خطاب الأمة وصعوبات المناهج الأكاديمية بقلم:د.عبد العزيز أبو مندور
تاريخ النشر : 2010-05-11
خطاب الأمة 00 وصعوبات المناهج الأكاديمية 00 !
ـــــــــــــــــــــــــــ
دكتور / عبد العزيز أبو مندور
000
هذه رسالة أرسلتها إلى الدكتور محمد الهاشمى فى برنامجة بالقناة المستقلة ( جوهر الموضوع ) لبيان رأينا فى مدى جدية الحوار الدائر فى الحلقة المخصصة لمحاكمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجدواها تمهيدا للتوفيق بين المتخاصمين.
***

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
ــــــــــــــــــــ
الأستاذ والأخ الفاضل الدكتور / محمد الهاشمى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
000
هذه الرسالة أرسلها إليكم لبيان رأينا فى مدى جدية الحوار الدائر فى الحلقة المخصصة لمحاكمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجدواها تمهيدا للتوفيق بين المتخاصمين ، فلا يعقل أن تظل الأمة منقسمة تحكمها أهواء بعض المنتفعين من هنا أو هناك ممن يسعدهم توسيع رقعة الخلاف والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق بين المتخاصمين فى الوقت الذى يستطيع عقلاء الأمة وحكمائها من التواصل لرأب ذلك الصدع المصطنع ، فلم تسنح فرصة كهذه الفرصة للتواصل وإزالة كل عوامل الفرقة وتصحيح ما وقع فيه البعض من أخطاء بطريق مباشر أو غير مباشر ، وما افتعله البعض من خصومات ومشاحنات روجوا لها باسم محبة آل البيت وهو أصل صحيح وحق يراد به باطل ، فانحرفوا به عن الجادة ، فموهوا على عامة المسلمين واستغلوا عاطفتهم نحو آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانت تجارتهم التى شقوا بها صفوف الأمة ، فروجوا لتلك القصص والخلافات المشئومة مما كان سببا مباشرا فى اتساع فجوة النزاع بين المسلمين.
***
المصالحة ورأب الصدع و الفرص السانحة :

ولكن – أمتنا والحمد لله لا تعدم الوسائل الناجعة لرأب ذلك الصدع القاتل ، فوسائل التواصل والتناصح والتصحيح باتت متاحة بالصوت والصورة تشهد عليها قناتكم الفتية ما خلصت النوايا وصدقت الأعمال.

يقول عز من قائل " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " ( الحجرات : 9 )

انظروا لو أن ذلك تحقق ما ذا تستطيع الأمة من إنجازه فى سبيل المهمة التى أنيطت بها ؟

أليس وظيفة أمتنا الأولى التبليغ عن الله سبحانه وتعالى ورسوله رسالة الدين الخاتم إلى العالمين ، فتلك أمانة حملتها ، فكانت تشريفا لها عزة وكرامة ، فستسأل عنها ، فلا ينبغى أن تفرط فيها ، بل عليها أن تؤديها على وجهها الصحيح وراثة نبوية.

