في سوريا ازمة طائفية معقدة ..بقلم:زياد هواش
تاريخ النشر : 2011-09-05
في سوريا أزمة طائفية معقدة .
شعارها , الحرب الشيعية _ السنّية المقدسة .
وحقيقتها , الحرب الوهابية على السنّة والهوية القومية العربية .

إذا اتفقنا على أن (محاور فراغ) لعبة الأمم في جغرافية الشرق الأوسط (متحولاتها أكثر بكثير من ثوابتها) , تحاول رسمها من جديد أمريكا التي :
_ ولأسباب داخلية معقدة , أساسها الفساد , دخل الاقتصاد الحربي الأمريكي , و (دولار لعبة المونوبولي) , في أزمة بنيوية .
_ هذه الأزمة الاقتصادية الداخلية المنشأ , أدخلت السياسة العسكريتارية الأمنية الأمريكية , في حالة ضعف حادة .
_ هذا الواقع اللوجستي الجديد , خَلقَ (فراغات متحركة) على الأرض , قادت إلى تقديم تنازلات حقيقية عبر العالم , وشراكة قسرية جديدة قلقة , وإعادة اقتسام الحصص والأدوار , مع كل من أوروبا والصين , في أفريقيا تحديدا , وتوسيع رقعة عمل القواعد الإقليمية عبر العالم .
_ وتطلب من الأمريكان ما هو أخطر من ذلك , حتمية إعادة الحياة قسريا , إلى العدو الاستراتيجي , بقايا الاتحاد السوفييتي السابق , روسيا الاتحادية , لإحياء صيغة (الحرب الباردة) الأمنية القذرة , والعبثية بطبيعة الحال , أو (الثنائية القطبية) كما تسميها الدبلوماسية المهذبة أو المخادعة .

إذا قبلنا , أن الروس يحتاجون إلى الوصول إلى العام 2020 , لامتلاك الأرضية اللوجستيه (البحرية) العسكريتارية , نقطة ضعفهم الأخطر , ولاستكمال بناء روسيا الاتحادية (الاقتصادية والعسكرية والأمنية) , القادرة على الصمود في وجه الحرب الكونية الأمريكية المفروضة عليها .

يمكننا القول , أن الأمريكي اليوم , لا يزال يرى أمامه فرصة ذهبية , في الوصول إلى قلب آسيا , لإعادة فرض هيمنته الكونية المنكمشة , من جديد , عبر منع الروسي من الوصول إلى الحالة الندية العسكرية والأمنية والاقتصادية , وتاليا منع الصيني من الوصول إلى فرض الشراكة (العادلة والآمنة) عليه , عبر بناء التكامل الآسيوي الاستراتيجي الروسي _ الصيني القادر على أن يعطل سلبية تأثير تبعية اليابان وكوريا الجنوبية , ودورهما الاقتصادي الآسيوي والكوني الخطير , والتابع للأمريكي كليا .

في الطريق إلى روسيا ..
الأمريكي يحتاج إلى العودة إلى إيران لإكمال فرض سيطرته على قلب آسيا , فالأمريكي الذي فشل في خلق حالة تابعة محلية له في أفغانستان , والذي اضطر بسبب فاتورة الحرب في أفغانستان إلى أن يقوم بغزو العراق لتأمين سيولة لم تسدد لتاريخه كامل الفاتورة , تلك الفاتورة التي كشفت (حجم الفساد المالي الداخلي) ودرجة التلف المافيوي في البنية المصرفية الأمريكية الورقية .

في الطريق إلى إيران ..
وقف الروسي والصيني موقفا حاسما , لا يزال قادرا على منع الهجوم على هذا البلد , عسكريا أو حتى أمنيا , ولم ينجح الهجوم المخملي السياسي الداخلي في الانتخابات السابقة , كما لم ينجح الهجوم الالكتروني على المفاعلات النووية .

في الطريق إلى سوريا العربية ..
ولأن الطريق إلى إيران أصبحت اليوم تمر من سوريا , ستدافع إيران عن سوريا في المدى المنظور , بقوة , لاستحالة أن تخرج السلطة في الانتخابات القادمة من أيدي الحرس الثوري الإيراني .
وروسيا ستدافع عن سوريا في المدى المنظور أيضا , على الأقل حتى تستكمل البناء اللوجستي البحري الجديد , ومن الصعب أن تخرج السلطة في الانتخابات القادمة من بين يدي (بوتين _ مدفيدف) , ولا تبدو ملامح استقلالية خطرة على الرئيس مدفيدف .

الطريق إلى سوريا العربية ..
يجب أن يمر من خلال المشهد الجغرافي الرسمي العربي , وعبر الاستهداف الرسمي الملكي النفطي , للجمهوريات العربية .

أخطر تلك (الفراغات المتحركة) كانت في الجغرافيا العربية , وقادت إلى بدء تحرك تلك (الثورات الشبابية الاستقلالية) الوطنية , التي وقعت بقبضة تلك (الثورات المخملية البديلة) والمُخادعة , التي تطلق الشعارات الكونية البراقة , ولكنها تعمل بتمويل (وهابي صهيوني) ويقودها الوهابيون الصهاينة , لضرب (الهوية الإسلامية السنّية القومية العربية) تحديدا , وهم لذلك يحتاجون , إلى شعارات الحرب المقدسة (الشيعية _ السنّية) .

وخصوصا أن هذه الحرب القذرة , لا يجب أن تؤمن فقط سيطرة (الوهابية الصهيونية) على جغرافية الجمهوريات العربية , وضمانة لاستمرار الملكيات العربية إلى يوم نضوب النفط والغاز , وفقط .
بل هي تصلح للتوظيف , والخدمة في الحرب الأمريكية القذرة على روسيا عبر إيران وسوريا .
بل وتصلح حتى في الحرب الإسرائيلية على حزب الله وعلى حماس .
وفي الحرب الوهابية التاريخية , على كل التيارات الناصرية والقومية العربية والبعثية , وحتى الإسلامية الوطنية .
وعلى كل من لا يرى فيها الإسلام الصحيح , وكل من لا يعبد أمريكا ويركع لإسرائيل .

في جريدة الأخبار اللبنانية , وعلى مدار اليومين الماضيين , كتب الصحفي إبراهيم الأمين :
_ في الأزمة السورية [1]: انقسام طائفيّ حادّ ومأساة أهلية وانهيار اقتصادي
_ في الأزمة السورية [2]: ورقة عمل سياسية ـــ إدارية لحوار بديل من العنف

[تحت العنوان الأول ..
تحدث الأمين عن (التوتر الطائفي) وعن النظام الذي ليس في وارد التراجع , وعن حتمية وحدانية الحل الأمني أولا , وعن الإصلاح الذي سيلي الحل الأمني , وعن القوى التي في الشارع والتي لا تستطيع العودة إلى بيوتها , والتي لا تثق بالرغبة في الإصلاح , وعن الشخصيات والأطر المعارضة التقليدية التي لا تستطيع فعل أي شيء , وعن الفرز الطائفي في المدن , والانقسام الطائفي على مستوى البلاد كلها , وعن الاقتصاد الذي ينهار , وعن ارتفاع وتيرة (التصلب الدموي) عند الجميع , وعن ضرورة رفع الصوت بوجه الجميع لتقديم تنازلات .]

لو اتفقنا على توصيف (لعبة الأمم) , لقبلنا أن , الجميع على الأرض في سوريا والمنطقة , تحول إلى "بيادق" .
وأن من لا يتحرك الآن من الطرفين المتقابلين قسريا , فلأن المجال أمامه لا يزال مغلق ولم يحن دوره .
ومن يُلمس يُحرك , ومن يتأخر في اللعب يخسر نقاطا , واحتمالية التعادل كاحتمال الربح أو الخسارة , الجميع على الأرض (مسيّر وليس مخير) .
إن اللعبة التي تجري في "الداخل" , يتم التحكم فيها من "الخارج" , ومن هناك يأتي الحل .
في الداخل يريد النظام , أن يمسك بالأرض , على حساب قوى الأمر الواقع , ومهما كان الثمن , حفاظا على الجمهورية وعلى الهوية القومية العربية وعلى وحدة البلاد والشعب , ولو بالحديد والدم .
والحقيقة الصعبة أن حالة (التوتر الطائفي) كانت قائمة وكامنة , لأسباب معقدة وتاريخية , آخرها الحقن التبشيري والإعلامي الوهابي اليومي الشرس , والمتصاعد منذ فشل الحرب (الوهابية الصهيونية) على "حزب الله" العام 2006 , وعلى "حماس" العام 2008 .
والحقيقة أن القتل الهمجي والمنظم , الذي يقوم به "الذبيحة" و "الشبيحة" , يعود أولا وأخيرا إلى هذا الاحتقان , وليس لأي سبب آخر , ثم تقوم القوى المتصارعة على السلطة , أو (الليبراليون المخمليون) في الجانبين , بتوظيفه بشكل ما .
وإذا كان الانفجار ليكون حتميا , والثمن الدموي ليكون باهظا , فهذه (اللحظة التاريخية) هي الأنسب للجميع .
وجيراننا اللبنانيون والعراقيون يعرفون ذلك جيدا , ونحن في الوسط , قد وصل لهيب حرائقهما إلينا .

