سفن اب بقلم:خالد فحل
تاريخ النشر : 2011-01-28
سفن اب بقلم:خالد فحل


سفن اب
حين تقف مكتوف الايدي ، امام موت الطفولة على الاسرة ، يتسلل اليأس اليك ... تقف على البوابة الخارجية ، تحدق طويلاً في عبارة مجمع فلسطين الطبي بمدينة رام الله .
مجمع ضخم ، اطباء بالابيض ، ممرضات ، والوان ومسميات ومدراء ، وامن وبوابات ، مبان متعددة ، مبنى ابناء رام الله ، الطوارئ ، جناح الاطفال ( الذي لا ريش عليه ) وجناح القلب ، والعيادات الخارجية وغيرها ، أكل هذه الابنية لا تتسع لطفلة في السابعة من عمرها تعبر في غيبوبة الى الموت!
أهذه واحدة من مؤسسات الدولة المرتقبة ،أم ان اي مؤسسة نضفي عليها اسم الحكومي تكون بهذه الفوضى والاستهتار..
ادرك تماماً ـ ان طفلتنا لم تدخل المجمع الطبي لتتنزه ، او لترسم بحدود مخيلتها الرسومات فوق الجدران ، بل كان بكاؤها مراً ، وتدخل في تشنجات من تلك التي تصيب العصفور المرتطم بالزجاج ، فقد وصف لها الطبيب المختص وصفة طبية ... وخيل الي انها دعاية ، كتلك التي نشاهدها على التلفاز ، فقد وصف لها " سفن اب" لاردف قائلاً " ما بنفع مرندا ..
ثلاث ساعات وهي على سريرها .. فقط كان ميزان الحرارة سيد الموقف .. وممرضة تتدرب انسانية المهنة به.
هل اشترى الطبيب اجازته الطبية من روسيا ، حين تحول
"غوربت شوف" من زعيم الكون الى عارض دعايات لشركة كوكاكولا على تلفزيون بولندا.
توقعت ذلك .. تم طردي خارجاً ، فهذا تدخل في عمل الطبيب المبدع ، الذي يجد نفسه مهماً ، وبالاشارة الى رجال الامن ، اكون خارج حدوده .
ولا اغالي ان اعتقدت لتدني المسؤولية في هذا المجمع العملاق ، ان الطبيب عقد اتفاقاً سريا ، مع سيارات الاسعاف الخاصة ، او حفاري القبور ، او حتى بسطة القهوة في الخارج حين طردني .

ما كدت اشرب قهوتي حتى نادى السيد بقراط ، احملوا الطفلة الى البيت ، فالمعجزة قد حدثت ، الم اقل لك انها مسألة سفن اب ومن الفرحة اشعلت سيجارتي ، وقد توالدت قوى الامن من الجدران ، ولا اعرف من اين يطردوني الى الخارج ..
اما بخصوص رائحة التدخين المبعثة من غرف الاطباء ، فهذه ليست مضرة.
كان ليلاً مريراً ، او كما قال ( راجح السلفيتي ) " يا ليل ما اطولك على العيان "
التشنجات ازدادت ، والموت الشرس والحياة الشاحبة ، تنازعت وجه الطفلة ، وبحول الله لم تكن لنا حاجة لعبوة السفن اب ، فالطفلة الان في غيبوبة تلاعب الفراشات .
باكرأ .. احملها الى ذات القسم ، وتحملني الى بلاد اليأس .
والطبيب " عفواً خريج روسيا " قابلني بوجه غاضب " ليش جيت اليوم مش قلتلك اسقيها سفن اب" ليخبرني انها بحاجة الى طبيب مختص ولم افهم انها دعاية لسفن اب اخر ... وغادرت المستشفى في المرة الثانية محملاً بالخيبة .
رفض سائق سيارة الاجرة ان يحملنا ، من امام المستشفى ، ويبدو ان خوفه يكمن اني احمل جثة بين يديه.
طرقت ابواب العيادات الخاصة ، وكان المصعد معطلاً في كل مرة ، والاطباء في اجازة مع الحب ، ليكن الاخيار الاخير مستشفى خاص يرفع شعاراً ادبياً
" ادفع او ابتقبع "
تمنيت ان معاشي الشهري يكفي لدفع ليلة هناك ولو شربت الطفلة سفن اب في فندق ثمان نجوم ما كلفني ذلك .. لكنني لم اقطع حلمها بالفراشات
دهشت حين اخبرني طبيب المستشفى الخاص انها تعاني من شلل دماغي ونقص في الاكسجين بسبب تأخر في العلاج ..

في مجمع فلسطين الطبي وبعد التقارير والصراخ ..
فإذا بهم يخافون على مناصبهم ، ويعدون بحل المشكلة ... وتم نقل الطفلة من المستشفى الخاص .. الى غرفة العناية المكثفة " ICU"
همست امي .. اخفض صوتك .. خجلت ان اسألها .. هل ماتت .. فالاطفال لا يحلمون الا بالفراشات في نومهم وموتهم ..
هل هي طفلة حلمت ان تصير اماً .. ام ثورة حلمنا ان تصير دولة .. مشلولة الدماغ على سرير المستشفى .
ليلة الثلاثاء .. الحادية عشر ليلاً
الدال نقطة اب الـــــ...... يقول : مش انا ... مش انا ...

هل ماتت؟