البحث عن فضيــحة بقلم:محمد محمود عمارة
تاريخ النشر : 2010-07-28
البحث عن فضيــحة بقلم:محمد محمود عمارة


( 1 )
استيقظ السرب كله على صوت المساعد أول " سعيد " و هو يصرخ أمام مبيت قائد السرب :
" يا سيادة العقيد استيقظ ........." ذُهل العقيد مما سمع و مما طلبه سعيد !!!!
بالطبع لم تكن تلك بداية الحكاية ولكنها كانت نهايتها ، أما البداية فكانت مع شخصيتين :عامر و سعيد .
عامر " رقيب فني " بالسرب ، شاب تجاوز العشرين بقليل ، وسيم يشبه الأوربيين في ملامحه ، عينان زرقاوان ، شعر أصفر ، قوام ممشوق ، كثير الكلام ، مرح ، لا تمر أجازة إلا و يعود ويحكي لرفاق السلاح عن مغامراته مع الفتيات المليحات والنساء الفاتنات.
سعيد " مساعد فني " ، كهل ، اقترب من الأربعين ، طويل القامة ، قوي البنية ، قليل الكلام ، صارم في أوامره مع من دونه في الرتبة ، دقيق في تنفيذ ما يتلقى من أوامر من رؤسائه.
بعد عطلة من عطلاته عاد عامر ، لكنه لم يكن كعادته مع رفاقه ، كان صامتاً ، شارد الذهن ، مهموماً كمن يحمل حجراً ثقيلاً على صدره . بعد إلحاح شديد من رفاقه قرر أن يبوح لهم بالسر الذي قض مضجعه : " الصول سعيد " شاذ جنسياً ، و طلب منه ممارسة الشذوذ معه و إلا فسيحيل حياته في السرب إلى جحيم . طلب عامر نصيحة رفاقه حتى يتخلص من ذلك المأزق.
نزل الخبر كالصاعقة على من سمعه ، لكنه انتشر انتشار النار في الهشيم ، علم كل من في السرب بشذوذ سعيد إلا شخصاً واحداً ، سعيد نفسه ، و أصبحت قصة شذوذه الموضوع المفضل لكل تجمع ، و انتشرت القصص التي خرجت من البعض عن لحظات الضعف التي مر بها سعيد أمامهم و كيف طلب منهم أن يفسقوا به ، حتى المجندين حكوا و تحاكوا ، حتى جاء ليل يوم تشاجر فيه سعيد مع صف ضابط في رتبته فعايره الأخير بقوله: " لم يبق إلا أنت أيها الـ.....حتى أتشاجر معه " . صُعق سعيد مما سمع و اشتد غضبه و استشاط حين رأى نظرات التصديق في عيون المحيطين ، ثم علم بكل ما قيل عنه. في لمح البصر كان يقف أمام مبيت الطيارين ثم رفع صوته الذي أيقظ كل من كان نائماً بالنداء على قائد السرب:
" قم يا سيادة العقيد.. حولني الآن على مجلس عسكري طبي لأرى إن كنت ..... و لا لا ".
ذُهل العقيد مما سمع و مما طُلب ، بعد التحقيق و العرض على المجلس الطبي اكتشف الناس براءة سعيد مما نُسب إليه ، و أنها لم تكن سوى شائعات روجها المدعو عامر ، و أن القصص التي قيلت عنه و انتشرت ليست سوى افتراءات حبكتها عقول مريضة.
ثم كشفت الأيام عن مفاجأة: عامر لم يكن زير نساء ، بل كان شاذاً جنسياً.

( 2 )

