ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية إل 45 ..ثورة فتح وشرارة ...الثورة بقلم :سمرأبوركبة
تاريخ النشر : 2011-01-01
ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية إل 45 ..ثورة فتح وشرارة ...الثورة

يوم غدٍا 1/1 يحتفل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات بذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، الذكرى الخامسة والأربعين لانطلاقة حركة 'فتح' التي وحدت الفلسطينيين حول الهوية والهدف، وارتقت بهم من حالة الشتات والتشتت إلى مستويات الكفاح من اجل تحقيق الأماني بالتحرر من نير الاحتلال وتقرير المصير.
لقد كانت النشأة عام 1958م على يد مجموعة من الشباب الفلسطيني ممن شاركوا في العمل الفدائي في قطاع غزة في عام 1953م، أو في صد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وهم: ياسر عرفات، وخليل الوزير، وعادل عبد الكريم، وعبدالله الدنان، ويوسف عميرة، وتوفيق شديد. التقوا في الكويت، واتفقوا وتعاهدوا على العمل من أجل تحرير فلسطين، فكانت القاعدة التنظيمية الأولى لحركة فتح، وكان لهذه القاعدة امتدادات تنظيمية في الضفة الغربية وغزة ومصر والأردن وسوريا ولبنان والكويت وقطر.
وقد بدأت بالتوسع سراً فلم يكن هناك شروط لاكتساب العضوية في التنظيم سوى التوجه نحو فلسطين، والنقاء الأمني والأخلاقي، وعدم التبعية لأي نظام عربي.
ففي الفاتح من كانون الثاني-يناير عام 1965م كانت البداية وكانت الطلقة الأولى، حيث تسللت المجموعة الفدائية الأولى لحركة فتح إلى داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، وفجرت نفق عيلبون الذي يتم من خلاله سحب مياه نهر الأردن لإيصالها إلى صحراء النقب، لبناء المستوطنات من أجل إسكان اليهود المهاجرين فيها، وعادت المجموعة الفدائية إلى قواعدها بعد أن قدمت شهيدها الأول أحمد موسى أثناء العملية لتعمّد بالدم باكورة مقارعتها للاحتلال، وكان البلاغ العسكري رقم واحد:
'اتكالاً منا على الله، وإيماناً منا بحق شعبنا في الكفاح لاسترداد وطنه المغتصب، وإيماناً منا بموقف العربي الثائر من المحيط إلى الخليج، وإيماناً منا بمؤازرة أحرار وشرفاء العالم، لذلك تحركت أجنحة من قواتنا الضاربة في ليلة الجمعة 1/1/1965م وقامت بتنفيذ العمليات المطلوبة منها كاملةً ضمن الأرض المحتلة، وعادت جميعها إلى معسكراتها سالمةً. وإننا لنحذر العدو من القيام بأية إجراءات ضد المدنيين الآمنين العرب أينما كانوا؛ لأن قواتنا سترد على الاعتداء باعتداءات مماثلة، وستعتبر هذه الإجراءات من جرائم الحرب. كما وأننا نحذر جميع الدول من التدخل لصالح العدو، وبأي شكل كان، لأن قواتنا سترد على هذا العمل بتعريض مصالح هذه الدول للدمار أينما كانت. عاشت وحدة شعبنا وعاش نضاله لاستعادة كرامته ووطنه'.
وكان البلاغ الأول إيذانا بميلاد فجر جديد، ميلاد الثورة الفلسطينية المسلحة لتكون فتح أول من تبنّى الكفاح المسلح، باعتباره السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، في ظل عالم كان لا يفهم لغة غير لغة القوة.
ولم يكن الكفاح المسلح مجرد شعار فضفاض ترفعه الثورة الفلسطينية؛ بل كان جملة من المضامين والتوجهات المثمرة. فحيث تواصلت العمليات الفدائية في عمق الكيان المحتل لتقض مضاجعه، كانت 'فتح' تدير جملة من المسارات الهادفة إلى بلورة الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني عبر منظومة متكاملة من الأنشطة السياسية والإعلامية والنقابية والثقافية التي حولت واقع الشتات البائس الى كينونة وطنية ترقى، في بعض تجلياتها إلى مصاف الكيانات السياسية الراقية في العالم.
بعد معركة الكرامة، زار ياسر عرفات، وكانت قيادة 'فتح' قد انتخبته متحدثا رسميا باسم الحركة، زار مصر، وعندما سأله الرئيس المصري جمال عبد الناصر عن صمود المقاتلين في معركة الكرامة وصد العدوان الإسرائيلي، أجابه أبو عمار قائلاً: 'نطعم لحومنا لجنازير الدبابات ولا نركع'. مما دفع الزعيم جمال عبد الناصر إلى إطلاق عبارته الشهيرة بصدد الثورة الفلسطينية: انها 'وجدت لتبقى وهي أنبل ظاهرة عرفها التاريخ'.
