غثائية الأمة من غثائية الدعاة بقلم:محمد شركي
تاريخ النشر : 2010-06-05

لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قياس قيمة الأمة الإسلامية من خلال الحديث المشهور الذي تنبأ فيه بقدرة الله عز وجل بحال هذه الأمة في بعض الأزمة حيث تتداعى عليها الأمم كما يتداعى الأكلة على قصعة الطعام ، ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب تداعي الأمم على الأمة الإسلامية أمن قلة هي يومئذ ؟ أجاب بل هي يومئذ ذات كثرة ولكنها ككثرة الغثاء . ومعلوم أن الغثاء هو الزبد ـ بفتح الزاي وتحريك الباء ـ وهو الرغوة أو الزبالة الناتجة عما يخالط هذه الرغوة من أوراق الشجر الذابلة وغيرها ، أو حتى الخبث مهما كانت طبيعته ، ويسمى أيضا الزباد ـ بضم الزاي وتضعيف الباء ـ ويقول المثل العربي : " اختلط الخاثر بالزباد " ويضرب لما لا خير فيه . ومعلوم أيضا أن الزبد أو الغثاء لا طائل من ورائه بشهادة الوحي إذ يقول الله تعالى في سورة الرعد : (( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا )) إلى أن يقول سبحانه : (( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال )) فحال الزبد هو أن يرتفع فوق الماء وينتفخ بلا فائدة ثم يرمى ويطرح وهي حالة الجفاء. ومن أعراض الغثائية التي تصيب الأمة الإسلامية أن ينزع الله تعالى من قلوب أعدائها مهابتها إلى جانب أعراض أخرى. وأعتقد أن عرض زوال مهابة الأمة من قلوب أعدائها ثابت في هذا العصر ثبوت هلال بعد يوم شك واستيفاء الشهر مدته . فهاهو الكيان الصهيوني الذي لا يزيد عدد قومه عن حفنة لا يخشى مليارا وثلثي مليار من أمة الإسلام ، ويتجاسر عليها كتجاسر الآكل على قصعة الطعام ، ويعترض سفنها وسفن غيرها ويقودها حيث شاء كما شاء ، ويقتل من شاء كما شاء . فهذا أكبر دليل على غثائية الأمة الإسلامية . فما هو مصدر هذه الغثائية ؟ إن صناعة الأمة الإسلامية إنما تتم بواسطة الوحي المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .ولا يمكن أن تكون النتيجة هي الغثائية إذا ما كان الوحي هو وسيلة صناعة الأمة لأنه من عند الله عز وجل ،وما كان مصدره الله تعالى فهو الصواب في صورة الكمال . فالغثائية إذن هي انحراف عن الوحي ، أو سوء تعامل معه . ومن المعلوم أن الجهة التي أوكل إليها تبليغ الوحي إلى الأمة هم العلماء والدعاة ورثة النبوة . فإذا قام ورثة النبوة بدورهم على الوجه المطلوب فلا مجال للحديث عن الغثائية . وخلاف ذلك إذا ساء تبليغ الوحي من طرف ورثة النبوة كانت النتيجة الحتمية هي الغثائية . قد يقتصر البعض على انتقاد غثائية الأمة دون التفكير في مصدر هذه الغثائية التي هي الدعاة المبلغون للوحي . وغثائية الدعاة معناها الخلل في طرق تبليغهم للوحي. وسوء تبليغهم للوحي يأخذ عدة أشكال وعدة مظاهر منها بحث بعض الدعاة عن الزعامة والشهرة حيث تتحول دعوتهم إلى سعي دائم يصب في اتجاه خدمة هذه الزعامة والشهرة فلا تستفيد الأمة منهم سوى أساليب تمجيدهم عوض الاحتكاك الصحيح بالوحي لتوجيهها الوجهة الصحيحة . فدعاة البحث عن الزعامة والشهرة لا يكتفون بوراثة العلم من النبوة وهو كل ما يمكن وراثته منها بل يزعمون أنهم يرثونها في أخص خصائصها كذبا وزورا ، فيتحولون بسبب ذلك إلى أوثان تعبدها الأمة الغثاء . ويختلف دعاة الغثاء حسب طبيعة طمعهم في ما تدره الدعوة عليهم من فوائد أعلاها حيازة مرتبة الزعامة والشهرة ،وهي