القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي بقلم:فرسان إبراهيم صالح تايه
تاريخ النشر : 2011-08-02
عمادة الدراسات العليا
جامعة القدس


القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي
1947-1978



فرسان إبراهيم صالح تايه



رسالة ماجستير


القدس- فلسطين


1432هـ-2011م


القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي
1947-1978




فرسان إبراهيم صالح تايه


بكالوريوس خدمة اجتماعية من جامعة بيت لحم- فلسطين


المشرف الرئيس: د. أحمد أبو دية



قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات درجة الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة من معهد الدراسات الإقليمية- جامعة القدس- فلسطين


1432هـ-2011م

عمادة الدراسات العليا
جامعة القدس

إجازة الرسالة


القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي
1947-1978


إعداد الطالب: فرسان إبراهيم صالح تايه
الرقم الجامعي: 20910080

المشرف: د. أحمد أبو دية
نوقشت هذه الرسالة وأجيزت بتاريخ: 9 / 6 / 2011 من لجنة المناقشة المدرجة أسماؤهم وتواقيعهم:
1- رئيس لجنة المناقشة: د. أحمد أبو دية التوقيع: .................
2- ممتحنا داخليا: د. معتصم الناصر التوقيع: .................
3- ممتحناً خارجياً: د. عبد الرحمن الحاج إبراهيم التوقيع: .................

القدس- فلسطين
1432هـ-2011م

الإهداء
إلى الشمعة التي أضاءت لي درب العلم..
إلى والدي العزيز الذي منحني الحنان والعطاء، وكان سبباً في بزوغ شمس هذه الرسالة
إلى والدي تقديراً له ولتاريخه النضالي الطويل في حزب البعث العربي الاشتراكي، وفي خدمة قضية شعبه العادلة، قضية العرب القومية قضية فلسطين.
إلى والدتي رمز الصبر والوفاء
إلى زوجي وأولادي الذين تحملوا العناء والبعد عنهم لانشغالي بهذه الدراسة
إلى كواكب الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن الأمة العربية وكرامتها
فرسان تايه








إقرار
أقر أنا معد الدراسة بأنها قدمت لجامعة القدس، لنيل درجة الماجستير، وأنها نتيجة أبحاثي الخاصة باستثناء ما تم الإشارة له حيثما ورد، وأن هذه الدراسة، أو جزء منها، لم يقدم لنيل درجة عليا لأي جامعة أو معهد آخر.



التوقيع:..............

فرسان إبراهيم صالح تايه

التاريخ: / / 2011




شكر وعرفان
أتقدم بالشكر وعظيم الامتنان لكل الذين وقفوا إلى جانبي أثناء إعداد دراستي ومنحوني الثقة والتشجيع منذ البداية.
كما وأنني أتقدم بالوفاء والتقدير لوالدي وزوجتي وأبنائي الذين أشعروني بالدعم والمساندة والدعاء لرب العالمين في أن يوفقني في إنجاز الدراسة.
كما أقدم شكري وتقديري لأخي العزيز فراس الذي كان له الفضل في تزويدي بالوثائق والمصادر اللازمة للدراسة وتقديمه المشورة القيمة لي.
وكذلك أتقدم بالشكر الجزيل لأستاذي المشرف على الرسالة الدكتور أحمد أبو دية والذي أبدى ملاحظاته القيمة وتعديلاته التي أغنت الدراسة وأنجحتها.
وأقدم شكري لجميع الذين قابلتهم من رجالات حزب البعث وقياداته لما أبدوه من تعاون في التحدث عن تجربتهم الحزبية والنضالية مما كان له الأثر في إثراء هذه الدراسة.
والشكر والتقدير لزملائي في المدرسة الفاضلية مديراً ومعلمين لما قدموه من دعم وتشجيع كبيرين وتوفير الأجواء المريحة لي داخل المدرسة من أجل إنجاز هذه الدراسة.
وكذلك شكري لزملائي أساتذة اللغة العربية الذين عملوا على المراجعة اللغوية لهذه الدراسة.
وشكر خاص للإخوة والأخوات العاملين في مكتبات بلدية طولكرم، بلدية نابلس، بلدية البيرة، جامعة بيرزيت، مكتبة المدرسة الفاضلية الثانوية الذين قدموا لي المساعدة وتزويدي بالمراجع والمصادر اللازمة للدراسة.
فرسان تايه







الملخص

لقد تناولت الدراسة فترة تاريخية هامة في حياة إحدى الأحزاب والقوى السياسية القومية العربية، ألا وهو حزب البعث العربي الاشتراكي. وهذه الفترة الممتدة بين عامي 1947-1978، قد لعب فيها الحزب دورا هاما في الحفاظ على الهوية العربية، والدفاع عن قضية العرب المركزية قضية فلسطين.

وقد انطلقت الدراسة من هدف رئيس تمثل في التعرف على موقع القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث، والتعرف على أوجه الدعم الذي قدمه الحزب لهذه القضية.

أما مشكلة الدراسة فقد تمثلت في السؤال الرئيسي وهو ما هو موقع القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي وكيف نظر هذا الحزب للقضية الفلسطينية بكل جوانبها.

وقد استخدمت الدراسة المنهج التاريخي، والمنهج الوصفي، وتحليل المضمون في التعرف على نشأة الحزب وتحليل استراتيجياته تجاه القضية الفلسطينية من خلال الاستعانة ببيانات الحزب ومنشوراته وما كتب حوله.

تطرقت الدراسة إلى أثر القضية الفلسطينية في نشوء حزب البعث حيث تم استعراض جذور هذه القضية ومدى تأثيرها في نشأة الحزب.

وقد أظهرت الدراسة حجم الدعم المادي والمعنوي الذي قدمه الحزب للفصائل الفلسطينية في أوائل الستينيات من خلال إقامة معسكرات التدريب وتسهيل انطلاق العمل الفدائي من الأراضي السورية.

كما تم التطرق إلى تأثير الحزب على مواقف القوى والأنظمة السياسية العربية تجاه القضية الفلسطينية من خلال التحالف مع القوى التقدمية العربية وصولا إلى تحقيق التضامن العربي والوحدة العربية.

وقد خلصت الدراسة إلى الأهمية الكبيرة لشعارات البعث وخطاباته في بث الوعي القومي، وبث الروح النضالية لدى الجماهير العربية في مقاومة الاستعمار وحليفته إسرائيل، ورفض قرار التقسيم وصولا إلى مشاركة الحزب في حرب عام 1948 وذلك بالرغم من أن هذه الخطابات والمواقف للبعث قد غلب عليها المثالية والطابع العاطفي في تحريك مشاعر الجماهير العربية، الأمر الذي أوجد صعوبة كبيرة في تحقيق هذه المواقف على مدار تجربة الحزب.

وأظهرت الدراسة أيضا أن الحزب دعم فكرة إنشاء الكيان الفلسطيني وإبراز الشخصية الفلسطينية بما يجسد الهوية النضالية والتحررية للشعب الفلسطيني، وقيام منظمة التحرير الفلسطينية، وانتزاع الاعتراف بها عربياً ودولياً شريطة التزامها بخط الحزب ورؤيته الثورية بعيدا عن الإملاءات العربية في حينه.

اعتبر الحزب أن حل قضية فلسطين لن يكون إلا بخوض حرب التحرير الشعبية، واعتماد الكفاح المسلح أسلوباً لتحقيق ذلك من خلال إنشاء تنظيمات البعث المسلحة، ورفض مشاريع التسوية المشبوهة التي يروج لها بهدف إحباط الجماهير.

وأخيرا فقد أكدت الدراسة على أن حزب البعث نظر إلى وحدة القوى التقدمية العربية باعتبارها عامل هام في تحقيق الوحدة العربية الشاملة نحو تحرير فلسطين، وأن الصراع مع إسرائيل يشكل قاسما مشتركا بين جميع هذه القوى والأنظمة العربية للتوحد في مواجهة إسرائيل، واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، وأن هناك في الساحة العربية ما يشير إلى تجارب الوحدة التي شكلت خطورة على دولة إسرائيل.

The Palestinian Cause in the Thought of the Arab Baath Socialist Party

From 1947 to 1978

Forsan Tayeh


Abstract

The study sheds light on an important historical period in the life of one of the parties and political forces of Arab nationalist movement, namely, the Arab Ba'ath Socialist Party.

It's known that from 1947 to 1978 the party has played an important role in preserving the Arab identity and in defending the central cause of the Arab people , means, the Palestinian cause.

On the one hand, the main objective of this study is to figure out or identify the importance of the Palestinian issue in the Baathist thought, and to identify all aspects of the support provided by the party to the foresaid cause.


On the other hand, it's important to know that the study used diachronic (the historical stages method ), descriptive approach and content analysis to identify the emergence of the party and the analysis of its strategies towards the Palestinian cause through the use of statements and publications of the party and other material or observations discussed the stance of the Baath Party concerning the Palestinian question.


Actually, the study deals with the impact of the Palestinian cause historically on the emergence of the Baath Party, as well as, the size of financial and moral support provided by the party for the Palestinian factions in the early sixties through the establishment of training camps and at the same time through facilitating the launch of guerrilla action from Syrian territory.

Moreover, the study has clarified the impact of the party on the attitudes of the Arab powers and political systems towards the Palestinian cause through its alliance with Arab progressive forces so as to achieve Arab solidarity and Arab unity.

On the other hand, the study concludes that the slogans and speeches of the Ba'ath were of great importance to revive the national awareness and the spirit of struggle of the Arab masses in order to resist the colonialism and its ally Israel, as well as, the rejection of " the Partition Resolution" up to the party's participation in 1948 war.

Again, it is essential to remember that the Ba'ath Party has exploited the ideal and emotional side to move the national feelings of the Arab masses and this of course creates great difficulty in achieving the above mentioned objectives of the party over its long experience in the political life.


On the other hand, the party support the idea of creating a Palestinian entity by highlighting the personal identity of the Palestinian people who struggle to liberate their homeland. Also, it talks about the idea that the party helps the PLO to gain recognition by all Arab states, as well as international community as the sole representative of the Palestinian people under the condition that its goals and objectives must meet with the party policy and his revolutionary vision away from the Arab dictations during that time.

Moreover, The study points out that the party believes that the only way to liberate Palestine is through the adoption of armed struggle, people's liberation war and through the establishment of armed groups linked to Ba'ath. Also, it shows the rejection of the Ba'ath party of the suspected settlement projects that aimed at spreading out the spirit of frustration amongst the Arab masses.

Finally, the study confirms that the Baath Party considers the unity of Arab progressive forces as an important factor in achieving comprehensive Arab unity towards the Liberation of Palestine. Moreover, it assures that the conflict with Israel is the cornerstone factor between all these forces and the Arab regimes to unite in the face of Israel and jeopardize its existence and to enable the Palestinian people to restore their legitimate rights.

















الفصل الأول
خلفية الدراسة

أولاً: المقدمة

تتناول هذه الدراسة إحدى الأحزاب والقوى السياسية القومية العربية المهمة- وهو حزب البعث العربي الاشتراكي- الذي تأسس في نيسان 1947، والذي مارس تأثيرا على الساحة العربية ، ولعب دورا في الحفاظ على الهوية العربية ، والوقوف في وجه المخططات الاستعمارية التي استهدفت الأمة العربية والتي تمثلت في اغتصاب فلسطين بدءا من وعد بلفور عام 1917، والهجرة اليهودية إلى فلسطين مرورا بنكبة عام 1948م وقيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية.

لقد شكلت نتائج حرب عام 1948، وهزيمة الأنظمة العربية عاملا قويا في ظهور هذا الحزب وامتداده في فلسطين في فترة الخمسينيات نتيجة الروح الوطنية التي سادت أوساط الجماهير الفلسطينية في تلك الفترة والآمال التي علقتها على تحقيق الوحدة العربية، والتخلص من آثار الهزيمة التي حلت بالأمة العربية، وقد شكلت وحدة مصر وسوريا في عام 1958 منعطفا هاما في تطور فكر حزب البعث العربي الاشتراكي، وتنامي قوة التيارات القومية العربية على الساحة العربية والفلسطينية التي رفعت شعار الوحدة العربية وتحرير فلسطين.

احتلت القضية الفلسطينية موقعا مهما في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي ورؤيته في إدارة الصراع مع المحتل الإسرائيلي، وذلك في ظل سياسة الأحلاف ومشاريع التسوية التي استهدفت هذه القضية، الأمر الذي شكل تساؤلا رئيسيا على قدرة حزب البعث في بث الروح القومية والنضالية لدى الجماهير العربية ومقاومة الاحتلال، ورفض كل أشكال الهيمنة واتخاذ مواقف مناهضة من بعض القوى والأنظمة العربية نتيجة رؤيتها للصراع العربي الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية.

تعرض حزب البعث العربي الاشتراكي لعدة مواقف وهزات داخلية وسياسية أثرت على رصيده السياسي في الشارع العربي، فكان فشل الوحدة بين مصر وسوريا في عام 1961، والانشقاق الذي حدث في صفوف التنظيمات الحزبية في عام 1966، والهزيمة التي حلت بالأمة العربية عام 1967 من بين القضايا التي أفقدت الجماهير العربية ثقتها بالحركات والأحزاب القومية على الساحة العربية.

إن المواقف والأفكار لدى حزب البعث العربي الاشتراكي تطورت من الأيديولوجية السياسية إلى الممارسة العملية في قضية الصراع مع إسرائيل، والتي تمثلت بتشكيل الفصائل المسلحة وبداية الحديث عن الكفاح المسلح خاصة بعد أن تأسست منظمة التحرير الفلسطينية، وانطلاق العمل الفدائي الفلسطيني.

من هنا فإن هذه الدراسة تسعى إلى التطرق إلى الظروف التي أسهمت في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي والمبادئ التي قام عليها، ورؤيته نحو القضية الفلسطينية، وموقفه من مشاريع حل هذه القضية، وكذلك موقفه من الأنظمة العربية ومواقفها من الكيان الصهيوني والقضية الفلسطينية.

ثانياً: أهمية الدراسة:

تأتي هذه الدراسة كمحاولة للتركيز على إحدى القضايا المهمة التي شكلت مفصلا رئيسيا في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي- ألا وهي القضية الفلسطينية - باعتبارها جوهر الصراع العربي الإسرائيلي وذلك نتيجة للدور الذي لعبه هذا الحزب وقياداته في إبقاء القضية الفلسطينية على سلم أولويات العمل العربي القومي، خاصة وأن قيادات من هذا الحزب توجهت إلى فلسطين في حرب عام 1948 والتحقت بفرق جيش الإنقاذ للمشاركة في هذه الحرب ومنهم من استشهد فيها.

كما تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تسلط الضوء على قدرة حزب البعث العربي الاشتراكي في التعاطي مع القضايا القومية العربية، ومنها قضية فلسطين باعتبارها قضية العرب المركزية، والإبقاء على حيوية هذه القضية.
كما تتمثل أهمية الدراسة أيضا في كونها توضح موقف الحزب وفكره من قضية الصراع مع إسرائيل وهل هي قضية إستراتيجية أم موقفا تكتيكيا.

ثالثاً: مبررات الدراسة:

تتمثل مبررات الدراسة فيما يلي:

1. الجدل الذي يثيره دور حزب البعث العربي الاشتراكي في القضية الفلسطينية كون هذا الحزب يشكل تيارا أساسيا في الفكر القومي العربي.
2. بروز دور هذا الحزب في تحقيق أهدافه وأطروحاته القومية في الموضوع الفلسطيني.
3. قلة اهتمام الباحثين بتناول هذا الموضوع وعدم توفر الكثير من الكتابات حوله.


رابعاً: أهداف الدراسة:

تنطلق هذه الدراسة من هدف رئيسي وهو التعرف على موقع القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي، ويتفرع عن هذا الهدف مجموعة من الأهداف الفرعية على النحو الآتي:

1- بيان مدى اهتمام حزب البعث العربي الاشتراكي بالقضية الفلسطينية كونها جزءاً من القضايا العربية الأساسية.
2- التعرف على مدى إسهام حزب البعث العربي الاشتراكي في معالجة القضية الفلسطينية ورؤيته للمشاريع التي طرحت من أجل ذلك.
3- تحديد أوجه الدعم الذي قدمه حزب البعث العربي الاشتراكي للقضية الفلسطينية.
4- بيان مدى مساهمة حزب البعث العربي الاشتراكي في بعث الروح النضالية في القوى السياسية الفلسطينية.
5- بيان مدى التناقض الموجود لدى حزب البعث العربي الاشتراكي بين الفكر والممارسة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
6- التعرف على تأثير موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من القضية الفلسطينية على أفكار وتوجهات القوى السياسية العربية الأخرى.

خامساً: مشكلة الدراسة:

شكلت القضية الفلسطينية منذ ظهورها بدءا من وعد بلفور، وبداية الهجرة اليهودية إلى فلسطين وما تبع ذلك من هزيمة الجيوش العربية في حرب عام 1948، وقيام دولة إسرائيل على الأرض التاريخية للشعب الفلسطيني، شكلت إحدى الدوافع وراء تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي حيث اعتبرت أفكار الحزب وأطروحاته القومية عاملا مهما في الوحدة العربية ، وفي بث الروح النضالية والوطنية لدى أبناء الشعب العربي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والمخططات الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية. ومن هنا تتمثل مشكلة الدراسة في الإجابة عن السؤال الرئيسي الآتي : ما هو موقع القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي.

سادساً: أسئلة الدراسة:

بالإضافة للسؤال الرئيسي الذي تطرحه الدراسة فهي تسعى للإجابة عن الأسئلة الفرعية التالية:

1- ما هو أثر القضية الفلسطينية في نشأة حزب البعث العربي الاشتراكي؟
2- كيف تناول فكر حزب البعث العربي الاشتراكي موضوع القضية الفلسطينية؟
3- ما هو أثر فكر حزب البعث العربي الاشتراكي في بروز الروح النضالية لدى الحركات والقوى الفلسطينية؟
4- ما هو موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من المشاريع المطروحة لتسوية القضية الفلسطينية؟
5- ما هو حجم الدعم الذي قدمه حزب البعث العربي الاشتراكي للقضية الفلسطينية؟
6- ما هو موقع القضية الفلسطينية في الممارسة العملية لحزب البعث العربي الاشتراكي؟
7- كيف أثر حزب البعث العربي الاشتراكي على موقف القوى العربية الأخرى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟

سابعاً: فرضية الدراسة:

تنطلق الدراسة من فرضية أساسية وهي أن القضية الفلسطينية مثلت جوهر فكر حزب البعث العربي الاشتراكي وأطروحاته، بمعنى أن فكر هذا الحزب انصب في قسم كبير منه على موضوع القضية الفلسطينية وكيفية معالجتها وربط هذه القضية ومعالجتها بكافة القضايا الأخرى المتعلقة بأطروحات الحزب وأفكاره.
ثامناً: منهج الدراسة:

ستعتمد هذه الدراسة على المنهج التاريخي نظرا لأنها ستقوم بمتابعة التطور الفكري لحزب البعث العربي الاشتراكي ، ورؤية هذا الفكر للقضية الفلسطينية وموقعها فيه. كما سيعتمد الباحث على المنهج الوصفي، ومنهج تحليل المضمون من خلال تحليل المضامين الواردة في وثائق الحزب وخطاباته ومنشوراته فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية حيث سيتم مراجعة خطابات الحزب ووثائقه ذات الصلة في القضية الفلسطينية ما أمكن.

تاسعاً: حدود الدراسة:

1- الحدود المكانية: يشمل النطاق المكاني للدراسة المنطقة التي تشكل الوعاء الذي طرحت فيه أفكار الحزب وأطروحاته التي تشمل سوريا والعراق وفلسطين والأردن ولبنان.
2- الحدود الزمانية: تغطي الدراسة الفترة الممتدة من العام 1947 وهو تاريخ تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي وبداية المد القومي وحتى عام 1978 وهي المرحلة التي وصل فيها المد القومي إلى أدنى مستوى له.












عاشراً: الدراسات السابقة:

1- دراسة عرار، حزب البعث في فلسطين ودوره في الحركة الوطنية الفلسطينية (1948 – 1982 )، 2001 .

تمثلت مشكلة الدراسة لدى الباحث في الدور الذي لعبه حزب البعث العربي الاشتراكي في فلسطين في الحركة الوطنية الفلسطينية، وقد استخدم الباحث المنهج التاريخي الوصفي في دراسته مركزا على عوامل ظهور الوعي القومي العربي في المشرق العربي وظروف تأسيس حزب البعث في سوريا بداية الأربعينيات مستعرضا بذلك نشوء حزب البعث في فلسطين وتمدده ، كما تطرق الباحث إلى تأسيس منظمات البعث ودورها في الكفاح الفلسطيني وعلاقتها بالمقاومة الفلسطينية وكذلك المبادرات السلمية العربية والدولية لحل الصراع مع الكيان الصهيوني منذ عام 1948.

ومن أهم ما توصل إليه الباحث هو أن هزيمة العرب في حرب عام 1948 كانت من دوافع ظهور حزب البعث وامتداده في فلسطين، وأن هذا الحزب قد شكل مدرسة لقادة المقاومة الفلسطينية ورفض الصلح مع الكيان الصهيوني.

2- دراسة كامل ، حزب البعث وقضية فلسطين ، 2002 .

تتمثل مشكلة الدراسة لدى الباحث في أن فلسطين هي قلب الوطن العربي من الزاوية القومية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي. لقد استخدم الباحث في دراسته المنهج التاريخي التحليلي مركزا على مكانة القضية الفلسطينية في فكر البعث، والدور الذي لعبه البعثيون الفلسطينيون في سوريا في الدفاع عن الحزب أثناء الوحدة بين مصر وسوريا وبعدها، وكذلك موقف حكومات البعث من المقاومة الفلسطينية ودور حزب البعث في الكفاح المسلح بعد حرب 1967 .
أهم ما توصل إليه الباحث هو أن علاقة حزب البعث بالمقاومة الفلسطينية ارتبطت بالمصالح السياسية للحزب ودوره في العالم العربي، وكيفية إدارة الصراع مع إسرائيل عسكريا وسياسيا.
3- دراسة عرار ، موقف ورؤية حزب البعث تجاه القضية الفلسطينية (1940 - 1948)،2000 .

اعتبر الباحث الذي استخدم في دراسته المنهج التاريخي أن مشكلة الدراسة تتمثل في الفترة بين عامي 1940 – 1948 وهي الفترة التي استطاع فيها حزب البعث أن يحدد رؤيته تجاه القضية الفلسطينية وأن يلعب دورا في الدفاع عنها. ومن القضايا التي ركز عليها الباحث أيضا هي الخطابات والبيانات والوثائق التي صدرت عن حزب البعث ومفكريه فيما يخص القضية الفلسطينية بدءا من قرار التقسيم مرورا بحرب 1948. وقد توصل الباحث في دراسته إلى الوعي الحزبي المتقدم الذي حظي به أبناء البعث في الدفاع عن القضايا العربية ومواجهة فساد الأنظمة الحاكمة من أجل تحرير فلسطين.

4- دراسة دندشلي، مساهمة في نقد الحركات السياسية في الوطن العربي ، حزب البعث العربي الاشتراكي 1940- 1963 ، 1979.

اعتبر الباحث الذي استخدم في دراسته المنهج التاريخي التحليلي أن مشكلة الدراسة تتمثل في فهم الأيديولوجيا والتاريخ السياسي لحزب البعث العربي الاشتراكي، ومن القضايا التي تناولها أيضا تاريخ نشوء وتكون حركة البعث العربي ومراحل تأسيس حزب البعث في سوريا والقيادات التي أسهمت في ذلك والتي لعبت دورا في صقل فكر حزب البعث نحو القضايا الوطنية والقومية ومنها موقف الحزب من القضية الفلسطينية عبر مراحل نموه.



5- دراسة حسن ، دور حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق في الحركة الوطنية منذ تأسيسه حتى 14 تموز 1958، 1978.

تمثلت مشكلة الدراسة لدى الباحث في فترة نشأة ونمو حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق باعتبارها أصعب فترات النضال القومي والوطني ، وهذه الدراسة هي أول دراسة جامعية تتناول مرحلة من مراحل حزب البعث في العراق وهي رسالة جامعية.

استخدم الباحث في دراسته النهج التاريخي التحليلي للوقوف على ظروف نشأة حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال التطرق للظروف السياسية التي مرت بها سوريا بعد الاستقلال ونشأة حزب البعث في العراق وأيديولوجيته ونشاطه الداخلي ووجهة نظره من القضايا الوطنية والقومية ومنها قضية فلسطين ومواقفه من سياسة الأحلاف التي استهدفت الأمة العربية.

أهم ما توصل إليه الباحث هو أن حزب البعث في العراق ظل وفيا لمبادئه في الدفاع عن القضايا العربية ومقاومة الاستعمار والتمسك بسياسة الحياد الايجابي ومقاومة الأحلاف.

التعليق على الدراسات السابقة :

تناولت الدراسات السابقة في مجملها تاريخ نشوء حزب البعث العربي الاشتراكي ومراحل تأسيسه ودوره في معالجة القضايا الداخلية والقومية للأمة العربية، إلا أنها اختلفت في تعاطيها مع تفاصيل موقف ورؤية حزب البعث من القضية الفلسطينية، فمنها من تناول تاريخ تطور الحركة القومية العربية ومنها حزب البعث ونشأته في سوريا ورؤيته للقضية الفلسطينية ومنها من تطرق إلى حزب البعث في فلسطين وموقفه من الكفاح المسلح، ومنها أيضا من تناول بشكل مختصر موقع القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال البيانات والخطابات الحزبية التي تناولت الصراع مع الكيان الصهيوني.
تأتي معظم هذه الدراسات في إطار السرد التاريخي لنشوء حزب البعث العربي الاشتراكي ورؤيته من ناحية عامة للقضية الفلسطينية كما أنه يؤخذ عليها أنها لم تتعاطَ بشكل تحليلي لمواقف الحزب من قضية الصراع مع الكيان الصهيوني. لذلك لم تتطرق هذه الدراسات بشكل مفصل لفكر حزب البعث في الممارسة العملية بالنسبة للقضية الفلسطينية.

وتختلف الدراسة الحالية عن الدراسات السابقة في أنها تنطلق من هدف رئيسي وهو موقع القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي وما هو حجم الدعم الذي قدمه حزب البعث للقضية الفلسطينية من الناحية العملية سواء على صعيد الكفاح المسلح أو موقفه من مشاريع تسوية القضية الفلسطينية، إلا أن الدراسات السابقة تقدم للباحث تصورا جيدا عن موضوع الدراسة التي يريد إعدادها من حيث المنهجية المتبعة في طريقة الكتابة والتحليل وكذلك القضايا المنوي تناولها في الدراسة.

كما تسهم هذه الدراسات في تنوير الباحث وتركيزه على القضايا الرئيسية التي يريد بحثها في دراسته من خلال الاستفادة من المراجع والمصادر الموثقة والتي تعزز مصداقية الباحث وموضوعيته في دراسته.
















الفصل الثاني
القضية الفلسطينية ونشوء حزب البعث العربي الاشتراكي

المبحث الأول: نبذة تاريخية عن القضية الفلسطينية

تعتبر القضية الفلسطينية ذات خصوصية استثنائية، فقد حملت من جهة طابع صراع ضد قوة أجنبية استيطانية عنصرية لا تهدف إلى السيطرة على البلاد واستغلالها والحكم بالأغلبية المحلية وتحويلها إلى مواطنين من الدرجة الثانية، وإنما هي أقلية عنصرية تحمل هوية دينية جاءت لتحل محل الشعب الفلسطيني وطرده من البلاد كلياً والاستيلاء على أرضه وممتلكاته، بل الادعاء بامتلاك الحق والشرعية في ذلك، وفي المقابل التنكر لشرعية صاحب البلاد الأصلي ورفض حتى وجوده عليها.

إنه امتداد عالمي لحالة عالمية هي الصهيونية العالمية حيث مثلت هذه الحالة مجموعة الحركات الصهيونية المنتشرة دولياً والتي تمتعت بنفوذ مالي وإعلامي وسياسي مكّنها من دعم الكيان الصهيوني رغم الخلافات بين هذه الحركات فاستندت على دعم الدول الكبرى متجاوزة الحالة الاستيطانية العنصرية المحلية( ).

أولاً: جذور القضية الفلسطينية:

ارتبط نشوء القضية الفلسطينية بالدعوات التي أطلقها الصهاينة الحديثين غير اليهود الذين مثلهم نابليون بونابرت أثناء حملته على بلاد الشام، وطلبه من اليهود تشكيل مجلس السنهدرين الذي يعتبر الهيئة القضائية العليا التي كانت قائمة زمن مملكة إسرائيل الغابرة. وقد حث نابليون المجلس على مساندته في احتلال الشرق العربي واعدا اليهود بمنحهم فلسطين، فبدأ الكتاب اليهود يكتبون كلمات حماسية تشجع اليهود على الهجرة إلى فلسطين، وتشكيل دولة لهم فيها( ).

وفي ربيع عام 1799 أصدر نابليون بيانا في أثناء حملته على بلاد الشام، طلب فيه من يهود إفريقيا وآسيا أن يقاتلوا تحت لوائه داعيا إياهم إلى إحياء كيانهم السياسي كشعب بين الشعوب بقوله عنهم " إنهم الورثة الشرعيون لفلسطين "، حيث نجح نداءه في إرساء القواعد الرئيسة للحركة الصهيونية .

وتعود جذور القضية الفلسطينية إلى نشوء الحركة الصهيونية التي عقدت مؤتمرها الأول في 27 آب 1897 في مدينة بال السويسرية، حيث دعا هذا المؤتمر الذي شكل نقطة هامة في الحركة الصهيونية إلى توجيه أنظار اليهود ومشاعرهم نحو فلسطين من أجل دراسة الوسائل الكفيلة بتأسيس وطن أو كيان ليهود العالم، حيث تم في هذا المؤتمر وضع البرنامج السياسي للحركة الصهيونية الذي يدعو للكفاح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين يحميه القانون من خلال إيقاظ الوعي القومي اليهودي، وتشجيع المهاجرين من بين أعضاء منظمات الشبيبة اليهودية ومن القادرين على العمل بالزراعة في استعمار فلسطين وإقامة المؤسسات التي تهدف إلى توثيق الروابط اليهودية محلياً ودولياً( ).

كما دعا مؤتمر بال إلى تنظيم اليهود كافة، وتوحيدهم بواسطة إنشاء المؤسسات المحلية والعامة وفقا للقوانين السارية في كل بلد، واتخاذ الخطوات التحضيرية للحصول على موافقة الحكومات، التي يجب الحصول عليها لتحقيق هدف الصهيونية. وقد كتب هيرتزيل في يومياته عقب انتهاء مؤتمر بازل في 3 أيلول 1897 في فيينا : لو شئت اختصار برنامج بازل في كلمة واحدة – سأحاول جاهدا عدم نشرها علنا- لكانت: في بازل، أنشأت الدولة اليهودية( ).

ومنذ صدور برنامج العمل الصهيوني في بال وبينما كانت الحركة الصهيونية تسعى إلى خلق مؤسساتها الرئيسية المالية والإدارية والدعائية، كان مؤسسها ثيودور هيرتزل يقوم إلى حين وفاته بالاتصالات السياسية والدبلوماسية مع شتى الدول سعياً منه للحصول على دعم حركته في استعمار فلسطين، حيث تسارعت الدعوات الصهيونية إلى استئناف التسلل البطيء إلى فلسطين وتنظيمه ومحاولة الحصول على ضمانات لحماية الاستعمار الصهيوني( ).

ثانياً: الهجرة اليهودية لفلسطين:

عندما ابتدأت طلائع اليهود من روسيا القيصرية تصل إلى فلسطين، لم يكن هناك من مشروع سياسي محدد في الأفق، كما أن عدد هؤلاء المهاجرين لم يكن كبيرا على الإطلاق. ومع كل الضجة التاريخية التي رافقت الموجة الأولى من الهجرة، أي سنة 1882، وكان شبح الاضطهاد الذريعة الكبرى للهجرة الصهيونية نحو فلسطين فهناك إجماع على أن الذين وصلوا فعلا إلى فلسطين كانوا مئات معدودة، وأما الآلاف من اليهود فقد توجهوا إلى الولايات المتحدة( ).

ما لبثت الصهيونية أن انتهت من بلورة مؤسساتها التنظيمية حتى انطلقت بوتيرة عالية من النشاط هدفها الاستراتيجي هو إقامة الدولة العبرية في فلسطين، ولم تكن العقبات التي اعترضت درب العمل الصهيوني كفيلة بثنيها عن تحقيق ما تصبو إليه، فابتدأت الهجرة الصهيونية إلى فلسطين في نهاية الربع الأخير من القرن التاسع عشر وأقيمت أول مستوطنة يهودية فوق أرض فلسطين في عام 1878م وهي بتاح تكفا (بوابة الأمل) وتلتها مستعمرة ريشون لتصيون (الصهيوني الأول) واستأنفت الحركة الصهيونية نشاطات الهجرة بعد انبثاقها في عام 1897 أي بعد مرور تسعة عشر عاماً من تأسيس أول مستوطنة يهودية في فلسطين ليشهد الصراع بذلك أولى انطلاقته المباشرة( ).

وتذكر الكتب التاريخية أن الهجرة الصهيونية إلى فلسطين مرت في مرحلتين هما:

1- الهجرة الأولى: 1881-1904 وتشير المصادر إلى أن الهجرة الأولى التي تسمى بالعبرية (عالياه)، عام 1881-1884 ولم يصل فلسطين منها سوى 2% فقط من المهاجرين والباقي توجه لأمريكا.
وتم إنشاء مستعمرات مثل ريشيون ليتسون (الأول في صهيون)، وروش بنياه (الجاعونه)، وزخرون يعقوب (زمارين) وبتاح تكفا (مفتاح الأمل)، أما الموجة الثانية من (عالياه الأولى) فكانت خلال سنتي 1890-1891 من روسيا، ومن أهم المستعمرات التي قامت هي رحفوت (ديران) وحوراه (الخضيرة) والمطله حيث مولت هذه المستوطنات من أحد أغنياء اليهود روتشيلد.
2- الهجرة الثانية: (عالياه الثانية) في فترة 1905-1914 حيث تأسس مكتب فلسطين في هذه الفترة على يد آرثر روبن عام 1908 وكان مسؤولاً عن الاستيطان واستطاع إقامة تسع مستوطنات في ستة أعوام. وشيدت في هذه المرحلة مستعمرة تل أبيب عام 1909 ثم إنشاء منظمة هاشومير (الحارس) عام 1909 بهدف حراسة المستعمرات.

وكان من أبرز نتائج هذه الهجرات أن برهن اليهود على قدرتهم في أن يكونوا مزارعين وتطوير الوسائل الحديثة في المستعمرات وإحياء اللغة العبرية والتصميم على البقاء في فلسطين( ).

ثالثاً: المقاومة الفلسطينية ضد الهجرة اليهودية:

تعود البدايات الأولى للمقاومة الفلسطينية المسلحة ضد المشروع الصهيوني إلى عام 1886، وذلك عندما قام الفلاحون الفلسطينيون الذين طردوا من قبل الصهاينة من الخضيرة وملبس بمهاجمة المستوطنين اليهود، الأمر الذي اضطر الحكومة العثمانية عام 1887 إلى فرض قيود على الهجرة اليهودية تسمى بالوثيقة المؤقتة الحمراء، التي تعطى لليهودي الأجنبي القادم إلى فلسطين في مقابل احتفاظ السلطات العثمانية بجواز سفره ضمانة لخروجه بعد انتهاء إقامته، كما أن قطاع التجار والمهنيين كان له دوراً مهماً في المقاومة ضد الهجرة اليهودية بعد أن تنبه لنتائجها الاقتصادية السلبية( ).

ومع تزايد الوعي بمخاطر المشروع الصهيوني على مقدرات البلاد تقدم وجهاء مدينة القدس بعريضتين للحكومة العثمانية، احتجوا في الأولى ضد متصرف القدس لمحاباته الصهاينة، وفي الثانية احتجوا على استمرار هجرة اليهود الروس إلى فلسطين وطالبوا بمنعها.

وفي عام 1900 شهدت البلاد احتجاجات واسعة ضد شراء اليهود للأراضي الزراعية التي حاول الفلاحون منعها بمساندة الباب العالي. كما بادر الكتاب والمثقفون العرب والفلسطينيون أمثال نجيب عازوري الذي تنبأ في كتابه (يقظة الأمة العربية) بخطر المخططات الصهيونية، وكذلك فعل الصحفيون والنواب العرب والفلسطينيون في مجلس النواب العثماني، حيث تنبهت صحيفة الكرمل الحيفاوية في عام 1908 إلى الخطر الصهيوني، وقد لعبت الجمعيات والأحزاب الفلسطينية مثل الحزب الوطني العثماني عام 1911 وجمعية الشببية النابلسية 1914 دوراً في النضال ضد الصهاينة بصفتهم أصحاب مشروع استعماري، إلا أن هذه الجمعيات والأحزاب لم تفلح في الحد من نشاط الحركة الصهيونية التي استغلت ضعف الدولة العثمانية وتغلغل الفساد في أجهزتها وبالتالي رفعت أعداد المستوطنين في فلسطين( ).

رابعاً: وعد بلفور:

جاء صدور إعلان بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 على شكل كتاب موجه من وزير خارجية بريطانيا إلى اللورد الصهيوني روتشيلد، بمثابة تعاون بين الامبريالية البريطانية والحركة الصهيونية الاستعمارية على حساب شعب فلسطين ومستقبل الأمة العربية بأسرها، حيث أبرزت الحرب العالمية الأولى أهمية فلسطين بالنسبة لبريطانيا التي تأتي في مقدمة الدول الأوروبية التي دعمت الحركة الصهيونية( ).

يعتبر حاييم وايزمن وهربرت صموئيل من أشهر الصهاينة الذين لعبوا دوراً فعالاً في لندن حتى تم إصدار وعد بلفور، وقد ربط هؤلاء مصالح الصهيونية بالمصالح البريطانية، فكان هربرت صموئيل الذي أصبح أول مندوب سامي بريطاني على فلسطين نشيطاً في إقناع الحكومة البريطانية بضرورة إصدار وعد بريطاني بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، فرفع مذكرة للإنجليز في 5 شباط 1915 تتعلق بمستقبل فلسطين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكان يهدف فيها إلى تشكيل دولة يهودية في فلسطين رغم قلة عدد اليهود، وكان وايزمن زعيم الحركة الصهيونية نشيطاً كذلك عندما صرّح أكثر من مرة بأن فلسطين اليهودية ستكون حامية للمصالح البريطانية وخاصة فيما يتعلق بقناة السويس.

وفي حزيران عام 1917 قدم الصهاينة مذكرة مكتوبة إلى وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور تتضمن مشاريعهم المستقبلية حول فلسطين، وقد لاقت هذه المذكرة قبولاً لدى الخارجية البريطانية دبلوماسياً وسياسياً بضرورة إصدار وعد يعطف على آمال اليهود. وإثر ذلك فوضت بريطانيا وزير خارجيتها بلفور بإصدار وعد للصهاينة عرف بوعد بلفور وهذا نصه:

"عزيزي اللورد روتشيلد" يسرني أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالة الملك بأن حكومة جلالته تنظر بعين الرضا إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وتبذل الجهود في سبيل ذلك على أن لا يجري شيء يضر بالحقوق الدينية والمدنية لغير اليهود في فلسطين أو تضر بما لليهود من الحقوق والمقام السياسي في غيرها من البلدان الأخرى( ).

خامساً: الانتداب البريطاني على فلسطين:

سعت الحركة الصهيونية بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ لأن تكون بريطانيا هي الدولة التي تمثل فلسطين تحت غطاء الانتداب، وذلك حتى تضمن لتصريح بلفور التنفيذ العملي حيث كانت فلسطين واقعة تحت السيادة العثمانية، والإحتلال البريطاني للقدس كان قد تم في 9 كانون أول 1917 أي بعد أكثر من شهر على إعلان تصريح بلفور.

واستطاعت الحركة الصهيونية أن تنقل تصريح بلفور من نطاقه البريطاني إلى نطاقه الدولي، وذلك بعرض القضية على مؤتمر السلام الدولي في باريس من خلال المذكرات التي قدمها الوفد الصهيوني للمؤتمر في 27 شباط 1919، واستجابة الحلفاء للمطالب الصهيونية في الاجتماع الذي عقد في سان ريمو في 25 نيسان 1920 والذي قرر وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ثم قيام بريطانيا في تموز1920 بتعيين اليهودي الصهيوني هربرت صموئيل أول مندوب سامي لها في فلسطين حيث أنهت الإدارة العسكرية وأفرزت بديلاً عنها الإدارة المدنية.

وفي 24 تموز 1922 صادق مجلس عصبة الأمم على صك الانتداب البريطاني مستنداً على تصريح بلفور الذي أصبح وثيقة شبه رسميه صادرة عن عصبة الأمم وأضحت معارضة التصريح معارضة للإجماع والشرعية الدولية وليس معارضة لبريطانيا( ).

إن أهم ما جاء في صك الانتداب على فلسطين فيما يتعلق باليهود كان تثبيتا لوعد بلفور في المادة الثانية : تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن جعل البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تكفل إنشاء الوطن القومي اليهودي، كما جاء في ديباجة هذا الصك، وضمان الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بقطع النظر عن الأجناس والأديان.
كما جاء في المادة الثالثة أيضا : يجب على الدولة المنتدبة أن تنشط الاستقلال المحلي على قدر ما تسمح به الأحوال( ).

