ممثل عراقى تزوج من لبنانيه !بقلم: وجيه ندى
تاريخ النشر : 2011-04-11
ممثل عراقى تزوج من لبنانيه !بقلم: وجيه ندى


ممثل عراقى تزوج من لبنانيه !
عندما اقترن الممثل الكوميدى الكبير نجيب الريحانى بالفنانه الراقصه الشهيره بديعه مصابنى لم تكن تلك الزيجه لهدف المال ولكن كان هناك هدف الانتشار فى المقام الاول ولد نجيب إلياس ريحانا 1890فى فى حارة درويش مصطفى فى حى باب الشعرية بالقاهرة من أب ينحدر من أصول عراقية وديانته المسيحيه الكاثوليكيه السريانيه وكان والده يعمل بالتجارة وأم مصرية اسمها لطيفة .. وعندما وصل الطفـــل إلــى ســـن الـمدرسة أدخلــه والــده مدرســــة ( الخرنفش ) حيث تعلم اللغة الفرنسية وأجادها وحيث استهواه فن التمثيل فالتحق بالفرقة المسرحية بالمدرسة بعد أن عشق التمثيل من خلال دروس الإلقاء التى كان يلقيها ( الشيخ بحر ) الذى جعل الريحانى يعشق اللغة العربية والتمثيل وقد توفى والده وهو فى سن الخامسة عشرة فترك المدرسة ليصبح مسئولاً عن الأسرة خاصة وأن شقيقه ( جورج ) لم يكن من النوع الذى يمكن الاعتماد عليه وكانت أسرة الريحانى تعده منذ البداية لكى يكون (موظفاً محترماً) ولذلك سعدت كثيراً عندما وجد فرصة للعمل فى بنك التسليف الزراعى وتصادف أن يكون معه فى البنك الشاب عزيز عيد الذى كان هو الآخر عاشقاً للفن بشكل عام وللإخراج المسرحى بشكل خاص .. وكانا كثيراً ما يذهبان لكى يعملا ( كومبارس ) مع الفرق الأجنبية التى تقدم عروضها على مسرح دار الأوبرا. كما التحق الريحانى بالعديد من فرق الهواة المسرحية مما جعله يتغيب كثيراً عن البنك وانتهى الأمر بفصله . فالتحق الريحانى بفرقة إسكندر فرح وتركها سريعاً وراح يتنقل بين الفرق الصغيرة ثم قرر أن ينشئ فرقة خاصة به وأن يحترف التمثيل فغضبت أمه وقررت مقاطعته لأنها تحتقر التمثيل والمهم أنه استأجر ( جراجاً ) وحوله إلى مسرح بدائى وقدم أول مسرحية بعنوان ( خلى بالك من إبليس ) وكان الإيراد اليومى من 50 - 60 قرشاً يقتسمها مع عزيز عيد بعد خصم المصروفات وسرعان ما فشلت التجربة وعاد الريحانى ليعمل مع الفرق الأخرى . واتسمت شخصيته منذ البداية بأنه لم يكن ممثلاً يكسب (لقمته) من مهنة التمثيل ولكنه كان فيلسوفاً وفناناً أصيلاً عاش لفنه فقط، وقد لقى الاضطهاد والحرمان وشظف العيش فى سبيل فنه . وكان منذ البداية أيضاً يعشــق ( التراجيديا) ولكن الجمهور أجبره على أداء الكوميديا فاستطاع أن يغلف أداءه الكوميدى بذلك الشجن الشفيف الذى أعطاه طعماً خاصاً وقد تولد هذا الشجن من صراعاته الطويلة مع الحياة ومن العديد من الأحداث المؤلمة التى مر بها . الضحك والبكاء وجهان لعملة واحدة هى دراما (الإنسان ) .. أن مشواره مع الاحتراف بدأ من خلال علاقته بالفنان عزيز عيد فكون فرقة مع الممثل سليمان الحداد وقدمت الفرقة عروضها على مسرح إسكندر فرح بشارع عبد العزيز وكانت تقدم مسرحيات (الفودفيل) المترجمة عن الفرنسية مثل (ضربة مقرعة - الابن الخارق للطبيعة - عندك حاجه تبلغ عنها - ليلة الزفاف) ولم تستطع هذه العروض أن تحقق النجاح المطلوب . وفى ظل هذه الحالة الضنك قابل أمين عطا الله الذى عرض عليه السفر معه للإسكندرية للعمل فى فرقة شقيقه سليم عطا الله بمرتب أربعة جنيهات كاملة. ووجد الفرقة تستعد لتقديم مسرحية (شارلمان الأول ) فأخذ الريحانى دور شارلمان وهو الدور الثانى ونجح كثيراً وكان يحاول التجديد والتجويد كل ليلة . ودعا عطا الله مجموعة من الأدباء والفنانين لمشاهدة العرض وتفوق الريحانى على عطا الله فحظى بثناء كل الأدباء والفنانين وتوقع أن عطا الله سوف يكافئه ولكن المكافأة أنه استغنى عنه . فعاد إلى القاهرة عاطلاً ليجلس على مقهى الفن . ونجح خاله فى توظيفه بشركة السكر فى نجع حمادى فسافر على الفور وتفوق فى عمله ولكنه ارتبط بعلاقة عاطفية مع الزوجة الشابة للباشكاتب العجوز وانفضح الأمر فتم طرده من الشركة وعاد إلى القاهرة لتطرده أمه من البيت وضاقت به الدنيا لدرجة أنه كان ينام