الاعتراف بالدولة بقلم القاضي العسكري /محرز عطاية
تاريخ النشر : 2011-09-14
الأعـتراف بالدولة
بقلم القاضي العسكري /محرز عطاية , رئيس المحكمة العسكرية المركزية /الوسط

الدولة شخصية قانونية تحتل مكانتها بين أشخاص القانون الدولي , تكتسب هذه الصفة من خلال علاقاتها ونشاطاتها واتصالاتها وارتباطاتها مع هؤلاء الأشخاص الأمر الذي يحتم عليها ان تتحمل مسؤولياتها الكاملة حيال ذلك , وتتمتع بأهلية اكتساب الحقوق وتحمل الألتزامات والواجبات الدولية والداخلية المنوطة بها .
ولكي تتمكن الدولة من اكمال شخصيتها القانونية الدولية , والدخول في حظيرة المجتمع الدولي لا بد لها من نيل اعتراف اشخاص القانون الدولي بها .
ما هو الأعتراف بالدولة ؟
الأعتراف : هو اعلان رسمي ضمني او صريح صادر عن احد اشخاص القانون الدولي , يتضمن اقرار من الدولة المعترفة بالكيان الجديد بصفتها دولة في المجتمع الدولي , والرغبة في اقامة علاقات معها .
ما هو الأثر القانوني للأعتراف ؟ .
اختلف فقهاء القانون على الأثر القانوني المترتب على الأعتراف , منهم من يرى انه ضروري وشرط لازم للدولة لكى تتمكن من الدخول في منظومة المجتمع الدولي والأسرة الدولية , وهذا المبدأ نادت به (نظرية الأعتراف المنشيء). ومنهم من يرى انه طالما ان الدولة قادرة على اكتساب حقوقها وتحمل واجباتها والتزاماتها, فأن الأعتراف لا يعد عن كونه اقرار بوجودها على ارض الواقع وهذا نادت به (نظرية الأعتراف المقرر).
اولا: نظرية الأعتراف المنشيء :
اصحاب هذه النظرية يرون ان الدولة لا يمكن لها ان تدخل حظيرة المجتمع الدولي والأسرة الدولية , وتتمكن من ممارسة نشاطاتها واقامة علاقاتها , وبالتالي تتحمل التزاماتها وواجباتها وتكتسب حقوقها الدولية دون ان يكون هناك اعتراف من اشخاص القانون الدولي بها , فالاعتراف هو الذي يكسب الدولة شخصيتها القانونية الدولية , ويخضعها للقواعد الدولية والقانون الدولي . بمعنى آخر ان الاعتراف هو من يكسبها الاهلية الدولية لكى تتمكن من عقد الاتفاقيات الدولية وابرام المعاهدات والدخول والانضمام اليها , وتبادل المبعوثين الديبلوماسيين والبعثات القنصلية وغيرها من النشاطات الدولية الأخرى . كما انه يشكل اقرار بسيادة هذه الدولة على اقليمها وشعبها وعلى هذا الاساس تتصرف الدول المعترفة معها .
ثانيا: نظرية الأعتراف المقرر.
اصحاب هذه النظرية يرون ان الدولة طالما قامت بعناصرها الثلاث الشعب والأقليم والسلطة واصبح لها وجود مادي ونظام دستوري واصبحت امرا واقع , متحملة التزاماتها وواجباتها وقادرة على اكتساب حقوقها , فأن الاعتراف لا يعد عن كونه اقرار بالأمر الواقع للدولة , لأن مسألة تحمل الالتزامات والواجبات تعتبر شرطا للازم لقبولها في الأسرة الدولية , فطالما نشأت وقامت الدولة بموجب هذه العناصر وتحملت هذه الالتزامات والواجبات وتمتعت بالاهلية القانونية اللازمة فما الأعتراف وفق هذه النظرية الا مجرد مسألة اقرار بواقع هذه الدولة ليس الا , وما على المجتمع الدولي واشخاص القانون الدولي الا الدخول في علاقات مع هذا الكيان الجديد الذي استوفى شروط الشخصية القانونية الدولية .
مظاهر الأعتراف؟ .