سيطرت بريطانيا بموجب صك الانتداب على إدارة فلسطين وتحكمت في أحوالها السياسية والاقتصادية، وأعطت التسهيلات لإنشاء وطن قومي لليهود واعترفت بالوكالة اليهودية كهيئة عمومية تساعد في إدارة شؤون فلسطين الاقتصادية والاجتماعية وتحسين وضع اليهود والمساعدة في هجرتهم إلى فلسطين ونقل الأراضي لهم. وبذلك حكمت بريطانيا فلسطين كمستعمرة بريطانيه، وتركوا لليهود حرية الاستقلال بمدارسهم، وحماية الإنتاج اليهودي والمساعدة في تدريب المنظمات اليهودية وتسليحها، وسن القوانين التي تسهل شراء الأراضي من العرب وبيعها لليهود( ).

سادساً: مرحلة الصراع بعد وعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين:

لقد قاوم العرب في فلسطين سياسة الانتداب والأطماع الصهيونية عن طريق النضال السياسي والثورات الشعبية المسلحة التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في أرضه، ورفضه وعد بلفور. فبعد انعقاد المؤتمر الأول في مدينة القدس في 1919 من أجل اختيار ممثلين من المدن والقرى الفلسطينية اندلعت في نفس العام انتفاضة جماهيرية عارمة، عندما حضر إلى القدس المئات من المدن الفلسطينية المجاورة للمشاركة في احتفالات النبي موسى، والتظاهر ضد الوجود الصهيوني في فلسطين حاملين معهم البنادق واستمرت هذه الانتفاضة حتى عام 1920 وسميت بثورة العشرين( ).

وفي أيار 1921 وقعت اضطرابات في يافا عمت القضاء بأسره، وحصلت صدامات بين العرب واليهود حتى شمل القتال شوارع المدينة كلها، كما هاجم العرب خلال هذه الأحداث مستعمرة ملبس، الأمر جعل سلطات الانتداب تشدد قبضتها على العشائر العربية وزعمائها واعتقالهم، ومطالبتهم بإلقاء السلاح( ).

وفي آب 1922 شهدت فلسطين أحداثاً دامية بعد إعلان الانتداب البريطاني عليها، كما اندلعت انتفاضة البراق في عام 1929 عندما قام اليهود برفع العلم الصهيوني فوق حائط البراق تحديا لمشاعر العرب، وفي عام 1935 اندلعت ما عرفت لاحقاً بثورة الشيخ عز الدين القسام والتي أدخلت مسار النضال الوطني منحى متطوراً وجديداً في أساليب المقاومة الفلسطينية، كما شهدت فلسطين في عام 1936 إضراباً تجارياً عاماً وشاملاً استمر ستة أشهر، لكنه توقف بضغط من القوى العربية الرسمية ووعود بريطانيا دون أن يحقق هدف يذكر وأسفرت انتفاضة عام 1935-1936 عن سقوط ألف شهيد فلسطيني وجرح المئات.
ومع نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين انتهت ثورة القسام وتوقفت انتفاضة الشعب الفلسطيني( ).

سابعاً: تقسيم فلسطين:

شكل مؤتمر بلتمور الذي عقد في فندق بلتمور في 11 أيار 1942، انعطافا هاما في تاريخ الحركة الصهيونية، وحدثا بارزا على صعيد علاقات هذه الحركة بالدول العظمى. وقد تضمن المؤتمر لأول مرة في تاريخ الحركة الصهيونية مطالبة صريحة لمؤسسة صهيونية تمثيلية بقيام دولة يهودية في فلسطين في الوقت المناسب، والدعوة إلى تحقيق الهدف الأصلي لوعد بلفور والانتداب الذي يعترف بالعلاقة التاريخية بين الشعب اليهودي وفلسطين. كما أوصى المؤتمر بفتح أبواب فلسطين على مصراعيها أمام اليهود، وأن تمنح الوكالة اليهودية حق السيطرة على الهجرة إلى فلسطين، وأن يصار إلى تأسيس فلسطين كدولة كومونولث يهودية، ورفع الظلم الأزلي عن الشعب اليهودي( ).

وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1945 بانتصار الحلفاء، تحول النشاط السياسي الصهيوني من الاعتماد على بريطانيا إلى الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية التي دخلت بقوة حلبة السياسة الدولية، والتي كانت متحمسة جداً لفكرة إقامة الوطن القومي اليهودي، حيث طلب الرئيس ترومان من بريطانيا السماح لأعداد المهاجرين اليهود بالدخول إلى فلسطين، مما جعل بريطانيا تفكر بالخروج من فلسطين بعد أن أدركت أن اهتمام الولايات المتحدة ليس فقط بإقامة وطن قومي لليهود وإنما إقامة دولة يهودية في فلسطين، وجاء موقف بريطانيا هذا متزامناً مع حرب العصابات التي بدأ اليهود بشنها ضدها تحت شعار ما أسموه حرب الاستقلال معتبرين أن بريطانيا دولة مستعمرة يجب أن ترحل. وبعد أن عجزت بريطانيا عن التوصل إلى حل يرضي العرب واليهود على حد سواء لجأت إلى هيئة الأمم المتحدة لأن تقرر ما تراه مناسباً( ).

عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً خاصاً في 29 تشرين ثاني 1947 صوت على مشروع التقسيم الذي نال 32 صوتاً مقابل معارضة 13 صوتاً وامتناع عشرة عن التصويت ونال ثلثي الأصوات التي تطلبها المسائل المهمة.

أوصى القرار بتقسيم فلسطين وإنشاء دولتين فيها إحداهما عربية والأخرى يهودية مع الوحدة الاقتصادية بينهما ووضع مدينة القدس تحت إشراف دولي حيث قوبل هذا القرار برفض الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني بينما رحب اليهود كثيراً بذلك( ).

خصص التقسيم حوالي 44% من مساحة فلسطين الانتدابية للعرب وحوالي 53% لليهود وحوالي 3% كمنطقة دولية علماً بأن عدد الفلسطينيين كان يقدر في حينه بمليون ونصف بينما قدر عدد اليهود بحوالي ستمائة ألف.

فكانت الدولة اليهودية تشمل الجليل الشرقي والسهل الساحلي الشمالي والنقب، والدولة العربية تشمل الجليل الغربي والسهل الساحلي الجنوبي ومنطقة الوسط الجبلية وقطاع القدس وبيت لحم والخليل ويافا واللد والرملة( ).



ثامناً: حرب عام 1948:

نشبت هذه الحرب في 15 أيار 1948 بين قوات عدة دول عربية وقوات الكيان الصهيوني، وإثر تمرير قرار تقسيم فلسطين في الأمم المتحدة في 29/11/1947 تصاعد الصراع في الأراضي الفلسطينية، ودعت جامعة الدول العربية إلى اجتماع في القاهرة في كانون الأول 1947 أعلن في نهايته أن الحكومات العربية لا تقر ذلك القرار وأنها ستتخذ تدابير كفيلة بإحباطه.

وكانت الحركة الصهيونية في ذلك الوقت قد تمكنت من بناء قوة عسكرية كبيرة ضمن عدة منظمات عسكرية أهمها الهاغاناة، كما تمكنت بدعم من سلطات الانتداب البريطانية من تطوير تسلحها وإنشاء صناعة عسكرية، وبمواجهة القوات الصهيونية كان يقف الثوار الفلسطينيون وفرق جيش الإنقاذ والمتطوعين العرب( ).

وكان من دوافع هذه الحرب القرار الذي اتخذه الصهاينة في 14 أيار1948 في متحف تل أبيب قيام دولة إسرائيل في 15 أيار، 1948 حيث ارتكبت قيادة الجيش اليهودي سلسلة من المجازر قبل الحرب بحق الفلسطينيين في دير ياسين وحيفا ويافا، وإرغام الناس على الهروب بهدف تحسين سير العمليات العسكرية وتحسين الوضع القتالي لصالح اليهود( ).

حققت الجيوش العربية انتصارات عسكرية في المرحلة الأولى من الحرب لكن الموقف العسكري تحول لصالح اليهود بسبب قبول الهدنة الأولى ووقف القتال، وبعد اغتيال المبعوث السويدي للأمم المتحدة لتسوية النزاع الكونت برنادوت استؤنف القتال وحقق الصهاينة انتصارات على بعض الجبهات مما اضطر مجلس الأمن للتدخل وفرض هدنة جديدة( ).

ومع انتهاء العمليات القتالية استمر الصراع السياسي حتى تم عقد اتفاقات مؤقتة في ردوس 1949، ولقد نتج عن هذه الحرب ضياع جزء من فلسطين يفوق من حيث المساحة القسم الذي حدده قرار التقسيم لإنشاء الدولة الصهيونية ليصبح ما يعادل 78% من فلسطين بأيدي الصهاينة. كما أدت الحرب إلى ترسيخ الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، ومن ناحية أخرى فلقد قادت الحرب إلى تصاعد النقمة الجماهيرية نتيجة هزيمة الأنظمة وتخاذلها واندلاع مجموعة ثورات وانقلابات واغتيالات في المنطقة( ).

تاسعاً: تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية:

كان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 إيذاناً ببدء مرحلة هامة وأساسية في الحياة السياسية للشعب الفلسطيني ونقطة انعطاف حاسمة في مسيرة بنائه الكياني والوطني. فالمنظمة إلى جانب كونها المؤسسة الكيانية المعترف بها للفلسطينيين كانت أيضاً فاتحة عهد من التطورات الكيانية في مراحل لاحقة ومركز استقطاب للوعي الكياني الفلسطيني فيما بعد.

ولم يكن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في إطار الرسمية العربية وبترحيب منها أكثر من استجابة عملية لحالة قائمة في الواقع الفلسطيني( ).

كلفت القمة العربية الأولى المنعقدة في 13 كانون ثاني 1964 في القاهرة السيد أحمد الشقيري ممثل فلسطين في الجامعة العربية بإجراء الاتصال بالفلسطينيين في كافة الأقطار العربية بالتجمعات الفلسطينية من أجل تنظيم كيان للشعب الفلسطيني يمكنه من القيام بدوره الطليعي في النضال ضد العدو الصهيوني وقد أبدت فئات فلسطينية عديدة تخوفها من هذا الكيان الذي قررت الجامعة العربية إنشاءه، إلا أنه كان تعبيراً عن رغبة الشعب الفلسطيني، وبعد انتهاء الشقيري من اتصالاته التحضيرية عقد المؤتمر الفلسطيني الأول بمدينة القدس في 28 أيار 1964 وكانت أهم قراراته هو الإعلان عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية والمصادقة على الميثاق القومي الفلسطيني( ).

وقد وافق مؤتمر القمة العربي الثاني في الإسكندرية في أواخر عام 1964 على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني وعومل الشقيري حينها كرئيس للمنظمة التي حظيت باعتراف عربي ودولي وفتحت المنظمة مكاتب لها في الدول العربية وتم إشراكها بقمة عدم الانحياز( ).

عاشراً: حرب حزيران عام 1967:

لم تكن حرب عام 1956 التي سميت بالعدوان الثلاثي على مصر والتي شاركت فيها إسرائيل إلى جانب بريطانيا وفرنسا، شافية بالنسبة لإسرائيل التي لم تحقق إلا القليل من أهدافها والتي تمثلت في فتح خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية، ووقف العمليات الفدائية فضمنت إسرائيل هدوءاً أمنياً في منطقة غزة بعد حرب عام 1956، وضمنت هدوءاً على طول خط الهدنة مع مصر وتوقفت العمليات الفدائية.

وفي ضوء تنامي القوة العسكرية المصرية والعربية بدأت إسرائيل بالتحضير للحرب باعتبار أن قادة إسرائيل لم يكونوا مقتنعين بأن المساحة التي اغتصبوها عام 1948 كافية لاستيعاب يهود العالم أو غالبيتهم، ولهذا تطلعوا للتوسع على كل الاتجاهات ولضمان الأمن في الاتجاهين الشمالي والشرقي، وذلك إثر تزايد العمليات المسلحة الفدائية ضد أهداف إسرائيلية وظهور تنظيمات فلسطينية راديكالية تهدف إلى ضرب إسرائيل( ).

شنت إسرائيل حرب خاطفة على الدول العربية في صباح الخامس من حزيران 1967 وتمكنت عبرها من تحقيق انتصار عسكري واستراتيجي، ومن احتلال المزيد من الأراضي العربية ومن ضمنها جميع أراضي فلسطين وقد تحقق هذا الانتصار لإسرائيل بفضل الضربات الجوية للطيران الإسرائيلي ضد القواعد الجوية المصرية والعربية الأخرى، وتحقيق السيطرة للطيران الإسرائيلي على أجواء المنطقة الأمر الذي سهل اندفاع القوات البرية الإسرائيلية إلى سيناء والضفة الغربية والجولان حيث خاضت القوات العربية البرية معركة غير متكافئة اضطرها للانسحاب من مواقعها وتوقف القتال في 10 حزيران تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 242 بوقف إطلاق النار، وبهذا تمكنت إسرائيل من السيطرة على شبه جزيرة سيناء والجولان والضفة الغربية وتحسين وضع إسرائيل على الصعيد الجغرافي- الاستراتيجي( ).

الحادي عشر: حرب عام 1973: (الحرب العربية- الإسرائيلية الرابعة)

هي الحرب التي شنتها مصر وسوريا- وانضم إليها العراق وغيره من الأقطار العربية ضد إسرائيل في السادس من شهر تشرين الأول- أكتوبر 1973 بهدف خرق الجمود المهيمن على المنطقة منذ حرب 1967.

وتعرف الحرب أيضاً باسم حرب تشرين أو حرب أكتوبر أو حرب يوم الغفران كما يسميها اليهود، ولقد انتهت الحرب بانتصارات عسكرية عربية ومحاولات إسرائيلية لتحقيق انتصارات عسكرية موازية تؤدي إلى تعديل نتيجتها النهائية، كما رافقها حظر نفطي عربي كان له أثر كبير على الوضع الدولي غير أن النتائج السياسية المترتبة عنها لم توازي نتائجها على الصعيد العسكري( ).

بدأ الهجوم على الجهتين المصرية والسورية في الوقت المحدد وحققت القوات المصرية والسورية انتصارات وتقدم على الجبهتين فتمكن الجيش المصري من اجتياز القناة والسيطرة على خط بارليف والقوات السورية تمكنت في مطلع الحرب من التقدم إلى عمق الهضبة قبل أن يشن الإسرائيليون هجوماً مضاداً في 8-9/10 ورغم صدور قرار وقف إطلاق النار من قبل الأمم المتحدة في 22/10 إلا أن الإسرائيليين تابعوا تقدمهم بهدف تطويق الجيش المصري الثالث وقطع خطوط إمداده.

ويمكن القول بأن الثورة الفلسطينية لعبت دوراً بارزاً إبان الحرب على الجبهة اللبنانية حيث نفذت حوالي 207 عمليات عسكرية ومشاركة القوات الفلسطينية على الجبهتين المصرية والسورية.

لقد أدت هذه الحرب إلى دحض نظرية الأمن الإسرائيلي ونظرية الحدود الآمنة وإسقاط نظرية التفوق الإسرائيلي وعجز الجندي العربي عن استخدام الأسلحة المتطورة واستحالة تطبيق الحرب القصيرة الخاطفة بالنسبة للجانب الإسرائيلي إذا لم تكن الظروف مواتية لمثل ذلك التطبيق( ).










المبحث الثاني: دور القضية الفلسطينية في نشوء حزب البعث العربي الاشتراكي

أولاً: نشوء حزب البعث العربي الاشتراكي:

كانت البدايات وليدة تلاقي مجموعة من الأفراد السوريين الذين تمكنوا من الإطلاع على الحضارة الأوروبية ومعرفة نوايا السياسات الاستعمارية المتجهة إلى تقسيم الوطن العربي وإقامة الكيان الصهيوني. وكان إسهامهم المشترك في إقامة التظاهرات الوطنية مع القوى السياسية العاملة في القطر السوري ضد السلطات الفرنسية الدافع إلى التفكير في تأسيس حزب قومي عربي( ).

وقد ساعد في تأسيس هذا التيار التكوين القومي والاجتماعي للشعب السوري وتبلور بدايات برجوازيه وطنيه صناعية وبدء تداعي السيطرة الإقطاعية في الأرياف والصدمة التي بدأ يحدثها الصراع العربي الإسرائيلي (الصهيوني) في فلسطين وبوادر الكارثة، وتجذر الفكر القومي الوحدوي في سوريا الذي كان يشكل تياراً كبيراً خلال أيام الاستعمار الفرنسي حيث أدى ذلك إلى تأسيس حزب البعث العربي في السابع من نيسان 1947( ).

يرجع الفضل في تأسيس حزب البعث العربي وقيادته إلى ميشيل عفلق وصلاح البيطار وكلاهما سوريان أنهيا دراستهما الجامعية في باريس، وإذا كان صلاح البيطار قد لعب دوراً مهماً في تأسيس حركة البعث إلا أن ميشيل عفلق طبع حزب البعث بطابعه طيلة ربع قرن وأثر فيه تأثيراً عميقاً سواء من الناحية الأيديولوجية أو على صعيد التنظيم الحزبي والعمل السياسي واتخاذ المواقف( ).
لم يكن هناك في البداية تنظيم سياسي إلى أن كون ميشيل عفلق وزميله صلاح البيطار حلقات من الشباب تطلق على نفسها تارة حركة الإحياء العربي وتارة حركة البعث.

ومنذ عام 1940 بدأ عفلق وزميله بعقد ندوات وحلقات لمجاميع من الطلبة الذين تلقوا أفكارهم بحماسة شديدة باعتبارهم أعضاء طليعيين في المجتمع واستقطبت تلك اللقاءات الشباب والطلبة العرب في دمشق، وكانت تلك الحركة منذ نشأتها معنية بتوضيح المبادئ الأساسية لأهداف البعث العربي التي تؤكد ضرورة إزالة الحدود المصطنعة بين الأقطار العربية وهدم الإقطاع وممارسة الحياد الايجابي في السياسة الخارجية( ).

ثانياً: أصول حزب البعث العربي الاشتراكي والخلفيات التي جاء منها:

تبلورت المبادئ والأهداف الأساسية لحزب البعث العربي الاشتراكي في مؤتمر التأسيس الذي انعقد في دمشق من 4-6 نيسان عام 1947 وحضره حوالي مائتي عضو من بينهم أفراد قلائل من الأردن ولبنان والعراق وفلسطين.

وتعد المرحلة السابقة لهذا التاريخ مرحلة تمهيديه اقتصرت على توضيح فكرة القومية العربية والوحدة العربية وفضح الأوضاع السياسية المتردية في سوريا والأقطار العربية، ومع بداية الأربعينيات أصدر حزب البعث العربي نشرات ضد الحكم في سوريا باسم (الإحياء العربي) ونشرات أخرى باسم (حركة نصرة العراق) على أثر ثورة رشيد عالي الكيلاني في أيار من عام 1941.

واستقرت تسميته بالبعث العربي في عام 1943 وظهر شعاره "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" وتحديد أهداف الحزب بالوحدة والحرية والاشتراكية( ).
وفي السابع من نيسان من عام 1947 اختتم حزب البعث أعماله بانتخاب ميشيل عفلق عميداً للحزب واعتبار السابع من نيسان يوم التأسيس للحزب. ومنذ ذلك التاريخ تحتفل قيادات البعث وقواعده بهذا اليوم( ).

ولقد عرف هذا المؤتمر التأسيسي بالمؤتمر القومي الأول في تاريخ حزب البعث حيث شكل قفزة نوعية في طروحاته السياسية ودعوته الشعب العربي لمواجهة القوى الاستعمارية المعادية لطموحات الأمة العربية وتوحيد القوى العسكرية العربية وإلغاء الحواجز بين الأقطار العربية ( ).

اشترك في المؤتمر التأسيسي الأول لحزب البعث العربي المنعقد في نيسان 1947 عدد من الطلاب الأردنيين والفلسطينيين والعراقيين في الجامعة السورية حيث نقلوا أفكار البعث القومية إلى بلادهم، وفي هذه الأثناء فإن أول نواة لحركة البعث خارج سوريا تأسست في الضفة الشرقية من الأردن مطلع العام 1948، وضمت وجوهاً بارزة أمثال المحامي سليمان الحديدي والصيدلي أمين شقير وحمدي الساكت وغيرهم، ولكن سرعان ما واجهت هذا التجمع الصغير من المثقفين البعثيين حرب فلسطين والتي شارك فيها سياسياً وعسكرياً من الناحية الرمزية عن طريق إنشاء طلائع البعث الفلسطينية وإصدار جريدة اليقظة الأسبوعية، حيث تعرف على البعث في هذه الأثناء عدد من الفلسطينيين المناضلين وانتسبوا للبعث وهم عبد الله الريماوي وبهجت أبو غربية وعبد الله نعواس، الذين عملوا على إرساء قواعد حزبية للبعث في الضفة الغربية وأصدروا جريدة البعث في القدس إلى جانب معارضين فلسطينيين وأردنيين قاموا بإصدار جريدة الميثاق الأسبوعية حيث ركزت هاتان المجموعتان هجومهما على السياسة البريطانية في الشرق الأوسط( ).

لم تكن فلسطين موضع بحث أو دراسة في المؤتمر التأسيسي ولكنها لم تختف من سمائه طوال أيام انعقاده، كما تضمن دستور حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أقره المؤتمر إشارات إلى ذلك، حيث نصت المادة السادسة من هذا الدستور على: "النضال ضد الاستعمار الأجنبي لتحرير الوطن العربي تحريرا مطلقا كاملا". وفلسطين في ذهن واضعي الدستور ومن أقروه جزء لا يتجزأ من هذا الوطن العربي. وفي الدستور أيضا مواد أكثر مباشرة بالنسبة لقضية فلسطين، منها: " يجلى عن الوطن العربي كل من دعا أو انضم إلى تكتل عنصري ضد العرب، وكل من هاجر إل الوطن العربي لغاية استعمارية"( ).

كانت مشاركة قيادات حزب البعث في فلسطين في المؤتمر الذي عقده الحزب في السابع من نيسان 1947 بداية تشخيص للأوضاع العربية، وقد أملى هذا التشخيص على حزب البعث شن حملة ضارية على الحكومات العربية وسياساتها وما أنتجت من أوضاع على غرار القضية الفلسطينية حيث استمر هذا النهج حتى قيام حسني الزعيم في سوريا بانقلابه في 31 آذار1949( ).

ثالثاً: دمج حزب البعث العربي والعربي الاشتراكي:

كان لحرب فلسطين عام 1948 أثر كبير في توحد القوى والأحزاب السياسية على اختلاف أهوائها من أجل مواجهة المستقبل المظلم الذي ينتظر الأمة العربية والتصدي لكل أنواع الطغيان والممارسات القمعية ومواقف الرجعية وتدخلات الاستعمار ( ).
ومن هذه القوى الرئيسة الحزب العربي الاشتراكي الذي تعود نشأته إلى عام 1939 وكان يعرف وقتها بحزب الشباب حيث لعب هذا الحزب دوراً في مساندة ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941، وكان رئيس الحزب أكرم الحوراني على رأس المتطوعين في هذه الثورة. وبعد إخماد القوات البريطانية للثورة عاد المتطوعون إلى سوريا واعتقلوا على يد الفرنسيين وهناك تعرف أكرم الحوراني على جمال الأتاسي وهو أحد أنصار حركة نصرة العراق حيث تعرف الحوراني من خلاله على ميشيل عفلق وصلاح البيطار.

وفي عام 1946 أصدر أكرم الحوراني جريدة اليقظة التي تنطق باسم حزب الشباب وفي تلك الفترة أصدر حزب البعث العربي جريدة البعث. ويقول الحوراني "كان اتجاههما واحد تقريباً وحينما تغلق إحداهما تنطق الأخرى باسمها"( ).

وفي أوائل عام 1948 حارب أكرم الحوراني في فلسطين وكان بذلك أحد اثنين من النواب السوريين قاتلا هناك رغم أن عدد النواب الذين تعهدوا بالجهاد في فلسطين كان قد وصل إلى ثلاثين( ).

وبعد انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب العربي الاشتراكي في عام 1950 اعتبر الحزب في دستوره بأن العرب أمة واحدة وعليهم أن يؤلفوا دولة واحدة في وطن عربي واحد. وقد تبين أن دستور الحزب العربي الاشتراكي قد تبنى مبادئ حزب البعث العربي نفسها وجاء دستوره مشابها لدستور البعث العربي فكانت وحدة النضال ضد الديكتاتورية العسكرية التي يمثلها الرئيس أديب الشيشكلي تدفع باتجاه التوحيد الحزبية بالإضافة إلى تشابه أهداف الحزبين( ).

وفي كانون 1952 عندما اندمج البعث العربي والعربي الاشتراكي في حزب البعث العربي الاشتراكي وتابع الحزب طريق العمل الوحدوي الاشتراكي، كان للصهيونية بالمرصاد لأنه قام أصلا على فكرة مشروع يناقض مشروعها ويناهضه. وقد شهدت السجون معاناة لم تنل من أهداف الحزب ولا من عزيمته وصلابته ولا من تطلعات مناضليه ورؤاهم( ).

ويرى الباحث أن تأسيس حزب البعث جاء ليقدم رؤية سياسية ونضالية جديدة في مواجهة الغزو الاستعماري والصهيوني في المنطقة العربية بفضل بعض النخب السياسية والاجتماعية المثقفة، والتي حاولت نشر أفكارها القومية الداعمة للوحدة العربية ومواجهة الاستعمار وتسلط الأنظمة الحاكمة، في وقت كانت فيه الثورات العربية تشتعل في وجه الغزاة والمستعمرين، مما ولد قناعة لدى قطاعات كبيرة من الشباب والطلبة العرب في سوريا والأردن وفلسطين والعراق للالتفاف حول أفكار البعث ومبادئه في الحرية وتحدي السياسة الاستعمارية في الشرق الأوسط.

رابعاً: القضية الفلسطينية ونشوء البعث:

ألقت القضية الفلسطينية بظلالها وتأثيراتها على مجمل الحياة السياسية السورية حيث تجلى هذا في اهتمام التنظيمات والأحزاب السياسية السورية بفلسطين وقضيتها وأبنائها. ومنذ الحرب العالمية الثانية ودخول قضية فلسطين في أخطر مراحلها وقف حزب البعث العربي الاشتراكي كأبرز الأحزاب السورية والعربية اهتماما بقضية فلسطين حيث ارتبط نمو الحزب وتطوره بقضية فلسطين مثلما ارتبط بها اتساع قاعدته ووصول فروعه إلى أكثر الأقطار العربية( ).

كان البعث قد نشأ تجسيداً للفكر العربي عندما فقدت حركة القوميين الأوائل قوة دفعها لاعتبارات عدة، وكان النضال ضد الخطر الصهيوني واحداً من العوامل الأساسية في مشروعية حزب البعث أو أسباب نشأته( ).
وبالنسبة لقضية فلسطين فقد اعتبرتها حركة البعث العربي إحدى القضايا العربية الأساسية فأدانت وعد بلفور، ورفضت الهجرة اليهودية، ونددت بموقف بريطانيا والولايات المتحدة منها وطالبت بحق فلسطين في الحرية والاستقلال، واعتبرت الصهيونية حركة عدوانية لا تمثل علاجاً صحيحاً لمشكلة اليهود في العالم، هذا ما صدر عن حركة البعث العربي في كانون أول 1945( ).

أما عبد الله حوراني فقد تحدث في إحدى الندوات الفكرية فقال بأن: فلسطين كانت في بداية البعث ومن بداياته ورافقته في انتصاراته وانكساراته، في وحدته وانشقاقه، بل كانت من مكونات فكره وسياساته حتى أن قضيتها ساهمت بشكل أساسي في صياغة مفاهيمه تجاه الحركة الصهيونية والامبريالية والمشروع الاستعماري الغربي عموماً وتجاه الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي وحركة التحرر العالمي وكذلك تجاه مشروعه العربي الوحدوي.

كما لعبت قضية فلسطين دوراً في تطور نظرته السياسية التي قامت على الجانب الأخلاقي والمثالي في البدايات إلى نظرة تقوم على التحليل العلمي للواقع المحلي والعربي والدولي. ولم تكن قضية فلسطين بعيدة أيضاً عن التأثير في إغناء البعد الاجتماعي والاقتصادي في فكر البعث وسياسته( ).

وفي الندوة الحوارية التي أقيمت في قاعة السابع من نيسان في دمشق بتاريخ 8 نيسان2009 تحت عنوان البعث والقضية الفلسطينية، أشار الدكتور صباح هاشم عضو قيادة منظمة حزب البعث في قطر العراق إلى أن القضية الفلسطينية لعبت دوراً هاماً في مسيرة البعث، فالبعث يمثل أولى الحركات العربية التي تجاوزت القومية المجردة إلى القومية العربية الشاملة في حدود الفكر والجغرافيا، وقال بأن نتائج الحرب في فلسطين عام 1948 والهزيمة التي لحقت بالعرب قد أسهمت بشكل كبير في ظهور البعث وسرعة انتشاره، كما يسجل التاريخ بماضيه وحاضره ومستقبله لحزب البعث العربي الاشتراكي ما لم يسجله لأي حزب عربي آخر باعتباره ( حزب فلسطين ) بامتياز، والذي جعل من قضية فلسطين أولى أولوياته منذ التأسيس.( )

كما تحدث حمزة برقاوي رئيس اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين في سوريا في نفس الندوة وقال بأن القضية الفلسطينية أثرت بشكل واضح في فكر البعث، وأن البعث أدرك منذ بواكيره الأولى أن المشروع الصهيوني القائم على التضليل والخداع والتزييف يستهدف فلسطين في أرضها وشعبها وعروبتها وهويتها.

وأشار برقاوي أيضاً إلى ارتباط فلسطين بفكر البعث ومواقفه وممارسته القومية كما تجسد ذلك في دستوره وأهدافه ومنطلقاته الفكرية وفي البيانات التي أصدرها حول قضية فلسطين وكذلك في نشاطات البعث لحشد الطاقات للدفاع عن فلسطين. أي أن الحزب اعتبر منذ بدايته أن ما حل بفلسطين هو من صنع الاستعمار ومخططاته للهيمنة على الوطن العربي وإضعافه ولهذا ركز حزب البعث منذ انطلاقته على أن النضال من أجل الوحدة القومية لشعوب البلدان المستعمرة بما فيها العرب هو نضال ضد الاستعمار وضد المصالح العامة الامبريالية( ).

اهتم حزب البعث العربي الاشتراكي بالقضية الفلسطينية منذ نشأته، وتلك الاهتمامات التي ابتدأت منذ منتصف الأربعينيات تمثلت في الرسالة التي وجهها في العاشر من آب 1944 إلى المعتمد السياسي الأمريكي في سوريا وفيها ينتقد البعث قرار الحزب الديمقراطي الأمريكي بشأن فتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين واتخاذها وطناً قومياً لليهود ويرى هذا الموقف حائلاً دون التفاهم والصداقة بين العرب والأمريكان ولا تقل خطورته عن وعد بلفور( ).

وفي 23 آذار 1945 وجهت قيادة حزب البعث العربي رسالة إلى وزير أمريكا المفوض في سوريا يستنكر فيها عزم الرئيس الأمريكي روزفلت فتح أبواب فلسطين العربية للهجرة والاستعمار اليهوديين، وهو ما يناقض مبادئ الحرية التي تبناها الحلفاء ونالوا بها عطف الشعوب المحبة للسلام وقد عبر البعث في رسالته عن غضب العرب واستيائهم من الموقف الأمريكي المعادي لهم وحقهم الصريح في عروبة البلاد المقدسة، وأن مكتب البعث العربي في رسالته هذه ينطق باسم العرب القوميين( ).

أسهم تدهور الحالة العربية بعد الحرب العالمية الأولى ووقوع دول المشرق والمغرب العربي تحت الاستعمار في تنامي الفكر القومي لدى الشباب العرب في سبيل التخلص من الاستعمار وتحقيق الحرية، وكان حزب البعث من ضمن الحركات القومية العربية التي انتسب إليها الشباب العرب ومنهم الفلسطينيون وذلك على أثر تدفق الهجرات اليهودية إلى فلسطين( ).

وفي مقابلة أجريت مع السيد بسام الشكعة أحد القيادات التاريخية في حزب البعث في فلسطين ورئيس بلدية نابلس الأسبق ، قال الشكعة إن حزب البعث ولد من رحم القضية الفلسطينية بشكل خاص والقضية العربية بشكل عام، وأن هذا الحزب منذ نشأته اعتبر قضية فلسطين قضية قومية ودعا العرب للنضال والتوحد في مواجهة الاستعمار والصهيونية، وبث الوعي القومي والنضالي في صفوف أبناء الشعب العربي حيث تمثل ذلك في مواقف الحزب السياسية وبياناته التي حركت الشارع العربي بالمظاهرات والاحتجاجات التي تدعو إلى توحد العرب في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ودحره عن فلسطين ( ).

تكررت البيانات التي صدرت عن حزب البعث العربي والتي ربطت دوما بين قضيته الوطنية وقضايا الأمة العربية في فلسطين، ففي بيان 2 أيار 1946 دعا البعث إلى الإضراب بمناسبة قدوم لجنة انجليزية- أمريكية جاءت إلى فلسطين واقترحت إدخال مائة ألف مهاجر صهيوني ورفض إقامة حكومة عربية في فلسطين، وقد نجح الإضراب نجاحاً تاماً وجاء عنوان البيان "حزب البعث العربي المكتب السياسي! أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة لتكن نصرة فلسطين أول امتحان لاستقلالنا" وكان هذا البيان إشارة إلى إدراك البعث بأهمية العمل الشعبي في مقاومة الاستعمار والغزو الصهيوني( ).

وفي افتتاحية صحيفة البعث المنشورة بتاريخ 10 تموز 1946، انتقدت البعث موقف الحكومة السورية من القضية الفلسطينية التي اقتصرت معالجتها على إرسال المذكرات للحكومة البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية، وقد تساءلت البعث عن سبب إهمال تطبيق المقاطعة الاقتصادية على الصهاينة وأن الحكومات العربية لا تمثل هذه الملايين من العرب ولا تستند الى تأييدها( ).

وفي آب عام 1946 نشر مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق مقالة في جريدة البعث تحت عنوان "لا ينتظرن العرب ظهور المعجزة" قال فيه: فلسطين لا تنفذها الحكومات بل العمل الشعبي، ودعا إلى تعبئة الجماهير بقواها المادية والمعنوية في الوطن العربي لمقاومة الغزاة وإنقاذ ارض فلسطين وشعبها( ).

ويرى الباحث أن تأثر حزب البعث بالقضية الفلسطينية قد نبع من حجم الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني وإقامة دولة إسرائيل على أرضه، وهو ما جعل الحزب ينتقد سياسات الدول العظمى ويحملها المسؤولية في ما يحدث على أرض فلسطين، ويركز في خطاباته وبياناته على بث الوعي لدى الجماهير العربية وتصعيد النضال والعمل الشعبي في مواجهة المخططات الاستعمارية.

وبالرغم من إمكاناته المحدودة في تلك الفترة، فقد استطاع الحزب أن يتنبأ بما سيحدث في فلسطين قبل حدوث النكبة، وأن ينبه لخطورة ما سيحدث مستقبلا على صعيد ابتلاع إسرائيل للأرض العربية وتعزيز الهجمة الاستيطانية في فلسطين وزيادة أعداد المهاجرين اليهود إليها، وهو بالفعل ما حدث في حرب عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء.

















الفصل الثالث
رؤية حزب البعث العربي الاشتراكي للقضية الفلسطينية

المبحث الأول: أسباب بروز القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي

أولاً: نظرة حزب البعث القومية والتاريخية للقضية الفلسطينية:

انطلق حزب البعث العربي الاشتراكي في الاهتمام بقضية فلسطين من الزاوية القومية وتلمسه للخصوصية التي تتمتع بها فلسطين في الأمة العربية بموقعها الاستراتيجي التي يجعل منها قلب الوطن العربي، واحتلال هذا القلب يؤدي بداهة إلى تحقيق المشروع الوحدوي الذي مثل الهدف الأسمى للحركة القومية العربية بكل أطيافها وفي مقدمتها حزب البعث، معتبراً أن لا خطر يهدد سلامة الأمة العربية ووحدتها أكثر من خطر اجتزاء فلسطين من أمتها ووطنها العربي، لأن هذا يعني تبديد ذلك الحلم العظيم الذي لا معنى لحياة العرب إلا في الجهاد في سبيله وهو وحدة الأمة العربية( ).

وقد أصدر حزب البعث عدة بيانات سنوية وفي مناسبات تاريخية متعددة متعلقة بالقضية الفلسطينية دعا فيها للنضال ضد التخلف الاجتماعي والتجزئة السياسية والعمل للوحدة العربية من أجل تحرير فلسطين( ).

ففي أيلول 1947 أصدر مجلس الحزب بياناً أعلن فيه أنه حزب قومي عربي يؤمن بأن وحدة العرب لا تتجزأ ويربط بين السياسة السورية ومصالح الأمة العربية العليا، كما استعرض مشكلات سوريا الكبرى وأهمها قضية فلسطين التي تتطلب من الحكومات تعبئة قواها المسلحة وإزالة العقبات التي تقف دون الشعب وتكتله وتسلحه للجهاد في فلسطين والبعث يضع نفسه في طليعة كتائب الجهاد والفداء لإنقاذ فلسطين ( ).

وفي ضوء البيانات التي صدرت عن حزب البعث العربي بشكل متعاقب في إطار رؤيته للقضية الفلسطينية وأسباب ظهورها، فقد صدر عن المكتب السياسي لحزب البعث العربي في 14 كانون الأول 1945 بياناً تناول فيه مشاكل العرب السياسية وفيه خلاصات عاجلة عن مشكلة كل قطر وعن الوحدة العربية والجامعة العربية، وفيه الدعوة إلى إنشاء جامعة عربية شعبية، مطالباً بأن تعالج قضية فلسطين من أساسها، وأن تعيد انجلترا النظر في وعد بلفور نفسه، وأن الأمة العربية لا تقبل أي حل على أساس بيان المستر بيفن المضطرب الذي أقر استمرار الهجرة اليهودية، وطالب بحرمان فلسطين العربية من حقها لتشكيل دولة مستقلة وبقائها تحت الوصاية الدولية، كما ذكر البيان بأن العرب يرفضون التعاون مع لجنة التحقيق الانجليزية - الأمريكية إلا في حال اقتناعها بأن وعد بلفور كان بمثابة انتهاك لحقوق الشعب العربي في فلسطين وهو الذي أعطى المبرر للصهيونية في الاعتداء على العرب، واختتم البيان مطالبته للولايات المتحدة وإنجلترا بأن تزيلا الظلم الواقع على العرب وأن الشعب العربي في فلسطين يجب أن ينال استقلاله وحريته ويحكم نفسه في الإطار العربي ( ).
وفي افتتاحية البعث في 16 تشرين الثاني 1947 تحدث عفلق حول مأساة فلسطين منتقداً هيئة الأمم المتحدة في إنكارها حق العرب السوريين في الاستقلال التام، وحقهم الصريح في أرضهم وهي بذلك تتنكر لمبادئ العدل والمساواة التي تأسست من أجلها هذه الهيئة، وأكدت البعث أن العرب يتطلعون إلى فلسطين المجاهدة والمهددة ومصممون على الاستماتة من أجلها ودحر المعتدين، وأن قضية الحق والحرية واحدة لا تتجزأ، وأن العرب مصممون على أن يثبتوا للأمم المتحدة بأن الدفاع عن دستور سوريا وإنقاذها من خطر الديكتاتورية لن يكون أقل قدراً ونفعاً في نظر المصلحة العربية العليا من الدفاع عن عروبة فلسطين( ).

لقد ربط الحزب في بياناته التي صدرت في منتصف الأربعينيات بين النضال الوطني ضد الحكومات العربية وبين النضال ضد القوى الاستعمارية معتبرا إياه عاملا مهما في القضاء على حالة التجزئة في الوطن العربي، وفي تحقيق الوحدة العربية من اجل تحرير فلسطين.

ثانياً: موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من مشروع تقسيم فلسطين وحرب عام 1948:

انتقل حزب البعث العربي من مرحلة التعبئة الجماهيرية ليمارس دوراً عملياً في التعاطي مع القضية الفلسطينية، ففي تشرين الأول عام 1947 نبه الحزب إلى المراحل الخطيرة التي وصلت إليها قضية فلسطين فخطر قيام الدولة الصهيونية لا ينحصر في فلسطين بل يتعداها إلى الوطن العربي. لذلك فقد أكد الحزب على النضال الشعبي وربطه بفكرة الثورة العربية، كما أنه يضع نفسه في طليعة كتائب الجهاد ويعلن استعداده للتعاون مع الهيئات الوطنية المخلصة في سبيل الجهاد لإنقاذ فلسطين ( ).

وفي تشرين الثاني عام 1947 اتخذ مجلس حزب البعث قراراً قبل صدور قرار التقسيم يدعو أعضاء الحزب للتطوع للقتال في فلسطين وتوجه بنداء للجماهير يدعوها للتطوع في كتائب للإنقاذ شكلت لغرض التحرير ( ).

