الراحل أحمد بن سودة أول ممثل الملك بالعيون
تاريخ النشر : 2011-01-12
الراحل أحمد بن سودة
أول ممثل الملك بالعيون
عاش أحمد بن سودة حياة حافلة في السياسة والمقاومة والتصوف والثقافة. فرضت عليه الظروف أداء واجبه كقائد حزبي وكرجل دولة وكمثقف وكإنسان في ظرفيات صعبة جداً. سيما عندما قام بالاضطلاع بمهمة عامل ممثل جلالة الملك الراحل الحسن الثاني بالعيون من 27 فبراير 1976 إلى أواخر 1977.
لعب بن سودة دوراً فاعلاً ومؤثرا على مدى عقود منذ ما قبل الاستقلال. وحرص جلالة الملك محمد السادس على أن يكون تواري الفقيد مقروناً بتكريم لائق وخصّ البيان الصادر عن الديوان الملكي الرجل بعبارات ثناء لافتة.
جاء أحمد بن سودة إلى السياسة من جامعة القرويين، واختار في شبابه الكفاح ضد الاستعمار وأدى ثمن ذلك الاختيار. خبر السجون والمعتقلات وخبرته، و ظل حاضرا في المشهد إلى أن وافته المنية.
أول عامل ممثل صاحب الجلالة بالعيون
بعد المسيرة الخضراء كلّفه الملك الراحل الحسن الثاني بمهمة نبيلة، مهمة إنزال العلم الإسباني من فوق سارية بناية الحاكم العسكري الإسباني في مدينة العيون حاضرة مدن الصحراء وأكبرها ورفع العلم المغربي فوق تلك الربوع.
يقول الصحفي طلحة جبريل: "آنذاك غنّت مجموعة جيل جيلالة أغنية "العيون عنيا والساقيا الحمرا ليّا والواد وادي يا سيدي" (..) وقتئذ كانت مجموعات "جيل جيلالة" و"ناس الغيوان" و"لمشاهب" يُنظر إليها بغير كثير من الرضا نظراً لتعاطفها مع المد اليساري. عنذئذ سيهمس أحمد بن سودة في أذن جلالة الملك الراحل الحسن الثاني: "هذه مجموعات شابة تمتهن الفن ولا توجد رقابة على الفن"، وهكذا أصبح شباب المغرب يغنون مع جيل جيلالة والغيوان ولمشاهب".
وكان الفقيد أحمد بن سودة أول عامل، ممثل صاحب الجلالة بالصحراء، و هي المهمة التي بقي يفتخر بها طول حياته.
ظل أحمد بن سودة حاضرا على الركح السياسي. وكان عنيداً في مواقفه الوطنية عندما كان المغرب تحت الاحتلال الفرنسي، ويروي رفاقه أنه كان سليط اللسان، حاد الأسلوب في الكتابة مما أزعج المحتل الفرنسي، الذي أداقه ألواناً من العذاب والسجن وشتى المضايقات.
كان حضور أحمد بن سودة المستمر لافتا ومثيرا في المشهد السياسي منذ أربعينات قرن العشرين باعتباره أحد الفاعلين النشطين في الحركة الوطنية والركح السياسي بعد حصول المغرب على استقلاله.
سياسي محنك
عُرف الفقيد بحماسته ومهراته الخطابية وثقافته العربية المتينة. اختار، عكس أغلبية شباب فاس الابتعاد عن حزب الاستقلال والانتساب إلى حزب الشورى والاستقلال تحت إمرة الراحل محمد بلحسن الوزاني، إسوة بما قام به كذلك عبد الهادي بوطالب.
ناضل أحمد بن سودة في حزب الشورى والاستقلال، وواصل نضاله في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كما كافح من أجل بناء دولة الاستقلال بجانب جلالة الملك الراحل محمد الخامس، ثم رفقة وارث سرّه جلالة الملك الرحل الحسن الثاني. وفي هذا المضمار يقول محمد أديب السلاوي: "(…) من السهل الرجوع إلى فترات حياة أحمد بن سودة في الصحف والأطروحات والكتب العديدة التي اعتنت بهذه الفترة من التاريخ الوطني، ولكن الجانب الإنساني الآخر، من حياة هذا الرجل سيظل في حاجة ماسة إلى البحث والاستقصاء. خاصة ما يتعلق منها بصفات قد تكون بعيدة عمّا يعرفه العامة من الناس عن سيرته السياسية، وحياته الإعلامية".
ظل أحمد بن سودة يعرف جيداً أسرار الحقل المغربي وكان يعلم أن السياسة ببلادنا مثل الفلاحة لها مواسم.
المشوار الوظيفي
ظل أحمد بن سودة أحد المقربين والمتعاونين مع جلالة الملك الراحل الحسن الثاني لمدة طويلة. سبق وأن شغل منصب مدير ديوان الملك، واستوزر عدّة مرّات خلال خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، وشغل منصب مستشاراً لجلالة الملك سنيناً طويلة.
