دراسات نقدية تطبيقية/المؤلف حسين علي الهنداوي
تاريخ النشر : 2010-04-11
دراسات نقدية تطبيقية
حسين علي الهنداوي




الرؤية التنويرية في نص

( و إن زحفوا فللدنيا هدير )
للشاعر : محمود مفلح
بقلم: حسين علي الهنداوي

إذا كانت قدور الناس تصـــفو فــــإن قـــدورنا أبــــداً تفـــــــور
و إن كانت همومهـــم رمـــاداً فـــــإن همـوم أصـغرنا ســــــعير
نغني و النوافذ مشــــــرعات على دمنا و ترمقنــــــا القبـــــور
فلا الأبطال في بلدي صغــــــار و لا وجه الطفـــــولة مستديـــــر
لقد كبر الصغار على الأمــانـي و أنضج خبـــزهــم هــمّ كبيــــــر
جبال النار تعرفهم و ســــــفح به راحت دوائرهـــــــم تــــــدور
ومن قبل الصلاة لهم صـــــلاة ومن بعد الطهور لهم طــــهــــور
كأن الــــقدس ليــس لها رجال و شـــــعب القدس ليس له جذور
و لاكتبت ملاحمـــــــنا مواض و لا عشــــقت شــــــواهقنا نسور
و أعجب كيف بعض القوم يبغى عليه فــــلا يغــــــار و لا يغيـــــر
و تهتز البـــــلاد ومن عليهـــا و في الحانات تهتز الخصــــــــور
يتاجر من يتاجر في أســـــــانا و ينهــــش لحمــــــنا كلب عــقور
إلى أعنــــــاقــنا مدت نصـــال و أحقــــــر ما بها نصــــــــل أجير
و قبلنا الأكف لقــــاء ســـــــلم صغير ســــــاقه بطـــــل صغيــــــر
رجالاً أصــــــــبح الأبطال فينا و في قلب الصـــراع لهـــــم زئير
فلا تعجب و ليس لهم رصاص إذا وقعت على المـــــــوت الصدور
نعم ثاروا و عدتهم حجـــــار و نحن - القاعدين - متى نثــــور
دماؤهم على الساحات مسك و يمضـــي للعـــــبيـــر بك العبـــير
فنبت القدس ليس له نظيــــر و حاشـــى أن يــــكون له نظــــــير 0



إذا كانت مصطلحات النــــقد الثلاث ( الرؤيا و المنهج و المصطلح ) ما زالـــت على عتبات التجديف النقدي العربي فإن نصاً كنص الشـــــاعر محمود مفــلح المــــسمى
( و إن زحفوا فللدنيا هدير ) قد استطاع أن يشـــــــرع أجنحته باتجاه بوصلة الرؤيا العربية الإسلامية للجهاد العربي الفلسطيني الذي يمثل نقطة الانطلاق الأولى لنبذ كل معطيات الزحف الصهيوني الصليبي الذي يحاول أن يعيد الكرّة في ســـــيطرته على المشرق العربي و نحن نعرف أن فلسطين هي نقطة البدء و أن القدس هي محطة الاستراحة الأولى التي عوّل عليها أتباع الاستعمار و الذين جاءوا يحملون إلى الشــــرق عودة المسيح الدجال بصورته ( البوشية ) 0
إذن نحن أمام نص يرسم فيه شــــــاعرنا رؤية جديدة قديمة لمنطلقات الجهـــاد ضد المستعمر و يؤطر فيه لمعاني عروبية إسلامية تســــــتحث الخطا باتجاه العودة إلى تخليص القدس من قبضة مغتصبيها و الذين يحــــاولون في هذه المرة أن يهودوها ضمن أسطورة مملكة سليمان التي تمثل من وجهة نظر الآخر نقطة النهاية لتشــرد اليهود الذين اقتلعوا من الأرض العربية أصحابهـــــــا و أحلوا مكانها مجموعة من الشراذم تتسافد على عتبات المسجد الأقصى معلنة عصراً جديداً 0
نص و إن حمل بين جنبيه هموم الجهاد العربـــي الإسلامي الفلســـــطيني بشكل خاص إلا أنه عكس ذلك على عروبية هذا الجهــــــاد الذي مثله في هذا العـــصر الصعب و( الذي تخلت فيه الكثير من الزعامات العربية عن مهمة استرداد ما سلب من الأرض ) أطفال فلسطين و تلك معادلة صعبة حين يتخلى الرجال و تنبري ســــــواعد الأطفال لتعيد السليب من الأرض أو على الأقل لتثبت أقدام الأجيال القادمة على هذه الأرض لعل و لعسى أن ينطلق ( صلاح الدين آخر ) يعيد ما ســـــــلب من كرامة و أرض و عرض 0
صورة عرضها الشاعر من خلال الوهن الذي أصــــاب الأمة و أخص بالذكر أصاب رجالاتها فأصبحت الهموم رماداً لم يبق من جمره إلا سعير الطفل الفلسطيني الذي لا يتوانى أن يشتعل في كل لحظة نار على أعدائه و نوراً لأبناء جلدته
إذا كانت قدور الناس تصفو فإن قـــدورنا أبــــداً تفور
و إن كانت همومهـــم رماداً فإن هموم أصـغرنا سعير
نغني و النوافذ مشــــرعات على دمنا و ترمقنا القبور
هذه التفاؤلية التي تقفز من ذاكرة الشـــــاعر تؤكد أن بريق الأمل ما زالت أضواؤه تتلألأ في سماء القدس التي خصها الشـــــاعر بهذه القطعة من كبده على الرغم من الدماء التي ما زالت تثعب من الجرح الطفولي الفلســطيني الذي حول وجه الطفولة الفلسطينية إلى تجاعيد تخفي في أسرارها العزيمة و الإصرار على ســـــحق كل من يريد أن يجعل من القدس هيكلاً جديداً يغنّي أمامه نشيد الموت العربي 0
وقد أوحى لنا الشاعر بذلك حين أشار إلى أن وجه الطفولــــة الفلســــــطينية لم يعد مستديراً كالوجوه الأخرى بل و أضاف إلى هذا الوجه الهم الطفولي الذي توقد أتوناً مســـتعرة لتجعل الخبز الفلســـــطيني هو إزالة هذه الطغمة التي تسعى بشكل حثيث لتهويد القدس 0
لقد رســـــــم لنا الشاعر محمود مفلح كعادته صورة مسيرة الكفاح الفلسطيني الذي يبدو أنه يتعثر على أيدي البعض بحيث يرتضي هذا البعض بألقاب و نياشـــين يتزيى
بها على حساب الملاحم العربية التي تأبى إلا أن تعيد ما اســـــتلب من الحق العربي
و كأني به حين يقول :
كأن القدس ليس لها رجال و شعب القدس ليس له جذور
و لاكتبت ملاحمنا مواض و لا عشــــقت شواهقنا نسور
يريد أن يرسم صورة لهذا الوهن العربي الذي أطبق بفمه الفاغر على كل النـفـوس فحولها إلى ركام من الحجارة أو إلى رماد أســـــــود اللهم إلا أولئك الصـــبية الذين يسخرون من الذين يتاجرون في أسى الأم الفلســــطينية و بدماء الطفولة فيقفز إلى صورة أخرى تستلب عمق اللاشعور و تحمَّله البعد اللامنطقــــي الذي يرجح معادلة الحق و الباطل و يحملها باتجاه بوصلة الموت 0
و أعجب كيف بعض القوم يبغى عليه فلا يغـــــار ولا يغــــير
و تهـــــــتز الـــــبلاد ومن عليها و في الحانات تهتز الخصور
حقاً إن الخصور لتهتز في الحانات على جــسد القدس فكم من كلب عقور نهش هذا اللحم الفلسطيني و الأدهى و الأمر أن تهن عزيمة بعض الفلسطينيين لتقبيل الأكف مضيعة الأمانة وراضية بسلم متوهم ( صغير ساقه بطل صغير )

البعد الفني في النص :
إذا كان الجاحظ يؤكد في رؤيته النقدية على أن المعاني ملقاة في الطرقــــات يعرفها العربي و الأعجمي و البدوي والحضري و إنما المعول عليه في إلباس هذه المعاني ثياباً جديده تحمل في صورها البعد المشــــرق للجماليــة الفنية فإن النص الذي بين أيدينا : ( و إن زحفوا فللدنيا هدير ) و إن كان لا يخرج في إطاره العام عن عمـــود الشـــعر العربي المتمثل في وحدة البيت و القافية إلا أنه يحمل إلينا في جنباته بعداً دراميا يعتمد على المفارقات التي تبرز تناقض الضعف العربي و الهمجية الصهيونية
يتاجر من يتاجر في أســـــــانا و ينهــــش لحمنا كلب عقور
إلى أعنــــــاقــنا مدت نصـــال و أحقــــــر ما بها نصل أجير
رجالاً أصــــــــبح الأبطال فينا و في قلب الصـــراع لهم زئير
فلا تعجب و ليس لهم رصاص إذا وقعت على الموت الصدور

و كأنا بالشــــاعر يؤطر لملحمة ينتهي فيها صوت الباطل و تعلو رايات الحق حاملاً بين جنبات نصه مفردات ترسم بريشتها الألم الفلســطيني العروبي المغموس بدماء الأطفال و الذي يستمد زيته من جذور زيتون تلك الأرض 0
و إذا كان الشاعر لا يتمذهب بمذهب أدبي في نصه هذا إلا أنه غمس رشــــته الفنيه في تجارب شـــــــعراء عظام و أخرج لنا جعبة جديدة تميز بهـــا من خلال نصوصه المعهودة فقد كان بحترياً في سلاسته و تماميا في إيحائه ومتنبيا في بنائه الشعري الذي انطلق من مقولة الحطيئة
( الشعر صعب و طويل سلمه إذا ارتقى فيه لا يعلمه )
زلّت به إلى الحضيض قدمه
و هذه هي صورة الشاعر محمود مفلح في نصه تحمل إشراقات المستقبل مبشراً بغد جديد تخفق فيه رايات الفرح العربي على روابي القدس لأن نبت القــدس كما يقول ليس له نظير 0
نعم ثاروا و عدتهم حجـــــار و نحن - القاعدين - متى نثور
دماؤهم على الساحات مسك و يمضـــي للعبيـــر بك العبـــير
فنبت القدس ليس له نظيــــر و حاشـــى أن يكون له نظــــــير 0


حسين علي الهنداوي
جامعة دمشق كلية التربية











حاتم قاسم
يرتق غيابه على جسد الرمل ليلاً طويل
بقلم :حسين الهنداوي
و للقمح مني ومنك التحية

ويا رعشة الأقحوان الحزين
إليك و منك رحـيق الســنين
وفيك الهوى راح يمتدُ00 يمتدُ
خلف الصهيلْ
ليغسلَ وجهك حباً
وعطراً يغني
يردد
ها نحن في ضفة المستحيلْ
نموتُ00
0000 ونحيا
ونمضي إليك حيارى
وجيلاً يناديه رغم التناوح
00000000000000 جيلْ
أتيت إليك بعطر السنابل
بين الحقولْ
و في جعبتي الشوق
و الحبُّ00
و الصمتُ في سعفاتِ النخيلْ
لأغسل وجه اغترابي00
و أنشـلَّ لـون شــبابي00
و ارسم فوق جبين الغيابِ
حقائب جرح ٍ ندي ٍّ00
هنا عطــرته جـبال الجلـيـل ْ
و للقمح مني00
0000000 و منك التحية
لنزرع فيها بـذور النهــــار
و نقطف منها00
و من جعبة الغيم بعض انتظار
أُرتِّـق فيك غيابي00
و أحملُّ فيك اغترابي00
على جسد ِالرمل ِليلاً طويلْ
هنا بدأ الصمتُ أغنية من حديد
ليرضع مـنك ومـيضَّ الـبروق
و يفـتح في مـقـلتـيك الحـيارى
جراحـا ً تطول ُ 000 و أنت الدليلْ
سكبتُ على شفتيك الهوى00
و أعلنتُ رغم الديـــاجـي 00
و رغم المرائين00
أنك أنت جراحي 00
و أنت ارتيــاحـي00
على سعفات النخيلْ

في القراءة الأولى لنـص: ( و للقمح مني000 و منك التحية ) تبدو للوهلة الأولى أن الغيابات التي تختزنها ذاكرة المغتربين إقصاءً عن أوطانهم تحمل على جنباتها صفــة إنـســانية لكـل المغتصبين الذين يسرقـون الأرض و يلـقـون بـمن عـليها في غياهب الصحارى الحائرة 0
الوطن و السنابل و سعفات النخيل ووجــه الاغـتـراب و لون
الشباب و جبين الغياب مفردات انطبعت في ذاكرة الــشـاعــر
و تركته معنـَّى على طرقات الصمت يستجدي رائحة القمح و يـبـحث عـن عـطر جـبال الجليــل 0 تلك هي مأســاة الإنسان الفلسطيني الذي اقتلع من أرضــه و حمـل غـيابه عـلى كتفيه و لكنه ما زال جراحاً تطول والوطن لا يعدو أن يكون الدليل
لقد سكب الشاعر حاتم قاسم على شفاه الزمــن حكايــته الـتي تمثل الاغـتراب الـفـلـسطيني في دياجي المنافي و فـــي حقائب المرائـيـن حـيث تـبدو الجراح حمراء تتلون بدم الشهادة الذي رسمته رعشة الأقحوان على مـساحات الأرض الفلـسـطـيـنية
التي حملها المقعدون الذين صنعوا من رحيق السنابل قـمـحـا ً
جديدا ً يمكن له أن يكون مستقبلا ً زاهرا ً ، إن انبعاث الشوق
من لغة الشاعر ترسم على ضفة المستحيل حيــاة جـديـدة بعد
موت كاد أن يكون طويلا ً يجعل الــشاعر يغــسلُ وجه وطنــه
حبا ً و عطرا ً يغــني أغنـية الـعـودة و الرجـوع و هـــل هنـاك
أزكى من الدماء التي ســفكها صبية صغار واجهــوا الـمـوت
بنفوس ليست كالنفوس و بــأرواح ليست كالأرواح و لــســان
حالهم يقول كما يقول الشاعـر:
(( لأغسـل وجـه اغترابـي
و أنشـل لون شــبابـي
و ارسم فوق جبين الغياب
حقائب جرح ٍ ندي...0
هنا عطــرته جـبال الجلـيـلْ
إن فجائعيـة الدم الفلــسطيني الذي يمـتد عـلى مــساحـة الـكرة الأرضية والتي كانت تنظر إليه بعيون قزمة تجعل من القصائد
حبات سمسم لا تفي بغرض الرثــاء الفجائعي الحزين الـذي يرسم لوحة إنسانية لو قرأها غير الإنسان لأدرك أن الصمت هو الرد الوحيد أمام تلك الولولات 0 و إن الـنـص الـذي بين
أيدينا يمثل لونا ً مختــلفا ً من الرثـاء ، إنه رثـــــاء النـفـوس
البغيضة 000 رثاء الإنسانية التي أصبحت ترى بعيون غير
العيون الواعـدة و الشاعر يرسم لنا ذلك مــن خلال ما كتــبه على جسد الرمل وهو يحترق في أتون الصمت ينتظر أغنية
من حديد 0
((هنا بدأ الصمتُ أغنية من حديد
ليرضع مـنك ومـيضَّ الـبروق
و يفـتح في مـقـلتـيك الحـيارى
جراحـا ً تطول000
و أنــت الدلــيلْ000 ))
أيّ صـبـر هذا الذي يحمله المغترب في منفاه ينتظر الوعد و يـعرف أن الـتـراب الـذي ضـم أجـداده سـيضمه مـن جـديــد فالصهيل ما زال ينتظر الفارس و الغياب مازال يرتّقه وجه الاغتراب 0 إنها حكاية ٌ بدأت تكـتب بلغة أخــرى و تـقــرأ
بعيون ٍ أخـرى المساحة خضراء و المنتظـرون ســيقطفون
الثمار و ستعود الأجساد العربية والأراوح العربية إلى ذرات
التراب العربي و سيصبح الرثاء فرحا ً يغنيه الشاعـر :
((و للقمح مني00
0000000 و منك التحية
لنزرع فيها بـذور النهــــار
و نقطف منها00
و من جعبة الغيم 000
بعض انتــظـــار ))




قراءة في نص صهيل الجراح
للشاعر : حاتم قاسم



صهيل الجراح



هذي دماءُ الموتِ أم ...
وردٌ تفتحَ في الجفون
لن يرهبوا جذورنا
لن يعبروا أيامنا
و يسرقوا هواءنا
و الريح في أمواجنا
و النبضُ في بوح العيون
ارمي على النار الجراح
و أطفئي جمرَ الغزاة
علميهم :
أن لحني لن يموت
لونُ خدي زيزفون
هذا الصنوبرُ من دمي
و الموتُ ينهضُ جثتي
يصحو به الجنـــــون
يا غزتي المحاصرة
يا وردة في الخاصرة
لن تهزم الرياح
و الصبح ُفي عيوننا
و الدمُ في أوراقــــنا
لن تذبلَ الغصون
عصفورتي لا تحزني
طعمُ الثمار بروقنا
وجباهنا لونَ الشموس
فيها البراعمُ و الكفن
من كل جرح ٍينهضون
قولي لهم عصفورتي
ما فادكم حصارنا
ما فادكم تجويعنا
باقون في عيونكم
كجمرة ٍمن نار
إنا هنا باقــــون
هذا صهيلي فاسمعي
وجعاً تخطى المجزرة
كل النوافذ مغلقة ....
و بصمتهم يتدثرون
لا تعتبي عصفورتي
طعمُ الحدائق ِمن دمي
و الصمتُ يأكله السكون
لا لن يمرّوا في التراب
تحت َالعواصف ِجثتي
و بذورُ ناري زوبعة
غاصت عيونكِ في دمي
ها هم على بابِ العيون
يا غزتي المحاصرة
يا وردة في الخاصرة
إنا هنا باقون .. إنا هنا باقون


حينما تتحول غزة إلى عاصمة للقنابل و يصبح طعم الحدائق ممزوجاً بلون الدماء الفلسطينية و حينما تتخطى الأوجاع المجازر تصبح النوافذ كلها مغلقة 0
جرح يتطاول سامقاً إلى أعالي الكواكب حيث جباه الأطفال ناظرة إلى سدرة المنتهى و عصفورة صغيرة تنشد نشيدها الأبدي الخالد المتمثل بصهيل الجراح وهذه ليست هي المرة الأولى التي يتأبط فيها أطفال غزة صواريخ الموت اليهودية التي ما فتئت تحصد كل ما تحت العواصف و لكن الصمت الذي يتحول إلى جرح أكبر من دماء الأطفال سينبت وردة في الخاصرة هكذا رسمت لنا قصيدة صهيل الجراح عنوانين في لوحة واحدة
( يا غــزتي المحاصرة
يا وردة في الخاصرة )
إنها نسب الشاعر و بوحه في زمن تحولت فيه العروبة إلى فتات من ضعف دول تناثرت كحبات السمسم تنتظر من يأكلها حبة بعد حبة و ربما تؤكل دفعة واحدة و بذلك يبرر الشاعر لعصفورته هذا الحوار المتعب المكتنز بقوة الأطفال :

(لا تعتبي عصفورتي
طعم الحدائق من دمي )

إن فجائعية الموت التي يتلقاها أطفال غزة المحاصرون من قبل الأعراب قبل اليهود لترسم في ذاكرة الشاعر كما هي في ذاكرة كل مسلم شعاراً واحداً و إن طال الزمان عليه ( لا لن يمروا في التراب

تحت العواصف جثتي
و بذور ناري زوبعة
غاصت عيونك في دمي
ها هم على باب العيون

إن طعم الدم الفلسطيني الذي يمرره إخوة يوسف على شفاه أعتى ذئب على مساحة هذه الأرض يأبى إلا أن يورق للإنسانية زهراً نابضاً على مر العصور و هذه سمة هذه الأرض المقدسة التي باركها الله من سماءها السابعة ومن هنا كانت ومضات الشاعر تقطر دماً عفواً تنبض صهيلاً على رمال غزة 0
( هذي دماء الموت أم 00
وردٌ تفتح في الجفون ؟! )
حقاً إنها وردٌ جوري و دحنون أحمر ينزف من أجل بناء إنسانية جديدة و لا ضير فالدم الفلسطيني أحمر ٌ قان ٍ يغري بنبضاته الحمراء التي تشع إنسانية و تضحية فتحت جفن كل طفل فلسطيني أشعة حمراء ما زالت تقرع أبواب المسجد الأقصى و تنادي بأعلى صوتها ( هذا الصنوبر من دمي ) و كأن نداء نبوياً تنشده بنات الإنسانية إن للقدس موعداً و لكنه يحتاج إلى جولات و هذه هي الجولة الثانية التي تحملها غزة على كتفيها و هي تنشد :
( لن يرهبوا جذورنا
لن يعبروا أيامنا
لن يسرقوا هواءنا
فالريح في أمواجنا )

نص تغريك مفرداته المتوقدة بالعاطفة الصادقة لأن تقرأ بوح تلك الكلمات التي نتحها الشاعر من نسغ روحه المجدولة على صهوات الجراح 0
نص تنوعت موسيقاه و لكنها في النهاية شكلت جنازة من الفرح يزكوا أريجها في أنوف أطفال غزة ليبدأ معنى جديد يحمله صهيل الجراح التي لن تخمد جذوتها فقد بلغ السيل الزبى و تحولت السيوف إلى موعد مع فتح جديد 0







قراءة مونتاجية لنص انبثاقي في نص : جراحنا ميلاد قمر
للشاعر حاتم قاسم بقلم:حسين الهنداوي



جراحنا ميلاد قمر
هي الصباحات التي رسمتها رؤى
تشق يا حبيبتي 00
بكارة الظلام
كما البـــذور 00
في صحيفة العطاء تنبري
مواســـمــاً 000
قمحــــــاً 000
و مليون حجـــر
و العائدون من مواكب الفجر
إلـى مواســم العـطاء
يلونون الجرح ميلاد قمر


هنا السـيوف يا صديقتي 000
تصــاهل الـنهــار
تقتبس النور من جبينها الحكايا
ليكبر الغناء في الفضاء 00
هي النوارس الخضراء 00
يا صـديقـتي 00
تعانق الجـراح
هنا000 نعـيش
أو نموت 0000
جيلاً وراء جيل
ونــزرع الـورود
شــواهداً على القبور


إذا كانت نظرية الشعر الحر تقوم على رفض نظرة الاتباعيين للنص على أنه تصوير للخارج و رفض نظرة الرومانسيين للنص على أنه تعبير عن الداخل
و رفض كون الشعر وجداناً و تعبيراً عـن الشخصية و أن هذا الشعـر الذي
نطمح إليه هو خلق فريد مبتكر على غير مثـال من واقع خارجي أو داخلي
فإن النص الذي بين أيدينا (( جراحنا ميلاد قـمـر )) تنبـثق منـه رائحـة الثورة التي تختلج في روح الشاعر و هي ثورة لا تحمل السلاح فقط و إنما تعدُّ إعدادا جديداً لجيل ٍ جديد ينظرُّ إلى الحيـاة على أنها تستحـق أن تعاش
كما أن الموت يستحق أن يكون رمزاً لاستعادة كل ذرة من ذرات التراب التي سلبت قهراً و عنفاً و عنوة ً إذاً هو كما يقول الشاعر :
( كما البــذور في صحيفة العطاء تنبري
ســنـابـلاً
قـمـحــاً
و مليون حـجر )
و إذا كانت جنين أسطورة الصمود العقدي الذي تحمله جدران تلك المخيم فإن
الوردة التي زرعها هذا المخيم بصموده أمام أحذية الأعداء ما تزال شـواهداً
على قبور هذه الأمة التي ما فتـئت تبـكي عـلى ضياع الأندلس و استلاب فلسطين و سقوط بغداد و هل هذا المسـلسل إلا جـزء مـن حلقة كبيرة في فضـاءات الكـون الـذي أحس به الشـاعر بـل اخـترق وجـدانه ليكتب عـلى دفاتر الحياة :
( هنا نعيش000 أو نموت
جيلاً وراء جيل )
و على الرغم من النكبات و النكسات التي تركت أثارها واضحة في اللاشعور
لدى الشـاعر فإنه بقي يضع على عينيه نظارة الأمل فالـرؤى لديه ثشـق
بكارة الظلام و أنت ِ أيتها الحبيبة ( الوطـن ـ الأرض ) ترسمين الصباحات في كل يوم حتى كأن شروق الشـمس تـبزغ مـن ذرات تـراب ذلك المخيم الصامد : ( هـي الصباحـات التي رسمتها رؤى
تشـق يا حبيبـتي بكـارة الظــلام )
و إذا كنا لا نريد أن نـذهب بعـيداً و أن نبقى في تلافيف الوجع الفلسطيني الذي أصبح تيهاً جديداً في صحراء المعاصرة فإن تفاؤلية الشاعر ترتســم
في كل لحظـة من خلال رؤيته للنصــر قمـراً مضيئـاً في كل لحظــة
فالأطفـال ( أطفال الشاعـر ـ أطفال الحجــارة ) ما زالـوا ( يلونـون الجرح ميلاد قـمـر ) و الشاعر نفسـه ما زال متفائلاً : ( يقتبـس النور من جبين أطفاله ) و ما زال يؤمن أن السيوف وحدها و بالسيوف وحدهـا
تعود الأرض لأصحابها ( هنا السـيوف يا صـديقـتي
تـصـاهل النهـــار )
يقتبس النور من وجنتيها الحكايا
ليكبر الغناء في الفضـاء )
حقاً إن فضاءات الشاعر يكبر غنائها بعظمة أطفال الحجـارة الذين رسـموا على صفحات التاريخ العربي لوحة ًمشرقة ًحين غطت الأمة بغيبوبة عميقة0
و إذا كنا لا نريد أن نؤكد على الشكل الشعري معيار يحدد القيم الفنية لدى
الشاعر ذلك أن المضمون الأخاذ هو الذي يرسـم شكل مشـيته فإننا نؤكد
أن الصورة الشعرية التي حملتها فكـرة القصيدة رصدت عيناً خيالية تفتح لك الأفاق على مستقبل مشرق تتحول فيه الأرض إلى وطن حقيقي بعيدا عن أدناس أحذية المعتدين 0 فالصباحات ترسمها رؤى الحبيـبة الأرض
و هذه الحبيبة هي التي تشـق بكارة الظلام التي تنبثق سـنابلاً و قمحــاً
روته دماء أطفال الحجارة الذين تركوا الشاعر مع العائدين من مواكب الفجر إلى مواسم العطاء و هذه المفردة الشعرية التي يستعملها الشـاعـر تبعث الإشراق في النفس فمفردات من مثل ( الصباحـات ـ الرؤى ـ الـسنابل
مـواكب الفجـر ـ مواسـم العطاء ـ يقـتبس الـنور ـ يكبر الغـنـاء
النوارس الخضراء ) تحمل إلى المتلقي شحنات عاطفية إنسانية خياليـة و تفتح أمام هذا المتلقي أُفقـاً نيراً ليس بعده ظلام 0
كما و أن اللغة الشعرية التي استعملها الشــاعر ( لغـة مجـاز ) انطلقت
بنا إلى الأفاق نفسها بحيث رسمت على جيننا ابتسامة مشرقة لما رأته مـن
( سنابل القمـح ) التي لن تكون إلا بفعل ( تعانق الجراح )








ثالثة الأثافي و رؤيوية الشعر
في نص( لَيْسَ إِلاَّ … !) للشاعر د0 محمد مقدادي
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم

النص
=====
لَيْسَ إِلاَّ … !

يا صديقي … ،‏

ما الذي نرنو له غير الخواءْ ؟‏

هبط الليلُ ،‏

على أجفاننا ــ صبحاً ــ‏

وأعيانا الوباءْ‏

ليس إِلاَّ الريحُ‏

تلقينا كما تهوى …‏

ويهوى اللّقطاءْ .‏

كُلّهُمْ ، مرّوا على صحرائنا الخُنثى‏

وبالوا في الإِناءْ .‏

يا صديقي ،‏

كُنْ حزيناً ، مثلما أَنتَ ،‏

وقُلْ لي : أينَ نمضي ،‏

كي نُعيدَ البيتَ آلاءً ،‏

وحناَّءً ،‏

ونبني حجرةً أُخرى ،‏

لأحلامٍ ، قطعنا حبلَهَا السّرَّيَّ‏

منذ اللحظة الأولى ،‏

لحْملٍ كاذبٍ ،‏

ولأَشجارٍ ،‏

زرعناها وما فُزْنَا بظلًّ ،‏

حين عَزَّ الظَّلّ ،‏

وامتدَّ العراءْ .‏

يا صديقي … ،‏

رَحَلَ الصَّيفُ ،‏

وما حلَّ على الوادي شتاءْ .‏

ليس إلاَّ الإِبلُ ،‏

والطَّبلُ ،‏

وسيلُ الفقراءْ .‏

يا صديقي … ،‏

كُنْ حزيناً ،‏

مثلما أنتَ ،‏

فإنَّ الحزنَ ميراثُ الّنُبَّواتِ‏

ونحنُ الأَنبياءْ !!‏

* * * * *‏

يا صديقي ... ،‏

لم يَعُدْ ينبضُ إِلاَّ ،‏

سوطُ جلاَّدٍ ... ،‏

وموتٌ غامِضُ .‏

ليس إلاَّ بابنا المفتوحُ للدّنيا‏

وجرحٌ فائضُ .‏

وانكساراتٌ على شباكنا تنمو ،‏

وظلٌّ ... قائضُ .‏

ليس إلاَّ نخلنا العاري ،‏

وريحٌ ... ،‏

تحملُ اَلَموتى إلى أكفانهم‏

وخطىً تقتاتُ ظِلَّ العابرين .‏

يا صديقي‏

كلما امتدَّ إلى أَعناقنا سيفٌ ،‏

أَتينا طائعين .‏

إنَّها الحمىَّ التي تجتاحنا ،‏

حتى اليقين .‏

فاعطني من حزنكَ الورديَّ غُصناً‏

لِِتَرى كم يفرح النَّهرُ ،‏

إذا غنَّى له الوردُ الحزينْ‏

يا صديقي ... ،‏

ليس إلاَّ الحزنُ يُعْفينا ،‏

من الحزنِ‏

ويُبقينا كراماً ...‏

طيَّبينْ !!‏

* * * * *‏

يا صديقي ... ،‏

كُن حزيناً مثلما أنتَ ،‏

فإِناَّ ،‏



تَعِبَتْ أَحمالُنَا مناَّ‏

وَعَنَّا ،‏

رَحَلَ الرَّكْبُ ... ،‏

وموَّالٌ مُعَنًّى‏

يا صديقي .... ،‏

ليس إِلاَّ جوقةُ العشَّاقِ .‏

يأوونَ إِلى مقهىً قديمْ ‏

ليس إِلاَّ عطشُ الصَّحراءِ ،‏

والعشبُ الذي يذوي على أَجفاننا ،‏

والفراشاتُ المسجَّاةُ ،‏

على نافذةِ اللهِ ،‏

وأطفالٌ ،‏

يُسَاقونَ إِلى هذا الجحيمْ .‏

ليس إِلاَّ جرحُنَا المنسيّ في المنفى‏

وما كُناّ ذرفناهُ من الشَّعرِ ،‏

على الشَّعر الَّسقيمْ .‏

ليس إِلاَّ جمرةٌ تنهشُ ،‏

ما ظلَّ من الروحِ ... بوادٍ‏

غير ذي زرعٍ ،‏

وشيطانٌ رجيمْ .‏

ليس إِلاَّ ناقةٌ جرباءُ في الوادي‏

وكأسٌ .. مُتْعَبُ .‏

ليس إلاَّ مُقَلٌ ترنو إلى الأفقِ ،‏

وأفقٌ .... غائبُ .‏

ليس إلاَّ ما يوازي بين موتين ــ بصمتٍ ــ‏

وكلا الموتينِ ... ،‏

نابٌ ... ناشبُ .‏

ليس إلا رحلةٌ تهفوا إلى موجٍ خبرناهُ ،‏

وغيمٌ ... مجدبُ .‏

ليس إِلاَّ نجمةٌ ثكلى ... ،‏

وبرقٌ ... خُلَّبُ .‏

ليس إلا غارةٌ أُخرى ،‏

وأشلاءُ ،‏

وخبزٌ ... شاحبُ‏

آهْ !!‏

كيفَ مَرَّ العمرُ ــ يا صاحِ ــ‏

على عِلاَّتهِ ،‏

وانتبهنا ،‏

حين فَرَّ الوردُ من أكمامنا‏

نضبت خمرتنا ــ الآن ــ‏

وَعَزَّ ... المطلبُ .‏

يا صديقي .‏

كن حزيناً ،‏

فالمدى رحبٌ ،‏

وحزني أرحبُ !‏





الدراسة النقدية
==========
حينما تتوازى في ذات الشاعر انفلاشات الواقع المر و تشظي الموت و حينما تعم الحمى أرجاء الوطن العربي بكامله يتحول الشاعر إلى مزمار حزين يبث من عروقه نغمات الواقع المر وولولات الفقراء الذين يذهبون ضحية ذلك الواقع المر 0
زمن نعيشه يبدو كحصان مشاكس لا تستطيع أن تسرجه و أنت تعيش بين موتين بصمت موت يحمل إليك مرارة الموقف القابيلي الذي يقدح بشرره في ليل مظلم وموت مثيولوجي يتمثل أمام الذات في كل لحظة ليقطف من عناقيد الذات عنباً مراً 0 إنها ومضات السياسة التي حولت العالم بأسره إلى معركة بين خاسر و خاسر لا يستطيع أحد أن يقطف من ثمارها إلا حنظلية الواقع الإنساني 0
( ليس إلا 0000 ! ) نص للشاعر محمد المقدادي يتماهى مع واقع مر يعيشه إنساننا العربي على مساحة واسعة من الحزن تنبئك بما حصده هذا الإنسان منذ نصف قرن من وباء و صحراء خنثى و أحلام قطع حبلها السري و حمل كاذب لا يمكن له أن ينجب إلا وهما و تشرذماً 0 فالقافلة الإنسانية التي تسير في ركبها أمة افتقدت ميراث النبوات و عز الظل فيها و امتد العراء
يا صديقي ،‏

كُنْ حزيناً ، مثلما أَنتَ ،‏

وقُلْ لي : أينَ نمضي ،‏

كي نُعيدَ البيتَ آلاءً ،‏

وحناَّءً ،‏

ونبني حجرةً أُخرى ،‏

لأحلامٍ ، قطعنا حبلَهَا السّرَّيَّ‏

منذ اللحظة الأولى ،‏

لحْملٍ كاذبٍ ،‏

ولأَشجارٍ ،‏

زرعناها وما فُزْنَا بظلًّ ،‏

حين عَزَّ الظَّلّ ،‏

وامتدَّ العراءْ .‏

و ليس في هذه الصحراء القاحلة و المفازة الموجعة إلا الإبل و الطبل و سيل من الفقراء و الأميين يشكلون جوقة ناشزة في ذاكرة أمراء هذا الزمان فالانكسارات كما يراها الشاعر محمد مقدادي تنمو على شبابيك الواقع المر و على ظل قائض لا ترى فيه إلا النخل العاري و الخطى المتعبة التي تتبع ظل العابرين و هذا يعني في لغة الواقع المر أن الحمى التي تجتاح واقعنا ستنجب حزناً وردياً مراً و ذلك تحت وطأة السيوف الصارمة المسلطة على رقاب الفقراء البائسين

يا صديقي‏

كلما امتدَّ إلى أَعناقنا سيفٌ ،‏

أَتينا طائعين .‏

إنَّها الحمىَّ التي تجتاحنا ،‏

حتى اليقين .‏

فاعطني من حزنكَ الورديَّ غُصناً‏

لِِتَرى كم يفرح النَّهرُ ،‏

إذا غنَّى له الوردُ الحزينْ‏

يا صديقي ... ،‏

ليس إلاَّ الحزنُ يُعْفينا ،‏

من الحزنِ‏

ويُبقينا كراماً ...‏

طيَّبينْ !!‏
إذاُ نحن أمام نص يتقاطع بقوسه القزحي مع قوسين قزحيين من أقواس الشعر العربي الحديث و المعاصر و الذي يحمل في بذرته مفهوم الحداثة الشعرية بمفهومها الحقيقي القائم على اقتفاء الأصالة و تمثلها و الإنطلاق من خلالها إلى نص شعري يحمل في ذاته جدة بين قزحية الشاعر محمد مقدادي و قزحيتي أمل دنقل و بدر شاكر السياب تكمن خميرة الشعر الباحث عن رغيف ناضج دون أن يكون للترجمات الأجنبية أو للقصائد الأوربية أي تأثير مباشر عليه فأنت كقارئ و متلقي حين تقرأ نص ( ليس إلا 000 !! ) تكتشف ببصيرتك الشعرية أن هناك ( تجربة شعرية حديثة تستخدم القوانين الشعرية الحديثة دون أن تتخلى عن أصالتها و أن هناك - رؤيا – شاعرية لشاعر يفهم الواقع و يؤطر للمستقبل ) و كلا الشاعرين بدر شاكر السياب و أمل دنقل كانا من ذوي الرؤيا الواعدة التي تطمح بالشعر إلى أن يقدم الواقع على حقيقته و لكن بلغة الشاعر و نفسه و معاناته و تجربته و الرؤيا عند الشاعر محمد مقدادي تبدو ناضجة إلى حد كبير بحيث ترسم الواقع المر أشجاراً يابسة و حملاً كاذبا و سيل من الفقراء بعد أن فقد عامة الناس ميراث النبوات و الأنبياء ونحن مع الشاعر كنا ننتظر أن يكون هناك صحراء تثمر ثمراً ناضجاً كما هو الحال في الدفقة الأولى لمسيرة أصحاب الرسول و لكنها في واقعنا الحالي لا تثمر ألا جمرة تنهش ما ظل من الروح بواد غير ذي زرع و شيطان رجيم 000 إنها حمى قاتلة و أفق غائب و موتين كلاهما ناب ناشب ينتظر تمزيق خارطة الوطن العربي بمساحته الواسعة