شكل قرار تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني 1947 صدمة للشعب السوري فهاجمت الجماهير السفارات الأمريكية والبلجيكية والسوفيتية ومقر الحزب الشيوعي واعتبر الشيوعيون عملاء السوفيات لتأييدهم القرار ( ).

وفي بيانه الصادر في 2 كانون الأول 1947 بعد صدور قرار التقسيم بعنوان من "حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الأمة العربية دقت ساعة الفصل ولن تنقذ فلسطين إلا بالحديد والنار" طالب الحزب بأن يتقدم القادرون على حمل السلاح إلى التطوع في كتائب تحرير فلسطين والإقبال على التبرع بالمال والألبسة والأغذية من أجل فلسطين ( ).

وفي مقال نشر في 21 كانون الأول 1947 في جريدة البعث عدد 214 بعنوان "إنقاذ فلسطين والتبعية الاجتماعية" كتب صلاح البيطار: لو صمم الزعماء العرب على طرح مسألة مصالح البلدان الغربية التي لا تفهم غير لغة المصلحة ولو هددوا بالتالي هذه البلدان بقطع البترول عنها وقطع العلاقات الاقتصادية والثقافية معها لما حدث التقسيم ولما كان العرب يخوضون معركة حياة أو موت ( ).

وفي هذا المقال حدد البيطار أخطار العرب والحكام منهم خاصة، تجاه قضية فلسطين في عامي 46 و1947، وبين في تحليل عميق أخطار قيام إسرائيل قومياً ووطنياً على أمل العرب في الوحدة وفي تحقيق الاستقلال، كما أوضح خطرها اجتماعياً واقتصادياً عندما وصف إنشاء الدولة اليهودية كإنشاء قاعدة إستراتيجية يتجمع فيها الملايين من يهود العالم ليغزو أرض العرب ويحكموا أهلها، وفي الجزء الأخير من هذه المقالة حدد البيطار واجبات الشعب العربي والحكومات العربية في الجهاد في سبيل وحدة فلسطين وعروبتها باعتباره واجب للحيلولة على حد تعبيره دون تهديد الأقطار العربية جمعاء ( ).

كما صدر عن حزب البعث العربي بيان آخر في 23 كانون الثاني 1948 كرد على قرار تقسيم فلسطين وذلك في اجتماع مجلس الحزب المنعقد في مدينة حمص في يومي الخميس والجمعة الواقعين في 15 و 16 كانون الثاني جاء فيه أن الشعب العربي لن يكتفي بإلغاء مشروع التقسيم بل يعتزم القضاء الأبدي على الصهيونية في فلسطين، وقرر أيضا تجنيد جميع أعضائه للاشتراك في المجهود بالحربي داخل البلاد العربية في خطوط فلسطين الأمامية، كما قرر إرسال أول كتيبة إلى الجبهة بقيادة لجنة الحزب التنفيذية ( ).

وقد قاتلت الكتيبة مع قوات الجهاد وسقط منها أعضاء كثيرون في أرض المعركة، كان من بينهم: محمد جديد، فتحي أتاسي، مأمون البيطار فساهم الحزب بذلك في معركة فلسطين ( ).
لقد أشار الحزب إلى أن قرار تقسيم فلسطين وقيام دولة إسرائيل قد شكل بداية المخطط الاستعماري والإسرائيلي التوسعي في فلسطين واعتبارها بؤرة التواجد الصهيوني الذي سيغزو العرب جميعا. لذلك فإن دعوة الحزب في إحدى بياناته في القضاء على الصهيونية كانت تمثل إشعارا لحجم الخطر الذي ينتظر العرب جميعا.
ثالثاً: دور مكتب فلسطين الدائم في حزب البعث :

انطلاقاً من فهم حزب البعث لشعار حرب التحرير الشعبية والكفاح المسلح فقد رأى الحزب ضرورة تشكيل مكتب قومي لتحرير فلسطين حتى يكون بإمكان هذا المكتب بما عنده من طاقات وإمكانيات أن يخدم القضية القومية، من خلال تخصصه في وضع كل القدرات والإمكانيات في خدمة القضية الفلسطينية، والعمل على استعادة الحق السليب إلى أهله، والقضاء على الإستعمار وحليفته إسرائيل( ).

وفي هذه الأثناء قام حزب البعث بتشكيل مكتب فلسطين الدائم في يناير من أوائل العام 1948، حيث دأب الحزب على إصدار البيانات والخطابات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية في مناسباتها المختلفة وذلك بعد أن شارك عملياً في "جمعية تحرير فلسطين" التي كانت مهمتها الأولى إرسال المتطوعين المتدربين إلى فلسطين وذلك في الاجتماع الذي عقده مجلس الحزب في 19 أيلول 1947( ).

وقد قام مكتب فلسطين الدائم بجهود متواصلة من أجل تنفيذ قرار مجلس الحزب ومتابعته، ومن بين البيانات التي صدرت عنه بيان 9 شباط 1948 والذي أنذر بخطر فوات الوقت وأدان سياسة الحكومات العربية في المماطلة والانتظار وبالتهاون مع الأطراف الاستعمارية المتواطئة مع الحركة الصهيونية، وتأجيل المواجهة الحقيقية للخطر الصهيوني في فلسطين إلى ما بعد جلاء قوات الانتداب البريطاني والتستر وراء شعارات وهمية بأن الولايات المتحدة الأمريكية تختلف عن بريطانيا وبأن السياسة الأميركية ستتراجع عن دعم الصهيونية وبأنها نادمة على موقفها في دعم الصهاينة. وقد دعا البيان إلى انتهاج موقف جريء يتناسب مع الخطر الصهيوني ويعالج قضية فلسطين من أساسها ويواجه المصالح الاقتصادية الأمريكية بفسخ اتفاقيات البترول المعقودة بين بعض الدول في الجزيرة العربية وبين الشركات الأمريكية. كما دعا البيان إلى تهيئة المجاهدين العرب لتحرير فلسطين ( ).

رابعاً: مشاركة قيادة حزب البعث في حرب عام 1948 وتقييمهم لها :

لقد انتقد حزب البعث في الخامس عشر من شباط 1948 الوضع في فلسطين فبين حالة الهدوء غير العادية التي تخيم على فلسطين والتي لا تنسجم مع ما وصلت إليه قضية فلسطين من خطورة، كما بين أن حدوث معارك بسيطة لا غاية لها ولا هدف، وإحداث اضطرابات تسير على هذا الشكل لا يفيد العرب مطلقاً ويسيء إلى فلسطين كل الإساءة لأن ذلك يظهر العرب اضعف من أن يقوموا بعمل حاسم( ).

وفي 15 شباط 1948 دخلت الجيوش العربية إلى أرض فلسطين وتسلمت الحكومات العربية مقادير المعركة، ولم يكن باستطاعة حزب البعث العربي وهو في عامه الأول أن يؤثر في موازين القوى السياسية العربية تأثيراً فعلياً، ولكنه استطاع من منطلق الفكر النضالي العربي أن يكون ذلك الصوت العقائدي الوحدوي بوجه المؤامرة بدليل البرقية التي أرسلها البعثيون إلى أمين الجامعة العربية والحكومات العربية، وينتقدون فيها المعاهدة الأردنية البريطانية باعتبارها مخالفة لمصالح العرب القومية وتعد صريح على حق الشعب العربي في الاستقلال والوحدة في تقرير مصيره بنفسه( ).

توجه قادة البعث بأنفسهم إلى حرب فلسطين عام 1948 ومنهم ميشيل عفلق وصلاح البيطار وفيصل الركبي وشبلي العيسمي ووهيب الغانم وآخرون، وذهب قادة البعث إلى فلسطين على أنهم مراسلون حربيون لجريدة البعث وتطوع أغلب الأعضاء على قلة عددهم في جيش الإنقاذ الذي أشرفت على تكوينه جامعة الدول العربية وكان يوجه عملياتها فوزي القاوقجي الذي اتخذ من سوريا مقراً لقيادته( ).

فقد كتب وهيب الغانم مقالاً في جريدة البعث العدد 223 في الثامن من أيار 1948 قدم فيه تحليلات لما يجري في معركة فلسطين ولأسباب هزيمة العرب وانتصار الصهاينة وكيف أن الغلبة ليست في العدد بل في قوة التنظيم، واستثمار الوقت والإيمان بالعمل الجماعي، وحذر الغانم من الكارثة التي ستحل بفلسطين بسبب الاعتماد على الخطابات ومسرحيات المؤتمرات، وصخب التصاريح وهو ما حل بلواء الاسكندرون، وأنهى مقالته بالتأكيد على عروبة فلسطين وأن دماء الأبطال التي تسفك بسخاء في أرض فلسطين لن تسمح بأن تنقلب كما هي العادة أوسمة في صدور الجبناء، وأن دماء الحسيني وجديد والبيطار وأمثالهم من شهداء الحرية الأبطال لن تكون في هذه المرة غذاءً هنيئاً للرجعيين( ).

ومن جنين كتب أمين عام حزب البعث إثر مشاهداته الحية مقالاً في جريدة البعث في الثامن من أيار 1948 عدد 223 بعنوان "إنقاذ فلسطين" دعا فيه إلى ضرورة وضع قضية فلسطين بين أيدي المقاتلين وتجهيزهم بمقتضيات الحرب الحديثة، متحدين متضامنين مع سائر الأقطار وبإمكاننا الإثبات للقوة الاستعمارية الغاشمة والمتمثلة بالعدوان الصهيوني بأننا قادرون كعرب على الصمود وأن الإمكانية متوفرة لجعل هذه المعركة المرتجلة حرباً نظامية تتحقق فيها عناصر الوعي والتنظيم المتفتحة في أفراد شعبنا ويمسك زمام التوجيه الشامل فيها جميع الذين يمثلون الإيمان بوحدة الأمة العربية ما دامت معركة فلسطين معركة العروبة الفتية الناهضة( ).

لقد رفع حزب البعث حتى هزيمة 1948 شعارات لم يستطع تنفيذ أغلبها وكانت مسؤولية مواجهة الخطر الصهيوني أكبر من قواه المحدودة، وأكبر من قدرة أي قطر عربي منفرد، وكانت الخطط الاستعمارية والصهيونية أكبر من كل القوى الحزبية العربية، وإن كان حزب البعث منذ منتصف الأربعينيات عالج قضية فلسطين بشكل أكثر وعياً وقومية من كثير من القوى العربية حزبية وغير حزبية( ).

وفي موضوع تقييم قادة حزب البعث لحرب 1948 فقد تحدث الدكتور نور الدين الأتاسي في مهرجان خطابي أقامه حزب البعث في هذه المناسبة عن ظروف معركة 15أيار1948 والتآمر والجهل والفوضى وعدم الاستعداد التي رافقتها وقال "كانت مأساة أكبر من المأساة أن نغض الطرف عن المخططين والمنفذين لنخوض معركة خطط مسبقاً أن ترتد علينا". ومما قاله في هذا الصدد "لقد استغلوا حماسة الشعب العربي لخوض المعركة وتطهير الأرض المحتلة ليدفعوا بالجيوش دون أسلحة، دون استعداد وبأسلحة فاسدة وقاصرة، دون تهيئة وتحضير لترتد هذه الجيوش مندحرة ومهزومة حاملة معها أفواجاً مذعورة لاهثة من إخواننا العرب اللاجئين"( ).

وفي خطاب الدكتور منيف الرزاز الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في مهرجان أسبوع نصرة فلسطين في 3 حزيران1965 قال الرزاز: لنذكر عام 1948، يوم تنادت الجماهير العربية في فلسطين لحمل السلاح، فلم يكن ثمة سلاح، تنادت للتنظيم فلم يكن ثمة تنظيم بعكس اليهود الذين كان لهم تنظيمهم وزعماؤهم في قلب المعركة وأن الجماهير العربية بغير تنظيم وبغير زعماء، وذكر الرزاز بأن عام 1948، هو عام التآمر العربي الذي يذكرنا بالأسلحة الفاسدة وتناحر الجيوش العربية، والمفاوضات المستترة بالليل التي سلمت من خلالها اللد والرملة وصفد والنقب، وأن هذه المعطيات التي حصلت خلال الحرب كان يجب أن تدفع الجماهير العربية للثورة رداً على الهزيمة ولكن ما حصل أن الحكام الأغبياء قاوموا الموجة والأذكياء منهم ركبوها وانطلقت حركة الجماهير ورجع الأمر للحكومات للحل والربط( ).
وعلى هذا النحو، حاولت حركة البعث أن تحلل الأسباب التي أدت إلى هزيمة العرب في فلسطين عام 1948، وأن تتجاوز الاتجاهات والمواقف الغوغائية والسهلة التي رافقت هذا الموضوع. لقد ألقت بالطبع التبعة وإلى حد كبير على القوى الغربية وعلى " الإقطاعية والبرجوازية" العربية، وعلى المعسكر الشيوعي الذي اعترف بإسرائيل كأمر واقع، ولكنها أيضاً ألقت التبعة على العرب الذين أدركوا بشكل مباشر محسوس أن السبب الأساسي لهزيمتهم لم يكن في تآمر الدول الأجنبية عليهم ولا في نقص استعدادهم للمعركة فحسب، بل هو في نظام مجتمعهم الإقطاعي الرجعي "( ).

ويرى الباحث أن حزب البعث قد حاول في خطاباته وبياناته أن يجمع القول بالفعل من خلال مشاركته في حرب 1948 رغم انتقاده لأداء العرب فيها وتحميلهم مسؤولية الهزيمة. كما يُسجّل للحزب أن مشاركته في الحرب جاءت في الوقت الذي لم يكن فيه الحزب في السلطة، وبرغم إمكاناته المحدودة قد عززت نظرة الحزب ومصداقيته تجاه قضية فلسطين في تلك الفترة.

ويمكن تلخيص التأثيرات التي أحدثتها نكبة 1948 في فكر البعث ومواقفه نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينات بما يلي:

1- أصبح فكر البعث أكثر تركيزاً على الاستعمار الصهيوني الاستيطاني في فلسطين من تركيزه على الاستعمار التقليدي بشكل عام في الوطن العربي دون أن يقلل من عدائه لهذا الاستعمار.
2- أصبحت فلسطين في نظر البعث قضية العرب أجمعين وليست قضية عربية سورية أولاً ثم عربية عامة ثانياً كما كانت أطروحاته في البداية.
3- أصبحت العلاقة بين الصهيونية والاستعمار والرجعية أكثر وضوحاً لدى مفكريه مع تعمق في التحليل لطبيعة الحركة الصهيونية والأهداف الاستعمارية في المنطقة العربية.
4- الانتقال من أسلوب مناشدة الدول الاستعمارية للتراجع عن مخططاتها للدعوة المباشرة إلى محاربتها( ).

خامساً: مواقف حزب البعث من القضية الفلسطينية بعد نكبة عام 1948:

لم يفوت حزب البعث العربي الاشتراكي مناسبة يمكن فيها توعية الجماهير على أبعاد القضية الفلسطينية وخطورتها على مستقبل الثورة العربية إلا استغلها لتوضيح الأهداف التي أراداها الاستعمار من خلق إسرائيل، والدور الخطير الذي يمكن أن تضطلع به لإعاقة الشعب العربي عن السير في طريق التحرر والوحدة والتقدم( ).

ففي بيان صدر في 2 و 29 تشرين الثاني 1954 في ذكرى وعد بلفور ومشروع التقسيم جدد فيه حزب البعث العهد في استرجاع فلسطين وذلك بعد مرور سبعة وثلاثين عاماً على الوعد الذي قطعته بريطانيا ليهود العالم بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين العربية، وأن الدول الاستعمارية تواصل تآمرها على الأمة العربية ونهضتها حتى تم لها أخيراً إنشاء دولة إسرائيل على حساب مليون من المواطنين العرب قتلوا وشردوا من ديارهم ووطنهم فلسطين على أفظع شكل في التاريخ. كما دعا البيان إلى الانطلاق نحو طريق ثوري تقدمي منظم يقضي على الظلم الخارجي والداخلي ويضع حياة العرب في تيار العصر الحديث( ).

كما وجهت نساء حزب البعث في سوريا كلمة في ذكرى وعد بلفور يوم 2 و 29 تشرين الثاني 1955 مذكرة فيها كل مواطن بالواجب المفروض عليه، وأن يكون في حالة تأهب وتعبئة دائمة ونضال مستمر للقضاء على هذه المؤامرة بحق الأمة العربية، وأن العرب وهم يستعيدون هذه الذكرى المشئومة فإنهم يدركون تمام الإدراك أنهم مدعوون إلى استعادة حقهم السليب ضمن نضالهم على أساس العمل المشترك ومحاربة القوى الاستعمارية، وتقوية البنية الداخلية للبلاد العربية لتصبح قادرة على انتفاضة كبرى تقتلع جذور العدو الدخيل( ).

كما أصدر حزب البعث العربي الاشتراكي في الخامس عشر من أيار عام 1961 بياناً بمناسبة إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية في 15 أيار 1948، وأن ذكرى الخامس عشر من أيار في كل عام تأتي لتضع شعبنا العربي أمام مهمته الأساسية في استرجاع فلسطين وأن وعينا المستمر على قوة العدو الغاصب يحتم علينا مضاعفة التحسس بمسؤولياتنا ويدعونا إلى المزيد من النضال الشعبي الثوري حتى نتمكن من القضاء على الأخطار التي تتهددنا، وقد تعاطى البيان مع مشاعر العرب الفلسطينيين وضرورة بل وحتمية عودتهم إلى بلدهم فلسطين وأنه بصمودهم وكفاحهم البطولي مكنوا الحركة العربية التحررية من النجاح في حماية قضية فلسطين من التصفية وإبقائها حية( ).

كما أصدر حزب البعث العربي الاشتراكي فرع فلسطين في لبنان بياناً في 15 أيار 1965 بعنوان "بيان البعث في لبنان بذكرى 15 أيار " ذكر فيه بالكارثة التي حلت في فلسطين ونجاح الصهاينة في إقامة دولتهم على أرض فلسطين مشيراً إلى حالة الفخر العربي وتخاذل الحكومات العربية وخيانة البعض الأمر الذي أدى إلى فرض الأمر الواقع والاعتراف بشرعية الاغتصاب الصهيوني. كما أدان البيان أيضا تمادي بورقيبة في جرأته على تحدي الشعور القومي وخطورة ذلك على القضية القومية وفي ظل غياب الوعي الشعبي العربي وغياب منظمة ثورية فلسطينية.

واختتم البيان دعوته الشعب العربي الفلسطيني إلى تسلم دوره الطليعي في معركة العودة من خلال التنظيم الثوري الواعي والالتفات حول راية الكفاح المسلح وأن شباب البعث يعاهد شعب فلسطين على النضال من أجل محو عار الخامس عشر من أيار( ).

كما لعبت الاتحادات الطلابية والشعبية الحزبية في سوريا دوراً في التذكير بالمناسبات التاريخية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ففي2 تشرين أول1966 وبمناسبة ذكرى وعد بلفور، أصدر الاتحاد الوطني لطلبة سوريا بياناً بهذه المناسبة حمل فيه على الدول الاستعمارية التي تؤيد إسرائيل وتمدها بالمساعدات، وفي هذا البيان دعا الاتحاد إلى تخصيص الحصة الأولى في جميع المدارس عن القضية الفلسطينية وكان موضوع هذه الدروس "خطورة الوجود الصهيوني على الوطن العربي"( ).

لقد كان للتنظيمات الفلسطينية القطرية في حزب البعث العربي الاشتراكي دور واضح في تعزيز وتدعيم الروح النضالية لدى أبناء الشعب العربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وكذلك التراجعات التي سجلها الحكام العرب في تعاطيهم مع هذه القضية.

وفي كلمة له بذكرى تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني1967 أكد د. نور الدين الأتاسي أمين عام حزب البعث العربي الاشتراكي على أن حزب البعث سيكون دائماً وأبداً الطليعة في التضحية والفداء والالتزام بإرادة الجماهير العربية، وأن قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة مخالف لمبادئ ومبررات وجودها وأثبتت أنها مطية للنفوذ الامبريالي بزعامة الولايات المتحدة وبريطانيا. واعتبر الأتاسي أن وعد بلفور صفحة افتتحت فيها الامبريالية كتابها الأسود( ).

فقد أصدرت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1969 بمناسبة ذكرى تقسيم فلسطين بياناً دعت فيه الجماهير العربية في فلسطين إلى إدراك الخطر المحدق بها والتنبيه إلى ضخامة الجريمة التي يراد تنفيذها على حساب أرض الجماهير العربية، ودعا البيان جماهير الأمة العربية والقوى التقدمية العربية لتوحيد نضالها والاستجابة لمقتضيات المعركة المصيرية في مواجهة المخططات الامبريالية التي تحاك ضدها( ).

















المبحث الثاني: موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من الكيان الفلسطيني

أولاً: ظروف تبلور الدعوة إلى إبراز الكيان الفلسطيني ودور حزب البعث فيها :

لقد مرت استراتيجية البعث في النظرة إلى الكيان الفلسطيني بمرحلتين:

في المرحلة الأولى والتي تلت نكبة 1948 ركز حزب البعث على ضرورة التلاحم المطلق بين الدور الفلسطيني الخاص والدور العربي العام من أجل الحفاظ على القضية ومجابهة التسلط الرجعي على مقدرات الجماهير العربية وتحقيق النهوض القومي الكفيل بالتخلص من حالة العجز السائدة.

وفي المرحلة الثانية والتي تلت قيام الوحدة بين مصر وسوريا مباشرة دعا الحزب إلى إنشاء كيان سياسي ثوري لأبناء فلسطين انطلاقاً من الحاجة إلى الحفاظ على حيوية القضية الفلسطينية من جهة وإيجاد إطار للتفاعل مع مسيرة الوحدة والتحرير من جهة ثانية، وتجنيب الفلسطينيين تبديد جهودهم في الخلافات العربية الجانبية من جهة ثالثة، وتمكين عرب فلسطين من تهيئة الأرض الملائمة لممارسة دورهم الطليعي في خوض حرب التحرير الشعبية متى أصبحت إمكانية خوضها قائمة( ).

تعود الدعوة إلى بلورة الكيان الفلسطيني والدور الفلسطيني الخاص لعرب فلسطين إلى أواخر الخمسينيات، وقد ارتبطت هذه الدعوة تحديدا وبشكل جوهري بالتطورات التي شهدها الواقع العربي في ذلك الحين، وخاصة التطورات التالية :

1- تجربة المقاومة الشعبية في قطاع غزة عام 1956 – 1957 وما خلفته من شعور بإمكانية إحياء وتعميق هذه التجربة.
2- تجربة الثورة الجزائرية، وما تركته من شعور عام بضرورة بلورة حركة نضالية فلسطينية على غرارها.
3- تجربة الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، وما أثارته من تفاؤل ومن تلمس فلسطيني للقيام بدور نضالي إيجابي مباشر يستند إلى جدار دولة الوحدة وتفاعل معها، إضافة إلى تلمس عرب فلسطين لضرورة تحقيق اللقاء بينهم بصيغة أو بأخرى بحيث يتكامل دورهم النضالي في قطاع غزة وسوريا ومصر تمهيدا لتحقيق التكامل مع التجمعات الأخرى. فالوحدة أوجدت الشعور بإمكانية جمع الكيان الفلسطيني المشتت ولو جزئيا( ).

ومن التصورات الأولية التي طرحها حزب البعث للكيان الفلسطيني في أواخر الخمسينات البيان الذي صدر عن حزب البعث في لبنان بتاريخ 15 أيار 1959 والذي ورد فيه:

1- أن شعبنا يطالب منظماته وحكوماته الوطنية بمناسبة ذكرى 15 أيار أن تزيد من جهودها لتحرير فلسطين وتصحيح أوضاعنا بالتركيز على الوسائل الضرورية لذلك.
2- تشديد الحصار الإقتصادي على إسرائيل والتضييق عليها بغية زيادة أزمتها الاقتصادية الداخلية.
3- زيادة النشاط السياسي العربي في الخارج لتطويق إسرائيل وإفساد مخططات الدعاوة وجمع التبرعات والمهاجرين التي تقوم عليها.
4- محاربة مشاريع الإسكان والخطوات التي تؤدي إلى إضعاف أو تصفية قضية فلسطين.

كما أصدر حزب البعث في لبنان أيضا بيانا آخر في حزيران 1959 يطرح فيه الحزب مسألة الدور الفلسطيني الخاص بشكل أكثر وضوحا. ففي مجال التصدي لمشروع همرشولد الرامي إلى إسكان وتوطين اللاجئين بغية تصفية القضية الفلسطينية وفيه يوجه الحزب نداءه إلى عرب فلسطين قائلا "لتكن فلسطين جزائرنا الثانية وليكن إصرارنا على إعداد شباب فلسطين في نطاق جيش تحرير شعبي هو ردنا على مشروع همرشولد، وأن حل قضية فلسطين لا يمكن إلا وأن يكون ثوريا شاملا"( ).

وقد تجسدت هذه المواقف لدى حزب البعث في عدد من الخطوات التنظيمية تمثلت بما يلي:

أ‌- قرار المؤتمر القومي الثالث لحزب البعث المنعقد في آب 1959 "استمرار التنظيم الحزبي في الأقطار العربية، وخارج الجمهورية المتحدة" والسماح للفلسطينيين "في كل من القطر السوري والقطر المصري، وقطاع غزة، تكوين وحدات تنظيمية مرتبطة بالقيادة القومية".
ب‌- قرار المؤتمر القومي الرابع، المنعقد في أيلول 1960 إعادة تنظيم الحزب في القطر الأردني" وتشكيل جبهة شعبية تجمع المنظمات الشعبية الفلسطينية كافة لتمارس نضالها بين الجماهير الفلسطينية ولتكون أداة التحرير.
ت‌- واقترح عقد مؤتمر في بيروت 1962، ضم ممثلين عن الحزبيين الفلسطينيين اقترح إستراتيجية للعمل الفلسطيني ونظاماً أساسياً لحركة تحرير فلسطينية( ).
إن سعي حزب البعث لتوحيد الجهود الفلسطينية في جبهة نضالية واحدة كان هدفه تطبيق استراتيجية الحزب في خوض حرب التحرير الشعبية، ولإسناده في وضع تصور يستطيع الحزب من خلاله الضغط على إسرائيل وعزلها اقتصاديا وسياسيا.

ثانياً: دور حزب البعث في إنشاء جبهات فلسطينية للتحرير :

شكل حادث الانفصال في الوحدة السورية المصرية في أيلول 1961 فرصة للوطنية الفلسطينية كي تراجع تجربتها النضالية السابقة وتتوقف عند دروس مسيرتها الثورية الطويلة، فجاءت ردة الفعل على الانفصال لتطلق شعوراً بارزاً بأن فلسطين تحتاج إلى نضال خاص بها جنباً إلى جنب مع النضال القومي التقدمي العام، وانعكس هذا الشعور في برامج وتنظيمات وجبهات( ).

فقد أفرزت الأحزاب العربية القومية أعضاءها الفلسطينيين في أجهزة قطرية فلسطينية خاصة ومنفصلة عن تنظيماتها القطرية الأخرى، وأدخلت هذه الأحزاب في صلب برامجها الدور المستقل للشعب الفلسطيني في النضال من أجل القضية، ومن ذلك القرار الذي اتخذه مؤتمر القيادة القومية السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي المنعقد في الفترة من 5-23 تشرين الأول 1963 والذي نص على: "درس المؤتمر بعناية المشكلة العربية في فلسطين في مرحلتها الراهنة وآفاق تطورها، وانتهى إلى ضرورة اعتماد عرب فلسطين كأداة أولى في تحرير فلسطين، وأقر إنشاء فكرة جبهة تحرير فلسطين، وهو يدعو الدول العربية بشكل عام والسلطة الثورية في سوريا والعراق بشكل خاص إلى تقديم كل الإمكانيات لإقامة هذه الجبهة وتنظيمها وأن توجد لها الأدوات والقيادات المؤمنة والثورية وأن تكون بمنأى عن الخلافات بين الدول العربية( ).

وكانت جريدة " الاشتراكي " الناطقة باسم حزب البعث قد نشرت في 11 آذار1961 مقالا بعنوان " جبهة التحرير الفلسطينية هي طريق العودة" قالت فيه:

" القضية الفلسطينية بعد 12 عاما من النكبة ما تزال تتخبط بحثا عن حل .. بل ما تزال تجارة رابحة توصل إلى الحكم والزعامة في الأقطار العربية. وبعد 12عاما من قيام الدولة الصهيونية المغتصبة يزداد العرب إيمانا بان طريق تحرير فلسطين هو الشعب العربي الفلسطيني نفسه، ومن حوله جماهير الشعب العربي بقيادة منظماته الشعبية الثورية. لهذا فإن شعب فلسطين يعمل لإقامة كيان سياسي نضالي له يوحد جهود أبنائه ويجمع صفوفهم في جبهة لتحرير فلسطين على غرار جبهة التحرير الجزائري التي استطاعت أن تنظم كفاح القطر العربي المناضل وتسير به في طريق النصر( ).

ويقول حمزة برقاوي رئيس إتحاد الكتاب والأدباء في سوريا في ندوة السابع من نيسان2009 بأنه حين برزت الحاجة في بداية الستينيات، وبالتحديد في عام دولة الوحدة، وفي مرحلة فرض الجزائر معركتها بقوة في المحيط العربي، وحين برزت الحاجة إلى ضرورة قيام الفلسطينيين بأخذ زمام المبادرة لتحريك قضية فلسطين كقضية تحرير، نجد أن البعث كان سباقا إلى التعامل مع مسألة إنشاء كيان فلسطيني يتولى أخذ زمام المبادرة هذه على أساس الحفاظ على حيوية القضية وإيجاد وضع استراتيجي لخوض معركة وتغيير الأوضاع والاعتماد على الشعب وتشكيل منظمات للمقاومة في سوريا والأردن( ).

وكان حزب البعث قد قدم في العام 1961 مذكرة لمؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في بغداد أكد فيها ضرورة إطلاق حرية شعب فلسطين بتنظيم نفسه في جبهة تحرير فلسطينية وعدم زج قضية فلسطين في السياسات الإقليمية بغرض إنشاء كيان نضالي يجمع أبناء فلسطين وينظم كفاحهم( ).

إن فشل الوحدة بين مصر وسوريا قد جعل حزب البعث يفكر في تشكيل منظمات قطرية خاصة به كي تأخذ زمام المبادرة في تنشيط العمل الفدائي الفلسطيني وتنظيمه بهدف الحفاظ على حيوية القضية الفلسطينية مستفيدا من تجربة الثورة الجزائرية وحركتها النضالية التي فرضت نفسها على الساحة العربية وحركاتها التحررية، الأمر الذي يبقي على رؤية الحزب القومية في النضال العربي إلى جانب النزعة النضالية الوطنية الفلسطينية ضمن خصوصيتها.

ثالثاً: رؤية حزب البعث للكيان الفلسطيني:

كان موضوع إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية المتميزة والعمل على إعادة بناء الكيان الوطني الفلسطيني الذي زعزعته نكبة 1948، الموضوع الأعم الذي شغل الساحة الفلسطينية في تلك الفترة، وبالرغم من أن حزب البعث قد أيد الدعوة إلى تأسيس جبهة للعمل الفلسطيني وأجاز الحديث عن الشخصية الفلسطينية، إلا أن التيار المؤيد لميشيل عفلق داخل الحزب ورغم تأييده لموقف الحزب، إلا أنه أبدى تحفظاً على أي نشاط فلسطيني مستقل عن النشاط القومي العام ولم ينبذ الهواجس المتصلة بشبهة الإقليمية، وقد أحدث هذا الموقف للعفليقين نوعاً من البلبلة في موقف حزب البعث، وتبين ذلك لدى مواقف البعثيين الفلسطينيين المؤيدين لموقف الحزب الرسمي تجاه مشروع الكيان الفلسطيني حيث كانوا يواجهون بنوع من الحرج عندما يطرحون مواقفهم نحو أهمية هذا الكيان وأنهم يفتقرون إلى المصداقية في خطابهم المضطرب باعتبار أن هناك تيارا داخل الحزب غير متحمس لمشروع الكيان الفلسطيني المقترح( ).

أدت وفاة أحمد حلمي عبد الباقي رئيس حكومة فلسطين في عام 1963، وقيام جامعة الدول العربية بتعيين أحمد الشقيري مندوباً لفلسطين في الجامعة، وتكليفه بمهمة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية ككيان سياسي، ونجاح الشقيري في ذلك، إلى جعل الحركات والفصائل الفلسطينية الموجودة على الساحة الفلسطينية آنذاك تقوم بصياغة تحالفاتها السياسية العربية، فكانت حركة فتح من ضمن هذه الحركات الفلسطينية التي قامت بتوظيف تحالفها مع القيادة السورية، فبعض قادة حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا رأوا في تحالفهم مع حركة فتح تطبيقاً لنظريتهم القومية معتبرين ذلك بداية قذف التحدي في وجه أنظمة المنطقة عموماً وبديل لإستراتجيتها وبالتالي انتزاع الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحركته السياسية الشابة( ).
وقد أصدرت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في دمشق بياناً حول الكيان الفلسطيني في 4 آذار1964 قالت فيه إنه يجب أن تتوافر في الكيان الفلسطيني عدة شروط حتى يتحول القرار الصادر عن مؤتمر القمة العربي بإنشائه إلى حقيقة ثورية ناجحة:

1- أن يكون للكيان الفلسطيني محتوى نضالي يتجسد في تنظيم شعبي لأبناء فلسطين يعبر عن إراداتهم الحرة، وله سلطة فعليه تمارس جميع الحقوق المستمدة من السيادة الكاملة للشعب العربي الفلسطيني على وطنه.
2- أن يكون للكيان جيش فلسطيني التكوين والقيادة يرتبط بالسلطة العليا للتنظيم الشعبي الفلسطيني ويخضع لها ويكون أداة الكيان الثورية القادرة على القيام بمسؤولياتها بالاشتراك مع الجيوش العربية في معركة التحرير.
3- أن تقوم الدول العربية بدعم هذا الكيان مادياً ومعنوياً وأن تتعهد بالتزامات محددة تكفل تمكين الكيان الفلسطيني من أداء مهمته وتطوير إمكانياته السياسية والعسكرية والمالية دون أية محاولة للتأثير على إرادته أو عرقلة مهماته أو شل قدرته( ).

تميز موقف الرئيس السوري أمين الحافظ في مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد في كانون الثاني في عام 1964 في القاهرة حول مسألة الكيان الفلسطيني بالمتحفظ والمشروط، وأنه لا فائدة للكيان بدون أرض وأنه يجب إعطاء الضفة الغربية وغزة إلى الكيان.

وقد أثارت مشاركة سوريا في مؤتمر القمة العربي الأول الجدل داخل حزب البعث ثم طال الجدل مسألة المشاركة السورية في القمة الثانية حيث أيد بعض الحزبيين المشاركة في القمم وعارضها آخرون، وهذا الجدل طال المساعي الجارية لتأسيس المنظمة الفلسطينية فالذين سموا بالقطريين داخل الحزب عارضوا المشاركة في القمة، أما العفلقيون ومنهم الرئيس الحافظ فكانوا أميل إلى المشاركة.

ومع أن نسبة محسوسة من البعثيين أيدت الدعوة لإبراز الكيان الوطني الفلسطيني، فإن مفهوم البعثيين عن الكيان اختلف عن المفهوم السائد في الأوساط الأخرى، ولم يرض البعثيين عن تكليف الزعيم الفلسطيني أحمد الشقيري لمهمة تأسيس المنظمة. فقد أخذ البعثيون على الشقيري ما يعدونه انحيازاً منه للرئيس المصري جمال عبد الناصر وعارضه بعضهم بدوافع يسارية( ).

ونشرت جريدة "البعث" الناطقة باسم حزب البعث في دمشق في عددها الصادر في 29 آذار1964 أن الحكومة السورية والفلسطينيين المعتمدين في سوريا يعتبرون أن مشروع السيد أحمد الشقيري لإنشاء الكيان الفلسطيني لا يحقق الغاية المنشودة( ).

كما انتقدت الصحيفة نفسها في عددها الصادر في 2 حزيران1964 التوصيات التي أقرها المؤتمر الوطني الفلسطيني في القدس، وقالت إن مقرراته "لم تشتمل على أي تحديد للكيان الفلسطيني ومقوماته اللازمة وتجاهلت ضرورة قيام جيش فلسطيني موحد يقف على قدم المساواة مع الجيوش العربية"( ).

وكانت القيادة القومية لحزب البعث في سوريا في 20 أيار1964 قد أعلنت مشروعاً جديداً للكيان الفلسطيني المقترح إنشاؤه لمناقشته أثناء المؤتمر الفلسطيني المقرر عقده في القدس في 28 أيار لمناقشة مشروع الكيان الذي عرضه السيد أحمد الشقيري، ويقترح مشروع قيادة البعث تشكيل لجنة تحضيرية مؤقتة تشرف على انتخاب مجلس وطني فلسطيني( ).

وفي هذا المشروع حدد حزب البعث المقومات الأساسية للكيان الفلسطيني والتزامات الدول العربية نحوه وحدد طبيعة الكيان الذي ينبغي إقامته على النحو التالي :
1- إن الكيان الفلسطيني المنشود كي يحقق المهمة التحررية المرشح من أجلها لا بد أن يكون كيانا حقيقيا يستطيع النهوض بمسؤولياته لا تجمعا شكليا يجهض فكرة الكيان ويجرده من كل أثر فعال.
2- إن الكيان الفلسطيني المنشود يجب أن تتوفر فيه المقومات الأساسية لكل كيان حقيقي وهي الأرض والشعب والسلطة فبدونها يفقد أي كيان وجوده الفعلي ومقومات بقائه واستمراره ويصبح عاجزا عن أداء دوره كأداة فعالة من أجل استرداد الوطن السليب.
3- إن الشعب العربي الفلسطيني جزء من الأمة العربية المكافحة في سبيل وحدتها وحريتها وتقدمها، ولذلك فإن الكيان الفلسطيني المنشود ليس غاية في حد ذاته وإنما وسيلة تقتضيها حركة التحرير وطبيعة الظروف المحيطة بها لتعبئة الشعب الفلسطيني وتنظيمه بشكل يمكنه من تحمل مسؤولياته كاملة ومن القيام بدوره الطليعي بصورة فعلية بالاشتراك مع قوى الأمة العربية في جميع أقطارها.
4- إن الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه بحدوده التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين وهو وحده وحدة إقليمية لا تتجزأ تشمل المنطقة المحتلة من فلسطين وقطاع غزة والضفة الغربية من الأردن ومنطقة الحمة جنوب سوريا.
ولذلك فإن الكيان الفلسطيني المنشود يجب أن يمارس سيادته كاملة على وطنه وتنبثق عن إرادة شعبه سلطته العليا ( ) .

لقد اتخذ البعثيون موقفاً متحفظاً من أحمد الشقيري ودارت حول الكيان الفلسطيني نقاشات مستفيضة حيث عكس مشروع الكيان الفلسطيني الذي اقترحه البعث وبادرت لجنة حزبية لصياغته برئاسة خالد اليشرطي عضو القيادة القومية للحزب وعضوية عبد المحسن أبو ميزر رئيس تحرير صحيفة البعث، عكس الشكوك في قيادة الشقيري( ).
وقد أثارت حكومة العراق في مذكرة رفعتها إلى الجامعة العربية مسألة تمثيل فلسطين في الجامعة ومسألة إبراز الكيان الفلسطيني، حيث دافعت صحف البعث عن هذا المشروع الذي يقوم على أساس إجراء انتخابات عامة حرة لاختيار ممثلين حقيقيين لأبناء فلسطين، إلا أن هذا المشروع لم يكتب له النجاح بسبب رفض الثوريون العرب لموضوع الانتخابات، بالإضافة إلى ظروف الوضع في الضفة الغربية وغزة الذي لا يسمح بإجراء هذه الانتخابات وكان دفاع صحف البعث عن هذا المشروع باعتباره يجمع قوى الشعب المبعثرة ويستخلص مناضليه الحقيقيين لقيادة الشعب من أجل التحرير، وبذلك لم تستطع سوريا والعراق الخروج من دائرة الشعارات وعدم القدرة على الممارسة العملية، فالتقى كل منهما بتأييد الكيان الفلسطيني رسمياً ولم تلمس الجماهير الدعم المطلوب لقيام جبهة التحرير الفلسطينية على المستوى الشعبي، ولم يتحقق مطلب القضاء على الحكم الرجعي في الأردن، كما استمر حزب البعث بتوجيه الانتقاد للرئيس عبد الناصر بأنه لا يمتلك خطة لتحرير فلسطين( ).

رابعاً: رؤية حزب البعث لإنشاء السلطة الوطنية على أرض فلسطين :

وفي سياق المواقف والخطابات التي صدرت عن حزب البعث وقيادته، فقد جاء في خطاب الفريق أمين الحافظ في احتفال لجيش التحرير الفلسطينيين في سوريا ونشر في جريدة البعث في عددها الصادر في 15 شباط 1965 قال انه "أصبح من حق هذا الجيل العربي الفلسطيني أن يتمرد على واقعة القلق، كما أصبح من حقه أن يثور على الأساليب العتيقة وأن لا يجعل من نفسه حقلاً من حقول التجارب، بل أصبح من حقه أن ينظم كيانه السياسي على أساس ثوري شعبي، وأن يعبئ قواه تعبئة كاملة مسلحة واعية تعرف من أين تبدأ وكيف وإلى أين تنتهي"( ).

