عن الشاعر الفلسطيني خالد نصرة في الذكرى الثالثة لرحيله بقلم: محمد سعد العجلة
تاريخ النشر : 2010-07-18
عن الشاعر الفلسطيني خالد نصرة في الذكرى الثالثة لرحيله
بقلم: محمد سعد العجلة
كاتب صحفي من غزة

قبل حوالي ثلاثة أعوام، وتحديداً في الرابع عشر من شهر تموز/ يوليو 2007، رحل في مدينة البيرة بالضفة الفلسطينية المحتلة، الشاعر الفلسطيني خالد نصرة، عن عمر ناهز الثمانين عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، أبعده لعدة سنوات عن الميدان الذي عشقه وبرع فيه على مدار عدة عقود متواصلة وترك في مشهده بصمة واضحة، ألا وهو كتابة الشعر وتحديداً القصيدة العمودية، وكذلك العمل في الصحافة الأدبية والثقافية.
عرفت الشاعر خالد نصرة عام 1993 حينما كنت أعمل مراسلاً صحفياً في جريدة النهار الفلسطينية اليومية، ومهتما بالشؤون الأدبية والفنية، وكان (هو) يعمل محررا للصفحة الأدبية وزاوية ضيف الأسبوع في الجريدة، فكان من خلال هذين المنبرين نعم الأديب المخلص للأدب والأدباء والصحافة الجادة، وإليه يرجع الفضل في أن عشرات التقارير والحوارات الأدبية التي كتبتها أو أجريتها رأت النور من خلال صفحات النهار بإخراج جميل (ما استطاع إلى ذلك سبيلاً) وبنفس الحجم والأسلوب الذي كنت أحررها فيه، وكان معجبا بالنشاط الأدبي في قطاع غزة ويكن الاحترام للقائمين عليه.
تواصلت علاقتي المهنية والشخصية معه عبر الهاتف، ولم أره ولا مرة واحدة في حياتي، رغم أن المسافة الفاصلة بين غزة والبيرة -حيث يقيم- لا تزيد عن مائة كيلو متر، لكن تقييد حرية الحركة بين الضفة والقطاع من قبل الاحتلال الإسرائيلي حالت دون تحقيق أمنيتي بالاجتماع شخصياً مع الشاعر الصديق "أبي نادر" رحمه الله
وُلد الشاعر خالد فريز أسعد نصرة في مدينة جنين سنة 1927، وصدرت له ثمانية دواوين شعرية، أولها عام 1956 وهو بعنوان "أغاني الفجر"، ثم توالت دواوينه الشعرية كالتالي: لظى وعبير 1960، هزيم وتسابيح 1968، لمن الخيول 1980، شواطئ الضباب 1987، زنابق شعر منسية 1992، أشعار للصغار 1994، القنديل الوهاج 1995. حصل على جوائز أدبية في الشعر من الأردن، لندن، الرياض، الكويت وفلسطين. اشتغل في الصحافة أثناء عمله الوظيفي الطويل، وأشرف على الزوايا الأدبية في عدة صحف فلسطينية وأردنية. مثلُه الأعلى من الشعراء المتنبي، أحمد شوقي وعمر أبو ريشة.
لا زلت أحتفظ بطرد بريدي أرسله لي من رام الله إلى غزة موقع ومؤرخ بخط يده (20 آب 1999) اشتمل على ديوانه الثامن وكتيب آخر قام بإعداده وشرحه عام 1997 بعنوان أحلى الأناشيد (لنخبة من كبار الشعراء العرب) وكتيب ثالث صادر في شباط 1998، وهو عبارة عن ملحمة شعرية بعنوان قلادة المجد نظمها ليلة 14 شباط 1997 قال عنها أنه نشرها في هذا الكراس الصغير خشية أن يطول بها المقام في تابوت الصمت ويلفها ضباب النسيان. ووجدته قد وضع داخل هذا الكراس قصيدة مطبوعة على ورقة منفصلة تحمل صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وهي بعنوان سيف الصحراء كتبها بتاريخ 19/12/1998.
في عام 1996، أجريت حواراً صحفياً مع الشاعر الفلسطيني الكبير هارون هاشم رشيد في غزة التي كان في زيارة لها حيث يقيم في القاهرة، وذكرت في سياق الحوار الشاعر خالد نصرة كواحد من أبناء جيله شعراً وسناً، فوجدته قد تحدث عنه بحفاوة واحترام كبيرين، وقال عن نصرة أنه في طليعة الشعراء الفلسطينيين وأنه يحتفظ بمجموعة من أشعاره، وأن بعض قصائده قد نُشرت في صحف عربية تصدر في الولايات المتحدة الأميركية. وأضاف قائلاً عنه: أنه من أفضل شعراء جيله متانة وأسلوباً وصدقاً.