فى الحديقة بجوار قصر النيل وفيها التقى بالكاتب المعروف محمود صادق سيف النزيل مغه فى الفندق وبعد عدة أيام أخبره سيف بأن صاحب مكتبة المعارف كلفه بترجمة رواية بوليسية فرنسية اسمها ( نقولا كارتر ) مقابل 120 قرشاً عن كل جزء وشاركه الريحانى فى الترجمة ورغم أن (الحالة أصبحت ميسرة ) إلا أن حنينه إلى المسرح كان يملك عليه حياته ولذلك فرح كثيراً بالعرض الذى قدمه له ( مصطفى سامى ) فى أن يترجم بعض روايات الفودفيل الفرنسية لفرقة شقيقه الشيخ أحمد الشامى وعمل الريحانى ممثلاً ومترجماً مقابل أربعة جنيهات فى الشهر وكانت هذه الفرقة جوالة تلف المدن وتطلب من أعضائها أن يحملوا معهم المراتب والألحفة وبعد انتهاء جولة الصعيد ذهبت الفرقة إلى الوجه البحرى وفى طنطا فوجئ الريحانى بوالدته أمامه ذات صباح ومعها خطاب بعودته إلى شركة السكر فى نجع حمادى فعاد إلى الشركة وزاد مرتبه إلى 14 جنيهاً . ورغم هذا ظل تفكيره طوال الوقت فى المسرح . وفى عام 1912 أرسل إليه عزيز عيد رسالة يؤكد فيها بأن فن التمثيل قد ارتفع شأنه وأن جورج أبيض قد عاد من أوروبا وينوى تأليف فرقة مسرحية ومع ذلك ظل الريحانى فى عمله ولكن الصحافة اهتمت كثيراً بالتمثيل والممثلين فخارت مقاومته وطلب إجازة لمدة شهرين وعاد إلى القاهرة ليشاهد تمثيل جورج أبيض وانتهت إجازته وقد تملكه شيطان التمثيل تماماً وقد خفف عنه نقل محمد عبد القدوس إلى مدرسة الصنايع فى نجع حمادى وراح كل منهما يمارس فن التمثيل أمام الآخر وفجأة عاد محمد عبد القدوس إلى القاهرة وراح الريحانى يمثل لنفسه و ( على نفسه ) وفى عام 1913 زار نجع حمادى منوم مغناطيسى فرنسى ومعه زوجته التى تجيد قراءة الكف وفى محاولة لكسر الملل ذهب الريحانى إليها لتقرأ كفه فقالت له (حياتك ستكون ضجة صاخبة وأموالاً كثيرة وستنتقل من الغنى إلى الفقر ثم إلى الغنى ) . وفجأة استغنت عنه الشركة وأعطوه ثلاثة أشهر مكافأة فعاد إلى القاهرة عام 1914 ومعه 70 جنيهاً فذهب لمشاهدة رواية (أوديب الملك) لجورج أبيض . وقد اتفق سلامة حجازى مع جورج أبيض على تكوين فرقة مسرحية وعرضا على الريحانى الانضمام إليها فوافق ووجد بالفرقة (روزاليوسف (زوجة محمد عبد القدوس) - سرينا إبراهيم - نازلى مزراحى - عبد العزيز خليل - عبد المجيد شكرى - محمود رحمى - فؤاد سليم ) وقدمت الفرقة رواية ( صلاح الدين الأيوبى ) وقام جورج أبيض بدور ريتشارد قلب الأسد أما الريحانى فكان مجرد كومبارس متكلم فى شخصية ملك النمسا .وقامت الحرب العالمية الأولى ونشرت الصحف صورة ملك النمسا وأعد الريحانى المكياج ليحاكى الملك الحقيقى مما أثار الضحك ولكن الفرقة استغنت عن خدماته بحجة أنه لا يصلح للتمثيل نهائياً ورغم هذه الشهادة القاسية إلا أنه فكر فى إنشاء فرقة مسرحية وتحمس للفكرة عزيز عيد - أمين عطا الله - أمين صدقى - استيفان روستى - حسن فايق - روزاليوسف - عبد اللطيف جمجوم ولكن الحماس اصطدم بحالة الإفلاس التى يعيشون فيها وعلم الخواجة صاحب المقهى الذى يجلسون عليه بمشكلتهم فأقرضهم عشرة جنيهات ليكونوا فرقة (الكوميدى العربى) على مسرح دار التمثيل العربى واختاروا مسرحية ( خلى بالك من إميلى) تمصير أمين صدقى وقام عزيز عيد بتوزيع الأدوار وأعطى الريحانى دور (برجيه ) خفيف الظل فاعتذر الريحانى لأنه ممثل تراجيدى وليس له فى الكوميديا . وأصر عزيز عيد وقبل الريحانى على اعتبار أنها مرة ولن يكررها ومع ذلك نجح نجاحاً كبيراً ورغم نجاح العرض طاردتهم الصعوبات وقرر الريحانى أن يجاهد لكى يعترف الناس بمهنة التمثيل وأنها مهنة تشرف أصحابها وتشرف المجتمع .. وتوفيراً للنفقات انتقلت الفرقة إلى مسرح الشانزلزيه فى الفجالة حيث قدمت أكثر من مسرحية وبدأت قدم الريحانى تثبت بعد أن أصبح يدرس الدور ويعرف كيف يتعمق فى الشخصية . واقترح على يوسف أن تستثمر الفرقة نجاحات منيرة المهدية فى الطرب لكى تمثل معها فاتفقوا معها على تقديم فصل من إحدى روايات الشيخ سلامة حجازى كل ليلة على أن يقتسما الإيراد ونجحت التجربة كثيراً ولكن فجأة قررت منيرة المهدية الانفصال عن الفرقة لتعود أيام الضنك والركود الشديد . وطلب الريحانى من عزيز عيد أن يضع اسمه فى إعلانات الفرقة فرفض وعلى الفور قرر الريحانى الانفصال عن الفرقة
