هل تنطوي النوايا في الاردن على اكثر مما هو معلن؟
خالد عبد القادر احمد
[email protected]
في اتفاق منهاجي موضوعي غير مباشر بين المؤسسة الرسمية وقيادات قوى المعارضة التقليدية في الاردن, تجري محاولة لتجاوز دور الشباب في حراك الانتفاضة الشعبية وتفاعلاتها السياسية, فقد اندفعت قوى المعارضة التقليدية للامساك بزمام الصراع مع المؤسسة الرسمية, في حين اندفع الاعلام الرسمي لابرازها كطرف رئيسي للحوار مع المؤسسة الرسمية,
ان قيادات قوى المعارضة التقليدية تنتمي عمليا, الى نفس الاساس الطبقي والثقافة السياسية للائتلاف المسيطر على النظام ومؤسسته الرسمية, وهي تتفق مع النظام في ان الاصلاح السياسي الممكن الاتفاق عليه بينهما لا يجب في نتائجه ان يخضع ادائها لرقابة شعبية حقيقية لا في كونها قوى معارضة ولا كشريك في ادارة الشان القومي مستقبلا, لذلك نجد محتوى مفهومها الديموقراطي للاصلاح السياسي انما يتعلق بتقاسمها صلاحيات ادارة الشان العام والسلطة مع الائتلاف الطبقي المسيطر الان على النظام, وترسيخه في صيغة دستورية لنظام تشريعي تنفيذي لن يكون بعيدا عن نفوذ القبلية والعشائرية والالتفاف الديني, والتي هي بذاتها جزءا من بناء العامل المعيق لمسار التطور الحضاري الاردني,
وعلى العكس من ذلك فان اهداف حركة الشباب الاردني في الانتفاض, تتطلع الى وتطالب بتجاوز هذا العامل المعيق لمسار التطور الحضاري, وهي تضيف له مطلب اسقاط مقولة المنابت والاصول من الخطاب الرسمي والشعبي والكف عن ان تمارس المؤسسة الرسمية السياسات والنهج العرقية والطائفية في مختلف المجالات الحياتية.
فالحركة الشبابية الاردنية متحدة على المطالبة بان يكون طريقها الى الترقي الحضاري انما يتكيء الى تعزيز وحدة التوجه القومي الاردني عبر اسقاط نظام الكوتة المعمول به وتكافؤ الحريات باعتباره الوجه الاخر لتكافؤ المواطنة, كما انها تؤكد على حقيقة ان موجه التشريع والتنفيذ والقضاء والاعلام الاردني انما يجب ان يستجيب للحاجات والضرورات القومية الاردنية في تصحيح انحراف مسار التنمية الاقتصادية وتحويله من مسار الاقتصاد الاستهلاكي الخدماتي التبعي الى مسار الانتاج الصناعي الوطني التنافسي, وجعل سلامة العملية الاقتصادية الاردنية دعامة لانقاذ الاردن من حالة الانهاك السياسي التي اسقتطه في وضع الارتزاق السياسي من خلال اجباره على المشاركة بالمشاريع الاستعمارية عالميا كما في افغانستان والعراق والان ليبيا.