وفي 27 تموز1974 أصدرت القيادة القومية لحزب البعث نشرة حزبية ركزت من خلالها على أهمية المحافظة على الشخصية الوطنية الفلسطينية وأن إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية لا يعد عملاً قطرياً بل يعد عملاً قومياً ووطنياً في آن واحد لأنه يحافظ على القضية الفلسطينية بطابعها الوطني وبعدها القومي، وإذا كان يبدو ثمة تعارضاً قائماً بين نمو الشخصية الوطنية والحركة القومية في قطر مستقل كسوريا أو مصر فإن هذا التعارض لا يعد قائماً في قطر مهدد من حيث الأساس بمصيره ووجود شعبه، ولهذا يبقى التركيز على شخصيته الوطنية أمراً لا بد منه للمحافظة على انتمائه الوطني والقومي في آن واحد، ومن هنا فان حزب البعث يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقيادته المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد لهذا الشعب، كما أن برنامج السلطة الوطنية الذي طرحه حزب البعث هو مرحلة على طريق التحرير وليس بديلاً لهدف التحرير وهو بهذا استمرارية لموقف الحزب الواضح والمحدد من ضرورة الكيان الفلسطيني ومهماته كما طرحها منذ أواخر الخمسينات وتابع النضال من أجلها( ).

وقد أكد الرئيس حافظ الأسد هذه المواقف بصفته أميناً عاماً لحزب البعث وذلك في خلال خطابه في مؤتمر القمة في الرباط في عام 1974 حيث قال: بأنه تاريخياً ليس هناك أي مبرر بأن يقوم كيان سوري أو كيان لبناني، إننا أمة واحدة ونسعى أن تصل يوماً ما لأن تكون هذه الأمة في دولة واحدة. إلى أن يقول وهو يتحدث عن هذا الكيان الفلسطيني "هذا الكيان بحد ذاته سيكون من أسلحتنا الأساسية وسيكون في الطليعة بين هذه الأسلحة في نضالنا المقبل والمستمر وفي الصراع المرير المقبل الذي لابد أن نتصوره بيننا وبين الصهاينة"( ).

وفي المؤتمر القومي الثاني عشر الذي عقد في أواخر تموز 1975 أعاد حزب البعث تأكيده على الترابط بين التحرير وإقامة السلطة الوطنية، وأن إقامة أية سلطة وطنية لا يتم إلا من خلال إلحاق هزيمة جديدة بالعدو كما حدد التقرير السياسي للمؤتمر أهداف النضال الوطني الفلسطيني، وقد انطلق الحزب من مواقف أساسية منها :

1- أن الكيان هو إطار لتعبئة الطاقات يحمل اسم فلسطين لأنها هي التي تعرضت للغزو والاحتلال وهذا ما تتطلبه مهمات النضال من أجل تحرير فلسطين.

2- التأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني أينما وجدت تجمعاته لأن تحرك الأعداء يستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال تصفية الوجود الوطني للشعب الفلسطيني، وتمزيق وحدته منطلقا في هذا الموقف من رفض تذويب الفلسطينيين أينما وجدوا وبخاصة في الأقطار العربية التي يقيمون فيها وهو الوجه الآخر لرفض عمليات التوطين. ( ).

وفي حديث لرسالة البعث "رسالة القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي" بتاريخ 24/11/2010 قال فرحان أبو الهيجا الأمين القطري الفلسطيني لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا إن حزب البعث دعا إلى بلورة الكيان الفلسطيني والدور الخاص للشعب العربي الفلسطيني مستفيداً من تجربة المقاومة الشعبية في قطاع غزة ومن شعوره بإمكانية تعميم هذه التجربة، ومن تجربة الثورة الجزائرية وتجربة الوحدة بين مصر وسوريا 1958 وما أوجدته من تفاؤل ومن تطلع جماهير الأمة العربية وشعب فلسطين العربي إلى انجاز هدف التحرير وإنهاء الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين( ).

هناك مبررات دفعت حزب البعث لاتخاذ موقف سلبي من الكيان الفلسطيني في فترة ما وذلك بسبب تخوف الحزب من سيطرة الأنظمة العربية عليه ورسم سياساته، وهو ما جعل أعداء الثورة والمتضررون منها ينفضون الغبار عنه ليقدموه كياناً يحتوي الثورة لاسيما وأنها هي المنظمة التي أنشأتها مجموعة الكيانات الإقليمية العربية في مؤتمرات القمة، لتكون في وقت واحد كياناً جديداً على شاكلتها من جهة ومجالاً أمامها للتراجع والانسحاب المتواصل من أعباء الالتزام بمعركة التحرير بحجة وجود من تقع على عاتقه هذه المهمة من جهة ثانية، الأمر الذي أعطى الحزب زخما كبيرا في التمسك بموقفه من الكيان الفلسطيني وشروط تجسيده.

لذا فإن حصر الثورة في كيان إقليمي قد يوفر للثورة كثيراً من إمكانيات ذلك الكيان ولكن بالمقابل يجعلها تدفع ثمناً باهظاً لذلك( ).

لقد تكونت نظرة حزب البعث إلى العمل الوطني الفلسطيني من خلال مسيرة الحزب ونضاله بين الجماهير ولاسيما نضاله بين الجماهير الفلسطينية، وفي صدد تحديد مواقف الحزب من الكيان الفلسطيني فلا بد من التأكيد على حقيقتين والتركيز عليهما :

الحقيقة الأولى والتي لها دور في هذه المرحلة هي حق الشعب العربي الفلسطيني كشعب واحد في تقرير مصيره على كل جزء من أجزاء ترابه الوطني.

الحقيقة الثانية وهي مرتبطة بالأولى، هي حق شعبنا في ممارسة سيادته التامة وسلطته على أي جزء من التراب الفلسطيني وذلك انطلاقا من أن الشعب العربي الفلسطيني هو جزء من الشعب العربي وله كامل الحق في الاستقلال الوطني على أرضه ( ).

يمكن القول إن حزب البعث العربي الاشتراكي قد ساهم في نشر الوعي الفلسطيني بالكيانية، وناضل من أجل تجسيد الكيان الفلسطيني في الإطار القومي المتكامل. وأهمية موقف حزب البعث هذا في بداية الستينيات نابعة من أنه جاء مترافقاً مع حالة تكون جنيني بالوعي على "الفلسطنة" في إطار الشعب الفلسطيني المتشرد والمفتت عبر المنظمات والحركات الفلسطينية( ).

ويرى الباحث أن موقف حزب البعث من الكيان الفلسطيني نابع من رؤية الحزب نفسه لمفهوم الكيان التي تستند حسب البعث إلى نظرة تحررية تجسد مفهوم الشخصية الوطنية الفلسطينية، وهو ما دفع الحزب عبر قيادته ومؤتمراته القومية في المناسبات المختلفة إلى وضع تصورات وشروط تأسيس الكيان الفلسطيني، ولقطع الطريق على أولئك الذين يعتقد الحزب أنهم يسيرون في فلك الحكومات العربية بعيدا عن النهج الثوري، وهو ما سيفقد الكيان المقترح قيمته النضالية من وجهة نظر البعث.






















المبحث الثالث: رؤية حزب البعث العربي الاشتراكي لحل القضية الفلسطينية

تعتبر مقالة ميشيل عفلق في آب 1946 والتي نشرتها جريدة البعث وحملت عنوان (لا ينتظر العرب ظهور المعجزة، فلسطين لا تنقذها الحكومات بل العمل الشعبي) أولى أفكار البعث في معالجة القضية الفلسطينية حيث أدان عفلق في هذه المقالة سياسة الأنظمة العربية بخصوص قضية فلسطين، وطرح عفلق طريقتين لمعالجة هذه القضية، تمثلت الأولى في تحويل مشكلة فلسطين إلى درجة عاطفية عقيمة بأن لا نرى فيها إلا صورة لغدر الدول الغربية بنا (.....) وندعو إلى الحذر من هذه الدول الماكرة وأن شعبنا لم يكن في يوم من الأيام إلا حذرا منها، أما الطريقة الثانية فتمثلت في الإسراف في الاطمئنان والتفاؤل بعد إسرافنا في الارتياب والتشاؤم فتعتمد على خطب الزعماء وتصريحات الوزراء ووعود رؤساء الدول العربية( ).

يكشف هذا النص لمقالة عفلق عن جذور المواقف السياسية الاستسلامية والانهزامية التي تعزز التآمر على القضية المصيرية الكبرى للعرب في هذا العصر، فالعقلية السحرية المتردية حضاريا، القاصرة منطقيا، المغزوة نفسيا لا تستطيع أن تستوعب أبعاد التناقض القائم بين الأمة العربية والعدو الصهيوني، وهي بالتالي محكومة بالفشل فالموقفان المتشائم والمتفائل لم يعتمدا في انطباعيهما على نظرة علمية وتحليل ومنهجي، بل كانا تعبيرا عن اتكال على القدر وعدم الثقة بالنفس وهرب من المسؤولية، كما أن النص المذكور يتطرق إلى طبيعة التحدي الصهيوني ومدى خطورته ومستواه وبالتالي يبرز ما وراء الصهيونية من عقيدة ومن مساندة واسعة في أوساط اليهود في العالم، ومن مؤازرة استعمارية، وأن الخطر هو خطر حضاري ومصيري وليس مجرد غزو اقتصادي أو سياسي، وهذا يعني بأن مقاومة الحركة الصهيونية مقاومة ناجحة وظافرة رهن بانتهاج إستراتيجية ثورية تجعل العرب يلتفتون إلى العمل الشعبي ليصبوا فيه كل جهودهم بمستوى جديد من التخطيط والتنظيم وترك العمل الرسمي للحكومات يدور في فلكه الخاص التابع في معظم الحالات للمخططات الخارجية، وعندئذ لا يبقى للحكومات العربية سوى سبيل واحد لكي تبرهن على أنها لم توجه لخدمة الأجنبي والعمل بوحيه، هو أن لا تضع العقبات والعراقيل في وجه الشعب المتعطش للجهاد( ).

أولاً: منهج حزب البعث وإستراتيجيته في حل القضية الفلسطينية ما بين 1947- 1967:

يقوم منهاج حزب البعث على أن الصهيونية حركة استعمارية غازية وإسرائيل هي التجسيد السياسي لهذه الحركة، وهما يهددان الكيان القومي العربي وهو يرى:

1- رفض الصلح مع اليهود بأي شكل من الأشكال ورفض الاعتراف بإسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر ومقاومة كل اتجاه نحو ذلك.
2- الإبقاء على القضية الفلسطينية حية ومقاومة كل محاولة لتصفيتها، بغير حلها على أساس القضاء على إسرائيل واسترداد الوطن السليب .
3- رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين بأي شكل من أشكاله لأن في هذا محاولة استعمارية لتصفية القضية واعتبارها مجرد مشكلة لاجئين إنسانية بينما هي مشكلة وطن وشعب وقومية .
4- رفض مشروع جونستون وأمثاله من المشاريع التي تهدف بحقيقتها إلى اعتراف العرب بإسرائيل وتوطين اللاجئين.
5- الاستعداد العسكري والمادي والمعنوي وتعبئة القوى القومية العربية ودفع حركة التحرر والاتحاد العربية إلى الأمام باعتبار ذلك من أهم شروط النصر.
6- استمرار تشديد الحصار الاقتصادي على إسرائيل وإحكام المقاطعة حولها.
7- قبول المعونة العربية كبديل للمعونة البريطانية للأردن وتبني الاتحاد بين سوريا ومصر، والعمل لدخول الأردن فيه والعمل لتحقيق وحدة الجيوش في الدول العربية المحيطة بإسرائيل وحدة حقيقية، وإلغاء المعاهدة البريطانية ومقاومة الأحلاف ( ).
وقد عمل حزب البعث على إصدار البيانات والخطابات التي تدعو لخوض معركة التحرير من أجل فلسطين، ففي بيان صدر عنه في 29 تشرين الثاني 1950 اعتبر البعث بأن النضال الشعبي في الداخل هو الجزء الهام في معركة فلسطين وعليه أن لا يستسلم لضغط الحكومات وتحذيراتها ونواياها الإجرامية في طي قضية فلسطين وإبعاد الشعب عنها، وعليه أن يقف حائلا دون الاعتراف بإسرائيل ويطالب بحصارها الاقتصادي، وبحشد الموارد كلها من أجل التسلح والتجنيد العام الإلزامي، عليه أن يطلب توطين اللاجئين وإيجاد أعمال ثابتة لهم وإعدادهم ليكونوا طليعة جيش التحرير، وعليه أخيرا أن يرغم الحكومات العربية على مقاطعة الاستعمار الذي يرعى الصهيونية ويحميها( ).

وفي بيان آخر صدر عن حزب البعث في دمشق في تموز 1951 وحمل عنوان "بيان إلى الشعب العربي من مجلس حزب البعث العربي" عاد حزب البعث وكرر موقفه بأن حل قضية فلسطين النهائي لن يكون إلا على يد حكم شعبي متحرر متين، ذلك لأن نظام الحكم الرجعي القائم عاجز عن تحرير فلسطين والمحاولات الإفرادية التي تظهر أحيانا لن تؤدي إلى أكثر من الحد من مطامع الصهيونية المتمكنة في البلاد والمدعومة من الأجنبي، وأن الشعب يريد اليوم أن تظل قضية فلسطين قائمة فلا تطوى بتوطين اللاجئين ومد يد الصلح إلى إسرائيل، وهو يطالب بعودتهم عربا أحرارا في بلادهم ويطالب بحصار إسرائيل ومقاطعتها اقتصاديا وبزيادة التسلح ومكافحة الصهيونية الغربية، وهو يعتبر كل اتفاق يجري مع الدولة الصهيونية دعما لها وللاستعمار الذي أنشاها وسهر على حمايتها، واتخذها سلاحا قويا ضد العرب( ).

وفي حديث لميشيل عفلق الأمين العام لحزب البعث حول موقف البعث ورؤيته في معالجة القضية الفلسطينية ومواجهة خطر الصهيونية ، قال عفلق أمام النادي الثقافي ببيروت في شباط 1956 بأنه قبيل قرار التقسيم وبعده وقبيل الحرب في سنة 1948 كان حزب البعث يطالب الحكومات العربية بالإعداد اللازم لمواجه تلك المعركة، وأن معركة فلسطين تستوجب تحرير الشعب داخل الأقطار العربية، وكان رد الحكومات بأن شغلها الشاغل هو الخطر الصهيوني الداهم الأمر الذي شكل مغالطة في الموقف الرسمي العربي طالما لا يوجد الاستعداد والإمكانيات لذلك، وكذلك الفساد القائم في الأمة العربية وعدم قدرة الشعب على القتال ضد الصهيونية، لذلك فإنه والحديث لعفلق بدون نظرة جذرية إلى أوضاع الشعب لا تكون هناك مقاومة جدية للخطر الصهيوني، وبدون رفع المستوى الاقتصادي وبدون التوحيد الممكن لبعض الأقطار العربية لا يمكن الدخول في معركة فعلية مع الصهيونية . فالمعركة تتطلب مستوى أعلى من النضال المادي والمعنوي حتى تتحرر فلسطين( ).

وفي حديث آخر لعفلق لجريدة الجمهور حول ما آلت إليه القضية العربية داخليا ودوليا ونشرته جريدة البعث في عددها 63 في 27 تموز 1957، ربط عفلق قضية فلسطين بالنضال التحرري الوحدوي الاشتراكي وبأفق إنساني تقدمي بقوله إذا عالجنا مشكلة إسرائيل على ضوء نظرتنا العربية الانقلابية التي ترتبط فيها صورة المجتمع العربي بصورة العالم والمجتمع الدولي والإنساني المقبل الذي يسهم العرب في تحقيقه، نصل إلى النتائج التالية:

"إن ما يشكل خطرا على الأمة العربية هو كيان إسرائيل كدولة لا وجود أقلية يهودية في الوطن العربي، وأن التعجيل في النضال التحرري الوحدوي وتحقيق خطوات سريعة وجذرية في هذين المجالين تقطع الطريق على أطماع الاستعمار في المحافظة على إسرائيل وتوسيعها وأن إصرار العرب على اتجاههم الإنساني في المجال الدولي وتعاونهم مع الشعوب الأخرى في سبيل توطيد السلم والتقدم الاشتراكي لجميع الشعوب وسياسة الحياد الايجابي، كل هذا يساهم في إزالة أسباب التعصب العنصري والديني في العالم ويساعد على اندماج الأقلية اليهودية في البلدان الأوروبية وبالتالي يضعف مبررات وجود إسرائيل"( ).

وتعتبر الفترة مابين 1949-1954 الأكثر وضوحا بالنسبة لموقف حزب البعث من حل القضية الفلسطينية حيث تحولت الدعوة العامة للنضال الشعبي ولمقاومة الاستعمار إلى شعارات محددة، لقد ركز الحزب في هذه الفترة على أربعة مبادئ :

أولها: إن النضال العربي الشعبي الموحد هو طريق التحرر عامة وطريق تحرير فلسطين خاصة وهو ما يقتضي القضاء على الإقطاعية التي أضاعت فلسطين الأمر الذي يعني أن تحرير فلسطين مرهون بتحقيق الوحدة .
ثانيها: إن فلسطين لن تتحرر دون التحرر المطلق من الاستعمار .
ثالثها: إن قيام نظام اشتراكي يحقق العدالة الاجتماعية واجب قومي حيث طالب الحزب بإلغاء المؤسسات الاستعمارية وتأمين الشركات الاستعمارية ومقاطعة البضائع الأجنبية .
رابعها: إن الحياد هو التعبير العقلي عن سياسة استقلالية تخدم مصالح الشعب ويعني هذا الحياد جلاء القوات الأجنبية المحتلة ورفض مشاريع الدفاع المشترك والمساعدات الأمريكية( ).

وجاء في توصيات المؤتمر القومي الرابع لحزب البعث الذي انعقد في أواخر آب 1960 بخصوص القضية الفلسطينية أن حل قضية فلسطين والقضاء على كيان إسرائيل وإعادة الأراضي المغتصبة إلى أهلها منوط بأحداث انقلاب أساسي في حياة الشعب العربي على الصعيد القومي .

وحتى يتم ذلك يرى المؤتمر ضرورة الاضطلاع بالمهام السياسية المرحلية التالية:

1- تأليف جبهة شعبية تضم كافة التنظيمات الشعبية الفلسطينية القائمة في البلاد العربية على أن تكون هذه الجبهة مستقلة في تنظيمها وعملها ونضالها عن أي من الحكومات العربية.
2- العمل على منع إسرائيل من تحقيق أي مكاسب جديدة وعلى الخصوص منعها من تحويل مجرى نهر الأردن ومن المرور في المياه العربية ومطالبة الحكومات العربية لإحكام الحصار الاقتصادي والسياسي على إسرائيل عن طريق انتهاج سياسة حازمة تجاه الحكومات التي تتعامل معها.
3- الدعاية لقضية فلسطين في كافة المجالات الدولية والسعي لإعادة اللاجئين إليها( ).

كما جاء أيضا في التقرير السياسي الذي أقره المؤتمر القومي التاسع لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي عقد في أيلول 1966 أن حزب البعث والتزاما منه بمسؤوليته التاريخية ليدرك أن عليه أن يطرح في هذه المرحلة الإستراتيجية العلمية والثورية للنضال العربي، وأن يسهم في قيادة المعركة وتوفير الأدوات الموضوعية لها عن طريق توعية الجماهير وتنظيمها وحشد طاقاتها في هذه المعركة المصيرية، وهو ما طرحه الحزب عمليا منذ ولادته محددا الخط السياسي والعسكري لهذه الإستراتيجية والتي تتمثل بهدفين أساسيين يتم تنفيذهما مرحليا من خلال نمو القوى الفعلية للنضال الشعبي.. وهما :

1- الحفاظ على حيوية القضية الفلسطينية.
2- النضال من أجل خلق الوضع الاستراتيجي الملائم لخوض حرب التحرير الشعبية. ويتضح هذا الخط الاستراتيجي في المقررات التي صدرت عن مجلس الحزب في كانون الأول 1950 حين أعلن أن الحزب يناضل في سبيل إبقاء قضية فلسطين قائمة إلى أن يصل العرب إلى حقوقهم القومية( ).

لم يستطع حزب البعث أن يقدم تصورا عمليا لحل القضية الفلسطينية ولم يحدد آليات لذلك، واكتفى بطرح شعارات وخطوط عامة تدعو لمحاربة إسرائيل وعزلها دون الخوض بتفصيلات هذه الحرب وطريقة خوضها، وهو ما لم يقنع المواطن العربي بموضوعية تصوره.


ثانياً: موقف حزب البعث من الأحلاف الغربية الداعمة لإسرائيل :

اتخذ حزب البعث العربي الاشتراكي موقفا من الخطوات السياسية المرحلية المتعلقة بالقضية الفلسطينية حيث وقف متشددا ومقاوما للأحلاف والمعاهدات الاستعمارية المكبلة لحرية العرب والمؤيدة لدعم الكيان الصهيوني وضرورة قيام خطوات وحدوية والاعتماد على الذات وحشد الطاقات العربية واستخدام النفط والكفاح الشعبي المسلح، كما أكد على أهمية المقاطعة الاقتصادية ورفض كل المشاريع المؤيدة لتجميد القضية الفلسطينية، وتصفيتها كمشروع توطين اللاجئين ومشروع جونستون في استثمار مياه نهر الأردن أو أي مكسب جزئي يقود إلى الصلح مع الكيان الصهيوني أو الاعتراف به أو تثبيت وجوده( ).

فقد خاض حزب البعث معركة عنيفة ضد حلف بغداد وكانت معركة متعددة الجبهات في سوريا والعراق والأردن ولبنان وفي كل مكان من الأرض العربية وصلت إليه تنظيمات الحزب حتى ذلك الوقت. ونتجت ضراوة هذه المعركة من جسامة أخطار الحلف على أهداف النضال العربي كمد حددها حزب البعث حيث انه استهدف تصفية قضية فلسطين وفرض الصلح مع إسرائيل " بينما كانت خطة الحزب تقوم على إبقاء قضية فلسطين حية وتعارض كل سياسة تؤدي إلى تصفيتها".

بدأت معركة البعث ضد حلف بغداد وهو في بداياته حين عقد اتفاق السعيد – مندريس في عام 1954، بل وقبل هذه الخطوة حيث عارض الحزب التحالف مع تركيا لأنها اقتطعت لواء الإسكندرونة واعترفت بإسرائيل وصادقتها وتحالفت معها وصارت سوقها التجارية الأولى( ).


ثالثاً: موقف حزب البعث من دعوات التسوية السلمية مع إسرائيل :

لقد هاجم حزب البعث في العراق في بيانه الصادر في 14 تشرين الأول 1956 تصريحات نوري السعيد التي طالب فيها بحمل إسرائيل على التفاوض مع العرب على أساس قرارات الأمم المتحدة الصادرة عام 1947 والخاصة بفلسطين للتوصل إلى تسوية دائمة، حيث ذكر البيان "....ويأتي تصريح نوري السعيد حلقة جديدة في سلسلة التصريحات الرامية إلى تصفية قضية فلسطين وإعلان الصلح مع (إسرائيل)،... والشعب العربي يعتبر دعوة نوري السعيد للصلح مع إسرائيل وتصفية قضية فلسطين تصفية نهائية بدافع حرصه على مصالح الاستعمار الغربي، وقلقه على نفوذه، اعتداء صارخا على إرادته وفي أخطر قضية عربية وهو لن يتسامح في التفريط بهذه القضية الكبرى، ويرى أن أي حل لمسالة فلسطين يجب أن يستهدف عودتها عربية حرة ويحارب أي مكسب جزئي ينتهي بتصفية هذه القضية، وتثبيت كيان إسرائيل لأن قيمة أي مكسب ستنعدم أمام ضياع الهدف الرئيسي الذي لا نقبل التراجع عنه وهو تحرير فلسطين( ).

كما تناول الحزب أيضا في العراق في بيانه الصادر في 26 شباط 1957 الموجه إلى الشعب العربي حول تصريحات نوري السعيد ...إن الشعب العربي إذ يعتبر قضية فلسطين قضيته الكبرى يرى اليوم أن أي تساهل تبديه أية حكومة عربية في هذا الشأن يعني التفريط بقضية عربية كبرى، وسيؤدي إلى دعم كيان إسرائيل وإضعاف الحصار الاقتصادي المضروب عليها، وسيؤدي إلى فرض حلول أخرى وتشكيل نقاط تهديد جديدة( ).





كما أصدر المؤتمر القومي الثامن في نيسان 1965 لحزب البعث توصيات تتعلق بالمرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية:

1. اعتبار قضية فلسطين قضية العرب الأولى وبالتالي قضية الحزب الرئيسية والالتزام بتحرير فلسطين ورفض جميع أنواع التصفية والتعويض والتوطين.
2. اعتبار قضية فلسطين المنطلق الأساسي لتحديد سياسة الحزب والتصرف بمقتضيات هدف تحرير فلسطين على الصعيد الحكومي والعربي والدولي وذلك للإسهام في تحويل الاستراتيجية العربية من استراتيجية دفاعية إلى استراتيجية هجومية.
3. إن المؤتمر القومي أخذ بعين الاعتبار جميع الظروف التي سبقت ورافقت وتلت مؤتمر الذروة الأول والثاني، يرى بأن ما سمي بروح مؤتمر القمة تشكل خطرا للمفاهيم التي يعتبرها الحزب أساسية في موضوع تحرير فلسطين، وهو لذلك يوصي القيادة القومية بالعمل على فضح التزييف والتمسك بالشعارات الثورية الصحيحة.
4. إن المؤتمر يرى بأن الحكم في سوريا باعتباره حكم الحزب وهو الحكم الوحيد المعبر عن أهداف الشعب العربي في تحرير فلسطين، ولذا فإن على القيادة القومية أن تتعاون مع الجهات المختصة لوضع خطة تؤهل القطر السوري لخوض معركة التحرير ضمن أجل زمني محدد.
5. إن الحزب من واجبه دعم كل عمل كفاحي مسلح تقوم به فئات فلسطينية لا تقوم حولها الشبهات والعمل على تسليح شعب فلسطين وتهيئته لأجل معركة التحرير( ).

وفي البيان الذي أصدرته القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في 27 نيسان 1965 بمناسبة زيارة الرئيس التونسي الحبيب بورقييه لعدد من بلدان المشرق العربي، استنكر الحزب موقف بورقيبه من قضية فلسطين بشدة من خلال دعوته للأقطار العربية للتفاوض مع الصهاينة حول قرار التقسيم، وأن على العرب الانطلاق من أن إسرائيل واقع يجب الاعتراف به، وهو ما يهدف حسب البيان إلى تصفية القضية الفلسطينية.
كما أكد البيان على ضرورة إعادة قضية فلسطين إلى أصالتها وحقيقتها وإبعادها عن المساومات الرخيصة، وأن الحل الوحيد لهذه القضية هو تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني، وذلك بالضغط على الحكومات العربية من أجل التسلح العسكري والسياسي لتحقيق ذلك باعتبار أن الوجود الصهيوني في فلسطين غير شرعي( ).

لذا فإن حزب البعث يرفض أي حل يتعارض مع هدف تحرير فلسطين، مؤكدا رفضه لكافة المشاريع التصفوية والاستسلامية، ومؤكدا على وحدة التراب الفلسطيني ورفض المشاريع المشبوهة لإقامة حكومة فلسطينية في المنفى أو تبني مشاريع تهدف إلى إقامة الدولة الفلسطينية لأن هذه المشاريع تقضي على آمال الجماهير في التحرير الكامل والعودة( ).

وفي هذا السياق رفض حزب البعث بحزم مشاريع التصفية التي طرحت أثناء وبعد مشروع روجرز1970 والتي تبنتها أنظمة عربية، وكان من نتائج هذا المشروع وقف حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية وتصفية حركة المقاومة في الأردن. كما رفض الحزب كذلك كل المشاريع المشبوهة ولا سيما إقامة دولة فلسطينية في ظل الاحتلال أو من واقع الهزيمة، ووقف إلى جانب القوى الوطنية الفلسطينية وحركة المقاومة، وقد تجلى ذلك في مقررات المؤتمر القومي الحادي عشر 1971( ).

وفي إطار رده على بعض الأسئلة حول مؤتمر القمة العربي الثالث وحل القضية الفلسطينية في دمشق 22 أيلول 1965 أجاب الدكتور منيف الرزاز الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي: أن حل قضية فلسطين يعتمد على وضع كل الطاقات العربية في خدمة هذه القضية بروح ثورية تتجاوز الحدود الضيقة التي تفرضها عوامل التجزئة والتخلف والمصالح العاجلة للكيانات القائمة. وأضاف الرزاز أن تحرير فلسطين عمل ثوري، وإذا لم يرتفع مستوى الطاقات العربية المجمدة إلى المستوى الثوري المطلوب فإنها ستبقى عاجزة عن مواجهة القضية بكل أبعادها . إن الأقطار العربية لن تحل أبدا محل الجماهير الشعبية في مجابهة هذه القضية( ).
وفي 29 أيلول 1965 أصدر حزب البعث نشرة داخلية سرية للأعضاء فقط يحدد فيها رؤيته لقضية فلسطين وإزالة دولة إسرائيل، وأن الإيمان بالتحرير يعني الاستعداد الكامل لخوض المعركة عسكرية وسياسية واقتصادية مع إسرائيل وان الشعب العربي الفلسطيني هو رأس الحربة في أي منطلق للتحرير حيث لابد من تنظيم طاقاته الثورية في إطار وكيان يمثل إرادته وجيش يحمل لواءه .

كما دعا الحزب إلى تعاون العرب وخصوصا من هم يحيطون بإسرائيل والقوى الثورية، وأن يتحملوا مسؤولياتهم في وضع خطة ليس من أجل الدخول في معركة مع إسرائيل، وإنما الانتصار في هذه المعركة بعد أن أضاع العرب الجولات الأولى عام 1948، وأن المطلوب هو زج كل الإمكانيات والطاقات الثورية العربية لتلعب دورا هاما داخل مؤتمرات القمة العربية وهو يضع سوريا ومصر في مواجهة هذا الخطر الصهيوني.

كما أن على حزب البعث أن يتبنى القضية الفلسطينية تبنيا كاملا وأن يطرحها بكل أبعادها، وينظم الفلسطينيين في منظمات ثورية، وأن يكون على تواصل مع أبناء الشعب العربي أينما تواجد ويشرح لهم موقف الحزب وحكومته من أجل حل القضية الفلسطينية، واختتم الحزب نشرته باعتماد العمل الثوري كخيار سليم لحل القضية الفلسطينية، وأن مؤتمرات القمة العربية لن تكون بديلة أو معطلة لنهج وسياسة الحزب تجاه هذه القضية( ).

وقد أشار التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر القومي الحادي عشر لحزب البعث المنعقد في آب 1971 والذي يتعلق بالقضية الفلسطينية، إلى أن إقامة دولة أو سلطة فلسطينية في ظل الاحتلال ليس إلا أسلوبا من أساليب الاستعمار والصهيونية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية على مراحل، وأن مشروع "الدولة الفلسطينية" المطروح مرفوض لأنه جزء من عملية التسوية الاستسلامية، وكل المشاريع التي تهدف إلى التخلي عن الكفاح المسلح ، وجر حركة المقاومة إلى طريق المساومات والحلول التصفوية.

وينطلق الحزب في هذا الموقف من معطيات أساسية تتمثل في :

1- رفض الإقرار والاعتراف بشرعية الوجود الصهيوني.
2- رفض التنازل عن الحقوق القومية والتاريخية في أي جزء من أرض فلسطين وغيرها من الأرض العربية المحتلة.
3- إن شعارات الدولة الفلسطينية وسائر الصيغ والأشكال المطروحة هي بمثابة تكريس للانتصار العسكري والسياسي للعدو وتمهيد لهيمنته على المنطقة العربية( ).

وجاء المؤتمر القطري السادس الذي عقد في سوريا في نيسان 1975 ليحدد هدفا مرحليا للحزب يتصل بموضوع الصراع مع إسرائيل، يمكن وضعه في شقين:

أ- التحرير الكامل لجميع الأراضي العربية المحتلة منذ عدوان حزيران 1967 وعدم التفريط بأي من الأرض أو التنازل عنه.
ب- الالتزام باستعادة الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره على أرضه.
وحدد المؤتمر لذلك أسس عمل ومنطلقات، وكان واضحا أن الحزب حين يحدد هدفا مرحليا فهو لا يهمل الهدف الاستراتيجي النهائي في هذه القضية ولا يتجاوزه، ولكنه فيما يبدو خضع أكثر من أي وقت مضى لمعطيات ومتغيرات وحقائق منها: أنه حزب في السلطة ، وأنه لابد أن يمارس تكتيكا تقتضيه السياسة الدولية وتفرضه الأوضاع العربية على الحكومة السورية التي هي في النتيجة صاحبة قرار بعثي في جوهره وثقله وتوجهه لأن البعث يقود الجبهة الوطنية التقدمية التي شكلتها الحركة التصحيحية.

ولم يغفل الحزب الإشارة في قرارات المؤتمر القطري السادس إلى استمرارية موقفه الاستراتيجي من القضية الفلسطينية، فأفرد لذلك فقرة خاصة في قراراته تحت العنوان ذاته، وثبت في هذا المجال موقفه المبدئي وسياسته المرحلية أي الإستراتيجية والتكتيك حين أعلن في بيانه عن تأييد حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة على الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها، ومواصلة النضال لتحرير كامل التراب الفلسطيني( ).

ويرى الباحث أن موقف حزب البعث المتشدد تجاه سياسة الأحلاف الغربية ومشاريعها السياسية قد خدم مرحلة زمنية معينة كان فيها الحزب يقود دفة العمل القومي إلى جانب الأحزاب والحركات القومية الأخرى، ولم يكن بالإمكان التعاطي مع الحلول السياسية المطروحة باعتبارها تعني الاعتراف بإسرائيل في ذلك الوقت، والتخلي عن البعد القومي للقضية الفلسطينية. ولكن استراتيجية حزب البعث تغيرت بعد حرب تشرين / أكتوبر 1973 عندما قبلت سوريا التفاوض مع إسرائيل وضمن موقف عربي موحد على أساس قرارات الأمم المتحدة التي تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967. وبعد حرب الخليج الثانية عام 1991 وضرب العراق، ونتيجة لاختلال موازين القوى في المنطقة، وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة في العالم، فقد وافقت سوريا على المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام والدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، إلا أن هذه المفاوضات قد وصلت إلى طريق مسدود بسبب تعنت إسرائيل في مواقفها الرافضة للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بما فيها هضبة الجولان السوري المحتل.








الفصل الرابع
موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من القوى والفصائل الفلسطينية

المبحث الأول: موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من منظمة التحرير الفلسطينية

لقد أفرزت الحركة الوطنية الفلسطينية عبر نضالها الطويل ضد الاحتلال الإسرائيلي حالة من النشاط الفلسطيني المكثف شهدته فترة الستينيات، تمثل في تصعيد المقاومة ضد المحتل، والعمل على إبراز الهوية الوطنية الفلسطينية وعنوانها منظمة التحرير الفلسطينية التي جاء تأسيسها تعبيرا عن تطلعات الشعب الفلسطيني وتجسيدا لنضاله، وليخلق حالة من الفرز على الساحة الفلسطينية والعربية في استقطاب المواقف باتجاه دعم هذه المنظمة في إطارها العربي الرسمي، أو معارضة هذا التوجه كونه يفقد المنظمة بعدها النضالي الحقيقي وهو ما تمثل في موقف حزب البعث عند تأسيس منظمة التحرير.

وقد فرض الطابع المصيري للصراع العربي- الإسرائيلي نفسه على الساحة العربية في مطلع الستينيات عندما أخذت العناصر الفلسطينية الشابة في إنشاء الخلايا والتنظيمات الثورية لمتابعة المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، وفي هذه الأثناء وأمام عجز الأنظمة العربية عن مواجهة إسرائيل بتحويل مجرى نهر الأردن عام 1964 اضطرت هذه الأنظمة إلى خلق نظام فلسطيني مشابه للأنظمة العربية حسبما كانت تخطط، وتعتقد من حيث تكوينه وقيادته ليكون أداة في يد الأنظمة ضد التحرك الثوري الفلسطيني وهو منظمة التحرير الفلسطينية( ).

أولاً: موقف حزب البعث من منظمة التحرير الفلسطينية :

عندما أعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية في أيار 1964 اتخذ حزب البعث والقيادة السورية موقفاً متحفظاً منها، ويمكن تفسير هذا التحفظ بأن القيادة السورية الحزبية اعتبرتها منظمة تقليدية أو رجعية وفق اللغة الثورية التي كانت سائدة وقتها، أو أنها اعتبرتها أداة بيد القيادة المصرية لما بين القيادتين من خلاف، بل ربما التشكيك في النوايا التي تقف وراء إنشاء المنظمة( ).

كما أن حزب البعث في سوريا بقيادة أمين الحافظ كان يتشكك في ثورية منظمة التحرير، انطلاقاً من موقفه من أسلوب مؤتمرات القمة العربي التي نشأت المنظمة في ظلها. فقد كان النظام السوري آنذاك يعتبر أن مؤتمرات القمة قلبت القضية من تحرير فلسطين إلى قضية تحويل الروافد التي قامت بها إسرائيل لمياه نهر الأردن، وحولتها من الهجوم إلى الدفاع( ).

وعندما اختير احمد الشقيري من قبل المؤتمر الوطني الفلسطيني رئيساً لمنظمة التحرير تراوح الموقف السوري بين المعارضة والتأييد للرجل ومهمته، واحتدم الجدل بين البعثيين حول هذا الموضوع وامتزج بجدلهم المستمر حول مؤتمرات القمة العربية.

وفي خضم النقاشات حول موقف الحزب من قيادة الشقيري للمنظمة، كان موقف شعبة فلسطين في حزب البعث بأن الساحة الفلسطينية مسيرة بتأيد عاملين هما: الرغبة في إعادة بناء الكيان الوطني والحماس للرئيس عبد الناصر، وقد اقترح أعضاء شعبة فلسطين في اجتماع مع الرئيس أمين الحافظ بأن تساند سورية منظمة التحرير وتضغط على الشقيري وفريقه في اتجاه حثهم على الموازنة بين البعث وعبد الناصر( ).

إن الآلية التي تم من خلالها تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية جعلت حزب البعث يتخذ منها موقفا متشككا وصل إلى حد اليقين بأن السياسة التي ستنتهجها المنظمة ستكون مرتبطة بإملاءات الحكومات العربية التي وافقت على تشكيلتها وقيادتها، وهو ما سيفقد القضية الفلسطينية بعدها القومي، وبالتالي يضع علامة استفهام على الدور النضالي والثوري الذي قامت من أجله منظمة التحرير( ).

وفي بداية الستينات بدأت الحركة الوطنية الفلسطينية أحزاباً وتنظيمات وبضمنها حزب البعث، تعبر عن ذاتها ومضمونها بالانخراط الواسع في عملية الكفاح المسلح والتوسع في مواجهة الاحتلال سواء من داخل الأرض المحتلة أو من خارجها، ومن هنا استطاعت الفصائل المنضوية تحت عنوان الثورة الفلسطينية أن تفرض نفسها على الواقع العربي ووجودها في الشارع العربي بعد أن أخذت الشرعية الجماهيرية الفلسطينية. وفي ظل هذا الزخم الثوري دخلت هذه الفصائل إلى منظمة التحرير الفلسطينية لتحولها من ورقة بيد الأنظمة إلى ممثل شرعي ووحيد الشعب الفلسطيني( ).

وبعد أن أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية، حفز ذلك الفلسطينيين إلى إقامة منظمات بديلة آملين أن تكون أكثر فعالية. وقد حظيت هذه المنظمات بدعم حزب البعث في سوريا، ولا سيما أن دولاً عربية أخرى كانت تفعل ما في وسعها لمنع الفدائيين من العمل والانطلاق من أراضيها تحسباً للضربات الانتقامية الصهيونية التي يستفزها النشاط الفدائي، فكان تمتع منظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها أحمد الشقيري بالرعاية المصرية سبباً وجيهاً لجعل سوريا تدعم جماعات فلسطينية خاصة بها( ).

وقد اعتبر حزب البعث أن قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 في ظل الرسمية العربية لم يكن أكثر من استجابة لتطلع الشعب العربي الفلسطيني إلى أخذ دور خاص به لتحقيق شعار المرحلة – التحرير والعودة – إلا أن ذلك لم يعني أن الرسمية العربية قد سلمت للشعب الفلسطيني بدوره الخاص وحقه في التعبير عن ذاته الوطنية، وهو ما أكده موقف شعبة فلسطين في حزب البعث في لبنان الذي اعتبر أن المنظمة ليست الأداة النضالية التي تستطيع أن تتحمل أعباء معركة تحرير فلسطين( ).

كما صدر عن مجموعة من الضباط الفلسطينيين البعثيين، الذين كانوا ينشطون باسم الجبهة الثورية الفلسطينية "بياناً في 3 أيلول 1964 انتقدت فيه منظمة التحرير الفلسطينية بصورة صريحة واتهمتها "بالتبعية" للدول العربية وبأنها فرضت من أعلى بدلاً من أن تنبع من "الانبثاق التلقائي من صفوف الجماهير"، وبأنها تفتقر إلى الطليعة الثورية القادرة على تحمل أعباء النضال"( ).