لقد تقلد منصب وزير الشبيبة والرياضة في أوّل حكومة مغربية ائتلافية بعد الاستقلال، والتي نال رئاستها ضابطا سابقا في الجيش الفرنسي، مبارك البكاي الهبيل، بفعل موقفه الوطني، إذ كان قد أعلن تشبثه بشرعية جلالة الملك الراحل محمد الخامس حين قدوم الاستعمار الفرنسي عن عزله عن العرش وإبعاده إلى المنفى.
في الستينيات ذهب أحمد بن سودة سفيراً لترويض الصحف اللبنانية ورسم صورة ألمعية للمغرب، وهناك نسج ومدّ خطوطاً وجسور تواصل مع الجميع.
ما بين أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي شكل بن سودة بمعية أحمد رضا اكديرة وعبد الهادي بوطالب ومحمد عواد رباعي ذي النفوذ والتأثير القوي على صنع القرار من موقع "مستشاري جلالة الملك".
خلال الثمانينيات أصبح المغرب قبلة للقمم العربية وأضحى جلالة الملك الراحل الحسن الثاني "مهندس القمم" في عيون العديد من المحللين، وقتئذ وجد أحمد بن سودة ضالته، وهو الخبير بأمور العالم العربي. تولى آنذاك مهام دقيقة من بينها تليين مواقف الذين كانوا يتمنعون في كل مرّة عن حضور القمة. إنه صاحب العبارة الشهيرة "قمة عربية بمن حضر"، وهي القمة التي أعادت مصر إلى العالم العربي بعد سنوات المقاطعة بسبب "كامب ديفيد".
جذبه إلى البلاط
تمكن جلالة الملك الراحل الحسن الثاني بدهائه السياسي المشهود له أن يجذب أحمد بن سودة، العارف بأسرار الحقل السياسي المغربي، إلى البلاط من قلب المعارضة ليصبح مستشارا له. والمعروف على بن أحمد سودة، خريج القرويين، أنه فضل الانحياز إلى جانب بلحسن الوازاني، خريج السربون الفرنسية (حزب الشورى والاستقلال) عوض البقاء بجانب علال الفاسي، خريج القرويين في حزب الاستقلال، لكنه في أواخر خمسينيات القرن الماضي انضم إلى المهدي بن بركة بعد أن قاد انقساما داخل حزب الاستقلال، وأصبح من قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
جذب جلالة الملك الراحل الحسن الثاني أحمد بن سودة إليه بتعيينه أولا سفيرا للمغرب ببيروت، خلفا لعبد الرحمان بادو الذي دخل في صراع قوي مع الصحف اللبنانية. توجه أحمد بن سودة إلى بيروت لتحسين العلاقة مع الصحافة في ستينيات قرن العشرين.
ويقول القريبون من أحمد بن سودة، إنه هو الذي غير نظرة جلالة الملك بخصوص مجموعات ناس الغيوان وجيل جيلالة والمشاهب التي كانت في عينه ميالة للمد اليساري والثوري، وقد قيل إن بن سودة أكد لجلالة الملك أن هذه مجموعات شابة امتهنت الفن ولا رقابة على الفن، وفعلا غيرجلالة الملك رأيه في هذه المجموعات لاسيما عندما غنت مجموعة جيل جيلالة أغنية "العيون عينية والساقية الحمرا ليا والواد وادي يا سيدي".

وعلى امتداد عقد من الزمن، بدءا من أواخر السبعينيات، ظل أحمد بن سودة أقرب الأقربين لجلالة الملك الراحل الحسن الثاني.
هكذا وصفوه
أجمع المقربون للفقيد على وصفه بالصوفي الذي ارتدى القبعة السياسية من أجل بناء دولة الاستقلال، وبالوطني الغيور، والصحفي البارع، والمحلل السياسي المحنك والشاعر البدع، وفقيد الدين والعلم والوطنية.
ينتمي الراحل أحمد بن سودة إلى عائلة صوفية، والده سيدي يحيى من رجال العلم، لمع نجمه في بداية القرن العشرين، سيما في مجالس الفقه والصوفية.
كما كان يعتبر من الرعيل الأول من مؤسسي التعليم الحرّ ببلادنا إذ أسس أوّل مدرسة حرّة بالعاصمة العلمية، فاس. وقد ورث الفقيد عن والده تعلقه بالعلماء والأولياء وأهل الذكر. جمع أحمد بن سودة بين الثقافة والإعلام والدين والسياسة.