إن تصويب انحراف مسار التنمية الاقتصادية في الاردن, سيضمن استراتيجيا تعديل موازين القوى الاجتماعية الداخلية لصالح تحالف طبقي قومي وطني تسقط معه من موقع النفوذية والسيطرة شريحة وكلاء الصناعات الاجنبية من الطبقة البرجوازية ويتيح ان ترث موقعها هذا شريحة اصحاب صناعات الانتاج الوطني الكفيلة باخراج الاردن نهائيا من ازمة اقتصادية دائمة سببها الرئيسي موقعه الخدماتي التكميلي في عملية الانتاج العالمية
ان الموقف النقدي الذي تنطوي عليه احاسيس الشعب تجاه الرؤية الهاشمية والقرار الملكي لا يتعلق بطيب وحسن نية ووطنية الرؤيا الهاشمية او بالنسبة لمستقبل ومصير الاردن القومي, لكنه موقف نقدي تحصل نتيجة ادراك الشعب ان الرؤية الهاشمية والقرار الملكي هو اسير واقعة تحالفه طبقيا مع شريحة وكلاء الصناعات الاجنبية, وانه في مسار تراسه قرار ادارة الشان العام غفل عن وجود حالة انحراف تنموي اقتصادي تاريخي عززت مواقع قوى طبقية تصب حركتها العملية ضد المصلحة القومية الاردنية وتضعف الاساس الاقتصادي اللازم لتقوية استقلال الاردن الاقتصادي والسياسي والثقافي الحضاري,
ان الشعب الاردني يدرك ان فساد السياسات في مختلف المجالات هو الفساد الذي يجب مكافحته وهو فساد لا يمكن لاجهزة الامن او القضاء ان تطاله باعتباره فسادا تظلله صيغة التشريع الليبرالية المطلقة المتحررة من الاستجابة للحاجة والضرورة القومية, وحيث بات فساد التعدي على المال العام والملكيات القومية وقبول العمولات اللاقانونية وجها ثانوي الاهمية قياسا بهدر كامل المستقبل القومي سياسيا, لذلك نجد ان الشعب الاردني لا يرى جدوى استراتيجية من النهج المعتمد حاليا في محاربة واقعة الفساد الفردي, وهو في عمق احاسيسه العفوية انما يطالب بمكافحة فساد التشريع والتاسيس السياسي,
ان الفارق كبير جدا ونوعي تماما بين نوايا مطالب قوى المعارضة التقليدية وبين ما يريده الشعب فعلا, وهو امر لا تتلمس وجوده حتى الان قوى المعارضة التقليدية لذلك فانها تبقى في حالة عجز عن تحقيق التفاف شعبي حقيقي حولها وتنال في نفس الوقت رضى المؤسسة الرسمية,
فالشريحة البرجوازية البيروقراطية المسيطرة على المؤسسة الرسمية هي المستفيد الثاني من حالة الفساد التنموي الاردنية حيث تنعكس عليها في صورة ثراء ثمنا لتسهيل مزيد من الانحراف التنموي تاخذ صورة الاستثمار النهاب غير المشروط بتعزبز التنمية بل بانهاك القدرة الشرائية للمواطن, لذلك لا نجد حتى الان مشروعا استثماريا يخضع لشرط اعادة استثمار جزءا من ارباحه في مجال تنمية الصناعة الوطنية الاردنية,
ان قوى المعارضة التقليدية المتكلسة على تطلعات الشراكة مع المؤسسة الرسمية لا تستطيع الاحساس فعلا بعمق المطالب الشعبية وهي اسقط فعلا من ان تقدم حلولا للمطالب الشعبية لو كلفت بالتشكيل الوزاري واعطيت حرية الصياغة الدستورية, ولعل في اعلانها اتجاه العودة لدستور عام 1952 ما يؤكد هذه الحقيقة التي تنطوي على كم من التغيرات الاقتصادية الاجتماعية القومية عمره ستون عاما تقريبا, ولا اظن ان من يسقط هذا الكم من المتغيرات من اعتباراته النظرية السياسية لهذا المدى الزمني الطويل هو مؤهل لتقرير مصير ورسم مسار مستقبل قومي.
لقد بات مطلوبا ان تقر اولا قوى المعارضة التقليدية قبل المؤسسة الرسمية بوجود الجناح الديموقراطي الشبابي وان تقبل استقلاليته وان تكف عن محاولة احتواءه وامتطاءه, وان لا تقدم للمجتمع مساومتها الاجرائية مع المؤسسة الرسمية على انها بطولات تنفي الحاجة لوجود حراك شعبي مستقل, كما ان على الحراك الشعبي ان يبرهن على بدء نضجه سياسيا عبر الاستقلال كاطار وعنوان سياسي مستقل عن الائتلاف اليميني اليساري التقليدي, وعلى هذا الجناح ان يدرك ان احداث ميدان عبد الناصر_ دوار الداخلية_ لم يكن سوى اشارة من المؤسسة الرسمية لرفض وجود اطار وعنوان سياسي مستقل له بعيدا عن اطار الائتلاف التقليدي,
هل تنطوي النوايا في الاردن على اكثر مما هو معلن؟ بقلم:خالد عبد القادر احمد
تاريخ النشر : 2011-04-01
