التفاؤل و التشاؤم و أصل الحكاية بقلم: محمد محمود عمارة
تاريخ النشر : 2010-06-24
التفاؤل و التشاؤم و أصل الحكاية بقلم: محمد محمود عمارة


- التفاؤل والتشاؤم
يتفاءل الناس و يتشاءمون من أشياء كثيرة في حياتنا ومن حولنا ولكنهم لا يعلمون لماذا يتفاءلون بهذه الأشياء تحديداً ولما يتشاءمون من أشياء أخرى بعينها؟
فالناس يتشاءمون من الغراب و يرونه نذير شؤم و السر في ذلك يرجع إلى حادثين مهمين في تاريخ البشرية : الأول دور الغراب في قصة ابنيّ آدم حيث ارتبط بالقتل و دفن الموتى لأنه كان المعلم الأول لقاتل أخيه ليريه كيف يواري سوءته و يدفن جثته. أما الحدث الثاني فهو طوفان نوح ، فتحكي القصة أن نوحاً عليه السلام أول ما أرسل من الطيور لاستكشاف اليابسة بعد الطوفان كان الغراب ، فنسي الغراب مهمته الأساسية وانشغل بأكل الجيفة من جثث الغرقى ، فأرسل نوح الحمامة فلم تغب وعادت إليه وهي تحمل في فمها غصناً من الزيتون ، ومن هنا جاء تشاؤم الناس من الغراب لارتباطه بالموت وتفاؤلهم بالحمام لارتباطه بالطمأنينة و السلام ، وإلى اليوم لا تزال صورة الحمامة التي تحمل في فمها غصن زيتون رمزاً للسلام.
وفي بعض الثقافات يعتقد الناس أن روح القتيل تتحول إلى غراب و لا تتخلص من هذه الحالة إلا بعد أخذ الثأر من القاتل.
والبوم له نصيب آخر من التشاؤم ولعل ذلك يرجع لارتباطه بالأماكن الخربة ، كما أن صوته يختلف عن صوت الطيور ، فصوت مزعج يبعث في القلب الانقباض ، كما لا ننسى ارتباطه بالليل حيث الظلام وارتباطه بفكرة الشر ، من هنا جاء تشاؤم الناس وخوفهم من هذا الطائر.
لكن اعتقاد الناس في البوم يختلف باختلاف الثقافات ؛ فأهل بلدة ويلز يعتقدون أن صوت البوم نذير للفتاة بفقدان عذريتها ، أما فى الصين فيقال:"على صرخات البوم تُحفر القبور" كناية عن الموت، وفى استراليا يعتقدون أن أرواح النساء تحل فى البوم بعد الموت ، وفى كتابات شكسبير ينذر نعيق البوم بموت أحد أبطال العمل كما فى مسرحية "يوليوس قيصر" حيث سبق نعيق البوم مصرعه ، وقد أطلق الشاعر البريطاني "سبنسر" على البوم رسول الموت المروع.
وعلى النقيض من تلك النظرة السيئة للبوم فإن أهل أثينا اعتبروه رمزا للحكمة و صورته أسطورة "البوم والعندليب" كرفيق للحكماء.
و للحق فالبوم لا يستحق من الإنسان هذه النظرة التشاؤمية حيث يلعب هذا الطائر دوراً مهماً في عملية التوازن البيئي دون أن يكلف البشر شيئاً ، فالبوم يصطاد الفئران التي ينفق الإنسان الأموال الطائلة لقتلها بالسموم والمبيدات التي تتسبب في النهاية في ضرر البيئة و تهديد الصحه بخطير الأمراض جراء التلوث بتلك السموم.
و كما يتشاءم الناس من البوم يتشاءمون من الخفاش حيث يرونه نذيراً بالموت.
و مرور طائر عبر ساحة المنزل ثم خروجه يعني للبعض بشرى بأخبار سارة ، أما إذا فشل في الخروج من المنزل فإن ذلك نذير شؤم بأخبار تحمل طعم الموت.
وهناك من يتشاءم من الكلب الأسود والقط الأسود حيث يُعتقد أنهما شياطين تصورت في صور هذين الكائنين . كما ارتبط القط الأسود في أوربا في العصور الوسطى بمرحلة مطاردة السحرة حيث كان يتم إعدامهم و كان يٌعتقد أن القط الأسود هو الشيطان خادم أولئك السحرة.
ولا يزال هناك اعتقاد بين فئة من الناس في أوربا و أمريكا أنه من سوء الحظ أن يُعرض عنك قط أسود أو يقطع عليك طريقك وأنه من حسن الحظ أن يقبل نحوك.
وفي صعيد مصر هناك اعتقاد شائع يٌعرف بـ"السرحة" وهو اعتقاد بأن أرواح التواءم السيامية من الأطفال تتحول ليلاً إلى قطط سوداء بدون ذيل تتنقل على حيطان البيوت بحثاً عما كانوا يشتهونه من طعام أو شراب أثناء يقظتهم و لم يقربوه إما حياءاً و إما عجزاً عن توفيره ، و بعد أن تحصل تلك الأرواح المتصورة على ما تريد تعود مرة أخرى إلى أجساد الأطفال. من هنا تخشى النساء في الصعيد أن تقربن القطط السوداء ليلاً أو أن يغلقن الأبواب دونهن أو أن يؤذيهن ، لأنهن في النهاية لسن قططاً بل أبناء الجيران ، كما يعتقدون !!!
ويعتبر الناس رقم "13" رقم نحس و يتشاءمون منه ولكنهم لا يعلمون سر ذلك ، و السر يكمن في حَوارّي السيد المسيح حيث أن من خانه و باعه لأعدائه كان تلميذه الثالث عشر.
وهناك من يتشاءم من يوم الجمعة و يدعي أن به ساعة نحس على نقيض المتعارف عليه عند المسلمين أن به ساعة إجابة للدعاء ، و هذا الاعتقاد مرتبط بالفكر الكنسي الغربي حيث يعتقدون أن خروج آدم من الجنة كان يوم جمعة و طوفان نوح بدأ يوم جمعة و صلب عيسى عليه السلام كان أيضاً يوم جمعة.
البعض يتشاءم من المرآة المكسورة لا سيما لو كٌسرت و هو ينظر إلى نفسه فيها ، البعض يصل به التشاؤم من هذا الموضوع إلى درجة الرعب و ينتظر سبع ساعات قبل أن يخرج لدفن تلك المرآة على ضوء القمر ليكسر نحس اللحظة. أما أصل هذا الموضوع فالأساطير الرومانية التي تقول أن انعكاس الصورة في المرآة هو انعكاس للروح فإذا كٌسرت المرآة شردت الروح من الجسد و تاهت و تناثرت بين شظايا الزجاج المكسور وحطامه لأن الجسد وعاء الروح ، و لأن الرومان كانوا يعتقدون أن الجسد و الروح يتجددان كل سبع سنوات فقد اعتقدوا أن تأخير جمع الزجاج المكسور لمدة سبع ساعات يفك نحس المرآة المكسورة حيث تمثل كل ساعة عاماً من النحس .
وهناك عادات ومعتقدات اجتماعية متوارثة من التشاؤم تٌعرف بـ" المشاهرة" و تعني إصابة شخصاً ما بمكروهٍ ما نتيجة فعل محدد أثناء ظرف محدد كالدخول على المرأة النفساء باللحم أو الذهب أو الباذنجان الأسود أو بعد حلق اللحية مباشرة فيكون ذلك سبباً في انقطاع اللبن من صدرها وجفافه ، أو دخول شخص ما قدم لتوه من السوق أو كان يحمل ذهباً على طفل حديث الولادة فإن ذلك يكون سبباً في تأخره عن المشي و الكلام. و لأن هناك من يعتقد في هذا الموضوع بشدة فإن العلاج لدى هؤلاء أشد غرابة حيث يتم ربط رجل الطفل المتأخر في المشي بسعف النخيل ويتم ربط صرة بلح وحلوى فى ملابسه ويتم الذهاب به إلى أى مسجد وأول رجل يخرج من المسجد بعد صلاة الجمعة يسمى الله ويصلى على الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام ثم يقوم بفك رجل الطفل ويفك صرة الحلوى ويوزعها على الخارجين من المسجد ويتكرر هذا العمل ثلاثة أسابيع .
موقف أخر لفك المشاهرة أن يذهبوا بالطفل إلى المسلخ والسوق أوعند محلات الذهب حيث يقوم الصائغ بوضع قالب من الذهب فى إناء به ماء ويتم مسح جسم الطفل بهذا الماء.
و هناك "الكبس" حيث يعتقد الناس أن النفساء من إجهاض إذا لاقت امرأة في أول حملها فسد الحمل و أُجهضت وإن لم تكن حاملاً تأخر حملها لأنها كٌبست.
و يتشاءم الناس من دخول شخص عليهم و قد عاد لتوه من عزاء أو تشييع جنازة ، فإذا كان من أهل البيت أُجبر على خلع ملابسه التي حضر بها الجنازة أو العزاء لغسلها ، و أٌجبر هو على الاستحمام. أما أهل المتوفى نفسه أو كل من تمر الجنازة أمام بيته فيرشون الماء خلفه اعتقاداً أن ذلك يمنع وفاة أحد من أهل البيت بعده.
كما يتشاءم الناس ممن يزور عروسين في نفس اليوم على التوالي حيث يسود الاعتقاد أن فعل ذلك يصيبهن بالعقم و ينذر بحياة زوجية نكدة.