[تحت العنوان الثاني ..
تحدث الأمين عن أن المطلوب من السوريين بمن فيهم المؤيدون للنظام (إبعاد الأمن عن الحياة اليومية للناس) .
وعن (الشارع الغاضب) الذي لا يمثله أحد , ولا يستطيع تمثيله أحد .
وعن الرموز والأطر المُعارضة , التي تدعي التمثيل ولكنها لا تستطيع تقديم أي مبادرة .
ثم يقدم الأمين , مبادرة ذات (خلفيات غامضة) إذا صح التعبير , تنطلق من توصيف الوضع الداخلي على أنه أزمة وطنية كبرى بلغت (مرحلة الاستعصاء) , لذلك تتوقع المبادرة من رئيس الجمهورية حزمة من السياسات الصادمة والايجابية , دون ربطها بسلوك الشارع , أهم نقاطها :
وقف النار الفوري وعودة الجيش إلى الثكنات , إطلاق سراح المسجونين , طي ملف المفقودين , حكومة برئاسة الرئيس , وعدة مقترحات تنظيمية خدمية وقضائية وأمنية وإدارية وإعلامية , إعادة تقسيم محافظات على أرضية (الدمج المذهبي) : دمشق , حلب , الساحل , العاصي , الفرات , حوران .]

الصحيح أن المطلوب لا يزال هو نفسه , ومن جميع السوريين , (إبعاد الفساد عن الحياة اليومية للناس) .
كما لو أن الصراع الداخلي في سوريا , هو دفاع الفاسدين عن مزرعتهم وهجوم الغزاة للحلول مكانهم .
جيراننا اللبنانيون والعراقيون يستوعبون هذا التشبيه القاسي جيدا .
الفساد في سوريا العربية , صار "هوية" سياسية واجتماعية ودينية , دخل فيها الشعب كله , والشعب كله مطالب بالخروج الأخلاقي منها .
و (الشارع الغاضب) الذي أخرجه هو "الفساد" , وتقدمته الثورة المخملية الوهابية المخادعة , لتستكمل فيه (طقس كبش الفداء السنّي) على مذبح الوهابية الصهيونية .
وكل معارض وطني , حتى يكون صاحب مبادرة , يجب أن يوصّف الواقع كما هو , لا أن يطلق (الشعارات المخملية) التي تخبئ الحرب المذهبية الاستعمارية القذرة , ثم يتلطى خلف ثقافته بانتظار الحسم الدموي .
هذه المبادرة (الروسية _ الإيرانية) , التي تنطلق من توصيف الواقع على أنه حالة "استعصاء" , تبدأ بداية ضعيفة بل ومخادعة , على الأرض هناك (حرب أمنية تحت شعارات مذهبية) , ستحسمها الدولة بثمن هائل , قد تتحمله وقد لا تتحمله , ولكنه المدخل الأفضل والخيار الوحيد لصناعة المستقبل الخالي من "الصهاينة" تحت المسمى الرهيب ( الإسلام الوهابي) .
كل الإعلام الوهابي الصهيوني يسوّق لهذه الحرب على أنها (أهلية مذهبية) , وهذا دليل على أنها (حرب الدفاع عن الهوية القومية العربية وعن الجمهورية وعن وحدة البلاد والشعب) وهي حرب وجودية .
كارثيتها أن الدولة تقودها بجيش وأمن وحزب (أكل الفساد نصفه) , ولكنها تبقى خيارا وحيدا , ومدخلا صحيحا حتى في حالة الخسارة , والخروج من السلطة ولكن بدون وصمة الخيانة والتآمر .
فهي تقود إلى (ضبط مطلوب) لتنفيس حالة احتقان بغيضة وحقيقية ودموية وعتيقة , وقد تجمع الشعب العربي في سوريا من جديد تحت الهوية القومية العربية الأصيلة , وتخرجه من نفق الهوية الوهابية الصهيونية الاستعمارية , ومجرد هذا الاحتمال يعطيها كل الشرعية المطلوبة .