وقد وجد الريحــانــى فى شخصية جديده هى كشــكش بيــــه ( طوق النجاة ) تلك الشخصية الأشهر والأهم فى تاريخ نجيب الريحانى وربما فى تاريخ المسرح الكوميدى كله، وقد رسم الريحانى هذه الشخصية لتكون عمدة من الريف يبيع القطن لينزل إلى القاهرة وتلتف حوله الحسناوات حتى يضيع ماله ليعود إلى القرية نادماً . وعندما تفتق ذهن نجيب الريحانى عن هذه الشخصية الهزلية كان يقدم مع استيفان روستى عروضاً مرحة فى ملهى ( الأبيه دى روز ) فعرضا على صاحبه تقديم اسكتش فكاهى لمدة 20 دقيقة فوافق الرجل وأطلق الريحانى على هذا الإسكتش اسم تعالى لى يا بطه ، وقام بالتأليف والإخراج ووضع الألحان ومع ذلك لم يكن راضياً حتى قبل رفع الستار بدقائق ولكنه اقتحم المسرح ( يا قاتل يا مقتول ) ونجحت الشخصية ورفع صاحب المحل أجر الريحانى من 40 إلى 60 قرشاً . وجاءت المسرحية الثانية بعنوان ( كشكش بيه وشيخ الغفر زعرب ) ولتنجح نجاحاً مدوياً فيقرر صاحب المحل إعطاء الريحانى 5 % من الدخل إضافة إلى الستين قرش اليومية . ووصل الإيراد اليومى من 30 - 40 جنيهاً وعمل الريحانى على كتابة مسرحية جديدة كل أسبوع مما أصابه بالتعب الشديد فعرض عليه الخواجة ( روزانى ) مدير الملهى أن يختار له مساعداً فاختار أمين صدقى وارتفع راتب الريحانى إلى 27 جنيهاً فى الشهر وهو أعلى راتب فى ذلك الوقت . وبعد نجاح التجربة حاولت الكازينوهات الأخرى أن تسير على نفس الدرب فاتفقت مدام مارسيل صاحبة كازينو ( دى بارى ) مع عزيز عيد على تكوين فرقة مسرحية ولكن الفرقة فشلت ولم تيأس مارسيل وراحت تغير وتبدل فى الفرق إلى أن وجدت ضالتها فى على الكسار ومصطفى أمين . ولمع اسم الكسار فى عماد الدين إلى جوار اسم الريحانى . ودأب الحاسدون والوشاة على الدس والوقيعة بين الريحانى وروزانى وطلب الريحانى رفع راتبه إلى ثلاثين جنيهاً ورفض روزانى فترك الريحانـــى الملهـــى واتفـــق مع الخواجة ( ديموكنجس ) ليعمل معه فى مسرح ( الرينسانس ) فى شارع بولاق ( 26 يوليو الآن ) على أن يتقاضى راتباً قدره 120 جنيهاً فرفع روزانى قضية بعدم استخدام كشكش بيه فخسر القضية وألزمته المحكمة بدفع 100 جنيهاً قيمة الشرط الجزائى كما أكدت المحكمة على أن كشكش بيه من ابتكار الريحانى .وبدأ الريحانـــى على مسرح الرينسانــس بمسرحيـــة ( ابقى قابلنى ) ثم قدم كشكش بيه فى باريس واتفق الريحانى مع ديموكنجس على بناء مسرح جديد أطلقا عليه اسم ( الاجيبسيانه ) والذى تحول إلى أشهر مســرح فى عماد الدين ، وبدأ المسرح نشاطه بعرض ( أم أحمد ) فى 17 سبتمبر عام 1917 وانضم إلى الفرقة حسين رياض وفى نهاية هذا العام توفى الشيخ سلامة حجازى فقرر الريحانى إيقاف العرض حداداً على روح الشيخ ورفض ( ديموكنجس ) وانسحب الريحانى من الفرقة وأسند الخواجة دوره لحسين رياض فى مسرحية ( دقة بدقة ) ففشلت فشلاً كبيراً وذهب ( كنجس ) إلى الريحانى ليعود إلى الفرقة فاشترط عليه أن يترك كل أمور الفرقة على أن يتقاضى 30 % من الإيراد ومنذ هذا التاريخ بدأت رحلة الريحانى مع إدارة الفرقة المسرحية ليجمع ما بين التمثيل والتأليف والإخراج والإدارة وبدأ مشواره فى الإدارة بمسرحية ( حماتك تحبك ) ورغم نجاح العرض إلا أنه اكتشف أن الإقبال الجماهيرى يتزايد على مسرح الكسار فذهب ليعرف السبب واكتشف أن السر فى ( الاستعراض ) فقرر أن يحول مسرحه إلى (استعراضى) وأعد مع أمين صدقى مسرحية ( حمار وحلاوة ) التى حققت نجاحاً كبيراً وإيراداً ضخماً وصل إلى 400 جنيهاً فى شهر فطلب أمين صدقى رفع راتبه إلى الضعف أى 160 جنيهاً ورفض الريحانى فترك صدقى الفرقة وجاء أكثر من كاتب يعرض خدماته إلى أن أعجب الريحانى بأزجال شاعر اسمه (جــورج ) وسرعــان ما اكتشـــف أن هـــذا الـ ( الجورج ) ليس إلا بديع خيرى الذى كان يصدر مجلة اسمها ( ألف صنف ) إلى جانب عمله كمدرس فى وزارة المعارف ولذلك يكتب باسم مستعار . واتفق معه الريحانى على الاستقالة من عمله ليتقاضى عشرة أضعاف راتبه وليتفرغ لمشاركته فى الكتابة للفرقة وبدأ التعاون بينهما بمسرحية (على كيفك ) التى حققت نجاحاً كبيراً . وفى الوقت الذى كانت كوميديات الريحانى والكسار تحقق النجاحات الكبيرة كانت تراجيديات جورج أبيض لا تحقق إلا البوار .. فقرر جورج أن يمشى على دربهما فجاء بالمطرب حامد مرسى ليغنى بين الفصول فى رواية ( فيروز شاه ) وقد لفتت هذه المسرحية الأنظار إلى الألحان الجميلة للشاب سيد درويش ولأن الريحانى كان طوال الوقت يبحث عن المواهب الجديدة ويعمل على ضمها إلى فرقته فقد سارع إلى التعاقد مع سيد درويش والذى كان يتقاضى 18 جنيهاً مع جورج أبيض فأعطاه الريحانى 40 جنيهاً مرة واحدة . ووضع الثلاثى ( الريحانى - بديـع - درويش ) رواية ( ولو ) وبها لحن السقايين الشهير . وقد أدت النجاحات الكبيرة والمتوالية التى حققها الريحانى إلى حرصه على أن تخرج عروضه فى أكمل صورة مما جعل مسرحه قبلة لعلية القوم والمثقفين ، وكان الريحانى يفتخر بأن الزعيم سعد زغلول كان دائم التردد على مسرحه وشاهد رواياته مما دفع الريحانى إلى الحرص على تقديم أمراض المجتمع وطرق علاجها وذلك من خلال رواياته التى تدعو إلى حب الوطن والحرص على كرامته والتغنى بأمجاده .. وقد دفعت هذه النجاحات حساد الريحانى إلى إعلان الحرب عليه وذلك بالعديد من الأسلحة بداية من التشهير فى الصحافة وانتهاء بالاستعانة بالبلطجية لإفساد عروض الريحانى الذى لم يجد وسيلة لوقف هذا إلا بالاتفاق مع ( شيخ منصر البلطجية ) وكان اسمه يوسف شهدى لكى يعمل بالفرقة فى وظيفة حفظ نظام الصالة ونجحت الخطة وابتعد البلطج بعد نجاح مسرحية ( ولو ) قدم الثلاثى ( الريحانى - بديع - درويش ) مسرحية ( قِسَم ) التى حققت نجاحات كبيرة وانهالت الأرباح حيث حقق الريحانى 20 ألف جنيه . وارتفع صوت الهم الوطنى فى رواياته مما دفع ( مستر هورنيلو ) مدير الأمن العام فى ذلك الوقت إلى مصادرة رواية ( قولوا له ) وبعد قرار المصادرة بأيام انفجرت مظاهرات ثورة 19 وخرج الريحانى وفرقته للمشاركة فيها، ورغم وطنية الريحانى الواضحة إلا أن خصومه حاولوا بكل الطرق الطعن فى وطنيته حيث اعتلى أحد خصومه منبر الأزهر أثناء اجتماع حاشد وأكد على أن الريحانى دسيسة إنجليزية وأن الإنجليز يمولون رواياته ، فهتف الناس ضد الريحانى وقرروا قتله فأسرع مصطفى أمين (شريك الكسار) إلى بيت الريحانى وأخبره بالأمر وطالبه بالهرب فوراً فانتقل إلى أحد الفنادق . ونجحت المظاهرات فى جعل سعد زغلول يذهب من منفاه فى مالطا إلى فرساى للمشاركة فى مؤتمر السلام وتم إعادة فتح المسارح مع الضبط والربط الريحانى عن رواية ( قولوا له ) ونجح فى ذلك وكانت تحوى ألحاناً للطوائف التى شاركت فى المظاهرات وتحولت الرواية إلى مظاهرة يومية من الوطنية والاحتفاء بالريحانى وفرقته . وبعد هذا النجاح لم يرض الريحانى عما حققه وقرر الاستعانة بالمخرج عزيز عيد لتكوين فرقة جديدة واستأجر مسرح كازينو ( دى بارى ) وأتى بمسرحية فرنسية اسمها ( اللحية الزرقاء ) واتفق مع محمد تيمور على تمصيرها على أن يضع بديع خيرى أزجالها ويلحنها سيد درويش وهكذا ولد أوبريت ( العشرة الطيبة ) الذى يعد أكبر أوبرا كوميك فى مصر ورغم نجاح هذا الأوبريت إلا أن خصوم الريحانى استغلوه للتأكيد على أنه دسيسة انجليزية حيث يركز الأوبريت على مساوئ الأتراك فى عيون المصريين . وكان المسرح يشهد كل ليلة من يطالب بسقوط الريحانى عميل الإنجليز وربيب نعمتهم ولكن الأغلبية كانت تؤكد على وطنيته وقد كتب (مرقص حنا) وكيل اللجنة المركزية للوفد بعد أن شاهد الرواية مقالاً يشيد فيه بالريحانى وبعمله الوطنى الكبير وقد جاء هذا المقال ليحقق نصراً