على الرغم من النجاحات الكبرى التي حققتها حركة فتح منذ انطلاقتها، إلا أنها تعرضت لكثير من الانتكاسات. فبعد معركة الكرامة ومرحلة النهوض الثوري، كان الخروج المدوي من الساحة الأردنية إثر الأحداث الدامية من منتصف 1970م نتيجة للاختلاف الاستراتجي بين النظام السياسي والحركة الفدائية، وأهدافهما المتباينة والذي غذته عوامل إقليمية وعالمية مختلفة.
وعلى الصعيد السياسي حققت الثورة، من خلال العمل الدؤوب جملة من النجاحات تمثلت في انتزاع اعتراف معظم دول العالم بشرعية النضال الفلسطيني، واحتل مندوبو م.ت.ف المراكز المرموقة في المؤسسات والمحافل الدولية الفاعلة. وتتوجت هذه النجاحات يوم 13/11/1974 بوصول الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية الثائر باليد الأخرى، ليلقي على مسامع زعماء العالم إحدى أهم الكلمات في تاريخ الدبلوماسية في العالم.لم تنشغل حركة فتح أثناء ممارستها العمل العسكري والسياسي عن بناء المؤسسات المختلفة كالمنظمات الشعبية، والاتحادات النقابية، والأجهزة الإعلامية والثقافية والاقتصادية؛ لتكون روافد ودعائم أساسية للثورة الفلسطينية ونشاطاتها في شتى الميادين، ولتساهم في بلورة الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، لتشكل رافعة متينة للكيان الفلسطيني تمهيدا لقيام الدولة.
في عام 1982م خاضت الثورة الفلسطينية معركة أسطورية في مواجهة الجيش الإسرائيلي، فبتاريخ 6 حزيران- يونيو 1982م بدأ الجيش الإسرائيلي بقصف جوي ومدفعي لمدن الجنوب اللبناني، ثم تحرك براً وكان الهدف المعلن من قبل إسرائيل تدمير منظمة التحرير الفلسطينية. وبدأت المواجهة التي استبسل فيها أشبال ورجال الفتح، فكانت قلعة شقيف شاهداً، وكان الصمود الأسطوري في بيروت والذي استمرّ 88 يوماً من الحصار والقصف البري والجوي والبحري للمقاومة الفلسطينية التي فضّلت الموت على الاستسلام.
لكن أمام الأوضاع الداخلية التي كان يعيشها الشعب اللبناني، ولوقف العمليات الإسرائيلية التي استهدفت المدنيين أيضاً، اضطرت منظمة التحرير للخروج من بيروت، فرحل ما يقارب 12 ألف مقاتل فلسطيني إلى بعض الدول العربية بتاريخ 30 آب-أغسطس 1982م، وبدورها انتقلت القيادة الفلسطينية إلى تونس.
تلقت حركة فتح خلال مسيرتها الكثير من الضربات، فقادتها كانوا هدفاً لعمليات الاغتيال، وعلى رأسهم أعضاء اللجنة المركزية، فكان الشهيد أحمد موسى، أبو على إياد، أبو يوسف النجار، وكمال ناصر، وكمال عدوان، وعبد الفتاح الحمود، وسعد صايل، وماجد أبو شرار، وهايل عبد الحميد، وممدوح صبري صيدم، وخليل الوزير (أبو جهاد)، وصلاح خلف، والرمز ياسر عرفات، قضوا جميعا على دروب الحرية والاستقلال.
وواجهت الثورة الفلسطينية مؤامرات كثيرة، وتلقت ضربات قاسية بعد خروجها من بيروت، لكنها في كل مرة كانت تصمد وترفض الركوع، واستطاعت أن تحافظ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل مقابل السعي العربي الرسمي للسيطرة على القرار الفلسطيني، أو إلغائه أو طمسه.
وخاضت فتح في مطلع التسعينات حرباً سياسية فرضت من خلالها تواجداً وتمثيلاً للشعب الفلسطيني في مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في تشرين الثاني-نوفمبر 1991م، عندما شكّلت وفداً فلسطينياً بزعامة الدكتور حيدر عبد الشافي، وعضوية شخصيات فلسطينية من داخل الأراضي المحتلة، لتمثيل الشعب الفلسطيني في هذا المؤتمر.
ولقد كان لحركة فتح وسلوكها السياسي بعد انتقالها من المنافي إلى أرض الوطن أثراً كبيراً على الحياة السياسية والاجتماعية لأهلنا على أرض الوطن من خلال ما كرسته من مفاهيم ثورية جديدة حول إشراكهم في عملية بناء الوطن وصنعه، واختيار قادتهم و ممثليهم من خلال انتخابات ديمقراطية و حرة ونزيهة بشهادة جميع المراقبين.
أما على صعيد الوضع الداخلي لحركة فتح، فإن نجاحها في عقد مؤتمرها السادس في ظل التعقيدات والمعيقات التي رافقت ذلك، أكدت على حيويتها وقدرتها على النهوض بأعباء ومتطلبات المرحلة، كونها الرافعة الأساسية للمشروع الوطني بما في ذلك إعادة إنتاج التجربة الديمقراطية بما يتلاءم مع طبيعة شعبنا وتطلعاته للحرية والاستقلال.