إن التركيز على شخص رئيس الجمهورية , كمدخل وحيد للحل , هو توريط للأسد الشاب ورمزية منصبه الوطني الجامع .
الرجل لا يزال رئيسا شرعيا للبلاد , أكل الفساد الرسمي (إخوة يوسف) وجهه , ومزقت الوهابية الصهيونية عباءته , ولكنه سيبقى , مؤتمنا على وحدة البلاد والشعب , يحكم عبر المؤسسات , ويرفض التسويات , ولا يدخل في الابتذال الشخصي , وفيّا للهوية القومية العربية إلى النهاية .

هذا ليس عنادا , وهذه ليس ديكتاتورية , إنها الصفة التي تغيب شمسها تحت دخان الوهابية الصهيونية الأسود , كل يوم , عن بلاد العرب , إنها صفة الوفاء للهوية القومية .

هذه المبادرة (الروسية _ الإيرانية) , مرفوضة .
نحن سنقدم رؤية أكثر واقعية وصدقا , للروس والإيرانيين , معا :
نحن نحترم مصالحكم في المنطقة , وانتم تحترمون مواقفنا وخياراتنا في بلادنا ومع جيراننا , الأصدقاء منهم والأعداء , انتم ونحن فرضت علينا هذه الحرب الأمنية القذرة , لا تفاوضوا علينا كورقة أو أوراق , كونوا أوفياء لأنفسكم ولنا .
هذه الجمهورية العربية السورية , لن توقع يوما استسلاما لإسرائيل , ولن تكون يوما قاعدة عسكرية أمريكية , ومهما كان الثمن , هنا جوهر هذه الحرب الوهابية الصهيونية علينا , وسنقاتل إلى النهاية .
ورئيس هذه الجمهورية , لن يكون له يوما خيارا غير ذلك , ولا يستطيع أن يكون له يوما خيارا غير ذلك .
دوره هو في قيادة عملية فصل صعبة لـ (ما يريده الشعب) عن ما تريده أمريكا , وفصل (ما يريده الشعب) عن ما تريده الثورة الوهابية الصهيونية المضادة والمتآمرة .
ونحن ننتظر عودة الروح القومية العربية إلى الجسد العربي السوري المسلم , والذي اخترقت حصونه في سنوات غدر طويلة الوهابية الصهيونية .
إن بنود هذه المبادرة (الروسية _ الإيرانية) , تريد أن تقدم للجميع ما يريده , ولكن الجميع سيتحول إلى الشعار اللبناني القديم والعراقي الحديث , وكليهما يعرف جيدا عن ماذا نتحدث : خُذ وطالب .
لن يقدم أحد لأحد أي شيء :
غير محاربة الفساد المخملي الليبرالي في السلطة والمعارضة , وتدميره ونهائيا .
الجيش العربي السوري لا يمس , والأمن القومي لا يمس , وهذه الدولة ومؤسساتها القومية العربية لن تمس , وكل تلك الشعارات الاقتصادية المخملية الليبرالية الفاسدة المتآمرة , يجب إحراقها واستعادة شعار الاشتراكية بكل أبعادها .
بل التقسيمات الإدارية للمحافظات ثبت جدواها , وفعاليتها , ربما هناك حاجة إستراتيجية وأمنية ولوجستية لإعلان "تدمر" محافظة , لتصغير مساحة محافظة حمص المبالغ فيها للغاية .

الشركاء الإستراتيجيون , الروس , والإيرانيون , تنتصر علينا جميعنا أمريكا , عبر أدواتها وقواعدها الاستعمارية الالغائية الدموية المتوحشة والقذرة في المنطقة , إذا دخلنا معها في المفاوضات القذرة والسوداء , على حساب القيم الأخلاقية والمستقبلية , والإنسانية التشاركية والعادلة , النظيفة والبيضاء .

الحساب لا يكون , بسذاجة اقتسام الحصص , وحجم الأرباح الآنية الافتراضية , تلك طرق المافيا وحسابات اللصوص , تلك سذاجة اردوغان وغول ونتنياهو والحمدين وبندر بن سلطان .
الحسابات تكون , من خلال استراتيجيا , وهوية , ودور ومستقبل , وقيم حضارية إنسانية عليا .

هي كلمة واحدة للجميع :
نحن أوفياء , كونوا أوفياء .
نحن صادقين , كونوا مثلنا صادقين .

5/9/2011

سوريا العربية / زياد هواش

..