ويتشاءم الناس من ضرب فردتي حذاء أو نعال بعضهما البعض أو فتح المقص و غلقه في وجه شخص لأن طرفي المقص حادتين مما ينذر بحدوث مكروه لذلك الشخص ، وعلى العكس من ذلك يعتقدون أن وضع المقص تحت المخدة يجلب الحظ السعيد.
ويعتقد بعض الناس أن كنس البيت ليلاً يورث الفقر و كنسه عقب سفر أحدهم ينذر بعدم عودته. و للموضوع علاقة بالموروث الشعبي المرتبط بالخرافات المتعلقة بالجن والعفاريت فالناس يعتقدون أن الجن تكره ركض الأطفال ليلاً لأنه يزعجهم و كذلك كنس المنزل ، لذلك دأبت النساء على البصق على المكنسة و القول: " لا بتكنس مال ولا عيال" لتفادي غضب تلك العفاريت.
و هناك من يتشاءم من المرور من تحت سلم خشبي مفتوح وهو لا يعرف سر خوفه أو تشاؤمه. فقد جرت العادة في أوربا على شنق اللصوص والمجرمين أعلى درجات السلالم الخشبية وكان الناس يعتقدون أن أرواح هؤلاء تبقى تحت هذه السلالم حيث مثلث الشر: الشياطين و الأشباح و الأرواح الشريرة ، و من يمر في وسط هذا المثلث يكون قد فقد حماية الثالوث المسيحي المقدس ويصبح فريسة للشياطين و الأرواح الشريرة ، وكان الناس يتفادون ذلك الشر بأن يمرروا أصابعهم خلال فتحات درج السلم ويبصقون ثلاث مرات.
وإذا كان ما سبق غيض من فيض مما يتشاءم منه الناس فهناك أشياء أخرى يتفاءلون بها منها حدوة الحصان ، فالبعض يعلق حدوة حصان مقلوبة لأعلى على باب داره وهو لا يدري لماذا ، لكنها العادة جرت من حوله . و سر حدوة الحصان مرده إلى خرافات القرون الوسطى المرتبطة بالعفاريت وقصص الساحرات خصوصاً في أوربا حيث كان يعتقد الناس أن الساحرات يطرن على مكانس سحرية في الظلام لتصيد فرائسهن من البشر وكان الناس يعتقدون أن وضع حدوة الفرس على هذا الشكل تسقط الساحرات و تبطل سحرهن وتنقذ أهل البيت من شرهن.
و هناك من يتفاءل بالعثور على أربع ورقات من البرسيم لأن هناك اعتقاد بأنها تقي من الشرور و تجلب الرزق.
وهناك من يتفاءل برجل الأرنب و يعتبرها تميمة حظ فيعلقها في ميدالية أو في سلسلة حول رقبته و يعتقد أنها تجلب الحظ السعيد وأنها كلما قدمت كلما كانت أقدر على جلب المزيد من الحظ ، و هو معتقد موروث عن القبائل البدائية في أفريقيا و الهنود الحمر في أمريكا.
وهناك من يتفاءل كلما شعر بحكة في كف يده اليسرى اعتقاداً برزق مادي وفير قادم ، فإذا هرش يده التي تحكه فإنه سيٌحرم من هذا الرزق.
و هناك من يتفاءل إذا وجد عملة معدنية و يتخذها تميمة لجلب الرزق.
و إذا كان الناس يتشاءمون من الرقم 13 فإنهم يتفاءلون بالرقم 7 لارتباطه بعدد من الأحداث الإلهية ، فالله خلق الدنيا في سبعة أيام و خلق السموات سبع و الأراضين سبع و جعل أيام الأسبوع سبع والفاتحة سماها القرآن المثاني السبع و جعل عدد آياتها سبع.
و الإسلام ينهى عن التشاؤم و يسميه التطير ، وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة في ذلك الشأن منها:
ما رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: "َ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ " .
وروى أحمد (4194) وأبو داود (3910) والترمذي (1614) وابن ماجه (3538) عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطِيَرة شرك " وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (7045) والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ردته الطِيَرة من حاجة فقد أشرك" قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك ؟ قال : " أن يقول أحدهم : اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك" [ حسنه الأرنؤوط وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6264 ].
وروى الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ليس منا من تطيَّر و لا من تُطُيِّر له أو تكهَّن أو تُكُهِّن له أو سحَر أو سُحِر له " وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5435
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم رقم 2224 : ( والتطير : التشاؤم ، وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي وكانوا … ينفِّرون ـ أي يهيِّجون ـ الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم ، وان أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم ، فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهي عنه ، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لاطِيَرة " وفى حديث آخر "الطِيَرة شرك" أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر إذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد .
فعل أو مرئي وكانوا … ينفِّرون ـ أي يهيِّجون ـ الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم ، وان أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم ، فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهي عنه ، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لاطِيَرة " وفى حديث آخر "الطِيَرة شرك" أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر إذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد .