مسرحية انهم قادمون تاليف حامد الزبيدي
تاريخ النشر : 2011-09-16
مسرحية انهم قادمون تاليف حامد الزبيدي


مسرحية انهم قادمون
تأليف حامد الزبيدي
مسرحية ذات فصل واحد .
الشخوص :- المجنون ، كومبارس .
المنظر :- ( في الواجه الخلفية ، مدينة ذات مبانٍ كبيرة ، فضاء المسرح ساحة للرقص والغناء ، اغانٍ ورقصات فلكورية
المجنون :- ( يقف في باب الصالة ، رجل اشعث ذو لحية كثة سوداء ، حافي القدمين ، يرتدي ملابس رثة ، يتدلى مفتاح
كبير على صدره ، للنظارة ) حقا ان اسمى لغة في الوجود هي لغة الموسيقى . وان اجمل لغة عند الشعوب ،
هي لغة الغناء ( يرتقي الى خشبة المسرح ) ولكن هنا لا تشاهدوا ولا تسمعوا سوى زمجرة الريح العاوية
المغمسة بالدموع والدماء ( تتغير معالم المدينة الى خراب واثار الدمار واضحة في ابنيتها المتهدمة ، يتحول
فضاء المسرح الى ساحة لبيع الاجهزة المستعملة والملابس القديمة ،الناس في حركة بطيئة ، تتطلع الى
السلع المعروضة على الارض ، خليط من صياح الباعة وصراخ الموسيقى الفوضوية ، إضاءة خافتة ،بقعة
صغيرة )
البائع 1 : ( ينادي بصوت عال ) خوذة جندي للبيع ( يضعها فوق رأسه ) من يشتري هذه الخوذة الجميلة ، انظروا
اليها وتمتعوا بها ، إنها تحفة فريدة ( يمسك أحد المارة من معصمه ) ألا تشتريها يارجل ، انها خوذة سحرية ،
رمز الا …
الرجل 1: ( يقاطعه )وماذا افعل بها ؟
البائع1: ان لها استعمالات كثيرة ومنوعة ، تصلح ان تكون واقية عن حرارة الشمس ، او مزهرية ، ممكن ان تحتفظ بها
كذكرى 00أليس لديك أطفال ؟
الرجل1 : بلى
البائع1: خذها انها خير ( قعادة ) للاطفال . ( ضربات موسيقية سريعة مصحوبة ببقع صغيرة )
المجنون : ( في وسط الساحة ينظر بشرود الى الناس ، يهبط الى الارض يرتكز على احدى ركبتيه ، يلتقط بقاية الفاكهة
او قطع الخبز او اعقاب السكائر ، ينهض من مكانه تتحول الكائنات البشرية الى تماثيل حجرية )
العالم .. يبكي لموته ، وهنا الوان القتل .. العالم .. يحزن لموت الاخر ، وهنالك ، موت شامل . . الجراء
والازهار ، الجياع والعصافير والاطفال ، تموت فوق الاغصان وفي الطرقات .. ياله من عالم غريب ( يتحدث
الى النظارة ) يخيل الي ايها السادة ان العالم ذبابة ، ادوسه بقدمي ( يقفز الى الاعلى ثم يهبط كمن يدوس على
شيء ) اسحقه .. هكذا اسحقك ( تدب الحركة في الساحة )
البائع2: ( بقعة صغيرة ) بنطال مستعمل .. بنطال مستعمل .. انه من افخر الاقمشة العالمية ، انه رمز الاناقة ، من
يشتري ( الى احد الواقفين ) الا تشتري هذا البنطال ، انه بنطال …
الرجل2 : اصرفه عن وجهي .. انا لا استهوي هذه الملابس ، اخشى الايدز .
( انتقالة سريعة الى بقع في الساحة ، رجل يلتقي بأمرأة يعرفها )
-1-
الرجل3: انت هنا تتبضعين ؟ وزوجك قتل في المعركة التي تدار رحاها الان فوق الجسر
المرأة1 : ( ترنو اليه بكبرياء وهي تسفر عن شعرها ) لا تقل قتل فوق الجسر بل قل طار الى السماء ( تزغرد )
البائع3: ( يضع تلفاز على كتفه ) تلفاز … عاطل … تلفاز … عاطل انه فخر الصناعات العالمية .. من يشتري
.. من يشتري ( الى احد المارة )الا ترغب هذا التلفاز ؟
الرجل4: لست براغب به ، اخشى ان اسمع أخباراً كاذبة ومظللة
البائع3: انه عاطل يا رجل .