وقد حددت سوريا موقفها من منظمة التحرير الفلسطينية بناء على اعتقادها أنها تابعة للرئيس عبد الناصر، وتحدى الرئيس السوري أمين الحافظ نظيره المصري في أثناء مؤتمر القمة العربي الثاني في أيلول 1964 بأنه قادر على وضع خطة لهزيمة إسرائيل هزيمة كاملة خلال أربعة أيام إذا وضع في تصرفه 40 لواءً قتالياً وكانت هذه المزايدة سبباً رئيسياً في قيام عبد الناصر بإبلاغ القمة أنه "يضع سيناء وقطاع غزة تحت تصرف منظمة التحرير الفلسطينية كي تنشئ الجيش الفلسطيني"( ).

وبعد أن طرح حزب البعث مشروعه الشامل للكيان الفلسطيني ومؤسساته المختلفة في أيار 1964، في ضوء ذلك أعطى الحزب دوراً بارزاً للحزبين الفلسطينيين في التحركات في المؤسسات التي انبثقت عن منظمة التحرير الفلسطينية. وعلى الصعيد الحزبي عقدت اجتماعات موسعة لدراسة أساليب العمل لتحقيق مقررات المؤتمرات القومية لحزب البعث ولوضع الخطط الكفيلة بممارسة الكفاح المسلح خاصة بعد أن اتجهت منظمة التحرير آنذاك اتجاهاً تقليدياً حاولت فيه ممارسة أسلوب المهادنة والمسايرة لبعض الحكومات العربية التي ضغطت باتجاه إبعاد الجماهير عن القيام بنشاط تنظيمي وعسكري، وهو ما دفع الحزب إلى اتخذ موقف داعم للعمل الفدائي( ).

كما دعا الحزب إلى إعادة الضباط الفلسطينيين المسرحين من الجيش السوري أمثال عبد الرزاق اليحيى ومصباح البديري ومحمد الشاعر السوري لقيادة جيش التحرير الفلسطيني الذي شكلته منظمة التحرير عندما فاوض قيادة المنظمة بهذا الموقف( ).

وقد لعب العسكريون في حزب البعث دوراً في موضوع السيطرة على جيش التحرير الفلسطيني، فكانت القيادة السورية تعد على أن يتم تبادل المراسلات بين منظمة التحرير الفلسطينية ووحدات جيش التحرير الفلسطيني من خلال الاستخبارات العسكرية السورية( ).

وعلى الصعيد الفلسطيني تحولت دمشق إلى واحدة من الساحات الرئيسية للنشاط الذي لا يقتصر على نشاطات ونشأة وتطور منظمة التحرير الفلسطينية وحدها، بل تعداها إلى المنظمات الداعية إلى الكفاح المسلح وهي التي نشأ بعضها في سوريا وأنشأ بعضها الآخر فروعاً فيها وراح عددها يتزايد وأخذت نشاطاتها تبرز للعيان( ).

وفي الوقت الذي ظل فيه أحمد الشقيري يتردد على دمشق استمرت علاقته بالحزب والدولة على حالها الأول، مراوحة بين الجفوة والمجاملات، بين الانتقاد والمساندة دون أن تصير حميمة ولكن ذلك لم يمنع من أن يتسع نشاط مكتب منظمة التحرير وتقدم له التسهيلات من قبل الدولة التي تركت المجال للمنظمات الفلسطينية أن تعمل من أراضيها إلى جانب حركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية. فقد نشأت منظمات فلسطينية واستمرت لبعض الوقت ثم انفرط عقدها واندمجت مع بعضها البعض( ).

ثانياً: انتقاد حزب البعث لدور منظمة التحرير الفلسطينية :

قدم المؤتمر القومي الثامن الذي عقده حزب البعث في نيسان 1965 تقييماً عاماً لأوضاع الشعب الفلسطيني بعد نكبة 1948 متطرقا إلى الدور المشرف الذي لعبه عرب فلسطين في نضالهم ضد الاستعمار، وقيام المنظمات الفدائية السرية التي لعبت دوراً باتجاه الدفع نحو التحرر، كما تطرق المؤتمر إلى وضع المنظمات والهيئات الفلسطينية من خلال التقرير الذي أعدته شعبة فلسطين لدى حزب البعث في لبنان، حيث بينت هذه الشعبة في تقريرها دور كل من الهيئة العربية العليا والملاحظات بشأنها وكذلك دور حركة تحرير فلسطين "فتح" في النضال الفلسطيني نتيجة الخبرة التي حصل عليها قادة هذه الحركة في القاهرة بعد عدوان السويس، حيث دعوا إلى العمل الفدائي الفلسطيني وتنظيم الشباب الفلسطيني المتحمس لذلك، وتطرق التقرير إلى الكيان السياسي للشعب الفلسطيني المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية وملاحظات الحزب على هذا الكيان الذي يجب أن يتمتع بالصفة الثورية والتحرر من التبعية للحكومات العربية.

ومن التوصيات التي قدمها المؤتمر القومي الثامن للقيادة القومية فيما يتعلق بموقف البعث من الكيان الفلسطيني هي: أن المؤتمر يرى بأن منظمة التحرير الفلسطينية ليست الأداة النضالية التي تستطيع أن تتحمل أعباء معركة تحرير فلسطين، وأن الظروف التي أنشأتها والقوى التي تدعمها والعناصر التي تقودها تعبر جميعها عن الغاية غير الثورية التي دفعت إلى إنشاء المنظمة. كما أن هذه النظرة توجب على الحزب السعي والنضال من أجل إقامة كيان ثوري قادر على تعبئة شعب فلسطين وقيادته في معركة التحرير من أجل العودة ويترك لقيادة الحزب اتخاذ المواقف التفصيلية التي تخدم هذا الهدف( ).

استمر انتقاد حزب البعث لمنظمة التحرير فقد أشار البيان الذين صدر عن القيادة القومية لحزب البعث في 14 أيار1965 إلى منظمة التحرير الفلسطينية بأن هناك تخوفاً من أن تحمل تناقضات الواقع الرسمي العربي واتهمها بأنها فاقدة للثورية والقدرة على مجابهة الأخطار وتنظيم عملية التحرير، ذلك لأن ظروف تأسيس وتشكيل هذه المنظمة والموافقة عليها تأتي في حدود ضيقة وتجعل فعاليته رهناً باستمرار حالة المهادنة العربية ومرتبطة بالحد الأدنى من التفاهم والتضامن وتابعة للاعتبارات التي سمحت بوجودها( ).

وانتقد البعث الهيكلية الفوقية في مخاطبة الجماهير من خلال الأجهزة البيروقراطية اللاثورية للمنظمة ومنطقها الغوغائي البعيد كل البعد عن الإستراتيجية الثورية التحريرية.
فمن وجهة نظر الحزب ورغم أن المنظمة ظلت تعتبر الممثل الرسمي لشعب فلسطين ولو من الناحية الشكلية إلا أنها كانت عملياً تمثل النهج التقليدي الرجعي للعمل السياسي، وبالتالي لم تكن تعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني بقدر ما كانت تعبر عن مصالح بعض الحكومات العربية التي رأت في المنظمة ملاذاً للهروب من تنفيذ الالتزامات المترتبة عليها تجاه قضية التحرير( ).

وفي خطاب الأمين العام لحزب البعث الدكتور منيف الرزاز في مهرجان أسبوع نصرة فلسطين عام 1965، شكك الرزاز في جدوى جامعة الدول العربية وموقف دول الجامعة وتقاعس القيادة العربية الموحدة وقيادة منظمة التحرير وقال بأن سوريا لا تريد أن تدفع الجماهير العربية إلى اليأس بل تريد أن تقف إلى جانب كل القوى وتدعمها وتسندها وتضع يدها بيدها، وقال بأن الحزب شكك في الفعالية الحاضرة للقيادة العربية المشتركة. كما في ثورية منظمة التحرير الفلسطينية وجدوى قيادتها، ولكن سوريا الحزب وسوريا الثورة هي الوحيدة التي فتحت أبوابها للمنظمة تجنيداً ودعماً وتنظيماً وعسكرياً ومالياً. ولقد شكك الحزب في وسائل الجامعة العربية ولكن سوريا الحزب والثورة هي التي قادت الروح الثورية السليمة داخل الجامعة.

وأضاف الرزاز في خطابه بأننا في الحزب لا نطلب أن تنتهي القيادة العربية الموحدة، ولا نطلب أن تنتهي منظمة التحرير ولكنا نطلب من عبد الناصر بالذات أن يسمح لها بأن تكون منظمة ثورة، منظمة تحرير لا منظمة تمثيل ( ).

وفي تصريح للأمين العام لمنظمة الصاعقة وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية زهير محسن أثناء جلسات الحوار الديمقراطي وبشأن الموقف السياسي الذي يجب أن تتخذه منظمة التحرير لمواجهة التحولات الجارية على الساحة الفلسطينية في عام 1974، أكد محسن أن تكوين منظمة التحرير الفلسطينية منذ البداية دليل على تبلور قناعة عند الدول العربية بأن هدف التحرير بمعنى إزالة إسرائيل ليس ممكناً من قبل القيادات العربية التي كانت موجودة آنذاك، ولذلك عملت على تشكيل منظمة التحرير في سنة 1964 كبديل عن الالتزام بفكرة التحرير. وقد نجحت المنظمة بعد حرب عام 1967 في أن تكون رمزاً معبراً عن استمرارية الشعب الفلسطيني واستمرارية نضاله في ظل نشوء الالتزام الأكثر وضوحاً من جانب الدول العربية بتحرير الأراضي التي احتلت عام 1967، وتخليها عن الالتزام المعلن على الأقل بتحرير فلسطين بكاملها الذي اعتبر مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق حركة التحرر الفلسطيني نفسها( ).

هناك مبررات دفعت حزب البعث لاتخاذ موقف سلبي من الكيان الفلسطيني في فترة ما وذلك بسبب تخوفه من سيطرت الحكومات العربية على هذا الكيان وإخضاعه لإملاءاتها، الأمر الذي أعطى الحزب زخماً كبيراً في التمسك بشروطه نحو تحقيق الهدف من الكيان الفلسطيني بما يجسد الهوية الوطنية والقومية للشعب العربي في فلسطين، وهو ما قطع الطريق على أعداء الثورة الفلسطينية في حصر الكيان الفلسطيني في إطار التوجهات الإقليمية الضيقة، لذا فإن حصر الثورة في كيان إقليمي قد يوفر للثورة كثيراً من إمكانيات ذلك الكيان ولكن بالمقابل يجعلها تدفع ثمناً باهظاً لذلك( ).

ثالثاً: حزب البعث وانتزاع الاعتراف بمنظمة التحرير كمثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني :

شكل انتقال قوات الثورة الفلسطينية من الأردن إلى سوريا ومن ثم إلى لبنان بعد الصدامات والأحداث الدموية مع النظام الأردني في أيلول 1970 وإرسال قوات من الجيش السوري لإنقاذ المقاومة الفلسطينية المحاصرة واحتضان سوريا لمنظمة التحرير وقواتها ، بداية الدعم المادي والمعنوي للمنظمة والتأكيد على تمثيلها للشعب الفلسطيني( ).

وبدوره قال الدكتور صباح هاشم عضو قيادة منظمة حزب البعث في قطر العراق في ندوة البعث والقضية الفلسطينية " أن سوريا أكدت بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي مواقفها المبدئية والثابتة من الثورة الفلسطينية في كل اللقاءات العربية والدولية، وكان لها في مؤتمر القمة العربي في الرباط عام 1974 الدور الهام والأساسي لانتزاع قرار قمة باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على الرغم من تكتل بعض القوى الرجعية لرفض مثل هذا القرار"( ).

وفي موقف لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، فقد صدر في بغداد في الحادي عشر من آب 1970 بيان مشترك عن محادثات وفد منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد المرعشلي مع وفد حزب البعث برئاسة علي غنام، وقد أكد وفد البعث أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني الذي يقف أمام كل المحاولات التسوية السياسية على حساب شعب فلسطين وقضيته الوطنية( ).

كما واصل حزب البعث في سوريا وفي المناسبات السياسية المختلفة التأكيد على دعمه لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب العربي الفلسطيني، ففي خطاب للرئيس حافظ الأسد الأمين العام للحزب في المؤتمر الرابع للصحفيين العرب في آب 1974، قال :

ينبغي أن نؤكد بأن صاحب الرأي الأول في تقرير حقوق الشعب العربي الفلسطيني هو شعب فلسطين نفسه ممثلا بمنظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفنا جميعا وحرصنا على أن تأخذ دورها في المجالات العربية والدولية، وأحب أن يعلم كل من يرغب في إقرار السلام في هذه المنطقة عليه أن يناقش مسألة الحق الفلسطيني مع منظمة التحرير الفلسطينية ( ).

وفي مؤتمر قمة الرباط 1974 أقرت القمة أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وقد قدم وفد العراق الذي كان يرأسه صدام حسين مذكرة يوضح موقفه وهو (أن العراق يوافق على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على طريق تحرير فلسطين) ويعني هذا القرار الذي خرجت به قمة الرباط تفويض المنظمة بدلاً من الحكومة الأردنية بالتعامل السياسي والقانوني ومن ثم العملي مع قضية فلسطين (وخاصة الضفة الغربية) ( ).

وفي حديث خاص لصدام حسين نائب أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي حول الخطوط الثابتة لسياسة العراق وذلك لجريدة النهار اللبنانية في 22 شباط 1975، قال صدام حسين: لقد التزمنا بوضوح في مؤتمر قمة الرباط بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد على طريق التحرير وأننا لم ولن نتخل عن منظمة التحرير الفلسطينية ونحرص دوماً على أن تكون علاقتنا معها نضالية وأخوية على أساس الوضوح والموضوعية مهما كان هناك اختلاف في وجهات النظر( ).

كما أكد حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق في إحدى بياناته أن القضية الفلسطينية التي بدأت كقضية قومية من حيث الشكل والمضمون تطورت مع مرور الزمن وبمشاركة منظمة التحرير الفلسطينية نفسها لتصبح في الواقع الرسمي العربي قضية فلسطينية من حيث الشكل وقضية قومية من حيث المضمون، وأن الحزب وثورته في العراق هما الطرف العربي الوحيد الذي حافظ على التوازن الدقيق بين التمسك بالقضية الفلسطينية كقضية قومية وبين احترام إرادة ممثلي الشعب الفلسطيني (منظمة التحرير الفلسطينية) وعدم التدخل في شؤونها وقراراتها ودعمها المتواصل بكل ما لدى الحزب وثورته في العراق من قدرات وإمكانات( ).

وقد دخل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية مرحلة جديدة بعد حرب تشرين عام 1973، وحققت المنظمة مكاسب سياسية كبيرة في المجالين العربي والدولي، فاستطاعت أن تجعل العرب والدول الإسلامية جميعا يعترفون بأنها الممثلة الشرعية الوحيدة للشعب الفلسطيني، وأكد حزب البعث في هذا الصدد أنه لم يترك مناسبة أو فرصة إلا وكان يشدد على أهمية دور المنظمة في الدفاع عن الثورة الفلسطينية في سبيل استعادة الحقوق الوطنية والتحرير، وقد ثبت فهمه الدقيق والعميق لهذا الموضوع في مقررات مؤتمرات القومية والقطرية من خلال الدعم المادي والمعنوي لمنظمة التحرير والثورة الفلسطينية( ).

وبالنظر إلى تاريخ العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحزب البعث في سوريا، فإنها ظلت متوترة بينهما، وقد شهدت سنوات طويلة من القطيعة والعداء في عهد الرئيس حافظ الأسد بدءا من التدخل العسكري السوري في لبنان في العام 1976، ووقوفه إلى جانب القوى الانعزالية في مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها في الحركة الوطنية اللبنانية، وما نجم عن ذلك من حصار للمخيمات الفلسطينية في لبنان وخاصة مخيم تل الزعتر، وهو ما نفته سوريا آنذاك معللة تدخلها في لبنان بأنه جاء لفرض حالة من التوازن بين الأطراف اللبنانية والمنظمات الفلسطينية وفرض هيبة الدولة اللبنانية ومنع نشوب الحرب الأهلية.

كما أن حرب لبنان في عام 1982 وحصار إسرائيل لقوات الثورة الفلسطينية في بيروت كان سببا رئيسيا في تصعيد التوتر بين سوريا والمنظمة، حيث إن المنظمة لم تعترف بدور سوريا وتضحياتها العسكرية في حرب لبنان، وأنها تركت الثورة الفلسطينية وحيدة في مواجهة العدوان الإسرائيلي. كما أحدث حصار طرابلس الذي قادته سوريا والفصائل الفلسطينية الموالية لها ضد ياسر عرفات وقواته في العام 1983 شرخا إضافيا في العلاقة بين سوريا والمنظمة الأمر الذي جعل رئيس منظمة التحرير يرفع شعار التمسك بالقرار الفلسطيني المستقل والذي عمليا شكل تهديدا لحضور سوريا العربي والإقليمي، وهو ما اعتبره الحزب في سوريا بداية لانحراف المنظمة عن الخط النضالي الذي كان ينسجم وإستراتيجية الحزب الذي يرفض الحلول السياسية المنفردة، وذلك في إشارة إلى محاولة ياسر عرفات والملك حسين التوصل إلى صيغة مقبولة حول تفويض الأخير لمحادثات السلام المزمع إجراؤها مع الأطراف المعنية.
























المبحث الثاني: أثر أفكار ومنطلقات حزب البعث العربي الاشتراكي على القوى والفصائل الفلسطينية

لقد شكلت الساحة السورية قاعدة رئيسية في انطلاق العمل الفلسطيني المسلح ضد إسرائيل عبر احتضانها المنظمات الفدائية الفلسطينية والتي اتسع نشاطها في أوائل الستينيات، الأمر الذي شكل ورقة رابحة بيد حزب البعث في ممارسة نفوذه على هذه المنظمات مما أدى إلى تبني التنظيمات مواقف الحزب المعارضة لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وطريقة تشكيلها وممارسة الضغوط عليها، حيث قام حزب البعث بزج أعداد من كوادره الحزبية في صفوف هذه التنظيمات بهدف التأثير على توجهاتها ورسم سياساتها قدر استطاعته بما يخدم موقفه من الصراع مع إسرائيل.

بدأت الساحة الفلسطينية تشهد منذ أوائل الستينيات نشاطاً متصاعداً في النقاش السياسي عن خصوصية القضية الفلسطينية وعن الدور الخاص لشعب فلسطين ضمن النضال الوحدوي العربي، ونتج عن هذا المناخ أن شهدت المنطقة ظاهرتين أساسيتين الأولى ظهور عدد من التنظيمات الفلسطينية ذات توجه جماهيري بضرورة قيام عمل فلسطيني خاص وهو ما مثلته "فتح" و "جبهة تحرير فلسطين"، والظاهرة الثانية هي أن الأحزاب القومية التي مثلها حزب البعث العربي الاشتراكي تابعت عملية تنظيم كوادرها الفلسطينية بإقامة تنظيمات فلسطينية داخلها وعلى سبيل تشكيل "فرع العمل الفلسطيني" في حزب البعث العربي الاشتراكي( ).

أولاً: حزب البعث والتحالف مع حركات المقاومة الفلسطينية :

بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964 وانعقاد المؤتمر القومي الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي في نيسان 1965 الذي قدم تصوره للعمل النضالي والكفاح الفلسطيني بما فيه من تعبئة لكل الطاقات الشعبية والفلسطينية وزّج الكوادر الحزبية في التنظيمات الفلسطينية، كانت المشكلة التي تواجه العمل النضالي هي وجود قيادة فلسطينية مقاتلة تستطيع الوقوف في وجه قيادة منظمة التحرير في ذلك الوقت التي سلكت مسلكاً تقليدياً في معالجة قضية فلسطينية بعيدة عن الكفاح المسلح( ).

في هذا الوقت كان حزب البعث قد تحالف مع حركة فتح التي أعلنت الكفاح المسلح في الأول من كانون الثاني 1965، وكان هذا خير رد على مشروع الشقيري. ولكن الحزب لم يجاهر المنظمة العداء ولا واجهها بالقطيعة الكاملة، بل اتخذ موقفاً عبّر عنه رئيس مجلس الرئاسة الفريق أمين الحافظ بما يلي: "نحن نقف بجانب هذه المنظمة لأنها نواة سليمة يجب أن نحافظ عليها ونحميها ونقدم لها كل ما نستطيع وأن نصحح ضمن هذه المنظمة ما يجب تصحيحه". وطالب الحافظ أن تضم المنظمة ما أمكن الفئات الفلسطينية وبخاصة التقدمية والمناضلة لأن قضية فلسطين هي فوق الجميع( ).

وقد رأت القيادة السورية في حركة فتح ضالتها المنشودة، فهي منظمة ثورية وفق ما تطرحه فتح وهو ما ينسجم مع منظور قيادة حزب البعث السورية، فاحتضنتها وفتحت لها مراكز التدريب وزودتها بالسلاح وقدمتها للعالم عبر الإذاعة السورية التي انطلق منها أول بيان للعاصفة مطلع عام 1965( ).

ساهم حزب البعث أيضاً في تأثيره على الفصائل الفلسطينية من خلال العلاقة التي ربطت كوادر الحزب في بداية الستينيات في الجزائر مع قيادات من حركة فتح، حيث تعرف كوادر الحزب آنذاك نور الدين الأتاسي ويوسف زعين وإبراهيم ماخوس الذين عملوا كأطباء متطوعين في جبهة التحرير الوطني الجزائرية إلى ياسر عرفات وخليل الوزير وكان هذا دافعاً لياسر عرفات ليجعل من دمشق قاعدته الرئيسية وتقديم التسهيلات والكوادر العسكرية لحركته من أجل تدريبهم وإعدادهم للمعركة( ).

وأعطت القيادة البعثية الجديدة التي تشكلت بعد حركة شباط 1966 في ظل شعاراتها المتشددة زحماً قوياً لشعار حرب التحرير الشعبية ورأت أن فلسطين لا تتحرر إلا بحرب الشعب طويلة الأمد، فقررت القيادة مواصلة تقديم الدعم للمنظمات الفلسطينية وخصوصاً منها فتح حيث جرى العمل لتعزيز نفوذ حزب البعث داخل المنظمات، بل وخططت هذه القيادة إلى ما هو أبعد من ذلك وهو تعزيز وتطوير نفوذ الحزب داخل فتح بالتدريج إلى أن يتمكن من احتواء المنظمة الفلسطينية والهيمنة على كامل قيادتها كي يصبح حزب البعث قائد القوى الموحدة، وبهذا شهدت فتح إقبالاً على الانتساب إليها من قبل عدد من البعثيين ومن أبرز هؤلاء ضابط فلسطيني في الجيش السوري يدعى يوسف عرابي حقق لنفسه مكانة مرموقة في داخل تنظيم فتح العسكري وقد عد البعثيون نشاط رفيقهم توليفاً محموداً بين عروبته وفلسطينيته( ).

وقد اعتبر هذا الموقف للقيادة الجديدة في حزب البعث في العمل على احتواء حركة فتح هو استكمالاً للدور الذي قام به الفريق أمين الحافظ عندما أيد تكوين جيش فلسطيني وإظهاره حماسة شديدة بذلك أمام الزعماء العرب( ).

رغم التناقض الذي يأخذه حزب البعث على حركة فتح في موضوع دعوتها إلى (فلسطين أولاً)، إلا أن هذه الدعوة وجدت صداها لدى الأعضاء الفلسطينيين في حزب البعث الذين وجدوا أنفسهم خارج الحزب في أيام الوحدة بين مصر وسوريا، وهذا ما دفع بهؤلاء البعثيين أن يمارسوا ضغوطاً على القيادة القومية في سوريا لعمل إطار سياسي خاص بهم، وكان فرع حزب البعث في لبنان من أوائل الذين طالبوا بذلك( ).
وفي هذه الأثناء أقامت حركة فتح قواعد ارتكاز في سورية، سياسية، وعسكرية نتيجة تأييد حزب البعث في سوريا لدعوتها المؤيدة للكفاح المسلح، وبذلك أقامت موطئ قدم لها في دمشق بعد أن اعترض الأردن ولبنان ومصر على وجودها. ووجد البعثيون كذلك ما يجمعهم مع الفتحاويين حول الدعوة إلى تحرير فلسطين بالكفاح المسلح مقابل الداعين إلى حل يستند إلى قرارات الأمم المتحدة والداعين إلى التروي في اللجوء إلى السلاح، ولأن الفتحاويين آنذاك كانوا مناوئين لنظام الرئيس عبد الناصر فقد اتسع الهامش المشترك بينهم وبين البعثيين. وبفضل دعم البعث في سوريا لفتح دون سواها من منظمات ناشئة، صار لهذه المنظمة حضور أكبر من حجمها وحظيت بدعم إعلامي من قبل وسائل الإعلام السورية( ).

وقد حظيت حركة فتح بتقدير وترحيب التنظيم الفلسطيني البعثي وذلك نظراً لتاريخ العلاقة الرفاقية، وهذا ما أكده البعث في ذكرى انطلاقة فتح العاشرة وأن المشاركة الحية في هذه الانطلاقة ليست وليد صدفة بل وليد الإيمان بالكفاح المسلح الشعبي طريقاً للتحرير( ).

إن حزب البعث الذي انفتح بشكل كبير على المنظمات الفلسطينية المتواجدة في سوريا، وقدم لها الدعم المادي والمعنوي، ونسج مع بعضها علاقات تحالفيه قد مكن الحزب من فرض نفوذه على هذه المنظمات وتبني وجهة نظره في الصراع مع إسرائيل، وفي مواجهة الأطراف العربية التي تنافسه قيادة العمل القومي، إلا أن ذلك لم يدم طويلا بحكم انقلاب موازين القوى وتغير التحالفات على الساحة الفلسطينية عبر نضال الثورة الفلسطينية وتواجدها على الساحتين السورية واللبنانية، وأن التفاهم الذي ساد بين حزب البعث في سوريا وبين حركة فتح في بداية انطلاقة الثورة الفلسطينية تحول في أواسط السبعينيات وفي بداية الثمانينيات إلى حالة من التوتر والعداء الشديدين جراء التدخل السوري في لبنان ومحاولة السوريين دعم الانشقاق في صفوف حركة فتح بعد خروج الثورة الفلسطينية من بيروت في العام 1983.

ثانياً: العلاقة بين حزب البعث وحركة القوميين العرب :

لم يكن حزب البعث هو الحزب الوحيد الذي نهض فكره وتطورت رؤيته تجاه القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل خصوصا بعد نكبة عام 1948، بل شاركه في ذلك عدد من الحركات العربية والقومية التي رفعت شعار الرد على الهزيمة التي تتحمل الأنظمة العربية مسؤولية كبيرة في حدوثها. ومن هذه الحركات "حركة القوميين العرب" التي لعبت دورا هاما إلى جانب حزب البعث في تعميق الشعور القومي لدى الجماهير العربية في مقاومة الاستعمار والقضاء على إسرائيل.

لقد أثر حزب البعث في حركة القوميين العرب من خلال امتداده التاريخي في هذه الحركة عبر مشاركة عدد من المناضلين العرب من البعثيين، وممن صاروا قادة في حركة القوميين من المناضلين في حركات سياسية أخرى وذلك في كتائب الفداء العربي التي ظهرت في سوريا ولبنان وفلسطين( ).

وقد تبنت حركة القوميين العرب عند تأسيسها عام 1951 شعار الوحدة والتحرر والثار متأثرة بثلثي نظرية حزب البعث عندما اجتزأت مبدأ الوحدة والحرية وتركت الاشتراكية لأنه لم يكن لديها نظرية قومية مستقلة منذ بدء ظهورها( ).

ويقول د.جورج حبش في كتابه الثوريون لا يموتون أبدا: أنه استجابة لرغبة عدد من رفاقه في حركة القوميين العرب فإنهم قاموا بفتح حوار مع الأحزاب العربية وخصوصا مع البعثيين، وهؤلاء الرفاق كانوا يطرحون تساؤلا: لماذا لا ينضمون إلى حزب البعث، ويضيف حبش بأن موضوع فهم الوحدة العربية كان أساس الخلافات مع البعثيين، ففي الوقت الذي كانت فيه حركة القوميين تعتقد بوجود علاقة بين تحرير فلسطين والوحدة العربية الشاملة، فإن حزب البعث لم يكن يعطي الأولوية لتحرير فلسطين، وهو ما جادل به حبش منظر حزب البعث ميشيل مطولا في لقاءاته معه.

فالتدريب العسكري لم يكن ذا أولوية بالنسبة إلى البعثيين، وأسلوبهم في التحرك يختلف عن القوميين العرب الذين يستعدون للتضحية بأنفسهم على حساب خياراتهم الشخصية وهو ما دفع حسب قول حبش بالكثير من مناصري البعث إلى الالتحاق بصفوف حركة القوميين العرب بعد أن خيبت ظنهم مواقف حزبهم بشان قضية فلسطين( ).

وبالرغم من حالة التنافس بين البعثيين وحركة القوميين العرب إلا أنهما التقيا في مواقفهما المعارضة للأنظمة العربية، وخاصة النظام الأردني الذي اتهمهما بالقيام بمحاولة انقلابية ضد الملك حسين في عام 1957، وأن عدد من البعثيين الأردنيين المنفيين إلى سوريا وعدد من القوميين الفلسطينيين قد شكلوا انطلاقا من دمشق، جبهة وطنية كانت تنوي الانخراط في عمل عسكري ضد النظام الأردني( ).

لذا فإنه وبعد تأسيس حركة القوميين العرب وباعتبارها كانت حليفا طبيعيا لحزب البعث، وكانت بينهما علاقات تقارب وصلات عميقة جمعتهم بها جمعية العروة الوثقى، فقد جرت بينها وبين حزب البعث محاولات لتوحيدهما، ولكن بسبب شروط وشعارات القوميين العرب الخاصة بالكفاح المسلح لم يتم الاتحاد، وفي عام 1958 جرى تقارب كبير بينهما لإيمانهما بأهمية الوحدة السورية – المصرية، وبعد عام على قيام الوحدة صدر بيان مشترك في شهر شباط 1959 باسم "الكتلة القومية الاشتراكية" يؤكد على أهمية الوحدة بين البلدين ويدعو إلى انضمام الأردن إليها( ).

فقد احتلت قضية الوحدة السورية - المصرية مكانا مهما في علاقة حزب البعث بالقوميين العرب، ففي الوقت الذي أيدت فيه حركة القوميين العرب الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 باعتبارها أساسا للتحرير الشامل للأراضي العربية من أيدي المحتل الإسرائيلي ، إلا أن الحركة أدانت أيضا موقف البعث من الانفصال وحملته المسؤولية في ذلك باعتباره يشكل انتكاسة للقضية العربية وخيبة أمل للفلسطينيين، وهو ما أدى إلى اعتقال زعيم الحركة جورج حبش في سوريا لمدة شهرين بسبب تأييده للوحدة ومعاداته للانفصال، كما أكد أن ثورة حزب البعث في سوريا في الثامن من آذار 1963 وتسلمه السلطة خلقت جوا من التفاهم بين البعثيين والقوميين لم يدم طويلا بالرغم من تشكيلهما الجبهة القومية، ومشاركة القوميين العرب في حكومة حزب البعث وتوليهم حقائب وزارية.

وبعد تسلم أمين الحافظ رئاسة الجمهورية بصفته البعثية في 27تموز1963 استمر الحافظ في معاداته للوحدة مع مصر الأمر الذي قاده لشن حملة اعتقالات بحق القوميين العرب الذين استمروا في تأييدهم للوحدة بالرغم من الآمال التي علقها هؤلاء على الحكم في سوريا والانقلاب البعثي الذي حدث في العراق من كانون الثاني 1963( ).

إن العلاقة بين حزب البعث والقوميين العرب قد تأثرت في مواقف الطرفين من القضايا الجوهرية، ومن ضمنها موضوع الكفاح المسلح والوحدة السورية المصرية. فالقوميون العرب من اللحظة الأولى للنكبة شكلوا وحدات فدائية ضد إسرائيل عرف منهم الطلائع (شباب الثار)، وكان همهم الأول تحرير فلسطين ورد الاعتبار للعرب بعد الهزيمة، أما البعثيون فلم يهتموا بحمل السلاح وتبني الكفاح المسلح لتحرير فلسطين كأولوية، وكان همهم الأول تحقيق الوحدة العربية.

ففي مباحثات الوحدة مع مصر تبنى حزب البعث في سوريا في عام 1962 الوحدة والحرية الاشتراكية كأساس لتحرير فلسطين، بينما أصر الناصريون على أنه من المستحيل تحقيق الوحدة العربية بغياب التحرر، فطرحوا التحرر أولا والوحدة ثانيا، وبقي الانفصال على حاله.
وبالرغم من حضور البعثيين الكبير في تلك الفترة على صعيد التوجه القومي العربي ومنافسة القوميين العرب لهم ومحاولة التقليل من شأن أطروحاتهم، إلا أن البعثيين يعترفون بدور القوميين العرب وتاريخهم الكفاحي وحماسهم نحو العمل المسلح وحلم الوحدة العربية.

ثالثاً: موقف حزب البعث من الفصائل الفلسطينية اليسارية :

انطلق حزب البعث في علاقاته مع الفصائل الفلسطينية اليسارية وفقا لرؤيته من الصراع مع إسرائيل والاستراتيجية التي يتبناها الحزب في سبيل حل القضية الفلسطينية. فكان موقع سوريا الاستراتيجي بالنسبة لإسرائيل هو إحدى العوامل التي جعلت هذه المنظمات تتواجد على الأراضي السورية لتكون منطلقا للعمل الفدائي ضد إسرائيل، الأمر الذي دفع بالحزب لأن يمارس نفوذا على هذه المنظمات وربما يتحكم في حركة نشاطها داخل سوريا.

كما شكلت هزيمة حزيران عام 1967 دافعا قويا لظهور فصائل فلسطينية ذات أصول قومية فرضت نفسها على الساحة الفلسطينية بحكم تجربتها التاريخية، فكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة جورج حبش والتي انطلقت في 11 كانون الثاني عام 1967 أحد أهم هذه الفصائل التي حاول الحزب أن يقيد حركة فدائييها من العمل من داخل الأراضي السورية باتجاه إسرائيل نتيجة للتهديدات الإسرائيلية بالقيام بتحرك عسكري ضد سوريا، كما حدث ذلك عندما فتح الإسرائيليون نيرانهم على القوات السورية قرب القنيطرة أوائل عام 1968، وهو ما قاد إلى أزمة بين حزب البعث والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد أن اعتقلت سوريا الأمين العام للجبهة جورج حبش( ).

ومن جهة أخرى يقول د.جورج حبش في كتابه"الثوريون لا يموتون أبدا" أن الجبهة الشعبية بعد انطلاقها وفي إطار تحقيق أهدافها فكرت بتوسيع دائرة النضال المسلح انطلاقا من الجبهة السورية في هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وذلك بحكم وجود رفاق لهم في سوريا وفي الجولان المحتل الذين كانوا على علم بطبيعة جغرافيا المنطقة، ولكن ذلك لم يكن ليتحقق حسب قول حبش بل أودعه السوريون في السجن بحجة مؤامرة لقلب نظام الحكم، وأن السبب الحقيقي وراء اعتقاله كان يتمثل في تصميمه على النضال ضد إسرائيل في جميع الجبهات( ).

كما أن حالة الانقسام الداخلي التي عصفت بالجبهة الشعبية في العام 1969 وخروج نايف حواتمه منها ليؤسس فصيلا آخر هو الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين قد ألقى بإصبع الاتهام على حزب البعث والصاعقة، وكذلك حركة فتح في الوقوف وراء الانشقاق الذي حصل( ).

وفي حديث الرئيس السوري حافظ الأسد مع صحيفة الأنوار في 10 آب 1972 حول شكوى المقاومة الفلسطينية بأن سوريا لا تسمح لها بالتحرك من أراضيها، قال الأسد: كانت سوريا تشكو من أن المنظمات الفلسطينية لا تمارس نشاطا كافيا من خلال الجبهة السورية( ).

وكان د.جورج حبش قد صرح أيضا في مهرجان خطابي في طرابلس في عام 1975 أنه إذا كانت القيادة السورية والقيادة الفلسطينية تريدان من الجماهير أن تقف ورائهما فعليهما إحباط مخططات التسوية الجزئية المطروحة في الجولان وفلسطين ضمن ما عرف بخطة كيسنجر، وقد جاء هذا الموقف لحبش بحكم مشاركته في جبهة الرفض الفلسطينية للحلول الاستسلامية( ).

يمكن اعتبار التوتر الذي ساد العلاقة أحيانا بين سوريا وحزب البعث من جهة والفصائل اليسارية ممثلة بالجبهة الشعبية من جهة أخرى، أنها تأتي في سياق الظروف التي واجهت سوريا من ناحية التهديد الإسرائيلي الذي يفرض بذلك قيودا على حركة الفصائل وانطلاقها المسلح نحو إسرائيل، والأمر الآخر أن حزب البعث لربما نظر إلى الوجود الفلسطيني المسلح على أرضه أنه يمثل تهديدا لحالة الاستقرار الداخلي في سوريا.

وبالعودة إلى علاقة حزب البعث بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها من الفصائل اليسارية، فإن الحزب كان دائما يحاول استمالة هذه الفصائل لصالحه من باب تعزيز حضوره الإقليمي والعربي.

ففي مواجهة زيارة الرئيس السادات لإسرائيل وتوقيعه على اتفاقيات كامب ديفيد في العام 1978، حصل تفاهم سوري- فلسطيني، وكانت الجبهة الشعبية إحدى عناصر هذا التفاهم بموافقتها على الانضمام إلى جبهة الصمود والتصدي بهدف حماية منظمة التحرير من التهديدات الإسرائيلية وتعزيز دور سوريا القومي في إسقاط المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية.

وقد اعتبر جورج حبش في ذلك الوقت أن لقاءه بالرئيس الأسد عام 1978 على هامش اجتماعات جبهة الصمود والتصدي في سوريا قد ولد لديه قناعة بان الرئيس الأسد مصمم على الوحدة العربية وأنه يشكل ضمانة عربية وفلسطينية في الحفاظ على الثوابت الفلسطينية من قضية الصراع مع إسرائيل.

كما رفضت الجبهة الشعبية الرضوخ لمطالب العراق بالطلب من سوريا اتخاذ موقف متطرف من تشكيل جبهة الصمود والتصدي، الأمر الذي اعتبره العرب والفلسطينيون غير واقعي، حيث أظهر الرئيس الأسد مرونة وتفهما لتشكيل جبهة موسعة تقف في وجه المشروع في المنطقة( ).

رابعاً: المؤتمر التحضيري للتنظيم الفلسطيني الموحد وتأسيس منظمات حزب البعث:

لقد أسهم اهتمام البعث المتزايد بتقديم أولوية شعار تحرير فلسطين على شعار تحقيق الوحدة العربية أولا إلى الاهتمام ببناء التنظيم الفلسطيني على غيره من الاهتمامات الأخرى، وكانت بداية هذا التوجه قد اتخذت في المؤتمر القومي الخامس الذي عقد في بيروت عام 1962( ).

إن التيار القطري في حزب البعث هو الذي أدى إلى خروج البعثيين من الحركات الفلسطينية ومنها حركة فتح، بسبب عدم إدراك العلاقة بين الوحدة وتحرير فلسطين، وأن فلسطين طريق الوحدة والوحدة طريق فلسطين، واعتبروا أن أي فصل بين هذه الشعارات إنما يسيء إليهما، مع أنهم (البعثيون) أكدوا على إبراز الشخصية الفلسطينية بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى "التقوقع القطري" والانغلاق والابتعاد عن القضية العربية( ).

وبعد انعقاد المؤتمر القومي التاسع الاستثنائي لحزب البعث في أيلول 1967 أجرت القيادة القومية اتصالات مع منظمات الحزب في الأردن والضفة الغربية المحتلة ومنظمة الحزب في قطاع غزة وشعبة فلسطين في دمشق لتنفيذ مقررات الحزب القومية بشأن تشكيل قيادة فلسطينية، تتولى قيادة العمل السياسي والكفاحي والتنظيمي وتطبق إستراتيجيته في المرحلة التي أعقبت حرب 1967( ).

وتقرر على ضوء هذه الاتصالات عقد مؤتمر تحضيري فلسطيني في شباط 1968 يضم مختلف التنظيمات الحزبية الفلسطينية والأردنية لمناقشة الوضع السياسي والكفاحي للقضية الفلسطينية، وقد قدّم إلى المؤتمر تقرير سياسي وآخر تنظيمي وثالث عن العمل الفدائي حدد أسس ممارسة الكفاح المسلح وسبل نجاحه وعرض الخطوات العملية الواجب اتخاذها لتوحيد المنظمات الفلسطينية وترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية، وكان من نتائج ذلك عقد مؤتمر للمنظمات الفدائية في القاهرة بتاريخ 9 آب 1968 بحضور ثماني منظمات فدائية( ).

