كلمة في ممرات الانتظار للأديبة ازدهار الأنصاري بقلم عزام أبو الحمـام
تاريخ النشر : 2010-07-01
كلمة في ممرات الانتظار للأديبة ازدهار الأنصاري بقلم عزام أبو الحمـام


كتبت هذه الكلمة كتعليق على الجزء الأخير من رواية "ممرات الانتظار" للكاتبة الروائية الزميلة ازدهار الانصاري، وأعيد نشرها هنا بعد أن قمت بتحريرها من بعض الأخطاء المطبعية حيث كنت أكتب مباشرة على مربع التعليق.

تابعنا معا حلقات هذه الرواية، وترقبنا الجزء الأخير هذا بكثير من الشوق والتردد والقلق والحيرة،،
كيف ستنتهي هذه الرواية الصاخبة بالعواطف والصراعات النفسية والفكرية والسياسية والعسكرية وكل أنواع التحديات،،؟؟
من الناحية النفسية لم تكن الخاتمة مرضية لنا كقراء كنا نتطلع لنهاية سعيدة أو مرضية على الأقل، فقد بتنا نعرف بطلة النص ونفترض أنها بطلة واقعية، امرأة من لحم ودم، من آمال وتطلعات، إنها قلب ينبض وعقل يفكر وصدر يعج بالآمال القومية والإنسانية ووو والكثير من التطلعات والآمال الإنسانية المشروعة..
أحزنتنا هذه النهاية لبطلتنا التي بدت وكأنها استسلمت لتحديات جسيمة، أحزننا أن تنتقل بطلتنا إلى عالم القبور، أحزننا نجد بطلتنا التي عقدنا عليها الآمال لمواجهة التحديات قد استسلمت أو أنها سقطت ضحية في هذا الصراع المتشعب، الصراع الذي يجري في الدواخل، أو الصراع الذي يجري في الشوارع.
،كنا نحب كقراء لو أنها واصلت التحدي ، لو أنها واصلت الحياة والحب والتطلع إلى المستقبل،،،،لكن،
لكن من الناحية الفنية والأدبية، كانت النهاية منطقية ، ربما كان لا بد من ذلك، فلكل بداية نهاية، في العمل الفني لا بد من خاتمة، ربما صادمة للقارئ كي تتأصل في ذهنه الأسئلة الكبيرة التي طرحتها الرواية فلا تغيب تحت وقع مشاعر الترضية والسعادة والسرور التي توفرها الخاتمة السعيدة ، الخاتمة التي تخدر ملكة التساؤل وترشيها بالنجاح المؤقت وبتحقيق الأمنيات.
في مستوى آخر من التأويل المجازي للرواية، وهو مستوى المدينة، الوطن، مسقط الرأس، حاضرة الأمة وبوابتها الشرقية، أي بغداد، هذه المدينة العظيمة العريقة الشامخة، المكلومة، المغتصبة، أظن أن تأويل الخاتمة لن يبتعد كثيرا عما انطبق على المستوى الأول الظاهر، المباشر، والمتمثل في المرأة، المجروحة، المكلومة، المريضة، المكبلة، التي لا منجد لها ولا نصير غير ذلك الحب الدافق الذي يأتيها عبر الأثير، يدغدغ إرادتها ويعزز صمودها من أجل المزيد من الصمود والتحدي والصبر ، لكن ذلك الدعم المعنوي الوجداني - للأسف - لم يكن كافيا لمعالجة التحديات التي تواجهها المدينة، الأم ، الحبيبة، مسقط الرأس ومهوى الفؤاد،،
المدينة، كما المرأة، بحاجة إلى دعم حقيقي،واقعي، بحاجة إلى جراحة، بحاجة إلى مد الأيدي القوية لنشل المدينة من معزلها ، لنشلها من الطين الآسن، أو من الخراب الكبير الذي أعمل فيها، في داوخلها وفي خارجها على السواء..فهل يمكن عبر الدعم المعنوي الأثيري فقط مساعدة المدينة، المرأة، الأم، الحبيبة،من هذه الأزمة العميقة أو المصيبة الكبيرة التي وجدت نفسها فيه لأسباب خارجة عن إرادتها!؟؟.
كأن الروائية الأنصاري أجابت إجابة صريحة كبيرة: لا ، لا يمكن ذلك ولا يكفي. فهل كان هذا قرعا لجرس في آذان الأمة، أن توقفوا عن الغناء وتوقفوا عن المرثيات وخففوا من العواطف لأنها لا تكفي المدينة، المرأة لكي تتغلب على أزمتها وعدوها؟ الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك، يحتاج إلى لقاء حقيقي، إلى دعم حقيقي، إلى تضحية، يحتاج إلى الأخذ بالأسباب والانتقال إلى عالم الواقع.

أخيرا، فقد قرأنا رواية محدثة في تناولها لعلاقة حب وارتباط عبر الأثير بين طرفين، وقد أجادت الكاتبة إجادة كبيرة في جعل القارئ يعيش تلك اللحظات وكأنها علاقات وأحداث حقيقية، وحسب علمي المتواضع، فإن الروايات والقصص التي تناولت مثل هذه العلاقات المستحدثة، هي روايات نادرة، وإن كانت القصص كثيرة في هذا المجال. واكبر مظاهر النجاح الفني في هذه الرواية الفريدة، تمثل في قدرة الروائية على المزج الناجح بين العام والخاص، بين المدينة (الوطن) والمرأة. بين المحبوب وبين (الأمة)، استطاعت الكاتبة أن توظف تلك الرموز بطريقة سلسة لم تغير من مستوى التأويل الظاهر، التأويل الذي يتناول علاقات إنسانية حقيقية بين طرفين حقيقيين وإن كان ذلك عبر الأثير. وكل ذلك بلغة شاعرية مكثفة ، لغة عكست غنى قاموس الكاتبة الشعري واللغوي.
كل التقدير للكاتبة الروائية المبدعة ازدهار الأنصاري وهي تقدم للمكتبة العربية هذه الرواية التي فيها من الجرأة والشفافية والرقة الكثير الكثير.


* الصورة المرفقة: هي صورة لمجسم برونزي ونافورة ماء، وتسمى "كهرمانة" في أحدى ضواحي بغداد (الكرادة)، و"كهرمانة" المرأة التي تحدث اللصوص وأعادت المسروقات إلى سيدها.