الأشقاء التونسيون عاتبون بقلم:إبراهيم ابو النجا
تاريخ النشر : 2011-07-05
الأشقاء التونسيون عاتبون بقلم:إبراهيم ابو النجا


الأشقاء التونسيون عاتبون
بقلم:إبراهيم ابو النجا
سجل الشعب التونسي الشقيق بألوان طيفه المختلفة عملا غير مسبوق تمثل في :ثورتهم العظيمة والسلمية التي أشعلها الشهيد البوعزيزي,
وكانت مقدمة لثورات بعضها سلمي ،وبعضها دموي ،وفي انتظار القادم من الثورات ذات الشعارات الكبيرة والهامة والمفصلية في تاريخ شعوب أمتنا .
جاءت الثورة وأعقبتها ثورات ،وما زلنا ننتظر المزيد، في وقت كدنا نحكم على أمتنا بالفناء وغياب الجسد والروح ، وقطعنا الأمل من أي حراك تحرري أو انعتاق من الألم والجوع والقهر ، والاضطهاد ، والعبودية ، والإذلال، وانصب تفكير شعوبنا على التنبؤ بمزيد من سياسات التخلف والضياع ، والتيه في عالم كدنا لانحتل فيه أي مكانة تذكرإلا مكانة المقهورين المغلوب على أمرهم .
لقد فاجأنا الشباب التونسي الذي أسقط الرهانات الهزيلة كافة ، وانطلق ماردا عملاقا يهز الكراسي والعروش ، ويزلزل الأرض تحت أقدام الأباطرة الذالين لشعوبهم ، والمخبئين تحت شعارات باليه تارة بضرورات التنمية ، وأخرى باعتناق الشعارات التي لم تدخل رغيف خبز على أسرة فقيرة ، أو تمسح دمعة من عين إمرأة ، تكفل أطفالا ليس لهم إلا الله تعالى ،وأخرى بالممانعة والمقاومة والصمود ، واخريات كثيرات لم يعد الفرد العربي قادرا على فهمها أو التمييز بينها ،ولكنه وضعها في الدرجة ذاتها ، القاضية بالقضاء على كل بارقة أمل في النهضة الحقيقية وفي الارتقاء بالإنسان ليكون في مصاف الآدميين .
أظهرت الثورة التونسية الزيف المخبأ . كشفت أسباب فقر شعوبنا ، وعوامل تخلفها ، والمديونية التي وضعت البلاد رهنا لها ، وترتب على ذلك فقدان السيادة والاستقلال الحقيقي.
ألفضل لثوار تونس في كشف : أن الدول العربية ليست فقيرة وأن لا عجز في ميزانياتها وأن الديون المتراكمةعليها ما هي إلا غطاء للأنظمة القائمة لتبقى مرتبطة بعجلة الدول الكبرى التي ساهمت في تهريب الأموال وضخها في مصارفها لتشكل قوة في أرصدتها ، وعاملا قويا وأساسيا في عدم انهيارها . وهي تعرف أن هذه الأموال هي أموال وحقوق للشعوب وليست للأنظمة وتعرف أن استغلالها في أوطانها يحررها من الإلحاق بعجلة الاقتصاد لهذه الدول الطامعة في ثرواتنا ولم تكتف بما سلبته من ثروات لأمتنا زمن استعمارها للمنطقة كافة لقرون أو عقود .
جاءت الثورة التونسية لتكشف الحقيقة للشعوب المقهورة الجائعة وفتحت أعينها على حقوقها المكدسة والمهربة على أيدي القيادات وزبانيتهم ، وعندما بدأت تطالب بأموالها المهربة أخذت هذه الدول تماطل ،وتختلق من القوانين التي تحول دون إعادتها لخزينة شعوب هذه الدول ليصار إلى استثمارها في كل ما يعود على الشعب بالخير بعد سنوات الحرمان ، وهي كافية لأن تضعها في مصاف الشعوب التي تشعر بآدميتها وإن لم تكن في مقدمتها
والحديث يطول حول المكتسبات التي تحققت على ايدي ثوار هذه الأمة ، ولكن الذي دفعنا للحديث ، ما صدر على لسان رئيس الوزراء التونسي الباجي قائد السبسي أخيرا من أن التونسيين عاتبون على اشقائهم العرب حيث لم يقم أي زعيم عربي بزيارة تونس او حتى برسالة تأييد أو مباركة أو شكر على هذا الدور العظيم .