الرجل4: وان كان عاطلاً .
المجنون : ( بقعة متحركة ترافقه ) نحن خير امة خدعها السفهاء والمأجورين ، الذين وضعوا اوراق الارض في حقيبة
بربرية ، والشعب المتساطح . ( يتحول ما في الساحة الى جماهير ثائرة ، ترفع اليافطات التي تندد بالاستعمار)
الجماهير : ( تهتف ) وطن واحد .. شعب واحد .. من المحيط الى الخليج ( ثلاث مرات )
فلسطين عربية ، فلتسقط الصهيونية ( ثلاث مرات )
المجنون : ( في زاوية ما من الساحة ، يغرق في الضحك وهو يقفز الى الاعلى ) اولاد الا .. صهاينة ، ان اغلب
الحكومات تصهينت والشعوب لا تخجل من النفاق .
الرجل5: (يقف بوقار واتزان في الساحة ) واعجباه ، واعجباه .. انا اعجب من قوم يرهبون حلفائنا الابرار
.. يرهبون ملائكة الانسانية والسلام ، الذين تحملوا عناء السفر وجاءوا الى ديارنا بالحرية والديمقراطية ،
اقولها بصراحة ومن دون مواربة .. ان حذاء الجندي الامريكي على رأسي ( يشير الى رأسه ) هنا .
البائع4: ( يرفع طفلاً من الخلف وكأن الطفل يتدلى من حبل مشنقة ) سفيه .. سفيه من لا يصغي الي ، طفل للبيع ،
طفل للبيع ، من يشتري هذه البراءة ؟ من يشتري هذا الجمال ؟ اين اولئك الذين لا ينجبوا والمحرومين من
الاطفال .. هلموا قبل ان نفتح المزاد .
المرأة2: ( موسيقى ليدية ) ثكلتك امك لم تبيع بذرة ارحامنا ؟
البائع4: وما ذنبي انا ..ان ابويه قد لقيا حتفيهما في مجزرة القصف الوحشي ، فمن يرعاه ؟
المجنون : ( بحزن والم ) على مائدة الختار ، عشنا اياماً دموية ( يشير بيده بعيداً الى احد النظارة ) وفي كذبة ذلك ،
سلمنا مفاتيح القدس ، ( يشير بيده الى الوراء ) وفي خيانة هذا ، عشنا اياماً تترية ، فلتسقط 00 كل الاقنعة
العربية ( انتقالة سريعة في الساحة ، يظهر شاب عصري يرتدي ملابس عصرية )
الشاب 1 : من صديقي ؟
الشاب2 : ( يرتدي الملابس نفسها ) من انت ؟
الشاب1 : ( يتفاجأ ) من انا ؟ انا لااعلم ، ربما انا وهم 0
الشاب2 : ربما ، انت وهم عالق في ذهني 0
البائع 5 : ربحنا ( من هلمال حمل اجمال ) اين هم ؟ اين هم اولئك الرجال الذين يشترون السلع النفيسة 00
-2-

هنا 00 هنا فقط ، كل شيء ليس له قيمة ثمينة 00 من يشتري ؟
المجنون : ( يرفع يده الى الاعلى وهو يقترب من البائع 5 ) انا 00 انا اشتري بيدا اني لا املك النقود ولا املك شبراً
في هذا الوطن ، الا ان ينتابني احساس غريب ، احس بان الوطن كله ملكي .
البائع5: اغرب عن وجهي ايها المجنون .
المجنون : انا لست مجنوناً ايها المنافق ( يبتعد عنهم ، يعيش بمرارة وشرود ذهني ) لست مجنوناً ( لنفسه ) ان كنت
حقاً كما يدعي ، فالذنب ليس ذنبي ان سلوكي هو الذي حدد قدري ، ولكن لا انا لست مجنوناً .. العالم
مجنون .. العالم كله جنون .. في .. في اعماق البحار ، يسبح سمك القرش الحجري بجنون .. ؤ..ؤ.. في عيون
السماء ، ترمش اجنحة النسور الحجرية بجنون ، وعلى الارض ، تمشي القلوب الحجرية بجنون .. من منا هو
المجنون ؟ العالم او انا .. يا ايها الانسان ابق في سجنك افضل مما تضيع .