لقد بات المسلمون بسبب المناقشات البيزنطية الجدلية منقسمون إلى ثلاثة أو عدة طوائف نجملها كما يلى :
1- الشيعة : وهم بالطبع فرق شتى كلهم يعارضون أهل السنة والجماعة ويطعنون فى الصحابة ويسبون أمهات المؤمنين بدعوى محبة آل البيت ، مع أن محبة آل البيت يشترك فيها كل المسلمون مهما اختلفت طوائفهم ، فما من مسلم إلا ويحبهم بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ، فدعوى الشيعة محبتهم لآل البيت تلزمهم باحترام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يحبهم إلا من يحبهم ، فأحباب النبي صلى الله عليه وسلم كل أمته جميعها ، آل بيته و صحابته ، فلا يشق صفوفهم إلا فاسق أو منافق ، فكيف تسوغ لهم أنفسهم لعن الصحابة ، بل لعن الكبار ، فيسبونهم ، ويسبون أمهات المؤمنين ؟!
2- الوهابية : وقد صرح الكثيرون من أنصار الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن الشيخ ليس له مذهب ، وإنما يدفع نحو كتاب الله وسنة رسولة لا غير.
3- أهل السنة والجماعة وهم ما عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم وتابعى التابعين إلى يوم الدين ، فلا يفرقهم إلا هالك.
4- مذهب رابع يشمل عدة مدارس منتشرة فى بلاد المسلمين ساهم فى إنشائها الأزهر الشريف بقسط وافر ، فلا تختلف عن سبيله إلا فى التفاصيل ، فهي مدارس علمية دعوية تتبنى الوسطية فى الإسلام دون تقعر أو تشنج ، ولا يصرفنا عنها ما قد يعتور فكر البعض من مشايخها من تحويمات متشددة أحيانا أو تبسيط مخل إما عصبية أو جهلا ، أو ضعف نفسي وخلقي يحاول صاحبه أن يكسوه ويظهره فى صورة تسامح لأهداف نفعية أو مذهبية فجة ، أو نزهات صوفية تقليدية ، بعضها لا يعقل ، ناهيك عن تلك المواقف الفقهية المخلة التى يطلقها البعض تطوعا بلا حاجة إليها إلا كما يقولون ( للشو الإعلامي ) ، فلا يوافقهم عليها أصحاب الفطرة السليمة ، ولا تقرها لهم الحنفية السمحة ، فركيزتها المراء المنهى عنه والجدل المقيت ، والغلبة على من يظن أنهم خصوم ، فيموه على المسلمين ، ويلبس عليهم دينهم ما ليس فيه ، فجل اهتماماتهم الكلام والمراوغات ، " وكان الإنسان أكثر شيء جدلا " .
5- مذهب خامس وهو مذهب من لا مذهب له ، فليس هو تلك المدارس السابقة ، بل فحواه جماعات متفرقة تكونت على أيدى بعض المتعلمين ممن تصدوا للعلم والمشيخة ممن يسموا أنفسهم دعاة ، هكذا بلا مناسبة ، وهو ما يطلق عليهم مشايخ الفضائيات أو الدعاة العصريين ، وإن كان منهم من يموه على المسلمين بآيات من القرآن الكريم حتى يظن أنه ممن يحفظ القرآن ويجودة ، ومنهم لا حفظ له ولا تجويد ، بل آيات يحفظها ليصلى بها أو يخطب بها فى الناس من غير طلب ، فمثلهم كمثل مريدى الطرق الصوفية ، فلا يقرون فى دين الله سبحانه وتعالى إلا ما يقوله شيوخهم ، إما تعصبا أو جهلا ، أو جدلا ، وغير ذلك من الأغراض المذمومة.
6- أما عامة المسلمين الذين هم من عوام الأمة أصحاب الفطرة السليمة ، فهم قليل وهم فى جميع ومختلف طبقات وفئات الناس أغناء كانوا أو فقراء ، علماء كانوا أم غير ذلك ممن لا يحسنون الكتابة ، فلا ينخدعوا إذا انخدع الناس ، ولا يميلون مع كل ناعق ، فقد استجابوا لرسولهم صلى الله عليه وسلم، فيحسنون فى أفعالهم وأقوالهم سواء أحسن الناس أم أساءوا.

***
لقد تابعت بعضا من الحوار الدائر حول التحدى الذى أطلقه الأمير سلمان بن عبد العزيز والذى تبنته قناتكم وبرنامجكم ( جوهر الموضوع ) بأن يأتى أي أحد من الناس بجملة واحدة نصا من كتابات الشيخ محمد عبد الوهاب تخالف القرآن الكريم والسنة المطهرة.

وكانت المداخلات كلها بسيطة ، فهي فى معظمها مؤيدة للشيخ والأمير .

أما تلك المداخلات العامة لبعض الشيعة من عوام الناس فكانت ساذجة وفجة ، فهم يعادون الشيخ كما يعادون الصحابة تبعا لمرجعياتهم من هنا أو هناك ، تقليدا ووراثة عدائية لكل ما يأتى أو ينسب لأهل السنة والجماعة.

