جداً في حينه.
بلغ أبو كباري ورفاقه الخبر فقرروا احتضانه وضمه لعصابتهم ، ولذا بدأوا بالبحث عنه حتى وصلوا اليه، وقد رافقهم لعدة أيام ثم غادرهم لزيارة أهله ولما عاد أخبرهم عن رؤيته لمحصلي الضرائب وهم يَتجهون الى منطقة قبلان فذهب أبو كباري وحميده وصالح الى (عقبة زعتره) على الطريق بين نابلس – القدس, لنصب كمين لهم ولم يكونوا يَعلمون بخيانة صاحبهم وأن هذا التحصيل كان فخاً لهم. وحدثت المعركة التي قتل فيها أبو كباري وَفرَّ صاحباه الى عنجره مجدداً.(11)

اعتقال صالح أبو سليقة ومحاكمته: اعتقل صالح أبو سليقة بعد فترة في منطقة عنجرة وَسُلِّمَ للشرطة البريطانية وَنُقِلَ لسجن نابلس وجرت محاكمته وحكم عليه بالاعدام شنقاً. وتدخل المحامي (عبداللطيف بيك) وخفف الحكم للمؤبد(يدخل السجن ولا يخرج منه) وذلك بسبب مقتل أخيه إبراهيم وأنه المُعيلُ الوحيد لعائلته..الخ.(12)
نُقل الى سجن عكا حيث كان هذا السجن مُخصصاً لذوي الأحكام العالية أو المحكومين بالاعدام، وهناك في سجن عـكـا أمضى صالح أبو سليقة سنين من عمره محكوماً جراء قتله المختار واعلانه العصيان على الحكومة، وفي السجن تعرف صالح أبو سليقة على ثوار فلسطين الذين اعتقلوا خلال ثورة (36-39) ومكث معهم في السجن وكان يستمع لحكاياتهم عن الثورة التي كانت في عهد حُريته مجرد حُلم أو حالة شقاوة ولصوصية كما كانت الدولة تُعلن.
مَكث صالح أبو سليقة في سجن عـكـا أكثر من 17 عاماً وقد تدخل مختار عقربا (فايز المالك) للافراج عنه وذلك عام 1943 .. حيث توسط عند حاكم نابلس، مُطالباً اياه بالإفراج عن الرجل المتبقي من هذه العائلة ، والإكتفاء بالمدة التي قضاها داخل السجن. فاقتنع الرجل وسعى لذلك بدوره . غير أن المندوب السامي أصر للموافقة على ذلك اسقاط عائلة المختار (ابوعلي) لحقهم عن صالح ..(13)
وهنا قام (فايز المالك) بنشر خبر في الصحف المحلية بأن الحكومة البرطانية ستفرج عن صالح ابو سليقة .. ثم حمل الجريدة لأبناء المختار (أبو علي) وأطلعهم على ما فيها وطلب منهم المُبادرة لاسقاط الحق قبل الافراج عنه .. وفعلا تمكن من اصطحابهم معه الى نابلس للتنازل عن حقهم. وبعدها بدأ يُتابِع القضية إلى أن تمكن من الإفراج عن صالح أبو سليقة .
بعد خروجه من السجن تزوج من فوزية الحاج وهي الزوجة الثالثة التي يتزوج بها، حيث كان قد اضطر أثناء اعتقاله لِطلاق زوجته (عليويه) ليتزوجها أخوه (علي). وقد توفي صالح أبو سليقة عام 1952م عن عمر يناهز75 عاماً .

وترد في الأهازيج الشعبية سيرة أبو كباري وأبو سليقة ويرد ذكرهم بنوع من الفخر والاعجاب ورفض الذل والانصياع للاحتلال، والتجنيد مع الحكومة ولباس زيها العسكري ومنها(14):
والله ما بلبس ثوبَ لِخْضاري .. لو بحكموني حُكم ابو كباري
راسي ما اطوّع لهيك ازبونا
والله ما بلس بـدلـة ركـيكـة .. لو بحبسوني حَبس أبو سليقة
راسي ما اطوّع لهيك ازبونا

ولم يقف عطاء هذه العائلة عند هذا الحد ولم تغلق صفحة نضالها بأستشهاد اثنين من أبنائها وتأبيد الثالث في السجون، إذ أن (زعل) بن صالح أبو سليقة (1920-2010) قد التحق بثورة فلسطين الكبرى(1936- 1939) مع القائد خميس العقرباوي وشارك في عدة معارك وكان حارساً لقائد الفصيل ومراسلاً له. وكان والده يومها لا يزال معتقلاً في سجن عكا.


[email protected]