ضباب بقلم : عدنان أبو شومر
تاريخ النشر : 2010-06-14
مازالت توثق الأحداث على صفحات سجل أسمته "من الوطن إلى المنفى "... تدون في كل صفحة أحداثا مرت بها بعد أن تؤرخها , ثم تعمد في أسفل الصفحة إلى رسم صورة لمجمل الأحداث ثم تلوينها..!!
وقبل أن تنتقل إلى صفحة جديدة لتوثق أحداثها , تتوقف لتراجع ما كتبت , لتتأكد من صدق الحروف التي رصدت بها الكلمات , وعندما وصلت إلى الصفحة العاشرة ,توقفت فجأة عن الكتابة بعد أن تسمر القلم بين أصابعها ......!!
حاولت أن تحثه على الكتابة ولكن دون جدوى ...!! عندئذ قررت التوقف عن إكمال الصفحة ثم الانتقال إلى صفحة جديدة ..!!
حاولت أن تمسك القلم لتستأنف توثيق الأحداث من جديد , ولكن القلم رفض الانصياع للأوامر وبقي متسمرا مكانه" أي في الصفحة العاشرة " , عند إذ توقفت بالكامل عن الكتابة , وبدأت صراعا مع القلم....!!
فهل تتمكن من توثيق الأحداث كما هي , أم ستقوم ببترها , أو تزويرها كما يفعل الآخرون , أو التوقف عن الكتابة مطلقا , وبعد مداولات عديدة بينها وبين القلم كانت تجلس فيها موقف المدافع أحيانا , وموقف المدعي العام في كثير من الأحيان , وأخيرا تقمصت شخصية القاضي لتصدر حكمها النهائي , الذي جاء نصرة للقلم الصادق ,حتى يظل قادرا على أداء دوره السامي في رصد الأحداث , ثم تدوينها , ورسمها دون تزوير أو تحريف .
أكملت الصفحة الناقصة بكل صدق وأمانة , وكما اعتادت في الصفحات السابقة أن تذيلها باللوحة المعتادة , ثم تلوينها , فجاءت متداخلة بألوانها القاتمة .. فظلت الصورة حبيسة بين أحداثها , وألوانها .. تحمل أسرارا بالغة لم تتمكن هي من تحليلها ....!!
نظرت إليها ـ أي إلى الصورة المذيلة أسفل الصفحة ـ ثم طأطأت رأسها بعد أن دونت تحتها آخر الحروف ...!!!
دعوني أواجه مصيري , فقدري أن أكون بعيدا عن كل ما يثقل صدري من معطيات واقعكم ـالذي بات هو الآخر حملا ثقيلا يمزق نياط قلوبكم ـ
كونوا كما أنتم رهن الضياع , وستلحقون بقافلة الضباب التي مرت من فوقكم , فحملت معها ذرات الغبار الذي سودته الليالي الحالكة التي التصقت بذرات الضباب النقي فسودته هو الآخر..!!
وبعد تصارع القافلة مع البشر, ومع أوراق الشجر, والحجر..حطت القافلة نقاطها السوداء فوقكم , ثم رحلت نقية بعد أن تركتكم ...!!!!
توقفت بعد ذلك بعيدا بعدما أسندت ظهرها الى شجرة الزيتون التي طالها السواد هي الأخرى وقالت : وداعا والى الأبد , فالموت بعيدا عنكم هو ميلاد جديد لي .
وستكون أحداث قصتي القادمة وأنا في المنفى هي أكثر وضوحا منها معكم..!!

غزة فلسطين