كان يعلم علم اليقين أنها تلك المرة الأخيرة التي سوف ينظر إليها بعينيه ولكنه
أخذ القرار بنفسه مسكها بقوة، ولم تهتز يداه أو ترتعش أنامله وهي بين يديه تلك المرة،
كان يتصبب عرقا رغم برودة الجو أخذ ينظر إليها مرات ومرات وهو يسير بها في غرفته تحت
ضوء شمعته الخافت لم يكن يسمع صوت البرق أو الرعد بالخارج ولم يشعر بضربات شباكه
الذي كان تحركه الرياح الشديدة وتضربه بالحائط ، كان هو في عالمه الخاص في ذكرياته
الماضية يسترجع أول يوم عندما رآها والتقطها وخبأها في جعبته وأخذ يخبأها عن الأنظار
طول تلك السنين كان حلم يعيش معه في كل أيامه ، كانت ذكرى وأمل ينتظره طول حياته ،
كان حبا صامتا ، كان حبا غريبا لم نشهد مثله من قبل ، كان يبكي أمامها ويفضفض لها ،
كانت تحاوره في أحلامه وكان يأخذ رأيها في كل أحواله ، سر كانت أمه تبحث عنه منذ أن
دخلت حياته تود معرفته تود قتله تود إخراج ابنها من تلك القوقعة التي دخل بها كانت
أمه لا تعرف شيئا عنه كان سرا غامضا للجميع يكتم همومه وأحزانه وأماله وأفراحه
طول اليوم ليفرغ كل ذلك أمامها وباستسلام غريب لقد رأت دموعه مرات ومرات ورأت
ابتسامته مرات ومرات وسمعت منه أسراره الكثيرة لم يكن يأتمن لغيرها في حديثه
ولم يطلب عطفا من أحد يوما، ولكنه في تلك الساعة قرر أن ينهي كل ذلك في لحظة واحدة
مسك ولاعته بيمينه أشعلها وبدأ يقربها شيئا فشيئا منها سمع دقات قلبه تعلو وتعلو لم
يستجيب لتلك الدقات ولا للذكريات ولا لتوسلات عقله وندائه اقتربت النار وبدأ الاشتعال
وبدأ يتصاعد الدخان وعم الصمت على الجميع صمت الرعد وصمت الشباك وصمتت الرياح وصمت قلبه
وتوقف عقله عن النداء ولكن عيناه لم تحتمل بدأت الدموع تنزل منها لم يسمع
إلا حسيس النار وارتطام تلك الدموع بالأرض تلك الدموع التي كانت كافيه أن تطفئ
تلك النار وتلك الدموع التي كان يتمنى أن تنسيه ماضيه وذكرياته تلك الدموع التي
تمنى أن تنسيه ذلك الخبر الذي سمعه في طفولته منذ عشرون عاما خبر وفاة جارته
وزميلته وحبيبته الطفولية لم تنسيه لعبه معها والجري سويا لم ينسى صوتها لم
ينسى ضحكتها لم ينسى شقاوتها لم ينساها يوما ولم تفارقه يوما ولكنه أخذ القرار .
محمود سلفر
لمسة ونيران وفراق بقلم:محمود سلفر
تاريخ النشر : 2010-06-14