في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين ، الذي عشت نصفه الاول بكل تفاصيله واحداثه وذكرياته .. ثم بات الان يسمى القرن الماضي بعد ان داهمنا القرن الواحد والعشرين بغتة وبدون استئذان حتى .. !! يا للهول انه قرن مضى وقرن نعيش !! اقول في عام 1985 على ما اتذكر عرض تلفزيون بغداد مسلسلا اجتماعيا كوميديا بعنوان ( ايام الاجازة ) من بطولة الفنان محمد حسين عبد الرحيم .
وتقوم احداث المسلسل على مفارقات طريفة تحدث لموظف بسيط يحصل على اجازة لمدة شهر واحد يمر خلالها بمواقف واحداث تفسد عليه اجازته وتحيلها الى انشغالات جانبية ومشاكل عرضية لا تخطر على بال تمنعه من الاستمتاع باجازته الطويلة ، حتى انه كان يتمنى لو لو يحصل على تلك الاجازة المتعبة بحق !!
تذكرت هذا المسلسل وانا اقرر لنفسي هنا ، ومن جانب واحد ، منح نفسي إجازة عن الكتابة بهذا العمود لمدة شهر واحد تقريبا ، هي ايام شهر رمضان المبارك ، الذي يطل علينا بعد ايام ان شاء الله ، على ان اعود بعد الشهر الفضيل بحصيلة وافكار جديدة ، بعد ان شعرت انني بحاجة الى فترة من التوقف والتأمل والمراجعة ..!
وامل ان تكون ايام اجازتي ولياليها ممتعة ومجدية ومريحة وليس على طريق اجازة الموظف الذي ياخذ اجازة يقضيها جالسا في المقهى المقابل لدائرته يلعب الطاولي والدومينو .. هذا ان لم يذهب كل يوم الى نفس دائرته للسلام على زملائه على اساس انه مجاز من الدائرة وجاء يتفقدهم واحدا واحدا !!
ان الاجازة ليست ترفا ولا هي فترة كسل ، وليست مكرمة بقدر ما هي حق وواجب لكل انسان يعمل ، فهي توقف اجباري عن العمل بمثابة عملية اعادة التنشيط الذهني والفني والانساني للنفس ، و سوف يعود الموظف الكفؤ لعمله بعد انتهاء إجازته وهو أكثر إقبالاً ونشاطاً وحيوية مما سينعكس ايجابياً على عمله.
والاجازة ليست متعة فقط ، كما يقول الباحث الامريكي مونرو كولوم ، بل ضرورية للصحة العقلية، اذ أن الدماغ بحاجة إلى الراحة بين وقت وآخر.
وقال كولوم الذي يعمل اخصائياً وطبيب أعصاب في المركز الطبي بجامعة ساوث وسترن في دالاس "إننا غارقون في فيض من المعلومات وبكميات لم نرها من قبل، وهذا يزيد الشعور بالضغط النفسي"،مشيراً إلى أن قليلاً من الضغط النفسي قد يكون مفيداً لإنجاز الكثير من الاعمال ولكن إذا زاد ذلك عن الحد المحتمل أو المعقول فإنه يترك أثراً نفسياً سيئاً وقد يؤدي إلى الإصابة بالأمراض .
ووقت الاجازة يسميه علماء الادارة بـ(الوقت الفعال) ، ويسميه الاخرون ( وقت الخلوة ) وهو الوقت الذي يخلو فيه الفرد مع نفسه ، متأملا الحياة بهدوء ، مستمتعا بوقته بهوايات مفيدة ونافعة ، متحررا من الرسميات والالتزامات المفروضة التي لابد منها ايام العمل ، مغادرا الروتين الى التجديد ، ولا يكون للانسان في ايام الاجازة أي ارتباط مع اي جهة عمل، فهذا الوقت المتبقي هو الذي نملكه حقيقة، وهو مدار التنظيم والاستغلال، فيكشف كل منا كم كان رصيده من (الوقت الفعال) وكيف يستغله بما يعود عليه بالنفع والفائدة ، وفقنا الله لطاعته بما يحبه ويرضاه ، ووقانا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.. ، والى اللقاء بعد الاجازة ... ورمضان مبارك على الجميع !!
نافذة من بغداد: أيام الإجازة بقلم:د.كامل خورشيد
تاريخ النشر : 2010-08-05
