الدافع الجنائي : بقلم المقدم محرز عطياني
تاريخ النشر : 2010-11-24
الدافع وأثره في الجريمة والعقوبة

ما هو الدافع :

لكل جريمة دافع ومن الصعب ان تجد جريمة بلا دافع . ويمكن تعريفه بأنه "هدف او غاية مرجوة" تولد قناعة وارادة لدى المجرم على أرتكاب فعل مجرم في القانون . وبعض خبراء القانون قالوا انه القوة المحركة للارادة والعامل النفسي الذي يدعو الى التفكير بالجريمة , والعزم على توجيه الارادة الى تنفيذها "الدكتور محمد الحلبي" وهنالك بعض التشريعات وبعض الانظمة القانونية أطلقت عليه اسم "الباعث" وقد عرفه القانون الاردني رقم (16) لسنة 1960 المعمول بة في فلسطين حاليا في المادة (67) بأنه " هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل، أو الغاية القصوى التي يتوخاها" . ولم يعتبره القانون في الفقرة الثانية من نفس المادة كعنصر من عناصر الجريمة الا في الاحوال التي بينها القانون . وان كان يدخل في تركيب الأرادة التي تشكل العنصر الاساسي والجوهري للقصد الجنائي "الركن المعنوي للجريمة"
انواع الدافع :
أولا : الدافع السلبي : هوعبارة عن هدف يولد قناعة اجرامية شريرة مترسخة في نفس المجرم يجسدها بأفعال من اجل الحاق الضرر بالغير والمس به .لجلب منفعة انانية له وحده . كمن يقتل شخص بغية اختلاس امواله. هذا الدافع يسمى في القانون الدافع الشائن او الدنيء .
ثانيا: الدافع الايجابي : هو عبارة عن هدف يولد قناعة مغلوطة لشخص واهم على ان فعله مبرر ويجلب المنفعة لنفسه او لغيرة دون النظر الى مسوغات القانون واطاره. كمن يقوم بقتل شخص مريض "معدوم الشفاء " شفقة عليه. هذا الدافع يسمى في القانون الدافع الشريف .
أثر الدافع على الجريمة والعقوبة :
ان معظم التشريعات والفقه لا تعطي اهمية للدافع ولا تأخذه بعين الاعتبار كما ان القضاء والأجتهاد القضائي يتقيدون بحرفية النص الوارد في القانون ويعتبرون ان الدافع لا يؤثرعلى التجريم ولا على اثبات الجريمة , لكنه من الممكن ان يؤثر على مقدارالعقوبة في حدود ما يرسمه القانون , بعيدا عن السلطة التقديرية للقاضي . وهذا المبدأ اخذت به معظم التشريعات العربية كالمشرع الاردني والسوري واللبناني . فالدافع السلبي (الدنيء) حتما سيؤثر سلبا على تشديد العقوبة وتغلظها , اما الدافع الايجابي فهو حتما سيؤثر ايجابا على تخفيض العقوبة وتسليسها. فهذه التشريعات ترى ان الدافع يتناسب تناسبا طرديا مع الخطورة الاجرامية للجاني ومقرون بها . فالجرائم التي تأثرت بالدافع الايجابي جاءت على سبيل الحصر في القانون الاردني الساري المفعول ضمن المواد (95,96,97,98)وهى الجرائم ذات الأعذار المحلة والجرائم ذات الاعذار المخففة .لكن هذه التشريعات التي جعلت من الدافع مؤثر على الأعذار المحلة والمخففة لم تجعل منه مؤثر على الاسباب المخففة المتروكة لسلطة القاضي التقديرية . واكثر من ذلك اعتبرت واستقرت على ان الدافع لا يدخل حتى في تركيب وعناصر الجريمة , فهو مستقل استقلالا تاما عنها , وبالتالي لا يؤثر في التجريم من عدمه وعلى القاضي ان لا يلتفت اليه في تكوين قناعاته ولا في اصدار احكامه .لكن السؤال المهم والذي يجب ان يثور : لماذا احل المشرع لنفسه الأخذ بالدافع في بعض الجرائم وفي نفس الوقت حرم القاضي من الأخذ به ؟؟؟ اليس هذا الاحتكار القانوني للسياسة العقابية سيؤدي حتما الى اختلال وعدم توازن في تطبيق مبدأ العدالة !!! .لقد كان من الأجدر بالمشرع ان يلتفت الى الدافع الكامن في نفس الجاني الذي ولد القناعة لديه على ارتكاب الفعل المجرم قانونا وان ينص بصراحة وفي منتهى الجرأة ضمن قوانينه على ان الدافع اذا كان ايجابيا شريف فان هذا يشكل سببا مقبولا وبالتالي فأن المجرم حتما يستفيد من تخفيض العقوبة, واذا كان الدافع دنيء تشديد العقوبة , ويسمح للقاضي ان لم يوجد نص قانوني يقيده ان يستنبط ويتقصى عن اساس الدافع وراء الجريمة ويغلظ العقوبة او يخفضها تبعا لشرافة الدافع او دنائته وان لا يكتفي بمجرد النظر الى اركان الجريمة وعناصرها . لانه من منطق العدالة والانصاف ان لا يعاقب المجرم الذي الذي يرتكب فعل اجرامي بدوافع دنيئة ورخيصة مع المجرم الذي يرتكب الجريمة بدوافع ايجابية انسانية شريفة و لأسباب ما جرم القانون افعاله .