بتاريخ 20/8/1995، وخلال ندوة نظمها اتحاد الكتاب الفلسطينيين بمقره في قطاع غزة، لمناقشة قصيدتين من ديوانه الخامس "زنابق شعر منسية" هما "فراق" و"أنذال" قدم الشاعر محمد حسيب القاضي رحمه الله دراسة نقدية نوعية وعميقة حول خالد نصرة، قال فيها أنه أحد التقليديين في شعرنا الفلسطيني الذي يحافظ على صوت الجماعة وصوت الفرد في نفس الوقت، فرغم أنه مازال أميناً على قصيدة "البحر الخليلي" فإن مواضيعه وحالاته منغمسة في واقعنا السياسي والاجتماعي انغماساً عميقاً وقويا، مضيفاً أن نصرة مسكون بهم إنساننا الفلسطيني والعربي على نحو أو آخر. واعتبر القاضي أن خالد نصرة يذكره بطوقان وأبى سلمى وعبدالرحيم محمود وجيل الرواد في الشعر الفلسطيني الذين تلمسوا المأساة قبل وقوعها في فلسطين، ونبهوا إلى المخاطر الكامنة قبل أن تقع الكارثة الكبرى، فهو في شعره امتداد لوعي جيل من الشعراء نعتز بهم، ومازلنا نقرأهم ونتأثر بدرجة تفاعلهم مع الأحداث والهموم التي غرق فيها الفلسطينيون أثناء الانتداب وبعد قيام الدولة العبرية على أرض فلسطين.
ومن وجهة نظر القاضي فإنه في شعر خالد نصرة ورفاقه من شعراء قصيدة البحر الخليلي لا ينبغي تطبيق نظريات من خارج النص نفسه وإنما يجب أن نتعامل مع هذا الشعر من خلال شروط إنتاجه حتى نقترب منه ونطرب له، ونضعه في سياقه العام بين الشعراء العموديين، فهو إلى جانب الشعر السياسي الساخط والمرير، يكتب قصائد وجدانية غارقة في الألم الذاتي الذي يعكس "تجارب رومانسية مبكرة" يحافظ الشاعر فيها على مادة المعجم الخاص بشعراء هذا اللون الذي نجده في غزليات طوقان وأبي سلمي، وكذلك لدى شعراء مدرسة "أبوللو" المصرية ناجي وعلي محمود طه من حيث التراكيب والصور والمفردة المنتقاة التي تناسب أجواء هذا اللون.
وختم محمد حسيب القاضي دراسته بقوله: خالد نصرة حفيد مخلص لجيل الرواد وشاعر موهوب ومحافظ على تقاليد الشعر وربما لهذا السبب يخشى المغامرة والإبحار في المجهول، فهو يؤثر التعبير عما في متناول يده وبصره، وليس عما وراء الرمز والجملة المبتكرة والصورة الجامحة التي تستنطق مناطق موغلة في الذات. إنه شعر غناء من شأنه أن يغتني بالتأمل واللمح لو شاء الشاعر ذلك.. وهو قادر عليه.
في الندوة المذكورة أعلاه، تحدث أيضاً الناقد الدكتور نبيل أبو علي، أستاذ النقد في الجامعة الإسلامية بغزة، مشيداً بالدراسة التي قدمها الشاعر محمد حسيب القاضي عن ديوان خالد نصرة. وأشار إلى أن الشاعر خالد نصرة لم يحظ بما يستحق من عناية أو اهتمام وخاصة أنه بدأ في كتابة الشعر من عام 1952 وله ثمانية دواوين شعر. والشاعر يضع بين أيدينا هذه الملاحظة حينما يشتكي من أن الشهرة تتجه لأناس دون أناس. ورأى الدكتور أبو علي أن قصيدة (أنذال) هي قصيدة الشاعر ومعاناته في الدواوين الثمانية، مضيفاً: ولعلي أزعم أن خالد نصرة استشعر الهزيمة قبل وقوعها وهو ما حدث مع شعراء تلك المرحلة مثل طوقان. وأشار الناقد أبو علي إلى بعض الملاحظات من خلال دواوين الشاعر "هزيم وتسابيح" "لمن الخيول" "شواطئ الضباب" و"زنابق شعر منسية"، فالشاعر يلجأ إلى استخدام الألفاظ –وخصوصاً في قصيدة أنذال- التي تعبر عن شحنته النفسية وهو يحمل الهم العربي ويطوف على البلدان العربية يستثير نخوة الشعوب، وموضوعاته متنوعة رغم أن الهم السياسي يحتل الكثرة من شعره، والشاعر يرى الغموض مرادفاً للإبهام الذي لا يمكن أن تفتح مجاهله رغم أن الغموض في الشعر له حدود مقبولة.. وأضاف د. أبو علي: أن الإحساس بالرغبة وسط الأهل يتكرر في "الدواوين الثمانية" لدى الشاعر وهو متأزم من التغني بالأمجاد في مختلف العصور كما أنه يتحدث عن تبعية الأمة العربية منذ استشعاره للمأساة، وهذا لا يختلف عما ذهب إليه إبراهيم طوقان، والوحدة العربية حاضرة تلح على وجدان الشاعر ويتمنى أن تتحقق!
رحم الله الشاعر خالد نصرة، الذي عاش حياة حافلة بالكتابة والإبداع، وبقي مخلصاً وعاشقاً للقصيدة العمودية الأصيلة والغنية بمعانيها وصورها وأغراضها، وبقي مدافعاً عنها حتى آخر حرف خطه قلمه الجرئ.
***