في الذكرى 39 لإستشهاده: آن الأوان لإنصاف الرئيس الشهيد عبدالسلام عارف بقلم:د. أيمن الأعظمي
تاريخ النشر : 2005-04-11
في ذكرى إستشهاده 13 نيسان 1966 – 2005م

أما آن الأوان لإنصاف الرئيس الشهيد عبدالسلام عارف؟

د. أيمن الأعظمي

كاتب أكاديمي من العراق

تحفزت لكتابة هذا الموضوع، بعد مشاهدتي لبرنامج (زيارة خاصة) الذي قدمته قناة (الجزيرة) الفضائية مؤخرا والذي إستضيف فيه العلامة الشيخ محمد مهدي الخالصي، والذي تكلم بصراحة وإنصاف وموضوعية عن المرحوم الرئيس الشهيد عبدالسلام عارف، وعندها شعرت بمقدار تقصير الكتاب والأكاديميين والباحثين وبالاخص من العراق، بحق الرئيس الشهيد عبدالسلام محمد عارف وعدم إيفاءه حقه بين سلسلة الزعماء والحكام الذين تتابعوا على حكم العراق، ومقدار الغبن الذي تعرضت له شخصية المرحوم عارف من لدن عدد من المؤرخين والكتاب، وبالأخص من العراقيين في محاولة إلصاق تهم باطلة بشخصيته كالتهمة الطائفية وتهمة الدكتاتورية وغيرها من التهم التي تنطلق من ثأرات ومواقف متحيزة غير موضوعية وغير منصفة. فالرئيس الشهيد كان يتمتع بمزايا إنسانية وقيادية وصفات يندر وجودها لدى كل الذين تولوا حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921 وحتى اليوم، بما فيهم شقيقه (عبدالرحمن عارف) الذي كان لسياسته الهشة المتراخية دور كبير في إضاعة العراق.

عبدالسلام محمد عارف واحد من أبناء عشائر جميلة العربية، المشهورة بتمسكها بالقيم العربية الإسلامية، كان والده (الحاج محمد عارف) صاحب محل بزازة (بائع أقمشة) في منطقة الكرخ التي نشأ وترعرع فيها عبدالسلام، وكان الحاج محمد عارف يرتدي العمامة، وكان حريصا على تربية إبنه تربية إسلامية ملتزمة. دخل عبدالسلام الكلية العسكرية العراقية وتخرج منها عام 1939، وشارك مع قطعات الجيش العراقي في (حرب فلسطين) 1948 كما وأشتهر بميوله القومية العربية المشبعة بالإسلام وحب الوحدة العربية. ودخل تنظيم (الضباط الأحرار) أوائل الخمسينات مع مجموعة من الضباط الوطنيين من مختلف التوجهات سعيا لإنهاء الحكم الملكي الرجعي المرتبط بدائرة الإستعمار والمعادي للتطلعات الوحدوية العربية.

كان عبدالسلام عارف واحدا من أبرز منفذي ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، وهو الذي قرأ بيان الثورة الأول بصوته من الإذاعة العراقية، وكان العنصر الفاعل بين ضباط الثورة، وعين بعد نجاح الثورة نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية.، إلا أن تحمسه للوحدة العربية، ومطالبته بإنضمام العراق للجمهورية العربية المتحدة أثار حفيظة الشيوعيين فناصبوه العداء وكادوا له المكائد، وحرضوا عبدالكريم قاسم ضده ورتبوا أكذوبة المؤامرة التي يدبرها عبدالسلام لإغتيال عبدالكريم، مما أدى إلى إصدار قرار إبعاد عبدالسلام خارج العراق وتعيينه سفيرا للعراق في (بون) أواخر 1958، ثم تم سحبه إلى العراق وإحالته إلى المحكمة العسكرية العليا الخاصة (محكمة الشعب برئاسة فاضل المهداوي) لمحاكمته بتهمة التآمر على (الزعيم الأوحد) وحكم عليه بالإعدام، إلا أن الحكم لم ينفذ وخفض الى السجن المؤبد، ثم بعد عامين تم الإفراج عن عارف وأودع الإقامة الإجبارية في مسكنه بمنطقة الأعظمية، لغاية 8 شباط (فبراير) 1963 بعد إسقاط حكم عبدالكريم قاسم، وأسندت لعارف رئاسة الجمهورية العراقية تكريما لنضاله الطويل ومواقفه الوطنية العروبية. وإستمر رئيسا للجمهورية، لغاية 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1963 حين قاد بنفسه حركة تصحيحية ضد البعثيين، بعدما تفاقمت انتهاكات الحرس القومي، وإعتداءاتهم على المواطنين وتحديهم لسلطة القانون وتجاوزاتهم التي فاقت حدود الصبر، وبعد أن وصلت النزاعات الحزبية الداخلية حد إستخدام الطائرات الحربية يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 من قبل بعض الضباط البعثيين (منذر الونداوي وجماعته) لقصف القصر الجمهوري بالصواريخ، فإضطر العسكريون بزعامة عارف إلى القيام بحركة مسلحة لتصحيح الأوضاع وإنهاء حكم البعثيين، وإقامة حكم وطني قومي بعيد عن التحزب.