وقد انبثق عن المؤتمر التحضيري للتنظيم الفلسطيني الموحد قيادة قطرية أصدرت بياناً أكدت فيه أن قيام التنظيم الموحد جاء انطلاقاً من مقررات المؤتمر القومي التاسع لحزب البعث وأن هذه الخطوة جزء من إستراتيجية الحزب العامة وأن القيادة القطرية ستأخذ بعين الاعتبار:

1- أن قضية فلسطين هي القضية القومية الأولى التي تتطلب استيعاب جميع الطاقات العربية في هذه المرحلة.
2- إن مسيرة حرب التحرير الشعبية التي ينادي بها الحزب والتي لم تكن أبداً مجرد شعار تكتيكي عارض تفرض بالضرورة أن تكون الجماهير العربية الفلسطينية هي طليعة قوى التحرير، مما يجعل المعركة هي أولاً وقبل كل شيء حرب تحرير شعبية فلسطينية.

إن فلسطين كلها والضفة الشرقية (الأردن) قد أصبحت ساحة معركة واحدة هي معركة التحرير الشعبية الفلسطينية( ).
لقد أسهم الانشقاق الأفقي العمودي في صفوف حزب البعث أواخر العام 1966 في تبلور التنظيم الفلسطيني لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا بصيغته الراهنة والعملية وذلك عندما أصدرت القيادة القومية للحزب بعيد المؤتمر السادس قرارها بإنشاء إطار حزبي مستقل للقطر الفلسطيني والأردني معا، وسميت قيادة التنظيم في سوريا بشعبة فلسطين للحزب تحت قيادة العديد من الأسماء الفلسطينية البعثية ومنهم : محمد خليفة، لطف غنوس، إميل صبيح، زهير محسن، يوسف البرجي ومعهم قيادات الحزب في الأردن والضفة الغربية ضافي الجمعاني، هاجم الهنداوي، محمود المعايطة وعدد من الأفراد في قطاع غزة( ).

خامساً: منظمات حزب البعث ودورها في الكفاح المسلح:

تعتبر حركة 23 شباط 1966 محطة هامة في حياة حزب البعث لأنها أظهرت الخلافات العقائدية في صفوف تنظيمات الحزب الداخلية وتياراته المتصارعة، وهو ما انعكس سلباً على دور الحزب القومي، وخصوصاً لدى تنظيماته على الساحة الفلسطينية التي تبنت مبادئ البعث وأيديولوجيته.

لقد تميزت الفترة من 1963 حتى 1966 بوجود صراعات داخل الحزب في ما كان يعرف "بالعقلية اليمينية" التي كان يوجه إليها إصبع الاتهام بأن همها استمرار وصايتها عليه، وبالتالي فرض مواقفها الفكرية والسياسية والتنظيمية، والتي أخذ عليها أيضا أنها انقضّت على مقررات المؤتمر القومي السادس ومحاولات تجميدها، وكذلك تعطيل دور الحزب في تطوير علاقاته مع القوى الوطنية والتقدمية العربية. وبين أولئك الذين يسمون أنفسهم بأنهم قواعد الحزب المتطلعة إلى تطوير الحزب، وتخليصه من الكوابح التي تقيد حركته كتنظيم ثوري والانطلاق في علاقة الحزب العملية والنظرية وتطويرها مع القوى الوطنية والتقدمية، وهو ما أطلق عليه بأصحاب التيار الماركسي( ).

وأظهر المؤتمر القومي السادس المنعقد في دمشق عام 1963 التكتلات التي عملت بصمت منذ سنوات، حيث حقق التيار الماركسي نجاحا في تثبيت منطلقاته النظرية وتحول حزب البعث إلى حزب شبه ماركسي، وظهرت في هذا المؤتمر مقولات "يمين بعثي" و"يسار بعثي"، وسقطت هيبة القيادة القومية التاريخية. وقد ألغى المؤتمر دستور الحزب ولم يعد يؤمن بميشيل عفلق كملهم وقائد، ومع أن القطريين السوريين كانوا راغبين في إضعاف عفلق إلا أن العسكريين منهم كانوا يشعرون أن الثكنات العسكرية هي المكان التي تحسم فيه المعارك( ).

كما كشف انقلاب حركة 23 شباط الذي قادته مجموعة العسكريين بقيادة اللواء صلاح جديد ضد أعضاء القيادة القومية في دمشق واعتقال أعضائها، عن ضعف البنى والخيوط التنظيمية ومراتبها، والولاء للقيادة القومية وللجناح المدني من البعث، وأظهر هشاشة الانضباط الحزبي، وكان مقدمة لفرض قوة العسكريين وتصارعهم المستمر للسيطرة على الحزب والدولة. ومنذ ذلك التاريخ انقسمت قيادة البعث رأسيا وأفقيا، وتكونت قيادتان قوميتان، وتبلور جناحان متخاصمان في سوريا والعراق وسائر الأقطار العربية التي يتواجد فيها حزب البعث، أحدهما يدعم تيار القيادة القومية برئاسة ميشيل عفلق، وآخر يؤيد حركة شباط وقادتها( ).

كما يأتي تأسيس منظمات البعث الفلسطينية في إطار الاستراتيجية التي أقرها الحزب باعتماد الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية كخيار رئيسي في تحرير فلسطين، كما أن ازدياد عدد المنظمات الفدائية الفلسطينية وتنامي قدرتها العسكرية في فترة الستينيات، وعدم قدرة الحزب فرض سيطرته على حركتها والتحكم بسياساتها، إضافة إلى الضربة القوية التي تلقاها الحزب بعد هزيمة حزيران 1967، وفقدان الشارع العربي الثقة بالتيارات والأحزاب القومية العربية الحاكمة في سوريا ومصر، قد ساهم في إسراع الحزب في الإعلان عن تأسيس منظمات البعث المسلحة لتكون أذرعا عسكرية له، ولتتبنى أيديولوجيته، وتشكل امتدادا له على الساحة الفلسطينية.


أ- منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة)

تأسست منظمة الطلائع ( الصاعقة ) أثناء حرب حزيران 1967 كفصيل فدائي مسلح تابع للتنظيم الفلسطيني لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا تجسيداً لمقررات المؤتمر القومي التاسع لحزب البعث المنعقد في أيلول 1966 ودعوته لحرب التحرير الشعبية في الصراع مع إسرائيل، وفي المؤتمر التأسيسي في أيار 1968 عندما حضرت فروع حزب البعث الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا والكويت المؤتمر التحضيري الذي انبثقت عنه هذه المنظمة التي تعتنق مبادئ البعث العربي الاشتراكي( ).

وقد بدأت الخطوات الأولى في تشكيل هذه المنظمة عندما كلفت القيادة القومية لحزب البعث شعبة فلسطين للحزب في دمشق باختيار عدد من الرفاق الحزبين والمواطنين الفلسطينيين والعرب لتدريبهم عسكرياً وذلك في النصف الأول من عام 1967 حيث نفذت مجموعاتهم أولى عملياتها في 8 حزيران1967 تحت اسم "قوات الصاعقة"( ).

ويعود سبب تسمية هذه المنظمة باسم طلائع حرب التحرير الشعبية "قوات الصاعقة" لأن حزب البعث في دعوته الأولى إلى حرب التحرير الشعبية استهدف أن يتولى محاربوها تحرير كل جزء من بلاد العرب تحتله قوى أجنبية وليس فلسطين وحدها، ولهذا وصفت المنظمة التي ستعمل على تحرير فلسطين بأنها طلائع هذه الحرب للإيحاء بأن البقية ستتبع، وميزت باسم الصاعقة إتباعاً لتقاليد الغوريلا التي سماها كتاب متحذلقون حرب الغوار وهذه التقاليد توجب بأن يتسمى ثوار التحرير ومنظماتهم بأسماء ترهب أعداءهم وهو ما أطلقته فتح على جناحها العسكري "قوات العاصفة"( ).

كما انضمت منظمتان فدائيتان إلى الصاعقة هما: جبهة التحرير الشعبية وقوات الجليل الشعبية وذلك أثناء انعقاد مؤتمر القاهرة للفصائل الفلسطينية في آب 1968، ليصبح هذا التنظيم العمود الفقري لمنظمة طلائع حزب البعث، حيث تم وضع نظامه الداخلي واستراتيجيته للعمل السياسي والكفاح المسلح وتم تأسيس قواعد عسكرية لقوات الصاعقة في الأردن مما أتاح لها زيادة في حجمها لا سيما إثر عملياتها العسكرية لتغدو التنظيم الفلسطيني المسلح الثاني بعد "فتح" في تلك الفترة( ).

وقد أصبح الأمين القطري للتنظيم الفلسطيني هو القائد السياسي والعسكري العام لهذه المنظمة داخل الأرض المحتلة وخارجها، وبذلك تأسست لها فروع في كل من سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة وفي عدد من أقطار الوطن العربي والعالم، ودخلت مع منظمة فتح في المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الرابعة وفي اللجنة التنفيذية لهذه الدورة( ).

واعتبرت منظمة الصاعقة ذراعا تنفيذيا لحزب البعث الحاكم في سوريا، وفي هذه الخطوة أراد الحزب أن يقلد حركة فتح في تأسيسه "جناح العاصفة"، وقامت سوريا بدعم المنظمة ماليا وعسكريا دون اللجوء لجمع التبرعات المالية من جهات أخرى، واختير لها عدد من ضباط الجيش السوري، وقد حظيت باهتمام سوري بالغ من قبل الجناح المدني في حزب البعث بزعامة صلاح جديد، وتدخلت في الأحداث الداخلية لسوريا، وفي عام 1969 اعترفت بها باقي المنظمات الفلسطينية كمنظمة سريعة التطور، وبعد الحركة التصحيحية التي قام بها الرئيس حافظ الأسد في 16 تشرين/ أكتوبر 1970 استبدل العديد من قادتها بقادة مؤيدين للرئيس الأسد، ووضعت تحت إشراف ضباط من الجيش السوري( ).

وقد حقق نشوء الصاعقة العديد من احتياجات حزب البعث في سوريا، فالحزب كان بحاجة إلى مقاومة نشطة تضع حدا للاتهامات الموجهة إلى النظام في دمشق بعد حرب حزيران 1967، وتمتص النقمة الشعبية التي تجلت بالاضطرابات الطلابية والعمالية في مصر سنة 1968، ومكن مولد المنظمة الجديدة قيادة الحزب السياسية من تحويل اهتمام الشبيبة عن الشؤون الداخلية إلى الشؤون الخارجية( ).

1- أهداف وإستراتيجية منظمة الصاعقة:

1- اعتماد الكفاح المسلح وحرب الشعب ولهذا وجدت أنه من خلال وحدة وطنية جبهوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني يمكن تحقيق ذلك، وهذا ما يفرضه مبادئ منظمة الصاعقة (الطلائع) واستراتيجيتها الملتزمة بمبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي.
2- مواصلة النضال المسلح إلى جانب إتباع مختلف أشكال النضال من أجل تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة واستعادة حقوق الشعب العربي في فلسطين كاملة بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير، وأن الصراع العربي الصهيوني صراع حضاري يستهدف الوجود العربي نفسه وأنه لا يمكن إنهاء هذا الصراع إلا بإزالة الكيان الصهيوني نفسه.
3- وترى الصاعقة بأن إستراتيجية المنظمة في البرنامج السياسي المرحلي تتفق مع إستراتيجية حزب البعث المرحلية لتصب في النهاية في خدمة الإستراتيجية الأساسية وأن أي تحرك سياسي ناجح يجب أن يأتي نتيجة عمل عسكري ناجح.
4- تعتبر الصاعقة قضية فلسطين هي جوهر الصراع العربي- الصهيوني ويجب أن تكون قضية العرب المركزية في مواجهة هذا الصراع. لذا فإنها تولي العمل الجماهيري الفلسطيني والعربي أهمية كبيرة في معركة التحرير إلى جانب الثورة الفلسطينية( ).

2- موقف منظمة الصاعقة من الحلول السياسية :

رفضت منظمة الصاعقة في بيان صدر عن مجلسها المركزي في 20 شباط 1975 الحلول السياسية المطروحة التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وعقد اتفاقيات جزئية كحل للنزاع في الشرق الأوسط وحذرت من أية خطوة جزئية تتحقق على حساب العمل للانسحاب الشامل، أو على حساب قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. كما دعت المنظمة إلى تحقيق الوحدة الوطنية لقوى الثورة الفلسطينية لتتمكن من التصدي لمحاولات تمرير الخطوات والتسويات الجزئية( ).

3- دور منظمة الصاعقة في إقرار صيغة الجبهة المتماسكة للعمل الوطني :

عملت طلائع قوات حرب التحرير الشعبية " قوات الصاعقة" بخطين متوازيين في إقرار صيغة " الجبهة المتماسكة"* ، يقوم الأول على مستوى منظمة التحرير الفلسطينية وسائر مؤسساتها بما في ذلك قيادة الكفاح المسلح كمستوى يحقق الحد الأدنى من التحالف والتنسيق بين معظم فصائل حركة المقاومة، بينما يقوم الثاني على مستوى بناء علاقات أكثر تقدما مع بعض فصائل المقاومة التي تتوفر فيها أرضية مشتركة للقاء.

وقد اقترحت الصاعقة صيغة لتحقيق شكل متطور للعمل الفلسطيني الموحد تكمن في لقاء جبهوي، ضمن برنامج قادر على دفع الحركة الوطنية بأسرها إلى الأمام وذلك ضمن الأسس التالية:

أولا : حتمية التحرير الكامل للتراب الفلسطيني عن طريق الكفاح المسلح .
ثانيا : توحيد الأداة المقاتلة بما في ذلك توحيد برامج التدريب والتسليح وبناء القوات المشتركة.
ثالثا : نشر تنظيمات الميليشيا الشعبية في الأقطار المحيطة بفلسطين.
رابعا : وضع خطة لحماية الحركة الوطنية من أخطار التآمر الداخلي والخارجي.
خامسا : المشاركة في بناء جبهات شعبية عربية مساندة للكفاح المسلح تأكيدا للترابط العضوي بين حركة التحرير الوطني الفلسطينية والحركة العربية التحررية.
سادسا : رفض كافة أشكال الحلول الاستسلامية والتصفوية( ).

4- دور منظمة الصاعقة العسكري:

عبر موقف قوات الصاعقة من الكفاح المسلح ضمنياً وعملياً عن ثلاثة عناصر مطروحة في الساحة الفلسطينية والعربية :

تمثل أولها: بمواصلة نمط العمل الفدائي الشائع المتمثل بحرب العصابات ودور رأس الحربة.
وثانيها: أن الصاعقة اقتنعت أيضاً بمقولات الحزب الشعبية التي كان يطرحها حزب البعث منذ أواسط الستينات وهو الوصول إلى مرحلة التكامل مع جهود الجيوش العربية والشعبية.
وثالثها: الاقتناع بضرورة الالتقاء تخطيطاً وعملياً ووظيفياً بالعمق العربي المؤسسي والشعبي والعسكري وتعزز ذلك خلال السبعينيات من خلال تنفيذ المهام الاستطلاعية لصالح الجيش السوري عام 1972 وبمشاركة قوات الصاعقة في حرب 1973( ).

في الجانب الفدائي العسكري لابد من القول بأن حجم الفعاليات الفدائية منذ عام 1968 وإلى العام 1973 تركز ثقلها على كاهل حركة فتح والصاعقة والجبهة الشعبية، ثم قوات التحرير الشعبية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني.

وحسب السيد زهير محسن الذي كان يتزعم منظمة الصاعقة حتى استشهاده فان هذه المنظمة قدمت حتى 8 حزيران1977 ألف شهيد ونفذت سبعمائة وخمسة وثمانين عملية عسكرية فدائية انطلاقاً من الأغوار والجولان وجنوب لبنان، خاصة وأن الصاعقة كانت قد بدأت منذ تأسيسها في الانتشار العسكري على طول غور الأردن وهضبة الجولان، عدا عن كونها كانت أول تنظيم فلسطيني وقبل غيرها أقام القواعد العسكرية الفدائية في جنوب لبنان تحت الغطاء والدعم السوري. فقاتلت في قطاعات متعددة في لبنان بين أعوام 1969-1973 وخصوصاً قطاع العرقوب وقدمت الشهداء أمثال أمين سعد وغيره وكذلك شاركت في معارك الأغوار على امتداد الحدود الفلسطينية الأردنية وفقدت خيرة الضباط الذين تم فرزهم من الجيش العربي السوري، إضافة إلى مشاركتها في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 وخصوصاً في اليوم التاسع منه إلى جانب القوات السورية الخاصة في إنزال بالحوامات فوق مواقع العدو الصهيوني وسط هضبة الجولان بعناية اللواء الطيار عدنان خضر حيث استشهد في هذه العملية 38 فدائياً من الصاعقة وعلى رأسهم الشهيد النقيب سليمان طراف قائد عملية الإنزال ووقع تسعة منهم أسرى بيد الجيش الإسرائيلي( ).

كما نفذت المنظمة عمليات خارجية استهدفت ضرب المواقع والمؤسسات الإسرائيلية في أوروبا والعالم الخارجي، وكان أبرز هذه العمليات "عملية شناو"* التي قصدت تعطيل الهجرة الصهيونية إلى فلسطين( ).

5- قيادات الصاعقة:
تناوب على قيادة منظمة الصاعقة عضو القيادة القومية لحزب البعث (اللواء ضافي الجمعاني)، ثم عضوا القيادة القطرية (الفلسطينية الأردنية) (يوسف البرجي وهاجم الهنداوي) ثم محمود المعايطة عضو القيادة القومية للحزب، ثم زهير محسن ثم عصام القاضي عضو القيادة القومية، وحل مكان عصام القاضي بعد وفاته في تموز 2006 محمد خليفة كأمين عام للصاعقة فيما تولى فرحان أبو الهيجاء قيادة التنظيم الفلسطيني لحزب البعث العربي الاشتراكي( ).

ب- جبهة التحرير العربية:

1- ظروف تأسيس جبهة التحرير العربية:

ما إن تولى حزب البعث العربي الاشتراكي الحكم في بغداد من جديد، صيف عام 1968 بانقلاب عسكري، حتى توافر نظام حكم عربي يمكن أن يحتضن فصيلاً فدائياً يتصدره الفرع الفلسطيني للبعث في موازاة ذلك الفصيل الذي أفرزه الفرع الفلسطيني للبعث الذي يتخذ من دمشق مقراً له، وحمل فصيله اسم "طلائع حرب التحرير الشعبية" المعروفة باسم الصاعقة( ).
أثناء انعقاد المؤتمر القومي التاسع لحزب البعث في بيروت في شباط 1968، تم الإعلان عن ضرورة إنشاء منظمة فدائية تحمل اسم "جبهة التحرير العربية" وذلك لترجمة مواقف الحزب وإستراتيجيته تجاه القضية الفلسطينية. وقد قرب استلام البعثيين لسدة الحكم في العراق في تموز 1968 الإعلان عن ولادة الجبهة حيث تم ذلك في 30 كانون الأول عام 1968 كجبهة فدائية فلسطينية تتبنى الكفاح المسلح أسلوباً في الكفاح والنضال والأيديولوجية القومية الاشتراكية فكراً ومنهجاً حيث نفذت أولى عملياتها في 7 نيسان 1969( ).

فقد ولّدت حالة التنافس بين جناحي البعث في سوريا والعراق الدوافع الإضافية لتأسيس هذا التنظيم الفدائي الفلسطيني وهي تلتزم بتيار القيادة القومية لحزب البعث في بغداد وأعلن عن قيامها رسميا في آب 1969 عند تخريج دفعة من (300) مقاتل من أعضائها بعد أن خضعوا لتدريبات مكثفة على يد الجيش العراقي( ).

وقد نفى حزب البعث في بغداد أن تكون جبهة التحرير العربية تابعة للحزب، أو ذراعا عسكريا له، وإن تطلع الحزب إلى أن يولد فكره وتنظيمه من جديد في الجبهة( ).

2- الخط الفكري والأهداف النضالية لجبهة التحرير العربية:

اعتبرت جبهة التحرير العربية أنها منظمة فدائية ذات طابع جبهوي وتركيب قومي وفكر ثوري، ومع أنها جاءت بقرار بعثي عربي إلا أنها لم تعتبر تابعة لحزب البعث أو امتداداً مسلحاً له داخل الثورة الفلسطينية، ومع أنها اتخذت من بغداد مقراً رئيسياً لها ولقواعدها واستخدمت معسكرات التدريب العراقية منذ تأسيسها، إلا أنها شكلت قواعد كبيرة لها في لبنان منذ بداية السبعينيات.

كما عبرت الجبهة عن تركيبتها القومية بالتأكيد على أن التركيب القومي هو وحده الذي يضمن اشتراك الجماهير العربية في المعركة ويؤكد وحدة النضال العربي على أرض فلسطين، من هنا كانت صفوف الجبهة تضم مقاتلين عرب من كافة الأقطار العربية باعتبارها تنظيماً قومياً، أما فكرها الثوري فهو فكر الحركة العربية الثورية الذي بدأ بالتحرك في الأربعينيات، فيما عبر البيان السياسي الأول للجبهة على أن توجه العرب نحو فلسطين هو السبيل لصنع الوحدة، وبقدر ما تعيد الوحدة إلى فلسطين حريتها بقدر ما تعيد فلسطين إلى العرب وحدتهم( ).

كما اعتبر تأسيس جبهة التحرير العربية أنها تحمل طابع تعريب القضية الفلسطينية، أي تشكيل جبهة تضم المناضلين من مختلف الأقطار العربية، وتضم الفصائل العربية التي تعمل لتحرير فلسطين، وأن إنشاءها قد لاقى ترحيبا في العالم العربي باعتبارها نعمة لحركة المقاومة، والمحاولة الجدية الأولى لتعريب القضية الفلسطينية، ويؤكد اسم الجبهة الطبعة العربية الأولى بدلا من الطبعة الفلسطينية لحرب التحرير( ).

وتؤكد نشرات التنظيم الفلسطيني لحزب البعث في العراق أن جبهة التحرير العربية في فترة الصراع مع إسرائيل ومحاربة وجودها على أرض فلسطين، إن الجبهة هي المنظمة الحقيقية التي يتجدد الحزب من خلالها، وإذا ما تجدد الحزب على ساحة فلسطين تتجدد ينابيع الثورة العربية ويصبح الحزبيون الجبهويون في قيادة الجبهة هم قيادة الحزب لكي تتم الولادة الجديدة للحزب على الساحة الفلسطينية من خلال الجبهة ومن خلال ممارسة الكفاح المسلح( ).

3- الكفاح المسلح في فكر جبهة التحرير العربية :

اعتقدت الجبهة أن ولادتها سدت نقصا قوميا في العمل الفدائي الفلسطيني من خلال العمل على تعزيز تلاحم قوى المقاومة بالقوى الشعبية العربية، وتعميق النهج القومي لحركة المقاومة الفلسطينية( ).

وقد استندت الجبهة في دعوتها إلى الكفاح الشعبي المسلح لاعتبارات متعددة وهي:

أولاً: الكفاح الشعبي هو الأسلوب الوحيد القادر على الاستفادة من التفوق العددي عند العرب لوضعه أمام التفوق التكنولوجي عند العدو.
ثانياً: هو الأسلوب الوحيد القادر على خلق الأجواء الثورية والمناخ الجدي الملائم لتفجير طاقات أبناء الشعب العربي أمام التحدي الكبير المفروض عليهم.
ثالثاً: هو الأسلوب الوحيد القادر على أن يعيد القضية إلى الشعب وأن يبعدها عن الوصاية التي فرضتها عليها الأنظمة العربية طيلة السنوات السابقة.
رابعاً: هو المعيار الوحيد لكشف جدية الحركات والأنظمة والأفراد، فأمام التضحيات الكبيرة التي يتطلبها هذا الكفاح المسلح لن يصمد إلا المناضلون الحقيقيون.
خامساً: وهو الطريق الوحيد المؤهل لأن يخلق في الأمة مناخاً ثورياً حقيقياً يسقط كل الطبقات والمؤسسات العاجزة عن مواجهة حركة التغيير التي تفرضها ضرورات المواجهة( ).

وقد أكدت جبهة التحرير العربية في بيانها السياسي الذي جاء بمناسبة تأسيسها الصادر في 31/ آب 1969 على ما يلي:

1- نبذ أجواء التنابذ والعنف والتعصب الفئوي، وهو الجو الملائم للعمل الفدائي والصمود في وجه الاستعمار العالمي والصهيونية كطريق للخلاص.
2- أوضحت الجبهة أن مرور عامين على هزيمة حزيران 1967 كشف عن محاولات تطويق الثورة وحصرها في نطاق قطري ضيق ويقطع عنها شريان الحياة الذي يصلها بمنابع القوة والقدرة وهي الجماهير العربية.
3- انتقدت محاولات القوى المعادية التي تتظاهر بتأييد الخصوصية وإبراز الشخصية الفلسطينية والتي تدفع في نهاية المطاف إلى تخلي الفلسطينيين عن القتال والصمود بذريعة عدم القدرة وحدهم على تحقيق ذلك( ).

4- موقف جبهة التحرير العربية من منظمة التحرير الفلسطينية والحلول السياسية:

لقد أبدت جبهة التحرير العربية تحفظا تجاه ظروف تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وربطت نشوءها بمطالبة الجماهير باتخاذ موقف تجاه إسرائيل التي عملت على تحويل روافد نهر الأردن، واعتبرتها صنيع الأنظمة العربية، وأبدت خشيتها من تسليم قيادة منظمة التحرير للمنظمات الفدائية انتشارا لتيار كيان فلسطين على حساب تيار تحرير فلسطين ولهذا السبب امتنعت عن دخول المنظمة( ).

وقد رفضت جبهة التحرير العربية المشاركة في المجلس الوطني الفلسطيني حيث رأته إطاراً لمنظمة قطرية، بينما تركيب الجبهة قومي، وإن شاركت الجبهة بوفد مراقب منذ الدورة الخامسة للمجلس في عام 1969. وعندما أعلنت صيغة قيادة الكفاح المسلح الائتلافية العسكرية في شباط 1969 تمهلت الجبهة أربعة أشهر قبل أن تنخرط في تلك القيادة بعد أن اعتبرتها اللجنة المركزية للجبهة أرضية مشتركة يقف عليها المقاتلون( ).

ولم تشارك الجبهة في المنظمة إلا في الدورة التاسعة في تموز 1971 حيث دخلت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومثلها أحمد المرعشلي، وذلك بعد أن قدمت مذكرة سياسية حددت فيها مهمات المرحلة والتي تتمثل بضرورة تشكيل قيادة سياسية جبهوية لقيادة مسيرة العمل النضالي الموحد من أجل تحرير فلسطين تضم فصائل المقاومة الرئيسية التي تعتبر الكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وضرورة اعتماد قيادة مركزية وعسكرية موحدة لهذه الفصائل( ).

كما شاركت الجبهة في تشكيل جبهة الرفض للحلول الاستسلامية وذلك من خلال فهمها الثوري، ومن التزامها بالموقف المبدئي لحزب البعث من هذه الحلول وذلك بعد موافقة المجلس الوطني الفلسطيني على البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1974.
ورفضت الجبهة كذلك أي حلول سياسية تعطي الشرعية للوجود الإسرائيلي وأن هدفها الإستراتيجي هو تحرير فلسطين، ومن هنا جاء رفضها للقرار 242 ومشروع روجرز وكامب ديفيد باعتبارها تهدف إلى وأد النضال العربي وتثبيت الكيان الصهيوني( ).

4- نشاط جبهة التحرير العربية العسكري:

شاركت الجبهة في كافة المعارك التي خاضتها الثورة الفلسطينية في جنوب لبنان وفلسطين المحتلة وانتشرت قواتها في أغوار الأردن بعد أن خضعت لتدريب عسكري مكثف من قبل الجيش العراقي، كما شاركت أيضا مع قوات الثورة الفلسطينية والقوات العراقية والقوات السورية في حرب تشرين 1973.كما نفذت عمليات فدائية ناجحة مثل عملية كفار يوفال التي جرت في صباح 15 حزيران 1975 واستشهد فيها ثلاثة فدائيين، وكذلك اقتحام كيبوتس كفار جلعادي في الجليل الأعلى في 10 تشرين ثاني 1975، وعملية طبريا في 4 آب1977 وغيرها من العمليات التي خاضتها الجبهة ضد إسرائيل في تلك الفترة( ).

5- قيادات جبهة التحرير العربية:

تناوب على أمانة سر الجبهة أعضاء في القيادة القومية لحزب البعث في العراق، وهم بالترتيب: اللبناني الدكتور زياد حيدر، أحمد المرعشلي، الدكتور عبد الوهاب الكيالي، عبد الرحيم أحمد، ركاد سالم. ونشط في صفوفها على الساحة اللبنانية العديد من الرموز البعثية التي كانت في عداد (تيار القيادة القومية) مثل: معن بشور، بشارة مرهج، عبد المجيد الرافعي، نقولا الفرزلي... وقد غادر معظمهم حزب البعث في سنوات لاحقة، مع استمرار نشاطهم في إطار المنتدى القومي العربي في بيروت( ).

إن تأسيس منظمتي البعث "الصاعقة" وجبهة التحرير العربية قد شكل حالة فريدة في العمل النضالي الفلسطيني إلى جانب فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بسبب دورهما في إظهار البعد الوطني الفلسطيني رغم الأيديولوجية والتركيبة القومية لكل منهما، وذلك بفضل الدعم الذي حصلت عليه هاتين المنظمتين من حزب البعث في سوريا والعراق.

كما أن حالة التنافس بين جناحي الحزب في سوريا والعراق لربما كانت من العوامل التي أسهمت في تأسيس هاتين المنظمتين اللتين خاضتا العمل المسلح في صفوف الثورة الفلسطينية مما عزز من حضورهما الفاعل على الساحة الأردنية واللبنانية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات.

وقد لعبت الخلافات الحزبية الداخلية بين جناحي الحزب إلى تلاشي قوتهما العسكرية وحضورهما التنظيمي على الساحة الفلسطينية، كما كان للخلاف الفلسطيني السوري في الثمانينيات، والحرب العراقية الإيرانية أثر في تقلص حضور هاتين المنظمتين على الساحة الفلسطينية وانحسار نشاطهما العسكري.











المبحث الثالث: الكفاح المسلح لتحرير فلسطين في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي

أولاً: الدعم الذي قدمه حزب البعث للعمل الفدائي الفلسطيني:

لعبت الساحة السورية دوراً رئيسياً في تهيئة ميدان العمل لانطلاقة الرصاصات الأولى لقوات العاصفة حين زار دمشق أول وفد رسمي من حركة فتح في 7 أيار1963 واستقبل من قبل وزير الدفاع السوري اللواء حمد عبيد الذي أعطى توجيهاته بالموافقة على استخدام الأراضي السورية في الإعداد العسكري للعمل الفدائي الفلسطيني المسلح، وشهدت هذه الفترة اتفاقا بين القيادة السورية وحركة فتح توصل إليه كل من اللواء أحمد سويداني من هيئة أركان الجيش العربي السوري وياسر عرفات، حيث تم رفد حركة فتح بالكفاءات العسكرية وعلى رأسهم قائد الحرس القومي اللواء محمد إبراهيم العلي، وبالكفاءات العسكرية المنضوية في إطار الكتيبة الخاصة التي حملت اسم الكتيبة 68 والتي التحق منها 30 كادراً في قوات العاصفة، وافتتح أول مكتب علني لحركة فتح في دمشق وتم إنشاء معسكر تدريب للحركة بإيعاز من الفريق أمين الحافظ واللواء صلاح جديد رئيس الأركان( ).

وفي حديثه عن الشباب الفلسطيني المناضل الذي قدم لسوريا في بداية العام 1964 بهدف تشكيل منظمة فلسطينية تقوم بأعمال فدائية داخل الأراضي المحتلة، والترحاب الذي حظي به هؤلاء المناضلون الفلسطينيون أمثال ياسر عرفات ورفاقه، قال اللواء محمد إبراهيم العلي في مذكراته إن الأوامر صدرت من القيادة السياسية والحزبية بتقديم كل الإمكانات المادية والمعنوية لتدريب وتأهيل الفدائيين من خلال معسكرات تدريب ومقرات تنظيمية تشرف على ذلك، وأنه شخصياً كان المشرف على ذلك من خلال اتصالاته ولقاءاته مع القيادات الفلسطينية الشابة وأن النقاش يدور حول تسمية الجناح العسكري لمنظمة فتح حيث اقترح اسم العاصفة بدلاً من الصاعقة الذي اقترحه الفلسطينيون على اعتبار أن الصاعقة تسمية عسكرية بحته( ).

وكان البيان الذي صدر عن حزب البعث في 17 آب 1956 قد دعا إلى أن تتولى الحكومة السورية تهيئة السلاح الكافي للقيام بحرب مقاومة يخوضها كل فرد قادر على حمل السلاح من أبناء الشعب العربي ضد المحتل ، وأنه يجب المبادرة إلى تشكيل منظمات حرب المقاومة وتدريبها التدريب الفني الحديث بحيث تكون مهيأة للعمل متى وقع العدوان. واعتبر البيان أن سوريا والأردن هما من المراكز الأساسية في حركة المقاومة وفيهما إنما يجب أن تبدأ حرب المقاومة، وهو ما اعتبر دعوة صريحة مبكرة من حزب البعث لحرب التحرير الشعبية طويلة الأمد، وقد ترجمت هذه الدعوة جهدا عمليا في قطاع غزة إبان الاحتلال الصهيوني للقطاع عام 1956-1957 حين قام حزب البعث بتشكيل جبهة المقاومة الشعبية التي شرعت في ممارسة الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني في القطاع ( ).

وفي بيان القيادة القومية لحزب البعث عن أعمال المؤتمر القومي الثالث في 10 تشرين أول 1959 ذكرت القيادة أن منظمات الحزب مارست نضالا عنيدا من أجل تسليم الشعب العربي قيادة مصيره وتنظيم وبناء القوة العسكرية في القطر العربي السوري وفي الأردن لإعداد أبناء فلسطين وبقية المواطنين للدفاع عنها ، وتنظيم قوى الشباب والحرس الوطني لمؤازرة الجيش في معاركه على مشارف الأرض المغتصبة ، كما عملت منظمات الحزب على تنظيم حركة الدعاوة العربية في الخارج لفضح ومقاومة النشاط الصهيوني( ).



ثانياً: انطلاق الكفاح المسلح في فكر حزب البعث:

يعتبر المؤتمر القومي الثامن لحزب البعث بمثابة الانطلاق في تفكير الحزب نحو العمل المسلح حيث كان من ضمن توصياته دعم كل عمل كفاحي مسلح كما جاء في التوصية التالية: "يرى الحزب أن من واجبه دعم كل عمل كفاحي مسلح تقوم به فئات فلسطينية لا تقوم حولها الشبهات، وأن يتجلى هذا الدعم مع خطة الحزب عند وضعها ومقتضيات السلامة القومية"( ).

ثم جاء المؤتمر القومي التاسع الاستثنائي الذي عقد في أيلول 1967 وعلى أثر هزيمة حزيران، حيث بحث في إستراتيجية حزب البعث في الكفاح المسلح وفي العمل من أجل تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة.

وجاء في بيان الحزب الصادر عن المؤتمر " لقد استلهم المؤتمر القومي التاسع الاستثنائي للحزب إرادة الجماهير العربية ومتطلبات الثورة فأقر إستراتيجية المستقبل على أساس الصمود واستمرار المعركة وانتهاج الخط المبدئي واتباع الأساليب التي تنسجم مع الأهداف وتكفل تحريرها، وأن محور المواجهة هذه يرتكز في اعتماد الكفاح المسلح أساساً لإزالة آثار العدوان ومواصلة طريق التحرير. وقد تبنى المؤتمر بالنسبة للقضية الفلسطينية منطلقين:

الأول: " قضية فلسطين- قضية مستقبل الثورة العربية ". ولذلك دان المؤتمر أية بادرة تشير إلى احتمال سلوك طريق التهاون أو المساومة على حساب وجود الشعب العربي ومصير أجياله المقبلة".
الثاني: "الشعب العربي الفلسطيني طليعة الكفاح المسلح"( ).



ثالثاً: هدف حزب البعث في دعم الكفاح المسلح:

انطلق حزب البعث في علاقته مع المنظمات الفلسطينية من مبدأ الحزب واستراتيجيته في الكفاح المسلح وضرورة توحيده، وأن بقاء العمل الفدائي مجزأ ومبعثرا بين شتى الميول والاتجاهات لا يمكن أن يخدم هدف تحرير فلسطين أو استراتيجية الكفاح المسلح، فأجرى الحزب تقييما للمنظمات الفدائية الفلسطينية مستنداً إلى تحليل علمي لمنشأ كل منظمة وارتباطاتها وقياداتها، حيث تبنى الحزب في هذا المجال الدعوة لعقد مؤتمر للمنظمات الفلسطينية والذي قامت فتح بتوجيه الدعوة لعقده ولم يحضره سوى ثمان منظمات من أصل اثنتا عشرة منظمة( ).

وفي حزب البعث أيضاً امتزجت رغبة الأعضاء في مجاراة المزاج العام بدعوة قيادة الحزب إلى حرب التحرير الشعبية حيث اتخذ حزبيون فلسطينيون وغير فلسطينيين مبادرات مبكرة إلى المساهمة في العمل الفدائي، وقد حظيت بعض هذه المبادرات بمساندة أجهزة الأمن السورية لأغراض شتى لعلَّ أهمها إيجاد موطئ قدم داخل العمل المتسع باضطراد لتراقبه وتؤثر على مجراه. كما احتدم النقاش في الحزب وخصوصاً تنظيمه الفلسطيني حول الحاجة إلى إنشاء منظمة فدائية بعثيه، وانتهى الأمر إلى إلزام أعضاء الحزب الذكور كلهم بالتدريب على السلاح في معسكرات أقيمت لهذا الغرض وصار على كل حزبي أن يتبع ما أطلقوا عليه اسم "دورة ممارسة" وهو اسم اشتق من قرار قيادة الحزب بأن يمارس كل عضو بعد تخرجه من دورة للتدريب عملية فدائية واحدة على الأقل( ).

وفي حديث صحفي للدكتور منيف الرزاز نشر في جريدة البعث في عددها الصادر في 4 تشرين أول 1969 قال أمين عام حزب البعث إن من المهم جدا – في معركة فلسطين – أن نتسلح. ولكن أهم من ذلك أن تتوفر لدينا إرادة استعمال السلاح . وقال إن استمرار الصراع في فلسطين هو صراع قوى. والسلاح أحد مظاهر هذه القوى، ولكن ليس بديلا للإرادة الشعبية والتصميم الجماهيري( ).

رابعاً: الكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين في فكر حزب البعث:

برزت على أرضية حرب حزيران 1967 والذي احتلت بنتيجتها أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان معطيات جديدة أهمها :

1- تصاعد الكفاح الشعبي الفلسطيني المسلح.
2- بروز محاولات مباشرة ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية ومحاولة إيجاد بدائل تهدف إلى ضرب وتقويض دور منظمة التحرير من خلال تمرير تسويات سياسية تنطوي على التفريط بحقوق شعب فلسطين الوطنية وتجاهل قضيته. فكان لحزب البعث مواقفه الواضحة في دعم وتطوير الكفاح الشعبي المسلح من جهة وفي مجابهة المخططات الإسرائيلية - الأمريكية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية من جهة أخرى( ).

لقد أكد المؤتمر القومي التاسع لحزب البعث في أيلول 1966 على اعتبار القضية الفلسطينية هي المحور الأساسي في إستراتيجيته النضالية بالنسبة للحزب في شتى المجالات الداخلية والعربية والعمل على حشد كل الجهود والإمكانيات لتحرير فلسطين. كما أكد المؤتمر على أن حرب التحرير الشعبية لتحرير فلسطين يجب أن تقودها منظمات البعث العربي الاشتراكي بصورة رئيسية في النطاق القومي.



وقد بين المؤتمر المنطلق الأساسي الذي وضعه حزب البعث لتحرير فلسطين:

1- الحرب الشعبية هي الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين وهذا يعني اعتماد الجماهير الشعبية لأنها الأقدر على الاستمرار وأكثر استعداداً للتضحية والعطاء وأشد ضمانة للنصر.
2- ربط النضال من أجل تحرير فلسطين بالنضال الوحدوي الاشتراكي وجعله أساسا له.
3- جعل المنطلق الأساسي هو تحرير فلسطين على أن هناك امتدادات لهذه الحرب حسب الضرورات اللازمة لإنجاح هذه المعركة وتحقيق تطلعاتها شريطة أن يكون هناك انسجام بين المنطلق الأساسي والمواقع الأخرى، وهذه نقطة غفلت عنها معظم الجبهات والمنظمات الفدائية بل وقصرت عن استيعابها( ).

وفي تقرير وضعه مكتب العلاقات الخارجية وأقر من قبل القيادة القومية بتاريخ 7 تموز 1968 مبلورا موقف حزب البعث من القضايا المطروحة عل المجلس الوطني الفلسطيني، يدعو الحزب إلى وضع خطة سياسية لمنظمة التحرير منبثقة عن الميثاق الوطني وتؤكد على الأمور التالية :

1- رفض الحلول السياسية ولا سيما المشروع البريطاني أو أي مشروع آخر مشابه من حيث النتيجة.
2- الوقوف في وجه تصفية القضية الفلسطينية وفضح كل المحاولات الرامية إلى ذلك.
3- اعتماد الكفاح المسلح أسلوبا لتحرير الأرض المحتلة وتحرير فلسطين.
4- التأكيد على الشخصية الفلسطينية والوقوف في وجه أي محاولة لإذابتها.
5- ربط المعركة الفلسطينية بالنضال الجماهيري العربي ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية.
6- ربط الحركة الفلسطينية بالنضال التحرري والتقدمي في العالم( ).