يقول عنه محمد أديب السلاوي:"أحمد بن سودة كما عرفته، ويعرفه العديد من أبناء جيلي، لا يتمتع فقط بشخصية الرجل الإشعاعي، الذي لعب دوره الوطني السياسي والإعلامي برضا وارتياح، على مدى عقود من الزمن، ذلك لأن صفاته وطباعه وخصائصه وتربيته الصوفية ومبادئه الإنسانية، تجعل هذه الشخصية علماً بارزاً في تاريخنا الوطني، على الباحثين والمؤرخين تناولها بالكثير من التأني، مما لها من ارتباط وثيق بأحداث ورجال وتفاعلات هذه الفترة من تاريخنا السياسي والثقافي".
و قال في حقه الصحفي طلحة جبريل: "كان الفقيد خطيباً مفوهاً لا يقرأ من خطب مكتوبة وإنما كلمات تتدفق لهباً وتندرج جهراً (..) اختار بن سودة أن يبتعد بمقدار ويقترب بمقدار، يدلي برأيه صريحاً حين يعرف أن الرأي سيُعتد به ويقول إنه رهن الإشارة في مواسم الرياح الهوج، رجل يعرف يصك الشعارات".
إنجازات إحسانية
انشأ أحمد بن سودة رفقة شقيقه محمد بن سودة الوزير جمعية الزاوية الخضراء للتربية والثقافة التي تحتضن الآن خمسة آلاف من الأطفال الأيتام والفقراء والمهمشين في جملة من المدن المغربية. كما أسس مكتبة ثقافية بمدينة فاس فتحت أبوابها في وجه العلماء والأساتذة والباحثين والطلاب وعموم القراء. واعتبر الفقيد هذه المكتبة وقفاً علمياً وثقافياً بعد تزويدها بأمهات المصنفات العلمية والدينية والثقافية وأوقفها صدقة جارية من أجل طلب العلم في العاصمة العلمية، فاس.
من أعماله التي حرص أن تظل سرية ومحجوبة إصلاحه وترميمه للعديد من المساجد والأضرحة من ماله الخاص.
كما دعّم عدداً من الطلبة المعوزين في جامعة القرويين بفاس والجامعات الأخرى، وذلك بمنح سرية لا يعلم المستفيدون منها مصدرها.
وفي دائرة انجازاته الإحسانية وجب وضع كذلك نشره لعدد من الكتب والمراجع العلمية والدينية وتوزيعها بأثمنة زمرية أو بالمجان.
تعزية ملكية
أعرب جلالة الملك محمد السادس في برقية التعزية إلى أفراد أسرة الفقيد، عن تقدير "فداحة الرزء في فقدان أحد رجالات الوطنية الرواد الذين أبلوا البلاء الحسن في الكفاح الوطني ومعركة التحرير، وبناء المغرب الحرّ الموحد".
وأكد جلالته في برقية التعزية أن "المغرب إذا كان قد فقد بوفاته واحداً من رعيل المواطنة الصادقة، فإننا نستشعر بكل تقدير أعماله الجليلة كواحد من الأساتذة والفقهاء الذين نهلنا من معين معرفتهم، وعلومهم.
واستحضر جلالته في برقية التعزية، "ماكان يتميز به الفقيد في المهام السامية التي تقلدها، على مدى عقود من الزمن من مناقب حميدة، إذ كان مثالا للوفاء للعرش العلوي المجيد، والوطني الغيور على وحدة المغرب وسيادته، والناهض بكل كفاءة واقتدار، بكل ما أُنيط به من مسؤوليات، مستشاراً نصوحاً، ومحاوراً سياسياً ألمعياً، وصحافياً مقتدراً، وذاكرة وطنية مميزة".

ولد عام 1920 في مدينة فاس بالمغرب.
تابع دراسته الأولى بالكتاب, ثم التحق بالمدرسة الخضراء, فأنهى دراسته الابتدائية, ثم بجامعة القرويين .
تولى بعد الاستقلال وزارة الشبيبة والرياضة, ثم عامل إقليم الرباط, ثم عمل مديراً عاماً للإذاعة والتلفزة, ثم سفيراً للمغرب في لبنان (مرتين), ثم مديراً للديوان الملكي, ومستشاراً لصاحب الجلالة.
زاول نشاطه الأدبي منذ كان طالباً فأسس جمعية النبوغ والعبقرية.
شارك في العمل الوطني منذ أيام الدراسة, فالتحق بالحركة القومية, ثم بحزب الشورى والاستقلال, ثم بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية, وشارك في عدة مؤتمرات للدفاع عن استقلال المغرب, وقد سجن ونفي عدة مرات من أجل نضاله السياسي.
أصدر جريدة الرأي العام 1947.
نشر العديد من قصائده في الصحف والمجلات.
تحتضن مدينة فاس مكتبة تحمل اسمه: مكتبة أحمد بن سودة يدير شؤونها عبد الله العلوي السليماني و فتحت أبوابها منذ فاتح يناير 1999

Sahara hebdo 2010