سارة فتاة رائعة الجمال ، يتنافس شباب الحي لنيل رضاها ، لكن نظرة الإعجاب تلك تبدلت إلى نظرة احتقار بعدما انتشرت
أقاويل ربطتها بأحد شباب الحي ، صارت حكايتها مع الشاب المعروف بسوء سمعته علكة في فم كل نساء الحي في البيوت
و رجال الحي على المقاهي ، و كان ما يحدث بينهما يُنقل في بث حي بالقصص الفورية والحكايات ، حتى لم يعد أبوها أو
أخوها قادرين على رفع رؤوسهما . في لحظات استل الأخ سكين الشرف و ذبح أخته من الوريد إلى الوريد ، ذهبت هي إلى
المقبرة و ذهب هو إلى السجن . لم تكن أشد عذاباته في السجن الجدران التى حصرته بينها و لا قانون الغابة الذي
يحكم المكان ، لكن كلمات مهرها الطبيب الشرعي بتوقيعه تثبت عذرية أخته التي صعدت روحها الطاهرة البريئة إلى ربها
وهي تتساءل " بأي ذنب قُتلت "
دارت الأيام وكُشفت الحقيقة : الشائعات كان ورائها الشاب سيئ السمعة نفسه!!
لماذا ؟!!
انتقاماً من رفض أسرتها له ، و ليقطع الطريق بتلك الشائعات أمام كل من يفكر في التقدم لخطبتها .

********************
ما سبق قصتان حقيقيتان من عشرات القصص التي عايشتها أو عايشها غيري ، أبطالها ضحايا فضائح لا ذنب لهم فيها سوى حب الناس للقيل و القال دون تمحيص للحقيقة أو محاولة لستر أعراض الناس مع أن الأصل في الإسلام الستر و ليس الفضح خصوصاً في الأمور التي تتعلق بالأعراض لما يترتب عليها من آثار اجتماعية مدمرة على المستويين المادي و المعنوي .
إنّ حد الزنا من الحدود التى شددت الشريعة الإسلامية في شروطها حتى قال البعض : " هو الحد الذي نزل كي لا يُطبق " و جعلت الشريعة "حد القذف" عقاباً لمن لا يستوفي أحد أهم هذه الشروط و هو الإتيان بأربعة شهود عدول ، بل إن الحدود التي طُبقت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت بالاعتراف للتطهير ، وكان الرسول صلى الله عليه و سلم يرشد من جاءه مقراً على نفسه بالذنب أن يستر على نفسه ويتوب فيما بينه وبين ربه، كما فعل مع ماعز والغامدية رضي الله عنهما، وقال عليه الصلاة والسلام: "من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله" (رواه مالك )
يُحكى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا بكر الصديق رضي الله عنه : ما بالك في رجل رأى رجل و امرأة يزنيان؟
- قال أبو بكر :هل أتى بأربعة شهود عدول؟!!
- قال عمر : لا
- قال أبو بكر : فيُجلد ثمانون جلدة حداً للقذف
- قال عمر : أو لو كان عمر بن الخطاب ؟!
- قال أبو بكر : و لو كان عمر بن الخطاب.
والقذف كبيرة من الكبائر دعا الإسلام إلى الابتعاد عنها حتى تصان أعراض الناس؛ قال صلى الله عليه وسلم : (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) متفق عليه
ما يحدث الآن في مجتمعاتنا قذف مع سبق الإصرار و الترصد ، قذف بلا رقيب أو حسيب أو ضابط أو رابط أو خوف أو ترقب لحساب أو عقاب. الناس يلوكون سمعة الآخرين غير مبالين بما يترتب على ذلك من ضرر نفسي أو معنوي أو حجم الخسارة التي ستلحق بمن يتحدثون عنه بالحق أو الباطل. الناس مولعون بالفضائح و تجد أكثرهم يبحث و يفتش عنها و يلوكها و ينقلها مع بعض البهارات و التوابل من عنده لتزداد الفضيحة إثارة.
أنظر من حولي فأرى أكثر الكتب مبيعاً تلك التي يحمل غلافها لفظ فضيحة ، قس على ذلك الأخبار و مقاطع الفيديو و...و....إلخ إلخ إلخ
الأولى بالناس الستر ليكونوا عوناً لإخوانهم و أخواتهم على العودة إلى الطريق المستقيم ، لا أن يكونوا عوناً للشيطان على إخوانهم . الأولى بهم النصح في السر للمذنب حتى يتوب و يرجع ، و إرشاد الغافل الذي لم يستبرأ لدينه و عرضه بالوقوع في الشبهات. الأولى بالناس الضرب بشدة على كل من يخوض في أعراض الناس لأن من يتحدث اليوم عن غيرهم سيتحدث غداً عنهم. و أخيراً الأولى بالدول أن تُطبق حد القذف لتحمي سمعة و أعراض الكثيرين من الغافلين و الغافلات.