وفى قمة هذا النجاح انهالت الكوارث على رأس الريحانى الذى اشترى كماً هائلاً من العملات الأجنبية فهبطت أسعارها جميعاً مما أصابه بتدهور مالى وانهيار معنوى فأهمل عمله وعمت الفوضى فى ثنايا المسرح ثم اختلف مع عزيز عيد وسيد درويش بسبب الوشايات حيث كان يمول مسرحهما ولا يمثل فيه وقرر أن يترك لهما (الجمل بما حمل ) أما المصيبة الأكبر فكانت انهيار علاقته بصديقتـــه لـــوسى ( وش السعد عليه ) وللخروج من هذه الكوارث قرر أن يقوم برحلة إلى لبنان وسوريا وما إن وصل إلى بيروت حتى وجد نفسه أمام مصيبة أكبر بعد أن اكتشف أن أمين عطا الله (وكان ممثلاً بفرقته قبل سنوات ) استطاع أن ينسخ كل رواياته وأن يغتصب اسم كشكش بيه وأن يكون فرقة من مواطنيه فى سوريا ويقدم بها هذه الروايات ولذلك رأى الناس أنه مجرد مقلد لكشكش بيه الأصلى الذى هو أمين عطا الله ولم تنجح الرحلة فنياً أو مادياً وزادت هموم الريحانى . ومع ذلك لم تخل رحلة الشام من فوائد حيث اتفق الريحانى مع الراقصة بديعة مصابنى على أن تنضم لفرقته بمرتب 40 حنيهاً فى الشهر . وعاد من الشام لتتواصل رحلته مع الكوارث حيث رحلت والدته عن الدنيا كما اختفى شقيقه الأصغر . وفى عام 1923 عاد يوسف وهبى من إيطاليا واتفق مع عزيز عيد على تكوين فرقة جديدة فى شارع عماد الدين فقرر الريحانى الاستعداد للمنافسين الجـــدد. وكتب بديـــع خيرى أول رواية من تأليفه وهى (الليالى الملاح ) بعد أن كان يكتب الأزجال ويشارك الريحانى فى التأليف . وقد أعجب الجمهور ببديعة مصابنى وتوالت المسرحيات ( الشاطر حسن - أيام السفر ) لتصبح بديعة (عروس المسارح ورغم كل هذا النجاح فى عالم الكوميديا إلا أن الريحانى لم ينس أبداً عشقه للتراجيديا وقد استغل الحادثة الشهيرة ( ريا وسكينة ) والتى وقعت فى عام 1921 فى تقديم مسرحية تراجيدية وشاركته البطولة بديعة مصابنى وقام هو بدور ( مرزوق ) . وبعد هذه المسرحية التى أرضت رغباته الشخصية عاد مرة أخــــرى إلـــــى الكوميـــديــــــــــا مــــن خـــلال عــــــدة مسرحيــات مثل (البرنسيس- الفلوس - لو كنت ملك - مجلس الأنس) تزوج الريحانى بديعة مصابنى وفى نزهة لهما على شاطىء روض الفرج وجدا من يقدم كشكش بيه على مسارحها ويزعم أنه الأصلى وأن الريحانى هو التقليد وبعد هذه الصدمة قرر الريحانى أن يسافر فى رحلة إلى أمريكا اللاتينية فسافر أولاً إلى البرازيل ومعه بديعة والممثلان فريد صبرى ومحمود التونى وجوجو ابنة بديعة (بالتبنى) ونزلوا أولاً فى سانتوس ومنها إلى سان با ولو حيث قابل ( جورج استانى ) الشاب السورى الذى كان يقدم كشــكش بيــه ويسمـــى نفسه ( كشكش البرازيلى ) مثلما كان يفعل زوج خالته أمين عطا الله فى سوريا . واستمرت الرحلة لمدة عام كامل تجول خلالها فى مدن البرازيل والأرجواى والأرجنتين ولكنه لم يعمل فعلياً أكثر من ثلاثين يوماً . والغريب أن يوسف وهبى قد قام مع فرقته بنفس الرحلة ولكنه فشل فشلاً ذريعاً لأسباب غير فنية. وعاد الريحانى إلى مصر ليجد أمين صدقى فى انتظاره بعد أن اختلف مع الكسار فألف فرقة ليقدم عروضها فى دار التمثيل العربى وقدم بها ( قنصل الوز - مراتى فى الجهادية) وفجأة اختلف مع بديعة بعد أن اتهمته بالإهمال وتم الانفصال بينهما واستأجرت صالتها المعروفة فى عماد الدين . وفى عام 1927 أعاد تكوين فرقته من أعضاء فرقة يوسف وهبى التى تم حلها وكان يطمح فى تقديم روايات تراجيدية ولكن التجربة فشلت مما اضطره إلى العودة إلى كشكش بيه لتعويض خسائره وأعاد تشكيل فرقته وضم إليها شرفنطح - عبد الفتاح القصرى وقدم بديع خيرى مجموعة من المسرحيـــات الكوميدية ( جنان فى جنان - مملكة الحب - الحظوظ - علشان بوسه - آه من النسوان - ابقى اغمزنى ) وفى عام 28 تم الصلح بينه وبين بديعة وقدما معاً روايـة (ياسمينة ) من ألحان زكريا أحمد ثم قدما (أنا وأنت - علشان سواد عينها - مصر فى سنة 29) ثم اختلفا مرة أخرى وانفصلا . ويواصل الريحانى تقديمه للملحنين الجدد والموهوبين فبعد سيد درويش وزكريا أحمد تعاون مع محمد القصبجى فى تقديم رواية (نجمة الصبح ) . وبعدها قدم