يا صديقي .... ،‏

ليس إِلاَّ جوقةُ العشَّاقِ .‏

يأوونَ إِلى مقهىً قديمْ ‏

ليس إِلاَّ عطشُ الصَّحراءِ ،‏

والعشبُ الذي يذوي على أَجفاننا ،‏

وأطفالٌ ،‏

يُسَاقونَ إِلى هذا الجحيمْ .‏

ليس إِلاَّ جرحُنَا المنسيّ في المنفى‏

وما كُناّ ذرفناهُ من الشَّعرِ ،‏

على الشَّعر الَّسقيمْ .‏

ليس إِلاَّ جمرةٌ تنهشُ ،‏

ما ظلَّ من الروحِ ... بوادٍ‏

غير ذي زرعٍ ،‏

وشيطانٌ رجيمْ .‏

وما تماهي الشاعر محمد مقدادي مع الشاعرين أمل دنقل و بدر شاكر السياب إلا لأن كلا الشعراء الثلاثة قد رسموا رؤيا جديدة لواقع مر فالسياب في قصيدته أنشودة المطر توقع برؤياه أن يتحول العراق إلى جوع و غربان وموت و هاهو الواقع العراقي ينبئ أكثر مما سنتحدث

أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود
و يخزنُ البروقَ في السهولِ و الجبال
حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجال
لم تترك الرياحُ من ثمود

في الوادِ من أثر
أكادُ أسمعُ النخيلَ يشربُ المطر
و أسمعُ القرى تئنّ ، و المهاجرين
يصارعون بالمجاذيفِ و بالقلوع
عواصفَ الخليجِ و الرعود ، منشدين
مطر .. مطر .. مطر
وفي العراقِ جوعٌ
وينثرُ الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبعَ الغربانُ و الجراد
و تطحن الشوان و الحجر
رحىً تدورُ في الحقولِ … حولها بشر
مطر
مطر
مطر
وهذا ما قاله السياب قبل خمسين عاماً تقريباً وهو يناظر ما قاله أمل دنقل في نصه لا تصالح الذي أطر فيه لواقع مر سيمر بأجنحته المسمومة على الواقع العربي إنها رؤيا الشاعر الذي أصبح عرافاً لقومه يحمل لهم ما تراه زرقاء اليمامة في واقع مظلم يحتاج فيه المرء إلى الآف المصابيح ليضيء غرفة مظلمة
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
و يبقى أن نقول أن نص ( ليس إلا 00 !! ) لا يعد أن يكون مرثية لسيف ذي حدين حد يمثل ذات الشاعر و حد يتعدى إلى ذات الأمة لأن الشاعر بقي حتى النفس الأخير يتعربش شجرة الحزن العربي المستمرة البكاء و النحيب
كيفَ مَرَّ العمرُ ــ ياصاحِ ــ‏

على عِلاَّتهِ ،‏

وانتبهنا ،‏

حين فَرَّ الوردُ من أكمامنا‏

نضبت خمرتنا ــ الآن ــ‏

وَعَزَّ ... المطلبُ .‏

يا صديقي .‏

كن حزيناً ،‏

فالمدى رحبٌ ،‏

وحزني أرحبُ !‏




&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
قراءة نفسية لسانية في نص صلاة الماء الدارسان : حسين الهنداوي الأديبة /الشاعرة : سها جلال جودت
أرسم في دفتر ذاتي
فارساً يسبح على جسد الماء
يمتطي حروف الأبجدية
كغيمة حبلى
بالنشيد
والضياء
والحياة

أرسم في دفتر ذاتي
حلماً
كتاباً
حباً
ينقر على لدني
بحراك الأشياء

أرسم في دفتر ذاتي
أن شرنقة خرجت
كتبت على لوح القصيدة
لا تستبح حياء الماء
تحت كل سماء
حكاية
وللمواسم
هطول
وحصاد
وانتشاء

أرسم في دفتر ذاتي
أسئلتي
تموج الرئتين
في فضاء المدارات
وصدى الدهشة
ينقلني بين كروم العنب
صفصافة فضية
فالعشق جسد
والحياة جسد
والأرض جسد
والماء جسد

أرسم في دفتر ذاتي
أن الماء يصلي
حين يلتقي عاشقان
أرسم في دفتر ذاتي
أن الماء يهطل
يهطل
وتراتيل الهطول
تصلي كما صلاة الماء


في البحث عن الحياة و الجدة و في استبار مغاور النفس و تلافيف ما تحدثه الصدمات الإنسانية من ارتكاسات على صفحات الأفق الذاتي ينبعث منه صوت الإنسان الذي اخترق آفاق المجــهول على الرغم من كونه يعيش على كوكب أصبح بمتنـــاول الأيـــدي الصغيــرة و إن كانــت الذوات البشرية هي أكثر اتساعاً في الأفق من هذا الكوكب الترابي الذي ما إن نغادره حتى نجد أنفــسنا في أفقه 0
النص الذي بين أيدينا لا نستطيع أن نصنفه في نافذة الشعر الوزنـــي و إن كان البعض أصبـــح يروج لما يسمى بالنص المنثور و لا نريد أن نفتح صـــراعاً حول تناقــضيه كلمة نص شـــــعري و منثور في الوقت نفسه فالشعر على رأي أكثر الناقدين لا بد أن يحمل إيقاعاً خارجياً و داخلياً و قد أشار إلى ذلك ( ووردز وورث ) الشاعر و الناقد الانكليزي الذي ألمح بذكــاء إلى أن مســــألة ( التوقيع ) عند الإنسان هي جزء من كيانه الإنساني الفطري ذلك أن تكوين الإنســــان بحد ذاته رسم العيون و الآذان و الأيدي و حركة المشي و حتــى دقـــات القلـــب هي إيقاعــــات متــميزة و بصمات لكل فرد م الأفراد و نحن نؤكد أن القرآن الكريم قد أشار إلى ذلك حينما ألمح بقولــــه
( ألم نجعل له عينين و لسانا و شفتين ) و قولـــه: ( بلى قادرين على أن نسويَّ بنانه) إلا أن جمالية اللحظة الإيقاعية مرتبطة بجمالية الحس و العقل و هذا يعني أن الإيقاع جزء لا يتجـــزأ من الموسيقى الخارجية و الداخلية و نحن لن نتناول النص إلا بحدود الخاطرة الشعرية 0 إذ أن الكاتبة تلمح منذ البداية و في عنوان النص إلى إيقاعية نص الخاطرة من خلال قولها ( صــــلاة الماء ) و نحن نعرف أن الصلاة هي إيقاع في أحد جوانبها متناظر و لكنها عند شــــــاعرتنا مع الماء يبدو بأشكال يمكن أن تتصورها هطولاً أو سيلاناً أو رذاذاً يتعلق بأوراق الأزهار و الأشجار و الشاعرة إيقاعية أيضاً في تقطيع النص إلى ستة مقاطع كل مقطع يبدأ ( أرسم في دفتر ذاتي ) وهي تعكس رؤية من سبقها من الشعراء في جعل التكرار الإيقاعي في آخر كل مقطع و ليس في أوله و هذا يعني أنها تريد منذ البداية أن تؤكد على طفولة واعدة ترســم على هوامـــش الحــياة و في دفتر الذات ما يخطر في ذاتها و نحن نشدد على كلمة ذات لنؤكد على طفوليـــــة الشــــعـر و الرواية ، فالكاتبة تتمثل نمطي الكتابة الشعري و الروائي و كلا الفنين يعتمد علـــــى ( الحــلم و الطفولة ) و لو أنا أردنا أن نكتشف ما ترسمه هذه الكاتبة في دفتر الذات لما كان ذلك صــــعباً علينا فالدفتر يقرأه القاصي و الداني و ما يكتبه صاحبه على صفحاته يجسد كل ما مر بذاكـــــرة الحدث اليومي لكنه في لمقطع الأول يبدو أن طفل الشاعرة يرسم فارساً يسبح على جسد الماء و هذه نقلة في الخيال إلى عالم مصباح علاء الدين و كأن الشاعرة قد ارتوت من قصص ألف ليلى و ليلى من خيالها و طفلها في المقطع الثاني يرسم شرنقة تتحول إلى كلمات حريرية لكنها تبعث تحذيراً بلون أحمر من خلال ما تكتبه على لوح القصيد ( لا تستبح حياء الماء ) و هنـــــا تبـــدو الشاعرة تريد أن تصور لما الحيوية التي تتجدد في ذاتها كل يوم و التي تجــــاوز حدود الزمـــن المتعلق بعدد أيام عمرها و إن كانت تريد ن تلمح من طرف آخر إلى أن هذه الحيـــــاة ما تــــزال تعيشها على استحياء فهي لم تحقق ما تصبوا إليه أو ترغب به و هنا نعود إلى الطفـــل الحـــالم الذي يريد أن يحقق كل رغباته دون أن تقف الحدود في وجهه 0 نقطة نظام تلتقي مع طموحات الشاعر نزار قباني عندما كان يريد أن يكتشف كل الأشياء و أن يتحول طربوش والده بين يديـه إلى قصيدة دمشقية تقول ما لا يقوله الآخرون و هي المقطع الثالث أقصد طفلها يرسم أســـــئلة يضيق بها مجرى التنفس لأنها تريد أن تنطلق إلى فضاءات المدارات بعيداً عن الكون الأرضــي إلى المجرات حتى تلتقط صدى الدهشة و هذا يعني إن الشاعرة لم تحقق ما تصبوا إليه في رسم ذاتها على صفحات الأيام فهي تعتقد أنها لم تحدث دهشة حقيقية فقط هي صدى دهشة حالمة بين كروم العنب و حائرة في أن تكون صفصافة ليست خضراء و إنما فضية الكون و هذا يشير إلـــى النقاء النفسي الذي تمثله الفطرة الحقيقية للإنسان و هي في المقطع الخامس تؤكد على أنها لــم تلتقي بحلمها إذ أن كل أصحاب الأحلام قد حققوا ما يريدون و هي في المقطع السادس تؤكد فــي دفترها الذي تكتب به ( أن الماء يهطل ) عفواً ( أن الحياة تهطل ) أي الحياة تستمر في هطولهــا اليومي الذي لا نعرف متى يتوقف و لكننا حين نستبر أعماق النص نجد ثلاثيات ترسمهاالشاعرة على صفحات ذاتها و تريد إن تنقلها إلينا (( النشيد و الضياء و الحياة )) (( الحلــــم و الكتـــاب و الحب )) الهطول و الحصاد و الانتشاء )) و لنقرأ سوية ما بين سطور كلمات الشاعرة في هذه الثلاثيات نجد حياة جديدة نبحث عنها و لكنها لا تعثر عليهـــا فالنشـــيد يقابلــه الحلم و الهطـــول والضياء يقابله الكتاب و الحصـــاد و الحـــياة يقابلها الحـــب و الانــتشاء لكنها ترتــكـس حينــما نجد أن : العشق جســـد
الحياة جســـد
الأرض جسـد
الماء جســــد
هي أفعال تجعلنا نستقرأ أن الشاعرة ترى أن المبادلات الحياتية بين النـــاس لا تتعدى الظواهـــر المادية فالعشق و الحياة و الأرض و الماء هي جسد و الجسد مادة و ما تطمح إليه الطفولة التي ترسمها الشاعرة في دفتر ذاتها هي في المحصلة (( الحياة ــ الهطول ــ الانتشاء (( كتاب ترتسم عليه آفاق الحب و الحلم و النشيد 0
و لانعتقد أن الشاعرة قد أضاعت هويتها الحياتية و إن كانت تبحث عن حيـــاة جديــدة من خــلال
( الغيمة الحبلى بالنشيد و الضياء و الحياة و من خلال التراتيل التي تعني تكرار أفعال الشـــاعرة اليومية لتنتقل من جسدية الحياة ماديتها إلى روحانيتها و هنـــا نريـــد أن نؤكــد على أن فراغـــاً روحياً يرتسم في صفحات الذات و هي تحتاج أن تملأه و أنى لها ذلك 0
هذه بعض ارتكاسات التي يرسمها لنا النص نفسياً و يعبر عنها لسانياً بفعل ( ارســــم و تحت كل سماء و تموج الرئتان و هطول التراتيل ) 0 فالشاعرة تبحث عن فجر جديد ترتســــم فيه آفــــاق حياة من نوع آخر لا يمـكن أن تحقـقها خاصــة في هذا الزمــن الصعــب المشاكـس الباحــث عـن اللانتماء و هذا يعني أن الأسئلة ستبقى مشرعة في فضاءات المدارات 0
نحن أمام اختلاط ثقافات ذات أبعاد إنسانية أحياناً وواقعية أحياناً أخرى و لكنها تبحث عن حلـول لا واقعية للحياة و أنظروا معنا إلى صورة الفارس و هو يسبح على جسد الماء و إلى صـــــورة الصفصافة الفضية التي تنغرس بين كروم العنب و إلى تراتيل الهطول و هي تصلــي كما صــلاة الماء صور غامضة تتلاقى أحياناً و تتضاد أحياناً أخرى لتشـــكل كما قلنا حيــــاة جديــدة بأفعـال سريالية تعتمد كما يقول ( اندري بريتون ) على الحلم و الطفولة 0
و الشاعرة ترقى بمفردتها الحلمية إلى مستوى الشفافية و لكنها لا تستجــيب لمبادلات الصــــور البانية التي تعتمد على مناسبة المستعار للمستعار له أحياناً بحيث تبدو الصورة الشعرية و كأنها مسيج غير متجانس في وجه الشبه ، قراءة تحتاج إلى توقف و لكنها لا تقفل باب الرجوع إلــــى النص مرة أخرى










##################
الضياع المثيولوجي و انطواء الذات




قراءة قي قصيدة ( سكة سفر ) للشاعرة ريناد القحطاني
الدارسان : حسين الهنداوي - حاتم قاسم


حينما يختزن اللاشعور انطواءات العلاقات الاجتماعية و حينما تتحول الذات الفاعلة إلى صفحة منفعلة يرسم عليها الزمن حوادثه المتدفقة يقف العقل مشدوهاً أمام الضياع الإنساني الذي بدأه أدم عليه السلام حينما أنزله الله إلى الأرض و أحس بخطيئته إحساسا إنسانياً جعله يبكي ردحاً طويلاً من الزمن و يعيش حالة من الحزن و التفرد على سفره الممتد من السموات العلا إلى الأرض التي لن يستمر عليها إلا سنوات معدودة 0
السفر في ذاكرة الإنسان بشكل عام و في ذاكرة الشعراء بشكل خاص يلقي بظلال حزينة تجعل من الذات قربة ًً من الماء الساكن لا يمكن أن يتدفق إلا بحركة فاعلة 0
و شاعرتنا ريناد تبدأ سفرها الحزين المضني بعبارة صارخة تستنهض كل خزانات الحزن التي يختزنها الإنسان في أعماقه فهي تشتعل منذ مطلع القصيدة بنار حزينة و تلتهب روحها بانفعالات تستدعي الموت كي يحضر ليخلص الشاعرة من شلالات الحزن التي تصب في بحيرة ذاكرتها 0

(( ويل عيني للمسافر000 لا لقي له درب عاثر
هو يصيح بصوت عالي
أو يخليها خـــــــوافــــي
من يقول الموت واحــــد
ما صدق يمكن يكــابــــر
و كلمة ( ويل ) هذه التي تحضر في أي نص شعري تستدعي معها كل الآلام الإنسانية التي أصبحت على مر الأيام سجلاً تاريخياً يسم الإنسان بمرارة العيش و الحرمان و هي تلتقي في نهاية السطر الشعري الأول مع لوحة (( درب عاثر )) لتشكل لنا خطاً بيانياً يرسم واقع الإنسان و همومه على هذه الأرض و من هنا يبدو أن الإنسان الضعيف المختبئ داخل ذات الشاعرة يصرخ بصوت عال و كأنه يريد أن يقول للناس جميعاً : توقفوا عن الحزن و عن إهداء الحزن إلى الآخرين 0
إنها حقيقة المشاعر الإنسانية التي يطلقها الآخرون باتجاهنا بحيث تجعل المنايا و الحكايا و النوايا تشتكي من ظلم الإنسان الذي أصبح يغدر بكل شيء و هل الوقوف عند الحزن و الاكتواء بناره يجدي شيئاً في رأي الشاعرة 000 يمكن أن يكون عناء تستدعيه الذات لكي تعلل لذاتها هذا الحزن المستمر الذي يحط بجناحيه على ذاكرة الإنسان و الشاعرة في رسمها لظاهرة ملايين الناس الذين يعيشون تلك الحالة و الدلالة على ذلك قولها :

(( مو بس أنا 000 مثلي كذا000 مليووووووووون
واحد يشتكي
سكة سفــر
وهل ذلك بسب هذا السفر الذاتي مع الحزن يبقى أن نشير إلى أن الظاهرة النفسية التي تجعل الإنسان يستمرء حالة الحزن و يستجيب لها بشكل ألي توقعه أن حظه في الدنيا هو على هذه الصورة

(( حظي ( كذا )
رغم الريــــاح العاتـيـة
رغم الظروف الماشية
رغم الرمال الزاحفــــة
رغم الشعر و أهل الشعر إلا
( أنـــــا )
و نتوقف هنا لنخالف الشاعرة فيما ذهبت إليه في فهم فلسفة الانفعال الإنساني مع الواقع الحياتي ، فالمفهومات الاجتماعية تستدعي في ذاكرة الذين يعيشون حالة الحزن أن الأقدار هي التي خطت لهم الطريق الحزين و أنهم لا يستطيعون دفع الأقدار و بالتالي لا يستطيعون دفع الحزن و من هنا يكون الحظ ظلاً ملازماً للحزين مع أن الحقيقة القرآنية تشير إلى أن كل إنسان له حظه من السعادة و التعاسة و من الحزن ومن السرور و من الخير و من الشر 0 أما أن ينطوي الفرد تحت إسار الحزن و يبدأ العزف على هذا الوتر فهذا شأن إنساني خاص و ليس شأناً قدرياً فكل إنسان مسؤول عما يفعله أو يعيشه على هذه الأرض 0
و لنتوقف قليلاً عند عبارات أطلقتها الشاعرة لتؤكد لنا أن الحزن ظاهرة ( حظية)
لا يستطيع الإنسان الانفكاك منها 0

رغم الريــــاح العاتـيـة
رغم الظروف الماشية
رغم الرمال الزاحفــــة
رغم الشعر و أهل الشعر


لتؤكد على أن الرياح العاتية هي من صنع الشاعرة نفسها فالحياة فيها نسيم عليل و رياح عاتية و لتؤكد أن الظروف التي سمتها الشاعرة ماشية منها ما هي ظروف تبعث الأمل الإنساني الضاحك و منها ظروف تبعث الحزن الباكي لهذا الإنسان و حقيقة كما تقول الشاعرة أن الرمال زاحفة فهي تشكل كثبان في هذا الاتجاه و كثبان أخرى في اتجاه آخر و هذه سابقة نسجلها لهذه الشاعرة لأنها عبرت من خلال هذه الجملة المجازية أن ما يخلفه القدر على الإنسان يتحول من مكان إلى آخر ومن شخص إلى آخر و إن كانت الشاعرة أدخلت الشعر الذي يمثل العاطفة و الوجدان في معمعان صراع الإنسان مع الظروف الصعبة فالشعراء كما يقول الشاعر الإنكليزي ( شيلي ) : (( مشرعو العالم غير المعترف بهم )) و هذا يعني أن العاطفة زئبقية رجراجة لا تعطي حكماً واقعياً 0
بقي أن نقول أن زفرة الحزن التي أطلقتها الشاعرة ريناد القحطاني و التي اكتنزت بمرارة الواقع هي امتداد لزفرة الحزن عند شاعرة بكاءة كالخنساء أو كسعدى الشمردلية و إن كانت الأولى ( الشاعرة ريناد ) قد عبرت عن ذلك من خلال الشعر النبطي بينما عبرت الخنساء و سعدى الشمردلية عن ذلك بالشعر الفصيح 0

(( هذي عيوني زارقه000
هذي يديني طايحــه000
هذي عظامي باليــه000
و هكذا أعادت الشاعرة إلى دورة الحزن من جديد لتبدأ حركة ديناميكية جديدة في عالم الحزن 0


@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@

















تغريد التركي فضاء شعري انساني

الفهرست الإنساني في قاموس الشعر الشعبي

قراءة في نص ( الأمـــاكـــن ) للشاعرة تغريد التركي/ الكويت
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاســم

الأماكـــن
إنت كل المشاعر 0
ما تبي منك غير0000
وكل الأماكن فيك00
قلــــبي سكنهـــا
كأنك تشك
بقدرك العام
لا هنت شجنها
اسمع قصيدي
عل تفهم
لا شــنـــت
أبشر بقلب ٍ
ينتخي فيك
و لا شانت
طروق الغرام
و لحنها
لا صرت أنا الديوان
باسمك تعنونت
ما ألوم أنا الفهرس
لا ضاق منها
يصعب على الدارس الأدبي في زحمة النصوص الأدبية الفصيحة و الشعبية أن يميز بين ما هو إنساني و ما هو ذاتي خاصة إذا كانت المشاعر التي يعيشها منتــج النص
مسرودة من نسيج تشابكت أبعاده بين الذات و الآخر و الطبيعة 0
ونحن على مشارف نص شعبي خليجي و الشعر الخليجي كما نعرف معظمه يدور في فلك الشعر النبطي يحمل طابعاً خاصاً يميز الذاكرة الشعبية الشعـــــرية في الســاحـــة الخليجية هذه الذاكرة التي احتلت مساحة واسعة وفضاء كبيراً في قامــوس شـــواعر الخليج فمنك و إليك تبرز منعطفات النص الشــــعري الشـــعبي لتقودك بمصابيحهـــا المضيئة أحياناً و المعتمة أحياناً أخرى إلى صحراء قاحلة أحياناً أو إلى بيداء معشبة أحياناً أخرى و غالباً ما تكون بيــــداء النصوص الشــــعبية وهاجـة مشــــرقة ذلك أن ( التناص) الشعري أصبح ظاهرة مألوفة في مساحة شاشة الإنترنت فقد تجـــــــاوزت القصيدة الشعبية حدود المكان و الزمان الذي تنتــــج فيه و أصبــــحت تقرأ باســــتجاباتها العاطفيــــــة
و الشعورية في اللهجة التي يشاؤها القارئ على أية ساحة عربية غربـــــــاً و شرقاً شمالاً و جنوباً 0
و نحن في هذا النص نص ( الأماكـــن ) للشاعرة تغريد التركي نتــــساءل أيضـــاً عن
}الرموز التي تحملها أماكن الشاعرة {
هل هي في ساحات العقل ؟؟؟ !!!
هل هي في صحراء الواقع ؟؟؟ !!!
هل هي في أعماق الشاعرة ؟؟؟ !! أم أنها تلوح متعنونة في ( فهرست ) الديوان الإنساني الذي تخبئه الشاعرة في ذاكرتها 0 و نكاد نجزم أن هذه الرموز هي مفاتيح اللحظة الشعرية التي تدفقت من لاشعور الشــــــاعرة لتصبح كائناً حيــــاً على مساحة الشعور و هذا ما أشار إليه الشـــــــــاعر الإنكليزي ( ت 0 س 0 إليوت ) في نظرية المعادل الموضوعي 000 فكل الأماكن حقاً تضيق أمام الشاعرة إلا مكاناً واحدا إنه ( القلب ) هذا الذي يتحول إلى كون واسع تتحرك فيه عوالم كونــية كبـــيرة و هو على حد قول الشاعر العربي :
و تحسب أنك جرم صغير و فيك انطوى العالم الأكبر
بينما ينطوي فضاء الواقع أمام الشاعرة و يتحول إلى ( سم خياط ) يضيق و يضـــيق لأنه لا يستطيع أن يحقق للشاعرة ما تصبوا إليه أو كما يقول فرويد ) نافذة الإشــباع الغريزي ) الذي يصبح نصاً يعيد إلى الشعر توازنه الواقعي و يزيح عن كاهله كوابيس البحث عن المثل السوبرماني الذي يستنسخه الخيال من واقع مرير 0
إن الشاعرة في استدعاءاتها اللاشعورية التي تبحث عن المثل السوبرماني القيـــــمي الإنساني في الرجولة الواعدة تستدرك نداءات الصمت المطبق حين تتحول إلى أفعـال أمر ٍ تجعل اللامعقول واقعاً إنسانيا ( أبشـــر بقلب ينتخي فيك 0000 ) فالبـــشــــرى و النخوة استجابات إنسانية تفتح أفاق القلب و تحوله إلى كون فســـــيح و أعتقــد أن هذا المعنى عرج عليه شعراء المهجر حين صرخ أبو ماضي ببئر الإنســـانية العميق قائلاً :
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما
و حلاوة إن صار غيرك علقما
أحبب فيغدو الكوخ كوناً نيراً
أبغض فيمسي الكون سجناً مظلما
و ليت الشاعرة منتجت لنا المشاعر التي استولت على ذاكرتها بمســـــاحة أكبر حتى تبدو معانيها أشجاراً خضراء مثمرة باللوز و التين و العنب و الرمان و التفاح 0
و حقيقة إن طروق لواعج الشوق الإنساني تتحول إلى استجابات نصية طيبة تكتبها الشاعرة على صفحات ذاتها ديواناً شعرياً عنوانه تلك الرجولة الحقيقية التي تحـــــلم بها المرأة الشرقية و لكنك تحتاج إلى حبر سري لتستطيع أن تربط بين معانـــي هذه الرسالة الإنسانية التي تبدو حروفها عصافيراً رمادية تبحث عن غصنٍ مـــشرق تغرد على ظلاله 0 أما مفردات ذلك الديوان (الفهرس ) فهي كما تريدها الشاعرة مواقفـــاً ذاتية تنحو باتجاه أفق جديد 0
الأمـــــــاكـــــــن نص يتماهى أمامك أسرابا من البلابل تعانق غيمات يوم ربيــعي تساجله رذاذات الأمطار المتشكلة من خلال غيمة مثقلة بحبات الندى صنعـــت ذاتـــها دون أن تتكئ على ينابيع الآخرين 0
معاني جديدة و لكنها عندما تنبثق نجوماً نارية في الســـــماء تفقد بريقها بســــرعة و تحول إلى شــــهب متناثرة يميناً و شـــــمالاً تشكل في الأفق خــارطة حب مــهزوم ينتظر فارساً من نوع آخر 0 ]


%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%
















ميكانيكية الدهشة
قراءة استكشافية لنص / قلادة الدهشة / للأديبة القاصة : ماجدولين الرفاعي

الدارسان : حاتم قاسم – حسين الهنداوي

نص القصة القصيرة :
قلادة الدهشة


كنت أتابع هبوط الطائرة صوب مدرجها قرب البحر ويكاد يخيل لمن يتابعها أنها سوف تسقط في الماء .
للوصول رعشة مميزة فعندما لامست عجلات الطائرة أرض المدرج إرتعش جسدي بشدة ، لابد أنَّ الوصول إلى مكان كنت ُأحلم بالذهاب إليه هو السبب في هذا الشعور اللذيذ .
كان بانتظاري أقارب وأصدقاء وقد أبدى الجميع استعداهم لتوصيلي إلى مكان إقامتي في هذا البلد .
أتأمل الشوارع والمباني أثناء سير السيارة التي تقلني وكل شئ في هذه المدينة يدلُّ على حضارتها .
ينبغي أن أبدأ جولاتي في المدينة لكي أرى معالمها ، تحسست حقيبتي لأتأكد من وجود الكاميرا .
كل شيء مبهج في هذه المدينة ، سكانها منطلقون ، وجوههم سعيدة وقد شرح لي صديق كيف أتجول وقدم لي خريطة للمدينة محدداً أماكن محطات المترو وأسمائها .
الوقت بالنسبة لي هنا ثمينٌ جدا وعلىَّ ملاحقته بالتجول والتعرف إلى معالم المدينة ولهذا صحوت مبكراً وخرجت ومعي الخريطة إلى أقرب محطة مترو .
اشعر بغربة حقيقية إذا لم أتمكن من السؤال عن أي أمر في بلد لا أتقن لغته وفي المترو جلست على أول مقعد صادفني في فترة الذروة الصباحية هذه التي ينطلق فيها الجميع إلى أعمالهم .
من بين الركاب .. طالعتني عيناه ....
كان يحدِّق بي بطريقة لافتة للنظر ويبدو أنه عربي ولكن هل عرف أنني عربية أم أنني أشبه سيدةً يعرفها ؟
انشغلت عنه بقراءة أسماء المحطات في لوحة مثبتة إلى جانبي وكنت ألقي نظرة سريعة إلى مكانه كلما توقف المترو في محطة لعله يغادر لكن عينيَّ كانتا تلتقيان بعينيه مباشرة .
هاهي المحطة التي أريد .. توقف المترو وبسرعة تسلقت الدرج الصاعد إلى الخارج لكنه استوقفني بلهجة عراقية :
ـ هل أنت عروبية مدام مجد ؟
التفت إليه بنظرة حيرى وأعجبت بفراسته وقدرته على معرفتي .. كيف في بلد كبير وفي هذا الزحام يعرفني ؟
وقبل أن أجيب تابع كلامه : أنا الدكتور عبد الرحمن عراقي ولكني أحمل الجنسية الإنكليزية ثم مد إليَّ بطاقة كتب عليها اسمه وأرقام هواتفه قائلا إنْ احتجتِ إلى شئ مدام مجد أو أي خدمة لا تترددي بالاتصال وأسرع مغادرا المحطة والمكان .
كدتُ أصرخ به ليتوقف ربما لشعوري بالألفة تجاه عربي في بلاد غريبة
وقد تكون حاجتي لدليل يرافقني في التجول في مدينة غريبة ، لكن خجلي وحيائي منعاني من الصراخ .
من هو وكيف عرفني من بين الجميع لقد لفظ اسمي وهذا يدل على معرفة أكيدة .
ألححت على ذاكرتي لعلها تسعفني بتذكره أو باستحضار بعض التفاصيل عن الأماكن المحتمل أن نكون قدا لتقينا بها لكن دون جدوى ولم تغب صورته من ذهني على مدى يومين .
أخيراً قررت أخذ مبادرة تريحني وتجيب عن سؤالي وعلى الهاتف حدد لي موعد لقاء .
تمر الدقائق بطيئة في انتظار وصوله وأخيراً يطلُّ بابتسامته الطيبة ويجلس في الكرسي المقابل ممعنا النظر إلى صدري وابتسامة تعلو شفتيه
مدام مجد أريد أن أسالك سؤالا قبل أن يأخذنا الحديث ؟
هل قلادتك مشغولة في بلدك ؟
بحكم الاعتياد لم أكن أطالع قلادتي ولكنه حين سألني نظرت إليها .
أطرقت إلى المنضدة التي أمامي وقد انتابتني ضحكة هستيرية لم أتمكن من كبحها رغم دهشته الكبيرة ونظرات الناس من حولنا .
قلادتي كانت .. عبارة عن اسمي مكتوباً بالحرف العربي .

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------

إذا كانت القصة القصيرة تصور لنا الواقع باختزال الكلمات فإن مكنونها الداخلي هو أكثر قدرة على طرح المضمون في إطار تتصاعد فيه الأحداث في قالبها الفني الذي يضفي عليها الرمزية الواقعية و تقوم الكاميرا هنا بتصوير الحدث في مونولوج داخلي يطرح شخصيات القصة بأفعال انعكاسية موشورية الأبعاد تسبر النفس و تلج في أعماقها لاسترجاع أحداث الماضي و مزجها بذكريات الحاضر ، فالزمنية تتجاوز حدود الذات و أما المكان فهو حاضر في كل الأفئدة التي تداعى فيها الحدث ليرسم لنا أحداث القصة 0
و النص الذي بين أيدينا / قلادة الدهشة / قصة قصيرة للأديبة القاصة ماجدولين الرفاعي نقف فيه أمام نص قصصي يبشر بظهور قصة قصيرة تتفنن في صياغة تعابير الحدث و ترسم لنا معالمه عبر منهجية درامية تكشف جوانب القوة و جوانب الضعف في سيكولوجية النفس و اختزان ذاكرتها و يتجلى لنا ذلك بالمعطيات السوسيولوجية عندما تخرج الحياة عن طور بساطتها المعتادة لتدخلنا في تقنياتها المعقدة عبر طفرة تكنولوجية نعيشها و أشارت الكاتبة إلى ذلك بقولها : (( كنت أتابع هبوط الطائرة صوب مدرجها قرب البحر )) كانت تعرض لنا شريطاً سينمائيا بمجساتها التي صورت لنا
شوارع المدينة و مبانيها و حضارتها و قدمت لنا خريطة واضحة الأماكن فمحطات المترو تعكس لنا جانبا من جوانبها 000 و أما الذي انطبع بذهن الكاتبة يؤطر الحدث عبر سرد تتوهج فيه الحروف و يلتقي فيه التفكير ليرسم لنا صورة الآخر 000 تمديد اللحظة الزمنية التي تتجاوز حدود المكان بغربتها تبحث عن سؤال صامت يقبع في مخيلتها لتحدث نفسها : (( أشعر بغربة حقيقية إذ لم أتمكن من السؤال عن أي أمر لا أتقن لغته )) و هنا ترصد ملامح الخصوصية بين الشعور بالغربة و لهفة السؤال في بلد ٍ لا تتقن اللغة فيه و هذا شكل تعبيري ترسمه الكاتبة ببعد أفقي يتجاوز حدود الذات إلى عالم اليوم بكل لغطه و صخبه و تعقده 0
و تتصارع الأحداث لترسم لنا معالم الذات التي تبحث عن هواجسها في صورة الآخر 000 لترسم لنا الكاتبة معالم واضحة التقاطع في أبعادها الشاقولية لتوازي بين مستوى الصوت السردي و اللغة المتجانسة للنص و ترسم عبر معالمها تبدل شخصية السارد و المسرود عنه لتتقاطع في نقطة الاهتمام من الناحية الفنية و تشكل بعداً بلاغياً و قد نجحت الكاتبة في تصوير الحدث لتعبر عن ذلك بقولها : (( كان يحدق بي بطريقة لافته للنظر و يبدو أنه عربي )) و لكن سرعان ما تبلور موقفها بالانشغال عنه و أما حدسها فيبقى يرقب الحدث ليتسع في دائرة الضوء ضمن سياقات لغوية منسابة
يتسع فيها الصوت للخصوصية التي تسبر الذات لتعبر عن مكنونها بإيقاع داخلي يتعالى في همس كلمات الكاتبة و هي تقول : (( و كنت ألقي نظرة سريعة إلى مكانه كلما توقف المترو في محطة
لعله يغادر لكن عينيَّ كانتا تلتقيان بعينيه مباشرة )) 0
و هذا الإحساس المفعم بالخلجات النفسية يصعد الحدث بشحنته العاطفية التي تفرغ جل اهتمامها للبعد النفسي في تصوير بل تشخيص الذات و دوافعها الانعكاسية في معرفة الآخر فالشخص الذي يجلس في المترو أثار اهتمامها 00 بل ربما أثارت اهتمامه لسحنتها العربية و تتوجس الكاتبة حروفها لتعبر عن ذلك بقولها (( يبدو أنه عربي و لكن هل عرف نني عربية أم أنني أشبه بسيدة يعرفها )) و هنا يمكن أن نرى إبداع أديبتنا ماجدولين الرفاعي في تجسيدها لمحاكاة نفسية تسبر فيها الحدث لحظة بلحظة و نحن نشعر معها ونتحسس هواجس حروفها التي تشعل المكان بمونولوجية داخلية فالأسلاك الممتدة من هاجس الروح تفيض بعبقها التطفلي بمشهد يرسم عبر لوحتها مكنونات الذات و آفاقها 0
فالبعد النفسي لم يغادر صوتها المتأرجح على حبال الذاكرة المتوقدة بمعرفة المجهول وصوتها من بعيد يردد :
(( التفت إليه بنظرة حيرى و أعجبت بفراسته و قدرته على معرفتي 00 كيف في بلد ٍ كبير و في هذا الزحام يعرفني
تضج الأسئلة التي تعتلي صهوة البوح لدى الكاتبة برغم العباءة التي تسيج جدران ذاكرتها لتخطف الجواب من مكامن الذات و لكن الذاكرة لم تسعفها هذه المرة فتقول :
(( ألححت على ذاكرتي لعلها تسعفني بتذكره أو باستحضار بعض التفاصيل عن الأماكن المحتمل أن نكون قد التقينا بها لكن دون جدوى )) رغبة ملحة تكشف عن مكنونها الإبداعي لأن خيال الصورة و أبعادها و رموزها تتفاعل مع الحدث لتصوغ منه طاقة تعبيرية تعزف على أوتار النفس و أما اللحن فنبراته تعلن بوح صداها فوق حدود الذات لتقرر الكاتبة :
(( أخيراً قررت أخذ مبادرة تريحني و تجيب عن سؤالي على الهاتف حدد لي موعد لقاء )) 0
و هنا ترسم لنا الكاتبة ما يجيش بصدرها من بوح و اعتراف فالدقائق تشعل موجة الانتظار و أما القلب الذي يعلو و يهبط
كموج البحر ينتظر نشيد الضياء ليوزع عاطفة البوح فوق التفاصيل و يرسم من الأماكن حلةً من الرغبات و الرعشات و العواطف 000 يتنامى الحدث و تتلاقى الأزمنة و تشير الكاتبة إلى ذلك بقولها :
(( و يطل بابتسامته الطيبة 000يجلس في الكرسي المقابل )) نسيج من الأنغام و الألحان و نبضة من المشاعر تسدل رواقها على سؤال لاهث تزجيه الكاتبة لصهر بوتقة المشاعر لتبني فيه ذروة الحدث يسألها : (( مدام مجد 000
أريد أن أسألك سؤالاً قبل أن يأخذنا الحديث 00 هل قلادتك مشغولة في بلادك ؟؟؟ ))
و هنا تأخذنا الكاتبة إلى البعد الثالث ( القلادة ) لما فيها من طابع خاص يميز جودتها بأنها شرقية التأصل بفنها و طابعها بل حتى بروحها التي تلامس جذور تراثها الحضاري و أصالتها اليعربية 000 و ارتسام الحرف العربي على قلادتها يؤطر لنا رؤيتها الرمزية لفهم الحضارة عبر طابع فني يرقى بنا معالم الدهشة ليصوغ لنا دينامية واقعية بلغة مبسطة يفهمها الجميع 0
و حين تنظر إلى النص ( قلادة الدهشة ) نظرة فنية يفاجئك ميكانيكية النص المتمفصلة بين البعد الصوتي للقصة و القيم التعبيرية التي باحت بها الكاتبة بسبب انصعاق الذاكرة في سماء مختلفة و فضاء يفتح أشرعة للتعبير عن خلجات النفس فمفردات الكاتبة في هذا النص مفردات تتساوق مع القيم الشعبية التي يتداولها الناس في محطات الصمت و أشرعة الحركة اليومية لتقول الكاتبة (( من هو و كيف عرفني من بين الجميع لقد لفظ اسمي و هذا يدل على معرفة أكيدة ))0
و لو كنا مكان الكاتبة لكان من حقنا أن نقول (( من هو أسئلة حيرى تترامح في ذاتي و تقذف بالآف الأجوبة المتناقضة التي تجعله يبوح باسمي ليدلل على عمق الفراسة التي تطبع جبينه العربي )) 00 معذرة من الكاتبة فاللحظة القصصية هي لحظة صاعقة قد تحمل الإنسان لأن يتكلم عبارات متميزة و هذا هو بالتحديد سر الإبداع فالكاتبة اعتمدت على القيم التعبيرية أكثر من القيم التصويرية و حبذا لو أنها انطلقت بنا على أجنحة خيالها لترسم صورة العروبي ذلك العملاق العظيم الذي استطاع أن يترك بصماته على جبين الزمن مفردات اعتيادية و لكنها جذابة 00 أغفلت صورة الخيال و هذا من حق الكاتبة لأن اللحظة التي استفرغت القاصة قصتها كانت لحظة سيطرت فيها نوازع العاطفة على ميكانيكية المفردات فحجبت العاطفة الصادقة أفق الخيال أمامها و تركت العاطفة نفسها لتتحدث دون أي رقيب (( توقف المترو
و بسرعة تسلقت الدرج الصاعد إلى الخارج لكنه استوقفني )) لا نعتقد إلا أن نوازع العاطفة هي التي تتحدث هنا و ليس
خيال الكاتبة و مع ذلك فإن النهاية التي وصلت إليها الكاتبة كانت مدهشة كعنوان النص / قلادة الدهشة / حيث حلقت بخيالنا في هذه النهاية إلى عظمة المرأة العربية التي لم تكن في العصور السابقة إلا مجداً كما سمتها الكاتبة و إن كانت في هذه الأيام تتحول باتجاهات أخرى مغايرة 0
نص ٌ يحتاج إلى مفصلة أخرى لاستبار الأعماق التالية في فن القصة القصيرة 0