الردود على إتهامه من قبل الخصوم بالطائفية:

إن الذين يعرفون عبدالسلام عن قرب يعرفون حقا أنه لم يكن طائفيا، أو متعصبا للسنة أو للدليم، أو للعرب، فقد كانت له صلة طيبة بالمرجع الشيعي الأعلى محسن الحكيم، وكانت بينهما زيارات كما أن الرئيس عارف أوفد الحكيم بطائرة رئاسية خاصة لأداء فريضة الحج 1964 مع جمع من علماء الدين الشيعة وغيرهم. وعارف لم تكن له نظرة تحيز عرقية ولا مذهبية، فوزاراته كانت تضم الشيعي والسني العربي والكردي والتركماني، وفق مبدأ الكفاءة والإخلاص للوطن. كما كانت لعارف علاقة وثيقة جدا مع الإمام مهدي الخالصي، وهذا ماوضحة بكل التفصيل سماحة العلامة محمد مهدي الخالصي في اللقاء التلفازي الأخير مع الجزيرة. ومن المؤسف أن تنطلق كتابات حاقدة تتهم المرحوم عبدالسلام عارف بأنه (طائفي) فقال أحدهم (لقد مارس عبدالسلام عارف الطائفية بشكل علني وجعلها مقياسا للتقرب إلى الدولة!!) .. فيكفي ان عارف كان قد عين (ناجي طالب) رئيسا للوزراء وهو شيعي عربي وطني. كما أن عددا كبيرا من وزراءه كانوا إما من الكرد أو من الشيعة أو التركمان إضافة للعرب فمعياره كان الوطنية والكفاءة.

الوحدة العربية حلم عبدالسلام:

لقد تربى عبدالسلام على حب الإسلام والعروبة وكان يعتبرهما واحدا لا يمكن تجزئته، وكان حلمه أن تتحقق الوحدة العربية، فما أن قامت ثورة تموز 1958 وبعد أيام من إنبثاقها وإستقرار الوضع في العراق، طار عبدالسلام إلى دمشق حيث كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يزور الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة (سورية) وفي دمشق حصل أول لقاء بين عارف وعبدالناصر، وأعلن عارف في خطاب أمام الجماهير الغفيرة في دمشق بجانب عبدالناصر أن العراق قد تحرر من ربقة الإستعمار ويتوجه الآن نحو الوحدة العربية. إلا أن الشيوعيين العراقيين لم يعجبهم الأمر فدبروا له المكيدة وحرضوا قاسم عليه وحذروه من خطره عليه فحصل ماحصل.

وحين قامت حركة 8 شباط (فبراير) 1963 وأصبح عبدالسلام عارف رئيسا للجمهورية العراقية، عاود مساعيه للوحدة العربية، وزار القاهرة وإلتقى الرئيس عبدالناصر، وبدأت مباحثات الوحدة بين العراق ومصر وسورية (التي كانت قد تخلصت من حكم الإنفصال في ثورة 8 آذار (مارس) 1963)، وتمخضت المباحثات عن الإتفاق على إقامة وحدة ثلاثية في 17 نيسان (أبريل) 1963 بين الأقطار الثلاث مصر وسورية والعراق، ولكن هذه الوحدة تلكأت بسبب سياسات البعثيين في سورية، وبعد حركة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 التي قادها عبدالسلام عارف ضد البعثيين في العراق، عاود المباحثات مع مصر وتم الإتفاق على قيادة مشتركة بين العراق ومصر في مايو (آيار) 1964.

إستشهاد عبدالسلام في حادث غامض مشبوه!