ولكن – ما لا حظته أن المسلمين منشغلين عن تلك الحوارات الحضارية ، فمازالت تستهويهم مباراة كرة قدم أو أخبار الفن والفضائح السياسية دون أدنى مشاركات صحيحة أو فعالة تثرى مثل ذلك الحوار الهام الذى يقصد رأسا إلى التوفيق بين السنة والشيعة ، فهما أخطر قسمين كبيرين فى الأمة الإسلامية المعاصرة ، فذاك إن حدث ، فزرعه ممتد وثمره غدق ومذاقه حلو، فيحصنهم ضد عدوهم المشترك.

أما الدكتور/ ماجد ، فالحق أننى لم أستطع متابعته فى مقالته ، لا لشيء إلا بسبب طولها وتحوياماته دون الدخول فى الموضوع مباشرة ، فكان الأولى به أن يأتى بنص من كتاب ( التوحيد ) أو غيره ، ثم يبنى عليه مقالته وتأييده ، فيستحسن ما قاله الشيخ بطريق مباشر.

لكن – يبدو أن المسلمين فى هذا العصر يستملحون كثرة الكلام ، والمناورات الأكاديمية ، فقد حاولت أنت يا دكتور هاشمى أن تثنى عنها الدكتور / يحيى الشيعى وكذا الدكتور / عبد الله سمك ، بلا طائل.

أما الدكتور / يحيى ، فقد رواغ كثيرا ، فكانت العصى تهش بها عليه لكي تعيده لمطلب الحلقة والبرنامج ، فلسنا فى مجال مناقشات بحثية خاصة ، بل نحن فى مجال عام يسمعه جميع المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها بما فيهم أهلنا بمصر والجزائر طبعا وكل مسلم سواء كان يعرف الكتابة أم لا ، فبساطة تناولكم لموضوع برنامجكم ووضوح أسلوبكم يتيح لأي أحد أن يفهم بيسر ويعلم ما يقال ، فيستطيع كل أحد ممن يحب أن يشارك فى تلك المحاكمة البسيطة والميسرة لمؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فليتناولها كما تقول كما يتناول كتابا للأديب فلان ، أو نصا أدبيا فنرده أو نقبله ، فليأت المعارض بنص واحد وجملة واحدة من كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب تخالف الكتاب والسنة.

لقد ضجرت أنا نفسى رغم تخصصى الدقيق من تلك المراوغات التى قد تقلق الكثير من المشاهدين ، فتصرفهم عن الحلقة وأهميتها ، وعن البرنامج وسماحته وسعة صدر مقدمه ، حتى أننى لم أستحسن مداخلة الدكتور عبد الله ، فقد انحاز للمنهج البحثي ، وكان عليه أن يفعل ما طالبنا به الدكتور ماجد أن يفعله ، فيستحسن نصا ويؤيده أو يأتى بما لا يقبله ، ثم يبنى عليه مقالته ، لا أن يقارع منهج بمنهج ، فتلك مناقشة لا تنتج إلا العناد وصعوبة التوفيق بين الموقف الشيعي والموقف الآخر الذى يطلق عليه البعض المذهب الوهابي.

لم أكن أنتظر تلك المناقشات المنهجية وكأننا نحكم البعض فى رسالة من رسائل الماجستير والدكتوراه ، فيصوب رأي كل صاحب رأي بحسب منهجه ، وهو نفس ما أراده الدكتور / يحيى ، لولا الهش عليه بالعصى .

إن تصويب كل منهج لن يأتى بجديد ، بل بكثير ومزيد من الفرقة والشقاق ، فننسى الأصل الذى نحن مطالبون بإتباعه وهو القرآن والسنة ، ونتكلم فى المناهج البحثية ، فيكون نقاشنا وحوارنا فلسفي أكاديمي ، وهو ما ابتعدت عنه كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فلم تكن رحلة الإمام أبو حامد الغزالي العلمية كلها - من قبل - إلا من أجل أن نتخلص من تلك اللوثة الكلامية الجدلية ، فنخلص كتبنا وعلومنا الإسلامية من تشويشات الشعوب الوثنية والأفكار الفلسفية ، فجاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب فنحى ذلك المنحى الجاد ، وسلك سبيل أهل الله والسلف الصالح : إن كان قال فقد صدق.