%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%
سها جلال جودت
قراءة انطباعية في رواية ( ذاكرة القلب 000 ذاكرة الروح )
نحن أمام نص أدبي أعظم أبعاده ذاكرة حريرية و لكنها بخيوط حديدية
في انعتاق الروح من أسر المبادلات المعنوية و المادية الناشزة تقفز أمامك انبعاثات الصمت خلف آفاق مطرقة العلاقات الاجتماعية غير المتكافئة 0
يفاجئك في نص القاصة شخصيات متعامدة هما وجهان لعملة واحدة التطلع نفسه و التوجه نفـــسه و الشراسة نفسها و الجشع الجسدي هو واحد 00آفاق عدوانية واحدة و طموحات واحدة 00 إنهما لا يريان من المرأة إلا حسيتها و صورتها الخارجية أما أعماقها فهي لا تهمهــما و لا يمكـن لها أن تتجسد أمامهما إلا ( المرأة المتعة ) ( المرأة المفاتن الجسدية ) ( المرأة الجذابة بشـــكلــها ) و هذه مفردات الواقع الاجتماعي في البعد الثالث لشخصية الرجولة عند بعض الرجال 0
و في النافذة المقابلة هناك امرأة تبحث عن زوجها عن طموحاتها الإنسانية عن بعدها الحقيقي الذي ما يزال مجتمعنا العربي يفتقد كثيراً من معطياته 0 نحن أمام نص أدبي أعظم أبعاده ذاكرة حريرية و لكنها بخيوط حديدية ترسم أبعاده الرجولة غير الواعدة و هذه هي المشكلة 0
تنتظر قدومه على حصـــان أبيـض و لكنها تريده بشخـصية عنــترة العبسي
تنتظر قدومه ليحملها معه إلى عالم مثير من نور أرضه و من برتقـــال طعمه ومن محبة حكمــــته و هذه صورة ما تزال المرأة العربية تختزنها عن الرجولة بمعناها الشـــــفاف و تنســــى أنهـــا في هذا العصر أصبحت مزدوجة الشكل لا ترى في الأنوثة إلا مفاتن و مكاســــــب و ما يفاجئـــــوك أكثر الإرتكاس الذي تعيشه المرأة بعد أن تكتشف أن طموحها و أحلامها أضحت هبـــــــاءً منثورا تماماً كدقيق نثروه على شوك و عليك أن تلتقطه 000 هيهات 000 هيهات 0
النص يرســــم صــــورة معلمـــة تبحث عن ذاتهــــا و تريد أن تحقق وجودها بمشروعية و لكن نصفها الأخر 00 نصف التفاحة الآخــر تختزنــه النرجــسية و الأنانــية و الذاتية و حب إضافة الآخرين للمفضلة الكمبيوترية 0
حقيقة كان شريط الذكريات في نفس رواية النص يرسـم على صفحـــات ذاكرتنا عواطفاً مكدســــة متلبدة كغيوم السماء تبحث عن صفقة كهربائية تمطر روحها كي تسقي نرجســـــاً وورداً أحمــــراً
فسخرته العاطفة التي أحرقت خيال النص و حولته من رواية تتحدث على لسان شخصياتــــها إلى شريط صوتي يقول ما يشاء و كيفما شاء يشد عواطفك و لا يتحرك صوراً أمامك 00 حوار تديره الكاتبة على لسان المتكلم بدل أن تحركه شخصيات القصة فتختفي الكاتبة وراء كل شخصــــية 00 إنها تتحدث عن نفسها ضمن مذكرات رائعة لا تنمو فيها إلا شخصـــــية الكاتبـــــة بينما تتراجــــع الشخصيات الأخرى أمام طرقات عاطفة الأنا المتكلمة و بغض النظر عن بعض الهــــنات الـــــتي جاءت على شكل تعابير شعبية مثل :
( لا تجتمع الماءات مع بعضها )
( وجودها المندغم )
( لتسأله لأول مرة )
( و من دون أن تشعر )
( لأنه من الشطار الحاذقين )
( لا معاذ الله )
فإن النص يطلق في فضائنا استجابات امرأة مطلقة تتسرب إليك ذكرياتها فتخطفك من روحـــك ما آلت إليه عفويتها ووداعتها و فطريتها و عدم فهمها التجريبي أن الحياة تحتوي الكـــثير مــــن الوحوش البشرية الذين لا يفهمون المرأة إلا نهشاً جسدياً 0
لم تفعل الأحداث في النص فعلها الحقيقي ، و الحبكة لم تكن بالمســـتوى المناظــــر للمضمــــون المأساوي الذي تشرنقت داخله كاتبة النص و بالتالي افتقرت مقاطـــع النص إلى عـنصــــر الجذب و التشويق ، فالمسألة التي أثارتها الكاتبة لا تلقى عند الآخـــرين اســـتجابة لأن مدخلات النظـــــام الاجتماعي قد هيأت الآخر للنظر للمرأة على أنها ذات بعد ين :
الأول : بعد يمكن استبداله حين لا يكون مناسباً لمزاحنا
الثاني : نحن لا نحب في المرأة إلا صوتها و شكلها و هذا هو حدود استجابة الرجولة بشكل عــــام و من حقنا على الكاتبة أن تعيد النظر ببعض شخصيات نصها حتى تكون ذات فعالية أكثر 0
ناهيك عن أن تزاخم الأحداث الروائية يحتاج إلى مبادلات اجتماعية فكرية معقدة تفرزها تجمعات مكتظة تفتقد عناصرها القيمة الواعدة 0

حسين علي الهنداوي










&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
المونولوج الداخلي و البحث عن الذات التائهة
قراءة في قصة ( درب أم الدويس ) للقاصة سارة النواف
الدارسان : حسين الهنداوي ــ حاتم قاسم


نص القصة القصيرة : ( درب أم الدويس – الكاتبة : سارة النواف )

درب أم الدويس
تمشي .. تحث الخطى .. تلتصق بالجدار الرطب .. تنصت أكثر .. لعل الصوت يدلها على مصدر الضوء الخافت الذي كلما تدنو منه ويخالجها إحساس أنها وصلت .. تفاجأ أنها لا تزال بعيدة.
نقاط مطرية باردة تهطل على رأسها وكتفيها .. تزاد أحيانا وتكون غزيرة .. وتكاد أحيانا أن تتوقف ..
ترفع عباءتها وتغطي رأسها لتحمي نفسها من البلل ولكن عباءتها تجمع مياه المطر لتسيل على ثوبها فيرتجف بردا جسدها المرتجف خوفا .. رائحة المطر غريبة في البيوت الخربة .. بيوت بلا أسقف أو أبواب أو نوافذ .. بقايا خربة لبيوت كانت ذات يوم عامرة .. قدماها تغوصان في بحيرات المياه الصغيرة التي تملأ الأزقة والمداخل .. مزيج من الطين والوحل يلطخ ساقيها وثيابها .. تتابع السير ..
نباح كلب يليه مواء قطة وأصوات تلاطم وتدافع .
" ما الذي جاء بي إلى هذه الخرابة ؟.. حمقاء .. مجنونة .. لا .. بل الشيطان
الذي يسكن عقلي هو الذي يقود خطاي .. لعنة الله علي وعلى أفكاري "
تتأرجح بين العودة والاستمرار .. تود أن تكشف أمرا فكرت طويلا به " سأستمر .. وليكن ما يكون"
تنتقل بين الغرف .. تستنشق الهواء عله يحمل عطرا .. تتوخى الحرص في خطوتها
فقد تدوس على صدى أنفاس .. تلتفت حولها .. ظلمة حالكة.. لا يبدد سوادها إلا برق يومض لثوان قصيرة .. مزيج من الرهبة والخوف .. أما الفضول فهو في ازدياد كلما دخلت غرفة ولم تجد ضالتها ..
وعند باب خشبي متآكل ، ترددت قبل أن تدفع الباب بيدها الباردة خوفا .. أنين متوجع صدر من الباب القديم .. دلفت إلى الغرفة الرطبة .. جدران متهالكة.. قطرات ماء تتساقط صفراء مصطبغة بلون السقف المتداعي .. رائحة نتنة أزكمتها .. وللحظة فقط انتشر ضوء في الغرفة .. لحظة لا يمكن عدها بالثواني ..
كانت كافية لتلمحها .. امرأة في زاوية الغرفة .. تجلس على حصيرة قديمة بالية .
تراجعت خوفا " أهي شبح ؟.. أم فعلا امرأة .. أم قد تكون من نسج خيالي "
التصقت بالجدار الرطب.. أحست بوخز الأحجار في ظهرها .. لم تأبه .. فهاهي الآن في نقطة اللاعودة .. " سأنتظر حتى يومض البرق مرة أخرى لأتبين إن "
لم تكمل حديثها لنفسها حين سمعت صوتا هامسا يقول لها " ما بك .. هل أنت خائفة؟؟"
تلعثمت " لا.. نعم .. أنا خائفة .. أنا .. من أنت؟"
أجابتها بمرح" هيا لاتخشي شيئا .. تقدمي ….. واعذريني فأنا لا أملك من أمور الضيافة شيء ..
ما رأيك هل تشاركيني الجلوس على الحصيرة "
تقدمت نحوها ولكنها فضلت أن تبقى بعيدة نوعا ما .. جلست على قطعة خشب رطبة
في حين سألتها " حسنا .. من أنت ولم أتيت إلى هنا ؟"
" كنت .. كنت .. أبحث .. ربما عنك"
" تبحثين عني؟؟.. ولم ؟؟ في مثل هذه الليلة .. الكل يختبئ في بيته حيث الدفء والراحة ..
حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران .. وأنت تخرجين للبحث عني ؟"
سكتت لحظة ثم أردفت بخبث " آه .. نعم .. نعم .. هل غاب عنك شخص معين "
أجابتها لتنفي عن نفسها تهمة " لا.. أود أن أعرف عنك ومنك أمور كثيرة"
" أمرك غريب " قالت لها " الرجال عادة هم الذين يبحثون وليس النساء "
اقتربت منها أكثر وهي تحرك قطعة الخشب تحتها .. صوتها .. حديثها .. هي كلها تزيد من جذوة نار الفضول .. تزداد رغبة في الاقتراب لمعرفة من تكون .. مم هي "
تباغتها بسؤال " ألست خائفة الآن؟"
" نعم .. لا.. لا.. فأنا أعلم أنك لا تؤذين النساء .. فقط الرجال لذلك أتيت "
ضحكت بصوت عال وسرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفة المتهالكة ....
أحست ببرودة شديدة .. بلعت ريقا جف في حلقها وقالت بصوت متردد " هل أنت هي؟"
" هي .. من تقصدين؟"
" اقصد .. اقصد "
" ها .. تقصدين .. أم الدويس .. نعم أنا هي "
تنظر إليها .. صوتها الدافئ يبعث الشجاعة في عروقها .. تردد لنفسها " هذه المرأة ..
بشكلها المثير للشفقة والاشمئزاز .. هي أم الدويس "
تمعن النظر .. إلى وجهها .. صدرها .. ساقيها الممتدتان على الحصير .. ملابسها الرثة
.. وبعد تردد تقول " أنت امرأة عادية"
" لا.. لست امرأة عادية .. بل أقل من ذلك .. انظري إلي .. وتمعني في ملامحي "
تحاول أن تميز ملامحها .. يومض البرق .. تسري الرعشة في أطرافها ..
تعود إلى الخلف خائفة .." ما بك " تسألها المرأة ..فتجيب بعد تردد قصير " لاشيء .. أنت . أنت ما بك؟.. هل أنت مريضة .. هل تعرضت لحرق أو .."
تقاطعها " لا.. هذه أنا .. وهذا هو وجهي .. هذا هو شكلي "
فتقول الأخرى" ولكن .. يتناقل الناس عنك حديثا لا ينتهي .. ضياء في وجهك .. عيناك الصافيتان
.. رائحة عطرك وشذاك .. الذي تنقله النسائم عبر الحواري والأزقة .. وتلتقطه الأنوف فتسلب الألباب .. وكلما صددت عن الرجال .. ازدادوا إصرارا على متابعتك .. و "
قاطعتها بحدة " يكفي .. هذا كله هراء .. هاأنا أمامك .. هيا .. انظري إلي ما ترين ؟"
" ولكن "
" لا تقولي .. ولكن .. هيا تقدمي وانظري إلي "
" لكن الرجال الذين لم يتبعوك قالوا عنك ذلك …وأما الرجال الذين أغويتهم .. فأنت "
تقاطعها بنفس الحدة " لم أقتلهم .. ولم اخطفهم .. هم الذين يجرون وراء الأوهام"
تزدرد ريقها بصعوبة بعد أن تطايرت جوانحها هلعا " أتقولين وهم ؟"
" نعم .. وهم .. كل يضيف إلى شخصي ما يريد .. لوحة لم يكملها الرسام .. وكل يضيف مايعحبه
.. الكل يراني كما يريد وليس كما أنا . حين يرونني في الأزقة المظلمة .. أكون كما تريني الآن ..
ولكنهم يعمون عن ذلك .. أعماقهم المريضة ترسم لهم صورتي انعكاسا لما في نفوسهم ..
هيا قولي ما تشمين الآن "
لا تجيب فهي غير مصدقة
فتكمل الأخرى" أتعرفين ما تشمين ؟.. رائحة المطر بعد أن يتخلل الجدار النتن .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وبقايا الكلاب والقطط الضالة .. انظري حولك وتفحصي هذه الغرفة الحقيرة.
. رائحة هذا المكان هو رائحتي .. وتقولين عطر .. أي عطر هذا "
تقول لها بصوت واهن " ولكن كيف يشم الرجال رائحة عطرك الفواح "
أجابتها بهدوء " كما قلت لك .. كل شيء في خيالهم المريض .. وحين يأتي أحدهم ..
ليس لأني طلبت منه .. بل لأنه هو يريد ذلك ..يفسر وقفتي بأنها دعوة صامتة ..
نظراتي بأنها إيماءة مني لأثير رغبته .. أي حركة أو لفتة .. هي دعوة مني له "
يبدأ الفضول ينمو مرة أخرى " ولكن .. لم كل هذا الحديث عنك ؟"
تقول بمرح " أتصدقين أن من يتحدث عني بهذه المبالغة .. هن النساء وليس الرجال ..
كل من فقدت أحدا .. أخذته أم الدويس .. كذبة صغيرة وكما يكبر الناس كبرت على مدى الأيام..
وحملت الكثير من الصفات غير الحقيقية "
" هل تقتلينهم ؟؟ "
تجيب بملل " هاأنت تعودين من حيث أتيت .. ما بك تهتمين بهذه النقطة .. أنا لاأقتل أحدا وان كنت فقدت أحدهم فلست بقاتلته .. أف .. "
يعم السكوت المكان .. إلا من صدى تساقط حبات المطر الخفيفة على وعاء معدني قديم
.." اسمعي .. حين يقترب مني أحدهم .. يصدم أنه كان يتبع سرابا .. وأن الصورة التي رسمها عنده هو فقط .. عندئذ تتبخر الهالة التي يكون قد رسمها لنفسه .. يصبح عاريا أمامها .. ويأبى العودة ..
حتى لا يرى الآخرون نفسه عارية ….. كما رآها هو"
تقف وتنفض المياه عن نفسها وتتجه خارجة من الغرفة " هيا .. توقف المطر .. عودي إلى منزلك.
. وابحثي عن غائبك في مكان آخر "
تصلح من شأن عباءتها .. تخرج متعثرة بالأوحال التي علقت بعباءتها وثوبها ..
ترتجف يداها محاولة الإمساك بالعباءة مانعة إياها من التزحزح عن رأسها ..
تستعجل الوصول الى الدار .. وفي احدى الحواري ..يصطدم بها أحد الرجال .. يتركها مهرولا إلى نهاية الزقاق .. تلتفت وراءها فتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية .. تستنشق الهواء .. تملأ رئتيها باحثة عن عطر .. تهز رأسها أسفا " لا عطر .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وقاذورات الزقاق
" تطارد الرجل بعينيها ..
تبتسم بمكر وتكمل طريقها .


الدراسة النقدية :

البحث عن الذات انطواء إنساني لازم الإنسان منذ وجوده الأول فهو انطلاق نحــو المجهول و تمحور في دائرة المعلوم و استكناه لأعماق النفس الذي منذ أن هبطت إلى الأرض و هي تبحث عن كيانها و ذاتها ووجودهـــا فلإنسان بطبيعتــه مخلوق طارئ على هذه الأرض و لكنه يحاول التشبث بفكرة البقاء التي جســـدتها الأديان إلى خلود بحسب العمل 0
( درب أم الدويس ) بحث مضني من الكاتبة عن الذات التائهة في تلافيف اللاشعور و في أعماق اللاوعي الذي اختزن الآخر مخلوقاً يتصور وجوده مزاحمـــا له فبـين ( أم الدويس ) الحقيقة و ( أم الدويس ) الخيال يقف الإنسان حائراً باحثاً عن الوجود الحقيقي و الكاتبة سارة النواف في نصها هذا تحاول أن تخرج الأسطورة الشعبية من قمقمها لتحولها إلى واقع اجتماعي إنساني يعكس صورة الإنسان في ذروة مجده 0 فأم الدويس في العقل الباطن لكل إنسان يعيش في أرض الخليج امرأة ساحرة جميلة معطارة يتشهى الرجال التقائها و محادثتها و ( أم الدويس ) في العقل الوعي هي المرأة التي تفجؤك بعيون قطة مخيفة مرعبة و بساقين منجليين يستطيعان قطع الرؤوس و إذا كنا سنتجاوز الحكاية الشعبية الخليجية التي ترسم صورة ( أم الدويس ) بشكلها الأسطوري لننتقل إلى ( أم الدويس ) التي أنشأتها الكاتبة سارة النواف شخصية جديدة تنعكس صورتها في مرآة الواقع فتظهر المرآة لنا صورتين متناقضتين :
الأولى : صورة المرأة الفتاة الجميلة في ريعان أنوثتها و شبابها حيث تبدو زهرة فواحة و قمراً جميلاً و شمساً مشرقة و أنوثة ٌ يشتاق لقاءها الرجال فهي السحر الجذاب الذي يجعل الواقع حلماً و خيالاً جميلاً رائعاً 0
الثانية : صورة المرأة في غياب شمس الجمال عنها و تحولها إلى أنثى ذات عمل بعيدة عن الأعمال الجمالية فاقدة لشبابها و لجمالها و لأنوثتها الراعفة بسبب تراكم السنوات و هذا ما تعرفه المرأة بشكل خاص أكثر من الرجل لأنها تبقى تقف أمام مرآتها صغيرة 00شابة00 كهلة 00 و عجوزاً ، قد تبدو في النتيجة شمطاء 0
إذن صورة المرآة على حقيقتها تعرفها المرآة نفسها و هذا بالذات ما تشكوا منه المرأة بعد تراكم السنين 0
لقد استطاعت الكاتبة سارة النواف أن تجري ( حواراً داخلياً = مونولوج ) بين شخصية المرأة في شبابها و شيخوختها لتبرز حقيقة الجمال الزائل الذي يحول على مر السنين و يضائل بحيث يبدو الجميل قبيحاً و الحسن غير مستساغ بلغة شفافة تحمل في آفاقها و حياً لمعاني أكبر من الكلمات التي رسمت تلك الواقعة و تصوروا معنا ( نقطة اللاعودة ) التي رسمتها الكاتبة في تلافيف قصتها :
(( تبحثين عني ؟؟؟ 000 ولم ؟؟؟ في مثل هذه الليلة 00 الكل يختبئ في بيته 0000 حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران )) 0
كما أن اللغة التي نقلت لنا هذه الواقعة ارتقت بنا من صدى الحروف إلى أصوات الطبيعة حيث تحول ضحك هذه العجوز الشمطاء إلى صوت يشبه صوت انفجار الرعد (( ضحكت بصوت ٍ عال و سرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفة المتهالكة )) 0
و هذا يعني لو ذهبنا نستنطق لاوعي الكاتبة أن إيذان تحول المرأة من مرحلة الشباب إلى مرحلة الشيخوخة يعني تحول الكون و الطبيعة و غضب هذه الطبيعة تعاطفاً مع هذه المرأة التي هي في الحقيقة هي سر الوجود و سر الجمال على هذه الأرض و هذا يذكرنا بصوت الشعراء الجوالين في اسبانيا و بصوت الطبيعة التي تعاطفت مع ابن زيدون بعد أن حدثت القطيعة بينه و بين ولادة بنت المستكفي ، ن بحث الكاتبة عن حقيقة الخلود على هذه الأرض جعلها تتقمص شخصية ( أم الدويس ) نفسها تبحث عن ذاتها ممثلة المرأة بصورتها العامة على هذه الأرض و كأن انطفاء الربيع و عودة الخريف عند أي امرأة يجعلها تصطدم بواقع مُر فتسجل الوصول إلى الدار 000 و في إحدى الحواري يصطدم بها أحد الرجال يتركها مهرولاً إلى نهاية الزقاق 000تلتفت وراءها فتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية 000 تستنشق الهواء 000تملأ رئتيها باحثة عن عطر000تهز رأسها أسفاً لا عطر 000رائحة المياه المختلطة بالأوحال و قذرات الزقاق تطارد الرجل بعينيها تبتسم بمكر و تكمل الطريق )) 0
لقد وفقت الكاتبة في رسم صورة المرأة في ربيعها و خريفها محمولة على جناح عنصر التشويق الذي رفع النص إلى مكانة سامقة و إن وقعت الكاتبة في ثلاثة هنات حبذا لو رجعت إليها :
- (( تمعن النظر 00إلى وجهها 00 صدرها 00ساقيها الممتدتان على الحصير ))
و الصحيح الممتدتين0
- (( تقف بنفس الهيئة المزرية )) و الصحيح : تقف بالهيئة المزرية نفسها0
- (( تقاطعها بنفس الحدة )) و الصحيح : تقاطعها بالحدة نفسها 0
و كل هذا لا يفقد النص جماليته الرائعة التي يقف فيها القارئ أمام كاتبة متمرسة
في الفن القصصي 0


%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%5









قراءة سيكولوجية في بوح الهمسات النفسية
في نص / شرنقة مزقت رعشتي / للشاعرة : سمر سليم الزريعي
الدارسان : حاتم قاسم ـــ حسين الهنداوي

قصيدة النثر كما يسمونها أو كما تتراءى لنا نص لا تعتمد القافية و هي تحمل في نبضاتها ما يختلج في الوجدان لتنبض بتصوير رمزي و إيحائي يفرغه الشاعر على أرض الواقع من خلال مخزون ارثه الثقافي ، فالشكل الشعري الجديد يبدأ من الكلمة و مدلولاتها و إيقاعها ليأخذنا نسبح في عالم الصورة التعبيرية و الرمز و سائر ضروب الإيحاء اللفظي و مدلولاته الكامنة في مناخات اللغة و الموسيقا التي تلون النص بإيقاعها الدافئ تضفي عليه رونقاً جديداً و هذا ما يفتقده قالب الشعر النثري مع الاحتفاظ بسمته الأدبية 0
و النص الذي بين أيدينا بعنوان : / شرنقة مزقت رعشتي / للشاعرة سمر سليم الزريعي هو أحد نصوص النثر فالعنوان يرسم لوحة على جدار الذات ليسبر مغاورها و يتوجس أنفاسها الصاعدة التي تبوح برعشتها 000 لوحة ترتسم مع أمواج البحر لتتلاقى مع أصداء الذات عبر الأنفاس المتبرعمة في شطآن الوهم و الحقيقة 00 وهمٌ يركض حافياً يرتدي الخطوات لكنه يشرق من انفعالاتها حلمٌ طفولي فيه براءة القرنفل و نقاوة الياسمين بولادة جديدة و حلم جديد

(( أيها البحر الغريق
امض لليلي 000
لتعبر الأنفاس المتبرعمة
و سأرتديك لأمحو خطواتها مني
فأشرقت منك
طفلة تتشكل من جديد ))
حركة ديناميكية مستمرة تكسر أعتاب صمتها ببوح السكون لتقف عند حدود الذات ترسم حروفها المائية التي تحمل حيوية متدفقة من شعورها الصادق الباحث عن ظل
واعد في ليل الحياة المظلم 000 إنها انطلاقة جديدة ترسمها الشاعرة بحروفها الملتهبة 000 و همسة راعفة تزجيها إلى أسلاك القلب التائهة في مغاور النفس التي تبحث عن أنفاس جديدة ترتقي بحلمها من عتمة الليل و الوحدة إلى نافذة الهمسات التي تشرق منها بوحاً جديد 0

(( فكل الحروف مائية
حطت بخيلها في أضلعي
تحررني
لتجمع ماءك
من عتمتي 000
فيمضغني السواد بوحدتي
عند أبواب همساتك ))

لكن التدفق الحيوي في لغة الشاعرة لم يقرع باب اليأس بل فتح نافذة الأمل للربيع الذي يجدد الحياة بنسغ ٍ يخضوري يورق في كأس ورد الحبيب يعطر ليل الماضي :
(( استدعي الربيع الآن
ليلتهم فراشة حنطتها 000
بغرفتــي
في كأس ورك ))

و تبقى زفرات الصورة تنقلنا بألوان طيفها قوس قزح يقرأ فنجان قهوتها من رئة ممتلئة بحصى الأنفاس الهاربة من أطياف وحدتها إلى عالم واقعها تاركة أنفاسها المتعبة و صمت وحدتها و أحلامها الخرافية تنكسر على أمواج زرقة البحر لتنقلنا عبر جواز مرور إلى أفق ممتد ٍ في فضاءات رحبة تعلن ميلاد ساعة الصفر 00
الشاعرة باحت بصمتها و بلغتها الوجدانية أفاقاً تخترق حاجز الذات لتسبر معالمه و جعلت من لوحتها البحرية الغريقة في عالم الوجدان رموزاً تولد ُ في كائناتها لتغدو عنصراً فاعلاً في لوحتها 000
( فالبحر الغريق و الأنفاس المتبرعمة ) صور ٌ تتعدى سكون الحركات لتدخل أعماق الذات 0
صورتان متلازمتان ( غرق وولادة ) و لأن عجلة العمر الكوني لا ترجع إلى الوراء ندرك أن بعد الموت ولادة و حياة جديدة 0
فتمتشق من مفرداتها قاموساً ذاتياً يحتوي خصوصية تلقائية ترسم لوحتها في جسم القصيدة فتعابير مثل ( بجوفي – عتمتي – لملمني – برعدي – في رئتي – في يدي )
كائنات حسية ترسم لوحة الذات و تعبر عنها بل تغوص في أعماقها لتسبر بمفرداتها جمالية اللوحة 0 فالوهج و الإحساس الصادق لدى الشاعرة يسبر مغاور نفسها عبر انغماسه في الواقع الحياتي و هذا ما عبرت عنه جلياً في مفرداتها :

(( بنضج الليل عند اشتهائي
احتسي قراءتي لفنجاني ))

نبض صادق يتعالى في صراع مع حواس الجسد لينطلق في أفق الوعي اللامحدود
بخصوبته المترامية في الأفق الطلق يبحث عن معالم جديدة لحلم جديد 0
و من هنا يبدو لنا أن العزف على أوتار قصيدة النثر يحتاج إلى قوة تخزينية للصورة الشعرية بحيث تدهشك معالمها دهشة ً تنقلك دفعة واحدة إلى عالم آخر كما و تحتاج إلى لغة مختزلة ترتقي مفرداتها إلى قاموس ينقلك عبر أثير روح الكلمات ليرسم أبعاد الهدف الذي تتحدث عنه القصيدة 0
هدفان متكاملان و متسارعان في الوصول بالقارئ إلى اللحظة الشعرية الفطرية التي تبعث في النفس حقيقتها ( الصورة الشعرية – اللغة الشعرية ) و كم نتمنى من كتابنا المعاصرين الذين يمتطون صهوة هذا الجنس الأدبي أن يعوا أن حصان الشعر حصان مشاكس يحتاج إلى فارس ٍ ماهر يقوده من صحارى الكلمات إلى واحات الوجدان الشعري الخالص 0
حاتم قاسم ـــ حسين الهنداوي



&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
أبعاد الذكريات في الآفاق النفسية
في نص الطيور المهاجرة للقاصة : البتول المحجوب/ المغرب
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم

الطيور المهاجرة

البتول المحجوب::.
29 أبريل 2006
أتذكرين انسياب أنغام عود..أتذكرين القاعة العتيقة
والجدران المطلية..؟كنا معا. !.
وضعت معطفها ذاك المساء الممطر على كتفها ،ذهبت لحضور أمسية.القاعة عتيقة، جدرانها مطلية بطلاء تعبر عن مرور أجيالا وأجيالا.. كراسي تسمع أنينها عند الجلوس..جلس قربها شعرت قرب أنفاسه منها..تذكرت ذاك المساء الماطر وأنغام عود حزين..تذكرت القاعة العتيقة..والجدران المطلية فهل تذكر ذالك..؟
..غادرت القاعة بعد أمسية شعرية وعزفا حزينا يصحبها، وقفت تنتظر مرور سيارة أجرة..رذاذ المطر المتساقط ينعش روحها الحزينة،التفت بمعطفها الأسود اتقاء قطرات عابرة..أوقف السيارة قربها..فتح الباب قائلا:
-تفضلي..الجو بارد..تأخر الوقت ..قد يطول انتظارك دون مرور سيارة. ترددت لحظة، بادرت بالركوب..جلست قربه دون كلمة..أدار شريط موسيقي لكسر الصمت المطبق بينهما..أنغام عود تعشق سماعه ..غابت مع أنغام العود الحزين..أحست دفء كفه وهو يلف يديها الباردتين..شعر بارتعاشها..
-ما بك ترتعشين…؟البرد..؟ردت بصوت لايكاد يسمع:
-بلى البرد قارس ..هذه الليلة.لفظت هاته الكلمات لتهرب من سؤاله..نزع معطفه ووضعه على كتفيها رغم أنها ترتدي معطفا لكنه شفاف على حد زعمه..شعرت دفء أنفاسه وهو يلفها بالمعطف..أخذ كفيها الباردتين ووضع عليهما قبلة من شفتيه المحمومتين علّه يزرع الدفء والحب في قلبها الجريح..لم تنبس ببنت شفة طيلة الطريق ..الغصة في الحلق تخنقها،الدمعة المتدفقة من مقلتيها،الجرح غائر وعميق. لالمسة كفه الدافئ ولاقبلة شفتيه زرعتا الدفء في قلب مسكون بحزن كربلائي..مثقل بهم محير.. وسؤال قلق..
اقترب منها أكثر أمسك يديها، حدق في عينيها طويلا ثم زفر قائلا:
-..عينان حزينتان هذا المساء..مايحزنك يا صغيرتي..انغام عود طالما عشقنا سماعه معا..ألن تتحررمن قيد ذاك الزائر الحزين النظرات..اماحان لك أن تنسي اوتتناسي..
نظرت إليه بصمت، رددت في داخلها كيف تنسى أو حتى تتناسى..كيف تنسى حزنكما الجميل معا..حزنا جمعكما طويلا..فرح وهم مشترك قاسمتها..وهاهي الأقدار تفرقكما من جديد..كل في سبيل وأكثر السبل حزنا ومرارة سبيلها..
يسود الصمت بينهما ..أيعاتب القدر الذي فرقهما..أم يعاتب أنفسهما..؟أي حظ هذا وأية صدفة جعلتني التقي به..؟رددت هاته العبارة تلوم نفسها.. أي قدر ساقني لتلك الأمسية..؟ لنلتقي من جديد..يفرقنا الزمن..ويجمعنا في قاعة عتيقة عبر أمسية دافئة بنغمات اوتارعود حزين ليزرع الدفء في مساء ماطر..يلفنا الصمت من جديد ..يتذكرها..يتذكر أنثى القلق..أنثى الحلم الجميل أنثى السؤال القلق..أنثى الحلم المغتال..يتذكر يوما غضب منها قائلا:
-ستقضين عمرك تبحثين عن سراب..
تبحثين عن ملامح ضبابية القسمات..رحلت عنك تلك الملامح يوم الجمعة الحزين..وبقيت تنتظرين..وتنتظرين،آلا تمل الانتظار..أم تراك الفته..؟
..ياأنثى القلق..والحلم الجميل..افتقدك، افتقد دفء أيام مضت..افتقد بسمتك المشرقة..احلم معك..بعالمك النقي..أتذكرك ألان..عبر انسياب انغام عود وترية..فهل تذكرين ؟أتذكرين القاعة العتيقة والجدران المطلية فهل تذكري…؟
البتول المحجوب-طنطان-



أبعاد الذكريات في الآفاق النفسية
في نص الطيور المهاجرة للقاصة : البتول المحجوب/ المغرب
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم
حينما تتحول الأجنحة إلى بساط ريح أخضر يعبر آفـاق المجهــول و تخـتزل اللحظات المدهشة في همسة ٍ مهاجرة تبعث في النفس ذكريات عميقة تنقل إليك سعف الصمت و أغنيات الحنين و شوق اللاشعور و استبطان العقل الباطن ليرســــم الإنسان عالمه الآخر عبر مساء ٍ ممطر تزينه قطرات الندى التي ينفعل الخير من رذاذها العطر 0
تتمحور قصة الطيور المهاجرة في أعماق لاشعور القاصة البتول المحجوب من خلال مفكرة ٍ عميقة الأبعاد ذات انكســــارات ممتدة تفتــح منها نافذة واحدة تتســـع لعينين تنظران إلى آفاق المجهول المعلوم في الذات إنه شـعور الصمت حين تتدفق الذكريات حاملة ً معها لوعة الشوق و حنين الدفء ذلك أن برودة الجو جعلت أنفـــاس الكاتبة تملأ الكون رذاذاً ملتهباً بالشوق و كأن هدوء الليل المخيم فوق الذاكرة يفتح صفحــة جديدة في آفاق مجهول الحب الإنساني الذي يريد أن تنطبع معالمه فوق الجبين واقعاً حقيقياً 0
القصة عند الكاتبــة تحولــت إلــى نافذة لا تتســع إلا لموقفين اثنـين كلاهما يبحث عن موطأ قدم في ساحة اللاشعور عند الآخر و يأتي المســـاء الحـــزين البارد ليؤكد على حميمية العاطفة الملتهبة في أعماق النفــس تلك هي مشــــكلة القصة النســـائية التي تحولت في عصرنا إلى سيرة ذاتية ترسم الكاتبة من خلالها موقفاً خاصـــاً يفتقد إلـــى العقدة و يفتقد إلى تأزم الحدث بحيث يجعلك تتناسى من خلال اللغة الشاعرية المعبرة الموحية أنك تقرأ قصة شعرية هذه اللغة تجعلك تؤكد من خلال مفرداتــها المتســاوقة عبر آفاق الربيع الأخضر تجعلك تعيش حالة شعرية و ما أجمل أن يتداخل الشــعر في فن القصة القصيرة 0
قصة تقترض من الشعر لغته الفنية فتنقل القارئ من نص قصصي إلى نص شعري 0 و لو أنك تصفحت هذه الأمسية الشعرية أو قل اللغة الشعرية في القصة لوجدت عزفاً حزيناً يصحبها و لسمعت إلى شريط موسيقي يكسر أعتابها و لأحسست دفء الحنين الإنساني الذي يلف اليدين الباردتين 0
البتول المحجوب محطة من محطات الذكريات التي ترتســـم ســيرة ذاتية تعبرُ محيط الصمت باحثة عن قوافل التوابل القصصية لترتســم وردة بيضـــاء على جبين الأدب

حسين الهنداوي
حــاتم قاســـــــم
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

ريم أبو عيد تبحث عن هوية مفقودة
قراءة فنية لنص قصصي
( يوم شتاء بارد )

استيقظت كعادتها مبكراً ،في ذات يوم من أيام الشتاء الذي تحبه لشعورها أن فيه شيئاً منها .. أطلت من النافذة و جالت ببصرها نحو السماء الملبدة بالغيوم ،ذكرها هذا المناخ بمناخ حياتها المعتم ، القاتم .. تساقطت دمعة من عينيها العسليتين ، سرعان ما انتبهت لها فمسحتها بطرف إصبعها الرفيع قبل أن تنحدر على خدها المخملي .. و أعادت النظر إلى السماء التي تكاثفت فيها السحب ، معلنة عن بدء هطول المطر .. وما هي إلا لحظات حتى بدأ المطر في الهطول و مع كل حبة مطر تسقط على الأرض كانت تخرج منها زفرة أسى على أيام عمرها المتساقطات كما المطر، وأوراق الشجر في الخريف .. مرت أيامها سريعاً أمام عينها كشريط سينمائي اختلطت فيه الصور و الأحداث والأشخاص .. فتاهت الملامح في ذاكرتها التي تحمل كماً هائلاً من الذكريات الأليمة المرة .. كمرارة حياتها و أيامها .. و لكنها ككل مرة طردت من مخيلتها الذكريات والأشباح التي تتراقص دوماً أمامها فتشعرها بخوف مجهول ..تساءلت بهمسة خافته مكتومة : "هل شعرت يوماً بالأمان؟؟" هزت رأسها يمينة و يسرة في دلالة على النفي، تركت النافذة و ذهبت لتعد فنجان القهوة الذي اعتادت أن تشربه كل صباح وحدها .. فهي دائماً وحدها حتى و إن كانت بين الناس .. انتهت من إعداد القهوة ، كان البخار يتصاعد من الفنجان ، بينما كانت تسير بخطى ركيكة ، باتجاه الشرفة .. ابتسمت ابتسامة خالت لها أنها بلا معنى ..في الوقت الذي أحست فيه بأن هذا الطقس الصباحي هو الشيء الوحيد الذي أصبحت تشعر بطعمه و مذاقه في هذه الحياة ..جلست على الكرسي الهزاز أمام الشرفة ، أسندت رأسها إلى المركى ، معلنة حالة صمت مطبق ،حيث ذهبت بعيداً بخيالها و بدأت في التأرجح بالكرسي في حركات خفيفة هادئة .. تماما كما أيامها ، إذ تتأرجح بها ما بين صعود و هبوط ، بفارق أن تأرجحها أشد عنفاً لدرجة أنه كان يهز كيانها ويكاد يفجره ..رشفت من القهوة بهدوء كعادتها .. فهي اعتادت أن ترتشف قهوتها بهدوء لتستشعر مذاقها على مهل .. و رائحة البن تملأ أنفها .. فابتسمت ابتسامة أخرى يلازمها نفس الشعور بأن لا معنى ولا سبب لها.. وكانت في هذه الأثناء تضغط براحتيها الصغيرتين على فنجانها ، معلنة بذلك تمسكها الشديد به ، لكونه من أعز طقوسها ، وفي ذلك قناعة على نحو ما بأنه الوحيد الذي تحبه و تستطيع أن تحتفظ به لكونه الشيء الوحيد في هذه الحياة مباحا لها أن تشعر تجاهه بمشاعر الحب .. ولكن سرعان ما خفتت فرحتها الخفية ليحل الوجوم .. حيث دون سابق إنذار طفقت في البكاء .. بكاء هادئ صامت ..استسلمت له.. فهو الرفيق الوحيد لها في هذه الغربة الموحشة .. وهو الصديق في صحرائها القاحلة .. بكت لحد عدم قدرتها على إكمال فنجان قهوتها .. وضعته جانباً و دفنت رأسها الصغير بين راحتيها تاركة دموعها تنهمر بغزارة كما المطر المتساقط من السماء ..ثم رفعت رأسها بعد أن هدأت قليلاً .. نظرت حولها و انفلتت منها ضحكة ساخرة .. متسائلة في داخلها : "أهذا هو المآل، نهاية حياة حافلة بالمعاناة .. أربع جدران موحشة وغربة ووحدة .." كم كانت الأيام قاسية معها منذ أن كانت صغيرة .. لم تعش كواحدة من قريناتها الأطفال في دفء وحنان وأمان .. كانت دائماً وحيدة و كانت تمنى نفسها أنه سيجيء اليوم الذي تلتقي فيه مع قلب يضمها و يحتويها بكل حنان ، وحب يشعرها بالأمان المفقود .. يعوضها عما قاسته من حرمان في هذه الحياة .. لكن الحياة تأبى إلا أن تزيدها حرماناً ، وتجردها من كل معنى جميل و كل مشاعر دافئة .. فجأة شعرت ببرودة تسري في أوصالها فارتجفت كعصفور صغير يقف بلا مأوى تحت المطر .. كأن جليد المشاعر يحيط بها من كل جانب .. فمدت يدها لتستعيد فنجان قهوتها علها تشعر بالدفء من حرارته .. فما أن رشـفت منه حتى اكتشفت أن القهوة قد فقدت حرارتها .. فقد الفنجان كل الدفء الذي كان يحتويه كما فقدت هي من قبل كل الدفء في حياتها .. نظرت إليه بأسى و تساقطت دمعة كانت قد بقيت في عينيها في الفنجان فأحدثت دوامة صغيرة كتلك الدومات التي اعتادت أن تدور فيها .. اعتلى وجها ابتسامة ساخرة ..قامت من مكانها وسارت تجاه المطبخ بلا اكتراث .. راحت تسكب ما تبقى من قهوة في المجلى .. و نظرت إلى السائل و هو ينسكب من الفنجان بلا أي اهتمام .. فمنذ زمن طويل لم تعد تهتم بأي شيء في هذه الحياة ..



تبتسر القصة القصيرة عناصرها من شبكة عنكبوتيه و لكنها فولاذية الخيوط 0 تحتاج إلـى مجهر دقيق يكشف عن مكونات عناصرها ، فالقصة القصـيرة هذا الفـن الهادئ المشاكـس بطبيعته يستطيع أن يحملك إلى واقع آخر يجتزئ التجربة من الخيال و يجتزئ الخيال ليكونه تجربة عظيمة اللهم إذا كان القاص فناناً بارعاً في تعامله مع النص القصصي قادراً في رسمه للشخصيات التي يختارها 0
و نحن هنا في نص يوم شتاء بارد نقرأ مفكرة رائعة من المفردات و الصور التي تكون لدينا خيالاً واعداً فاللحظة التي صورتها الكاتبة لحظة متميزة لأنها تسبر أعماق النفس و تحـول المشاعر إلى أفعال تتراقص على الورق و إلى كلام نلمسه و نقرأ ما وراء أحرفه من معاني تشكل جزء عظيما لأي النفس و الذات0
نحن إذاً أمام موقف ( ذكرياتي) يصور لنا صفحات من ذاكرة الكاتبة و ينقل لنا أدق التفاصيل بلغة شاعرية تطير بنا على جناحي بساط الريح و تحملنا إلى أفق يبدو أنه عند الكاتبة مسدود من الطرف الآخر 0
فهي من خلال عباراتها تبحث عن ( استراحة المحارب ) و لو كانت هذه الاستراحة دقائـق معدودة و الدلالة على ذلك هذه التشاؤمية التي تتبطنها الكاتبة فتنساق على لسان شخصـية قصتها بشكل لا شعوري ( أربع جدران موحشة و غربة ووحدة ) سبقت هذه العبارة بتساؤل
داخلي يحتاج إلى ( مشرحة فرويدية ) حتى يستطيع أن يستنسخ ما في أعماق نفـس الكاتبة ( أهذا هو المــآل 00000 نهاية حياة حافلة بالمعاناة ) لا أعتقد أن الكاتبة قد وصلت إلى سن اليأس حتى تعبر عن تجربة مريرة مليئة بالمطبات و المصاعب و الإشكـالات 0 إنهـا تبحث كغيرها من النساء عن حضن دافئ تستطيع أن تأوي إليه كقريناتها ممن تعيش حـياة هانئة و قد عبرت عن ذلك بقولها ( كم كانت الأيام قاســـية معها 000 منذ أن كانــت صغيرة 000 لم تعش كواحدة من قريناتها 000 الأطفال في دفـئ و حـنان و أمان ) و لا أعتقد إلا أن الكاتبة تعيش أزمة خاصة تبحث فيها عن هوية مفقودة يمكن من خلالها أن تعبر الحياة الواقعية فهي قادرة بجواز مرورها ان تعبر الحياة الخيالية و هذه سمة ليست بالعادية و لكنها تحتاج إلى مركب من نوع آخر ينقلها إلى المشاعر الدافئة التي تمثل لديها الحياة كاملة 0
و النص الذي بين أيدينا إذا ما تجاوزنا فيه الأخطاء التعبيرية التي وقعت فيها الكاتبة بقولها
( لم تعش كواحدة من قريناتها الأطفال )
و كان من حقها أن تقول
( لم تعش كواحدة من أقرانها )
( فابتسمت ابتسامة أخرى يلازمها نفس الشعور )
و الحق ن تقول :
( يلازمها الشعور نفسه )
و قولها : ( ابتسمت ابتسامة خالت لها أنها بلا معنى )
و الصحيح أن تقول:
(ابتسمت ابتسامة خالتها بلا معنى)
و قولها ( بكت لحد عدم قدرتها على إكمال فنجان قهوتها )
و الصحيح أن تقول :
( بكت إلى حد جعلها غير قادرة على إكمال فنجان قهوتها )
و قولها ( فما أن ارتشفت ) و الصحيح : ( فما إن ارتشفت )
إذا تجاوززنا هذه الهنات التعبيرية إلى عناصر القصة لوجدنا أن هناك حاجزاً بيـن عـنوان القصة و بين مضمونها فليست هناك في النص عبارات توحي إلى علاقة بين مضمون النص و بين عنوانه اللهم إلا في خيال الكاتبة فقط حيث اعتبرت خيالياً أن حدوث هذه القصة شتاءً يجعل هناك رابطاً بين اليوم الشتائي البارد و بين ما سلخته الكاتبة نفسها من ذكريات 0
و إذا كان من حقنا أن نفتش عن عناصر القصة الحقيقية في النص فإن من دواعـي النقـد و تأسيساته القائمة على القواعد أن نشير إلى أن النص الذي بين أيدينا أقرب إلى الســيرة الذاتية التي تؤرخ لاستجابات نفسية تستدعيها ذاكرة الكاتبة فتفرغها على شكل نص 0
أما الا ّ تكتشف الكاتبة جنس النص الذي أفرغت فيه تجربتها فهذه مسؤوليتها المتـمثلة في إعادة الحسابات من جديد 0
صحيح كما قلنا في المقدمة أن لغة الكاتبة و صورها استطاعتا أن تحققا حضوراً أدبياً جميلاً رائعاً خجولاً و لكن فن القصة القصيرة يستحيي كثيرا حينما لا يجد أجلّ عناصره حاضراً على مساحة التجربة فـ ( الحدث و الحبكة و عنصر التشويق ) أثافي ثلاثة لا تقــوم إلا عليـها استجابات فن القصة القصيرة و هي دعامات تنمية فن القصة وهذه عناصر يكاد النص الذي بين أيدينا يخلو منها و إن كنا نسمع نداءات في عالم القصة تدعوا إلى تجاوز القواعد و لكن يفترض أن يكون هذا التجاوز إلى قواعد عصرية تتناسب و العصر الذي نعيشه 0 و ما نقوله في حق النص لا يستدعي إلغاء جماليته بقدر ما نحن نبحث عن انتماء هذا النص و هوية هذا النوع من الكتابة الذي ينتمي إلى (السيرة الذاتية) و قد أكـدته الكاتبـة من خـلال عنـوان نصــها ( يوم شتاء بارد ) و اليوم في مفهوم مذكرة و مفكرة الكاتبة هو سـيرة لم ترق إلى أن تتحول إلى قصة قصيرة و تصنيف النص مسألة حساسة فالسيرة الذاتية فـن نــزر و عظيم انقطعت به السبل بعد العقاد و محمد حسين هيكل و ميخائيل نعيمه و تحـول عنـد كتابنا الجدد إل ذكريات يسردها الكاتب أو الفنان بلغة جميلة بل إلى خواطر يرســمها على صفحات الورق 0
الدارسان :
حسين الهنداوي ـ حاتم قاسم

&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
ا نكسارات الأبعـاد النفـسية
تحت ستار العاطفة الحديدية
النص للشاعرة
ريـم أبو عـيد
الدارســـان
حسين الهنداوي
حاتم قاســـم


أضحكتني
أظننت أنك عندما ودعتني ..
هزمتني ..
كسرتني ..
حطمتني ..
وهماً ظننت أيها المغرور ..
من أنت ..
كي يقف الزمان عندك
و لا يدور؟
أظننت أني بعدك لن أعيش ..
أظننت أني بعدك لن أكون ..
أظننت أنك عندما ودعتني ..
أوجعتني؟؟
أبكيتني؟؟
و قتلتني؟؟
وهماً ظننت
فما أنا التي ستبكي
يوماً عليك
و أنا التي ..
كنت النجوم لناظريك
و أنا التي قلتَ في عينيها يوماً ..
أجمل ما لديك
و قلت عنها أنها ..
أغلى مَن لديك
أضحكتني ..
حين ظننت ..
أني
سأبكي احتراقاً بين يديك ..
و أني سأسكب دمي ..
أنهاراً على قدميك ..
حينما ودعتني
أضحكتني ..
و سيأتي يومٌ تعرف فيه أيها المغرور
كيف أنت خسرتني ..


في الحديث عن الأدب النسائي و في استبار أعماق المرأة التي تتمثل بعواطفها و معطيات تدفق شرايين الدماء في قلبها ترتسم ذاكرة الأفعال الإنسانية الواعدة و التي تحمل إلينا روح الحيـاة بمعناها الحق و الصحيح فالإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض و هو يبحث عن مرآة حقيقية صادقة ترتسم ذاته على صفحاتها ارتساماً حقيقياً فإذا ما وجد أن المــرآة ترســم صـورة كاريكاتورية للعواطف الكاذبة فإنه يتحول إلى وحي يبحث عن سخرية يصد بها أفعال الآخرين
خاصة عندما تكون هذه الأفعال تعبر شرايين الدم بجواز سفر مزور 0
لا أعتقد أن الشواعر العرب نقصد الشاعرات العربيات قد ابتعدن في كتاباتهن عن العاطــفة فحيثما فتحت صفحة الأدب في ديوان الأدب النسائي تجد اســتيلاء العاطفة علــى مفردات النصوص الأدبية و تجارب ليلى الأخيلية و الخنساء وولادة بنت المستكفي و مي زيادة و فدوى طوقان و غيرهم تريك أبعاد المشاعر الإنسانية التي تحملها الكتابات النسائية 0
و شاعرتنا ريم أبو عيد في نصها ( أضحكتني ) هي أنموذج آخر في رسم العواطــف الذاتية التي ترتد بفعل ارتكاسات رجولية ترى في المرأة مخلوقاً ضعيفاً أو مستهاناً إذ أنها منذ البدايـة تشحن مفرداتها بسخرية لاذعة لتلك المواقف التي لا تعبر عن كيانها الحقيقي و نحن نعرف أن المرأة هي شجرة الحياة التي نستفيء تحت ظلالها و نقطف من ثمارها فلماذا نحـتطبها إذا ما رغبنا في إحباطها و لماذا نستدفئ بنارها و هي تحترق من أجل أن تذكي مشاعرنا إن المـرأة بصورتها الحقيقية غيمة تظل سماءنا فإذا ما أردنا أن نخدش مشاعرها بحجارة صغيرة فذلك لن يضيرها 0 و على الرغم من ذلك فإن شاعرتنا في نصها هذا تبدو واثقة من نفسها في رصـد الأفعال الرجولية التي تحاول أن تقصيها عن واقعها الحقيقي 0
( أظننت أنك عندما ودعتني
هزمتني
كسرتني
حطمتني )
استفهام إنكاري يحمل في طياته أبعاد الشوق الإنساني إلى الثبات و البقاء توّجــه استــفهام استنكاري آخر يستهجن فعل كل خلية من هذا المستهتر ( من أنت ؟؟؟؟؟ ) عبـارة تحـمل في طياتها مطرقة عنيفة تحطم الأفكار التي لا ترى في الآخرين إلا صدى لأشباح تمــشي على الأرض و هذا ما أكدته الشاعرة ريم أبو عيد في قولها :
( كي يقف الزمان عندك و لا يدور ) و هي عبارة مشحونة بمعاني الإباء الأنثوي الذي نلمـسه عند المرأة الشرقية و التي لا تقبل أن تكون سلعة رخيصة تتقاذفها أيدي المستهترين متوهـمين أنهم يستطيعون أن يتحكموا بمشاعر المرأة كما يشاؤون 000 و إن كانت القيم التعبيرية في هذا السطر الشعري لم تصل إلى الطموح الذي تريده الشاعرة 0
إذا نحن أمام ثلاثة أفعال استنكارية تبحث عن أجوبة تبين ذلك الكبر الذي يعيــشه الآخـرون ليؤكدوا ذواتهم المنتقصة إرتكاس لهشاشة في أعماق النفس و شاعرتنا قد أجادت في رسـم هذا الإرتكاس و تلك الهشاشة بشكل لا شعوري حين قالت :
( أظننت أني بعدك لن أعيش ؟؟؟ !!!! )
( أظننت أني بعدك لن أكون ؟؟؟ !!!! )
( أظننت أنك عندما ودعتني
أوجعتني
أبكيتني
و قتلتني ؟؟ !!! )
حقيقة كما قالت الشاعرة : ما صنعه كان وهماً لأن الدنيا لا تقف عند المشاعر المزيفة فالأفعال الإنسانية تؤكد على معيارية الإخلاص ذلك الخلق النبيل الذي تحمله الفطرة الإنسانية إلينا 0
لقد كانت الشاعرة في نصها قناديلاً مضيئة و نجوماً مشعة أمام ظاهـرة الغـرور وما ذلك إلا فطرة و سجية ً ترسلها رسالة إنسانية في آفاق الحياة 0
و إذا كان ما نراه في النص من ( لقاء غريب ) لمحناه من إيحاء المفردات و الصيغ التعـبيرية و القيم الصورية تلاه ( فراق غريب ) عبر عنه خط دفاع الاستفهام الإستكاري لعـدم وجـود التكافؤ بين معياري الفطرة السليمة و النكوص الغروري من جهة و الإخلاص الساذج و الكبر المر تكس من جهة أخرى فإن مرد ذلك لن يكون إلا قطيعة الخاسر فيها هو الغرور نفسه 0
( و سيأتي يوم تعرف فيه أيها المغرور
كيف أنت خسرتني )
عبارة على هشاشة صياغتها تحمل جذوة عاطفية صادقة سيطرت على مشــاعر الـشاعرة و تحولت إلى حاجز حديدي أمام التعبير البياني و التعبير الخيالي الذي افتقده النــص و الذي عوضته شحنة الاحساس الملتهب للمفردات الشعرية حين اشتـعلت بأنفاسـها روح الصــدق و الإخلاص و إن كانت هذه المفردات مفردات قاموسية في بعضها و متداولة في حركة الحياة اليومية أو أنها لم تشكل استجابات بلاغية مستقلة عن موروث الشعر ترتسم فيها صور بلاغية جديدة تصور المغرور بأبعاد موشورية مختلفة عما رسمه ماضي الأدب 0
و إذا كان هناك من همسه نهمسها في أذن الشاعرة فهي أن كوكبها الـشعري لم يشكل مـداراً مستقل في مجرة الشعر العربي و هي في هذا النص بالذات تدور في فـلك الـشعر الـنزاري محاولة الاسقلال بمسار جديد يرسم على صفحات الشعر العربي معطيات جديدة و آفاق جديدة و عواطف صادقة جديدة

المونولوج الداخلي و البحث عن الذات التائهة
قراءة في قصة ( درب أم الدويس ) للقاصة سارة النواف
الدارسان : حسين الهنداوي ــ حاتم قاسم


نص القصة القصيرة : ( درب أم الدويس – الكاتبة : سارة النواف )

درب أم الدويس
تمشي .. تحث الخطى .. تلتصق بالجدار الرطب .. تنصت أكثر .. لعل الصوت يدلها على مصدر الضوء الخافت الذي كلما تدنو منه ويخالجها إحساس أنها وصلت .. تفاجأ أنها لا تزال بعيدة.
نقاط مطرية باردة تهطل على رأسها وكتفيها .. تزاد أحيانا وتكون غزيرة .. وتكاد أحيانا أن تتوقف ..
ترفع عباءتها وتغطي رأسها لتحمي نفسها من البلل ولكن عباءتها تجمع مياه المطر لتسيل على ثوبها فيرتجف بردا جسدها المرتجف خوفا .. رائحة المطر غريبة في البيوت الخربة .. بيوت بلا أسقف أو أبواب أو نوافذ .. بقايا خربة لبيوت كانت ذات يوم عامرة .. قدماها تغوصان في بحيرات المياه الصغيرة التي تملأ الأزقة والمداخل .. مزيج من الطين والوحل يلطخ ساقيها وثيابها .. تتابع السير ..
نباح كلب يليه مواء قطة وأصوات تلاطم وتدافع .
" ما الذي جاء بي إلى هذه الخرابة ؟.. حمقاء .. مجنونة .. لا .. بل الشيطان
الذي يسكن عقلي هو الذي يقود خطاي .. لعنة الله علي وعلى أفكاري "
تتأرجح بين العودة والاستمرار .. تود أن تكشف أمرا فكرت طويلا به " سأستمر .. وليكن ما يكون"
تنتقل بين الغرف .. تستنشق الهواء عله يحمل عطرا .. تتوخى الحرص في خطوتها
فقد تدوس على صدى أنفاس .. تلتفت حولها .. ظلمة حالكة.. لا يبدد سوادها إلا برق يومض لثوان قصيرة .. مزيج من الرهبة والخوف .. أما الفضول فهو في ازدياد كلما دخلت غرفة ولم تجد ضالتها ..
وعند باب خشبي متآكل ، ترددت قبل أن تدفع الباب بيدها الباردة خوفا .. أنين متوجع صدر من الباب القديم .. دلفت إلى الغرفة الرطبة .. جدران متهالكة.. قطرات ماء تتساقط صفراء مصطبغة بلون السقف المتداعي .. رائحة نتنة أزكمتها .. وللحظة فقط انتشر ضوء في الغرفة .. لحظة لا يمكن عدها بالثواني ..
كانت كافية لتلمحها .. امرأة في زاوية الغرفة .. تجلس على حصيرة قديمة بالية .
تراجعت خوفا " أهي شبح ؟.. أم فعلا امرأة .. أم قد تكون من نسج خيالي "
التصقت بالجدار الرطب.. أحست بوخز الأحجار في ظهرها .. لم تأبه .. فهاهي الآن في نقطة اللاعودة .. " سأنتظر حتى يومض البرق مرة أخرى لأتبين إن "
لم تكمل حديثها لنفسها حين سمعت صوتا هامسا يقول لها " ما بك .. هل أنت خائفة؟؟"
تلعثمت " لا.. نعم .. أنا خائفة .. أنا .. من أنت؟"
أجابتها بمرح" هيا لاتخشي شيئا .. تقدمي ….. واعذريني فأنا لا أملك من أمور الضيافة شيء ..
ما رأيك هل تشاركيني الجلوس على الحصيرة "
تقدمت نحوها ولكنها فضلت أن تبقى بعيدة نوعا ما .. جلست على قطعة خشب رطبة
في حين سألتها " حسنا .. من أنت ولم أتيت إلى هنا ؟"
" كنت .. كنت .. أبحث .. ربما عنك"
" تبحثين عني؟؟.. ولم ؟؟ في مثل هذه الليلة .. الكل يختبئ في بيته حيث الدفء والراحة ..
حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران .. وأنت تخرجين للبحث عني ؟"
سكتت لحظة ثم أردفت بخبث " آه .. نعم .. نعم .. هل غاب عنك شخص معين "
أجابتها لتنفي عن نفسها تهمة " لا.. أود أن أعرف عنك ومنك أمور كثيرة"
" أمرك غريب " قالت لها " الرجال عادة هم الذين يبحثون وليس النساء "
اقتربت منها أكثر وهي تحرك قطعة الخشب تحتها .. صوتها .. حديثها .. هي كلها تزيد من جذوة نار الفضول .. تزداد رغبة في الاقتراب لمعرفة من تكون .. مم هي "
تباغتها بسؤال " ألست خائفة الآن؟"
" نعم .. لا.. لا.. فأنا أعلم أنك لا تؤذين النساء .. فقط الرجال لذلك أتيت "
ضحكت بصوت عال وسرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفة المتهالكة ....
أحست ببرودة شديدة .. بلعت ريقا جف في حلقها وقالت بصوت متردد " هل أنت هي؟"
" هي .. من تقصدين؟"
" اقصد .. اقصد "
" ها .. تقصدين .. أم الدويس .. نعم أنا هي "
تنظر إليها .. صوتها الدافئ يبعث الشجاعة في عروقها .. تردد لنفسها " هذه المرأة ..
بشكلها المثير للشفقة والاشمئزاز .. هي أم الدويس "
تمعن النظر .. إلى وجهها .. صدرها .. ساقيها الممتدتان على الحصير .. ملابسها الرثة
.. وبعد تردد تقول " أنت امرأة عادية"
" لا.. لست امرأة عادية .. بل أقل من ذلك .. انظري إلي .. وتمعني في ملامحي "
تحاول أن تميز ملامحها .. يومض البرق .. تسري الرعشة في أطرافها ..
تعود إلى الخلف خائفة .." ما بك " تسألها المرأة ..فتجيب بعد تردد قصير " لاشيء .. أنت . أنت ما بك؟.. هل أنت مريضة .. هل تعرضت لحرق أو .."
تقاطعها " لا.. هذه أنا .. وهذا هو وجهي .. هذا هو شكلي "
فتقول الأخرى" ولكن .. يتناقل الناس عنك حديثا لا ينتهي .. ضياء في وجهك .. عيناك الصافيتان
.. رائحة عطرك وشذاك .. الذي تنقله النسائم عبر الحواري والأزقة .. وتلتقطه الأنوف فتسلب الألباب .. وكلما صددت عن الرجال .. ازدادوا إصرارا على متابعتك .. و "
قاطعتها بحدة " يكفي .. هذا كله هراء .. هاأنا أمامك .. هيا .. انظري إلي ما ترين ؟"
" ولكن "
" لا تقولي .. ولكن .. هيا تقدمي وانظري إلي "
" لكن الرجال الذين لم يتبعوك قالوا عنك ذلك …وأما الرجال الذين أغويتهم .. فأنت "
تقاطعها بنفس الحدة " لم أقتلهم .. ولم اخطفهم .. هم الذين يجرون وراء الأوهام"
تزدرد ريقها بصعوبة بعد أن تطايرت جوانحها هلعا " أتقولين وهم ؟"
" نعم .. وهم .. كل يضيف إلى شخصي ما يريد .. لوحة لم يكملها الرسام .. وكل يضيف مايعحبه
.. الكل يراني كما يريد وليس كما أنا . حين يرونني في الأزقة المظلمة .. أكون كما تريني الآن ..
ولكنهم يعمون عن ذلك .. أعماقهم المريضة ترسم لهم صورتي انعكاسا لما في نفوسهم ..
هيا قولي ما تشمين الآن "
لا تجيب فهي غير مصدقة
فتكمل الأخرى" أتعرفين ما تشمين ؟.. رائحة المطر بعد أن يتخلل الجدار النتن .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وبقايا الكلاب والقطط الضالة .. انظري حولك وتفحصي هذه الغرفة الحقيرة.
. رائحة هذا المكان هو رائحتي .. وتقولين عطر .. أي عطر هذا "
تقول لها بصوت واهن " ولكن كيف يشم الرجال رائحة عطرك الفواح "
أجابتها بهدوء " كما قلت لك .. كل شيء في خيالهم المريض .. وحين يأتي أحدهم ..
ليس لأني طلبت منه .. بل لأنه هو يريد ذلك ..يفسر وقفتي بأنها دعوة صامتة ..
نظراتي بأنها إيماءة مني لأثير رغبته .. أي حركة أو لفتة .. هي دعوة مني له "
يبدأ الفضول ينمو مرة أخرى " ولكن .. لم كل هذا الحديث عنك ؟"
تقول بمرح " أتصدقين أن من يتحدث عني بهذه المبالغة .. هن النساء وليس الرجال ..
كل من فقدت أحدا .. أخذته أم الدويس .. كذبة صغيرة وكما يكبر الناس كبرت على مدى الأيام..
وحملت الكثير من الصفات غير الحقيقية "
" هل تقتلينهم ؟؟ "
تجيب بملل " هاأنت تعودين من حيث أتيت .. ما بك تهتمين بهذه النقطة .. أنا لاأقتل أحدا وان كنت فقدت أحدهم فلست بقاتلته .. أف .. "
يعم السكوت المكان .. إلا من صدى تساقط حبات المطر الخفيفة على وعاء معدني قديم
.." اسمعي .. حين يقترب مني أحدهم .. يصدم أنه كان يتبع سرابا .. وأن الصورة التي رسمها عنده هو فقط .. عندئذ تتبخر الهالة التي يكون قد رسمها لنفسه .. يصبح عاريا أمامها .. ويأبى العودة ..
حتى لا يرى الآخرون نفسه عارية ….. كما رآها هو"
تقف وتنفض المياه عن نفسها وتتجه خارجة من الغرفة " هيا .. توقف المطر .. عودي إلى منزلك.
. وابحثي عن غائبك في مكان آخر "
تصلح من شأن عباءتها .. تخرج متعثرة بالأوحال التي علقت بعباءتها وثوبها ..
ترتجف يداها محاولة الإمساك بالعباءة مانعة إياها من التزحزح عن رأسها ..
تستعجل الوصول الى الدار .. وفي احدى الحواري ..يصطدم بها أحد الرجال .. يتركها مهرولا إلى نهاية الزقاق .. تلتفت وراءها فتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية .. تستنشق الهواء .. تملأ رئتيها باحثة عن عطر .. تهز رأسها أسفا " لا عطر .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وقاذورات الزقاق
" تطارد الرجل بعينيها ..
تبتسم بمكر وتكمل طريقها .


الدراسة النقدية :

البحث عن الذات انطواء إنساني لازم الإنسان منذ وجوده الأول فهو انطلاق نحــو المجهول و تمحور في دائرة المعلوم و استكناه لأعماق النفس الذي منذ أن هبطت إلى الأرض و هي تبحث عن كيانها و ذاتها ووجودهـــا فلإنسان بطبيعتــه مخلوق طارئ على هذه الأرض و لكنه يحاول التشبث بفكرة البقاء التي جســـدتها الأديان إلى خلود بحسب العمل 0
( درب أم الدويس ) بحث مضني من الكاتبة عن الذات التائهة في تلافيف اللاشعور و في أعماق اللاوعي الذي اختزن الآخر مخلوقاً يتصور وجوده مزاحمـــا له فبـين ( أم الدويس ) الحقيقة و ( أم الدويس ) الخيال يقف الإنسان حائراً باحثاً عن الوجود الحقيقي و الكاتبة سارة النواف في نصها هذا تحاول أن تخرج الأسطورة الشعبية من قمقمها لتحولها إلى واقع اجتماعي إنساني يعكس صورة الإنسان في ذروة مجده 0 فأم الدويس في العقل الباطن لكل إنسان يعيش في أرض الخليج امرأة ساحرة جميلة معطارة يتشهى الرجال التقائها و محادثتها و ( أم الدويس ) في العقل الوعي هي المرأة التي تفجؤك بعيون قطة مخيفة مرعبة و بساقين منجليين يستطيعان قطع الرؤوس و إذا كنا سنتجاوز الحكاية الشعبية الخليجية التي ترسم صورة ( أم الدويس ) بشكلها الأسطوري لننتقل إلى ( أم الدويس ) التي أنشأتها الكاتبة سارة النواف شخصية جديدة تنعكس صورتها في مرآة الواقع فتظهر المرآة لنا صورتين متناقضتين :
الأولى : صورة المرأة الفتاة الجميلة في ريعان أنوثتها و شبابها حيث تبدو زهرة فواحة و قمراً جميلاً و شمساً مشرقة و أنوثة ٌ يشتاق لقاءها الرجال فهي السحر الجذاب الذي يجعل الواقع حلماً و خيالاً جميلاً رائعاً 0
الثانية : صورة المرأة في غياب شمس الجمال عنها و تحولها إلى أنثى ذات عمل بعيدة عن الأعمال الجمالية فاقدة لشبابها و لجمالها و لأنوثتها الراعفة بسبب تراكم السنوات و هذا ما تعرفه المرأة بشكل خاص أكثر من الرجل لأنها تبقى تقف أمام مرآتها صغيرة 00شابة00 كهلة 00 و عجوزاً ، قد تبدو في النتيجة شمطاء 0
إذن صورة المرآة على حقيقتها تعرفها المرآة نفسها و هذا بالذات ما تشكوا منه المرأة بعد تراكم السنين 0
لقد استطاعت الكاتبة سارة النواف أن تجري ( حواراً داخلياً = مونولوج ) بين شخصية المرأة في شبابها و شيخوختها لتبرز حقيقة الجمال الزائل الذي يحول على مر السنين و يضائل بحيث يبدو الجميل قبيحاً و الحسن غير مستساغ بلغة شفافة تحمل في آفاقها و حياً لمعاني أكبر من الكلمات التي رسمت تلك الواقعة و تصوروا معنا ( نقطة اللاعودة ) التي رسمتها الكاتبة في تلافيف قصتها :
(( تبحثين عني ؟؟؟ 000 ولم ؟؟؟ في مثل هذه الليلة 00 الكل يختبئ في بيته 0000 حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران )) 0
كما أن اللغة التي نقلت لنا هذه الواقعة ارتقت بنا من صدى الحروف إلى أصوات الطبيعة حيث تحول ضحك هذه العجوز الشمطاء إلى صوت يشبه صوت انفجار الرعد (( ضحكت بصوت ٍ عال و سرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفة المتهالكة )) 0
و هذا يعني لو ذهبنا نستنطق لاوعي الكاتبة أن إيذان تحول المرأة من مرحلة الشباب إلى مرحلة الشيخوخة يعني تحول الكون و الطبيعة و غضب هذه الطبيعة تعاطفاً مع هذه المرأة التي هي في الحقيقة هي سر الوجود و سر الجمال على هذه الأرض و هذا يذكرنا بصوت الشعراء الجوالين في اسبانيا و بصوت الطبيعة التي تعاطفت مع ابن زيدون بعد أن حدثت القطيعة بينه و بين ولادة بنت المستكفي ، ن بحث الكاتبة عن حقيقة الخلود على هذه الأرض جعلها تتقمص شخصية ( أم الدويس ) نفسها تبحث عن ذاتها ممثلة المرأة بصورتها العامة على هذه الأرض و كأن انطفاء الربيع و عودة الخريف عند أي امرأة يجعلها تصطدم بواقع مُر فتسجل الوصول إلى الدار 000 و في إحدى الحواري يصطدم بها أحد الرجال يتركها مهرولاً إلى نهاية الزقاق 000تلتفت وراءها فتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية 000 تستنشق الهواء 000تملأ رئتيها باحثة عن عطر000تهز رأسها أسفاً لا عطر 000رائحة المياه المختلطة بالأوحال و قذرات الزقاق تطارد الرجل بعينيها تبتسم بمكر و تكمل الطريق )) 0
لقد وفقت الكاتبة في رسم صورة المرأة في ربيعها و خريفها محمولة على جناح عنصر التشويق الذي رفع النص إلى مكانة سامقة و إن وقعت الكاتبة في ثلاثة هنات حبذا لو رجعت إليها :
- (( تمعن النظر 00إلى وجهها 00 صدرها 00ساقيها الممتدتان على الحصير ))
و الصحيح الممتدتين0
- (( تقف بنفس الهيئة المزرية )) و الصحيح : تقف بالهيئة المزرية نفسها0
- (( تقاطعها بنفس الحدة )) و الصحيح : تقاطعها بالحدة نفسها 0
و كل هذا لا يفقد النص جماليته الرائعة التي يقف فيها القارئ أمام كاتبة متمرسة
في الفن القصصي 0 أبعاد الذكريات في الآفاق النفسية
في نص الطيور المهاجرة للقاصة : البتول المحجوب/ المغرب
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم

الطيور المهاجرة

البتول المحجوب::.
29 أبريل 2006
أتذكرين انسياب أنغام عود..أتذكرين القاعة العتيقة
والجدران المطلية..؟كنا معا. !.
وضعت معطفها ذاك المساء الممطر على كتفها ،ذهبت لحضور أمسية.القاعة عتيقة، جدرانها مطلية بطلاء تعبر عن مرور أجيالا وأجيالا.. كراسي تسمع أنينها عند الجلوس..جلس قربها شعرت قرب أنفاسه منها..تذكرت ذاك المساء الماطر وأنغام عود حزين..تذكرت القاعة العتيقة..والجدران المطلية فهل تذكر ذالك..؟
..غادرت القاعة بعد أمسية شعرية وعزفا حزينا يصحبها، وقفت تنتظر مرور سيارة أجرة..رذاذ المطر المتساقط ينعش روحها الحزينة،التفت بمعطفها الأسود اتقاء قطرات عابرة..أوقف السيارة قربها..فتح الباب قائلا:
-تفضلي..الجو بارد..تأخر الوقت ..قد يطول انتظارك دون مرور سيارة. ترددت لحظة، بادرت بالركوب..جلست قربه دون كلمة..أدار شريط موسيقي لكسر الصمت المطبق بينهما..أنغام عود تعشق سماعه ..غابت مع أنغام العود الحزين..أحست دفء كفه وهو يلف يديها الباردتين..شعر بارتعاشها..
-ما بك ترتعشين…؟البرد..؟ردت بصوت لايكاد يسمع:
-بلى البرد قارس ..هذه الليلة.لفظت هاته الكلمات لتهرب من سؤاله..نزع معطفه ووضعه على كتفيها رغم أنها ترتدي معطفا لكنه شفاف على حد زعمه..شعرت دفء أنفاسه وهو يلفها بالمعطف..أخذ كفيها الباردتين ووضع عليهما قبلة من شفتيه المحمومتين علّه يزرع الدفء والحب في قلبها الجريح..لم تنبس ببنت شفة طيلة الطريق ..الغصة في الحلق تخنقها،الدمعة المتدفقة من مقلتيها،الجرح غائر وعميق. لالمسة كفه الدافئ ولاقبلة شفتيه زرعتا الدفء في قلب مسكون بحزن كربلائي..مثقل بهم محير.. وسؤال قلق..
اقترب منها أكثر أمسك يديها، حدق في عينيها طويلا ثم زفر قائلا:
-..عينان حزينتان هذا المساء..مايحزنك يا صغيرتي..انغام عود طالما عشقنا سماعه معا..ألن تتحررمن قيد ذاك الزائر الحزين النظرات..اماحان لك أن تنسي اوتتناسي..
نظرت إليه بصمت، رددت في داخلها كيف تنسى أو حتى تتناسى..كيف تنسى حزنكما الجميل معا..حزنا جمعكما طويلا..فرح وهم مشترك قاسمتها..وهاهي الأقدار تفرقكما من جديد..كل في سبيل وأكثر السبل حزنا ومرارة سبيلها..
يسود الصمت بينهما ..أيعاتب القدر الذي فرقهما..أم يعاتب أنفسهما..؟أي حظ هذا وأية صدفة جعلتني التقي به..؟رددت هاته العبارة تلوم نفسها.. أي قدر ساقني لتلك الأمسية..؟ لنلتقي من جديد..يفرقنا الزمن..ويجمعنا في قاعة عتيقة عبر أمسية دافئة بنغمات اوتارعود حزين ليزرع الدفء في مساء ماطر..يلفنا الصمت من جديد ..يتذكرها..يتذكر أنثى القلق..أنثى الحلم الجميل أنثى السؤال القلق..أنثى الحلم المغتال..يتذكر يوما غضب منها قائلا:
-ستقضين عمرك تبحثين عن سراب..
تبحثين عن ملامح ضبابية القسمات..رحلت عنك تلك الملامح يوم الجمعة الحزين..وبقيت تنتظرين..وتنتظرين،آلا تمل الانتظار..أم تراك الفته..؟
..ياأنثى القلق..والحلم الجميل..افتقدك، افتقد دفء أيام مضت..افتقد بسمتك المشرقة..احلم معك..بعالمك النقي..أتذكرك ألان..عبر انسياب انغام عود وترية..فهل تذكرين ؟أتذكرين القاعة العتيقة والجدران المطلية فهل تذكري…؟
البتول المحجوب-طنطان-



أبعاد الذكريات في الآفاق النفسية
في نص الطيور المهاجرة للقاصة : البتول المحجوب/ المغرب
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم
حينما تتحول الأجنحة إلى بساط ريح أخضر يعبر آفـاق المجهــول و تخـتزل اللحظات المدهشة في همسة ٍ مهاجرة تبعث في النفس ذكريات عميقة تنقل إليك سعف الصمت و أغنيات الحنين و شوق اللاشعور و استبطان العقل الباطن ليرســــم الإنسان عالمه الآخر عبر مساء ٍ ممطر تزينه قطرات الندى التي ينفعل الخير من رذاذها العطر 0
تتمحور قصة الطيور المهاجرة في أعماق لاشعور القاصة البتول المحجوب من خلال مفكرة ٍ عميقة الأبعاد ذات انكســــارات ممتدة تفتــح منها نافذة واحدة تتســـع لعينين تنظران إلى آفاق المجهول المعلوم في الذات إنه شـعور الصمت حين تتدفق الذكريات حاملة ً معها لوعة الشوق و حنين الدفء ذلك أن برودة الجو جعلت أنفـــاس الكاتبة تملأ الكون رذاذاً ملتهباً بالشوق و كأن هدوء الليل المخيم فوق الذاكرة يفتح صفحــة جديدة في آفاق مجهول الحب الإنساني الذي يريد أن تنطبع معالمه فوق الجبين واقعاً حقيقياً 0
القصة عند الكاتبــة تحولــت إلــى نافذة لا تتســع إلا لموقفين اثنـين كلاهما يبحث عن موطأ قدم في ساحة اللاشعور عند الآخر و يأتي المســـاء الحـــزين البارد ليؤكد على حميمية العاطفة الملتهبة في أعماق النفــس تلك هي مشــــكلة القصة النســـائية التي تحولت في عصرنا إلى سيرة ذاتية ترسم الكاتبة من خلالها موقفاً خاصـــاً يفتقد إلـــى العقدة و يفتقد إلى تأزم الحدث بحيث يجعلك تتناسى من خلال اللغة الشاعرية المعبرة الموحية أنك تقرأ قصة شعرية هذه اللغة تجعلك تؤكد من خلال مفرداتــها المتســاوقة عبر آفاق الربيع الأخضر تجعلك تعيش حالة شعرية و ما أجمل أن يتداخل الشــعر في فن القصة القصيرة 0
قصة تقترض من الشعر لغته الفنية فتنقل القارئ من نص قصصي إلى نص شعري 0 و لو أنك تصفحت هذه الأمسية الشعرية أو قل اللغة الشعرية في القصة لوجدت عزفاً حزيناً يصحبها و لسمعت إلى شريط موسيقي يكسر أعتابها و لأحسست دفء الحنين الإنساني الذي يلف اليدين الباردتين 0
البتول المحجوب محطة من محطات الذكريات التي ترتســـم ســيرة ذاتية تعبرُ محيط الصمت باحثة عن قوافل التوابل القصصية لترتســم وردة بيضـــاء على جبين الأدب

حسين الهنداوي
حــاتم قاســـــــم
الخيال الجامح في البعد الإنساني
في قصة(( دم العذارى ليس لك )) للقاصة : أماني محمد ناصر
الدارسان : حسين الهنداوي ¬ـ حاتم قاسم

القصة : دم العذارى ليس لك
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
زُفّت العروس إليك؟؟!! هذا ما قاله أبي... ولكن لا وألف لا... لا يغرّك ما سمعتَه منه...
عشتَ ضياعاً... عثت فساداً...
فلن أرضى أن أكون أماً لأولادك، أو جدة لأحفادك...
درتَ الدنيا أجمعها وأنت تفرغ رغباتك في كل الأماكن، وعندما اهتديت أتيت إليّ...
إلى طفلة لم تتجاوز الـ 16 ربيعاً... لم يلمسها أحد، لم يقبّلها أحد، لم يضمها أحد، لم تلامس شفتاها شفاهٍ قط، لم يستنشق أحد رائحة العذارى منها...
أذهلتك طفولتها وأنوثتها التي بدأت تتشكل في ذاك الوقت...
أدهشك صوتها، بهاؤها، حياؤها،حركاتها، لفتاتها، براءتها، لون السماء في عينيها، سواد الليل في شعرها، بياض الثلج في وجهها، ارتباكها كلما سكبت كوب ماء أو قدّمت لك فنجان قهوة حينما كنتَ تزور والدها!!!
وكم كنتُ أرى في عينيك نظرات لم أدركها إلاّ اليوم... يوم عرسك وانتحاري!!!
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي...
أيها الغارق بالمنكر والشهوات...
أيها المثقل بالآثام والخطايا...
سأحارب شهوتك اليوم ولو وصلتُ معها إلى حدود الموت...
لن أسمح بارتكاب خطيئتك البعد المئة معي...
لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثمّ تمزقها كيفما تشاء...
لا يغرّك فستاني الأبيض الذي ألبسني إياه أبي اليوم، ففي قلبي سواد أعظم حاقد عليك وعلى أمثالك...
لن أقبل أن أكون الرقم (1) بعد المئة في تفريغ شهواتك...
فلك المحال ولي الانتحار...
اعتقدوا أنني خلعتُ ثوب الطفولة اليوم لكنني لن أتنازل عن ثوب أنوثتي لك...
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
جمعتَ مال الدنيا ورميته بين يدي... وأُجبرتُ على اختيارك... أجبرني والدي، ذاك الفقير المعدم المثقل بالديون...
وزُفّت العروس لك... التي هي أنا...
وأُعدمتُ إلى رجلٍ ملوّث بخطاياه، والذي هو أنت...
لقد أماتني أبي الميتة الأولى، وجرح قلبي اليوم بزفّي إليك لكن... لن أرضى الآن بجرح آخر لأنوثتي...
لم أكن أجرؤ على التنفس بهمسة اعتراض عليك أمام والدي... والدي الذي نسف اليوم طفولتي، أنوثتي، عواطفي، وكل شيء بي... كل شيء...وكم بكت أمي لأجلي وهي ترجوه أن يبدّل رأيه...
ولكنّه المال الذي أصمّ آذانه عن نداءاتها وبكائها المستميت...
والآن...
الآن وبعد أن ضمتنا غرفة واحدة كنتَ قد أغلقتَ بابها بطريقة وكأنك تشعر أنّك مازلتَ تسرق الأنوثة سرقةً...
لا وألف لا...
لك المحال ولي الانتحار...
اعتقدتَ أنّك بمالك وجاهك ستشتري أغلى ما تملكه فتاة في عمري...
لا يا سيدي...
ما هكذا دم العذارى يباع...
فدمُ العذارى ليس لأمثالك وليس لك... ليس لك... ليس لك!

الدراســــة النقــديــة :
رأي حاتم قاسم :
(( البعد الإنساني في نص دم العذارى ليس لك ))
في استبار مغاور النفس الإنسانية الجامحة تعتلي صهوة البوح مفردات اللغة لتفرز معطياتها بمرآة صادقة ترسم لواعج النفس ببراءتها و تسطر على صفحاتها ضوء الشمس الذي يأبى الخنوع لسواد الليل و أما بياض الثلج فهو نقي كالياسمين يزجي بعطره أقواس قزح تلون مفردات الرغبة الجامحة بتحول فيزيولوجي يأبى الانزلاق في المطامع المادية ، فأبعاد المشاعر الإنسانية الجياشة ترفض الانصياع لواقع لا يحقق لها التكافؤ بسمته المادية و المعنوية و هذا ما لا تتوقعه القاصة أن يكون زوجها من أتراب والدها فهذه قضية إنسانية تحتاج إلى بحث في هذا العصر الذي أصبح من حق المرأة أن تختار فيه من هو كفؤ لها وكم يترك زواج أصدقاء الآباء من البنات من ارتكاسات نفسية تجعل الفتاة تنظر إلى من هو في عمر والدها و إن كان ذا مال و جاه من الذين لا يقبل عقل المرأة أن يقترن بهم ذلك بعدٌ إنساني رسمته الكاتبة بأبعاده الواقعية الصحيحة 00
(( درت الدنيا أجمعها و أنت تفرغ رغباتك 000
إلى طفلة لم تتجاوز الـ 16 ربيعاً 000
كلما سكبت كوب ماء أو قدمت لك فنجان فهوة حينما كنت تزور والدها 0
و تبقى الكلمات في ارتكاسها الانعكاسي ترسم مشاعرها على صفحة بيضاء حيث أن المال لا يشكل معياراً في مقياس رغباتنا لتحقيق أحلام زائفة لا يجلوها إلا الزمن و لا تصهرها إلا التجارب و تبقى الرهن التي تخطه الكاتبة وسماً على جدران الرغبة :
(( إليك عني 000 لا تقترب 00محالٌ أن أستسلم لرغباتك الجامحة اليوم ))
من حروف كهذه الحروف تصارع الذات ترسم لنا الكاتبة براءة الطفولة بياسمينها النقي و تسجل على صفحاتها الزمن المثقل بالخطايا و لكنها المرآة التي تعكس صفاء النفس لتبلور فكرة الواقع بارتداد الضوء المصقول على حوافها فهي الوردة البيضاء و الصفحة النقية التي تأبى الاستدراج و تشير الكاتبة إلى ذلك بقولها :
(( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء ))
(( اعتقدت أنك بمالك و جاهك ستشتري أغلى ما تملكه فتاة في عمري 00 لا يا سيدي 00 ما هكذا دم العذارى يباع 000 فدم العذارى ليس لأمثالك و ليس لك 00 ليس لك 00ليس لك ))0
هكذا أرادت الكاتبة أن تعبر عن المعنى الإنساني في الذات البشرية المتمثل في محاولة استغلال أنوثة المرأة من أجل إشباع نزوات الرجل الخارج عن الأطر الإنسانية 0
رأي حسين الهنداوي :
(( المفرد القصصية في نص دم العذارى ))
يفجؤك في نص (دم العذارى ليس لك) للقاصة أماني محمد ناصر هذه الشفافية الواعدة التي تكتنزها مفرداتها القصصية و التي استطاعت أن تحمل أبعاداً إنسانية تصور حقيقة شراء مشاعر الآخرين بحفنة من الدراهم فالمفردة التي استعملتها القاصة على الرغم من كون الموضوع ليس جديد فهو مطروق على مر العصور و على حد قول الشاعر نزار قباني (( بدراهمي 00 لا بالحديث الناعم )) هكذا أراد هذا الرجل الاستثنائي أن يكون زوجاً لفتاة لا ترغب في أن تنظر إليه مع أنها المحاولة التي قد تكون العاشرة من نوعها و التي أرادها هذا الرجل و أراد أن يقتنص منها عواطف فتاة صغيرة كالوردة لم يشم رائحتها أحد ٌ إلى الآن على حد قول الكاتبة 0 و لنلاحظ ما تحمله هذه المفردات من شحنات عاطفية أفرغت فيها الكاتبة موقفها الفكري من هذا الزواج غير المتكافئ و الذي ترى فيه كل الشرائع السماوية و القوانين الوضعية حيفاً و ظلماً للمرأة 0
و هاك أيها القارئ العزيز قول الكاتبة :
(( لم يستنشق أحدٌ رائحة العذارى منها 000))
(( لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي ))
(( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء ))
(( اعتقدوا أني خلعت ثوب الطفولة اليوم 00 لكنني لم أتنازل عن ثوب أنوثتي))
(( الآن و بعد أن ضمتنا غرفة واحدة كنت قد أغلقت بابها بطريقة و كأنك تشعر أنك ما زلت تسرق الأنوثة سرقة ))
(( لا يا سيدي ما هكذا دم العذارى يباع 00 فدم العذارى ليس لأمثالك و ليس لك))0
فإذا تفحصنا ما تختزنه هذه المفردات الشاعرية في المقتبسات السابقة نجد أن الكاتبة استطاعت أن تنتقل من لغة الحقيقة إلى لغة المجاز حاملة إيانا على بساط ريح أخضر يرينا فضاءات الأنوثة على حقيقتها 0
فقولها ((لم يستنشق أحدٌ رائحة العذارى منها 000)) يحيلنا إلى غابة روحانية تفوح منها كل الأطياب الزكية التي تتمثل في الأنثى فالمرأة و كما خلقها الله هي الرائحة الطيبة و الخصوصية هنا لكلمة رائحة العذارى التي تدل على لؤلؤة مكنونة ما زالت مختبئة في صدفتها لم تصل إليها يد إنسان 0
إذن لو تصورنا مع الكاتبة رائحة الأنوثة و جمال اللؤلؤة بعد أن نكشف عنها غطاءها لأصبنا بصعقة جمالية و هذا ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله في وصف نساء الجنة : (( وحورٌ عين كأمثال اللؤلؤ المكنون )) الواقعة ( 22-23 )
و هذا يعني أن لدى الفتاة مخزوناً جمالياً يكمن في عذريتها على عكس كثير ممن يدعون غير ذلك 0
أما قولها : (( لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي ))
و هذه أيضاً مفردات عبرت بها الكاتبة عن مكانة الشهوة لدى الرجال فهي مكانة عظيمة إذا ما صانها صاحبها و لكن تتحول إلى صخرة مخيفة تنزلق من أعلى إلى أسفل واد ٍ إذا ما أرادها الرجال أن تكون في غير مكانها الحقيقي 0 و الأجمل من ذلك أن انزلاق هذه الصخرة سيكون إجبارياً في مسامات أنوثة المرأة و هذا ما نسجله للكاتبة في المستحيلات غير الممكنة و التي نضيفها إلى المستحيلات السبعة إذ كيف بالصخرة أن تنزلق داخل مسام جلد المرأة ( و هذا يعني بالمفهوم الشعبي زواج الرجل عنوة بالمرأة ) و لا أعتقد أن هناك شيئاً أكثر كرهاً للمرأة من أن تتزوج ممن لا ترغب به و هذا ما وفقت الكاتبة في التعبير خيالياً عنه و إن كانت صورتها المجازية ( انزلاق الصخرة في مسام الجلد تناظر دخول الفيل في ثقب إبرة على حد قول الشاعر سميح القاسم أو على حد العبارة القرآنية التي فتحت هذا الأفق أولاً :
(( إن الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط و كذلك نجزي المجرمين )) 0
أما قولها : (( اعتقدوا أني خلعت ثوب الطفولة اليوم 00 لكنني لم أتنازل عن ثوب أنوثتي))
فإن القاصة عبرت عن أنوثتها الحصينة بالثوب السابل الساتر الذي يغطي معالم جميلة و هذا يعني أن القاصة تصر على أن الأنوثة كنز ثمين و هذا يرتد إلى الصورة الأولى صورة الأنوثة ( العذرية اللؤلؤة المختبئة في صدفة محكمة )0
و أما قولها (( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء )) فإن القاصة عبرت عن موقف إنساني يمثل حرية المرأة و إمكانية تصرفها في حياتها بحسب المنطق الذي يعود عليها بالنفع و السوية و هذا الزمن الذي كان فيه الرجال يكتبون ما يشاءون على النساء قد ولى مع أن جميع الشرائع السماوية ترفض ذلك فالمرأة صنو الرجل لها ما له و عليها ما عليه 0 و الأجمل أنها عبرت بكلمة ((كيفما اتفق و كيفما تشاء )) لتدلل بما الزائدة على أن الكثير من أفعال الرجال في حق النساء هي أفعال من صنع شهوات الرجال و عواطفهم و ليست قانوناً يجري على النساء لصالح الرجال فالمرأة ورقة بيضاء حقيقية أو لنقل وردة بيضاء نستطيع أن نرسم عليها جمال المنطق إذا ما أشرعت هذه المرة بحرية أفقها لنا أما أن نفتح الورقة و نكتب ما نشاء ثم نمزق
ما نشاء فذلك على حد قول القاصة عمل ليس له أصل 0
هذه المفردات الموحية إيحاءً خيالياً واسعاً تدلل على قدرة الخيال القصصي عند القاصة أماني محمد ناصر على اصطفاء الصورة الأدبية و إبداعها إبداعاً حقيقياً
يجعل من قصتها في الطبقة الأولى من القصص العربي المعاصر 0 و إن كنا نأخذ على الكاتبة بعض الاستعمالات السوقية التي يعبر عنها العامة بشكل يومي
و التي لا تبخس من مكانة القصة و لا تؤثر على تبوئها المكانة العالية في الفن القصصي 0
( و كم كنت أرى في عينيك نظرات لم أدركها إلا اليوم000 يوم عرسك و انتحاري ) و عبارة يوم عرسك و انتحاري عبارة شعبية قلقة من حيث الصياغة
و قولها ( لن أسمح بارتكاب خطيئتك بعد المئة معي ) كذلك القلق اللغوي الصياغي ينتاب عبارة بعد المئة 0
و بعد فإننا – الدارسين – نرى مع الكاتبة أن سرقة الأنوثة هي أفدح من سرقة أي شيء آخر و هذه سابقة تسجل للكاتبة على التفاتها لهذه القضية الحساسة التي يأبى الضمير الإنساني أن تتحول فيه الأنوثة إلى سلعة مادية يختلسها الآخرون 0




تداعيات دماء الفرس على بذلة بيضاء
قراءة موشورية في مجموعة الكاتبة سها جلال جودت
/ دماء الفرس /

دماء الفرس المجموعة القصصية الثانية للأديبة سها جلال جودت بعد مجموعتها الأولى (رجل في المزاد) و روايتها( السفر إلى حيث يبكي القمر) و هي مجموعة قصصية تقع في مائة و اثنتي عشرة صفحة من القطع الوسط مطبوعة في دار الأصيل للطباعة عام 2005 و التي تحاول الكاتبة فيها أن تتهجى حروف القصة القصيرة ذلك الفن العملاق الذي لا يصمد به إلا المبدعون 0
القصة القصيرة فن اختزال الواقع و الخيال معاً ينطلقان مسيرة فنية باتجاه بلورة أطر التجارب الإنسانية و للوهلة الأولى يفجعك و أنت تقرأ في تداعيات وردة حين تلدها رحم الأرض ثمة أشواك تدمي يديها و تعود كسيرة الجناح لترتسم صورة إنسانية على صفحات الحياة و إذا كانت الكاتبة في نصوصها تحاول أن تجعل من تجربة المرأة ( الوردة ) صورة إنسانية لامتهان الرجولة للحاجات الإنسانية فإنها في الوقت نفسه تجعل من هذه ( الوردة ) لوحة جديدة تولد من منظور جديد يجعلها إنسانة جديرة بالحياة 0
ولا يمكنك و أنت تقرأ قصة تداعيات وردة إلا أن يتمثل أمامك صورة فتاة يزوجها والدها المنحط أخلاقياً لشخص لا تحبه مقابل دين له بذمته و لكنها تعود إلى بيت أهلها مكسورة الجناح بعد اتهامها بالترجل و أنها مطوقة بصمت الرجال 0 بينما تجد في القصة الثانية ( قنديل الروح ) أن الكاتبة تحاول أن تسبر مغاور النفس لتثبت أن المعضلات التي يتعرض لها الإنسان قد تخلق منه إنسان آخر ربما كاتباً كبيراً يملأ على الناس صمتهم و تحقق ذلك في ليلة القدر و عاد النجم إلى مساره لينضج حلمه بالأولاد يملؤون عليه الأزمنة 0
بينما تمثل القصة الثالثة صورة الصراع الاجتماعي حيث أبو إسماعيل و الأرض التي استحوذ عليها بالقوة من قبل ابن الجيران 00 يموت غريباً عن جيرانه و ترتفع فوق قبره المباني بينما تجد نفسها أمام باب الحمام بعد صراع مع الحيتين لتكتشف أن ابنها قد خبأ ابنة الجيران في الحمام و فجع قلب الأم عندما كانت الحية السوداء في زيارة لفراش ولدها 0
أما القصة الرابعة فتلخص في دعوة الجار لجاره أن يتجسس على زوجته ليكشف أنها مصابة بمس الجنون و المفاجأة العظيمة أن من أرشده إلى ذلك هو من تقدم إلى خطبتها بعد طلاقها فالحرف جيم لما فيه من ( جنون – جبن – جرأة – جرم–جور ) يقتبس من معاجم اللغة حروفها التي تغوص في أعماق الكينونة النفسية في فضاءات اللامحسوس 0
و إذا انتقلت إلى القصة الخامسة تدرك مدى الصراع الذي يعكس أثاره على نفسية الإنسان الذي يحمل شقاء السنين و عذاباتها فمجزرة دير ياسين كانت الحدث الأهم الذي يتصارع فيه الابن في الثأر لأبيه و لكن المافيا الإسرائيلية تكون له بالمرصاد و الحدث يتحول في اللحظة نفسها إلى استشهاد الأب وولادة الابن الجديد 0
لا نريد أن نعني القارئ في الاستماع إلى أحداث القصص الأخرى التي لا تخرج في إطارها عن رسم الواقع الإنساني في المجتمع العربي و لكننا نريد أن نؤكد على قصة
( دماء الفرس ) التي هي سمي المجموعة و التي بنيت على حلم ٍ عاشته الكاتبة و يخص صديقتها ميساء و تعود الكاتبة إلى لوحتها فتجتز الألوان حيث يختلط عليها اللون بين الأبلق و الكميت المتأرجح بين السواد و الحمرة بحيث تتحول هذه الفرس الجموح أو قل المرأة الطامحة إلى ضحية من ضحايا المجتمع فالياسمين فقد رونق البراءة 0
و هذه سجية في المجتمعات المتخلفة التي لا تقدر للإنسان مكانته و الكاتبة تعتمد الحلم إطاراً لنصها تنبثق منه تداعيات اللاشعور الذي يختزن كل ما لا يقبله المجتمع في ذاكرته و يتحول إلى أفعال تنعكس على الواقع و تجعل الإنسان يعيش حياته من خلال ردود أفعال لا قيمة لها و الإطار النفسي للدراسة الأدبية في هكذا نصوص يعطي الأولوية إلى الرموز التي تنشئها و تتحول إلى مفردات و سمية تطبع النص بطابع فهم الدوافع وراء الأحداث فدماء الفرس كما نرتأي هي نقطة التضحية و نقطة الطموح و نقطة التحول و نقطة السقوط في الوقت نفسه ناهيك عن أن الفرس نفسها تمثل انطلاقة الحياة و بعدها الحركي الذي تنبعث منه الخصوبة فكيف إذا كانت هذه الخصوبة تصبح ضحية من ضحايا المجتمع لقد مثلت الكاتبة مجموعة نصوصها في دماء الفرس بلغة نحتتها من واقع الحياة المتداول على ألسنة الناس و الذي يمثل المجتمع العربي في بيئتها الإنسانية فالرمز أحياناً يغطي مساحات من أحداث القصص بينما الدفع و المباشرة يلتهمان بعض النصوص فتتحول القضايا الاجتماعية إلى قضايا ناثرة و كم يبدو ذلك واضحاً في مدلولات ألفاظ الكاتبة في نصها ( زوجي يحب الثوب الأحمر ) رموز واقعية تمثل أعماق اللاشعور عند الرجل الشرقي الذي يبحث عن مأوى و أليف و لكنه في الوقت نفسه يحوّل هذا الأليف إلى فرس دامية صورتها عالقة في الذاكرة 0
دماء الفرس تنطفئ زغردة الجدة 000 تنام ملامح البشر و لا تستيقظ0000 تصرخ وردة بصوت أنثوي جريح :
ــ ( يس ) 0
تردد الجدة قل من يحيي العظام و هي رميم
قراءة أخرى وردود أفعال أخرى يمكن أن يكتشفها القارئ بنفسه في إعادة النظر في قراءة المجموعة القصصية قراءة تنطلق من اكتشاف الأعماق الموجودة ما بين سطور القصص التي يبدو أنها تجارب عايشتها الكاتبة في مجتمع تتناقض فيه العلاقات الاجتماعية 0


الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم




قراءة سيكولوجية في بوح الهمسات النفسية
في نص / شرنقة مزقت رعشتي / للشاعرة : سمر سليم الزريعي
الدارسان : حاتم قاسم ـــ حسين الهنداوي

قصيدة النثر كما يسمونها أو كما تتراءى لنا نص لا تعتمد القافية و هي تحمل في نبضاتها ما يختلج في الوجدان لتنبض بتصوير رمزي و إيحائي يفرغه الشاعر على أرض الواقع من خلال مخزون ارثه الثقافي ، فالشكل الشعري الجديد يبدأ من الكلمة و مدلولاتها و إيقاعها ليأخذنا نسبح في عالم الصورة التعبيرية و الرمز و سائر ضروب الإيحاء اللفظي و مدلولاته الكامنة في مناخات اللغة و الموسيقا التي تلون النص بإيقاعها الدافئ تضفي عليه رونقاً جديداً و هذا ما يفتقده قالب الشعر النثري مع الاحتفاظ بسمته الأدبية 0
و النص الذي بين أيدينا بعنوان : / شرنقة مزقت رعشتي / للشاعرة سمر سليم الزريعي هو أحد نصوص النثر فالعنوان يرسم لوحة على جدار الذات ليسبر مغاورها و يتوجس أنفاسها الصاعدة التي تبوح برعشتها 000 لوحة ترتسم مع أمواج البحر لتتلاقى مع أصداء الذات عبر الأنفاس المتبرعمة في شطآن الوهم و الحقيقة 00 وهمٌ يركض حافياً يرتدي الخطوات لكنه يشرق من انفعالاتها حلمٌ طفولي فيه براءة القرنفل و نقاوة الياسمين بولادة جديدة و حلم جديد

(( أيها البحر الغريق
امض لليلي 000
لتعبر الأنفاس المتبرعمة
و سأرتديك لأمحو خطواتها مني
فأشرقت منك
طفلة تتشكل من جديد ))
حركة ديناميكية مستمرة تكسر أعتاب صمتها ببوح السكون لتقف عند حدود الذات ترسم حروفها المائية التي تحمل حيوية متدفقة من شعورها الصادق الباحث عن ظل
واعد في ليل الحياة المظلم 000 إنها انطلاقة جديدة ترسمها الشاعرة بحروفها الملتهبة 000 و همسة راعفة تزجيها إلى أسلاك القلب التائهة في مغاور النفس التي تبحث عن أنفاس جديدة ترتقي بحلمها من عتمة الليل و الوحدة إلى نافذة الهمسات التي تشرق منها بوحاً جديد 0

(( فكل الحروف مائية
حطت بخيلها في أضلعي
تحررني
لتجمع ماءك
من عتمتي 000
فيمضغني السواد بوحدتي
عند أبواب همساتك ))

لكن التدفق الحيوي في لغة الشاعرة لم يقرع باب اليأس بل فتح نافذة الأمل للربيع الذي يجدد الحياة بنسغ ٍ يخضوري يورق في كأس ورد الحبيب يعطر ليل الماضي :
(( استدعي الربيع الآن
ليلتهم فراشة حنطتها 000
بغرفتــي
في كأس ورك ))

و تبقى زفرات الصورة تنقلنا بألوان طيفها قوس قزح يقرأ فنجان قهوتها من رئة ممتلئة بحصى الأنفاس الهاربة من أطياف وحدتها إلى عالم واقعها تاركة أنفاسها المتعبة و صمت وحدتها و أحلامها الخرافية تنكسر على أمواج زرقة البحر لتنقلنا عبر جواز مرور إلى أفق ممتد ٍ في فضاءات رحبة تعلن ميلاد ساعة الصفر 00
الشاعرة باحت بصمتها و بلغتها الوجدانية أفاقاً تخترق حاجز الذات لتسبر معالمه و جعلت من لوحتها البحرية الغريقة في عالم الوجدان رموزاً تولد ُ في كائناتها لتغدو عنصراً فاعلاً في لوحتها 000
( فالبحر الغريق و الأنفاس المتبرعمة ) صور ٌ تتعدى سكون الحركات لتدخل أعماق الذات 0
صورتان متلازمتان ( غرق وولادة ) و لأن عجلة العمر الكوني لا ترجع إلى الوراء ندرك أن بعد الموت ولادة و حياة جديدة 0
فتمتشق من مفرداتها قاموساً ذاتياً يحتوي خصوصية تلقائية ترسم لوحتها في جسم القصيدة فتعابير مثل ( بجوفي – عتمتي – لملمني – برعدي – في رئتي – في يدي )
كائنات حسية ترسم لوحة الذات و تعبر عنها بل تغوص في أعماقها لتسبر بمفرداتها جمالية اللوحة 0 فالوهج و الإحساس الصادق لدى الشاعرة يسبر مغاور نفسها عبر انغماسه في الواقع الحياتي و هذا ما عبرت عنه جلياً في مفرداتها :

(( بنضج الليل عند اشتهائي
احتسي قراءتي لفنجاني ))

نبض صادق يتعالى في صراع مع حواس الجسد لينطلق في أفق الوعي اللامحدود
بخصوبته المترامية في الأفق الطلق يبحث عن معالم جديدة لحلم جديد 0
و من هنا يبدو لنا أن العزف على أوتار قصيدة النثر يحتاج إلى قوة تخزينية للصورة الشعرية بحيث تدهشك معالمها دهشة ً تنقلك دفعة واحدة إلى عالم آخر كما و تحتاج إلى لغة مختزلة ترتقي مفرداتها إلى قاموس ينقلك عبر أثير روح الكلمات ليرسم أبعاد الهدف الذي تتحدث عنه القصيدة 0
هدفان متكاملان و متسارعان في الوصول بالقارئ إلى اللحظة الشعرية الفطرية التي تبعث في النفس حقيقتها ( الصورة الشعرية – اللغة الشعرية ) و كم نتمنى من كتابنا المعاصرين الذين يمتطون صهوة هذا الجنس الأدبي أن يعوا أن حصان الشعر حصان مشاكس يحتاج إلى فارس ٍ ماهر يقوده من صحارى الكلمات إلى واحات الوجدان الشعري الخالص 0
حاتم قاسم ـــ حسين الهنداوي


سها جلال جودت
قراءة انطباعية في رواية ( ذاكرة القلب 000 ذاكرة الروح )
نحن أمام نص أدبي أعظم أبعاده ذاكرة حريرية و لكنها بخيوط حديدية
في انعتاق الروح من أسر المبادلات المعنوية و المادية الناشزة تقفز أمامك انبعاثات الصمت خلف آفاق مطرقة العلاقات الاجتماعية غير المتكافئة 0
يفاجئك في نص القاصة شخصيات متعامدة هما وجهان لعملة واحدة التطلع نفسه و التوجه نفـــسه و الشراسة نفسها و الجشع الجسدي هو واحد 00آفاق عدوانية واحدة و طموحات واحدة 00 إنهما لا يريان من المرأة إلا حسيتها و صورتها الخارجية أما أعماقها فهي لا تهمهــما و لا يمكـن لها أن تتجسد أمامهما إلا ( المرأة المتعة ) ( المرأة المفاتن الجسدية ) ( المرأة الجذابة بشـــكلــها ) و هذه مفردات الواقع الاجتماعي في البعد الثالث لشخصية الرجولة عند بعض الرجال 0
و في النافذة المقابلة هناك امرأة تبحث عن زوجها عن طموحاتها الإنسانية عن بعدها الحقيقي الذي ما يزال مجتمعنا العربي يفتقد كثيراً من معطياته 0 نحن أمام نص أدبي أعظم أبعاده ذاكرة حريرية و لكنها بخيوط حديدية ترسم أبعاده الرجولة غير الواعدة و هذه هي المشكلة 0
تنتظر قدومه على حصـــان أبيـض و لكنها تريده بشخـصية عنــترة العبسي
تنتظر قدومه ليحملها معه إلى عالم مثير من نور أرضه و من برتقـــال طعمه ومن محبة حكمــــته و هذه صورة ما تزال المرأة العربية تختزنها عن الرجولة بمعناها الشـــــفاف و تنســــى أنهـــا في هذا العصر أصبحت مزدوجة الشكل لا ترى في الأنوثة إلا مفاتن و مكاســــــب و ما يفاجئـــــوك أكثر الإرتكاس الذي تعيشه المرأة بعد أن تكتشف أن طموحها و أحلامها أضحت هبـــــــاءً منثورا تماماً كدقيق نثروه على شوك و عليك أن تلتقطه 000 هيهات 000 هيهات 0
النص يرســــم صــــورة معلمـــة تبحث عن ذاتهــــا و تريد أن تحقق وجودها بمشروعية و لكن نصفها الأخر 00 نصف التفاحة الآخــر تختزنــه النرجــسية و الأنانــية و الذاتية و حب إضافة الآخرين للمفضلة الكمبيوترية 0
حقيقة كان شريط الذكريات في نفس رواية النص يرسـم على صفحـــات ذاكرتنا عواطفاً مكدســــة متلبدة كغيوم السماء تبحث عن صفقة كهربائية تمطر روحها كي تسقي نرجســـــاً وورداً أحمــــراً
فسخرته العاطفة التي أحرقت خيال النص و حولته من رواية تتحدث على لسان شخصياتــــها إلى شريط صوتي يقول ما يشاء و كيفما شاء يشد عواطفك و لا يتحرك صوراً أمامك 00 حوار تديره الكاتبة على لسان المتكلم بدل أن تحركه شخصيات القصة فتختفي الكاتبة وراء كل شخصــــية 00 إنها تتحدث عن نفسها ضمن مذكرات رائعة لا تنمو فيها إلا شخصـــــية الكاتبـــــة بينما تتراجــــع الشخصيات الأخرى أمام طرقات عاطفة الأنا المتكلمة و بغض النظر عن بعض الهــــنات الـــــتي جاءت على شكل تعابير شعبية مثل :
( لا تجتمع الماءات مع بعضها )
( وجودها المندغم )
( لتسأله لأول مرة )
( و من دون أن تشعر )
( لأنه من الشطار الحاذقين )
( لا معاذ الله )
فإن النص يطلق في فضائنا استجابات امرأة مطلقة تتسرب إليك ذكرياتها فتخطفك من روحـــك ما آلت إليه عفويتها ووداعتها و فطريتها و عدم فهمها التجريبي أن الحياة تحتوي الكـــثير مــــن الوحوش البشرية الذين لا يفهمون المرأة إلا نهشاً جسدياً 0
لم تفعل الأحداث في النص فعلها الحقيقي ، و الحبكة لم تكن بالمســـتوى المناظــــر للمضمــــون المأساوي الذي تشرنقت داخله كاتبة النص و بالتالي افتقرت مقاطـــع النص إلى عـنصــــر الجذب و التشويق ، فالمسألة التي أثارتها الكاتبة لا تلقى عند الآخـــرين اســـتجابة لأن مدخلات النظـــــام الاجتماعي قد هيأت الآخر للنظر للمرأة على أنها ذات بعد ين :
الأول : بعد يمكن استبداله حين لا يكون مناسباً لمزاحنا
الثاني : نحن لا نحب في المرأة إلا صوتها و شكلها و هذا هو حدود استجابة الرجولة بشكل عــــام و من حقنا على الكاتبة أن تعيد النظر ببعض شخصيات نصها حتى تكون ذات فعالية أكثر 0
ناهيك عن أن تزاخم الأحداث الروائية يحتاج إلى مبادلات اجتماعية فكرية معقدة تفرزها تجمعات مكتظة تفتقد عناصرها القيمة الواعدة 0