لكن المشروع الوحدوي إنتهى مع مقتل الرئيس عبدالسلام محمد عارف بحادث سقوط طائرته المروحية فوق منطقة النشوه جنوبي العراق في 13 نيسان (أبريل) 1966حين كان يقوم مع عدد من مرافقيه ووزرائه بزيارة تفقدية لمحافظة البصرة، ولم يتم التوصل إلى كشف سر سقوط أو إسقاط طائرته المروحية لحد الآن، فالبيان الحكومي وتأكيدات الحكومة المصرية أن الحادث بسبب عاصفة رملية صحراوية جعلت الطائرة تفقد توازنها وتسقط أرضا وتحترق أجساد جميع من كانوا على متنها وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد عبدالسلام عارف. وثمة روايات أخرى تنطلق من (مبدأ المؤامرة) حيث وجهت الإتهامات الى البعثيين لتطلعهم إلى التخلص من عدوهم التقليدي اللدود وبأن ضابطا بعثيا في القاعدة الجوية بالشعيبة وضع مادة متفجرة في وقود الهليكوبتر وأدى لسقوطها فوق البصرة، وثمة روايات أخرى توجه الأتهام إلى (مصر) بإسقاط الطائرة للتخلص من عارف الذي بات عبئا عليها، بسبب سياساساته ومواقفه، وتدخلاته لصالح الإخوان المسلمين في مصر. ومن المعلوم أن تدخل عبدالسلام عارف شخصيا وضغطه عليه أدى إلى إطلاق سراح الشهيد سيد قطب من السجن عام 1964 (وهذه القصة معروفة وكان عارف قد أوفد المرحوم اللواء محمود شيت خطاب المفكر الإسلامي المعروف ووزير الأشغال والشئون البلدية لدى عارف إلى القاهرة ليتابع بنفسه إطلاق سراح سيد قطب). ولكن بعد وفاة عبدالسلام أعيد إعتقال سيد قطب ووجهت له تهمة التآمر على عبدالناصر وأعدم مع جماعته أواخر سبتمبر 1966 أي بعد سقوط طائرة عبدالسلام بخمسة أشهر...

وبعد إستشهاد عبدالسلام، إجتمع مجلس الوزراء ومجلس الدفاع، وإنتخبوا عبدالرحمن محمد عارف في 16 أبريل (نيسان)1963 خلفا لعبدالسلام رئيسا للجمهورية. وكان عبدالرحمن قليل الخبرة في الشؤون السياسية ولم تكن خلال فترة حكمه اي سياسة مميزة او واضحة أو صارمة، مما سهل مهمة إقصاءه من قبل البعثيين إثر إنقلاب عسكري في 17-7-1968 شارك به مجموعة من الضباط العراقيين إلى القصر الرئاسي وأجبروا الرئيس عبدالرحمن على التنحي عن الحكم مقابل ضمان سلامته فوافق وكان مطلبه الوحيد ان يضمن الانقلابيون سلامة ابنه (قيس) الذي كان ضابطا في الجيش.. وتم تسفيره إلى تركيا، وعاد للعراق عام 1982 ليعيش حياة مدنية منعزلة.

شجاعة عبدالسلام عارف:

يقول عنه معظم أقرانه أن عبدالسلام كان يتميز بخصائل وصفات قيادية عسكرية نادرة، ويتسم بالشجاعة والإقدام والجرأة وعدم التردد، وقال عنه زميله عبدالغنى الراوي وهو من الضباط الأحرار ( لقد كان عبدالسلام عارف شجاعاً بحق..) ومن مواقفه انه سحب المسدس على عبدالكريم قاسم في وزارة الدفاع حين نجح الشيوعيون في إثارة الشكوك بينهما وتخويف قاسم من عبدالسلام، كما أن قيامه بحركة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 لإنقاذ العراق من تصرفات البعثيين التي تجاوزت كل الحدود.. في وقت كانوا فيه في أوج سلطتهم وسيطرتهم على الشارع، لكنه إستطاع أن يحسم الأمر خلال ساعات وتحول آلاف من الحرس القومي البعثي إلى مجرد هاربين يلوذون بالفرار ويسلمون أنفسهم للوحدات العسكرية ولمراكز الشرطة.

عبدالسلام لم يكن مواليا لأية حكومة أجنبية، أو معسكر غربي أو شرقي، كان مستقلا لم ينتم إلى حزب ولا فئة، وكان ضد التحزب، وطيلة عهده لم يصدر حكما بإعدام أحد من خصومه أو معارضيه، فقد عفى عن البعثيين جميعا حتى من رفع السلاح ضد السلطة، وأطلق سراح الشيوعيين الذين كانوا قد دبروا مؤامرة مسلحة ضد نظام حكمه رغم صدور أحكام قضائية عليهم بالإعدام.

واليوم اذ تمر الذكرى 39 لإستشهاد الرئيس الوحدوي القومي المسلم الشجاع عبدالسلام محمد عارف، ماأحرى الباحثين والمؤرخين المنصفين أن يعيدوا بحث وكتابة تأريخ هذا الزعيم النادر وينصفوه بعد أن ظلمه كثير من الحساد والحاقدين والمتحيزين.