الأعتراف له مظهرين الأول قانوني والثاني سياسي .في المظهر القانوني : يعتبر الاعترف تصرف او عمل أرادي فردي قد يكون من جانب واحد , وقد يكون جماعي يصدر عن مجموعة دول او منظمات بصورة جماعية حيال كيان استوفى شروط الشخصية القانونية الدولية . لكنه في كلتا الحالتين ينبع من الأرادة المنفردة للدولة , فهي تتمتع بحرية الاعتراف بشكل كامل ومطلق فهذا التصرف حق وليس واجب قانوني ملزم لها, كما انه يرتب التزام قانوني على الدولة المعترفة.
اما المظهر السياسي : فالاعتراف يجب ان يراعي مصالح الدولة المعترفة ويتوافق مع سياستها . وهنا تكمن مشاكل الاعتراف وأزماته , فقد سماه بعض الفقهاء "بالأعتراف الواقعي ".حيث يختلط هنا الاعتراف بالدولة مع الاعتراف بالحكومة , لأنة الحكومة تمثل اطار سياسي في الدولة فرضت نفسها واصبحت امرا واقع , وللاشارة قد يحكم الاقليم اكثر من حكومتان غالبا ما يندلع نزاع بينهما حول شرعية الحكم على نفس الاقليم , كما هو الشأن ما يجري في ليبيا , فهناك دول لازالت لا تعترف في الثوار سلطة رسمية حاكمة ترقى الى مستوى الشخص الدولي لكى تعترف بها , من هذه الدول على سبيل المثال الاتحاد الافريقي وفانزويلا , وهناك من يرى ان السلطة الفعلية الحاكمة بشكل واقعي هم الثوار وبالتالي من المسلم به الاعتراف واقعيا بهم , ومن هذه الدول على سبيل المثال الاتحاد الاوروبي وبعض الدول العربية .
الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
بتاريخ 15/11/1988اعلنت منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر عن قيام "دولة فلسطين" . منذ ذلك التاريخ ولدت الدولة الفلسطينية في المفهوم القانوني الدستوري , فالدولة تتألف من ثلاثة عناصر او ثلاثة اركان هي :
1- الاقليم : أي البقعة الجغرافية البرية والبحرية والجوية للدولة 2- الشعب : وهو مجموعة السكان سواء المواطنين او الاجانب المقيمين على هذا الاقليم 3- السلطة , وهي السيادة التي تمارسها السلطة على الشعب والاقليم معا . هذه العناصر الثلاثة استوفتها الدولة الفلسطينية من الناحية الدستورية ، . لكن ينقصها ان تنال اعتراف المجتمع الدولي بهذه الدولة كشخص دولي اسوة ببقية اشخاص المجتمع الدولي , وبالتالي تتمكن من الدخول الى حظيرة الاسرة الدولية بصفتها دولة , مؤهلة لأكتساب حقوقها وقادرة علي تحمل التزاماتها وواجباتها الدولية . بمعني قادرة على الدخول في معاهدات واتفاقيات دولية ولديها القدرة على اقامة علاقات واتصالات وارتباطات مع بقية اشخاص المجتمع الدولي ويتم الأقرار بهذه السلطة وهذا الاقليم وهذا الشعب بالمفهوم القانوني الدولي . منظمة التحرير الفلسطينية اعلنت عن نيتها التوجه الى الامم المتحدة في ايلول /2011, طالبة من هذه المنظمة الأعتراف بالدولة الفلسطينية وبالتالي السماح لها بدخول حظيرة المجتمع الدولي ومؤسساتها ومنظماتها كعضو اصلي مثلها مثل بقية الدول لها نفس الحقوق الدولية وعليها نفس الوجبات . ومن الجدير بالذكر ان هناك دول عديدة اعترفت بالدولة الفلسطينية منذ الاعلان عنها في الجزائر بتاريخ 15/11/1988 حتي الآن , وقد صدر هذا الاعتراف بصورة صريحة عن بعض الدول مثل الاردن ومصر , وهناك بعض الدول لم تعترف بصورة صريحة بهذه الدولة انما اكتفت بالاعتراف الضمني بها , حيث ان الاعتراف الضمني له دلالاته كدخول الدولة المعترفة ضمنيا في اتفاقيات