عودة أحمد عمر شاهين بقلم:جبر جميل شعث
تاريخ النشر : 2005-04-17
عودة أحمد عمر شاهين

جبر جميل شعث


هل أضحك أم أبكي ؟ سأضحك ملء شدقيَّ ؛ فشر البلية ما يضحك في هذا الزمن الفلسطيني الأصفر الملوث بالغبار وبالفيروسات وبالأشعة الصفراء ، التي تسربت إلينا من بلاد كانت تسمى ذات يومٍ غابر ( خضراء ) ، وبلعاب الأحابيش الذين سمموا ماءنا ، وأفكارنا ، واتخذونا هزوا .

هذا الزمن الذي يروج فيه لمجموعة شعرية ، كسلعة تجارية بائرة في ميادين كبريات مدن غزة . هذا الزمن الذي يستغل فيه شاعر مختارات للشعراء الشباب يسبحون خارج سياق النهر ، للهجوم على شاعر آخر (بغض النظر عن موقفنا من هذا الشاعر الآخر ومن جميع شعراء البلاط ومثقفي السلطة المطليين بماء الذهب ) . هذا الزمن الذي يؤله فيه كاتب تابوت يومي في جريدة محلية ملأى بالتوابيت المصنوعة في معظمها من خشب الخروع ، شاعراً كبيراً وقامة عالية من قامات الشعر العربي والعالمي . هذا الزمن الذي يهاجم ويصادر فيه إدوارد سعيد ،و يتهم من أعلى مستوى سلطوي بأنه يعيش في برج عاجي ولا يعرف شيئاً ! عجباً ! إذا كان المفكر الذي شرّح الفكر الغربي وساجل كباره ، لا يعرف شيئاً ، فمن الذي يعرف إذن ؟؟ الدعيّ الذي كتب أيّ شيء ، عن أيّ شيء ، وصار أديباً بقوة القضية وقدرة الثروة ، ثم أصبح وزيراً بمنطق سدِّ الخانة الفارغة .

هذا الزمن القيحي الذي يهمش فيه أحمد عمر شاهين ويُقاطع هو ابن البلد من أبنا ء البدل ، فتحجب عنه جائزة الترجمة وهو حي لتعطى له وهو

ميت ، من باب رفع العتب ، وعلى قاعدة ( الميت لا يخشى منه شيئاً ).

رحل الرجل المؤسسة ، وأحضرت مكتبته التي تعد بالآلاف إلى مدينته التي أحب خان يونس ، وأحرق مجهولون( على ذمة رئيس بلدية خانيونس وبعض معاونيه) بعضاً من هذه الكتب القيمة المنتقاة ، وتم إنقاذ معظمها بفضل بعض مثقفي خانيونس الحقيقيين الأوفياء للرجل العظيم الغيورين على رجال وفكر وإبداع وتراث هذه البلاد . ونقلت كتبه المنقذة وهي الكثرة

والحمد لله، إلي مكتبة بلدية خانيونس الجديدة الفارهة ، والمكتبة على وسعها بالكاد اتسعت لكتب الراحل الكبير أحمد عمر شاهين ، ولكني سأبكي في هذه المرة بكاءً مراً طويلاً ، فلم يحضر افتتاح مكتبة الرجل من كبار موظفي وزارة الثقافة الذين طالما ادعوا صداقته ، وطالما تفاخروا باعترافهم بأنه كان دليلهم وبوصلتهم في القاهرة . أليس من المعيب، ونحن نتحدث عن استراتيجية ثقافية فلسطينية ، وان كانت في أبهاء الفنادق المكيفة ، وبرغم اعتقادنا بأنها للاستهلاك المحلي ولاستدرار ضروع الدول المانحة التي اقتربت من الجفاف ؛ بفعل كذبنا وعجزنا وسطوة الأنا علينا، أن نقاطع الرجل حتى في موته . لماذا … هل هو الجحود المستمر الذي صار أحد أبرز سماتنا ، أم الترفع والاستخذاء من المدينة الجنوبية وأهلها أم هو رهاب الحاجز ؟