العجوز : ( يتطلع الى الرجال وبجانبه تقف فتاة جميلة ) انظري بأم عينيك بترو الى هؤلاء الرجال الاشداء ، واختاري
كما يحلو لك من بينهم عروساً ، يليق بجمالك قبل فوات الاوان .
الفتاة : اني فتاة فطنة ياابتي ، ولا اقامر باعز ما املك ، لا تقلق علي ، سأختار رجلاً عروساً يوم يخلع الرجال عن
رؤوسهم الاحذية الاجنبية .
العجوز: ( بجزع ) رحماك ، متى يحث ذلك ؟ ( ضربات سريعة بالانارة والموسيقى ) .
البائع6 : ( يصرخ ) الان . الان حللت عليكم وفي حوزتي احدث فرن كهربائي امريكي .. انه يشوي اللحوم
بأنواعها .
الرجل6 : ( الى البائع 1) انهم لا يكترثون الى قداسة المساجد ولا حرمة المواخير ، قد جعلوا الدماء تجري في كل
مكان
البائع1: انهم يريدوها حرب اهلية .
المجاهد : ( الى جريح ينزف ) اخي اعلن الشهادة قبل ان تموت فالجرح بليغ .
الجريح : اشهد ، اشهد ، اشهد ان لا وطن الا وطني ، وان ( يموت ) .
المجاهد : اهكذا هي الشهادة يا اخي ؟ ( انارة خافتة ، موسيقى جنائزية اربعة يحملونه على اكتافهم والاخرون يمشون
بموكب جنائزي ، ناقوس يدق بعنف ) .
المجنون : خذوا الحكمة من افواهنا ، لا تأملوا بنخلة نخر جذعها من الاعماق تمنحكم الثمر .. ولا تأملوا بلوحة رسم
فيها كرسي من ذهب ، وخلفه ، جمل في الصحراء ، وامامه ، رجل بدوي وعروسته ، يقفان فوق جمجمة
نقشت في سجادة حمراء .
البائع1 : أنها لأكبر مهزلة نعيشها الآن ، في البيع والشراء ( إلى أحد الواقفين ) دع السلعة مكانها وانصرف أنك لم
تنصفها الثمن .
البائع3: ( ينادي ) هلموا هنا .. وتمتعوا بالتاريخ الحافل بالأمجاد ، تحفيات بابلية واوان آشورية ومسلات سومرية ،
اغتنموا الفرصة واشتروها بأثمان بخسة .
-3-
المجنون : ( يتطلع إلى السماء )في ما مضى كانت السماء تمطر ضفادع ، أما ألان ، فأنها تمطر أحجاراً نارية ورماد اسود
البائع7: ( يدخل مسرعاً ) لموا حاجاتكم واهربوا انهم قادمون . ( تعم الفوضى بأرجاء الساحة ، يهرب الناس وهم
يلهجون بخوف ) انهم قادمون ، انهم قادمون ( يلملم الباعة حاجاتهم في أكياس قماش قذرة ) .
البائع5: ( إلى أحد الباعة ) تعجل انهم قادمون .
البائع7: افلت بجلدك انهم قادمون .
المجنون : ( ينادي ) مهلاً ، مهلاً يا عبيد الأغراب .. هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عبوديتكم ، أطلقوا الخوف عن
نفوسكم وعيشوا أحراراً .
البائع6: ( وهو يضع الكيس على ظهره ) ( اشتري بعقلك حلاوة ) انهم قادمون ( يهرب) .
البائع1: هيا ايها المجنون ، افلت انهم قادمون ( يهرب ) .
المجنون : انا لن اهرب منهم ، سأبقى بانتظارهم من اجل ان أسلمهم المفتاح ( يعيش لحظة وكأنه ملك المكان والزمان
ينظر الى رعيته القطع المتناثرة هنا وهناك في الساحة يلتفت الى جهة الشمال يشير بيده اتجاههم وهو ينزع
المفتاح عن رقبته ) ها هم انهم قادمون ( صوت اطلاقات نارية من الجهة الأخرى ، تصيب ظهره من الخلف
بعض الإطلاقات ، يدير جسده إلى الأمام ينهار ، يجثوا على وجهه بين بقايا القطع المتناثرة على الأرض و
المفتاح ملقى باتجاه النظارة )