ثنائية مع هذا الكيان الجديد او تتبادل معه المبعوثين الديبلوماسيين والبعثات القنصلية كما هو الشأن بالنسبة لفلسطين مع الدول الاوروبية. وما الاعتراف الضمني الا مقدمة ومؤشر واضح على نية الدولة القيام بالاعتراف الصريح . هذا الاعتراف بالمظهر القانوني استوفته ونالته الدولة الفلسطينية , لكنها تصارع الآن من اجل ان تستوفي وتنال الاعتراف الدولي بالمظهر السياسي , وان تتصرف الدول المعترفة بها على هذا الاساس , فقد قررت منظمة التحرير الفلسطينية التوجه الى الامم المتحدة لنيل الموافقة والاعتراف بالدولة الفلسطينية بشكل صريح وبمظهر سياسي واضح من الاسرة الدولية , لكن هذا التصرف لم يرق لبعض الدول كأسرائيل والولايات المتحدة الامريكية ,اللتان عرضتاه بشكل علني وصريح وواضح , وللاشارة لما كان الاعتراف تصرف فردي وحق للدولة طالبة الاعتراف , وليس واجب قانوني على الدولة التي تريد الاعتراف فهي حرة تعترف او تعترف , فأن اسرائيل والولايات المتحدة تخطتا هذه المبدأ الدولي وهددتا بالقيام باعمال عدائية حيال الدولة الفلسطينة , كقطع المساعدات عن السلطة الوطنية الفلسطينية والغاء الاتفاقيات الموقعة معها الى اخ... من الاجراءات العقابية المنافية لقواعد القانون الدولي والعلاقات والعرف الدوليين .
اذا اصرت منظمة التحرير الفلسطينية على تقديم طلب الاعتراف بالدولة من الأمم المتحدة وتمكن من نيل هذا الاعتراف ؟ وتكتلت اعضاء الامم المتحدة والمجتمع الدولي وصوتت بالاغلبية على الطلب الفلسطيني ونالت دولة فلسطين الاعتراف الرسمي من هذه المنظمة فأن القرار الصادر بهذا الشأن يشكل توصية ما أشخاص المجتمع الدولي واعضاء المنظمة وفق انظمة الأمم المتحدة المعمول الى مجلس الامن , بضرورة الاعتراف بهذا الكيان كدولة . ومجلس الامن الدولي يتألف من الدول الدائمة العضوية ( امريكا , وبريطانيا , وروسيا , وفرنسا , والصين) والدول الغير دائمة العضوية , فأذا نالت موافقة ثلثي الدول الغير دائمة العضوية موافقة الدول الدائمة العضوية بالاجماع دون ان تستخدم أي منها "حق نقض الفيتو" فأن الدولةالفلسطينية ترى النور كدولة اسوة ببقية دول العالم لها كامل العضوية في الامم المتحدة وتخرج من مقعدها المراقب الذي تشغله الآن. ان مبدأ حق نقض الفيتو تتمتع به فقط الدول الخمسة الدائمة العضوية , والذي يقضي ان أي قرار يصدر عن مجلس الأمن يستلزم لتنفيذه الاجماع بالتصويت بالموافقة عليه لكى يصبح ساري المفعول وملزم للاعضاء وباقي الاسرة الدولية .
هذا الحق القانوني الذي تطلبه السلطة الوطنية الفلسطينية سيضع المجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته على المحك خاصة الدول التي اعلنت عن نيتها انها ترغب برؤية دولة فلسطينية مستقلة اسوة بدول هيئة الامم المتحدة الأخرى . لكن هل حقيقتا هذا المجتمع تسوده وتنظمه العلاقات المتوازنة وتحكمه قواعد القانون الدولي ومباديء العدالة والانصاف الدولية ؟ ام ان مبدأ القوة والمصالح الأنانية وشريعة الغاب هي التي تسوده ؟.
المجتمع الدولي هو من يجيب على هذا السؤال , من خلال قدرته على بسط سلطة القانون الدولي وتنفيذه والعمل به وفرضه . ولكي لا ننسي ان نشير الا ان من عيوب هذا القانون انه قانون هش غير ملزم وجد بالدرجة الاولي من أجل خدمة الدول الكبري ورعاية مصالحها لا من أجل تحقيق العدالة الدولية والمساواة بين الدول.