عندهم أفضل من المال لأن الزعامة إذا تحققت جاء من ورائها المال الوفير، وأدنها أن يصل الطمع بصغار الدعاة حد طلب عرض الدنيا بالدعوة فيصير همهم هو جمع السحت وأكله . وتكون شغل الأمة التي توفر لهؤلاء السحت هو إرضاء جشع هؤلاء المرتزقة بالدعوة ، وهو ما يصرفها عن الاحتكاك الصحيح بالوحي فتصير ضحية الغثائية . وقد يعتقد الدعاة الغثاء سواء طلاب الزعامة أم طلاب عرض الدنيا التافه أن أمرهم خاف على الناس لأنهم يظنون الغثائية بسواد الأمة ولا يفطنون إلى أنه مع اختلاط الخاثر بالزباد ، يوجد في الخليط من صح احتكاكهم بالوحي وأوتوا القدرة على تميز الغث من السمين ، وعندهم تفتضح غثائية هؤلاء المسخ من الدعاة ، ويكون هؤلاء المتفطنين لدعاة الأطماع مصدر قلقهم هؤلاء لأنهم يهددونهم في أطماعهم المقنعة التي تركب الدعوة لتضليل غثاء الأمة . وإن غثاء الدعاة من الذين يدعون الزعامات ليرفعون من أقدارهم عند غثاء الأمة فينسلخون من بشريتهم ، ويبالغون في طهرهم ويتسمون بأسماء وألقاب تجعلهم فوق خلق الله فهم إما آيات أو سماحات أو أقطاب ....ولا يقبلون مرتبة دون مراتب الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ممن تحسن رفقتهم في جنة رب العالمين . وعندما نقيس ما يبلغونه للأمة من زبالة وذلك من خلال منتوجهم وهو نموذج الأمة التي صنعتها دعوتهم لا نجد إلا غثاء يعكس غثائيتهم . لقد كانت صناعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصناعة الصحابة وصناعة التابعين للأمة صناعة وحي فكانت الأمة في عهدهم نافعة ومنتفعة ، ولما حلت محلها صناعة دعاة الغثاء صارت البضاعة رديئة وعبارة عن غثاء من جنس الصناعة. لقد صار حول غثاء الدعاة غثاء الأمة التي هي بمثابة قطعان تساق بلا عقل يميز حقا من باطل بحيث لا يكاد دعاة الغثاء يصدر عنهم قول تافه حتى تتلقفه الأمة الغثاء كما كان جيل الصحابة يتلقفون الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فهذا داعية يتنبأ بحدوث أمر ما في تاريخ معين فيترقب أتباعه الغثاء نبوته فإذا ثبت كذبها وزورها أدخلهم في متاهات التأويلات الخرافية للتغطية على كذبه وزوره . وهذا داعية من النوع الرديء يترقب أن ينال جائزة مقابل سفرة يسافرها أو خطبة يلقيها أو موعظة يقصد بها وجه الدنيا الزائل ، فتنطلي حيله على الغثاء فينال ما شاء من أدران الدنيا وهو يزعم أنه صان كرامة الدعوة في حين يكون قد ابتذلها شر ابتذال بالكدية ، وإراقة ماء الوجه مع أنه لا يوجد في وجوه دعاة الغثاء ماء أصلا . ومن هؤلاء من يخزى لأن بعض الجهات الراصدة تتنبه إلى جشعه فترفض ترشيحه لأكل السحت ويصير موضوع تندر عند أهل جشع من طينته أومن عامة الناس وقد كشف الله خائنة عينه وما أخفى صدره وفضحه في عاجل قبل فضيحة الآجل . فإذا كان الدعاة من هذا السنخ فلا ينتظر من الأمة أن يصلح أمرها بل ستكون زبادا رابيا من خبث عاقبته الجفاء . ولست أنكر وجود دعاة أخلصوا الدعوة لله تعالى ، ولا وجود أفراد من أمة الغثاء هي على نفس الإخلاص، ومنها يكون مصدر خير الأمة بعد أن يستبدل الله عز وجل بها أمة النفع والانتفاع مما يمكث في الأرض ، والله على كل شيء قدير ، وهو الذي يخرج الحي من الميت ن ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها أوليس ذلك بقادر على أن يبدل دعاة الغثائية بدعاة الوحي ليكون المنتوج أمة الوحي عوض أمة الغثاء ؟ بلى وهو على كل شيء قدير.