وفي بيان القيادة القومية عن أعمال المؤتمر القومي العاشر لحزب البعث في (أيلول 1968) جاء ما يلي حول دور الحزب في دعم المقاومة واستمرارية النضال من أجل تحرير فلسطين :

"إن صمود شعبنا العربي البطل في الضفة الغربية وتصاعد أعمال الفداء والمقاومة العربية إنما يعبران عمليا عن يقظة الشعب العربي الفلسطيني الذي تمرد على جميع مخططات الإفناء التي رسمتها الدوائر الامبريالية والصهيونية والذي يشكل اليوم طليعة الأمة العربية في كفاحها الدائب من اجل تحرير وتوحيد الوطن العربي. لقد كانت شعارات العمل الفدائي والمقاومة العربية والكفاح تثير الاستهجان والاستنكار لدى كثير من الدول العربية قبل عدوان الخامس من حزيران، وكان المسئولون الصهاينة آنذاك يهددون باحتلال دمشق وإسقاط النظام الثوري في القطر العربي السوري بحجة احتضانه ودعمه للعمل الفدائي".

كما جاء في بيان القيادة القومية عن أعمال هذا المؤتمر إن من بين التوصيات التي اقرها المؤتمر أن قضية فلسطين هي ملك للشعب العربي الفلسطيني وللأجيال العربية المؤمنة بالكفاح المسلح وطليعته المنظمات الفدائية المقاتلة على ارض المعركة، ولا يمكن لهذه الجماهير وطلائعها الثورية أن تسمح لأي كان بالمساومة على وطنها وكرامتها وان يتجاهل نضالها وتضحياتها في سبيل تحرير أرضها من المغتصبين الغزاة " ( ).

وقد توجت الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني 1970 موقف الحزب في سوريا من الكفاح المسلح حيث بدأت برنامجها العملي في الدعوة إلى بناء مجتمع الصمود والتحرير وتحقيق شعار الكفاح المسلح لطرد المحتل الإسرائيلي عن الأرض العربية، كما جعلت على رأس اهتماماتها في برنامجها الداخلي والعربي : " بناء وتطوير القوات المسلحة من أجل القيام بواجبها على الوجه الأكمل في معركة التحرير والتحرك الواسع مع الدول والقوى العربية التقدمية في كافة المجالات التي تعزز إستراتيجية الكفاح المسلح وحشد الطاقات العربية في المعركة المصيرية، فكانت حرب تشرين التي استغرق الإعداد لها وقتا طويلا، وجهدا وطنيا خارقا دليلا على موقف الحزب الاستراتيجي من الكفاح المسلح وحرب التحرير الشاملة"( ).

ويرى الباحث أن حزب البعث الذي رفع شعار حرب التحرير الشعبية في وجه الاستعمار وحليفته إسرائيل قد مارس الكفاح المسلح من خلال تنظيماته المسلحة على الساحة الفلسطينية، إلا أن تراجعا قد حدث على مواقف الحزب من هذا الكفاح المسلح وخصوصا بعد النصر الذي حققته سوريا ومصر على إسرائيل في حرب عام 1973، والهدوء الذي ساد الجبهة السورية لسنوات طويلة مما عرض الحزب في سوريا لانتقادات كثيرة، وأخضعها لمزايدات من قبل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي اعتبره الحزب لايصب في مصلحة الموقف العربي الموحد من الصراع مع إسرائيل، وأن سوريا تسير في سياستها الهادفة إلى تحقيق التوازن الاستراتيجي معها.
















الفصل الخامس
تأثير حزب البعث العربي الاشتراكي على مواقف القوى والأنظمة السياسية العربية تجاه القضية الفلسطينية

المبحث الأول: تأثير فكر حزب البعث العربي الاشتراكي على مواقف القوى القومية والثورية العربية من القضية الفلسطينية

لقد أكد حزب البعث أن النضال ضد الاستعمار ومحاربة إسرائيل يستوجبان النظر إلى أهمية دور القوى والأنظمة العربية التقدمية في توحيد نضالها وضرورة التحالف معها على أساس أن إسرائيل تشكل التناقض الرئيس في المنطقة، ولما لذلك من أهمية في تعزيز وحدة الصف العربي، وحشد طاقاته وإمكاناته وتحقيق التوازن المطلوب من أجل خوض حرب تحرير فلسطين.

رفع حزب البعث شعاره في النضال ضد الاستعمار من أجل تحرير الوطن العربي بكامله ووضع أسس لمعالجة المشاكل التي يعاني منها الشعب العربي، وهو الذي بدوره ينطبق على موقفه من القضية الفلسطينية ومحاربة الصهيونية. فقد وضّح الحزب موقفه من قضايا النضال العربي والتحرر من الاستعمار والأنظمة المتسلطة، وجاءت شعاراته وأدبياته تجسد ذلك وتربط بين نضال العرب في كافة أقطارهم وتعتبره واحداً.

ومن هنا تأتي دعوة حزب البعث إلى وحدة نضال المنظمات والأحزاب القومية في الوطن العربي شرط أن تتخلص مما فرضته عليها ظروف التجزئة، فقد كتبت جريدة (العربي الجديد) الناطقة باسم حزب البعث في العراق ما نصه "أن النضال العربي ممثلاً بحركاته القومية هو نضال موحد ضد جبهة الاستعمار سواء كان أمريكياً أم انجليزياً أم فرنسيا، وضد جميع الفئات الحاكمة في الوطن العربي"( ).

وفي ميثاق العمل الوطني الذي أعلنه الرئيس العراقي أحمد حسن البكر في عام 1971 قال البكر: إن حركة الثورة العربية على مختلف فصائلها وعبر مسيرتها النضالية الطويلة قد حققت انتصارات كثيرة وعظيمة ولكنها في نفس الوقت منيت بهزائم ونكسات خطيرة، وأن من أبرز أسباب قدرة الحركات الثورية العربية على تحقيق النصر، وعيها لدور العمل المشترك والتحالف بين فصائلها، كما أن من أبرز أسباب هزائمها ونكساتها نزوع فصائلها إلى تغليب التناقضات الثانوية فيما بينها على التناقض الرئيس القائم بينها من جهة وبين الاستعمار والصهيونية والرجعية من جهة أخرى( ).

أولاً: موقف حزب البعث من القوى الثورية والقومية العربية:

يأتي موقف حزب البعث بضرورة التقائه مع القوى الثورية والقومية العربية من خلال توفير الشروط الموضوعية لذلك باعتبار أن هذه القوى الثورية والجماهيرية المنظمة هي الأدوات الموضوعية التي تستطيع خوض حرب التحرير الشعبية وتحقيق الانتصارات من خلال توحيد منطلقاتها وأساليبها النضالية. فقد أوضح الحزب بأن الجهود المبذولة لتحقيق لقاء القوى التقدمية والقومية وتوحيد نضالها يجب أن يكون مرتبط بالاستعداد والمساهمة الجدية بمعركة تحرير فلسطين وغيرها من المعارك القومية والتحريرية في كل أرجاء الوطن العربي، وأن الحزب إلتزاماً منه بدوره الطليعي في هذه المعركة سيعمل على الانسجام مع هذه الإستراتيجية التي يطرحها وإخضاعها للتطبيق العملي، وهو بالتالي يتحمل المسؤولية القومية في وحدة هذه القوى القومية العربية وتوعية الجماهير العربية وحشد طاقاتها في نطاق الإعداد لحرب التحرير الشعبية ولكون القضية الفلسطينية هي المحور الأساسي في إستراتيجية النضال بالنسبة لحزب البعث وأن المقاومة هي الرد العملي على العدوان الإسرائيلي( ).

وفي المؤتمر القومي الحادي عشر الذي عقد في سوريا في آب 1971، كان مطلب إقامة جبهة وطنية تقدمية عريضة لا يزال قائماً وإن كانت قد تحققت خطوة متقدمة تتطلبها الإستراتيجية الشاملة، مثلما يتطلبها النضال القومي الاشتراكي وهي قيام اتحاد الجمهوريات العربية. كما كان مطلب إقامة جبهات وطنية تقدمية في مختلف الأقطار العربية لا يزال قائماً. وإن كانت قد تحققت الجبهة الوطنية التقدمية داخل سوريا كإنجاز على طريق ترتيب الوضع الاستراتيجي الملائم.

ويرى حزب البعث أن الجماهير العربية مطالبة بتوجيه السؤال إلى فصائل المقاومة والى قوى الثورة والتقدم العربية، لماذا لم تتحقق الجبهة الموحدة للمقاتلين الفلسطينيين! ولماذا لم تتحقق وحدة القوى القومية والتقدمية في الوطن العربي! وهما سؤالان يجب أن يشكلا جزءاً أساسياً من نضال هذه الجماهير إلى جانب حزب البعث، لأن تحقيق وحدة النضال على هذين المستويين فكرياً وعملياً هي ضرورة أساسية لخوض حرب التحرير الشعبية، وأن الجماهير العربية والفلسطينية يكون حكمها على أساس مدى توجه هذه القوى المخلص نحو توحيد أدوات النضال العربي باتجاه القضية الأساس فلسطين( ).

كما أن الهجمة الإسرائيلية الأمريكية على الأمة العربية في الخامس من حزيران 1967 رفعت التناقض بين الأمة العربية من جهة وبين هذه القوى من جهة أخرى إلى أعلى درجات الحدة، الأمر الذي يتطلب من جانب الأمة أوسع حشد لطاقاتها الكفاحية. ويؤكد حزب البعث في هذا السياق بأن من أهم الضرورات في هذه المرحلة، أن تتلمس القوى الوطنية والتقدمية في كل جزء من أجزاء الوطن العربي سبل التعاون فيما بينها لتحقيق أرقى وأمتن الأشكال الممكنة للاتحاد لتأمين القوة الطليعية اللازمة لقيادة الجماهير في المعركة وكجواب منطقي وطبيعي على التحالف الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي بلغ درجات عالية من التماسك والإتقان، والذي لا يمكن أن يواجه مهما كانت الطاقات كبيرة، والحماسة عالية إلا بتحالف مضاد يمثل كل قوى التحرر والتقدم العربية المعادية لأمريكا وإسرائيل والقوى الرجعية( ).

ثانياً: استراتيجية حزب البعث تجاه القوى والأنظمة التقدمية العربية :

ينطلق حزب البعث وثورته من الحرص على تحقيق التوازن المطلوب مع إسرائيل والسعي لتعبئة الطاقات العربية وتوطيد علاقات الصداقة والتعاون مع القوى التحررية والثورية في العالم لتعزيز صمود ونضال قوى التحرر العربية وتصحيح الخلل الناتج في المنطقة نتيجة سياسة كامب ديفيد والصفقات الانفرادية ومخططات التآمر والعدوان الأمريكية الإسرائيلية، وذلك في سبيل قيامه بمهامه الوطنية والقومية على الوجه المطلوب، ولتعزيز إسهامه في معركة تحرر الشعوب وتقدمها، وهو في هذا يسعى إلى :

أ- تعزيز نضال قوى حركة التحرر العربية وتصعيده وتوطيد مواقعها ودورها، وكذلك تعزيز وتطوير علاقات التعاون والتنسيق مع الدول الوطنية التقدمية العربية، وإحياء الجبهة القومية للصمود والتصدي وتعزيز دورها، والحرص على تطوير فعالية عمل القوى الوطنية والقومية والتقدمية والشعبية العربية لتحقيق صيغ أرقى من التنسيق والعمل المشترك فيما بينها.

ب- إقامة علاقات من التعاون الوطيد مع الأحزاب والقوى الوطنية والقومية والتقدمية العربية، ومع الحركات التحررية في الأقطار العربية باعتباره وإياها أجزاء من حركة واحدة هي حركة التحرر الوطني العربية، وباعتبار ثورته في سوريا تشكل أحد أهم إنجازات هذه الحركة وقاعدة نضالها الأساسية في معركتها العامة المشتركة ضد أمريكا وإسرائيل، ومخططاتهما العدوانية الرامية إلى تصفية قضايا التحرر العربية وخاصة قضيتها المركزية القضية الفلسطينية( ).

وفي مقابلة مع السيد توفيق جراد عضو قيادة التنظيم الفلسطيني لحزب البعث في سوريا قال: إن على الأحزاب والقوى القومية العربية أن تتلاقى في الأفكار وتتطابق في المواقف التي تأخذ بعين الاعتبار مصالح الأمة العربية وقضاياها المصيرية وتتبنى الدفاع عنها، وهذا التوافق الذي كان وما زال شعارا ومطلبا رفعه حزب البعث بهدف العمل على دعم نضال الشعب العربي الفلسطيني في سبيل تحرير وطنه من براثن الاحتلال الإسرائيلي، يعني أن القضية الفلسطينية هي نقطة الالتقاء الأساس مع هذه القوى والأحزاب، وهي أيضا تعتبر ذات شأن كبير في علاقات وسياسات الحزب الخارجية( ).

ثالثاً: رؤية حزب البعث في توحيد نضال القوى القومية العربية تجاه القضية الفلسطينية:

ينطلق هذا الدور لحزب البعث في توحيد نضال قوى التحرر العربية والقومية من إدراك طبيعة المهام الأساسية التي تواجهها الأمة العربية، ومن إدراك أن التناقض مع الصهيونية العالمية وكيانها إسرائيل هو تناقض رئيسي وأساسي يغطي مرحلة تاريخية طويلة ، كما ينطلق من التحديد الدقيق للأهداف الأساسية المرحلية للنضال العربي، ومن تحديد أهم القضايا التي تواجه الأمة العربية والمتمثلة بالقضية الفلسطينية بشكل أساسي، الأمر الذي يتطلب تعزيز تضامن هذه القوى العربية على الصعيدين القومي والقطري مما يجعل الأنظمة السياسية العربية تستجيب للمصالح الحقيقية للأمة العربية وحركتها التحريرية، ومصالح نضالها في السير على طريق تحرير الأراضي العربية المحتلة واستعادة الحقوق المغتصبة( ).

ومن هنا يأتي اعتبار النضال ضد إسرائيل بشكل مركزي ليؤسس للضال الثوري العربي العام، وليبعد القوى العربية التحررية عن النضال القطري الداخلي ويشركها في معركة النضال القومي العام مما يفعل النضال الفلسطيني والعربي ضد الاحتلال الإسرائيلي وعدم حصر قضية فلسطين قطرياً وترك الساحة الفلسطينية بعيداً عن المشاركة الفعلية للقوى العربية المنظمة في النضال إلى جانبها وبموازاة النضال داخل أقطارها. وبهذه الوحدة النضالية تستطيع القوى العربية التحريرية ممارسة الضغوط على الأنظمة بهدف إحداث التغيير الداخلي وتحقيق المساهمة الفعلية النضالية على أرض المعركة إلى جانب الثورة الفلسطينية( ).

ويؤكد حزب البعث على أن الاتحاد بين مختلف أطراف الحركة الوطنية والتقدمية العربية الذي تتطلبه المرحلة الجديدة ( مرحلة ما بعد هزيمة عام 1967 ) سواء على الصعيد القطري أو القومي يجب أن يقوم على أسس تتضمن تشديد الكفاح ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية وتمكين الجماهير من قيادة معركتها وتوفير كل الأجواء الديمقراطية الثورية لها، وتصفية كل مظاهر اضطهاد الجماهير ومؤسساتها السياسية والنقابية والثقافية، وتصفية كل أشكال النفوذ الاستعماري، وإغلاق الأبواب نهائياً بوجه المحاولات الخبيثة للدول الامبريالية لاستغلال الأوضاع الراهنة في الوطن العربي من أجل العودة لاحتلال مواقع سياسية واقتصادية جديدة( ).

لذلك فإن وحدة القوى الثورية العربية والقومية يجب أن تستند إلى وحدة النضال ضد إسرائيل وحلفاؤها بشكل حازم والوقوف بوجه المخططات الاستعمارية والصهيونية التي يرفضها الشعب العربي رفضاً قاطعاً.

كما أن تبني الكفاح الشعبي المسلح كأسلوب رئيسي من أساليب الكفاح ضد إسرائيل يبقى الأساس والجوهر لتحالف ووحدة القوى القومية العربية والتحررية وهو ما يتطلب التحالف بصدق وفعالية مع القومية الفلسطينية( ).

وفي البيان الذي صدر عن القيادة القومية لحزب البعث في سوريا في الثامن عشر من أيلول 1971 أكد الحزب الحقائق التالية:

1- أن التناقض الرئيسي في المنطقة العربية هو بين جماهيرنا العربية بقيادة فصائلها التقدمية وبين الاستعمار الصهيوني والرجعية بقيادة الامبريالية الأمريكية.
2- إن لحركة المقاومة الدور في النضال لتحرير الأرض العربية وهو ما يتطلب قيام جبهة وطنية عربية عريضة كدعامة لخوض معركة التحرير.
3- أن القضية الفلسطينية تظل محور النضال العربي، وأن الموقف الذي يتخذه أي نظام أو أية حركة سياسية من هذه القضية هو المعيار الصحيح للالتزام القومي الاشتراكي( ).

وفي خطاب الرئيس السوري حافظ الأسد في الذكرى الثانية عشرة لثورة الثامن من آذار في 8 آذار1975 قال الأسد: بأن العرب مطالبون بالتصدي بحزم وجرأة لكل المؤامرات والمخططات التي تقودها إسرائيل والقوى الاستعمارية والتي تستهدف تصفية قضيتنا القومية، وإلى تصفية قضية فلسطين. ولذلك:

1- إن على القوى الثورية والتقدمية والقومية أن تقف وقفة واحدة لتطويق المؤامرة وإفشالها والمضي قدماً على طريق التحرير.
2- إن الجماهير العربية مطالبة بدعم ومساندة الثورة العربية الفلسطينية في مسيرتها الكفاحية، وأن فصائل حركة المقاومة يجب أن ترتقي إلى مستوى الأحداث والمسؤولية في تحقيق وحدتها والتصدي لكل المؤامرات التي تحاك ضدها بتعزيز الكفاح المسلح داخل الأراضي العربية المحتلة( ).

من جهته قال السيد سامي العطاري عضو القيادة القومية لحزب البعث في دمشق: إن الحزب لعب دوراً هاماً في التأثير على القوى القومية العربية من خلال التحالفات التي نشأت مع هذه القوى والحركات على قاعدة النضال ضد الصهيونية والاستعمار في المنطقة العربية، وكذلك تصعيد الكفاح الشعبي والجماهيري وأن مرحلة ما بعد حرب حزيران وهزيمة العرب فيها شكلت بداية النهوض في دور هذه القوى التقدمية في الوقوف بوجه الهجمة الصهيونية والحد من توسعها من خلال رص الصفوف وتنسيق المواقف وتعزيز العمل المسلح إلى جانب الثورة الفلسطينية التي احتضنها البعث وما زال( )

كما ويعتبر حزب البعث أن من أول مهمات أي تحالف ينشأ بين القوى الوطنية والقومية العربية والتقدمية، استنكار كل أساليب المناورة والالتفاف التي تحاول تطويق العمل الوطني الفلسطيني وانتزاع أسلحة المقاومة من أيديها وترويضها وفقاً للمخططات الاستعمارية والصهيونية والرجعية، والنضال الحازم ضد هذه الأساليب. وفضح أية محاولة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواء بإقامة دويلة مصطنعة على شطر من أرض فلسطين، أو عن طريق استبعاد الجانب التاريخي والسياسي والحقوقي من المسألة الفلسطينية وتصويرها وكأنها مجرد قضية لاجئين يستحقون العطف والمعاونة، ومقاومة هذه الأساليب بالنضال الشعبي. والهدف الرئيسي للنضال العربي على الصعيد القومي هو تصفية الكيان الصهيوني، وتمكين الشعب العربي الفلسطيني من تقرير مصيره على أرضه المحررة( ).

وقد حدد المؤتمر القطري السابع لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق في بيانه الصادر في كانون الثاني 1969 طبيعة المرحلة ووصفها بأنها مرحلة إقامة نظام ديمقراطي ثوري وحدوي كمرحلة أساسية ومتقدمة من مراحل النضال المشروع للشعب العراقي وفي الوطن العربي. وقد أكد المؤتمر في بيانه إدراك الحزب وقيادة الثورة لأهمية التعاون بين القوى الوطنية والتقدمية العربية في القطر العراقي لإنجاز مهمات هذه المرحلة التي تستقطب العداء الشرس من جانب الدوائر الاستعمارية والصهيونية ومختلف أشكال القوى الرجعية المحلية والعربية، الأمر الذي يستدعي وحدة هذه القوى قطرياً وقومياً.

لذا فإن مهمات الكفاح ضد القوى الاستعمارية وإسرائيل التي تخوضها القوى القومية التحررية والعربية تتطلب تضافر الجهود وتوحيد الطاقات في إطار عمل جبهوي مشترك وفقاً لظروف كل قطر عربي، وأن حزب البعث العربي الاشتراكي وانطلاقاً من نظرته المبدئية والإستراتيجية اتجه ومنذ اليوم الأول لثورة السابع عشر من تموز في العراق نحو إعداد المناخ الملائم لقيام وحدة حقيقية ومتينة بين كل القوى الوطنية والتقدمية والقومية عن طريق تحقيق الشروط الموضوعية لذلك( ).

ويبقى الإشارة إلى أن المنطلق الأساسي لكل إستراتيجية وطنية في العمل الوطني الفلسطيني يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى صيغة جهادية جماعية وصيغ نضالية وحدوية كون الصراع هو صراع عربي صهيوني وهو ما يشكل قاعدة للانطلاق نحو إستراتيجية موحدة للنضال الشعبي الجماهيري ونضال قوى الأمة في الوطن العربي لتحرير فلسطين( ).

ويرى الباحث أن حزب البعث قد نظر إلى القوى التحررية العربية والأنظمة السياسية من زاوية رؤيته في معالجة وحل قضية الصراع مع إسرائيل، كون الحزب يشكل محورا مهما في مواجهة إسرائيل وفق أطروحاته القومية وإستراتيجيته القائمة على الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية التي يعتبرها أساسا للقاء مع هذه القوى بحكم تجربتها في مقاومة الاستعمار في المنطقة العربية.
وتأتي هذه النظرة للحزب تجاه القوى التحررية وأهمية التحالف معها تطبيقا لسياسته في تحقيق التوازن مع إسرائيل، ولإظهار قوة الحزب ومكانته عربيا ودوليا مع أنه فشل في تحقيق وحدة هذه القوى وتجنيدها في مواجهة إسرائيل ومشاريعها التوسعية.

وبالرغم من أن الحزب استطاع أن يخوض معارك ومواجهات سياسية وعسكرية مع إسرائيل إلى جانب قوى التحرر العربية ومنها قوى الثورة الفلسطينية كما حدث في حرب تشرين/ أكتوبر 1973 وفي تصديه لاتفاقيات كامب ديفيد ، إلا أن هذه المواقف الحزبية لم تستمر طويلا حيث طغت عليها بالدرجة الأولى الخلافات الحزبية الداخلية، وكذلك اتساع رقعة الخلاف في الصف العربي.







المبحث الثاني: نظرة حزب البعث العربي الاشتراكي لأثر الوحدة العربية على القضية الفلسطينية.

أولاً: مفهوم الوحدة العربية في فكر حزب البعث:

تكتسب الوحدة العربية أهمية خاصة في أيديولوجية حزب البعث، بل هي مركز الثقل في هذه الأيدلوجية وفي فكر ميشيل عفلق، فحركة البعث انبثقت من قلب العروبة، فهي حركة لها موقفها الخاص ولها رسالتها الحقيقية( ).

وقد جاءت دعوة البعث العربي الاشتراكي لقضية الوحدة العربية والنضال في سبيلها انطلاقاً من إدراكه وإيمانه بوجود الأمة العربية كواقع موضوعي وحقيقة ثابتة ومستمرة، وكذلك انطلاقاً من مبدأ أن العرب أمة واحدة ولها حقها الطبيعي في أن تحيا وتعيش في دولة واحدة، وأن تكون حرة في توجيه مقدراتها( ).

ويؤكد ميشيل عفلق بان: "الوحدة كانت مطلباً للأمة العربية منذ أن طرأت عليها التجزئة، فالوحدة في نظر البعث فكرة ثورية وعمل ثوري خلافاً للمفهوم الذي كان سائداً، فالوطن العربي وطن واحد، والشعب العربي شعب واحد وهو رغم التباعد والحواجز يتفاعل بعضه مع بعض"( ).

وفي عام 1952، وفي مقال بعنوان: "الوحدة العربية هي الصفة المميزة للبعث العربي": يحذر عفلق البعثيين من عدم إدراك الأهمية الرئيسية للوحدة العربية، لأنهم بذلك يجدون أنفسهم منجرفين في تيارات عقائدية وسياسية لا علاقة لها مع تفكير البعث العربي، وأكد عفلق أن إيمان البعث العربي بالوحدة العربية فكراً وعملاً نابع من إيمانه بأن كل نظرة ومعالجة لمشاكل العرب الحيوية في أجزائها ومجموعها لا تصدر عن هذه المسَّلمة: "وحدة الأمة العربية" تكون نظرة خاطئة ومعالجة ضارّة. كما أن التمزق السياسي للعالم العربي يرجع أساساً إلى فقدان الوحدة الروحية والى الجمود الذي أصاب الشخصية العربية منذ زمن بعيد( ).

والوحدة العربية أيضاً هي ثورة بكل أبعادها ومعانيها، وهي الحركة الثورية الشعبية الطلائعية التي يجب أن تتوفر فيها شروط المجتمع الذي يناضل البعث من أجل تحقيقه( ).

منطلقات حزب البعث العربي الاشتراكي نحو الوحدة العربية:

تتمثل القضية العربية في فكر البعث على النحو التالي:

1- إن إصرار الحزب على أولوية الوحدة يعبر عن مصالح الجماهير ومصالح الشعب العربي.
2- أعطى حزب البعث الوحدة العربية مضمونها الثوري ، واعتبرها عاملاً هاماً في تعميق كل تغير حقيقي في المجتمع العربي لأن الحرية التي يسعى إليها كل قطر عربي على حدة لا يمكن أن تبلغ من العمق والشمول والمعنى الايجابي ما تبلغه الحرية التي تحققها الأمة العربية في وحدتها.
3- الربط بين النضال القومي والنضال الاشتراكي وتلازمها وهو ما حول نضال الحركة القومية العربية إلى نضال جماهيري شعبي وجعل الوحدة واقعاً حياً تمارسه الجماهير العربية في نضالها اليومي.
وهو أيضاً دفع بحزب البعث لأن ينظم نفسه على مستوى الوطن العربي كتجسيد لفكرته التي تعتبر البلاد العربية وحدة لا تتجزأ وأن الحل الجدي لمشاكل الوطن العربي هو العمل العربي المنظم الموحد( ).

ثانياً: موقف حزب البعث من الوحدة المصرية السورية عام 1958 وعلاقتها بالقضية الفلسطينية:

ساهم حزب البعث قومياً بالنصيب الأكبر في مسيرة سوريا على طريق الوحدة مع مصر عبد الناصر، فكانت مصر وسوريا هما البلدان العربيان الأكثر تقارباً في اتجاهات السياسة الداخلية والخارجية، والوحدة بينهما تشكل قاعدة ونواة لجذب أقطار عربية أخرى إلى الوحدة أو الاتحاد، وطريق العرب نحو الاشتراكية والحرية ونحو تحرير فلسطين أيضاً.

وكانت الخطوة الايجابية في التلاقي- المصري السوري هي البيان المشترك الذي صدر في 2 آذار 1955 برفض حلف بغداد، كما أن العدوان الإسرائيلي على غزة في 28 شباط 1955 قد وصف بأنه كان دفعة للطرفين في محادثتهما من أجل التلافي والتوحد في دفع الخطر الإسرائيلي( ).

وفي مقال كتبه صلاح الدين البيطار في عام 1955 بعنوان "بداية الطريق نحو الوحدة العربية يقول: إن بداية الطريق نحو الوحدة العربية اليوم هي أولاً في اتحاد مصر وسوريا، البلدين الأكثر تحرراً من البلدان العربية الأخرى، وثانياً في العمل وفق هذه النظرة القومية العربية على توفير الأوضاع اللازمة في الأقطار العربية الأخرى لكي تنضم بأسرع وقت إلى هذا الاتحاد، فاتحاد مصر وسوريا لا يمكن أن يرسخ ويقوي ويبقى إلا إذا انضمت إليه الأقطار العربية الأخرى بشعبها العربي وإمكانياتها المادية والمعنوية الزاخرة، وقد اعتبر ما ذكره البيطار هو خلاصة تفكير حزب البعث في موضوع الوحدة في هذه المرحلة والتي تبدأ من وحدة النضال الشعبي( ).

وقد اصدر حزب البعث بياناً سياسياً بمناسبة ذكرى الجلاء في 17 نيسان 1956 طالب فيه بالمبادرة لإعلان الوحدة بين مصر وسوريا، ثم كتبت صحيفة البعث على صدر صفحتها الأولى بعد أسبوع من صدور هذا البيان أن قيادة الحزب تعكف على دراسة قضية الوحدة بين سوريا ومصر وعلى إعداد مشروع يرسم الخطوات العملية لذلك، وإن مشروع الوحدة سيطرح على الشعب ليدعمه بإرادته ونضاله وإنها الانطلاقة الأولى نحو الوحدة العربية ونحو تحرير الشعب في كافة أقطاره( ).

وكان حزب البعث يرى أن الاستعمار حريص على بقاء الأمة العربية مجزأة، وأن أي عمل باتجاه الوحدة هو عمل من أجل التحرر في معركة الدفاع عن النفس ضد الاستعمار والصهيونية( ).

وقد نظر حزب البعث إلى إمكانية تحقيق الوحدة بين سوريا ومصر من منطلق قومي وتقدمي وأن شعار وحدة الهدف بين البلدين بما يحمله من مضامين ديمقراطية وشعبية وَلد القناعة لدى البعث في أن هذه الوحدة المرتقية هي ضرورة قومية ووطنية بهدف تحدي الاحتلال واستعادة الحقوق الفلسطينية المغتصبة وتحرير الأرض العربية( ).

لقد اعتبرت الوحدة بين مصر وسوريا أول تجربة وحدوية جادة في تاريخ العرب السياسي وذلك بالرغم من السلبيات التي أخذها البعث على ثورة 23 يوليو 1952.

وقد تغيرت نظرة حزب البعث للثورة بعد اتخاذها خطوات حققها الرئيسي جمال عبد الناصر في منتصف الخمسينيات، وقد اعتبرت هذه الخطوات قريبة من خط حزب البعث وهي: على الصعيد الخارجي، تبني الرئيس عبد الناصر لسياسة الحياد الايجابي وعدم الانحياز ومقاومة الأحلاف وخاصة حلف بغداد، ودعم ومساندة حركات التحرر الوطني في العالم ومجاهرته في محاربة الاستعمار، وعلى الصعيد القومي: دعوة عبد الناصر إلى القومية والوحدة العربية والتحرر العربي وتعزيز النضال القومي في مختلف الأقطار العربية.

كما كان لتجاوب حكومة الثورة في مصر مع فكرة الاتحاد بين سوريا ومصر التي طرحها الحزب ووقوفها إلى جانب النظام في سوريا في الوقت الذي اشتدت فيه الضغوط الخارجية وحلف بغداد وتركيا عليه، اثر في سرعة الإعلان عن الوحدة بين البلدين بعد الاستفتاء عليها في 21 شباط 1958( ).

وقد رأى حزب البعث في الوحدة بين مصر وسوريا:

1- عملاً تحررياً دفاعياً يحول دون تحقيق الخطة الاستعمارية بالمحافظة على التجزئة في البلاد العربية وبالتالي بقاء الاستعمار وإسرائيل.
2- بداية الطريق نحو الوحدة العربية الشاملة.
3- إنقاذا لسوريا من المؤامرات الاستعمارية التي تهدف إلى نسف الحكم الوطني فيها وربطها بأحلاف استعمارية( ).

وقد اعتبر حزب البعث أن الاستعمار حاول التضليل في المشاريع التي طرحها كبديل للوحدة العربية، وكان مشروع سوريا الكبرى واحداً منها، ولكنه لم يفلح في إعطاء هذا المشروع الزخم والقوة التي حظيت بها وحدة مصر وسوريا. كما أن مشروع الاتحاد الهاشمي بين الأردن والعراق كان يهدف للوقوف في وجه الوحدة المصرية السورية، ولكن هذه المشاريع المصطنعة لم يكتب لها النجاح( ).

واحتفظ البعثيون وبينهم الفلسطينيون بحماسهم للوحدة السورية المصرية، وتفاؤلهم بشأن النتائج الكبيرة التي توخوها بقيامها، وقد وجدوا في قيام الدولة الكبيرة التي تحيط بإسرائيل من الشمال والجنوب فرصة لوضع حد لإسرائيل ولتحرير فلسطين( ).

كما قابل حزب البعث في فلسطين والأردن الوحدة المصرية- السورية بالتأييد وطالب بتحقيق الوحدة الاندماجية بين البلدين، ودعا حكومة الأردن إلى التعاون والارتباط الوثيق بالدول العربية التي تنادى بسياسة الحياد الايجابي والتخلص من الاستعمار وعدم الارتباط بالأحلاف الأجنبية.

وقد نشط قادة البعث في فلسطين والأردن نتيجة حماسهم لهذه الوحدة، في إقامة علاقة مع السفارة المصرية في الأردن بهدف إرسال فدائيين للتسلل داخل إسرائيل والقيام بأعمال فدائية ضد أهداف إسرائيلية، وكذلك إنشاء علاقة مع زعماء المعارضة في الأردن بهدف تجنيد خلايا من المتسللين وخصوصاً في أوساط اللاجئين الفلسطينيين( ).

ثالثاً: أثر الوحدة العربية على القضية الفلسطينية من وجهة نظر البعث :

أراد حزب البعث من انجاز الوحدة بين سوريا ومصر أن يكسر طوق التجزئة الذي فرضه الاستعمار على المنطقة العربية، كما اعتبر هذه الوحدة بداية لوحدة أوسع واشمل، وفي نفس الوقت أن يجعل من دولة الوحدة الأولى سنداً وقاعدة للنضال العربي في كل جزء من أجزاء الوطن العربي الكبير ولنضال الجزائر وفلسطين خاصة وأرادها بداية لتحرير فلسطين كما جاء في بيان صدر عن الحزب في 21 شباط 1961.

ورأى حزب البعث في هذا السياق بأن إسرائيل قامت لإبقاء الوطن العربي في حالة تجزئة وضعف، لذلك فإن الوحدة هي التي ستقضي على كيان إسرائيل كدولة( ).

وعندما قامت الوحدة بين مصر وسوريا حل حزب البعث تنظيماته في سوريا واعتبر الحزبيون في كل الأقطار العربية أن دولة الوحدة هي دولة البعث وأن من واجبهم حمايتها وتوسيع رقعتها حتى تمتد من المحيط إلى الخليج. وكانوا يعتقدون أن دولة الوحدة ذات الاتجاه الاشتراكي التحرري هي وحدها القادرة على القضاء على الاستعمار وقاعدته إسرائيل( ).

وقال سامي العطاري عضو القيادة القومية لحزب البعث في سوريا : إن حزب البعث عمل على تحقيق الوحدة العربية منذ اليوم الأول لتأسيسه فساهم في نشر الوعي القومي وعمل على استنهاض الجماهير العربية في سبيل معركة العرب الكبرى "فلسطين" ووقف بوجه المخططات الصهيونية وعمل على إفشالها من خلال التمسك بحقوق الشعب العربي الفلسطيني والدفاع عنها في كل المحافل العربية والدولية ( ).

انطلق الحزب في موضوع الوحدة من خلال رؤيته للقضايا العربية وكيفية علاجها وبالذات قضية فلسطين التي تزامنت ونشأته، فالوحدة هي المحرك الرئيسي للجماهير العربية في توحيد طاقاتها ونضالها ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وفي كل الأقطار العربية التي احتلت أراضيها، وفي عام 1948 وبعد هزيمة العرب في الحرب، قيل بأن إسرائيل استطاعت التغلب على سبع دول عربية، وكان جواب البعثيين والعروبيين أن إسرائيل هزمت العرب لأنهم سبع دول وكان مفروض أن يكونوا دولة واحدة قوية تقف في وجه الصهيونية ودحرها( ).

ورأى الحزب أن هجوم الاستعمار والصهيونية يكاد يتركز ضد الوحدة العربية، وان إسرائيل لم توجد إلا لتعطيل الوحدة وعرقلتها، ولا حرية ولا استقلال للعرب من دون الوحدة، والتحرر من الاستعمار( ).

وقد نظر البعثيون إلى الوحدة العربية وضرورتها القومية كأمر مقدس لأن أهداف حزب البعث قد مثلها الشعار الذي رفعه البعثيون ومازال يتردد على ألسنتهم وهو:" أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة "، وهذا يعني تضافر الجهود العربية في مواجهة التوسع الصهيوني وكبح جماحه من خلال الإعداد الجيد للمعركة القومية الكبرى وهي تحرير فلسطين. فالوحدة لا يصنعها إلا الوحدويون وكذلك الذين يلتقون مع البعث فكرا وممارسة، وما تضحية البعث بوجوده لقاء الوحدة مع مصر جمال عبد الناصر إلا دليل على ذلك( ).

ولم تعد الوحدة العربية في نظر البعث مجرد تحقيق لماضي سلف، بل هي ضرورة مباشرة في معركة الوجود العربي ضد الاستعمار بشكليه القديم والجديد، فالطريق إلى استعادة الأجزاء السليبة من الوطن العربي وسد المنافذ أمام تسلل الاستعمار الجديد لا يمكن أن يتم بصورة نهائية وأكيدة إلا عبر النضال الوحدوي( ).

كما شكل النضال من أجل الوحدة العربية والعمل الوحدوي منطلقا ثابتا ودائما في سياسة الحزب الذي أيد كل عمل وحدوي يستجيب لأماني الجماهير ومقتضيات الصمود والنضال ضد الامبريالية والصهيونية ومخططاتها، وأنه سعى لتحقيق أي خطوة وحدوية مع الأقطار المؤهلة لذلك. كما أن هذا النهج الذي سلكه الحزب قد شكل عقبة كأداء في وجه المخططات المعادية، ولمختلف أشكال التآمر والضغوط والابتزاز وضد سياسة الهيمنة والعدوان التي استهدفت الأمة العربية وحقوقها ومصالحها( ).

إن حزب البعث وبالرغم من تمسكه بشعار الوحدة العربية كأساس لتحرير فلسطين، لم يتمكن من تحقيق هذا الشعار بالرغم من التضحيات التي قدمها الحزب من أجل ذلك، ففي تجربة الوحدة بين مصر وسوريا والتي علقت الجماهير العربية عليها آمالا كبيرة في تحقيق النصر على إسرائيل- والتي لم تستمر طويلا، وبالرغم من العوامل الموضوعية التي ساقها الحزب لتبرير فشلها وإعلان الانفصال، فإن الحزب تحمل المسؤولية الأولى في الضرر البالغ الذي حصل علي صعيد الوطن العربي وإحباط جماهيره.

كما أن مسلسل الانقلابات الذي حصل في سوريا بعد الانفصال قد أدى إلى تراجع الدور القومي لسوريا تجاه قضايا العرب المصيرية ومنها فلسطين، مع الإشارة إلى ضرورة التفريق مع عدد من قادة البعث الذين اختلفوا مع قيادة الحزب في إدارة دفة الصراع وشؤون الوحدة الأمر الذي أحدث انقساما داخليا في صفوف الحزب ولربما أثر سلبا على مصداقيته أمام الجماهير العربية في التعاطي مع القضايا القومية والتي تمثلت بهزيمة حزيران 1967 وفقدان الثقة بالمد القومي الذي مثله البعث في تلك الفترة.






المبحث الثالث: التضامن العربي خطوة على طريق الوحدة العربية وتحرير فلسطين:

أولاً: رؤية حزب البعث للتضامن العربي ومؤتمرات القمة العربية:

بدأ حزب البعث ومنذ الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس حافظ الأسد تحديد موقفه من التضامن العربي ومؤتمرات القمة العربية بعد أن كان في البداية يؤكد على وحدة النضال العربي دون أن يعير اهتماماً جدياً لمسألة التضامن العربي على الصعيد الرسمي.

وجاء في بيان القيادة القطرية المؤقتة بتاريخ 16 تشرين الثاني 1970 الذي حدد أهم بنود الحركة التصحيحية على مختلف الأصعدة، فأكد على ضرورة حشد الطاقات العربية، وتعزيز العمل الوحدوي، ودعت إلى التمسك بالتضامن العربي والعمل لتعزيزه انطلاقاً من الاستجابة المخلصة والمسؤولة لمصالح النضال الوطني والقومي والتحرري للأمة العربية وتوحيد الجهود العربية لخدمة أهداف النضال العربي في تحرير فلسطين وبقية الأراضي العربية المحتلة( ).

كما ركز حزب البعث وثورته في سوريا جهوده بعد الحركة التصحيحية من أجل تحقيق تضامن عربي فعال، عموده الفقري التنسيق والتعاون الوطيد بين سوريا ومصر والأنظمة الوطنية التقدمية العربية الأخرى بهدف حشد الطاقات والإمكانات العربية المادية والمعنوية في المعركة مع إسرائيل، وذلك بالرغم من اهتزاز الوضع في مصر بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في أيلول عام 1970، حيث لم يحل ذلك دون متابعة العمل والاستعداد في سبيل تحقيق الظروف المواتية لمواجهة العدوان الإسرائيلي القائم والمستمر على الأمة العربية وخوض حرب تشرين ( ).
وقد أوضح الرئيس حافظ الأسد، الأمين العام لحزب البعث في المؤتمر القومي الثاني عشر في تموز 1975 فهم الحزب للتضامن العربي وموقفه منه على انه صيغة من صيغ العمل تبدأ بإزالة مظاهر وعوامل التوتر والقطيعة، وتنتهي بشكل عالٍ من أشكال التنسيق( ).