أول محاولة للاقتباس من خلال رواية (اتبحبح) التى اقتبسها عن الفرنسية . وفى عام 1931 شكلت الحكومة المصرية لجنة للإشراف على المسرح كان من بين أعضائها الشيخ مصطفى عبد الرازق - د. طه حسين الذى كان يشيد كثيراً بالريحانى وفرقته . وفى نفس العام اقتبس رواية ( الجنيه المصرى ) عن الفرنسية ورغم جودتها لم تنجح بينما نجحت رواية (المحفظه يا مدام) ثم قدم ( الرفق بالحموات ) حتى يأخذ مكافأة الحكومة التى كانت تشترط تقديم ثلاث مسرحيات فى العام على الأقل . كان همه المواطن البسيط كان الريحانى بارعاً فى اجتذاب الناس وذلك من خلال تقديم أعمال فنية يجد الناس أنفسهم فيها . وكان يحرص على تناول شخصية الإنسان المطحون المكافح فى سبيل لقمة العيش . وقد بدأ ترسيخ هذا الاتجاه مع مسرحية ( الجنيه المصرى ) وبعدها استمر فى تقديم روايات هادفة تعرى المجتمع وتفضح مشاكله ولم يكن يكتفى بعرض المشكلة فقط ولكنه كان يحاول تقديم الحلول ، ومن أشهر هذه الروايات ( الدنيا لما تضحك - الستات ما يعرفوش يكدبوا - لو كنت حليوه - يا ما كان فى نفسى - إلا خمسة ) وهذه المسرحيات فكاهية فى هيكلها ولكن مضمونها يغوص فى أعماق النفس البشرية . وكان الريحانى يهتم كثيراً برسم كل شخصية مهما كان دورها ضئيلاً وذلك من خلال ( بروزة) كلمات الحوار . وكان يذهب إلى المسرح قبل رفع الستار بساعتين ويعتكف تماماً قبل رفع الستارة بربع ساعة حتى يختلى بالشخصية التى يقدمها وكان يرفض المساومة على فنه مهما كان المقابل ويؤكد هذا حادثة أثرت فيه كثيراً حيث منح الملك درجة البكوية لكل من جورج أبيض - يوسف وهبى - سليمان نجيب . فحزن الريحانى ولكن كبرياءه أبى عليه أن يتكلم .. وسعى سليمان نجيب الذى كان قريباً من القصر الملكى لكى يقدم الريحانى فصلاً من إحدى مسرحياته أمام الملك حتى يمنحه البكوية .. فاختار الريحانى الفصل الثانى من مسرحيته ( الدنيا على كف عفريت ) والذى يعرض تفاصيل الحياة المتواضعة والبسيطة فى الحارة المصرية بكل ما فيها من ألفاظ شعبية وشتائم . ولم يعجب هذا الملك وطارت البكوية .. وعاتب سليمان نجيب الريحانى ، فرد عليه قائلاً ( الملك يعيش فى القصور والأندية الفخمة .. ولم تتح الفرصة لرؤية الحوارى التى يعيش فيها شعبه المطحون ولذلك تعمدت تقديم هذا الفصل حتى يعرف الملك شعبه على حقيقته. وعموماً أنا لا تهمنى البكوية ولا زعل الملك والمهم عندى هو رضا الناس والجماهيروكان الريحانى قد قدم من قبل مسرحية ( حكم قراقوش ) والتى ينتقد من خلالها الحكم الملكى الديكتاتورى . وانطلاقاً من هذه المواقف الحاسمة فى مناصرة الحق والفن الرفيع ولذلك لم يكن غريباً أن يكتب عنه العقاد مقالاً بعنوان رجل خلق للمسرح يقول فيه ( إنك تحاول أن تتخيل الريحانى فى عمل آخر غير عمله المسرحى فلا تفلح هو على المسرح كالسمكة فى الماء .. دخوله إليه وحركته عليه وكلامه وسكوته وإيماؤه وقيامه وتصوره طبيعة من صميم الطبيعة تنسيك كل تكلف يحتاج إليه الفنان حتى ينتقل من العالم الخارجى إلى عالم الفن والرواية ) مراحل تطور الريحاني وبشكل عام فقد كان الريحانى ممثلاً يغنيك تمثيله عن موضوع التمثيل حيث يتوحد مع الشخصية التى يؤديها ولذلك ظل متربعاً على عرش النجاح الشعبى أكثر من ثلاثين عاماً ( 1916 - 1949 ) فى حين تعثر كل معاصريه ( يوسف وهبى - جورج أبيض - عزيز عيد - أمين صدقى - فاطمة رشدى ) . وعندما نستعرض مراحل تطور الريحانى نكتشف أننا أمام عدة فنانين وليس فناناً واحداً حيث مر بمراحل كثيرة مثل الارتجال والكاريكاتير - الترجمة - التمصير - التأليف.. إلخ . وقد تعدى تأثير الريحانى جيله وزمانه ليشمل كل الأجيال التى جاءت بعده حيث أثر فى مؤلفى المسرح فى الستينيات مثل نعمان عاشور- سعد الدين وهبه - لطفى الخولى - يوسف إدريس - ألفريد فرج - ميخائيل رومان . كما خرج من معطفه كممثل كل فنانى الكوميديا الكبار (فؤاد المهندس - عبد المنعم مدبولى - عبد المنعم إبراهيم - محمد عوض ... إلخ ) كما أن مرونته فى فهم احتياجات الجماهير والتجاوب معها والتعبير عن قضاياها تظل طوال الوقت قدوة لكل فنان صاحب رسالة .. ولكل فنان يقدم الكوميديا الاجتماعيةولكل الاجيال القادمه وبالذات اهل المسرح