لعلنا نريد أن نخفف من ألم رئيس الوزراء ، قائلين له :أيها الرجل الكبير أنت إبن لهذا الشعب العظيم ، وقائد وسند للثوار الذين أحدثوا هذا التغيير الكبير ، ولا نرى أنكم بحاجة إلى تأييد من أي زعيم لأن كلمة زعيم لم يعد لها مكان ، وليست وصفا لأي من القائمين أو الذين كانوا يفرضون على شعوبهم وأمتهم والعالم أنهم زعماء .
الزعيم الحقيقي هو الشعب ،وطليعته المناضلة الثائرة ،ويكفيكم فخرا أنكم أصبحتم قبلة الثوار ، ومنبت الثورات ، وقلاعها ، وأنكم في غنى عمن يتمسح بكم أو يزوركم لأنكم لن تجدوا في ظله أي فكر أو فهما أو منطلقات تزيدكم علما وفهما ، وتنير لكم طريقكم ، بل على العكس قد يكون لاتصالاتهم بكم نوع من تثبيط العزائم والهمم .
ثم يحق لنا أن نوجه سؤالا للأخ الباجي قائد السبسي :
من هم الذين يستحقون كلمة زعيم بالمفهوم والمدلول الحقيقي لهذه الكلمة ، حتى تتشرفوا بلقائه أو زيارته أو تأييده ؟
ألا ترون ما يحدث على الساحة العربية ؟ هل كانت ثورتكم مستوحاة من أفكار هؤلاء الزعماء ؟ هل لهؤلاء الذين يدعون ،ويسمون زعماء يد بيضاء على تونس ؟ .
نرجو أن لا يسبب ذلك جراحا لكم ، ونتمنى عليكم ألا تعاودوا الحديث او تسجلوا عتابا على أحد .فالكل منشغل بأزمته سواء التي يعيشونها أو ينتظرونها أو تنتظرهم .إنهم في عنق الزجاجة ، ويبحثون عن مخارج وينتظرون أحكاما داخلية وخارجية .
إن أقل كامة قيلت في حقهم : إرحل .
أليس في ذلك عزاء وفخر لكم أيها التونسيون الأبطال ؟
أيها الأشقاء :لا عليكم ،فأنتم القدوة الحسنة ،وسجل التاريخ لكم الصفحات الناصعة ، والمجد العظيم والأسبقية التي قد يدنسها إتصال هذا أو ذاك بكم . فبلدكم بلد الإشعاع الثوري ،فإذا تحدثنا عن الديموقراطية فأنتم من أصاغها صياغة حقيقية لا شية فيها ،وإذا تحدثنا عن حقوق الإنسان : فقد شهد لكم من صنعوا هذا الشعار أنكم عبرتم عن الفهم الحقيقي لحقوق الإنسان ،وإذا تحدثنا عن التعددية السياسية الحقيقية: فها هي تونس تضرب المثل الأعلى في تفسير ماذا تعني التعددية السيسية الحقيقية .وإذا تحدثنا عن الإنتخابات ونزاهتها :فقد أسستم لقانون الإنتخابات وآلياته بما يكفل حق المواطن دون تأثيرات في الإدلاء بصوته بكل صدق وأمانة وبلا خوف . وإذا تحدثنا عن العدل : فميزان العدل قائم عندكم وتسعون لتفعيله حتى لا يضار أحد .
أيها الأشقاء التونسيون : لستم بحاجة إلى زيارة أحد ، أو تأييد أحد ، بل على العكس فالآخرون بحاجة إليكم لينهلوا ويأخذوا عنكم الحكمة والعقل والفهم ،والقدرة على تنوير الشعوب لتضطلع بدورها وتدير شؤونها بنفسها .
بوركت ثورتكم ،وبورك شعبكم ، وبوركت حكمتكم ،ونتطلع إلى المزيد من الإنجازات في تونس على الأصعدة كافة لتكتمل رسالتكم الثورية التي غاظت الكثيرين ولا مكانة للزعماء . فالزعماء عبروا عن أنفسهم في انتفاضاتهم التي ستعم قارتنا العربية .
فبعدا لمن يحاولون حرف ثورتكم عن مسارها لأنكم في دائرة الاستهداف .
ولكن الله سيكون في عونكم وسندا لكم .