بعد 45 عاماً من النضال والتضحية والفداء، ما زالت حركة فتح التي نسجت خيوط الحلم الفلسطيني هي المعبرة عن ضمير الشعب بأفكارها الوطنية والوحدوية والواقعية، وما زالت بيدها الدفة، وبوصلتها اليوم تتجه نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعد أن تمكنت من المحافظة على الهوية الفلسطينية، واستقلالية القرار الوطني، وإعادة القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء، وتحقيق الاعتراف العالمي بمنظمة التحرير الفلسطينية )الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني)، وبالسلطة الوطنية الفلسطينية، وما زالت تتمسك بالثوابت الفلسطينية وفي مقدمتها الحق في تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس في حدود عام 1967م، وحق اللاجئين في العودة والتعويض.
تجيء الذكرى الخامسة و الأربعون لانطلاقة الثورة الفلسطينية بما تحمله من أمجاد وذكريات مكللة بدماء الشهداء و معارك و نضال امتد جذوره كالسنديان في التاريخ الفلسطيني.
الفاتح من يناير عام 1965 لم يكن مجرد انطلاقة حركة سياسية عادية و لم يكن عملية عسكرية لا تعرف لها هدفا، بل كانت انطلاقة شعب بكامله أعلن أنه ثورة في وجه المحتل، وكانت ثورة لهدف عظيم يسمو لتحرير الأرض و الإنسان و بوصلتها القدس الشريف .
فمن عيلبون و بيت جبرين إلى الكرامة و الليطاني و بيروت و الشقيف و من ثم إلى كل بقعة من فلسطين تمددت هذه الثورة لتذرع بذور المقاومة و التحرير، وأشعلت كفاح تشعب و امتد خارج فلسطين ضد عدو شرس لم يستطيع أن يوقف حلمه الاستعماري التوسعي سوى أبطال هذه الثورة الخالدة.
معارك دامية و بطولات، شهداء و دماء و رحلة كفاح فلسطيني طويل بدأت في الفاتح من يناير عام 1965 ، وأسست منذ تلك الليلة في عيلبون، لتاريخ جديد ومرحلة جديدة، حيث تقدم الفلسطيني بكوفيته و روحه على كفه و البندقية مشرعة بيده العاصفة ليعلن العودة و التحرير.
كان أبناء الثورة الفلسطينية في الفاتح من يناير يجيئون في المكان الصعب والزمان الأصعب. لقد كان من الصعب أن تجيء في زمن الهزيمة و الانكسار و الهجرة والتشرد، بروح العاصفة تبشر بالنصر و تقرع أجراس العودة. صعبٌ في تلك المرحلة من الزمان المكسور، أن تكون فدائي يحمل بندقيته ويقارع بها عدو هزم جيوش عربية وفرض نفسه على المنطقة بالقوة و المذابح و الرعب.
كانت الفاتح من يناير 1965 تجيء لتقول لا للهزيمة ، لا للاحتلال، لا للنكسة ، لا لشطب الشعب الفلسطيني، لا ..لا.. لسنا قضية إنسانية و لسنا قضية لاجئين تكفيهم الخيمة و التموين، بل نحن شعب لنا أرض و هوية و علم و لنا وطن مغتصب سنحرره بدمائنا و نحن له عائدون .
عيلبون كانت الطلقة التي حطمت الصمت العربي، كانت الروح التي بـُثـَّت من جديد في أوصال الفلسطيني المُهّجَّر و المسلوب منه أرضه ووطنه، فكانت عيلبون نشيدٌ له للعودة.
كانت الثلة القليلة من الرجال الذين زرعوا البذرة للثورة بدءا من عيلبون ، هي أمة و شعب ووطن و هوية وعلم وحلم سيكتمل بالعودة و النصر بإذن الله مهما طال الزمن أو قصر كما كان يردد الزعيم الشهيد المؤسس أبا عمار.
ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية تأتي بالبشرى رغم الحزن و رغم الألم ، و رغم المؤامرة على قضيتنا و محاولة شطبها و اختزالها لقضية إنسانية. فلا زالت عيلبون ديمومة مستمرة، ولا زالت تتجدد و تقرع أجراس العودة و تبشر بالنصر وبالتحرير.
ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية تأتي لتؤكد أنها ما زالت هي الحامي للمشروع الوطني الفلسطيني، و هي حارسة الحلم، وكما كانت هي الطلقة الأولى في الدفاع عن كرامة الأمة و أول من قرع أجراس العودة فهي أيضاً الجدار الأخير للحفاظ على الثوابت الفلسطينية بالدولة و العودة و العاصمة المقدسة .
ذكرى الانطلاقة تقول أن فتح هي أول رصاصة كانت و لا زالت تعرف هدفها في حين ضلت الكثير من الرصاصات طريقها، وهي عمود الخيمة الفلسطينية وأول نشيد وطني فلسطيني هتف و لا زال للعودة للوطن ، وهي الأمل في تحقيق الحلم بالاستقلال و الدولة، ورغم الجراح و الألم فالمستقبل يبتسم لها و لهذا الشعب الفلسطيني الذي انطلقت من رحم معاناته.
بقلم :سمرأبوركبة