كان نجيب الريحانى يؤلف ( أولاً بأول ) . وفى عام 1933 قدم أول أفلامـــــــــه الناطقــــة بعنوان ( حوادث كشكش بيه ) . وفى عام 1934 قدم فيلــم ( ياقوت ) من إخراج إميل روزييه ، وهذا الفيلم أول وآخر فيلم يشارك فيه بديع خيرى كممثل وقد تم تصويره فى ستة أيام فى باريس وقدم الريحانى هذا الفيلم تحت وطأة أزماته المادية .. وفى عام 1936 قدم فيلم ( بسلامته عايز يتجوز ) من إخراج ألكسندر فاركاش ورأى الريحانى أنه كان فيلماً سيئاً وأنه شخصياً كان فظيعاً بدرجة مؤلمة . وبشكل عام فقد كانت كل أفلام الريحانى الأولى سيئة ولم تستطع استثمار موهبته الكبيرة وقدراته اللامحدودة كممثل عبقرى .. ولم يستطع الريحانى نفسه أن يستثمر قدراته من خلال السينما لأنه فى ذلك الوقت لم يكن على دراية كاملة بكل آليات فن السينما كما أنه قد تعامل مع مخرجين محدودى الموهبة ، إضافة إلى أن السينما المصرية كانت فى بداياتها إلا أن الريحانى كان يطمح فى أن يصل إلى مكانة ( شارلى شابلن ) دون أن يمتلك المناخ العام الذى كان يعيش فيه شابلن.المهم أن الريحانى انتظر حتى عام 1937 لكى يقدم أول أفلامه الكبيرة وهو ( سلامة فى خير ) من إخراج نيازى مصطفى الذى درس السينما فى ألمانيا وعمل كمونتير وكان من أنجح من استخدموا الحيل فى السينما المصرية ولذلك تدخل بفاعلية فى تعديل السيناريو الذى كتبه الريحانى وبديع خيرى فنجح الفيلم خاصة وأنه يضم مجموعة كبيرة من الممثلين الريحانى - حسين رياض - فؤاد شفيق - شرفنطح - راقية إبراهيم - روحيه خالد، وكان ( سلامة فى خير ) ثالث فيلم ينتجه استوديو مصر الذى أنشأه طلعت حرب بعد فيلمى لاشين - العزيمة . وبعد نجاح سلامة فى خير ، قدم الرباعى ( الريحانى - بديع - نيازى - أستوديو مصر ) فيلم ( سى عمر ) سنة 1941 وهو فيلم مقتبس عن الفيلم الأمريكى ( رغبة ) للمخرج فرانك يورج ، وقد تم تمصيره بشكل رائع وتشجع الريحانى وقدم شخصيتين فى الفيلم ( عمر - جابر ) رغم أنه رفض نفس الفكرة فى فيلم سلامة فى خير . وحقق سى عمر نجاحاً أكبر من سلامة فى خير حيث كان أكثر نضجاً فى كافة المجالات . ورغم نجاح سى عمر إلا أن الريحانى لم يتحمس للسينما بالشكل الكافى ولذلك انتظر خمس سنوات كاملة حتى قدم فيلميه ( لعبة الست - أحمر شفايف ) فى عام 1946 من إخراج ولى الدين سامح الذى كان مهندساً للديكور فى أستوديو مصر منذ افتتاحه وشارك فى فيلم (وداد) كما شارك فى فيلمى الريحانى السابقين ... ويأتى فيلم لعبة الست كواحد من أهم كلاسيكيات الكوميديا فى السينما المصرية بينما يغلب الطابع التراجيدى على فيلم أحمر شفايف حيث تعمد الريحانى أن يشبع رغبته الدائمة فى الأداء التراجيدى وإن أدى ذلك إلى عدم نجاح الفيلم على المستوى الجماهيرى لأن الجمهور لم يعتد على الريحانى (تراجيديان ) . وفى عام 47 قدم الريحانى فيلم ( أبو حلموس ) ليعود به إلى كوميديا الموقف والفيلم مأخوذ عن إحدى مسرحيات بديع خيرى والريحانى . وبعد هذا الفيلم اتفق عبد الوهاب وأنور وجدى اللذان كانا شريكين فى شركة إنتاج سينمائى مع الريحانى على تحويل مسرحياته إلى أفلام وكانت البداية فى عام 1949 بفيلم غزل البنات من إخراج أنور وجدى الذى حشــد كوكبة رائعة من كبار النجوم ( يوسف وهبى - عبد الوهاب - محمود المليجى - زينات صدقى - ليلى مراد - استيفان روستى - عبد الوارث عسر - سليمان نجيب - فردوس محمد - فريد شوقى - وأنور وجدى ) ولم يكن يعلم كل المشاركين فى هذا الفيلم أنهم يشاركون فى ( زفاف ) الريحانى عريس الفن المصرى إلى العالم الآخر حيث مات قبل أن يتم عرض الفيلم بعد إصابته بحمى التيفود . وقد نجح فيلم غزل البنات نجاحاً مدويـــــاً جعله يمثـــــــــــل القمـــة بين كـــل أفـــــــــلام ( التراجيكوميك ) فى تاريخ السينما المصرية والعربية