هل سيربح نتنياهو معركة البحر؟!بقلم:سري سمور
تاريخ النشر : 2011-07-04
هل سيربح نتنياهو معركة البحر؟!بقلم:سري سمور


هل سيربح نتنياهو معركة البحر؟!
بقلم:سري سمور
في الأول من آب/أغسطس من العام الماضي 2010م كتبت مقالا بعنوان «الحرية والاحتلال والبحر» وقد أتيت على أهمية البحر وضرورة السيطرة على شواطئه وحتى عمقه في الفكر الاستراتيجي للاحتلال، و قلت آنذاك:-
«... فالحركة الصهيونية عملت منذ بدايات استيطانها على الاستيلاء على المناطق الساحلية الفلسطينية وفي الوجبة الدسمة رقم واحد كان الساحل الفلسطيني على البحر الأبيض المتوسط؛ حيفا ويافا وعكا وقيسارية وأسدود وغيرها قد سقط في قبضة الاحتلال؛ فالبحر عالم زاخر بالكنوز ورابط حيوي بين مناطق اليابسة فوق كوكبنا، وله من الأسرار والخصائص والمزايا ما لا أحيط ولو بقليل منها ولا مجال هنا لسردها، ولكن المسألة الأساسية في العقيدة الأمنية الاحتلالية هي أهمية البحر وضرورة التحكم المطلق بشواطئه ومراقبته بشكل مركّز ومكثف.
..... من الواضح بأن مسألة التحكم بالشواطئ والبحار تقع في صلب العقيدة الأمنية الإسرائيلية أكثر من أمور أخرى »
والآن بعد مرور عام على مذبحة أسطول الحرية الأول، هل يمكن القول أن نتنياهو قد نجح وربح المعركة؟!
حتى كتابة هذه السطور من المقرر أن ينطلق أسطول الحرية الثاني نحو شواطئ غزة هذا اليوم الإثنين 4/7/2011م ولكن الأسطول هذه المرة تعرض لحملة اشتركت فيها كثير من الدول والمنظمات الدولية، و هناك شك بأن مهمة الأسطول ورحلته ستكلل بالنجاح سواء في الانطلاق الذي تعرض ويتعرض لمعيقات كبيرة، أو الوصول إلى غزة؛ فالاحتلال متحفز وجاهز للاعتراض ولو اقتضى الأمر ارتكاب مذبحة جديدة، هذا لو تحرك الأسطول أصلا.
لهذه العجرفة التي يبديها نتنياهو وباراك وليبرمان وغيرهم في حكومة الاحتلال أسباب عدة ودوافع مختلفة، مع شعور بالتفوق، ومن أهمها:-
1) ردة الفعل الضعيفة بعد مجزرة أسطول الحرية الأول العام الماضي، والتي اقتصرت على الشجب والتنديد والإدانة اللفظية، مع التأكيد على تكرار المحاولة، أما ولي الدم التركي فقد ظل مصرّا على طلب الاعتذار-ولم يحصل عليه- مع حملة إعلامية تندد بالمجزرة والحصار، ربما يعود السبب إلى حسابات مختلفة منها الانشغال بالتحضير للانتخابات التي أجريت مؤخرا، إلا أن المحصلة هي أن ردة الفعل تجاه المجزرة البشعة وعملية القرصنة الرسمية كانت غير ناجعة بشكل يردع نتنياهو وحكومته، رغم أن الموقف التركي يعتبر متقدما بمسافات طويلة عن نظيره العربي رسميا بل حتى شعبيا، إلا أن الاحتلال يتصرف وفق الفلسفة المستهترة للبلطجة السياسية والعسكرية «من تعرف أو تقدر على دفع ديته فاقتله!» ووفق قانون «مين فرعنك يا فرعون؟...» عمل نتنياهو وباراك وليبرمان خلال عام كامل على الاستعداد والتحضير لهذه اللحظة، وقد تبين لهم أن قتل مواطنين من دولة هي في النهاية عضو في حلف الناتو بغض النظر عن الحزب الذي يحكمها، أمر لا يجلب لهم الخطر، فتمادوا وعملوا على إحباط محاولات أخرى لكسر الحصار البحري المفروض على غزة، ولعل نتنياهو ومعه باراك وليبرمان يشعرون أن حال خصومهم وأعدائهم والمنزعجين من سياستهم كحال القائل في غابر الأزمان والقرون:أوسعتهم شتما وساروا بالإبل!