وسلك ذلك المسلك القويم البعض القليل من حكماء الأمة وعلمائها من أمثال الشيخ أحمد الرفاعى فى كتابة ( حالة أهل الحقيقة مع الله) ، فليس الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعا فى ذلك ، فلا يجب أن يحاسب الشيخ على ما جنته أيدى أتباعه من سقيمى الفهم ، فربما استغلوا اسم الشيخ فى جلب منفعة أو خلق فتنة لا يقبلها أحد ، فقد نافح ضدها الشيخ.

إن مناقشة الدكتور عبد الله سمك مع حسن ظننا بالرجل ، أنتجت مشاكل لم يقصدها هو رأسا ولا قدما ، فقوله أن القرآن أتى إلينا عن طريق آخر غير طريق أهل البيت لا نقبله ولا نوافقه عليه لعدة أسباب أهمها :
1- أن القرآن جمع فى خلاقة أبى بكر الصديق رضي الله عنه من الرقاع والأكتاف من العظم وما شابه ، وكان علي رضي الله عنه موجودا وقت ذلك العمل الهام ، فقد خشي الصديق أن يموت حفظة القرآن ، كما أشار عليه عمر بن الخطاب بعدما استشهد منهم النفر غير القليل ، وعلم الحسن والحسين وبقية آل البيت ، فكانت الصحف التي جمع فيها القران عند أبي بكر حتى توفاه الله تعالى.
2- ثم عند عمر رضي الله عنه ؛ وظل الأمر على ما هو عليه فى خلافة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حتى توفاه الله سبحانه وتعالى .
3- ثم عند السيدة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها.
4- وكان كبار الصحابة و جل الصحابة من المهاجرين والأنصار يعلمون ذلك وفيهم عثمان بن عفان رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه ، وحواري الرسول صلى الله عليه وسلم طلحة والزبير بن العوام ، وحبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وغيرهم ، بل يعلم ذلك عامة الصحابة وخاصتهم ؛ كما تعلم ذلك أمهات المؤمنين جميعهن وفيهن السيدة عائشة العالمة بسنة نبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على جميع أحواله ، كل هؤلاء يعلمون أن المصحف كما أنزل مجموع عند السيدة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها ، فلا يجوز القول أن القرآن جمع عن طريق آخر غير طريق آل البيت.
5- وجاء الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فرأى أن يجمع تلك الصحف المتفرقة فى مصحف واحد عرف بعد ذلك بمصحف عثمان وهو ما اصطلح عليه بالمصحف الإمام لأنه جمع جميع الصحف المتفرقات عند الصحابة فى مصحف واحد ، فقام بذك لجنة معتبرة من كبار علماء الصحابة معرفون للناس جميعا ، فلم يعترض أحد عليهم من الصحابة أو من آل بيت النبوة .
6- وجاءت خلاقة علي رضي الله عنه ، فظل المصحف الإمام كما هو معلوم لنا حتى الآن ، فلو كان به شائبة أو أدنى شاردة أو واردة أو شيئا من زيادة أو نقصان – حاشا وكلا - لكان علي رضي الله ومن بعده الحسن والحسين أولى من غيرهم من أمة الإسلام بالتنبيه عليها وتنقية المصحف منها ، فلما لم يحدث شيئا من ذلك حتى وقتنا هذا ، فلا يقال أن المصحف وصل إلينا بطريق غير طريق آل البيت ، فذلك قول مردود .

وقصة جمع المصحف كاملة رواها المفسرون من أمثال الإمام الطبري والقرطبي وابن كثير وغيرهم .