ويعتبر حزب البعث أن المقصود بالتضامن هو تضامن القوى الصامدة في وجه الصهيونية التي تستهدف الأرض والحقوق العربية.

والتضامن الذي يريده الحزب أيضاً هو التضامن الذي يلتزم بأن فلسطين جزء من الوطن العربي وعلى العرب مسؤولية قومية تجاهها. لذا فإن التضامن العربي هو في صميم الوحدة المنشودة ونبذ الفرقة وإبعاد العدو ودحره، وإعادة الكرامة المنقوصة للعرب( ).

ثانياً: الصراع العربي الصهيوني هو أحد قضايا التضامن العربي:

اعتبر حزب البعث أن النضال ضد الكيان الصهيوني وسياسته العدوانية تجاه الشعب العربي الفلسطيني وتحرير الأراضي العربية المحتلة هو محور وأساس العمل العربي المشترك، وكانت مواجهة الخطر الصهيوني الذي يتهدد الأمة العربية كلها وحقوقها والدفاع عن القضية الفلسطينية بمثابة الدافع القوي لرص صفوف العرب وتعزيز التضامن بينهم، وما المعارك التي خاضها العرب في سبيل تحرير أرضهم واستعادة حقوقهم المغتصبة وخصوصاً حرب تشرين عام 1973 إلا بمثابة تأكيد لأهمية التضامن العربي وضرورته وحيويته وآثاره الايجابية على الصعيد العربي.

كما يؤكد البعث في أدبياته أن تحقيق التضامن والوحدة العربية هو جزء من وحدة الموقف في المعركة مع الكيان الصهيوني، سواء كانت معركة سياسية أو غيرها، وهو ضرورة قومية ووطنية في آن واحد، وهو السبيل إلى تشكيل موقف ضاغط وقوي وفعال يساعد العرب على فرض الحل العادل الذي يستجيب لمصالحهم وحقوقهم المشروعة في تحرير أرضهم في فلسطين والجولان وسيناء وجنوب لبنان( ).

ويرى الحزب في التضامن العربي ضد عدوان إسرائيل سبيلا لتعزيز التعاون وحشد الطاقات العربية في خدمة أهداف الأمة العربية في تحرير الأرض واستعادة الحقوق، وفي خدمة أهدافه القومية عموما ، وخصوصا هدف السير على طريق تحقيق الوحدة العربية وتحقيق كل ما من شأنه تعزيز النضال العربي والموقف العربي الموحد ضد المخططات الأمريكية والصهيونية الموجهة ضد المصالح الجذرية والأساسية للأمة العربية( ).

وقد اعتبر الرئيس حافظ الأسد في خطابه أمام المؤتمر القومي الثاني عشر للحزب، أن أي تقارب بين قطرين عربيين ولا سيما أقطار المواجهة يقيم الدنيا في إسرائيل ويقعدها، وأن إسرائيل قامت وخطتها الأبدية تعتمد على تمزق الصف العربي وخصوصاً الدول المحيطة بإسرائيل وأن هذه الإستراتيجية الإسرائيلية في الحرب كما في السلم، في السياسة كما في المعركة تقوم على التفرقة وعلى الثغرات التي يمكن أن تخلق أو تخلقها هي. ومن هنا تأتي أهمية العمل الوحدوي العربي وضرورة قيامه( ).

كما أكد الرئيس الأسد أمام المؤتمر القومي الثاني عشر للحزب أن حرب تشرين عام 1973 قدمت نموذجاً لأهمية الاتحاد والتضامن العربي، وأنه لولا اتحاد الجمهوريات العربية الذي ضم سوريا ومصر وليبيا لما قامت هذه الحرب.

لقد فرض اتحاد الجمهوريات العربية الثقة التي مكنت سوريا ومصر من التخطيط للحرب وخوضها في وقت واحد. وأن ما نشعر به من كبرياء كعرب هو نتيجة الحرب، والحرب نتيجة الاتحاد. وأضاف الأسد: لقد حاربنا معاً، أمة واحدة، شعب واحد، قيادات واحدة، لذا فإن هذا الطريق هو طريق الوحدة والتضامن لمواجهة إستراتيجية إسرائيل والقضاء عليها( ).

وقد لعب حزب البعث في سوريا دورا هاما وأساسيا في تحقيق تضامن عربي مقبول نسبيا قبل حرب تشرين عام 1973 وأثناءها، وخطت تلك الحرب بهذا التضامن خطوة هامة إلى الأمام حيث عمل الحزب على ترسيخ وتطوير النتائج الايجابية لهذه الحرب والتي أدت إلى إحداث تبدلات هامة في موازين القوى العربية – الإسرائيلية لصالح الأمة العربية وحركتها التحررية ولصالح التقدم على طريق تحقيق حل عادل وشامل لأزمة المنطقة يقوم على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني( ).

كما وقف حزب البعث إلى جانب الأنظمة الوطنية التقدمية العربية الرافضة والمستنكرة لاتفاقيات كامب ديفيد التي وقعها الرئيس أنور السادات مع إسرائيل، وأقام معها الجبهة القومية للصمود والتصدي لإسقاط هذه الاتفاقيات والآثار المترتبة عليها حيث تحمل الحزب مسؤولياته التاريخية والقومية في إطار التضامن العربي والعمل العربي المشترك، وتوحيد الجهود العربية في اتخاذ الموقف المشترك ضد اتفاقيات كامب ديفيد ومنع تمريرها وذلك في مؤتمر القمة العربي التاسع الذي عقد في بغداد في تشرين الثاني 1978( ).

لقد أحدثت حرب تشرين 1973 قفزة نوعية في توجه حزب البعث نحو تحقيق الوحدة العربية والتضامن العربي، خصوصا في ضوء الانتصارات التي حققتها سوريا ومصر في هذه الحرب على إسرائيل. كما أن هذه الحرب التي خاضتها سوريا ومصر جاءت لتعيد الاعتبار لدى كل من القيادتين السورية والمصرية، ولتنعش الآمال لدى الجماهير والقوى التقدمية العربية أن الشرخ الذي حصل في الصف العربي نتيجة الانفصال في وحدة مصر وسوريا في العام 1961 لربما أصبح جزءا من الماضي ولا يمكن تكراره، وهذا ما يمكن تفسيره بأنه ينطبق على فترة معينة من تاريخ حزب البعث والتي كانت تعبر عن تنامي المد القومي وتصاعد العمل الفدائي المسلح ضد إسرائيل.

ويرى الباحث أن محاولة حزب البعث إحياء الوحدة والتضامن العربي قبل وبعد حرب 1973 قد جاءت في الوقت الذي شعر فيه الحزب بأن الخطر أصبح يتهدد الأمة العربية بأسرها، وأن إسرائيل ماضية في سياستها العدوانية والتوسعية على حساب الأرض والكرامة العربية. وأن الحزب في سعيه لتحقيق التضامن العربي، إنما يعيد الاعتبار لحضوره المهزوز على الساحة العربية، وذلك بإقامة تحالفات سياسية وعسكرية مع المنظمات الفلسطينية والأنظمة العربية الرافضة لنهج الاستسلام والحلول التصفوية للقضية الفلسطينية كما يسميه ذلك حزب البعث.

إن الخلافات العقائدية داخل صفوف حزب البعث والذي مثله طرفي الحزب في سوريا والعراق ولربما حساباتهم الإقليمية والدولية قد أبقت على حالة التمزق القائمة في الوطن العربي، وأنها أيضا قد أثرت بشكل سلبي على مصداقيتهما في الشارع العربي في ظل اعتداءات وحروب قامت بها إسرائيل وحلفاؤها ضد العرب والفلسطينيين على حد سواء، وما حصار بيروت في عام 1982، وقمع إسرائيل الوحشي لانتفاضة الشعب الفلسطيني في العام 1987، وحرب الخليج الأولى في عام 1980 والثانية في عام 1991 إلا دليل على حالة الضعف العربي الذي مثله الحزب في تلك الفترة حيث عكس انقسامه العقائدي على قضايا العرب المصيرية وعجز عن مواجهة التحديات التي تعصف بالأمة العربية.



الخاتمة

يعتبر حزب البعث العربي الاشتراكي من الأحزاب والقوى المهمة في الوطن العربي التي تستحق الاهتمام والدراسة من قبل الباحثين والمختصين في القضايا العربية والحزبية وذلك بسبب الجدل الواسع الذي أثاره هذا الحزب في السياسة العربية والدولية في التعامل مع قضايا الشعب العربي وتطلعاته.

وبناء على ذلك كانت النتائج كما يلي:

• أظهرت الدراسة أن القضية الفلسطينية لعبت دوراً مهماً في نشوء وتطور فكر حزب البعث العربي الاشتراكي، فقد رفع هذا الحزب منذ تأسيسه شعار الدفاع عن القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين والنضال من أجل تحررها. فكانت شعارات البعث العربي تركز على مقاومة الاستعمار والصهيونية.

• كما أظهرت الدراسة أيضاً مواقف الحزب تجاه القضية الفلسطينية وعوامل نشأتها منذ الهجرة اليهودية إلى فلسطين ووعد بلفور مروراً بقرار تقسيم فلسطين والبيانات والمواقف التي حذرت من هذا القرار وعدم قبوله كونه يقيم جسماً غريباً في قلب المنطقة العربية ويهدد مستقبلها.

• ولعب حزب البعث دوراً هاماً في حرب فلسطين عام 1948 ولو من الناحية الرمزية والمعنوية من خلال إرسال مقاتليه وقياداته إلى أرض المعركة لخوض القتال إلى جانب الجيوش العربية رغم قناعة الحزب أن هذه الحرب لم تحظ بالاستعداد والتحضير الجيد لها من الناحية العسكرية، فكانت هزيمة العرب في هذه الحرب وإنشاء إسرائيل على أرض فلسطين هي العامل الهام والحاسم في نهوض وتطور فكر البعث ورؤيته تجاه القضية الفلسطينية وضرورة التنبه لخطورة المستقبل الذي يواجه الأمة العربية.

• وقد أكد حزب البعث اهتمامه بقضية فلسطين بعد نكبة عام 1948 من خلال تأسيس مكتب فلسطين الدائم في حزب البعث الذي عمل على إصدار البيانات المتعلقة بهذه القضية باعتبارها قضية العرب القومية والعمل على تهيئة الجماهير لخوض معركة تحرير فلسطين واعتماد الحرب الشعبية والكفاح المسلح طريقاً لذلك.

• ورغم التناقض الذي ظهر لدى قيادات البعث في مواقفهم نحو الكيان الفلسطيني، إلا أن الدراسة بينت أن الحزب حسم موقفه باتجاه ضرورة تأسيس هذا الكيان وضرورة تجسيد المحتوى النضالي للقضية الفلسطينية من خلال العمل على إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية، وتوحيد كلمة الفلسطينيين، والمحافظة على استمرارية نضالهم من خلال تشكيل جبهة نضالية تحررية فلسطينية.

• كما أوضحت الدراسة طروحات البعث في حل القضية الفلسطينية والتي تمثلت بشكل أساسي في اعتماد حرب التحرير الشعبية ضد إسرائيل من خلال خلق الوضع الاستراتيجي الملائم لخوض هذه الحرب. وأن أي حل لقضية فلسطين ينبغي أن يتضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه في تقرير مصيره، وهو ما اتضح من موقف الحزب ضد مشاريع الأحلاف الغربية التي دعمت إسرائيل ومقاومتها بسبب توجهها لتصفية القضية الفلسطينية وتثبيت الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

• لقد قدمت الدراسة فكرة واضحة عن حجم الدعم المادي والمعنوي الذي حظيت به المنظمات الفدائية من قبل الحزب من خلال إقامة معسكرات التدريب لهذه المنظمات وإمدادها بالسلاح وتسهيل انطلاق العمل الفدائي من الأراضي السورية باتجاه فلسطين المحتلة. كما أن هذا الدعم الذي تمتعت به المنظمات الفدائية في سوريا جاء في الوقت الذي كان فيه حزب البعث يتحفظ على طريقة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها وخضوعها للإملاءات العربية والتشكيك في الخط النضالي الذي ستنتهجه المنظمة.

• وبينت الدراسة أيضاً أن الكفاح المسلح في فكر البعث أخذ طريقه العملي على الساحة الفلسطينية من خلال تأسيس منظمات البعث التي تبنت الكفاح المسلح كطريق لتحرير فلسطين، وتدريب هذه المنظمات باعتبارها منظمات عقائدية تنتهج خط البعث النضالي والكفاحي حيث أن المؤتمرات التنظيمية الحزبية القومية والقطرية أكدت على ذلك في فترة ما بعد هزيمة حزيران عام 1967.

• وأوضحت الدراسة الدور الإيجابي الذي لعبه حزب البعث على صعيد انتزاع الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني والتأكيد على ذلك في مواقف وخطابات الحزب، وفي مؤتمرات القمم العربية واعتبار المنظمة صاحبة الحق في قبول أو رفض أي حل يتعلق بالقضية الفلسطينية.

• وفيما يتعلق بموقف الحزب من الأنظمة السياسية العربية والقوى القومية العربية فانه ينطلق في ذلك من مبدأ الصراع مع إسرائيل وضرورة تحقيق التوازن لخوض المعركة، وأنه يقترب من هذه الأنظمة بقدر اقترابها من خط البعث تجاه القضية الفلسطينية، وأن التحالف مع هذه القوى يتحدد في إطار المواجهة مع إسرائيل التي تمثل التناقض الرئيسي في المنطقة.

• وفي الوقت الذي سعى فيه حزب البعث لوحدة هذه القوى على أساس التناقض مع الصهيونية، فإنه سعى من أجل الوحدة العربية الشاملة لما لها من أهمية بالنسبة للقضية الفلسطينية. وما تجربة الوحدة المصرية السورية عام 1958 ورغم الانتكاسة التي أصابتها، إلا أنّ الحزب استمر في رفع شعار التضامن العربي والوحدة العربية باعتبارها صمام أمان للدفاع عن قضايا العرب المصيرية ومنها قضية فلسطين وأن حرب تشرين/ أكتوبر 1973 لم تكن لتقم لولا الاتحاد بين مصر وسوريا وليبيا وهو ما اصطلح على تسميته باتحاد الجمهوريات العربية.

• وما يمكن قوله أن نتيجة هذه الدراسة تظهر أن حزب البعث عمل جاهداً من أجل تحقيق أهدافه ومبادئه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ولكنه لم يستطع أن يحقق كل ما كان يصبوا إليه عبر مسيرته النضالية وذلك بسبب عدم وجود خطة إستراتيجية واضحة تستطيع أن تراعي متغيرات الواقع العربي والدولي.

• ومع أن الحزب استطاع إثارة مشاعر الجماهير العربية وتعميق الشعور القومي لديها في خطاباته وبياناته السياسية تجاه القضية الفلسطينية، إلا أن الخطاب العاطفي طغى على الممارسة العملية للحزب، وما يؤخذ على حزب البعث أيضاً أنه برغم احتضانه للعمل الفدائي الفلسطيني منذ بداياته ووقوفه إلى جانب حركة التحرر الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية فيما بعد كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، إلا أن الحزب حاول التأثير على هذه الفصائل الفلسطينية وقيادة العمل الوطني الفلسطيني عن طريق تنظيماته الحزبية المسلحة.

• وبالرغم من أن شعار الوحدة العربية والتضامن العربي الذي رفعه الحزب في كل المناسبات السياسية، إلا أن هذا الشعار لم يتطور، ولم يرتق إلى المستوى المطلوب، وذلك بعد فشل تجربة الوحدة بين مصر وسوريا، ورغم نجاح مصر وسوريا في حرب تشرين عام 1973 في تحقيق النصر العسكري على إسرائيل إلا أن هذا التوجه الوحدوي تراجع بعد ذلك بسبب الخلافات الحزبية الداخلية التي لعبت دوراً في تشتيت توجه الحزب المركزي نحو الوحدة العربية، وبالتالي انعكاس ذلك سلباً على مجريات القضية الفلسطينية مما افقدها الثقل المطلوب.

• يبقى أن أشير كباحث أن هذه الدراسة لربما أنصفت حزب البعث وتاريخه النضالي تجاه القضية الفلسطينية والتي لعبت دوراً في نهوض وتطور فكر البعث الذي أثر في مشاعر الجماهير العربية وانتمائها العروبي والقومي، وجعل ربما لديها تصوراً لما ستؤول إليه الأمور في المستقبل، منبهاً إلى ضرورة المحافظة على الحقوق العربية واستعادة ما اغتصب منها من خلال تعزيز علاقاته بالقوى التقدمية العربية والأنظمة السياسية الحاكمة.
المصادر والمراجع:

1- الباقوري، عبد العال ، رباعية فلسطينية : بوابة مصر الشرقية، البعث وفلسطين حتى 1958، كذبة صهيونية، سقوط القدس ، بيروت : دار الفكر الحديث ، ط1 ، 1996.
2- بدوان، علي، صفحات من تاريخ الكفاح الفلسطيني، التكوينات السياسية والفدائية المعاصرة: النشأة والمصائر، ط1، 2008، دمشق: صفحات للدراسة والنشر.
3- توما، إميل، جذور القضية الفلسطينية، الناصرة:المكتبة الشعبية، (د.ت).
4- الجالودي، عليان وآخرون، تاريخ العرب الحديث وقضاياه المعاصرة، ج2، المجموعة الفلسطينية للطباعة والنشر، (د. ت).
5- حبش، جورج، الثوريون لا يموتون أبداً، منشورات التقدم، ط1، 2009.
6- حسن، هادي، دور حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق في الحركة الوطنية منذ تأسيسه حتى 14 تموز 1958، جامعة بغداد، 1978.
7- حمدان، محمد سعيد وآخرون، فلسطين والقضية الفلسطينية، منشورات جامعة القدس المفتوحة، ط3، 2008.
8- حوراني، فيصل، دروب المنفى، ج3، رام الله: دار التنوير، 1998.
9- حوراني، فيصل، دروب المنفى، ج4، رام الله: دار التنوير،2001.
10- الحوت، بيان، فلسطين- القضية - الشعب - الحضارة، بيروت: دار الاستقلال للدراسات والنشر، ط1، 1991، ص348.
11- الحوت، بيان، القيادة والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917-1948، بيروت: دار الهدى، 1986، ص128.
12- الحمد، جواد، المدخل إلى القضية الفلسطينية، عمان: مركز دراسات الشرق الأوسط، ط2، 1997، ص185-186.
13- دراغمة، عزت، الفلسطينيون والطريق إلى فلسطين، ج1، القدس: مركز الضياء للدراسات الفلسطينية، ط1، تموز 1992.
14- دمج، ناصر، تحولات منهجية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، رام الله: منشورات مركز الدراسات الإستراتيجية، ط2، 2007.
15- دندشلي، مصطفى، مساهمة في نقد الحركات السياسية في الوطن العربي، حزب البعث العربي الاشتراكي 1940-1963، بيروت: المؤسسات العربية للدراسات والنشر.
16- دياب، عز الدين: التحليل الاجتماعي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي، حزب البعث العربي الاشتراكي نموذجاً، مركز البحوث العربية، 1993.
17- زقوت، ناهض، أوراق عمل الندوة السياسية الفكرية- خبرات الحركة السياسة الفلسطينية في القرن العشرين، غزة: المركز القومي للدراسات والتوثيق، ط1، 2000.
18- سيل، باتريك، الأسد الصراع على الشرق الأوسط، بيروت: المؤسسة العامة للدراسات والنشر والتوزيع، 1988.
19- شفيق، منير وآخرون، القضية الفلسطينية في نصف قرن، لندن: منشورات فلسطين المسلمة، ط1، 1990.
20- شفيق، منير، القومية العربية بين واقع التجزئة وتطلعات الوحدة، (د.ن)، (د.ت)، ص125-126.
21- صايغ، يزيد، الكفاح المسلح والبحث عن الدولة، الحركة الوطنية الفلسطينية 1949-1993، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، كانون الثاني، 2002.
22- عثمان، عثمان وآخرون، دراسات فلسطينية، نابلس، كانون الثاني، 2009.
23- عفلق، ميشيل، في سبيل البعث، الكتابات السياسية الكاملة، ج1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، (د.ت).
24- عفلق، ميشيل، معركة المصير الواحد، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1979.
25- عرار، عبد العزيز أمين موسى، حزب البعث في فلسطين ودوره في الحركة الوطنية الفلسطينية 1948-1982، القدس: المركز القومي للدراسات والإعلام، 2008.
26- علوش، ناجي وآخرون، الحركة العربية القومية في مائة عام 1857-1982، رام الله: دار الشروق، ط1، 1997.
27- علوش، ناجي، المسيرة إلى فلسطين، بيروت: دار الطليعة، 1964.
28- العلي، أحمد صالح، تطور الفكر القومي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، (د.ت).
29- العلي، محمد إبراهيم، حياتي والإعدام، ج2،( د.ن)، 2003.
30- العيسمي، شبلي، حزب البعث العربي الاشتراكي، مرحلة النمو والتوسع 1949-1958، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط2، 1979.
31- غنيم، عبد الرحمن، المقاومة الفلسطينية والأيديولوجيا الثورية، دمشق: منشورات الطلائع، ط1، نيسان، 1973.
32- فارس، أحمد، مقارنة النظم السياسية، جامعة القدس، ط2، 2009.
33- فرح، إلياس، قراءة منهجية في كتاب في سبيل البعث، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1981.
34- قهوجي، حبيب، إستراتيجية الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة 1978، منشورات الطلائع.
35- الكبيسي، باسل، حركة القوميين العرب، بيروت: دار الطليعة. 1968.
36- الكيالي، عبد الوهاب، تاريخ فلسطين الحديث، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط10، 1990.
37- الكيالي، عبد الوهاب، دراسات ومطالعات ونصوص 1974-1977، بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1.
38- الكيالي، عبد الوهاب، موسوعة السياسة، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1989.
39- ياسين، عبد القادر، دليل الفصائل الفلسطينية، مركز الإعلام العربي، ط1، 2009.

سلسلة نضال البعث:

40- نضال البعث، القطر السوري 1943-1949 من معركة الاستقلال إلى نكبة فلسطين والانقلاب العسكري الأول، ج1، بيروت: دار الطليعة والنشر، ط4، شباط 1976.
41- نضال البعث، القطر السوري 1949-1954 من الجمعية التأسيسية إلى مقاومة الدكتاتورية العسكرية والأحلاف الاستعمارية، ج2، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط4، شباط 1976.
42- نضال البعث، القطر السوري من معركة حلف بغداد والعدوان الثلاثي إلى قيام الجمهورية العربية المتحدة، ج3، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط3، شباط 1976.
43- نضال البعث، المؤتمرات القومية السبعة الأولى، 1947-1964، ج4، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط3، شباط 1976.
44- نضال البعث، القطر العراقي 1953-1958 من مقاومة الحكم الرجعي وحلف بغداد إلى قيام ثورة 14 تموز المجيدة، ج5، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط3، شباط 1976.
45- نضال البعث، المؤتمر القومي الثامن نيسان 1965، ج9، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر.
46- نضال البعث، القيادة القومية 1963-1966 من ثورة رمضان وآذار إلى 23 شباط 1966، ج10، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط2، شباط 1976.
47- نضال البعث، القطر اللبناني 1961-1968، النضال من أجل وضع حزبي سليم ومن أجل لبنان وطني وديمقراطي، ج11، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط2، شباط 1976.

الدوريات:

48- الجودة، عطية، قراءة في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي ومسألة تطويره في الظروف الحالية، ملحق البعث الفكري، ع 19، نيسان 2004.
49- الصيّاغ، فواز، مجدداً التضامن العربي ووحدة المصير، المناضل، ع372، شباط 2009.
50- العودات، حسين، حزب البعث خمسون عاماً على تأسيسه، اليسار، العدد 87، مايو، 1997.
51- بشور، معن، المعوقات الذاتية لدى الوحدويين العرب، المستقبل العربي، ع122 نيسان، 1989.
52- سخنيني، عصام، الكيان الفلسطيني 1964-،1974 مجلة شؤون فلسطينية، ع41/42 كانون الثاني/ شباط 1975.
53- شبيب، سميح، منظمة التحرير الفلسطينية التطور، وصراع الإرادات، مجلة شؤون فلسطينية، ع152-153، تشرين الثاني/ كانون الأول، 1985
54- عرار، عبد العزيز أمين موسى، موقف ورؤية حزي البعث في فلسطين تجاه القضية الفلسطينية 1940- 1948، الأسوار، عكا: مؤسسة الأسوار، العدد 21 ، 2000.
55- عرسان، علي عقلة ، سوريا القضية القومية ومسار البعث ، الفكر السياسي، ع 8، شتاء 2000.
56- كامل، هيام، حزب البعث وفلسطين، صامد الاقتصادي، العدد 127، كانون الثاني- شباط- آذار، 2002.

سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية:

57- سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1965، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية. (د.ت).
58- سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1966، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية. 1968.
59- سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1971، رقم 8، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية. ط1، 1975.
60- سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1972، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، 1976،
61- سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1974، رقم 11، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية. ط1، 1977.
62- سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1975، رقم 12، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية. ط1، 1978.

سلسلة الوثائق العربية الفلسطينية

63- سلسلة الوثائق العربية الفلسطينية لعام 1965، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أبوظبي: مركز الوثائق والدراسات
64- سلسلة الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1975، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أبوظبي: مركز الوثائق والدراسات، ط1، 1977.

المقابلات

65- مقابلة مع السيد إحسان كامل الناطق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي في فلسطين أجريت معه في رام الله بتاريخ 18/1/2011.
66- مقابلة مع السيد بسام الشكعة أجريت معه في مدينة نابلس بتاريخ 2/4/2011.
67- مقابلة أجريت مع السيد سامي العطاري في دمشق بتاريخ 4/4/2011.
68- مقابلة مع السيد توفيق جراد أجريت معه في دمشق بتاريخ 21/4/2011.


كراسات حزب البعث:

69- التنظيم الفلسطيني الموحد منذ البدايات وحتى انعقاد المؤتمر التحضيري شباط 1968، دراسة تاريخية موجزة، مكتب الثقافة والإعداد الحزبي، (د. ت).
70- جبهة التحرير العربية، الطريق القومي لتحرير فلسطين، منشورات جبهة التحرير العربية، ط1، نيسان، 1970،
71- حزب البعث العربي الاشتراكي القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد ، مكتب الثقافة والدراسات والإعداد الحزبي، البعث والكيان الفلسطيني، سلسلة الوثائق 5، مطبعة القيادة القومية، نيسان 1978.
72- حزب البعث العربي الاشتراكي- القيادة القومية، مكتب الإعداد الحزبي القطري، منهاج التثقيف الحزبي، ج4، مطبوعات مكتب الإعلام والنشر في القيادة القومية، (د.ت).
73- حزب البعث العربي الاشتراكي، الحركة السياسية والوطنية في فلسطين، إصدار حزب البعث العربي الاشتراكي، (د. ت).
74- حزب البعث العربي الاشتراكي، القطر العربي السوري- القيادة القطرية، منهاج التثقيف الحزبي، ج1، دمشق: منشورات مكتب الإعداد الحزبي القطري، (د،ت).
75- حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، حول الكيان الفلسطيني- منظمة التحرير- حركة المقاومة- الدولة الديمقراطية، سلسلة وثائق 2، مكتب الثقافة والدراسات والإعداد الحزبي ،آذار 1976.
76- حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادة القومية، مكتب الثقافة والإعداد الحزبي، حول التضامن العربي –أهم عوامله- ضروراته وأهميته وقضاياه الأساسية، سلسلة دراسات17، دمشق: مطابع دار البعث، تموز 1992.
77- حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادة القومية، نضال حزب البعث في فلسطين، سلسلة الأبحاث الحزبية3، هيئة الأبحاث القومية، 2011.
78- حزب البعث العربي الاشتراكي، سلسلة ندوات البعث الحوارية، ندوة البعث والقضية الفلسطينية، ج3، دمشق: هيئة الأبحاث القومية في الأمانة العامة للقيادة القومية لحزب البعث ، أيلول 2009.
79- سياسة حزب البعث العربي الاشتراكي العربية والدولية وعلاقاته مع الأحزاب والقوى السياسية في الوطن العربي والعالم، الذكرى الأربعون لتأسيس الحزب 1974-1987. دمشق: مطابع دار البعث.
80- ميثاق العمل الوطني الذي أعلنه الرئيس أحمد حسن البكر في 10 تشرين الثاني 1971، وزارة الإعلام: مديرية الإعلام العامة.
81- حزب البعث العربي الاشتراكي ،القيادة القومية ،أوراق بعثية من أربعينيات القرن العشرين حتى نيسان2010 .


خطابات وبيانات الحزب

82- بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي 29/11/1969 حول تقسيم فلسطين، مجلة المناضل، العدد 329 تشرين الثاني- كانون أول 2004.
83- بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، أيلول 1993.
84- بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، المناضل، ع388، تموز2010.
85- بيان حزب البعث العربي الاشتراكي في 15 أيار1961 بمناسبة إنشاء الكيان الصهيوني، المناضل، ع326 أيار- حزيران 2004.
86- بيان حزب البعث العربي الاشتراكي في 15 أيار1961 بمناسبة إنشاء الكيان الصهيوني، المناضل، ع326 أيار- حزيران 2004.
87- بيان طلائع حرب التحرير الشعبية – قوات الصاعقة- بعنوان الساحة السورية حاضنة للمقاومة حصل الباحث على نسخة منه، (د.ت).
88- حديث فرجان أبو الهيجا لرسالة البعث، رسالة البعث، ع71 ، 10 تشرين الأول 2010.
89- خطاب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الدكتور منيف الرزاز في مهرجان أسبوع نصرة فلسطين، الجمهورية العربية السورية، وزارة الإعلام، 1965.
90- كلمة أمين عام حزب البعث د. نور الدين الأتاسي في 29/11/1969 حول ذكرى تقسيم فلسطين، المناضل، ع392، تشرين الثاني، 2010.
91- كلمة نساء البعث في ذكرى وعد بلفور، مجلة المناضل، ع392، تشرين الثاني2010.

الموسوعات

92- هيئة الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني، الدراسات الخاصة، المجلد الثالث، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، 1990.
93- هيئة الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني، الدراسات الخاصة، المجلد الخامس، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، 1990.
94- هيئة الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، المجلد الثالث، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، 1984.
95- هيئة الموسوعة الفلسطينية، المجلد الأول، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، 1984.






















الملاحق
ملحق1
بيان حزب البعث العربي في 2 تشرين ثاني 1954 في ذكرى وعد بلفور (1)

ملحق 2
بيان حزب البعث العربي حول نصرة فلسطين 2/5/1946(2)




ملحق3
بيان التنظيم الفلسطيني لحزب البعث في لبنان حول ذكرى 15 أيار (1)



ملحق 4
بعض المتطوعين البعثيين في جيش الإنقاذ بين قريتي (صندلة وجلمة) في ضواحي جنين نيسان 1948 من اليمين إلى اليسار جودت أتاسي- نزار أتاسي- جلال فاروق الشريف- وهيب الغانم- عبد الرافع أتاسي(1)








ملحق 5
بيان نساء البعث العربي الاشتراكي في ذكرى وعد بلفور المشؤوم 2/11/1955(1)



ملحق 6
مذكرة حزب البعث العربي الاشتراكي المقدمة إلى مؤتمر وزراء الخارجية العرب في بغداد 1/1/1961(1)

فهرس الملاحق
الرقم المحتوى رقم الصفحة
1 ملحق1:بيان حزب البعث العربي في 2 تشرين ثاني 1954 في ذكرى وعد بلفور 164
2 ملحق 2: بيان حزب البعث العربي حول نصرة فلسطين 2/5/1946 165
3 ملحق 3: بيان التنظيم الفلسطيني لحزب البعث في لبنان حول ذكرى 15 أيار 166
4 ملحق 4: بعض المتطوعين العبثيين في جيش الإنقاذ بين قريتي (صندلة وجلمة) في ضواحي جنين نيسان 1948 من اليمين إلى اليسار جودت أتاسي- نزار أتاسي- جلال فاروق الشريف- وهيب الغانم- عبد الرافع أتاسي 167
5 ملحق 5: بيان نساء البعث العربي الاشتراكي في ذكرى وعد بلفور المشأوم 2/11/1955 168
6 ملحق 6: مذكرة حزب البعث العربي الاشتراكي المقدمة إلى مؤتمر وزراء الخارجية العرب في بغداد 1/1/1961 169











فهرس المحتويات
الرقم المحتوى رقم الصفحة
1 الإقرار أ
2 الشكر ب
3 ملخص ج
4 Abstract هـ
5 الفصل الأول: خلفية الدراسة 1
6 أولاً: المقدمة 1
7 ثانياً: أهمية الدراسة 3
8 ثالثاً: مبررات الدراسة 3
9 رابعاً: أهداف الدراسة 4
10 خامساً: مشكلة الدراسة 4
11 سادساً: أسئلة الدراسة 5
12 سابعاً: فرضية الدراسة 5
13 ثامناً: منهج الدراسة 6
14 تاسعاً: حدود الدراسة 6
15 عاشراً: الدراسات السابقة 7
16 التعليق على الدراسات السابقة 9
17 الفصل الثاني: القضية الفلسطينية ونشوء حزب البعث العربي الاشتراكي 11
18 المبحث الأول: نبذة تاريخية عن القضية الفلسطينية 11
19 أولاً: جذور القضية الفلسطينية 12
20 ثانياً: الهجرة اليهودية لفلسطين 13
21 ثالثاً: المقاومة الفلسطينية ضد الهجرة اليهودية 15
22 رابعاً: وعد بلفور 16
23 خامساً: الانتداب البريطاني على فلسطين 17
24 سادساً: مرحلة الصراع بعد وعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين 19
25 سابعاً: تقسيم فلسطين 20
26 ثامناً: حرب عام 1948 22
27 تاسعاً: تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية 23
28 عاشراً: حرب حزيران عام 1967 24
29 الحادي عشر: حرب عام 1973: (الحرب العربية- الإسرائيلية الرابعة) 25
30 المبحث الثاني: دور القضية الفلسطينية في نشوء حزب البعث العربي الاشتراكي 27
31 أولاً: نشوء حزب البعث العربي الاشتراكي 27
32 ثانياً: أصول حزب البعث العربي الاشتراكي والخلفيات التي جاء منها 28
33 ثالثاً: دمج حزب البعث العربي والعربي الاشتراكي 30
34 رابعاً: القضية الفلسطينية ونشوء البعث 32
35 الفصل الثالث: رؤية حزب البعث العربي الاشتراكي للقضية الفلسطينية 38
36 المبحث الأول: أسباب بروز القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي 38
37 أولاً: نظرة حزب البعث القومية والتاريخية للقضية الفلسطينية 38
38 ثانياً: موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من مشروع تقسيم فلسطين وحرب عام 1948 40
39 ثالثاً: دور مكتب فلسطين الدائم في حزب البعث 43
40 رابعاً: مشاركة قيادة حزب البعث في حرب عام 1948 وتقييمهم لها 44
41 خامساً: مواقف حزب البعث من القضية الفلسطينية بعد نكبة عام 1948 48
42 المبحث الثاني: موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من الكيان الفلسطيني 52
43 أولاً: ظروف تبلور الدعوة إلى إبراز الكيان الفلسطيني ودور حزب البعث فيها 52
44 ثانياً: دور حزب البعث في إنشاء جبهات فلسطينية للتحرير 54
45 ثالثاً: رؤية حزب البعث للكيان الفلسطيني 57
46 رابعاً: رؤية حزب البعث لإنشاء السلطة الوطنية على أرض فلسطين 61
47 المبحث الثالث: رؤية حزب البعث العربي الاشتراكي لحل القضية الفلسطينية 66
48 أولاً: منهج حزب البعث وإستراتيجيته في حل القضية الفلسطينية 67
49 ثانياً: موقف حزب البعث من الأحلاف الغربية الداعمة لإسرائيل 72
50 ثالثاً: موقف حزب البعث من دعوات التسوية السلمية مع إسرائيل 73
51 الفصل الرابع: موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من القوى والفصائل الفلسطينية 79
52 المبحث الأول: موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من منظمة التحرير الفلسطينية 79
53 أولاً: موقف حزب البعث من منظمة التحرير الفلسطينية 80
54 ثانياً: انتقاد حزب البعث لدور منظمة التحرير الفلسطينية 84
55 ثالثاً: حزب البعث وانتزاع الاعتراف بمنظمة التحرير كمثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني 87
56 المبحث الثاني: أثر أفكار ومنطلقات حزب البعث العربي الاشتراكي على القوى والفصائل الفلسطينية 92
57 أولاً: حزب البعث والتحالف مع حركات المقاومة الفلسطينية 92
58 ثانياً: العلاقة بين حزب البعث وحركة القوميين العرب 96
59 ثالثاً: موقف حزب البعث من الفصائل الفلسطينية اليسارية 99
60 رابعاً: المؤتمر التحضيري للتنظيم الفلسطيني الموحد وتأسيس منظمات حزب البعث 102
61 خامساً: منظمات حزب البعث ودورها في الكفاح المسلح 104
62 أ- منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة) 106
63 ب- جبهة التحرير العربية 112
64 المبحث الثالث: الكفاح المسلح لتحرير فلسطين في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي 119
65 أولاً: الدعم الذي قدمه حزب البعث للعمل الفدائي الفلسطيني 119
66 ثانياً: انطلاق الكفاح المسلح في فكر حزب البعث 121
67 ثالثاً: هدف حزب البعث في دعم الكفاح المسلح 122
68 رابعاً: الكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين في فكر حزب البعث 123
69 الفصل الخامس: تأثير حزب البعث العربي الاشتراكي على مواقف القوى والأنظمة السياسية العربية تجاه القضية الفلسطينية 127
70 المبحث الأول: تأثير فكر حزب البعث العربي الاشتراكي على مواقف القوى القومية والثورية العربية من القضية الفلسطينية 127
71 أولاً: موقف حزب البعث من القوى الثورية والقومية العربية 128
72 ثانياً: إستراتيجية حزب البعث تجاه القوى والأنظمة التقدمية العربية 130
73 ثالثاً: دور حزب البعث في توحيد نضال القوى القومية العربية تجاه القضية الفلسطينية 131
74 المبحث الثاني: نظرة حزب البعث العربي الاشتراكي لأثر الوحدة العربية على القضية الفلسطينية 137
75 أولاً: مفهوم الوحدة العربية في فكر حزب البعث 137
76 ثانياً: موقف حزب البعث من الوحدة المصرية السورية عام 1958 وعلاقتها بالقضية الفلسطينية 139
77 ثالثاً: أثر الوحدة العربية على القضية الفلسطينية من وجهة نظر البعث 142
78 المبحث الثالث: التضامن العربي خطوة على طريق الوحدة العربية وتحرير فلسطين 146
79 أولاً: رؤية حزب البعث للتضامن العربي ومؤتمرات القمة العربية 146
80 ثانياً: الصراع العربي الصهيوني هو أحد قضايا التضامن العربي 147
81 الخاتمة 151
82 المصادر والمراجع 155
83 الملاحق 164
84 فهرس الملاحق 170
85 فهرس المحتويات 171
بطاقة تعريف بهوية الكاتب



فرسان إبراهيم صالح تايه
تاريخ الميلاد:2/9/1966
الحالة الاجتماعية : متزوج وعدد الأبناء 3 .
المؤهل العلمي: بكالوريوس خدمة اجتماعية وتخرج في جامعة بيت لحم بتاريخ 15/1/19991
ـ حاصل على ماجستير في الدراسات العربية المعاصرة من جامعة القدس (أبو ديس) في 9/6/2011
مكان الإقامة: مدينة طولكرم في الحارة الغربية.
الوظيفة الحالية:مرشد تربوي في المدرسة الفاضلية الثانوية بمدينة طولكرم.
تاريخ التعيين في الوظيفة الحالية:30/3/1996.
الخبرات السابقة:مرشد اجتماعي ونفسي في جمعية دار اليتيم العربي من 20/1/19991 إلى 30/3/1996.
الدورات الحاصل عليها:
ـ دورات تدريبية في اللغة الانجليزية في المجلس الثقافي البريطاني.
ـ دورات حاسوب في برنامج( OFFICE(
ـ دورات متخصصة في الإرشاد النفسي والمهني.
ـ حاصل على شهادة في الإشراف الإرشادي من جامعة بير زيت بواقع 256 ساعة نظرية.وتطبيقية خلال الفترة الواقعة بين 9/5/2005 حتى 4/1/2006.
ـ العمل كمدرب في برنامج إعداد المدربين في دائرة التعليم المستمر في جامعة فلسطين التقنية خضوري في الفترة الواقعة بين عامي 2003/2005ـ باحث في الفكر القومي ومحلل سياسي في عديد من الندوات والمؤتمرات الشعبية وواحد من الشخصيات الاعتبارية في محافظة طولكرم