وكان أفضل ختام لهذا المشوار الحافل الذى حفره الريحانى بموهبة رائعة واجتهادات خلاقة وقدرة فائقة على التجديد والتجويد ورغم قلة رصيده فى عالم السينما إلا أن أفلامه اتسمت بقوة الموضوع وكوميديا الموقف وأسلوب الطرح الاجتماعى والاعتماد على دراما الشخصية التى تتنوع إلا أنها تدور فى فلك واحد يعمل على إبراز النزعة الإنسانية البسيطة مع وجود القدرة على النقد الاجتماعى . كما أنه طوال مشواره المسرحى والسينمائى رفض بشدة ( كوميديا العاهــــات ) أو ( الــمعلبـــات سابقــــة التجهيــــز ) و ( الوصفات المجربة ) مثل تغيير الصوت أو الشكل أو طريقة المشى . كما كان يحرص فى كل أعماله على تأكيد انتمائه الإنسانى والاجتماعى إلى جموع الشعب حيث اختار طوال الوقت شخصياته من الطبقات الكادحة فى الشعب . وبشكل عام فإننا بقدر غضبنا وحزننا من السينما التى لم تستثمر هذه الموهبة العملاقة فإننا يجب أن نشكر هذه السينما لأنها احتفظت لنا بستة أفلام رائعة قدمها الريحانى لتصبح دروساً فى كيفية الأداء الكوميدى الراقى ويكفى أى فنان صغير أو كبير أن يشاهد ردود الأفعال الصامتة والرائعة التى جسدها الريحانى فى فيلم غزل البنات وخاصة عند غناء عبد الوهاب لرائعته ( عاشق الروح ) لقد بلغ الريحانى فى هذه المشاهد ذروة رائعة تجعله يقف على قدم المساواة - إن لم تجعله يتفوق - على أكبر نجوم العالم فى التمثيل .. وفى النهاية فإننا نؤكد على استحالة الإحاطة بكل تفاصيل هذا العالم البديع الذى صنعه نجيب الريحانى بدموعــــــــه وابتساماتــــــه وترك من خلاله الكثير من ( الدروس والعبر ) لكل من يريد أن يكون صاحب رسالة ولكل صاحب اجتهاد حقيقى يهدف إلى إسعاد الغلابة والبسطاء والتعبير عن آلامهم وآمالهم وإذا كان الريحانــــــى فى عالــم المسرح زعيماً و ( شيخ طريقة ) وعلامة بارزة فى تاريخ هذا الفن بعد أن جمع بين يديه كل آليات هذا الفن (التمثيل - الإخراج - التأليف - الإدارة - الإنتاج ) إلا أنه فى عالم السينما قد ظلم نفسه كما ظلمته السينما ولم تتمكن من استثمار موهبته الرائعة وقد كتب الموسيقار محمد عبد الوهاب مقالاً بعنوان ( فنان خلق للسينما ) يقول فيه ( كان للريحانى وجه معبر صارخ الملامح ناطق السمة تكاد كل خلجة فيه تبرز قصة بليغة صامتة وله لمحات تطفر من عينيه يسجل فيها أروع أحاسيس الفنان الملهم .. دمعه كسيره أو نظرة مرحة أو غشاء من حزن أو فرح يكسبه لوناً إعجازياً قل أن يكون له نظير فى العالم .. وله نبرة صوت فيها كل شجن الفنان تقفز رأساً من خفقة قلبه لتخرج من شفتيه ولا يسجل كل هذا إلا كاميرا السينما ) . ويدفعنا كلام محمد عبد الوهاب إلى الدخول مباشرة فى قلب تلك العلاقة الشائكة التى ربطت الريحانى بالسينما حيث لم يحبها وربما تصور أنها ستؤثر على عشقه للمسرح ورغم أن معظم ممثلى الكوميديا من جيله قد سبقوه إلى السينما إلا أنه لم يتأثر أو يشعر بالغيرة . ففى عام 1919 عرض فوزى الجزايرلى فيلمه القصير ([مدام لوليتا. وفى عام 1920 شارك على الكسار وأمين صدقى فى الفيلم القصير ( [الخالة الأمريكانيةكما شارك فوزى منيب فى فيلمى خاتم سليمان - فى بلاد توت عنخ آمون عامى 22 ، 23 كما شارك أمين عطا الله فى فيلمى الباشكاتب عام 1924 والبحر بيضحك عام 1928 . كما شارك بشارة واكيم فى فيلم المعلم برسوم يبحث عن وظيفة عام 1925 ، وشارك شرفنطح فى فيلم (سعاد الغجرية عام 1928). وقد شاهد الريحانى كل هذا وكأن الأمر لا يعنيه وعندما بدأ أول محاولاته مع السينما فى عام 1929 كانت النتائج سيئة جداً حيث شارك مع المخرج جاك شونز فى تقديم فيلم صامت ولم يتم الفيلم .. وفى عام 1931 قدم فيلمه الثانى ( صاحب السعادة كشكش بيه) من إخراج استيفان روستى وذلك استثماراً لنجاح هذه الشخصية التى ابتكرها الريحانى والذى دخل هذا الفيلم تحت ضغط الأزمة المادية من دون سيناريو أو خطة عمل وكان يعتمد على الارتجال ورحل 7 يونيه 1949 المؤرخ والباحث فى التراث الفنى وجيه ندى [email protected]