الخاتم! بقلم: هالة نعيم ابراهيم
تاريخ النشر : 2010-07-02
كنت أرقبها من بعيد , ببطء تحرك خاتمها الذي يتوج الإصبع الثالث المجاور لخنصر يدها, شاردة الذهن تنظر إلى السماء, تبحث عن حدودها, أحسست أنها تستنجد و تستغيث, ولمحت دمعةً حبيسة لعينها ,تكابرها بصعوبة ,وتشتهي ردّها ,أعصابها مشدودة وحانقة على شيءٍ ما، ذبذباتها تصلني وتلفني وتجتاحني ,لم أستطع مقاومة النظر إليها.
تنظر فيمن حولها تارةً ثم تعود لمراقبة السماء تارةً أو تراقب مسار الحافلة تارةً أخرى .

* * * * * * * * *

- تسع شهور كاملةً من عمري لن تحسب , لن يكون لها معنى, لم أحقق فيها شيئا, أحس أنني سجينة ورهينة لنمطٍ لا يلائمني, إنني مخنوقة أحس بالإرهاق , لا أدري ما العمل , أيامي لم تعد قابلةً للتمييز, فهي نسخ عن بعضها وساعاتي لم يعد يملؤها شيء سوى الضيق, ودقائقي ضائعة مني في الشكوى المكبوته والألم المُميت, توتري فاق حده وخوفي يزداد في كل ثانية أضعاف ما كان عليه, ما الذي ورطت نفسي فيه؟ أيحبني أم لا؟

- لااظن, إنه دائم السيطرة عليّ وأحس أنني لا أطيقه ولا أود رؤيته, منظره يشعرني بالإشمئزاز والنفور ,لا يهم إن أحبني أم لا, المهم هل تحبينه أنت يا غبية؟ !

- لا أدري هل أحبه أم لا ولكنه قدم لي وردة البارحة وصالحني .

- وأول البارحة ألم يصرخ فيك وعنفك بشدة بسبب غيرته المفرطة ؟

- ولكن الغيرة دليل الحب!!

- هذا ليس حباً إنه مجنون يريد امتلاكك ومحب للسيطرة , الحب لا يكون هكذا !

- فعلاً إنه يغار من التوافه ودون سبب معقول , أيمكن لأنه يراني جميلة جداً؟

- لا... ليس هذا السبب ..هذا يجعلني أشك فيه حقاً, وينعدم الأمان بقربه, لماذا يشك ويغار؟

- يا ليتني بإغماض عيني لحظة أجد نفسي قد فارقته ونسيت كل ما جمعني به, إنني حقاً أرغب في قتله... ولكن ما الوسيلة المناسبة؟

- أمجنونة أنت؟ قتل! ليس لهذا الحد, أعلم أنه قد فقد عقله والفصام في شخصه واضح ولكن ليس لهذا الحد.

- إذاً كيف سأرتاح منه؟

- ادعي عليه الله أن يموت من تلقاء نفسه أو أن ينتحر, أو أن تدهسه سيارة مثلاً, أوأن يسقط في جرف سحيق, أو يغادر البيت دون رجعة.

- آه لو أستطيع تركه!

- سيقولون (مطلقة).

- صحيح ... إنه مجتمع ظالم, ماذنبي أنا أن أتحمل كل هذا من أجل المجتمع؟ ... الكدمات ملأت جسدي والوهن رفيقي, ولا أعرف كيف أخفي المرارة بعد الآن فهي في ازدياد وبادية على ملامحي, وتمرده علي أيضا في ازدياد.

- اصبري ولا تخربي بيتك بيدك!!

- ولكن كيف سأعيش معه في كنف ذاك البيت , لا أطيقه ولا أتحمله, إنه يهينني , ويحب كل شيءٍ حسب نظامه هو ... ولكن ما الضرر يجب أن أصبر!

- ولكنني لا أرى آراءه الغبية ونظامه ومعتقداته الغريبة تمت للصحة بصلة,كيف سأقبل بشيء لا أفهمه ولا أستوعبه .

- كان يحاول قولبتك؟!

- بالضبط لم يعد لي شخصية ,(بَلا حب بَلا هم) لو أحبني لحافظ على شخصيتي كما هي ولم يحاول التلاعب بها. .

- المهم, ماذا ستفعلين الآن؟

- لم أعتد على الرضوخ أبداً, أيريدني أن أتحدث كما يهوى هو, وأمشي حسب مزاجه هو آكل حسب رأيه وأزداد حمقاً, وزني لا يزيد أبداً أحاكي عارضات الأزياء قسراً, وإلا فالتهديد بجلب الزوجة الثانية قائم , ألا يقبل بي كما أنا بكلماتي وأفكاري و أسلوبي , لم أعد أعرفه.

- بالتأكيد سيكون هناك من يحبني حقا ويكترث لحالي دون أن يشكلني كقطعة صلصال!

- ولكن من أنا أصلا؟ لقد نسيت حقا من أنا , ماذا أحب أنا , ماذا أكره أنا , ماذا ماذا...
أين هويتي ؟ أين إهتماماتي؟ إنني الآن حقا إبداع من إبداعاته, مسح ذاكرتي ومسح أحلامي وصرت جزءا من أحلامه المزيفة.

- لو تركته ماذا سيحدث؟ ...لا شيء ...فكما اعتدت على وجوده سأعتاد على فراقه...وفراقه أفضل.

- ستعودين للتعرف على نفسك, لا تخافي! فكري بمنطق , وانطلقي واتخذي قرارا مناسبا .

* * * * * * * * *

هي فتحت النافذة فجأة وبسرعة أخافتني خلعت خاتمها ورمت به منها , لا بل ولوحت له مودعة , مع ابتسامة صغيرة ومسحت دمعتها بنعومة وأكملت النظر إلى السماء.

... لماذا فعلت ذلك يا ترى ؟... نظرتُ إليها وفكرت " ما الذي كان يراودها ؟..." سؤال جد حيرني!