المرأة الفلسطينية والمشاركة السياسية بقلم :سوسن زهدي شاهين
تاريخ النشر : 2010-05-21
المرأة الفلسطينية والمشاركة السياسية


بقلم :سوسن زهدي شاهين

مختصة في الشؤون السياسية


تعد المشاركة السياسية واحدة من أهم مؤشرات ودلالات التنمية في أي مجتمع، إذ لا يمكن الحديث عن التنمية بمفهومها الشامل دون التطرق لموضوعة المشاركة السياسية، ودون التعرض لدور المرأة في هذه التنمية، وسعيها من أجل التأثير في خطط ومشروعات التنمية من خلال قنوات المشاركة السياسية، وعليه فإن درجة مشاركة المرأة وفاعليتها تنعكس إيجاباً في السياسات التنموية، مع ضرورة التأكيد على أن أية محاولة لفهم ودراسة التغير الاجتماعي لا يمكن عزلها عن دور المرأة باعتبارها تمثل أكثر من نصف المجتمع.


وفي مجتمعنا الفلسطيني الذي يتسم بالمحافظة، واحتفاء أقل بإمكانات النساء في ظل هيمنة ذكورية تستأثر بالنصيب الأكبر من فعاليات الحياة المختلفة، يتوقع من النساء أن يبذلن جهوداً مضاعفة من أجل إدماجهن في عملية صنع القرار، وفي هذا المجال يجب التذكير بأن التغيرات السياسية التي مرت على مجتمعنا الفلسطيني أتاحت للنساء – في ظل ظروف كثيرة – فرصة تاريخية من أجل تطوير أوضاعهن إيجاباً، من خلال الانخراط في العمل النضالي والجماهيري. ففي فترة الانتفاضة الأولى على سبيل المثال استطاعت النساء الفلسطينيات فرض أنفسهن بقوة على الوعي الجماعي الفلسطيني، الشعبي والرسمي، لتقود بعد سنوات قليلة الكثير من المنظمات الأهلية والخيرية التي ساهمت بشكل أو بآخر في تأسيس مجتمع مدني في ظل غياب الدولة.



المرأة الفلسطينية والانتخابات:


تعد مشاركة المرأة الفلسطينية في الانتخابات التشريعية التي جرت في 20/1/1996 أحدث أشكال مشاركتها السياسية، كما يمكن النظر إلى هذه المشاركة كمقياس للنشاط السياسي والاجتماعي للمرأة الفلسطينية خلال الفترة السابقة، وقد جاءت هذه المشاركة بشيء من الحماسة التي عبرت عن نفسها في شعارات رفعتها المؤسسات والأطر التي أيدت عملية إجراء الانتخابات، لتؤكد وتدلل على الحاجة المفقودة إلى مشاركة النساء في صنع القرار السياسي. وقد بلغ عدد المسجلات في القوائم الانتخابية 495,839 امرأة مقابل 517,396 رجل من أصل 1,013,235، أي بنسبة 49% للنساء حتى 27/12/1995، فيما بلغ عدد المرشحات للمجلس التشريعي 25 امرأة من أصل 672 مرشحاً أي بنسبة 3.7% توزعن كالتالي: 16 مستقلة، 4 "فتح"، 2 "فدا"، 2 حزب الشعب الفلسطيني، 1 جبهة تحرير عربية، نجح منهن 5 نساء
ـوكانت السيدة سميحة خليل القبج أول سيدة فلسطينية وعربية ترشح نفسها لمنصب الرئاسة
ويعد فوز خمس نساء في أول انتخابات فلسطينية إنجازاً كبيراً للحركة النسوية الفلسطينية رغم ضعف نسبته وعدم موازاته لحجم التضحيات التي قدمتها النساء الفلسطينيات، إذ جاء دليلاً على الوعي النسوي المتنامي بأهمية وجودهن في مراكز صنع القرار ومن ثم بلورة أهداف ورؤى واضحة وجديدة متوافقة مع المتغيرات الجديدة للحركة النسوية، ويمكن إسناد أسباب ضعف التمثيل النسوي في هذه الانتخابات إلى طبيعة النظام الانتخابي، سيادة التوجهات الذكورية للمجتمع الفلسطيني، التمييز ضد المرأة، سطوة العادات والتقاليد.


حتى عام 1997، كانت هناك وزيرتان فقط من 25 وزيراً، أي بنسبة 7%، هما السيدة انتصار الوزير (الشؤون الاجتماعية)، والدكتورة حنان عشراوي (التعليم العالي سابقاً)، وهما وزارتان ارتبطتا تقليدياً بالمرأة، ثم خرجت الدكتورة عشراوي لتبقى سيدة واحدة في موقع وزير، وعلى الجانب الآخر نرى أن كل نواب الوزارات هم من الرجال. حالياً وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، توجد خمس عشرة سيدة من بين 3053 عضواً في مجالس الحكم المحلي أي بنسبة 0.5% فقط، وهي نسبة لا تذكر أمام سيطرة الرجال على هذه المجالس التي تستمد أهميتها من الدور المباشر الذي تلعبه في التعليم والصحة وبرامج الخدمات الاجتماعية، وتعد السيدة سهير أحمد خان أول امرأة فلسطينية تشغل منصب رئيس مجلس قروي في خربة قيس بمحافظة سلفيت. كما توجد سفيرتان فقط لفلسطين في الخارج وهما السيدة ليلى شهيد والسيدة هند خوري، وقد جاء تعيين السيدة شهيد في أغسطس/ آب 1993، تتويجاً لمناصب عدة مهمة شغلتها السيدة شهيد، حيث كانت أول طالبة ترأس الاتحاد العام لطلبة فلسطين فرع فرنسا في السبعينات.