والخلاصة أن عثمان بن عفان رضي الله عنه استشار الصحابة من المهجرين والأنصار فى جمع الصحف فى مصحف واحد وكان عليا رضي الله عنه فى المقدمة ، وكان من بينهم عبد الله بن عباس وغيرهم ، فلما أجمعوا، فأوكلوا الأمر إليه فهو خليفة المسلمين وأميرهم ، استأذن السيدة أم المؤمنين حفصة فى أن ترسل لهم القرآن المجموع عندها فى الرقاع والأكتاف من العظم ، فيرده إليها بعد أن يفرغ الناسخون من عملهم ، فكان وشكلت لجنة الجمع برئاسة الصحابي الجليل زيد بن ثابت ، فعرض المصحف مرتين ، حتى استكملت سوره وآياته ، فلم يفرطوا فى شيء ولو فى حرف لم يثبتوه ، فجمعوه على قراءة قريش كما أمرهم عثمان رضي الله عنه ، فبلسانهم أنزل .

فلا ينبغى لعلل وأسباب بحثية جدلية أن نقسم الأمة إلى صحابة وآل البيت ، فلا يقال لأمة الإسلام أمة إلا بالمجموع ، فأمة الإسلام هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم بإحسان فلقي النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ عنه وفيهم آل البيت ، فأمته صلى الله عليه وسلم هم آله وصحابته فى ذات الوقت ، فلا ينصلح حالها إلا كذلك ، ولا يهاب جانبها إلا بالمجموع ، فلا تفرقوا ما جمع الله ورسوله ، فالجميع على معرفة تامة وعلم جازم بما حدث من أمر جمع المصحف فى مصحف واحد ، بل شاركوا في الأمر بالرأي والمشورة ، فلا يقال أن القرآن جاءنا عن طريق غير طريقهم.

وأنا أنقل لكم من تفسير القرطبي لأهميته فيما نحن فيه من اليقين بأن المصحف جمع بمعرفة آل البيت وغيرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول القرطبي : وإنما فعل ذلك عثمان لأن الناس اختلفوا في القراءات بسبب تفرق الصحابة في البلدان ، واشتد الأمر في ذلك وعظم اختلافهم وتشبثهم ، ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه.

وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية فقرأت كل طائفة بما روى لها، فاختلفوا وتنازعوا 00 00 00 فأشفق حذيفة مما رأى منهم ، فلما قدم حذيفة المدينة - فيما ذكر البخاري والترمذي - دخل إلى عثمان قبل أن يدخل الى بيته ، فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك !
قال: فبماذا ؟
قال: في كتاب الله ، إني حضرت هذه الغزوة، وجمعت ناسا من العراق والشام والحجاز.
فوصف له ما تقدم ، وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلف اليهود والنصارى.

وقد روى ابن المغفل عن علي بن آبي طالب ( رضي الله عنه ) أن عثمان ( رضي الله عنه ) قال : ما ترون في المصاحف فان الناس قد اختلفوا في القراء حتى أن الرجل ليقول: قرءاتي خير من قراءتك، وقراءتي أفضل من قراءتك ، وهذا شبيه بالكفر.
قلنا: الرأي عندك يا أمير المؤمنين ؟
قال ( لعله علي رضي الله عنه ) : الرأي رأيك يا أمير المؤمنين.
فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت بها إليه فأمر زيد ابن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.

وقال عثمان للرهط القرشيين: إذا اختلفتم انتم وزيد بن ثابت في شيء من القران فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا.

حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سوى ذلك من القران في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

وكان هذا من عثمان رضي الله عنه بعد أن جمع المهاجرين والأنصار وجلة أهل الإسلام وشاورهم واطرح ما سواها، واستصوبوا رأيه وكان رأيا سديدا موقفا، رحمة الله عليه وعليهم أجمعين.

ومن هنا نقول أن المصحف وصل إلينا محفوظا عن طريق صحابة رسول الله وفيهم أهله وآل بيته صلى الله عليه وسلم ، فلا نقبل ، ولا نقول أن المصحف وصل الأمة بطريق غير طريق آل البيت ، فذلك خطأ نعلم أنه غير مقصود ، ولكنه - ربما يوافق هوى واعتقاد الشيعة فى مصحف فاطمة المزعوم .
( وعلى الله قصد السبيل )
*****
دكتور / عبد العزيز أبو مندور
أستاذ فلسفة الأخلاق والتصوف بالجامعة الليبية سابقا
[email protected]