بقلم: *محمد الأمين ولد يحيى
"اللهم اجعلني منبوشا ولا تجعلني منقوشا" هكذا كنت اسمع والدي رحمة الله عليه يكرر هذه الجملة والتي تبين لي لا حقا أنها حديث شريف أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
والغريب في الأمر أني هذه الأيام سمعت رسميا من بعض فقهائنا الكرام من يجيز شق القبور أو فتحها والنبش في رفات رميم الأموات، ومما هالني كثيرا وتفاجئت له هو أن يخرج علينا إمام المصلين بجواز الأمر.
الدعوة التي جعلتني ألاحظ أن للدولة فقهاء رسميين يصدقونها عندما تكذب ويغازلونها عندما تكون عارية نكراء.، ولأني لست قائم مقام أو مفتيا للديار ولا حتى صاحب رأي سلطوي يحسب عليه مغازلة هذا النظام، ومع ذلك فإني أود أن استفسر عن سبب التأييد الذي لاحظته في موقف بعض العلماء أو لنقل الفقهاء بشأن "حفار القبور" وخاصة المؤيد الذي لم يتورع عن مشاعره، الطيبة وحبه للحاكم، حتى خرج علينا بعباءة الأمير يجيز قتل المؤمن وسفك دمه، بل يدعو إلى نبش رفات الأموات متناسيا أن "حرمة العبد ميتا كحرمته حي"، هذا إذا كانت هناك أصلا قبور، لان القاتل الذي أعترف -هذا المتورع- به ربما يكون دبر على قتلاه ورماهم في عرض البحر مثلا أو أطعمهم لحيتان المحيط الأطلسي.
سيدي الفقه: إن التدخل في دبلوماسية الخلافة وأمور السياسة من حقنا جميعا وليست حكرا على أحد، ولذا فاني أعتبر ان "حد الإفتاء في جواز" عملية حفر القبور أو نبشها هي كلمة حق أريد بها باطل وسوف تكون نتائجها سلبية ووبالا على هذا الشعب المسالم الذي تعود وطننا على تقديم مصالحه "النفعية الخاصة" من تقديم مصالحنا الوطنية أو الشخصية عليه مسبقا.
سيدي الفقيه: إن الاعتراف منا بهذه القبور كنكرانها أشهد علينا جرما من جريمة القتل ذاته، لان الاعتراف به جريمة ثانية في حق من وئدوا، وقد ينجم عنه إما اخذ الثار أو طلب الذحول لهم بدم القاتل، وقد ينجم عن ذلك الكثير من إجراء للعمليات القيصرية التي توحي بمخاض عسير أو ولادة غير طبيعية، قد يتحتم عنها إما إجراء فحص بالحمض النووي لتحديد هويات تلك الجثث، أو إما فتح الجمجمة أو شق البطن قبل أن تكون بغرض التحقق من تلك القبور أو نبش ماضيها أو تاريخ انتمائها.
وذلك سوف يشجعنا بل يكلفنا لا محالة في البحث الكامل عن عناصر الجريمة التي يبدو أنها سجلت ضد مجهول، وأرخي الستار أو أزيح من حولها لتكون جريمة "شرف أمام المحاكم الاثنية" الشيء الذي يجب أن يعيه المواطن الموريتاني، لأن الحكومة هذه الأيام تتخبط في سياسة عرجاء أخذتها من عشوائية تنصيبها في المكان الخاطئ، مما قد يقود البلاد إلى أزمة مفتوحة بسبب عجزها عن إعطاء الحلول الشافية لما يعترض سبيلها المتعثر.
لأن فرضية الوزير بشأن "حفر القبور" سوف تؤجج نظرية الأخذ بالثار لمن ماتوا.. وتذكي فينا الصراع الطائفي وتحيي نار الضغينة بين القاتل والمقتول لمعرفة أسباب الموت الغامضة حول قضية أحداث ظلت مفتعلة إزاء الأخذ بمساءلة حتى الأموات والنبش في رفاتهم عن أدلة مفقودة أصلا، بغرض زرع الانقسام بين اللحمة الوطنية الواحدة، لكن ذلك لن يفرقنا مادام الدين يجمعنا ولن يثير في لحمتنا فتنة الدم أو يحول الصخور إلى خيول لأن من يريد أن ينبش عن هذه القبور، كمن يريد أن يحيي العظام وهي رميم.
-------
[email protected]
الجوال: 26367733
*كاتب صحفي موريتاني
قصة حفار القبور. والثأر لمن ماتوا..!بقلم:محمد الأمين ولد يحيى
تاريخ النشر : 2011-05-29