2) نجاح دبلوماسي وسياسي يشعر به نتنياهو وأي مراقب لما يجري؛ فأسطول الحرية الثاني بات التصدي له محل إجماع نادر لدى القوى الدولية فمن بان كي مون إلى الرباعية الدولية إلى الولايات المتحدة إلى عدة دول وحكومات غربية، تلحظ حملة محمومة لإلغاء رحلة السفن، وكأنهم يسعون لتثبيط حملة حربية...فالثالوث نتنياهو-باراك-ليبرمان ورغم ما يقال عن عزلتهم واعتبارهم من المنبوذين إلا أنهم أداروا الأزمة باقتدار، بغض النظر عن وسائلهم.
3) تعاني اليونان من أزمة مالية وبمكالمة هاتفية-حسبما قيل- قررت التحرك لمنع انطلاق الأسطول، فهل لأزمتها المالية مع وعود بالدعم المالي علاقة بهذا الإجراء رغم أن اليونان كانت –إجمالا- تظهر تعاطفا مع الشعب الفلسطيني؟يجب ألا نستبعد هذا الاحتمال، فالسياسة لا تعرف العواطف ولا الصداقات المطلقة، ولربما جرى اللعب على وتر الخلاف وتوتر العلاقات التركية-اليونانية القديم الذي سعت تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية إلى تجميده وفق سياسة «صفر أزمات»...كل شيء وارد في هذا العالم، وكل شيء متوقع من نتنياهو ورفاقه وكيانه!
4) كسب عامل الوقت؛ فقد مر عام على تحرك الأسطول الأول، ولما جاء دور الثاني كان نتنياهو قد أخذ استعدادته ووضع كل الاحتمالات نصب عينيه، وجنّد جوقة النفاق والكذب الدولية في حملته المتعددة الأساليب والأدوات ذات الهدف الاستراتيجي الثابت أي استمرار الحصار البحري على غزة.وقد كان الأجدر بالقائمين على حملات كسر الحصار البحري استغلال الأجواء التي أعقبت مجزرة مافي مرمرة مباشرة وتحريك أساطيل متتالية وبوتيرة متسارعة، لأن الوقت-مع الأسف- كان في صالح نتنياهو الذي استغل مرور الوقت وبرود الانفعال التلقائي والمشاعر العاطفية التي عادة ما تذوي، فاستعد وتحرك في مختلف المحافل ولدى كل القوى.
5) شعور نتنياهو أن ثمار الثورات العربية لم تنضج بعد كي يستفيد منها الشعب الفلسطيني، ورغبته المحمومة في تسجيل نقاط جديدة؛ فبعد إصراره على رفض تنفيذ صفقة تبادل الأسرى،بل اتخاذ قرار بالتضييق عليهم، وزوال الفرحة العارمة التي أعقبت فتح معبر رفح كنتيجة لطالما انتظرها الغزيون منذ نجاح الثورة المصرية،والفرحة لم تتم ولم تكتمل لأن فتح المعبر لم يكن كما أعلن عنه في البداية من تسهيلات سرعان ما تم التراجع عنها، وتمسك نتنياهو ورفاقه بتكثيف الاستيطان، والتشدد في موقفه السياسي الذي توّجه بخطاب في أمريكا وسايره أوباما بشكل مطلق، فهو مستمر وملتزم بما أعلنه من مواقف بل إن غلواءه يتصاعد، وشرع مؤخرا في حملة تهويد لأسماء المناطق العربية الفلسطينية، بل حتى نجح في استخدام أتباعه في بريطانيا مما أدى لاعتقال الشيخ رائد صلاح هناك...بعد هذا كله يرى الآن أن عليه توجيه ضربة موجعة جديدة للفلسطينيين أولا ولمن يتعاطف معهم ثانيا بإجهاض وإحباط محاولة انطلاق أسطول الحرية الثاني،ولا ننسى أن له سلاحا ماضيا على الصعيد الدولي وهي مذكرة التفاهم بين ليفني ورايس في 17/1/2009م والتي بموجبها –ضمنا- على العالم كله أن يساهم في حصار غزة!
هل يمكن القول بعد كل هذا أن نتنياهو قد كسب معركة البحر؟ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ولكن للبحر حرب فيها معارك، لا معركة هي كل الحرب، فحتى-لا سمح الله- لو كسب هذه الجولة، يجب أن تستمر المحاولات كي يخسر اللواتي يأتين، فنقاط الماء المتواصلة فوق الصخرة الصلدة تفتتها...والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الإثنين 4/7/2011م
من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين