توابع وزوابع ابن شهيد الأندلسي
( نظرة أدبية )
بقلم
يسري عبد الغني عبد الله
باحث ومحاضر في الدراسات
العربية والإسلامية وخبير في التراث الثقافي
[email protected]
عنوان المراسلات :
14 شارع محمد شاكر / الحلمية الجديدة / بريد القلعة (11411) / القاهرة / مصر . هاتف : 3176705 2 أو 3959261 2
محمول : 0114656533
ومن أنواع القصص العربية القديمة ، قصة أو رسالة (التوابع والزوابع) لابن شهيد الأندلسي ، الشاعر والناثر ، الذي ولد سنة323 هـ = 935 م ، وتوفي سنة 393هـ = 1003 م .
وقد اختار ابن شهيد الأندلسي اسم التوابع والزوابع لكتابه أو لقصته أو لرسالته كدلالة على المحتوى ، فالتوابع جمع تابع وهو الجني الذي يتبع الإنسان فيرافقه في تحركاته ، أما الزوابع فهي جمع زوبعة ، وهي شيطان مارد أو رئيس الجن .
وتعد قصة التوابع والزوابع للشاعر والكاتب / ابن شهيد الأندلسي من أشهر مؤلفاته وأهمها ، على الرغم من إجماع النقاد على أن شعر ابن شهيد يعد في الطبقة الأولى من الشعر الأندلسي ، فقد ضم هذه الرواية العديد من آرائه الأدبية والنقدية ، وقام بصبغها بالطابع القصصي ، و بها الكثير من الخيال المحبب ، وعليه اعتبرت من نوادر التراث القصصي العربي .
وقصة ابن شهيد تتمتع بأسلوب فريد قلما نجده في غيرها من الرسائل الأدبية ، فهي تعرض القضايا الأدبية والنقدية في إطار قصصي جذاب وذلك عبر مناظرات أدبية وبلاغية بين كل من ابن شهيد وتوابع بعض الشعراء والكتاب ونقاد الجن .
وسبب كتابة هذه القصة إحساس مؤلفها ابن شهيد بأن معاصريه من الأدباء والنقاد لم يمنحوه حقه من التكريم ، ولم ينزلوه المنزلة الأدبية التي كان يرى نفسه أهلاً لها ، فراح يلتمس التقدير والتكريم عند من هم أعلى مقاماً من معاصريه .
يلتقي ابن شهيد بجني اسمه / زهير بن نمير ، وتتوطد بينهما الصداقة ، فيحمله الجني زهير على متن الجو إلى أرض الجن ، حيث يلتقي هناك بتوابع الشعراء المشهورين والكتاب المبرزين ، ويلتقي أيضاً بشياطين بعض خصومه من معاصريه .
لقي عتبة بن نوفل تابع أمرئ القيس عمدة شعراء الجاهلية ، وعنتر بن عجلان تابع طرفة بن العبد البكري ، وأبو خطار تابع الحطيم من الشعراء الجاهليين ، كما لقي عتاب بن جبناء تابع أبي تمام الطائي ، وأبا الطبع تابع البحتري ، وحسين الدنان تابع أبي نواس ، وحارثة بن المفلس تابع المتنبي .. من الشعراء العباسيين ، كما التقى أيضاًً ببعض شياطين الكتاب .
ويجري أبو عامر بن شهيد مع كل هؤلاء التوابع محاورات أدبية طريفة ، ويسمعهم نماذج من شعره ، وفنوناً من نثره ، فينال منهم الإعجاب ، ويقابل بعض التوابع باحترام شديد كما فعل مع شياطين الكتاب ، ويخرج ابن شهيد من هذه المقابلات مشهوداً له بالفضل والتفوق .
كما يحضر مجالس أدب للجن ، ينشدون فيها قصائد لأعلام شعراء الإنس من جاهليين وإسلاميين ، ويلقي بعض قصائده وينتقد الشعراء الذين أنشدت قصائدهم ليظهر مواهبه الأدبية والنقدية ، كما ينشد بعض القصائد لأفراد أسرته ليبرز تفوقهم.
وتمضي القصة فيصل ابن شهيد وتابعه زهير بن نمير إلى واد من أودية الجن ، وتلقي به المقادير إلى ناد لحمير الجن وبغالها يضم بعض الشعراء من الأعضاء ، ويطلب إليه إصدار حكم أدبي في شعر لبغل وشعر لحمار ، كما يلتقي ببغلة أديبة ، ويدور بينهما حوار أدبي ينتهي بتغلب ابن شهيد .
وفي القصة أيضاً طرف من أحداث شبابه ، وفخر بأدبه من شعر ونثر ، و الحق يقال أن ابن شهيد بلغ مبلغاً رقيقاً من الوصف ، كما أتقن الحوار ، ومالت عباراته إلى التأنق ، وأسلوبه في جملته مشرق السمات ، رقيق القسمات ، خفيف على السمع ، متسرب إلى الخاطر ، مع ما فيه من صنعة ، أضف إلى ذلك التهكم والسخرية الذي امتازت به هذه القصة .
ويذهب بعض الباحثين إلى أن ابن شهيد الأندلسي استقى قصته من بديع الزمان الهمذاني في مقامته الإبليسية ، كما أنه من المؤكد أن هذه القصة قد تم ترجمتها إلى العديد من اللغات الأوربية ، مما أدى إلى تأثر بعض الكتاب الأوربيين بها .
وهناك إشكالية تثار في مسألة توابع وزوابع ابن شهيد ، هل تأثر ابن شهيد برسالة الغفران لأبي العلاء المعري ؟ ، أم أن العكس هو الصحيح ؟ ، مع الوضع في الاعتبار أن المعري كتب رسالته في فترة اعتزاله الناس ، على كل حال فقد كتبنا بحثًا في هذه المسألة نأمل أن يجد من ينشره أو لعله يرى النور قريبًا .
وبعد ذلك نقول : إن توابع ابن شهيد عمل قصصي ضاع الكثير من أجزائه ، والجزء الذي وصلنا نجده في كتاب (الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ) لابن بسام الأندلسي .
و يجدر بالذكر أن ابن شهيد في نهاية حياته عانى من مرض الفالج (وهو نفس المرض الذي عانى منه الجاحظ) حيث قضى على حركته تمامًا مما أدى إلى منعه من الكتابة والقراءة فأثر ذلك على نفسيته ومعنوياته ، حتى جاءت وفاته ودفن في مدينة قرطبة الأندلسية ، وشيعه إلى مثواه الأخير جمع غفير من محبيه ومن أهل الأدب والفكر ـ رحم الله الجميع .
يسري عبد الغني عبد الله
توابع وزوابع ابن شهيد الأندلسي (نظرة أدبية) بقلم:يسري عبد الغني عبد الله
تاريخ النشر : 2010-08-19