لماذا يجب تفعيل المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية :


المرأة الفلسطينية جزء من كل، لا يمكن فصلها عن المجتمع الذي تتحرك فيه، وعليه فإن أية تأثيرات يتعرض لها هذا المجتمع، إنما تقع عليها أيضاً، بل ربما، وبصورة مضاعفة، لذلك فإن أي تحديث وتفعيل لدور المرأة الفلسطينية، يتطلب بالضرورة تحديثاً وتفعيلاً لمجتمعها، الذي يمثل بيئة عملها الحقيقية.
منحت الظروف السياسية، المرأة الفلسطينية فرصة للخروج المبكر للحياة العامة من خلال الانخراط في الحركة الوطنية، غير أنها لم تُستغل الاستغلال الأمثل من قبل النساء، مما أخر كثيراً حصولهن على حقوق نوعية، تتضمن المساواة وعدم التمييز.
بقت أولوية النساء الفلسطينيات حتى ما قبل أوسلو تتركز حول القضية الوطنية، فيما تم إغفال النضال المطلبي والمجتمعي، مما أدى إلى مراوحة النساء في أماكنهن، وتقليل فرص النجاح المتاحة أمامهن لإحراز مكاسب تتعلق بوضعهن في المجتمع.
شكلت الانتفاضة رافعة قوية لإعادة تفكير النساء في الدور المناط بهن في المجتمع، من خلال تحسين النظرة المجتمعية لهن، عبر نشاطات وفعاليات فرضتها ظروف هذه المرحلة، غير أن هذا لم يدفع المؤسسات النسوية إلى تحديد استراتيجيه عمل واحدة تحترم الاختلافات (الصغيرة)، وتضمن اتفاقاً عاماً حول القضايا ذات الأولوية.
تغيرت التوجهات التي حكمت عمل المؤسسات النسوية بعد عقد مؤتمر مدريد، ثم مفاوضات أوسلو إلى الإغراق في القضايا النسوية المعزولة عن قضايا التحرر.
شكلت الانتخابات الفلسطينية الأولى، أول صورة حقيقية واضحة، حول مشاركة المرأة السياسية بعد دخول السلطة الوطنية، إذ يعد فوز خمس نساء بعضوية المجلس التشريعي مكسباً لا بأس به أمام المعيقات الاجتماعية والسياسية التي تحول دون تمثيل أكبر للنساء.
على الجانب الآخر، لا تحقق مشاركة المرأة في الحكومة، والعمل الدبلوماسي، والمجالس البلدية، مبدأ المساواة في الفرص، ولا تتناسب مع حجم التواجد المأمول للنساء في ظل سلطتهن الوطنية.
لم يزل حتى الآن، النقاش محتدماً حول شرعية الكوتا النسائية، هل يجري العمل بها، أم أنها لم تعد تتوافق مع مستجدات المرحلة، التي لا تحتفي بمحددات العمل القديمة، كالاعتماد على التاريخ النضالي، والانتماء الحزبي، وعليه يجب تحديد الموقف منها، من أجل تحديد وسائل تمكين وتمثيل، تتعلق بها أو تنفصل عنها.
على الرغم من تبني الأحزاب والفصائل أفكاراً تقدمية، حول وضعية المرأة الفلسطينية إلاّ أن وضع النساء في الأحزاب يشير إلى الفارق الكبير بين الشعار والتطبيق.
تعد مشاركة النساء الفلسطينيات في المنظمات غير الحكومية، هي الأوسع انتشاراً، والأكثر قدرة على تحقيق مشاركة سياسية للمرأة الفلسطينية، تستطيع من خلالها التأثير في السياسات العامة.
وجود غياب شبه كامل للمرأة في الوظائف العامة، ذات الصلة المباشرة بتشكيل السياسات العامة، وخلق رأي عام له دوره الفاعل في عملية صنع القرار.
تواجد المرأة الفلسطينية في مواقع اتخاذ القرار، وفي المناصب الحكومية العليا، ما زال ضعيفاً ومحدداً، مما يعيق دمج النساء في عملية التنمية، ويعطل إمكانية أن تؤثر في رسم السياسات، ومنع إحداث تعديلات في التشريعات القائمة.
إن المفاهيم والأعراف المتداولة، وأحياناً عدم وعي المرأة بحقوقها، وإدراكها لإمكاناتها وقوة تأثيرها، ومن ثم إدراكها لأهمية دورها في المجتمع، مع غياب المؤسسات الديمقراطية، جميعها تشكل عقبة أمام وصول المرأة إلى مناصب قيادية عليا في المجالات التشريعية والقضائية وغيرها.


أتمنى أن تصل المرأه الفلسطينية الى اعلى مراتب صنع القرار سواء السياسي أو الاكاديمي من خلال ترأسها للحكومة أو لشغلها منصب وزيرة خارجية أو رئيسسة جامعة. أو رئيسة برلمان فلسطيني.