حسين علي الهنداوي


ريم أبو عيد تبحث عن هوية مفقودة
قراءة فنية لنص قصصي
( يوم شتاء بارد )

استيقظت كعادتها مبكراً ،في ذات يوم من أيام الشتاء الذي تحبه لشعورها أن فيه شيئاً منها .. أطلت من النافذة و جالت ببصرها نحو السماء الملبدة بالغيوم ،ذكرها هذا المناخ بمناخ حياتها المعتم ، القاتم .. تساقطت دمعة من عينيها العسليتين ، سرعان ما انتبهت لها فمسحتها بطرف إصبعها الرفيع قبل أن تنحدر على خدها المخملي .. و أعادت النظر إلى السماء التي تكاثفت فيها السحب ، معلنة عن بدء هطول المطر .. وما هي إلا لحظات حتى بدأ المطر في الهطول و مع كل حبة مطر تسقط على الأرض كانت تخرج منها زفرة أسى على أيام عمرها المتساقطات كما المطر، وأوراق الشجر في الخريف .. مرت أيامها سريعاً أمام عينها كشريط سينمائي اختلطت فيه الصور و الأحداث والأشخاص .. فتاهت الملامح في ذاكرتها التي تحمل كماً هائلاً من الذكريات الأليمة المرة .. كمرارة حياتها و أيامها .. و لكنها ككل مرة طردت من مخيلتها الذكريات والأشباح التي تتراقص دوماً أمامها فتشعرها بخوف مجهول ..تساءلت بهمسة خافته مكتومة : "هل شعرت يوماً بالأمان؟؟" هزت رأسها يمينة و يسرة في دلالة على النفي، تركت النافذة و ذهبت لتعد فنجان القهوة الذي اعتادت أن تشربه كل صباح وحدها .. فهي دائماً وحدها حتى و إن كانت بين الناس .. انتهت من إعداد القهوة ، كان البخار يتصاعد من الفنجان ، بينما كانت تسير بخطى ركيكة ، باتجاه الشرفة .. ابتسمت ابتسامة خالت لها أنها بلا معنى ..في الوقت الذي أحست فيه بأن هذا الطقس الصباحي هو الشيء الوحيد الذي أصبحت تشعر بطعمه و مذاقه في هذه الحياة ..جلست على الكرسي الهزاز أمام الشرفة ، أسندت رأسها إلى المركى ، معلنة حالة صمت مطبق ،حيث ذهبت بعيداً بخيالها و بدأت في التأرجح بالكرسي في حركات خفيفة هادئة .. تماما كما أيامها ، إذ تتأرجح بها ما بين صعود و هبوط ، بفارق أن تأرجحها أشد عنفاً لدرجة أنه كان يهز كيانها ويكاد يفجره ..رشفت من القهوة بهدوء كعادتها .. فهي اعتادت أن ترتشف قهوتها بهدوء لتستشعر مذاقها على مهل .. و رائحة البن تملأ أنفها .. فابتسمت ابتسامة أخرى يلازمها نفس الشعور بأن لا معنى ولا سبب لها.. وكانت في هذه الأثناء تضغط براحتيها الصغيرتين على فنجانها ، معلنة بذلك تمسكها الشديد به ، لكونه من أعز طقوسها ، وفي ذلك قناعة على نحو ما بأنه الوحيد الذي تحبه و تستطيع أن تحتفظ به لكونه الشيء الوحيد في هذه الحياة مباحا لها أن تشعر تجاهه بمشاعر الحب .. ولكن سرعان ما خفتت فرحتها الخفية ليحل الوجوم .. حيث دون سابق إنذار طفقت في البكاء .. بكاء هادئ صامت ..استسلمت له.. فهو الرفيق الوحيد لها في هذه الغربة الموحشة .. وهو الصديق في صحرائها القاحلة .. بكت لحد عدم قدرتها على إكمال فنجان قهوتها .. وضعته جانباً و دفنت رأسها الصغير بين راحتيها تاركة دموعها تنهمر بغزارة كما المطر المتساقط من السماء ..ثم رفعت رأسها بعد أن هدأت قليلاً .. نظرت حولها و انفلتت منها ضحكة ساخرة .. متسائلة في داخلها : "أهذا هو المآل، نهاية حياة حافلة بالمعاناة .. أربع جدران موحشة وغربة ووحدة .." كم كانت الأيام قاسية معها منذ أن كانت صغيرة .. لم تعش كواحدة من قريناتها الأطفال في دفء وحنان وأمان .. كانت دائماً وحيدة و كانت تمنى نفسها أنه سيجيء اليوم الذي تلتقي فيه مع قلب يضمها و يحتويها بكل حنان ، وحب يشعرها بالأمان المفقود .. يعوضها عما قاسته من حرمان في هذه الحياة .. لكن الحياة تأبى إلا أن تزيدها حرماناً ، وتجردها من كل معنى جميل و كل مشاعر دافئة .. فجأة شعرت ببرودة تسري في أوصالها فارتجفت كعصفور صغير يقف بلا مأوى تحت المطر .. كأن جليد المشاعر يحيط بها من كل جانب .. فمدت يدها لتستعيد فنجان قهوتها علها تشعر بالدفء من حرارته .. فما أن رشـفت منه حتى اكتشفت أن القهوة قد فقدت حرارتها .. فقد الفنجان كل الدفء الذي كان يحتويه كما فقدت هي من قبل كل الدفء في حياتها .. نظرت إليه بأسى و تساقطت دمعة كانت قد بقيت في عينيها في الفنجان فأحدثت دوامة صغيرة كتلك الدومات التي اعتادت أن تدور فيها .. اعتلى وجها ابتسامة ساخرة ..قامت من مكانها وسارت تجاه المطبخ بلا اكتراث .. راحت تسكب ما تبقى من قهوة في المجلى .. و نظرت إلى السائل و هو ينسكب من الفنجان بلا أي اهتمام .. فمنذ زمن طويل لم تعد تهتم بأي شيء في هذه الحياة ..



تبتسر القصة القصيرة عناصرها من شبكة عنكبوتيه و لكنها فولاذية الخيوط 0 تحتاج إلـى مجهر دقيق يكشف عن مكونات عناصرها ، فالقصة القصـيرة هذا الفـن الهادئ المشاكـس بطبيعته يستطيع أن يحملك إلى واقع آخر يجتزئ التجربة من الخيال و يجتزئ الخيال ليكونه تجربة عظيمة اللهم إذا كان القاص فناناً بارعاً في تعامله مع النص القصصي قادراً في رسمه للشخصيات التي يختارها 0
و نحن هنا في نص يوم شتاء بارد نقرأ مفكرة رائعة من المفردات و الصور التي تكون لدينا خيالاً واعداً فاللحظة التي صورتها الكاتبة لحظة متميزة لأنها تسبر أعماق النفس و تحـول المشاعر إلى أفعال تتراقص على الورق و إلى كلام نلمسه و نقرأ ما وراء أحرفه من معاني تشكل جزء عظيما لأي النفس و الذات0
نحن إذاً أمام موقف ( ذكرياتي) يصور لنا صفحات من ذاكرة الكاتبة و ينقل لنا أدق التفاصيل بلغة شاعرية تطير بنا على جناحي بساط الريح و تحملنا إلى أفق يبدو أنه عند الكاتبة مسدود من الطرف الآخر 0
فهي من خلال عباراتها تبحث عن ( استراحة المحارب ) و لو كانت هذه الاستراحة دقائـق معدودة و الدلالة على ذلك هذه التشاؤمية التي تتبطنها الكاتبة فتنساق على لسان شخصـية قصتها بشكل لا شعوري ( أربع جدران موحشة و غربة ووحدة ) سبقت هذه العبارة بتساؤل
داخلي يحتاج إلى ( مشرحة فرويدية ) حتى يستطيع أن يستنسخ ما في أعماق نفـس الكاتبة ( أهذا هو المــآل 00000 نهاية حياة حافلة بالمعاناة ) لا أعتقد أن الكاتبة قد وصلت إلى سن اليأس حتى تعبر عن تجربة مريرة مليئة بالمطبات و المصاعب و الإشكـالات 0 إنهـا تبحث كغيرها من النساء عن حضن دافئ تستطيع أن تأوي إليه كقريناتها ممن تعيش حـياة هانئة و قد عبرت عن ذلك بقولها ( كم كانت الأيام قاســـية معها 000 منذ أن كانــت صغيرة 000 لم تعش كواحدة من قريناتها 000 الأطفال في دفـئ و حـنان و أمان ) و لا أعتقد إلا أن الكاتبة تعيش أزمة خاصة تبحث فيها عن هوية مفقودة يمكن من خلالها أن تعبر الحياة الواقعية فهي قادرة بجواز مرورها ان تعبر الحياة الخيالية و هذه سمة ليست بالعادية و لكنها تحتاج إلى مركب من نوع آخر ينقلها إلى المشاعر الدافئة التي تمثل لديها الحياة كاملة 0
و النص الذي بين أيدينا إذا ما تجاوزنا فيه الأخطاء التعبيرية التي وقعت فيها الكاتبة بقولها
( لم تعش كواحدة من قريناتها الأطفال )
و كان من حقها أن تقول
( لم تعش كواحدة من أقرانها )
( فابتسمت ابتسامة أخرى يلازمها نفس الشعور )
و الحق ن تقول :
( يلازمها الشعور نفسه )
و قولها : ( ابتسمت ابتسامة خالت لها أنها بلا معنى )
و الصحيح أن تقول:
(ابتسمت ابتسامة خالتها بلا معنى)
و قولها ( بكت لحد عدم قدرتها على إكمال فنجان قهوتها )
و الصحيح أن تقول :
( بكت إلى حد جعلها غير قادرة على إكمال فنجان قهوتها )
و قولها ( فما أن ارتشفت ) و الصحيح : ( فما إن ارتشفت )
إذا تجاوززنا هذه الهنات التعبيرية إلى عناصر القصة لوجدنا أن هناك حاجزاً بيـن عـنوان القصة و بين مضمونها فليست هناك في النص عبارات توحي إلى علاقة بين مضمون النص و بين عنوانه اللهم إلا في خيال الكاتبة فقط حيث اعتبرت خيالياً أن حدوث هذه القصة شتاءً يجعل هناك رابطاً بين اليوم الشتائي البارد و بين ما سلخته الكاتبة نفسها من ذكريات 0
و إذا كان من حقنا أن نفتش عن عناصر القصة الحقيقية في النص فإن من دواعـي النقـد و تأسيساته القائمة على القواعد أن نشير إلى أن النص الذي بين أيدينا أقرب إلى الســيرة الذاتية التي تؤرخ لاستجابات نفسية تستدعيها ذاكرة الكاتبة فتفرغها على شكل نص 0
أما الا ّ تكتشف الكاتبة جنس النص الذي أفرغت فيه تجربتها فهذه مسؤوليتها المتـمثلة في إعادة الحسابات من جديد 0
صحيح كما قلنا في المقدمة أن لغة الكاتبة و صورها استطاعتا أن تحققا حضوراً أدبياً جميلاً رائعاً خجولاً و لكن فن القصة القصيرة يستحيي كثيرا حينما لا يجد أجلّ عناصره حاضراً على مساحة التجربة فـ ( الحدث و الحبكة و عنصر التشويق ) أثافي ثلاثة لا تقــوم إلا عليـها استجابات فن القصة القصيرة و هي دعامات تنمية فن القصة وهذه عناصر يكاد النص الذي بين أيدينا يخلو منها و إن كنا نسمع نداءات في عالم القصة تدعوا إلى تجاوز القواعد و لكن يفترض أن يكون هذا التجاوز إلى قواعد عصرية تتناسب و العصر الذي نعيشه 0 و ما نقوله في حق النص لا يستدعي إلغاء جماليته بقدر ما نحن نبحث عن انتماء هذا النص و هوية هذا النوع من الكتابة الذي ينتمي إلى (السيرة الذاتية) و قد أكـدته الكاتبـة من خـلال عنـوان نصــها ( يوم شتاء بارد ) و اليوم في مفهوم مذكرة و مفكرة الكاتبة هو سـيرة لم ترق إلى أن تتحول إلى قصة قصيرة و تصنيف النص مسألة حساسة فالسيرة الذاتية فـن نــزر و عظيم انقطعت به السبل بعد العقاد و محمد حسين هيكل و ميخائيل نعيمه و تحـول عنـد كتابنا الجدد إل ذكريات يسردها الكاتب أو الفنان بلغة جميلة بل إلى خواطر يرســمها على صفحات الورق 0
الدارسان :
حسين الهنداوي ـ حاتم قاسم






ميكانيكية الدهشة
قراءة استكشافية لنص / قلادة الدهشة / للأديبة القاصة : ماجدولين الرفاعي

الدارسان : حاتم قاسم – حسين الهنداوي

نص القصة القصيرة :
قلادة الدهشة


كنت أتابع هبوط الطائرة صوب مدرجها قرب البحر ويكاد يخيل لمن يتابعها أنها سوف تسقط في الماء .
للوصول رعشة مميزة فعندما لامست عجلات الطائرة أرض المدرج إرتعش جسدي بشدة ، لابد أنَّ الوصول إلى مكان كنت ُأحلم بالذهاب إليه هو السبب في هذا الشعور اللذيذ .
كان بانتظاري أقارب وأصدقاء وقد أبدى الجميع استعداهم لتوصيلي إلى مكان إقامتي في هذا البلد .
أتأمل الشوارع والمباني أثناء سير السيارة التي تقلني وكل شئ في هذه المدينة يدلُّ على حضارتها .
ينبغي أن أبدأ جولاتي في المدينة لكي أرى معالمها ، تحسست حقيبتي لأتأكد من وجود الكاميرا .
كل شيء مبهج في هذه المدينة ، سكانها منطلقون ، وجوههم سعيدة وقد شرح لي صديق كيف أتجول وقدم لي خريطة للمدينة محدداً أماكن محطات المترو وأسمائها .
الوقت بالنسبة لي هنا ثمينٌ جدا وعلىَّ ملاحقته بالتجول والتعرف إلى معالم المدينة ولهذا صحوت مبكراً وخرجت ومعي الخريطة إلى أقرب محطة مترو .
اشعر بغربة حقيقية إذا لم أتمكن من السؤال عن أي أمر في بلد لا أتقن لغته وفي المترو جلست على أول مقعد صادفني في فترة الذروة الصباحية هذه التي ينطلق فيها الجميع إلى أعمالهم .
من بين الركاب .. طالعتني عيناه ....
كان يحدِّق بي بطريقة لافتة للنظر ويبدو أنه عربي ولكن هل عرف أنني عربية أم أنني أشبه سيدةً يعرفها ؟
انشغلت عنه بقراءة أسماء المحطات في لوحة مثبتة إلى جانبي وكنت ألقي نظرة سريعة إلى مكانه كلما توقف المترو في محطة لعله يغادر لكن عينيَّ كانتا تلتقيان بعينيه مباشرة .
هاهي المحطة التي أريد .. توقف المترو وبسرعة تسلقت الدرج الصاعد إلى الخارج لكنه استوقفني بلهجة عراقية :
ـ هل أنت عروبية مدام مجد ؟
التفت إليه بنظرة حيرى وأعجبت بفراسته وقدرته على معرفتي .. كيف في بلد كبير وفي هذا الزحام يعرفني ؟
وقبل أن أجيب تابع كلامه : أنا الدكتور عبد الرحمن عراقي ولكني أحمل الجنسية الإنكليزية ثم مد إليَّ بطاقة كتب عليها اسمه وأرقام هواتفه قائلا إنْ احتجتِ إلى شئ مدام مجد أو أي خدمة لا تترددي بالاتصال وأسرع مغادرا المحطة والمكان .
كدتُ أصرخ به ليتوقف ربما لشعوري بالألفة تجاه عربي في بلاد غريبة
وقد تكون حاجتي لدليل يرافقني في التجول في مدينة غريبة ، لكن خجلي وحيائي منعاني من الصراخ .
من هو وكيف عرفني من بين الجميع لقد لفظ اسمي وهذا يدل على معرفة أكيدة .
ألححت على ذاكرتي لعلها تسعفني بتذكره أو باستحضار بعض التفاصيل عن الأماكن المحتمل أن نكون قدا لتقينا بها لكن دون جدوى ولم تغب صورته من ذهني على مدى يومين .
أخيراً قررت أخذ مبادرة تريحني وتجيب عن سؤالي وعلى الهاتف حدد لي موعد لقاء .
تمر الدقائق بطيئة في انتظار وصوله وأخيراً يطلُّ بابتسامته الطيبة ويجلس في الكرسي المقابل ممعنا النظر إلى صدري وابتسامة تعلو شفتيه
مدام مجد أريد أن أسالك سؤالا قبل أن يأخذنا الحديث ؟
هل قلادتك مشغولة في بلدك ؟
بحكم الاعتياد لم أكن أطالع قلادتي ولكنه حين سألني نظرت إليها .
أطرقت إلى المنضدة التي أمامي وقد انتابتني ضحكة هستيرية لم أتمكن من كبحها رغم دهشته الكبيرة ونظرات الناس من حولنا .
قلادتي كانت .. عبارة عن اسمي مكتوباً بالحرف العربي .

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------

إذا كانت القصة القصيرة تصور لنا الواقع باختزال الكلمات فإن مكنونها الداخلي هو أكثر قدرة على طرح المضمون في إطار تتصاعد فيه الأحداث في قالبها الفني الذي يضفي عليها الرمزية الواقعية و تقوم الكاميرا هنا بتصوير الحدث في مونولوج داخلي يطرح شخصيات القصة بأفعال انعكاسية موشورية الأبعاد تسبر النفس و تلج في أعماقها لاسترجاع أحداث الماضي و مزجها بذكريات الحاضر ، فالزمنية تتجاوز حدود الذات و أما المكان فهو حاضر في كل الأفئدة التي تداعى فيها الحدث ليرسم لنا أحداث القصة 0
و النص الذي بين أيدينا / قلادة الدهشة / قصة قصيرة للأديبة القاصة ماجدولين الرفاعي نقف فيه أمام نص قصصي يبشر بظهور قصة قصيرة تتفنن في صياغة تعابير الحدث و ترسم لنا معالمه عبر منهجية درامية تكشف جوانب القوة و جوانب الضعف في سيكولوجية النفس و اختزان ذاكرتها و يتجلى لنا ذلك بالمعطيات السوسيولوجية عندما تخرج الحياة عن طور بساطتها المعتادة لتدخلنا في تقنياتها المعقدة عبر طفرة تكنولوجية نعيشها و أشارت الكاتبة إلى ذلك بقولها : (( كنت أتابع هبوط الطائرة صوب مدرجها قرب البحر )) كانت تعرض لنا شريطاً سينمائيا بمجساتها التي صورت لنا
شوارع المدينة و مبانيها و حضارتها و قدمت لنا خريطة واضحة الأماكن فمحطات المترو تعكس لنا جانبا من جوانبها 000 و أما الذي انطبع بذهن الكاتبة يؤطر الحدث عبر سرد تتوهج فيه الحروف و يلتقي فيه التفكير ليرسم لنا صورة الآخر 000 تمديد اللحظة الزمنية التي تتجاوز حدود المكان بغربتها تبحث عن سؤال صامت يقبع في مخيلتها لتحدث نفسها : (( أشعر بغربة حقيقية إذ لم أتمكن من السؤال عن أي أمر لا أتقن لغته )) و هنا ترصد ملامح الخصوصية بين الشعور بالغربة و لهفة السؤال في بلد ٍ لا تتقن اللغة فيه و هذا شكل تعبيري ترسمه الكاتبة ببعد أفقي يتجاوز حدود الذات إلى عالم اليوم بكل لغطه و صخبه و تعقده 0
و تتصارع الأحداث لترسم لنا معالم الذات التي تبحث عن هواجسها في صورة الآخر 000 لترسم لنا الكاتبة معالم واضحة التقاطع في أبعادها الشاقولية لتوازي بين مستوى الصوت السردي و اللغة المتجانسة للنص و ترسم عبر معالمها تبدل شخصية السارد و المسرود عنه لتتقاطع في نقطة الاهتمام من الناحية الفنية و تشكل بعداً بلاغياً و قد نجحت الكاتبة في تصوير الحدث لتعبر عن ذلك بقولها : (( كان يحدق بي بطريقة لافته للنظر و يبدو أنه عربي )) و لكن سرعان ما تبلور موقفها بالانشغال عنه و أما حدسها فيبقى يرقب الحدث ليتسع في دائرة الضوء ضمن سياقات لغوية منسابة
يتسع فيها الصوت للخصوصية التي تسبر الذات لتعبر عن مكنونها بإيقاع داخلي يتعالى في همس كلمات الكاتبة و هي تقول : (( و كنت ألقي نظرة سريعة إلى مكانه كلما توقف المترو في محطة
لعله يغادر لكن عينيَّ كانتا تلتقيان بعينيه مباشرة )) 0
و هذا الإحساس المفعم بالخلجات النفسية يصعد الحدث بشحنته العاطفية التي تفرغ جل اهتمامها للبعد النفسي في تصوير بل تشخيص الذات و دوافعها الانعكاسية في معرفة الآخر فالشخص الذي يجلس في المترو أثار اهتمامها 00 بل ربما أثارت اهتمامه لسحنتها العربية و تتوجس الكاتبة حروفها لتعبر عن ذلك بقولها (( يبدو أنه عربي و لكن هل عرف نني عربية أم أنني أشبه بسيدة يعرفها )) و هنا يمكن أن نرى إبداع أديبتنا ماجدولين الرفاعي في تجسيدها لمحاكاة نفسية تسبر فيها الحدث لحظة بلحظة و نحن نشعر معها ونتحسس هواجس حروفها التي تشعل المكان بمونولوجية داخلية فالأسلاك الممتدة من هاجس الروح تفيض بعبقها التطفلي بمشهد يرسم عبر لوحتها مكنونات الذات و آفاقها 0
فالبعد النفسي لم يغادر صوتها المتأرجح على حبال الذاكرة المتوقدة بمعرفة المجهول وصوتها من بعيد يردد :
(( التفت إليه بنظرة حيرى و أعجبت بفراسته و قدرته على معرفتي 00 كيف في بلد ٍ كبير و في هذا الزحام يعرفني
تضج الأسئلة التي تعتلي صهوة البوح لدى الكاتبة برغم العباءة التي تسيج جدران ذاكرتها لتخطف الجواب من مكامن الذات و لكن الذاكرة لم تسعفها هذه المرة فتقول :
(( ألححت على ذاكرتي لعلها تسعفني بتذكره أو باستحضار بعض التفاصيل عن الأماكن المحتمل أن نكون قد التقينا بها لكن دون جدوى )) رغبة ملحة تكشف عن مكنونها الإبداعي لأن خيال الصورة و أبعادها و رموزها تتفاعل مع الحدث لتصوغ منه طاقة تعبيرية تعزف على أوتار النفس و أما اللحن فنبراته تعلن بوح صداها فوق حدود الذات لتقرر الكاتبة :
(( أخيراً قررت أخذ مبادرة تريحني و تجيب عن سؤالي على الهاتف حدد لي موعد لقاء )) 0
و هنا ترسم لنا الكاتبة ما يجيش بصدرها من بوح و اعتراف فالدقائق تشعل موجة الانتظار و أما القلب الذي يعلو و يهبط
كموج البحر ينتظر نشيد الضياء ليوزع عاطفة البوح فوق التفاصيل و يرسم من الأماكن حلةً من الرغبات و الرعشات و العواطف 000 يتنامى الحدث و تتلاقى الأزمنة و تشير الكاتبة إلى ذلك بقولها :
(( و يطل بابتسامته الطيبة 000يجلس في الكرسي المقابل )) نسيج من الأنغام و الألحان و نبضة من المشاعر تسدل رواقها على سؤال لاهث تزجيه الكاتبة لصهر بوتقة المشاعر لتبني فيه ذروة الحدث يسألها : (( مدام مجد 000
أريد أن أسألك سؤالاً قبل أن يأخذنا الحديث 00 هل قلادتك مشغولة في بلادك ؟؟؟ ))
و هنا تأخذنا الكاتبة إلى البعد الثالث ( القلادة ) لما فيها من طابع خاص يميز جودتها بأنها شرقية التأصل بفنها و طابعها بل حتى بروحها التي تلامس جذور تراثها الحضاري و أصالتها اليعربية 000 و ارتسام الحرف العربي على قلادتها يؤطر لنا رؤيتها الرمزية لفهم الحضارة عبر طابع فني يرقى بنا معالم الدهشة ليصوغ لنا دينامية واقعية بلغة مبسطة يفهمها الجميع 0
و حين تنظر إلى النص ( قلادة الدهشة ) نظرة فنية يفاجئك ميكانيكية النص المتمفصلة بين البعد الصوتي للقصة و القيم التعبيرية التي باحت بها الكاتبة بسبب انصعاق الذاكرة في سماء مختلفة و فضاء يفتح أشرعة للتعبير عن خلجات النفس فمفردات الكاتبة في هذا النص مفردات تتساوق مع القيم الشعبية التي يتداولها الناس في محطات الصمت و أشرعة الحركة اليومية لتقول الكاتبة (( من هو و كيف عرفني من بين الجميع لقد لفظ اسمي و هذا يدل على معرفة أكيدة ))0
و لو كنا مكان الكاتبة لكان من حقنا أن نقول (( من هو أسئلة حيرى تترامح في ذاتي و تقذف بالآف الأجوبة المتناقضة التي تجعله يبوح باسمي ليدلل على عمق الفراسة التي تطبع جبينه العربي )) 00 معذرة من الكاتبة فاللحظة القصصية هي لحظة صاعقة قد تحمل الإنسان لأن يتكلم عبارات متميزة و هذا هو بالتحديد سر الإبداع فالكاتبة اعتمدت على القيم التعبيرية أكثر من القيم التصويرية و حبذا لو أنها انطلقت بنا على أجنحة خيالها لترسم صورة العروبي ذلك العملاق العظيم الذي استطاع أن يترك بصماته على جبين الزمن مفردات اعتيادية و لكنها جذابة 00 أغفلت صورة الخيال و هذا من حق الكاتبة لأن اللحظة التي استفرغت القاصة قصتها كانت لحظة سيطرت فيها نوازع العاطفة على ميكانيكية المفردات فحجبت العاطفة الصادقة أفق الخيال أمامها و تركت العاطفة نفسها لتتحدث دون أي رقيب (( توقف المترو
و بسرعة تسلقت الدرج الصاعد إلى الخارج لكنه استوقفني )) لا نعتقد إلا أن نوازع العاطفة هي التي تتحدث هنا و ليس
خيال الكاتبة و مع ذلك فإن النهاية التي وصلت إليها الكاتبة كانت مدهشة كعنوان النص / قلادة الدهشة / حيث حلقت بخيالنا في هذه النهاية إلى عظمة المرأة العربية التي لم تكن في العصور السابقة إلا مجداً كما سمتها الكاتبة و إن كانت في هذه الأيام تتحول باتجاهات أخرى مغايرة 0
نص ٌ يحتاج إلى مفصلة أخرى لاستبار الأعماق التالية في فن القصة القصيرة 0





















مونولوجيه الحدث و أوكسجين الموت
في نص( رقصة الموت )
للأديبة : إيمان الوزير
الدارسان : حسين الهنداوي _ حاتم قاســم

نص القصة القصيرة : رقصة الموت للكاتبة إيمان الوزير
رقصة الموت

أفاق فجأة من سبات طويل ، يجمع من الظلام الدامس بعض ضوء خافت كان ينبعث من جهاز معلق بقربه ، ترامى إلى بصره أشباح متدلية من أعلى السقف ، شحذ بصره نحوها فعرف أنها محاليل معلقة فوق رأسه ، بدأ يستجمع وعيه محاولا تذكر ما حدث ، انهالت عليه جموع الأسئلة تقارع جسده المصفد ، شعر بأجهزة التنفس كجنازير تلتف حول أنفه وفمه ، وأحس بشيء خفيٍ يتراقص


في أوصال جسده المشلول ، وبدأ الخاطر يتحدث من جوفه نيابة عن لسانه الذي كان مسلوب الإرادة. يداعب ذاكرته بأحرف متلعثمة : ما الذي حدث ؟ كيـــــف وصلت إلى هنا ؟ ، كنت أمارس غواية القمع ، فهل انقلب السحر على الســــاحر وابتلعتني الأمواج ، تراجع الخاطر أمام أصوات أجهزة التنفس وأنابيبهــــا التي كانت تفرض على شرايينه مزيدا من الحصار . تقرع في أدنيه قرع الطبول ، راح خاطره يتساءل في غضب : ما الذي يضعون في هذه الخراطيم التي تقضـــم أنفي وفمي كسمكة قرش هل هو أوكسجين أم غاز مسيل للدموع ؟
جفل فزعا من جملته الأخيرة ، أحس بصدره يعلو ويهبط كأفعى كوبرا تتلوى على إيقاع الطبول القادم من الأجهزة ، فصاح : : كفى ..كفى لا أريد أن أموت ، أين أنتم أيها الأطباء الملاعين ! أين أنتم يا معشر الأشكناز ؟
ألم نشرب سوية نخب يهوه ؟ لأجلكم أفقدتهم هدأة الســـــــبات في هجيع الليل ، وبنيت لكم حوائط من أشلائهم . أنا الآن هاهنا مسجيا مهملا مشلولا لا يسمعني منكم أحد!
توقف خاطره فزعا على قيئ يندفع من أمعائه ، يجتاز فمه وأنفه نحو الكمـــــامة الموصودة على فمه بمزلاجها كباب زنزانة ، تداخل خاطره مع قيئه في امــــتزاج موحل يشبه أرض الزنازين الانفرادية ، كان اندفاع القيء كافيا لاقتحـــــــــام باب الزنزانة في سيل جارف يجتاز مســـــاحة الخد المتجعد في وديان تندفع نحو أذنه وتخترق الطبلة ، بعض القيء عاد مرة أخرى إلى بلعومه فلامس لســــانه مرارة العصارات ، وانهالت دموعه تمارس الغواية مع القيء تحمله إلى عالم الهذيان ، أحس بالاختناق يفّحم جسده ، وانبرى خاطره يلهث بحثا عن طوق نجاة ، زاغت عيناه وتعلقت بسقف الحجرة فرأى جموعا غفيرة من الأشباح تتراقص أمامه في ابتهاج ، ازدادت مساحة الاختناق في جسده ، التفت جموع الأشـــــــــــباح حوله تراقصه( التانجو ) ، تدنو منه وتبتعد مطلقة صيحاتها ، كان الاختنـــــــاق قد بلغ أوجه فراح خاطره يبتهل بتضرع للحشود : كفوا عني ســــأرحل عنكم ، صدقوني إنها المرة الأولى التي لا أكذب فيها ، سأعود إلى بولونيا ، أعلم أنني لن أكفر عن ذنوبي التي تخطت الآلاف ، لم أشـــــــــأ يوما بناء هيكل الرب بقدر ما أردت هدم كبريائهم ، كانوا في مملكتي ذبابا متوحشا ، جنادب تتطاير من حولي ، كابوســـا فاسدا يجب تجريفه ، عدوى أخشى أن تنتقل إلى جيـــــــراني فيزداد كمّ الذباب من حولي، نفثت السموم في أوردة جيراني فأغلقت عليهــــم باب الأرض وســــــقف السماء .
اقترب الراقصون منه وبدؤوا يمسكون جسده ويدغدغون رأســــــــــه ، يترنحون بأجسامهم مطبقين على صدره ، صرخ خاطره في فزع وراح يفتش عن مكــــــان آمن داخل قلبه ، طاردته الجموع إلى داخل جسده ، بدأ الخاطر يفر من شـــــريان إلى وريد ، اقتحم جدار المعدة ، وأحدث فجوات داخل أمعائه والراقصون يعبرون الطرقات يدوسون بأقدامهم أحشاءه ، يســـــــــــبحون في برك الدماء يغبون منها ويثملون ، والخاطر يفر منهم جزعا ، حتى وصــــــــــل إلى القلب لجأ إلى البطين الأيمن والراقصون يطاردونه ، يضيقون عليه الحصار ، يلتهمون المضغة بشره ،يترنح الخاطر بين أفواههم ، الأجهزة المعلقة تصرخ ، حشود الأطباء والممرضات تملأ المكان تحاول إنعاش القلب ، لتتسع مساحة الرقص من الداخل والخارج ، وهو يصيح ... يستجدي بلا كلمات ..بلا لسان ...بلا خاطر ...بلا قلب ، لا أحد يسمع الأنين في حلبة رقص مجنونة ، و الكل يلهث لإحياء ميت !!!!


رؤيوية الحوار الداخلي ( حاتم قاسم )
بين انبثاق المفردات و بوح الحروف يتسلل ضوء الحدث إلى مرايـــا النفس المقعرة في قصة تسبر الذاكرة و ترتسم على حواشيها محفورة بدمـاء الأطفال الفلسطينيين لجسد مارس البطش و شرب نخب الدماء و رفع راية الوحش الذي لا يعرف الرحمة 0
يفتح فمه في حمحمة السؤال ( هل من مزيد ) ، توصد الأسئلة أمام باب الزنزانة و تحت قيود السلاسل و يشرب القابعون على صدر فلسطين نخب الدماء 0
على أشلاء فلسطين تقرع الحروف طبول الشمس و على نسغ يخضورها ينبعث الأمل من خلال ( رقصة الموت ) للأديبة القاصة إيمان الوزير التي تحـمل إلينا في ما وراء سطورها ذاكرة ( انقلاب السحر على الساحر ) إنها ذاكرة ليــست مسلوبة الإرادة لأنها تصارع وحوش بناء هيكل سليمان كما يزعم المارقون 0
تتقاطع الأحداث في نقطة التمركز و تزداد مساحة الاختناق في رئتي المـوت و بين بوح الرغبة في هدم الكبرياء من عيون شعب لم يعرف المساومة على ذرة تراب من وطن و بين سموم تجاوزت الأوردة لتطبق باب الأرض و ســـقف السماء 0
مونولوج داخلي و صراع نفسي لذاكرة تقضم أشلاء الطفولة بين ظهرانيها و أما السيل الجارف من الدماء فيبقى النخب الذي يعشقه هذا الصهـيوني المتجذر في أصوله الاشكنازية 0 صورة رسمتها لنا الأديبة إيمان الوزير مسـتلة من صدر ذلك المهاجر الوغد طموحاتها اللاإنسانية في تشريد وقتل الآلاف و الملايين من أبناء فلسطين و حتى في صراع هذا الاشكنازي يطبع اللون و يميز العرق 00
طابع موسوم بوسم الحقد وممارسة القمع على الآخر 0000 هذا ما أطرته لنا الكاتبة إيمان الوزير بعباراتها الحنظلية المذاق ( لأجلكم أفقتهم هدأة السبات في هجيع الليل 00 و بنيت لكم حوائط من أشلائهم ) 0 ليبقى السؤال في مسـاحة ضيقة لاهثة يبحث في زفيرها عن جواب قاتل ( كيف وصلت إلى هنا ) 0
إنها النتيجة التي تحمل معها أجهزة التنفس للجسد المشـلول الذي لم يعرف من الحياة إلا طعم الموت 0000000 و أما دموع التماسـيح التي تختنق في غيها أكانت تدرك هذا الطعم 0
لسن حال القاصة التي شردتها طموحات المهاجــرين اليهود لتحل محلها يتمتم بحروف واعدة 000 لترحل أيها الاشـــكنازي عن قاموس لم تولد فيه و عن حروف نبذتك كما أنت تنبذ الموت ( كفى 00كفى 00 كفى 00لا أريد أن أموت )
عد إلى موطنك الأصلي !!!0000
( سأعود إلى بولونيا ) 00000000
أما الأوكسجين فلن تلوثه بزفراتك التي تجتاز مساحة الأسـئلة المعلقة في برك الدماء فأوكسجين الحياة لن ينعش الجسد الميت كما أبرزت الأديبة ذلك في معالم حدثها القصصي لأن دمه الملوث بغاز ثاني أكسيد الكربون لم يعرف أن الطفولة الفلسطينية هي التي تمتص أوكسجين الحياة و أن الشمس تكسر أصفاد القيود و هذه هي الرؤية التي حملها إلينا من قبل شاعر فلسطين سميح القاسم حين قال :
أهون ألف مره
أن تطفئوا الشمس
و أن تحبسوا الرياح
أن تشربوا البحر
و أن تنطقوا التمساح
أهون ألف مره
من أن تميتوا باضطهادكم
وميض فكره
وتحرفون عن طريقنا الذي اخترناه
قيد شعره
إنها المعاناة نفسها التي جسدت روح الأديب الفلســطيني شاعراً و قاصاً إزاء مواقف الموت التي يتعرض لها الشعب الفلســـطيني حيث تنضج الكلمــات بأوكسجينها الحي بأوردة تتدفق منه الأنفاس ليــشرق صـدى البوح من على صهوة المجد 0
هنا أطفال قانا 000 هنا أطفال صبرا 00 هنا أطفال جنين 00 هنا دير ياسـين 00 هنا كفر قاسم 00 هنا ملحمة الدماء المقدسية التي لا تجدد أوكسجين الحياة إلا برقصة الموت 0
النبضة الشاعرية في مونولوجية رقصة الموت ( حسين الهنداوي )
حين تتخطف الحروف أوهام الذاكرة و تسـتبر الكلمات أعماق الروح الفلسطينية المكتوية بنار الموت تبرز لغة الشاعرة و مفرداتها التي تصــطبغ بحنين الألم و همهمة الدماء حيث تبدو روح الكاتبة مفردات تتحدث بلغة المسلوبين الباحثين عن إعادة ما سلب منهم 0
مفردات محشوة بصواعق الموت 0000 لا يمكن للذاكرة الفلسـطينية الأدبية إلا أن تقف على عتبات الصراع الحقيقي مع العدو الصهيونـي الذي تعدى منذ أول لحظة صراع الحدود إلى صراع الوجود و هذا ما أكدته الكاتبة إيمان الوزير منذ الحروف الأولى حيث طلعت علينا بعنوان نصها ( رقصة الموت ) وكم تحمل هذه القيمة التعبيرية و التصويرية في طياتها من معاني تثبت أن الشعب الفلسطيني لا يقبل أن يكون كالهنود الحمر 000 إنها مونولوجية الحدث الذي أبرزتـه عربة الخيال عند الشاعرة بتشبيهات حسية واقعية لا تتعدى ما تراه العين الفلسطينية التي تأبى إلا أن تنزف دماء الشهادة من أبنائها
(( تراجع الخاطر أمام أصوات أجهــــزة التنفــــس وأنابيبها التي كانت تفرض على شرايينه مزيدا من الحصار ))
(( أحس بصدره يعلو ويهبط كأفعى كوبرا تتلوى على إيقاع الطبول ))
(( زاغت عيناه وتعلقت بسقف الحجرة فرأى جموعا غفيرة من الأشباح تتراقص أمامه في ابتهاج ، ازدادت مساحة الاختناق في جسده ، التفت جموع الأشباح حوله تراقصه( التانجو ) ، تدنو منه وتبتعـــد مطلقــــة صيحاتها )) 0
(( بدأ الخاطر يفر من شريان إلى وريد ، اقتحم جدار المعدة ، وأحدث فجوات داخل أمعائه والراقصون يعبرون الطرقات يدوسون بأقدامهـــم أحشاءه ))
أنها لغة القصة التي تحمل في ذاكرتها شاعرية المفردات فالأديبة تنقلنا من خلال الحدث القصصي إلى خيال شعري واع يحرض الروح و يحرك دوافع الشوق لاقتحام المجهول و إن أدى ذلك إلى رقصة الموت ناهيك عن إن قيم العبارات التعبيرية تزداد ألقاً بمفرداتها الواعدة التي تشحن النفس بأفانين الثورة من أجل إعادة الأرض 0
نص متفرد يحتاج إلى قراءة أخرى تسبر أعماق روح الأديبة لاكتشاف ما تكتنزه من شوق إلى تراب الوطن 0
ا نكسارات الأبعـاد النفـسية
تحت ستار العاطفة الحديدية
النص للشاعرة
ريـم أبو عـيد
الدارســـان
حسين الهنداوي
حاتم قاســـم
أضحكتني

أضحكتني
أظننت أنك عندما ودعتني ..
هزمتني ..
كسرتني ..
حطمتني ..
وهماً ظننت أيها المغرور ..
من أنت ..
كي يقف الزمان عندك
و لا يدور؟
أظننت أني بعدك لن أعيش ..
أظننت أني بعدك لن أكون ..
أظننت أنك عندما ودعتني ..
أوجعتني؟؟
أبكيتني؟؟
و قتلتني؟؟
وهماً ظننت
فما أنا التي ستبكي
يوماً عليك
و أنا التي ..
كنت النجوم لناظريك
و أنا التي قلتَ في عينيها يوماً ..
أجمل ما لديك
و قلت عنها أنها ..
أغلى مَن لديك
أضحكتني ..
حين ظننت ..
أني
سأبكي احتراقاً بين يديك ..
و أني سأسكب دمي ..
أنهاراً على قدميك ..
حينما ودعتني
أضحكتني ..
و سيأتي يومٌ تعرف فيه أيها المغرور
كيف أنت خسرتني ..


في الحديث عن الأدب النسائي و في استبار أعماق المرأة التي تتمثل بعواطفها و معطيات تدفق شرايين الدماء في قلبها ترتسم ذاكرة الأفعال الإنسانية الواعدة و التي تحمل إلينا روح الحيـاة بمعناها الحق و الصحيح فالإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض و هو يبحث عن مرآة حقيقية صادقة ترتسم ذاته على صفحاتها ارتساماً حقيقياً فإذا ما وجد أن المــرآة ترســم صـورة كاريكاتورية للعواطف الكاذبة فإنه يتحول إلى وحي يبحث عن سخرية يصد بها أفعال الآخرين
خاصة عندما تكون هذه الأفعال تعبر شرايين الدم بجواز سفر مزور 0
لا أعتقد أن الشواعر العرب نقصد الشاعرات العربيات قد ابتعدن في كتاباتهن عن العاطــفة فحيثما فتحت صفحة الأدب في ديوان الأدب النسائي تجد اســتيلاء العاطفة علــى مفردات النصوص الأدبية و تجارب ليلى الأخيلية و الخنساء وولادة بنت المستكفي و مي زيادة و فدوى طوقان و غيرهم تريك أبعاد المشاعر الإنسانية التي تحملها الكتابات النسائية 0
و شاعرتنا ريم أبو عيد في نصها ( أضحكتني ) هي أنموذج آخر في رسم العواطــف الذاتية التي ترتد بفعل ارتكاسات رجولية ترى في المرأة مخلوقاً ضعيفاً أو مستهاناً إذ أنها منذ البدايـة تشحن مفرداتها بسخرية لاذعة لتلك المواقف التي لا تعبر عن كيانها الحقيقي و نحن نعرف أن المرأة هي شجرة الحياة التي نستفيء تحت ظلالها و نقطف من ثمارها فلماذا نحـتطبها إذا ما رغبنا في إحباطها و لماذا نستدفئ بنارها و هي تحترق من أجل أن تذكي مشاعرنا إن المـرأة بصورتها الحقيقية غيمة تظل سماءنا فإذا ما أردنا أن نخدش مشاعرها بحجارة صغيرة فذلك لن يضيرها 0 و على الرغم من ذلك فإن شاعرتنا في نصها هذا تبدو واثقة من نفسها في رصـد الأفعال الرجولية التي تحاول أن تقصيها عن واقعها الحقيقي 0
( أظننت أنك عندما ودعتني
هزمتني
كسرتني
حطمتني )
استفهام إنكاري يحمل في طياته أبعاد الشوق الإنساني إلى الثبات و البقاء توّجــه استــفهام استنكاري آخر يستهجن فعل كل خلية من هذا المستهتر ( من أنت ؟؟؟؟؟ ) عبـارة تحـمل في طياتها مطرقة عنيفة تحطم الأفكار التي لا ترى في الآخرين إلا صدى لأشباح تمــشي على الأرض و هذا ما أكدته الشاعرة ريم أبو عيد في قولها :
( كي يقف الزمان عندك و لا يدور ) و هي عبارة مشحونة بمعاني الإباء الأنثوي الذي نلمـسه عند المرأة الشرقية و التي لا تقبل أن تكون سلعة رخيصة تتقاذفها أيدي المستهترين متوهـمين أنهم يستطيعون أن يتحكموا بمشاعر المرأة كما يشاؤون 000 و إن كانت القيم التعبيرية في هذا السطر الشعري لم تصل إلى الطموح الذي تريده الشاعرة 0
إذا نحن أمام ثلاثة أفعال استنكارية تبحث عن أجوبة تبين ذلك الكبر الذي يعيــشه الآخـرون ليؤكدوا ذواتهم المنتقصة إرتكاس لهشاشة في أعماق النفس و شاعرتنا قد أجادت في رسـم هذا الإرتكاس و تلك الهشاشة بشكل لا شعوري حين قالت :
( أظننت أني بعدك لن أعيش ؟؟؟ !!!! )
( أظننت أني بعدك لن أكون ؟؟؟ !!!! )
( أظننت أنك عندما ودعتني
أوجعتني
أبكيتني
و قتلتني ؟؟ !!! )
حقيقة كما قالت الشاعرة : ما صنعه كان وهماً لأن الدنيا لا تقف عند المشاعر المزيفة فالأفعال الإنسانية تؤكد على معيارية الإخلاص ذلك الخلق النبيل الذي تحمله الفطرة الإنسانية إلينا 0
لقد كانت الشاعرة في نصها قناديلاً مضيئة و نجوماً مشعة أمام ظاهـرة الغـرور وما ذلك إلا فطرة و سجية ً ترسلها رسالة إنسانية في آفاق الحياة 0
و إذا كان ما نراه في النص من ( لقاء غريب ) لمحناه من إيحاء المفردات و الصيغ التعـبيرية و القيم الصورية تلاه ( فراق غريب ) عبر عنه خط دفاع الاستفهام الإستكاري لعـدم وجـود التكافؤ بين معياري الفطرة السليمة و النكوص الغروري من جهة و الإخلاص الساذج و الكبر المر تكس من جهة أخرى فإن مرد ذلك لن يكون إلا قطيعة الخاسر فيها هو الغرور نفسه 0
( و سيأتي يوم تعرف فيه أيها المغرور
كيف أنت خسرتني )
عبارة على هشاشة صياغتها تحمل جذوة عاطفية صادقة سيطرت على مشــاعر الـشاعرة و تحولت إلى حاجز حديدي أمام التعبير البياني و التعبير الخيالي الذي افتقده النــص و الذي عوضته شحنة الاحساس الملتهب للمفردات الشعرية حين اشتـعلت بأنفاسـها روح الصــدق و الإخلاص و إن كانت هذه المفردات مفردات قاموسية في بعضها و متداولة في حركة الحياة اليومية أو أنها لم تشكل استجابات بلاغية مستقلة عن موروث الشعر ترتسم فيها صور بلاغية جديدة تصور المغرور بأبعاد موشورية مختلفة عما رسمه ماضي الأدب 0
و إذا كان هناك من همسه نهمسها في أذن الشاعرة فهي أن كوكبها الـشعري لم يشكل مـداراً مستقل في مجرة الشعر العربي و هي في هذا النص بالذات تدور في فـلك الـشعر الـنزاري محاولة الاسقلال بمسار جديد يرسم على صفحات الشعر العربي معطيات جديدة و آفاق جديدة و عواطف صادقة جديدة 0

تداعيات دماء الفرس على بذلة بيضاء
قراءة موشورية في مجموعة الكاتبة سها جلال جودت
/ دماء الفرس /

دماء الفرس المجموعة القصصية الثانية للأديبة سها جلال جودت بعد مجموعتها الأولى (رجل في المزاد) و روايتها( السفر إلى حيث يبكي القمر) و هي مجموعة قصصية تقع في مائة و اثنتي عشرة صفحة من القطع الوسط مطبوعة في دار الأصيل للطباعة عام 2005 و التي تحاول الكاتبة فيها أن تتهجى حروف القصة القصيرة ذلك الفن العملاق الذي لا يصمد به إلا المبدعون 0
القصة القصيرة فن اختزال الواقع و الخيال معاً ينطلقان مسيرة فنية باتجاه بلورة أطر التجارب الإنسانية و للوهلة الأولى يفجعك و أنت تقرأ في تداعيات وردة حين تلدها رحم الأرض ثمة أشواك تدمي يديها و تعود كسيرة الجناح لترتسم صورة إنسانية على صفحات الحياة و إذا كانت الكاتبة في نصوصها تحاول أن تجعل من تجربة المرأة ( الوردة ) صورة إنسانية لامتهان الرجولة للحاجات الإنسانية فإنها في الوقت نفسه تجعل من هذه ( الوردة ) لوحة جديدة تولد من منظور جديد يجعلها إنسانة جديرة بالحياة 0
ولا يمكنك و أنت تقرأ قصة تداعيات وردة إلا أن يتمثل أمامك صورة فتاة يزوجها والدها المنحط أخلاقياً لشخص لا تحبه مقابل دين له بذمته و لكنها تعود إلى بيت أهلها مكسورة الجناح بعد اتهامها بالترجل و أنها مطوقة بصمت الرجال 0 بينما تجد في القصة الثانية ( قنديل الروح ) أن الكاتبة تحاول أن تسبر مغاور النفس لتثبت أن المعضلات التي يتعرض لها الإنسان قد تخلق منه إنسان آخر ربما كاتباً كبيراً يملأ على الناس صمتهم و تحقق ذلك في ليلة القدر و عاد النجم إلى مساره لينضج حلمه بالأولاد يملؤون عليه الأزمنة 0
بينما تمثل القصة الثالثة صورة الصراع الاجتماعي حيث أبو إسماعيل و الأرض التي استحوذ عليها بالقوة من قبل ابن الجيران 00 يموت غريباً عن جيرانه و ترتفع فوق قبره المباني بينما تجد نفسها أمام باب الحمام بعد صراع مع الحيتين لتكتشف أن ابنها قد خبأ ابنة الجيران في الحمام و فجع قلب الأم عندما كانت الحية السوداء في زيارة لفراش ولدها 0
أما القصة الرابعة فتلخص في دعوة الجار لجاره أن يتجسس على زوجته ليكشف أنها مصابة بمس الجنون و المفاجأة العظيمة أن من أرشده إلى ذلك هو من تقدم إلى خطبتها بعد طلاقها فالحرف جيم لما فيه من ( جنون – جبن – جرأة – جرم–جور ) يقتبس من معاجم اللغة حروفها التي تغوص في أعماق الكينونة النفسية في فضاءات اللامحسوس 0
و إذا انتقلت إلى القصة الخامسة تدرك مدى الصراع الذي يعكس أثاره على نفسية الإنسان الذي يحمل شقاء السنين و عذاباتها فمجزرة دير ياسين كانت الحدث الأهم الذي يتصارع فيه الابن في الثأر لأبيه و لكن المافيا الإسرائيلية تكون له بالمرصاد و الحدث يتحول في اللحظة نفسها إلى استشهاد الأب وولادة الابن الجديد 0
لا نريد أن نعني القارئ في الاستماع إلى أحداث القصص الأخرى التي لا تخرج في إطارها عن رسم الواقع الإنساني في المجتمع العربي و لكننا نريد أن نؤكد على قصة
( دماء الفرس ) التي هي سمي المجموعة و التي بنيت على حلم ٍ عاشته الكاتبة و يخص صديقتها ميساء و تعود الكاتبة إلى لوحتها فتجتز الألوان حيث يختلط عليها اللون بين الأبلق و الكميت المتأرجح بين السواد و الحمرة بحيث تتحول هذه الفرس الجموح أو قل المرأة الطامحة إلى ضحية من ضحايا المجتمع فالياسمين فقد رونق البراءة 0
و هذه سجية في المجتمعات المتخلفة التي لا تقدر للإنسان مكانته و الكاتبة تعتمد الحلم إطاراً لنصها تنبثق منه تداعيات اللاشعور الذي يختزن كل ما لا يقبله المجتمع في ذاكرته و يتحول إلى أفعال تنعكس على الواقع و تجعل الإنسان يعيش حياته من خلال ردود أفعال لا قيمة لها و الإطار النفسي للدراسة الأدبية في هكذا نصوص يعطي الأولوية إلى الرموز التي تنشئها و تتحول إلى مفردات و سمية تطبع النص بطابع فهم الدوافع وراء الأحداث فدماء الفرس كما نرتأي هي نقطة التضحية و نقطة الطموح و نقطة التحول و نقطة السقوط في الوقت نفسه ناهيك عن أن الفرس نفسها تمثل انطلاقة الحياة و بعدها الحركي الذي تنبعث منه الخصوبة فكيف إذا كانت هذه الخصوبة تصبح ضحية من ضحايا المجتمع لقد مثلت الكاتبة مجموعة نصوصها في دماء الفرس بلغة نحتتها من واقع الحياة المتداول على ألسنة الناس و الذي يمثل المجتمع العربي في بيئتها الإنسانية فالرمز أحياناً يغطي مساحات من أحداث القصص بينما الدفع و المباشرة يلتهمان بعض النصوص فتتحول القضايا الاجتماعية إلى قضايا ناثرة و كم يبدو ذلك واضحاً في مدلولات ألفاظ الكاتبة في نصها ( زوجي يحب الثوب الأحمر ) رموز واقعية تمثل أعماق اللاشعور عند الرجل الشرقي الذي يبحث عن مأوى و أليف و لكنه في الوقت نفسه يحوّل هذا الأليف إلى فرس دامية صورتها عالقة في الذاكرة 0
دماء الفرس تنطفئ زغردة الجدة 000 تنام ملامح البشر و لا تستيقظ0000 تصرخ وردة بصوت أنثوي جريح :
ــ ( يس ) 0
تردد الجدة قل من يحيي العظام و هي رميم
قراءة أخرى وردود أفعال أخرى يمكن أن يكتشفها القارئ بنفسه في إعادة النظر في قراءة المجموعة القصصية قراءة تنطلق من اكتشاف الأعماق الموجودة ما بين سطور القصص التي يبدو أنها تجارب عايشتها الكاتبة في مجتمع تتناقض فيه العلاقات الاجتماعية 0
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم











موت آخر
لبنى ياسين
انبثق أمامي فجأة بهامته الباسقة , لكن انحناءً ما أصاب شموخها , فأصابني بالذعر , وقفت في حضرة انكساره مندهشا حد الألم وبادرته بالسؤال :
لمــاذا ؟ .. لمـاذا ذهبـت إلى هناك يا رجــل ؟ لماذا ورطت نفسك؟
رفع نحوي عينين متعبتين إلى حــد الإعـياء و لم ينبس ببنت ألــم , بل تابع سحب قدميه ميّممـًا شطر منزله , لحقــت به .. و في سكون الليـل المدقـع لم يكن ثمة صوت سوى صوت اجتـثاث قـلبه من هاوية الوجع المدمر, كان في عينيه شئ ما .. شئ كسرته العتمة و محـا بريقه الألم , لم يغـب سوى شهور قاربت أن تـنهي حبلها بسنة .. لكني أحسست أن دهوراً وقـفت بيني و بينه , و كما تقابل شخصا غادرته لسنين فتحس انه صار شخصا آخر , اصبح هو شخصا آخر, هناك في داخله كان ينبت عشب بـّري يرفض اجتـثــاثـه و لو حتى بالتـنويـه .
أوصلته حتى داره .. تراكض الجميع يرحبون بعودته ويسلمون عليه بلهفة موجعة بينما هو تائـه النظرات , لم يعـر أحـداً اهتمامه وكأنمـا فقـد القـدرة على التواصل مع العالم الخارجي وانكفـأ إلى عـوالـمه الداخلية يجــّر ذيول خيـبته وألمـه .
تركتهم و مضيت في حال سبيلي , قـلت سآتي غـداً للاطمئنان على صحــة أغـلب الظن ما عاد يملكها , لربما استطعـت التواصل مع إنسان قـدم حواسه الخمس للتقاعــد المبكـر .
استوقـفتـني زوجته (أختي) .. قالت لي ابقَ الليلـة عندنا فهو صديقـك المقـّرب , و لربما ساعـده بقـاؤك . .
لكنني وجدت في ذلك إزعاجا ً سافراَ له , فقد اجتـاز مسافة طويلة للوصول إلى محافظة البرتـقـال ( ديــالى ) حيث منزله , أغـلب الظن انه يـــتوق إلى وحـدة ٍ و سـرير ٍ و ظــلام ٍ و صمــت .
تسابقـت الأفـكار على رأسي طيلة الطريق , كيف وصل إلى مدينتـنا الصغيرة بحاله هــذا ؟ أعلى أقـدام الخيـبة أم على أجنحة الوجع ؟ و ما الشيء الفظيـع الذي مر به حتى يقـلبه إلى هذا الكائـن الغـريب في اقـل من سنة ؟؟ هـو .. الرجـل الذي كان يستـفيض مرحــًا , كان يحمل معه حقيبة الفرح أينما حل يفتحها أمامنا ..كحاو ٍ ماهر , و ينثر محتواها عبقا ً يزيح به ضباب الملل و كآبة الأيام , لم يكن ثمة رجــل بيننا أخف ظـلاً أ و أكثر ضحكا أو اقـل هـَمّاً منه .. فما الذي قـلبه بهذا الشـكل ؟؟ .
مضيت إلى منزلي , لم أنم ليلتـها , غالبني النعاس و لم يغـلبني , و كبْوم ٍ مكابـر بقيت ساهـد الطرف سادرا ً حتى خيوط الصباح الأولى , استسلمتُ بعـدها لكوابـيس مــوت مؤلـم مدمـر .
حلمت به .. كانت الذئـاب تطــارده مطاردة عـنيفة , ثُم أحاطت به و تكالبت عليه تنهش لحمه , رأيتهـا تهاجمه .. تعـض أطرافه فـتـتساقط أشلاؤه شـلــواً تلو الآخـر, و رأيته يعاود التـقاط أشلائـه و يضعها كيفما اتفـق لـتـلتـصق بجسـده , تـشــّوهَ شـكله .. صار أشبه بمسخ مرعب , لكنه لم يفـرط بقطعة من جسده المتمـزق ولا حتى بظفـر , ما زال الجسد جسده رغم كل التـمزق , رغم كل التشوه , و برغـم جميع الألـم .. ثم انبثــق الدم من جسده واصبح نهــراً .. جـرى نهـر دمـه بتدفـق مهـول .. فيضانـاً اقـتـلع كل ما وقف في طريقه حتى ثـلة الذئاب التي حاولت في البداية أن تشرب من نهر الدم , كان مصيرها هي الأخرى الغـرق في فيضـانه.. بينما هـو ما يزال واقفاً حيث هـو, صامداً يحاول معالجة أعضائـه الكليمة و إعادتها إلى مكانهـا . .
أوجعـني كابوسي .. واستيقظـت غارقـاً في عـرقي بـدلاً من أن اغــرق في دمه , كنت اخـتـنــق .. واكتشفت للتــّو أن عـينـيّ لم تغـمضا لأكثر من ساعـتين .. لكن الصباح أعـلن عن إشراقـه مزيحـاً ستائر الظلماء عن وجه الكون بجيوش من أشعة الشمس. .
ارتديت ثيابي كيفما اتفق ناسياً أن اغسل آثـار خرائب الليل و فيضاناته عن ملامح وجهي , ويـممـتُ مسرعا شطر داره ثانيـة و قد نـال مني كابوس الـدم ذا ك .
فتحـت أختي الباب واجمة وكأنها أصيـبت منه بعـدوى الذبول و الصمت .. قـلت لها
ــ كيف حالـــه ؟؟
رد ت :
ــ لا حـال لديه تسأل عـنه .. لم يـأكل .. لم يتـكلم .. لم يصغ ِ .. و لو آ ل الأمر إليه لما تنفس , ارتـمى فـوق سريره بعـد أن أغـلق الباب وراءه في محاولة لإبلاغـنا بوجوب البقاء خارجا بطريقة مهذبة , دخلت إليه بعـد قـليل فوجـدته غـارقاًً في نوم متعـب , بيـنما تجمعـت ملامح وجهه وتقـلصت وتمركـزت في منتصف وجهه , فخـرجت مغـلقة الباب ورائي لعـل النوم يزيح عنه شبح الإعياء الذي يهيمن عليه .
اتجهتُ إلى غرفـته بعـد أن قـدّرتُ انه نام فترة مناسبة تماما لإيقاظه بعدها .. طرقت الباب , وإذ لم أتـلـقَّ جوابا فتحته بهدوء شديد و دخـلت , كان قد حرص على استضافة الظلام في غرفته بإغلاق النافذة الوحيدة و إسدال الستائر جيدا , وجدته كما وصفته أختي تماما , ولـولا إيقاع أنفاسه المتعـبة لاعتقـدتــه ميتـاً .
هززتـه برفـق مرددا بصوت هامس :
ــ استفق فقـد أفرد الصباح جناحــــه .
دون أن يفتح عينيه أجابني :
ــ أي صباح ؟ أنت تهـــذي .
قـلــت له :
ــ قــم وحـدثـنا , فقـد اشتـقـنا لأحاديثـك المرحــــة .
فتح عينيه بشح ٍ شديد كأنما خاف أن يهرب منهما النوم قائلاً :
ــ و ما نفع الكلام .. افتح الباب و انظـر خــارجاً .. هـل بعـد هـذا كله كلام يُـقــال ؟
قـلــت له:
ــ قــم يا رجـل ..أولادك بانتـظارك .
قال لي :
ــ قـلْ لهم إذن ألا ّ ينتـظروني .. فلم أعــد هـنا.
أربكـتـني كلماته .. هـزتـني في العـمق .. بل قل أوجعـتـني , وحرت في أمره لكني احترمت رغبته و خرجت مغـلقـا ً ورائي بابـا أظنه يريـده بابا ًً لـلحــده .
جلسنا في الصالة .. لم تكـن صالة بمعـنى هـذه الكلمة , إلا أنها مع ذلك كانت تؤدي وظـائـف الصالة وغرفة الضيوف وغرفة الطعـام معا في النهار .. أما ليلا فكان لها عمل إضافي غير مأجور إذ أنها تتحول إلى غرفة نـوم للصبيـين الكبيرين الذين تجاوزا سـن ّ الثالثة عشر فتم فصلهما عن أخواتهما الإنـاث , وخصصت هذه الصالة لنومهما بعد أن تفرغ ليلا من أشغالها الأخرى . أحضرت أختي إبريق الشاي , وجلست قبالتي , كانت تمنع دموعها من الإفلات من فتحتي عينيها و هي تسألني بسذاجة طفـل ما الذي يجري ؟؟
بماذا أجيب و ليس لدي أي شئ يحمل بريق إجابة .
قلت لها : صبرا يا أختي .. إنها مسألة وقت , ما مر به ليس بالقليـل ,الحمد لله انه عاد .. أما كنا قد يئسنا من ظهوره ثانية؟؟
ردت أخـتي : حقــا ً !!! لقد أصابني اليأس من عـودته , و اعتقـدت انه ربما ... وسكتـت برهة لتنجو بنفسها من احتمال موته و لو شفهيا , ثم أضافت :
ــ لا قـدّر الله !! الحمد لله الـذي أعـاده لنا سالما ً.
شعـرت بوخـزة غـريبة للسخرية تمتـزج بجملة ( عاد سالما ً) .. وربما تطال وخزتها هـذه كلمــة ( عــاد ) أصلا َ, فأنا شخصيا لم أجـد شيئا عـاد منه حتى اللحظة .
بقيت إلى جانب أختي اشد أزرها إذ لم يعـد لديّ ما أقوم به طيلة النهار سوى انتظاري اليائس لاستيقاظـه من مـوت مؤقـت يـريد أن يعتـقـده دائمـا .
فـتـح باب غرفـته .. خرج إلينا بخطوات وئيـدة وكأنه يضنّ عـلينا بحضوره , هالني شكله في الضـوء , فلـم أكـن قد رأيتــه من خلال نـور واضح قبل اللحظـة , كان مـيتـاً يخطـو على أرجـل حـي .. كان ميتـاً حقـا ً .. و قد فقد مع فرحه كثيراً من وزن جسده المتعب... و كرشا ً كان يبارينا بها وفي عينيه تلك النظرة التي تفيض ألماً حتى فرغـت من المعـنى و امتلأت وجـعــــاً .
لم يحفــل بنـا ولا بشيء حولــه .. لم يحاول حتى أن يخـصّ أي شئ كان قـد فارقه قرابـة السنـة بنظـرة خاصة ولا حتى زوجته المشتاقة .
جلس على كرسيه وكأنما كان قد تركه قبل النوم فقـط , بدون كلام , فـقط بـكل ذلك البؤس المطـلّ من عينيه الذي لم تفارقـني مفـردات له حتى اللحظـة لم أفهمهـا .
قامت أختي بتجهيز الغــذاء الذي يحـب , وربما الأصح أن أقول العشاء , نظرا لأفول الشمس مصادرة معها دفئا لم اشعر به, إلا أن إصرار أحـد منا لم يثـنه عن مقاطعتـه للطعـام .. فما عاد الطعام من اهتماماته مطلقــــاً .
أ رِ قٌ هـو .. تـَعِـبٌ .. مهـزومٌ .. مخـنوقٌ .. متألـمٌ .. ضائـعُ ..غاضب.. لكنه حـتماً ليس بجـائع .. على الأقـل ليس إلى الطعـــــــام .
احتراماً مني لشهيته المفقودة لكل شيء .. قاطعت بدوري الطعـام .. وأومأت لأخـتي بأن تـتركنا وحـدنا عـلّ رياح الصداقة المتينة التي ربطتـنا منذ نعومة أظفارنا تهب على هـمومه و تشد أزر رغبة دفينة في إزاحة عبء ثـقيل عن كاهله فتــأذن له بالبــوح .
ــ هـيا يا صديقي , فأنـا بئر أسرارك كنت وما أزال .. أنا من شاركك آلامك وأفراحـك و مغامراتـك ومقالبـك وتقـلباتـك وأسـرارك الصغيـرة تـلك التي كانت يومها بحجـم المحـيـط .. ما زلت أنا رغم تقـلبات الدهـر علينا , رغـم الأوقــات الصعبة التي مرت على كل منـا , رغم كل شئ .. لم ينقـص من صداقـتـنا سوى شـوائب الزمن فازدادت متـانة مع تقــدم العـمــــــر .
بكى صديقي , وانفرطـت لؤلؤتـان غاليتـان من عـينيه نزلـتـا باستحياء وإبـاء ذكوري على خـديه , أوجعـتـه دمعـتــاه وهـما تنهمران قسرا على مرأى مني , فما زال يريـد أن يـبدو قويا.. ربما ذلك الجانب مني الذي اصبح قريبـه بالمصاهـرة هو تحديدا ً ما أوجعه ببكائه أمامي , تمتـم بكلمات لم تكن مفهومة أبـدا .. بضع كلمات منها زايلها الغموض ففهمتهـا , لكنها وصلتني دونما ترابط كما في الكلمات المتقاطعـة , ثم انفجر بالكلام دفعة واحدة .. و أجهش بالبــكاء كمـا لم أ رَ رجلا ً يبكي من قـبل , أصبحت عباراته تأتيني متقـطعة الأوصال , أليمة الأشلاء , لكني صرت افهم و أحس كل ما كان يقوله وما لم يقـلــه , صرت اشعـر بحـواسه و أرى بعـينيـــه .
قال لي بصوت متهدج يكاد يطغى عليه صوت أنفاسه المكلومة المتـقطعة :
ــ تصور امرأة تـُخـلّـد انتصارها بصورة فوتوغرافية فوق عـري رجـولـتي , و تقـف بوضعـيـات فاحشة و بأخـرى مذلـّة فوق جسدي العاري , ضابط هـي في الجيش الأمريكي , لم أذق طعـما أمـّر من الذل .. و الله لم اعـرف طعـما أمــّر منه , وودتُ لو أشبعتها ضربا ... وددتُ لو قتلتها ألف مرة ... وددتُ لو متُ... لو تفجرتُ ... لو احترقتُ ... وأحرقتُ كل شئ معي , لكنني ما زلتُ حياً .
في هـذه اللحظات بالـذات شــاركته البــكاء , أجهشت ألمــا و مرارة و وجعا .. أجهشت ذلاً .
أردت أن اصرخ به لا تبــك ِ فالجــرح جرحي أيضا , لكن صوتي اختـنـق مع دموعي , فلم اعـد قادرًا إلاّ عـلى العـويل كالنساء .
آه يا جـرحي الهرم وأنت تمتـد خنجرًا في الخاصرة يطال كرامتي كما طال كرامته قبلي .
سكتَ قليلا , كنتُ أعلم أن في جعبته الكثير من الألم المتحصن خلف قسماته الموجوعة , لكنه آثر أن يذيل حديثه بالصمت ...مواريا ً عوراته النفسية خلف سكونه , بعد أن كُـِشفتْ عوراته الجسدية أمام عيون لصوص الحضارة , فرحت أغيـّر مسار الحديث صوب أطفاله عــله يسلـو , ومضات غـبيــة اختبأتُ وراءها عـندما أدمته الــذاكرة في محاولة للنيل منه ثانيـة .. إلا انه لم يكن يسمعـني .. لم يكن يـراني , كان وحــده تماما في الغــرفة .
تركته و خرجت ... مضيت تائهاً في سواد الليل .. اختلط بكائي بعويلي بذهولي بصمتي بتشردي .. بذلي.. لم اعد اعرف من أنا.
تتقاذفني الأزقة الضيقة و متاهات الضياع في داخلي , وددت لو خلعت حواسي الخمس ووضعتها عند اقرب جمعـية خـيرية .. فـلربما احـتاجها غـيري ليعـزز صلاته بما حوله لكي يـرى و يسمع و يحس جيــــــدا بما يـحــــد ث..و ربما كان اكثر شجاعة مني فاستطاع أن يفعل شيئا ً .
على أطـلال خرائـبي مشــيت .. على وهــم ٍ كان اسمه أنــا .. على ذيـول الخيـبة الحـمقاء أسرج فتيـل حـزني , فــــــلا أستطيـــــــع أن احـــــــزن اكـثــــــــــــر .
يا له من مـــــوت مفجـع ٍ أنــاخ بلعـنـتــه على كل ما حــولي .. و تركني إمعانـاً منه في تعـذيـبي و إذلالـي .. أ للمـوت مفاضلات وتفضيــل كما للحـــــــــياة ؟؟
فـقـدتُ قـدرتي على الرؤيـة بمباركة العـتــمة التي حــلت فجــأة حولي وفي داخلي و صرت أتخبط في محاولة مستميتة لتحديد وجهتي , لكني و لدهشتي وجدت نفسي حيث أنا .. على خطوات من منزل أختي , كأني غادرتـه للـتـّو , كان نور الصالة مضـاءاً مما يعـني انه ما زال هناك يلوك أوجاعه و تلوكـــــــــــه .
أحنيت شموخ رأسي بألم مخيف و مضيت صامتا نحو منزلي , مشّيعا بقايا أمل باغتني يوما ما , لا اعرف من أين أتى , لكنني اعلم تماما كيف مات .
--------------------------------------
ديالــى : محافظة في العراق مشهورة بالبرتقال.
























ندخل مغاور النفس لنسبر الأنفاس و يبقى المكان يسجل الحضور بلغة شعرية في مونولوج داخلي و حركة دائرية تتسع للحدث عبر منهجية دراماتيكية ترصدها الكاتبة في نص ( موت آخر ) تبحث عن الذات التائهة في تضاريسها النفسية وفق معطيات تعكس بارتدادها منهجاًَ سيكولوجيا توظفه الكاتبة بنمط سلوكي يحمل هموم الوطن ويبحر في أشرعته ، فمرارة الأيام وقسوة العيش تحت وطأة المحتل تبرزها الكاتبة و تشكل لنا خطها البياني فالوجوم المطبق لشخصية الحوار يجعل أعبائه ثقيلة بظواهرها النفسية التي افتقدت شمسها وربيعها الداخلي لتغوص في مدارات اللانهاية
((انبثق أمامي فجأة بهامته الباسقة , لكن انحناءً ما أصاب شموخها , فأصابني بالذعر , وقفت في حضرة انكساره مندهشا حد الألم ))

00 ذاكرة الحزن المؤلم المحفور على جدرانها ترانيم الطفولة و أراجيح الذات الملتهبة 00 تحاول الكاتبة أن تزيل ستار الصمت عن جفون صديقها وزوج أختها لكن أروقة الصمت التي تزيح عن الجفون نعاسها و تعلل للذات ظواهر الحزن تعكس بمرآتها هما يعيشه الناس
((ــ لا حـال لديه تسأل عـنه .. لم يـأكل .. لم يتـكلم .. لم يصغ ِ .. و لو آ ل الأمر إليه لما تنفس , ارتـمى فـوق سريره بعـد أن أغـلق الباب وراءه في محاولة لإبلاغـنا بوجوب البقاء خارجا بطريقة مهذبة ,))
ينحدر بنا الخط البياني من صورة ألفتها النفس لصورة تعكس الوجه الآخر بمظاهره الحسية التي تعايش الحزن لتصنع منه أيقونة التفاعل لتعزف لحنها المنفرد على وتر الذات التي تبحث عن كينونة الوطن بين مسامات الأوردة و فضاءات الروح التي تأبى الذل و الانكسار لينطلق الصوت ببوح تغمره الدموع بقوسها القزحي لتشكل خارطة الوطن فوق وجنتيه 000
((قال لي بصوت متهدج يكاد يطغى عليه صوت أنفاسه المكلومة المتـقطعة :
ــ تصور امرأة تـُخـلّـد انتصارها بصورة فوتوغرافية فوق عـري رجـولـتي , و تقـف بوضعـيـات فاحشة و بأخـرى مذلـّة فوق جسدي العاري , ضابط هـي في الجيش الأمريكي , لم أذق طعـما أمـّر من الذل .. و الله لم اعـرف طعـما أمــّر منه , وودتُ لو أشبعتها ضربا ... وددتُ لو قتلتها ألف مرة ... وددتُ لو متُ... لو تفجرتُ ... لو احترقتُ ... وأحرقتُ كل شئ معي , لكنني ما زلتُ حياً ((.
نتوقف جليا بين الحروف نفتش عن شعاع يعيد للشمس حرارة النهار فالجسد العاري المكلوء بذل العيش يتوازى ببعده الأفقي مع الحزن وزفراته التي سمتها الكاتبة بالعورة الجسدية ( الدموع ) و أما العورة النفسية التي تسكن في حنايا الصدر فما زال بوحها خلف السكون و الكاتبة تبحث عن أشعة هناك بين الدموع في خزانات الحزن لتكشف لنا الغطاء عن لصوص الحضارة 0
((سكتَ قليلا , كنتُ أعلم أن في جعبته الكثير من الألم المتحصن خلف قسماته الموجوعة , لكنه آثر أن يذيل حديثه بالصمت ...مواريا ً عوراته النفسية خلف سكونه , بعد أن كُـِشفتْ عوراته الجسدية أمام عيون لصوص الحضارة ))

وبين الأزقة الضيقة وأنهار الحزن ومتاهات الضياع التي تتقاطع على تلافيف الذاكرة تخلع الكاتبة حواسها التي تشكل كينونتها النفسية و الاجتماعية و تبحث في معالمها عن انسان آخر لربما يكون شعاع الشمس الذي يحمل تحت إساره الشجاعة
تتقاذفني الأزقة الضيقة و متاهات الضياع في داخلي , وددت لو خلعت حواسي الخمس ووضعتها عند اقرب جمعـية خـيرية .. فـلربما احـتاجها غـيري ليعـزز صلاته بما حوله لكي يـرى و يسمع و يحس جيــــــدا بما يـحــــد ث..و ربما كان اكثر شجاعة مني فاستطاع أن يفعل شيئا ً .
من لوحة العزف المنفرد إلى كينونة الذات الملتهبة التي تبحث بين أناتها عن زفير يتجاوز أطلال الخرائب و يسمو على وهم الذات ليخلصها من ذيول الانكسار و الخيبة 00 ويبقى سراج الأمل يوقد فتيل الذاكرة بشلالات الحزن و أما الأشعة المنبثقة فيعلو صوتها على لسان الكاتبة :
(( على أطـلال خرائـبي مشــيت .. على وهــم ٍ كان اسمه أنــا .. على ذيـول الخيـبة الحـمقاء أسرج فتيـل حـزني , فــــــلا أستطيـــــــع أن احـــــــزن اكـثــــــــــــر .
يا له من مـــــوت مفجـع ٍ أنــاخ بلعـنـتــه على كل ما حــولي .. و تركني إمعانـاً منه في تعـذيـبي و إذلالـي .. أ للمـوت مفاضلات وتفضيــل كما للحـــــــــياة ؟؟ ((
على إيقاع الزفرات المتصاعدة ينام الوطن ببرتقال( ديالى) ليلون المشهد بلونه التصاعدي ، فالزفرات الممتدة من خاصرة الوجع إلى جدران القلب تلامس تلافيف الذاكرة لتبدأ دورتها الديناميكية بربط الهاجس النفسي بفداء الوطن من خلال مفاضلات أطلقتها الكاتبة بين الموت و الحياة 00 قصة تأخذنا بين بوحها و مفرداتها لتسجل حضورها بكل تميز على جدران الذاكرة




تداعيات دماء الفرس على بذلة بيضاء
قراءة موشورية في مجموعة الكاتبة سها جلال جودت
/ دماء الفرس /

دماء الفرس المجموعة القصصية الثانية للأديبة سها جلال جودت بعد مجموعتها الأولى (رجل في المزاد) و روايتها( السفر إلى حيث يبكي القمر) و هي مجموعة قصصية تقع في مائة و اثنتي عشرة صفحة من القطع الوسط مطبوعة في دار الأصيل للطباعة عام 2005 و التي تحاول الكاتبة فيها أن تتهجى حروف القصة القصيرة ذلك الفن العملاق الذي لا يصمد به إلا المبدعون 0
القصة القصيرة فن اختزال الواقع و الخيال معاً ينطلقان مسيرة فنية باتجاه بلورة أطر التجارب الإنسانية و للوهلة الأولى يفجعك و أنت تقرأ في تداعيات وردة حين تلدها رحم الأرض ثمة أشواك تدمي يديها و تعود كسيرة الجناح لترتسم صورة إنسانية على صفحات الحياة و إذا كانت الكاتبة في نصوصها تحاول أن تجعل من تجربة المرأة ( الوردة ) صورة إنسانية لامتهان الرجولة للحاجات الإنسانية فإنها في الوقت نفسه تجعل من هذه ( الوردة ) لوحة جديدة تولد من منظور جديد يجعلها إنسانة جديرة بالحياة 0
ولا يمكنك و أنت تقرأ قصة تداعيات وردة إلا أن يتمثل أمامك صورة فتاة يزوجها والدها المنحط أخلاقياً لشخص لا تحبه مقابل دين له بذمته و لكنها تعود إلى بيت أهلها مكسورة الجناح بعد اتهامها بالترجل و أنها مطوقة بصمت الرجال 0 بينما تجد في القصة الثانية ( قنديل الروح ) أن الكاتبة تحاول أن تسبر مغاور النفس لتثبت أن المعضلات التي يتعرض لها الإنسان قد تخلق منه إنسان آخر ربما كاتباً كبيراً يملأ على الناس صمتهم و تحقق ذلك في ليلة القدر و عاد النجم إلى مساره لينضج حلمه بالأولاد يملؤون عليه الأزمنة 0
بينما تمثل القصة الثالثة صورة الصراع الاجتماعي حيث أبو إسماعيل و الأرض التي استحوذ عليها بالقوة من قبل ابن الجيران 00 يموت غريباً عن جيرانه و ترتفع فوق قبره المباني بينما تجد نفسها أمام باب الحمام بعد صراع مع الحيتين لتكتشف أن ابنها قد خبأ ابنة الجيران في الحمام و فجع قلب الأم عندما كانت الحية السوداء في زيارة لفراش ولدها 0
أما القصة الرابعة فتلخص في دعوة الجار لجاره أن يتجسس على زوجته ليكشف أنها مصابة بمس الجنون و المفاجأة العظيمة أن من أرشده إلى ذلك هو من تقدم إلى خطبتها بعد طلاقها فالحرف جيم لما فيه من ( جنون – جبن – جرأة – جرم–جور ) يقتبس من معاجم اللغة حروفها التي تغوص في أعماق الكينونة النفسية في فضاءات اللامحسوس 0
و إذا انتقلت إلى القصة الخامسة تدرك مدى الصراع الذي يعكس أثاره على نفسية الإنسان الذي يحمل شقاء السنين و عذاباتها فمجزرة دير ياسين كانت الحدث الأهم الذي يتصارع فيه الابن في الثأر لأبيه و لكن المافيا الإسرائيلية تكون له بالمرصاد و الحدث يتحول في اللحظة نفسها إلى استشهاد الأب وولادة الابن الجديد 0
لا نريد أن نعني القارئ في الاستماع إلى أحداث القصص الأخرى التي لا تخرج في إطارها عن رسم الواقع الإنساني في المجتمع العربي و لكننا نريد أن نؤكد على قصة
( دماء الفرس ) التي هي سمي المجموعة و التي بنيت على حلم ٍ عاشته الكاتبة و يخص صديقتها ميساء و تعود الكاتبة إلى لوحتها فتجتز الألوان حيث يختلط عليها اللون بين الأبلق و الكميت المتأرجح بين السواد و الحمرة بحيث تتحول هذه الفرس الجموح أو قل المرأة الطامحة إلى ضحية من ضحايا المجتمع فالياسمين فقد رونق البراءة 0
و هذه سجية في المجتمعات المتخلفة التي لا تقدر للإنسان مكانته و الكاتبة تعتمد الحلم إطاراً لنصها تنبثق منه تداعيات اللاشعور الذي يختزن كل ما لا يقبله المجتمع في ذاكرته و يتحول إلى أفعال تنعكس على الواقع و تجعل الإنسان يعيش حياته من خلال ردود أفعال لا قيمة لها و الإطار النفسي للدراسة الأدبية في هكذا نصوص يعطي الأولوية إلى الرموز التي تنشئها و تتحول إلى مفردات و سمية تطبع النص بطابع فهم الدوافع وراء الأحداث فدماء الفرس كما نرتأي هي نقطة التضحية و نقطة الطموح و نقطة التحول و نقطة السقوط في الوقت نفسه ناهيك عن أن الفرس نفسها تمثل انطلاقة الحياة و بعدها الحركي الذي تنبعث منه الخصوبة فكيف إذا كانت هذه الخصوبة تصبح ضحية من ضحايا المجتمع لقد مثلت الكاتبة مجموعة نصوصها في دماء الفرس بلغة نحتتها من واقع الحياة المتداول على ألسنة الناس و الذي يمثل المجتمع العربي في بيئتها الإنسانية فالرمز أحياناً يغطي مساحات من أحداث القصص بينما الدفع و المباشرة يلتهمان بعض النصوص فتتحول القضايا الاجتماعية إلى قضايا ناثرة و كم يبدو ذلك واضحاً في مدلولات ألفاظ الكاتبة في نصها ( زوجي يحب الثوب الأحمر ) رموز واقعية تمثل أعماق اللاشعور عند الرجل الشرقي الذي يبحث عن مأوى و أليف و لكنه في الوقت نفسه يحوّل هذا الأليف إلى فرس دامية صورتها عالقة في الذاكرة 0
دماء الفرس تنطفئ زغردة الجدة 000 تنام ملامح البشر و لا تستيقظ0000 تصرخ وردة بصوت أنثوي جريح :
ــ ( يس ) 0
تردد الجدة قل من يحيي العظام و هي رميم
قراءة أخرى وردود أفعال أخرى يمكن أن يكتشفها القارئ بنفسه في إعادة النظر في قراءة المجموعة القصصية قراءة تنطلق من اكتشاف الأعماق الموجودة ما بين سطور القصص التي يبدو أنها تجارب عايشتها الكاتبة في مجتمع تتناقض فيه العلاقات الاجتماعية 0


الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم


ريم أبو عيد تبحث عن هوية مفقودة
قراءة فنية لنص قصصي
( يوم شتاء بارد )

استيقظت كعادتها مبكراً ،في ذات يوم من أيام الشتاء الذي تحبه لشعورها أن فيه شيئاً منها .. أطلت من النافذة و جالت ببصرها نحو السماء الملبدة بالغيوم ،ذكرها هذا المناخ بمناخ حياتها المعتم ، القاتم .. تساقطت دمعة من عينيها العسليتين ، سرعان ما انتبهت لها فمسحتها بطرف إصبعها الرفيع قبل أن تنحدر على خدها المخملي .. و أعادت النظر إلى السماء التي تكاثفت فيها السحب ، معلنة عن بدء هطول المطر .. وما هي إلا لحظات حتى بدأ المطر في الهطول و مع كل حبة مطر تسقط على الأرض كانت تخرج منها زفرة أسى على أيام عمرها المتساقطات كما المطر، وأوراق الشجر في الخريف .. مرت أيامها سريعاً أمام عينها كشريط سينمائي اختلطت فيه الصور و الأحداث والأشخاص .. فتاهت الملامح في ذاكرتها التي تحمل كماً هائلاً من الذكريات الأليمة المرة .. كمرارة حياتها و أيامها .. و لكنها ككل مرة طردت من مخيلتها الذكريات والأشباح التي تتراقص دوماً أمامها فتشعرها بخوف مجهول ..تساءلت بهمسة خافته مكتومة : "هل شعرت يوماً بالأمان؟؟" هزت رأسها يمينة و يسرة في دلالة على النفي، تركت النافذة و ذهبت لتعد فنجان القهوة الذي اعتادت أن تشربه كل صباح وحدها .. فهي دائماً وحدها حتى و إن كانت بين الناس .. انتهت من إعداد القهوة ، كان البخار يتصاعد من الفنجان ، بينما كانت تسير بخطى ركيكة ، باتجاه الشرفة .. ابتسمت ابتسامة خالت لها أنها بلا معنى ..في الوقت الذي أحست فيه بأن هذا الطقس الصباحي هو الشيء الوحيد الذي أصبحت تشعر بطعمه و مذاقه في هذه الحياة ..جلست على الكرسي الهزاز أمام الشرفة ، أسندت رأسها إلى المركى ، معلنة حالة صمت مطبق ،حيث ذهبت بعيداً بخيالها و بدأت في التأرجح بالكرسي في حركات خفيفة هادئة .. تماما كما أيامها ، إذ تتأرجح بها ما بين صعود و هبوط ، بفارق أن تأرجحها أشد عنفاً لدرجة أنه كان يهز كيانها ويكاد يفجره ..رشفت من القهوة بهدوء كعادتها .. فهي اعتادت أن ترتشف قهوتها بهدوء لتستشعر مذاقها على مهل .. و رائحة البن تملأ أنفها .. فابتسمت ابتسامة أخرى يلازمها نفس الشعور بأن لا معنى ولا سبب لها.. وكانت في هذه الأثناء تضغط براحتيها الصغيرتين على فنجانها ، معلنة بذلك تمسكها الشديد به ، لكونه من أعز طقوسها ، وفي ذلك قناعة على نحو ما بأنه الوحيد الذي تحبه و تستطيع أن تحتفظ به لكونه الشيء الوحيد في هذه الحياة مباحا لها أن تشعر تجاهه بمشاعر الحب .. ولكن سرعان ما خفتت فرحتها الخفية ليحل الوجوم .. حيث دون سابق إنذار طفقت في البكاء .. بكاء هادئ صامت ..استسلمت له.. فهو الرفيق الوحيد لها في هذه الغربة الموحشة .. وهو الصديق في صحرائها القاحلة .. بكت لحد عدم قدرتها على إكمال فنجان قهوتها .. وضعته جانباً و دفنت رأسها الصغير بين راحتيها تاركة دموعها تنهمر بغزارة كما المطر المتساقط من السماء ..ثم رفعت رأسها بعد أن هدأت قليلاً .. نظرت حولها و انفلتت منها ضحكة ساخرة .. متسائلة في داخلها : "أهذا هو المآل، نهاية حياة حافلة بالمعاناة .. أربع جدران موحشة وغربة ووحدة .." كم كانت الأيام قاسية معها منذ أن كانت صغيرة .. لم تعش كواحدة من قريناتها الأطفال في دفء وحنان وأمان .. كانت دائماً وحيدة و كانت تمنى نفسها أنه سيجيء اليوم الذي تلتقي فيه مع قلب يضمها و يحتويها بكل حنان ، وحب يشعرها بالأمان المفقود .. يعوضها عما قاسته من حرمان في هذه الحياة .. لكن الحياة تأبى إلا أن تزيدها حرماناً ، وتجردها من كل معنى جميل و كل مشاعر دافئة .. فجأة شعرت ببرودة تسري في أوصالها فارتجفت كعصفور صغير يقف بلا مأوى تحت المطر .. كأن جليد المشاعر يحيط بها من كل جانب .. فمدت يدها لتستعيد فنجان قهوتها علها تشعر بالدفء من حرارته .. فما أن رشـفت منه حتى اكتشفت أن القهوة قد فقدت حرارتها .. فقد الفنجان كل الدفء الذي كان يحتويه كما فقدت هي من قبل كل الدفء في حياتها .. نظرت إليه بأسى و تساقطت دمعة كانت قد بقيت في عينيها في الفنجان فأحدثت دوامة صغيرة كتلك الدومات التي اعتادت أن تدور فيها .. اعتلى وجها ابتسامة ساخرة ..قامت من مكانها وسارت تجاه المطبخ بلا اكتراث .. راحت تسكب ما تبقى من قهوة في المجلى .. و نظرت إلى السائل و هو ينسكب من الفنجان بلا أي اهتمام .. فمنذ زمن طويل لم تعد تهتم بأي شيء في هذه الحياة ..



تبتسر القصة القصيرة عناصرها من شبكة عنكبوتيه و لكنها فولاذية الخيوط 0 تحتاج إلـى مجهر دقيق يكشف عن مكونات عناصرها ، فالقصة القصـيرة هذا الفـن الهادئ المشاكـس بطبيعته يستطيع أن يحملك إلى واقع آخر يجتزئ التجربة من الخيال و يجتزئ الخيال ليكونه تجربة عظيمة اللهم إذا كان القاص فناناً بارعاً في تعامله مع النص القصصي قادراً في رسمه للشخصيات التي يختارها 0
و نحن هنا في نص يوم شتاء بارد نقرأ مفكرة رائعة من المفردات و الصور التي تكون لدينا خيالاً واعداً فاللحظة التي صورتها الكاتبة لحظة متميزة لأنها تسبر أعماق النفس و تحـول المشاعر إلى أفعال تتراقص على الورق و إلى كلام نلمسه و نقرأ ما وراء أحرفه من معاني تشكل جزء عظيما لأي النفس و الذات0
نحن إذاً أمام موقف ( ذكرياتي) يصور لنا صفحات من ذاكرة الكاتبة و ينقل لنا أدق التفاصيل بلغة شاعرية تطير بنا على جناحي بساط الريح و تحملنا إلى أفق يبدو أنه عند الكاتبة مسدود من الطرف الآخر 0
فهي من خلال عباراتها تبحث عن ( استراحة المحارب ) و لو كانت هذه الاستراحة دقائـق معدودة و الدلالة على ذلك هذه التشاؤمية التي تتبطنها الكاتبة فتنساق على لسان شخصـية قصتها بشكل لا شعوري ( أربع جدران موحشة و غربة ووحدة ) سبقت هذه العبارة بتساؤل
داخلي يحتاج إلى ( مشرحة فرويدية ) حتى يستطيع أن يستنسخ ما في أعماق نفـس الكاتبة ( أهذا هو المــآل 00000 نهاية حياة حافلة بالمعاناة ) لا أعتقد أن الكاتبة قد وصلت إلى سن اليأس حتى تعبر عن تجربة مريرة مليئة بالمطبات و المصاعب و الإشكـالات 0 إنهـا تبحث كغيرها من النساء عن حضن دافئ تستطيع أن تأوي إليه كقريناتها ممن تعيش حـياة هانئة و قد عبرت عن ذلك بقولها ( كم كانت الأيام قاســـية معها 000 منذ أن كانــت صغيرة 000 لم تعش كواحدة من قريناتها 000 الأطفال في دفـئ و حـنان و أمان ) و لا أعتقد إلا أن الكاتبة تعيش أزمة خاصة تبحث فيها عن هوية مفقودة يمكن من خلالها أن تعبر الحياة الواقعية فهي قادرة بجواز مرورها ان تعبر الحياة الخيالية و هذه سمة ليست بالعادية و لكنها تحتاج إلى مركب من نوع آخر ينقلها إلى المشاعر الدافئة التي تمثل لديها الحياة كاملة 0
و النص الذي بين أيدينا إذا ما تجاوزنا فيه الأخطاء التعبيرية التي وقعت فيها الكاتبة بقولها
( لم تعش كواحدة من قريناتها الأطفال )
و كان من حقها أن تقول
( لم تعش كواحدة من أقرانها )
( فابتسمت ابتسامة أخرى يلازمها نفس الشعور )
و الحق ن تقول :
( يلازمها الشعور نفسه )
و قولها : ( ابتسمت ابتسامة خالت لها أنها بلا معنى )
و الصحيح أن تقول:
(ابتسمت ابتسامة خالتها بلا معنى)
و قولها ( بكت لحد عدم قدرتها على إكمال فنجان قهوتها )
و الصحيح أن تقول :
( بكت إلى حد جعلها غير قادرة على إكمال فنجان قهوتها )
و قولها ( فما أن ارتشفت ) و الصحيح : ( فما إن ارتشفت )
إذا تجاوززنا هذه الهنات التعبيرية إلى عناصر القصة لوجدنا أن هناك حاجزاً بيـن عـنوان القصة و بين مضمونها فليست هناك في النص عبارات توحي إلى علاقة بين مضمون النص و بين عنوانه اللهم إلا في خيال الكاتبة فقط حيث اعتبرت خيالياً أن حدوث هذه القصة شتاءً يجعل هناك رابطاً بين اليوم الشتائي البارد و بين ما سلخته الكاتبة نفسها من ذكريات 0
و إذا كان من حقنا أن نفتش عن عناصر القصة الحقيقية في النص فإن من دواعـي النقـد و تأسيساته القائمة على القواعد أن نشير إلى أن النص الذي بين أيدينا أقرب إلى الســيرة الذاتية التي تؤرخ لاستجابات نفسية تستدعيها ذاكرة الكاتبة فتفرغها على شكل نص 0
أما الا ّ تكتشف الكاتبة جنس النص الذي أفرغت فيه تجربتها فهذه مسؤوليتها المتـمثلة في إعادة الحسابات من جديد 0
صحيح كما قلنا في المقدمة أن لغة الكاتبة و صورها استطاعتا أن تحققا حضوراً أدبياً جميلاً رائعاً خجولاً و لكن فن القصة القصيرة يستحيي كثيرا حينما لا يجد أجلّ عناصره حاضراً على مساحة التجربة فـ ( الحدث و الحبكة و عنصر التشويق ) أثافي ثلاثة لا تقــوم إلا عليـها استجابات فن القصة القصيرة و هي دعامات تنمية فن القصة وهذه عناصر يكاد النص الذي بين أيدينا يخلو منها و إن كنا نسمع نداءات في عالم القصة تدعوا إلى تجاوز القواعد و لكن يفترض أن يكون هذا التجاوز إلى قواعد عصرية تتناسب و العصر الذي نعيشه 0 و ما نقوله في حق النص لا يستدعي إلغاء جماليته بقدر ما نحن نبحث عن انتماء هذا النص و هوية هذا النوع من الكتابة الذي ينتمي إلى (السيرة الذاتية) و قد أكـدته الكاتبـة من خـلال عنـوان نصــها ( يوم شتاء بارد ) و اليوم في مفهوم مذكرة و مفكرة الكاتبة هو سـيرة لم ترق إلى أن تتحول إلى قصة قصيرة و تصنيف النص مسألة حساسة فالسيرة الذاتية فـن نــزر و عظيم انقطعت به السبل بعد العقاد و محمد حسين هيكل و ميخائيل نعيمه و تحـول عنـد كتابنا الجدد إل ذكريات يسردها الكاتب أو الفنان بلغة جميلة بل إلى خواطر يرســمها على صفحات الورق 0
الدارسان :
حسين الهنداوي ـ حاتم قاسم
















المونولوج الداخلي و البحث عن الذات التائهة
قراءة في قصة ( درب أم الدويس ) للقاصة سارة النواف
الدارسان : حسين الهنداوي ــ حاتم قاسم


نص القصة القصيرة : ( درب أم الدويس – الكاتبة : سارة النواف )

درب أم الدويس
تمشي .. تحث الخطى .. تلتصق بالجدار الرطب .. تنصت أكثر .. لعل الصوت يدلها على مصدر الضوء الخافت الذي كلما تدنو منه ويخالجها إحساس أنها وصلت .. تفاجأ أنها لا تزال بعيدة.
نقاط مطرية باردة تهطل على رأسها وكتفيها .. تزاد أحيانا وتكون غزيرة .. وتكاد أحيانا أن تتوقف ..
ترفع عباءتها وتغطي رأسها لتحمي نفسها من البلل ولكن عباءتها تجمع مياه المطر لتسيل على ثوبها فيرتجف بردا جسدها المرتجف خوفا .. رائحة المطر غريبة في البيوت الخربة .. بيوت بلا أسقف أو أبواب أو نوافذ .. بقايا خربة لبيوت كانت ذات يوم عامرة .. قدماها تغوصان في بحيرات المياه الصغيرة التي تملأ الأزقة والمداخل .. مزيج من الطين والوحل يلطخ ساقيها وثيابها .. تتابع السير ..
نباح كلب يليه مواء قطة وأصوات تلاطم وتدافع .
" ما الذي جاء بي إلى هذه الخرابة ؟.. حمقاء .. مجنونة .. لا .. بل الشيطان
الذي يسكن عقلي هو الذي يقود خطاي .. لعنة الله علي وعلى أفكاري "
تتأرجح بين العودة والاستمرار .. تود أن تكشف أمرا فكرت طويلا به " سأستمر .. وليكن ما يكون"
تنتقل بين الغرف .. تستنشق الهواء عله يحمل عطرا .. تتوخى الحرص في خطوتها
فقد تدوس على صدى أنفاس .. تلتفت حولها .. ظلمة حالكة.. لا يبدد سوادها إلا برق يومض لثوان قصيرة .. مزيج من الرهبة والخوف .. أما الفضول فهو في ازدياد كلما دخلت غرفة ولم تجد ضالتها ..
وعند باب خشبي متآكل ، ترددت قبل أن تدفع الباب بيدها الباردة خوفا .. أنين متوجع صدر من الباب القديم .. دلفت إلى الغرفة الرطبة .. جدران متهالكة.. قطرات ماء تتساقط صفراء مصطبغة بلون السقف المتداعي .. رائحة نتنة أزكمتها .. وللحظة فقط انتشر ضوء في الغرفة .. لحظة لا يمكن عدها بالثواني ..
كانت كافية لتلمحها .. امرأة في زاوية الغرفة .. تجلس على حصيرة قديمة بالية .
تراجعت خوفا " أهي شبح ؟.. أم فعلا امرأة .. أم قد تكون من نسج خيالي "
التصقت بالجدار الرطب.. أحست بوخز الأحجار في ظهرها .. لم تأبه .. فهاهي الآن في نقطة اللاعودة .. " سأنتظر حتى يومض البرق مرة أخرى لأتبين إن "
لم تكمل حديثها لنفسها حين سمعت صوتا هامسا يقول لها " ما بك .. هل أنت خائفة؟؟"
تلعثمت " لا.. نعم .. أنا خائفة .. أنا .. من أنت؟"
أجابتها بمرح" هيا لاتخشي شيئا .. تقدمي ….. واعذريني فأنا لا أملك من أمور الضيافة شيء ..
ما رأيك هل تشاركيني الجلوس على الحصيرة "
تقدمت نحوها ولكنها فضلت أن تبقى بعيدة نوعا ما .. جلست على قطعة خشب رطبة
في حين سألتها " حسنا .. من أنت ولم أتيت إلى هنا ؟"
" كنت .. كنت .. أبحث .. ربما عنك"
" تبحثين عني؟؟.. ولم ؟؟ في مثل هذه الليلة .. الكل يختبئ في بيته حيث الدفء والراحة ..
حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران .. وأنت تخرجين للبحث عني ؟"
سكتت لحظة ثم أردفت بخبث " آه .. نعم .. نعم .. هل غاب عنك شخص معين "
أجابتها لتنفي عن نفسها تهمة " لا.. أود أن أعرف عنك ومنك أمور كثيرة"
" أمرك غريب " قالت لها " الرجال عادة هم الذين يبحثون وليس النساء "
اقتربت منها أكثر وهي تحرك قطعة الخشب تحتها .. صوتها .. حديثها .. هي كلها تزيد من جذوة نار الفضول .. تزداد رغبة في الاقتراب لمعرفة من تكون .. مم هي "
تباغتها بسؤال " ألست خائفة الآن؟"
" نعم .. لا.. لا.. فأنا أعلم أنك لا تؤذين النساء .. فقط الرجال لذلك أتيت "
ضحكت بصوت عال وسرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفة المتهالكة ....
أحست ببرودة شديدة .. بلعت ريقا جف في حلقها وقالت بصوت متردد " هل أنت هي؟"
" هي .. من تقصدين؟"
" اقصد .. اقصد "
" ها .. تقصدين .. أم الدويس .. نعم أنا هي "
تنظر إليها .. صوتها الدافئ يبعث الشجاعة في عروقها .. تردد لنفسها " هذه المرأة ..
بشكلها المثير للشفقة والاشمئزاز .. هي أم الدويس "
تمعن النظر .. إلى وجهها .. صدرها .. ساقيها الممتدتان على الحصير .. ملابسها الرثة
.. وبعد تردد تقول " أنت امرأة عادية"
" لا.. لست امرأة عادية .. بل أقل من ذلك .. انظري إلي .. وتمعني في ملامحي "
تحاول أن تميز ملامحها .. يومض البرق .. تسري الرعشة في أطرافها ..
تعود إلى الخلف خائفة .." ما بك " تسألها المرأة ..فتجيب بعد تردد قصير " لاشيء .. أنت . أنت ما بك؟.. هل أنت مريضة .. هل تعرضت لحرق أو .."
تقاطعها " لا.. هذه أنا .. وهذا هو وجهي .. هذا هو شكلي "
فتقول الأخرى" ولكن .. يتناقل الناس عنك حديثا لا ينتهي .. ضياء في وجهك .. عيناك الصافيتان
.. رائحة عطرك وشذاك .. الذي تنقله النسائم عبر الحواري والأزقة .. وتلتقطه الأنوف فتسلب الألباب .. وكلما صددت عن الرجال .. ازدادوا إصرارا على متابعتك .. و "
قاطعتها بحدة " يكفي .. هذا كله هراء .. هاأنا أمامك .. هيا .. انظري إلي ما ترين ؟"
" ولكن "
" لا تقولي .. ولكن .. هيا تقدمي وانظري إلي "
" لكن الرجال الذين لم يتبعوك قالوا عنك ذلك …وأما الرجال الذين أغويتهم .. فأنت "
تقاطعها بنفس الحدة " لم أقتلهم .. ولم اخطفهم .. هم الذين يجرون وراء الأوهام"
تزدرد ريقها بصعوبة بعد أن تطايرت جوانحها هلعا " أتقولين وهم ؟"
" نعم .. وهم .. كل يضيف إلى شخصي ما يريد .. لوحة لم يكملها الرسام .. وكل يضيف مايعحبه
.. الكل يراني كما يريد وليس كما أنا . حين يرونني في الأزقة المظلمة .. أكون كما تريني الآن ..
ولكنهم يعمون عن ذلك .. أعماقهم المريضة ترسم لهم صورتي انعكاسا لما في نفوسهم ..
هيا قولي ما تشمين الآن "
لا تجيب فهي غير مصدقة
فتكمل الأخرى" أتعرفين ما تشمين ؟.. رائحة المطر بعد أن يتخلل الجدار النتن .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وبقايا الكلاب والقطط الضالة .. انظري حولك وتفحصي هذه الغرفة الحقيرة.
. رائحة هذا المكان هو رائحتي .. وتقولين عطر .. أي عطر هذا "
تقول لها بصوت واهن " ولكن كيف يشم الرجال رائحة عطرك الفواح "
أجابتها بهدوء " كما قلت لك .. كل شيء في خيالهم المريض .. وحين يأتي أحدهم ..
ليس لأني طلبت منه .. بل لأنه هو يريد ذلك ..يفسر وقفتي بأنها دعوة صامتة ..
نظراتي بأنها إيماءة مني لأثير رغبته .. أي حركة أو لفتة .. هي دعوة مني له "
يبدأ الفضول ينمو مرة أخرى " ولكن .. لم كل هذا الحديث عنك ؟"
تقول بمرح " أتصدقين أن من يتحدث عني بهذه المبالغة .. هن النساء وليس الرجال ..
كل من فقدت أحدا .. أخذته أم الدويس .. كذبة صغيرة وكما يكبر الناس كبرت على مدى الأيام..
وحملت الكثير من الصفات غير الحقيقية "
" هل تقتلينهم ؟؟ "
تجيب بملل " هاأنت تعودين من حيث أتيت .. ما بك تهتمين بهذه النقطة .. أنا لاأقتل أحدا وان كنت فقدت أحدهم فلست بقاتلته .. أف .. "
يعم السكوت المكان .. إلا من صدى تساقط حبات المطر الخفيفة على وعاء معدني قديم
.." اسمعي .. حين يقترب مني أحدهم .. يصدم أنه كان يتبع سرابا .. وأن الصورة التي رسمها عنده هو فقط .. عندئذ تتبخر الهالة التي يكون قد رسمها لنفسه .. يصبح عاريا أمامها .. ويأبى العودة ..
حتى لا يرى الآخرون نفسه عارية ….. كما رآها هو"
تقف وتنفض المياه عن نفسها وتتجه خارجة من الغرفة " هيا .. توقف المطر .. عودي إلى منزلك.
. وابحثي عن غائبك في مكان آخر "
تصلح من شأن عباءتها .. تخرج متعثرة بالأوحال التي علقت بعباءتها وثوبها ..
ترتجف يداها محاولة الإمساك بالعباءة مانعة إياها من التزحزح عن رأسها ..
تستعجل الوصول الى الدار .. وفي احدى الحواري ..يصطدم بها أحد الرجال .. يتركها مهرولا إلى نهاية الزقاق .. تلتفت وراءها فتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية .. تستنشق الهواء .. تملأ رئتيها باحثة عن عطر .. تهز رأسها أسفا " لا عطر .. رائحة المياه المختلطة بالأوحال وقاذورات الزقاق
" تطارد الرجل بعينيها ..
تبتسم بمكر وتكمل طريقها .


الدراسة النقدية :

البحث عن الذات انطواء إنساني لازم الإنسان منذ وجوده الأول فهو انطلاق نحــو المجهول و تمحور في دائرة المعلوم و استكناه لأعماق النفس الذي منذ أن هبطت إلى الأرض و هي تبحث عن كيانها و ذاتها ووجودهـــا فلإنسان بطبيعتــه مخلوق طارئ على هذه الأرض و لكنه يحاول التشبث بفكرة البقاء التي جســـدتها الأديان إلى خلود بحسب العمل 0
( درب أم الدويس ) بحث مضني من الكاتبة عن الذات التائهة في تلافيف اللاشعور و في أعماق اللاوعي الذي اختزن الآخر مخلوقاً يتصور وجوده مزاحمـــا له فبـين ( أم الدويس ) الحقيقة و ( أم الدويس ) الخيال يقف الإنسان حائراً باحثاً عن الوجود الحقيقي و الكاتبة سارة النواف في نصها هذا تحاول أن تخرج الأسطورة الشعبية من قمقمها لتحولها إلى واقع اجتماعي إنساني يعكس صورة الإنسان في ذروة مجده 0 فأم الدويس في العقل الباطن لكل إنسان يعيش في أرض الخليج امرأة ساحرة جميلة معطارة يتشهى الرجال التقائها و محادثتها و ( أم الدويس ) في العقل الوعي هي المرأة التي تفجؤك بعيون قطة مخيفة مرعبة و بساقين منجليين يستطيعان قطع الرؤوس و إذا كنا سنتجاوز الحكاية الشعبية الخليجية التي ترسم صورة ( أم الدويس ) بشكلها الأسطوري لننتقل إلى ( أم الدويس ) التي أنشأتها الكاتبة سارة النواف شخصية جديدة تنعكس صورتها في مرآة الواقع فتظهر المرآة لنا صورتين متناقضتين :
الأولى : صورة المرأة الفتاة الجميلة في ريعان أنوثتها و شبابها حيث تبدو زهرة فواحة و قمراً جميلاً و شمساً مشرقة و أنوثة ٌ يشتاق لقاءها الرجال فهي السحر الجذاب الذي يجعل الواقع حلماً و خيالاً جميلاً رائعاً 0
الثانية : صورة المرأة في غياب شمس الجمال عنها و تحولها إلى أنثى ذات عمل بعيدة عن الأعمال الجمالية فاقدة لشبابها و لجمالها و لأنوثتها الراعفة بسبب تراكم السنوات و هذا ما تعرفه المرأة بشكل خاص أكثر من الرجل لأنها تبقى تقف أمام مرآتها صغيرة 00شابة00 كهلة 00 و عجوزاً ، قد تبدو في النتيجة شمطاء 0
إذن صورة المرآة على حقيقتها تعرفها المرآة نفسها و هذا بالذات ما تشكوا منه المرأة بعد تراكم السنين 0
لقد استطاعت الكاتبة سارة النواف أن تجري ( حواراً داخلياً = مونولوج ) بين شخصية المرأة في شبابها و شيخوختها لتبرز حقيقة الجمال الزائل الذي يحول على مر السنين و يضائل بحيث يبدو الجميل قبيحاً و الحسن غير مستساغ بلغة شفافة تحمل في آفاقها و حياً لمعاني أكبر من الكلمات التي رسمت تلك الواقعة و تصوروا معنا ( نقطة اللاعودة ) التي رسمتها الكاتبة في تلافيف قصتها :
(( تبحثين عني ؟؟؟ 000 ولم ؟؟؟ في مثل هذه الليلة 00 الكل يختبئ في بيته 0000 حتى الحشرات تختبئ في شقوق الجدران )) 0
كما أن اللغة التي نقلت لنا هذه الواقعة ارتقت بنا من صدى الحروف إلى أصوات الطبيعة حيث تحول ضحك هذه العجوز الشمطاء إلى صوت يشبه صوت انفجار الرعد (( ضحكت بصوت ٍ عال و سرعان ما اختلط صوتها بانفجار الرعد الذي اهتزت له الغرفة المتهالكة )) 0
و هذا يعني لو ذهبنا نستنطق لاوعي الكاتبة أن إيذان تحول المرأة من مرحلة الشباب إلى مرحلة الشيخوخة يعني تحول الكون و الطبيعة و غضب هذه الطبيعة تعاطفاً مع هذه المرأة التي هي في الحقيقة هي سر الوجود و سر الجمال على هذه الأرض و هذا يذكرنا بصوت الشعراء الجوالين في اسبانيا و بصوت الطبيعة التي تعاطفت مع ابن زيدون بعد أن حدثت القطيعة بينه و بين ولادة بنت المستكفي ، ن بحث الكاتبة عن حقيقة الخلود على هذه الأرض جعلها تتقمص شخصية ( أم الدويس ) نفسها تبحث عن ذاتها ممثلة المرأة بصورتها العامة على هذه الأرض و كأن انطفاء الربيع و عودة الخريف عند أي امرأة يجعلها تصطدم بواقع مُر فتسجل الوصول إلى الدار 000 و في إحدى الحواري يصطدم بها أحد الرجال يتركها مهرولاً إلى نهاية الزقاق 000تلتفت وراءها فتجد المرأة تقف بنفس الهيئة المزرية 000 تستنشق الهواء 000تملأ رئتيها باحثة عن عطر000تهز رأسها أسفاً لا عطر 000رائحة المياه المختلطة بالأوحال و قذرات الزقاق تطارد الرجل بعينيها تبتسم بمكر و تكمل الطريق )) 0
لقد وفقت الكاتبة في رسم صورة المرأة في ربيعها و خريفها محمولة على جناح عنصر التشويق الذي رفع النص إلى مكانة سامقة و إن وقعت الكاتبة في ثلاثة هنات حبذا لو رجعت إليها :
- (( تمعن النظر 00إلى وجهها 00 صدرها 00ساقيها الممتدتان على الحصير ))
و الصحيح الممتدتين0
- (( تقف بنفس الهيئة المزرية )) و الصحيح : تقف بالهيئة المزرية نفسها0
- (( تقاطعها بنفس الحدة )) و الصحيح : تقاطعها بالحدة نفسها 0
و كل هذا لا يفقد النص جماليته الرائعة التي يقف فيها القارئ أمام كاتبة متمرسة
في الفن القصصي 0


























الخيال الجامح في البعد الإنساني
في قصة(( دم العذارى ليس لك )) للقاصة : أماني محمد ناصر
الدارسان : حسين الهنداوي ¬ـ حاتم قاسم

القصة : دم العذارى ليس لك
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
زُفّت العروس إليك؟؟!! هذا ما قاله أبي... ولكن لا وألف لا... لا يغرّك ما سمعتَه منه...
عشتَ ضياعاً... عثت فساداً...
فلن أرضى أن أكون أماً لأولادك، أو جدة لأحفادك...
درتَ الدنيا أجمعها وأنت تفرغ رغباتك في كل الأماكن، وعندما اهتديت أتيت إليّ...
إلى طفلة لم تتجاوز الـ 16 ربيعاً... لم يلمسها أحد، لم يقبّلها أحد، لم يضمها أحد، لم تلامس شفتاها شفاهٍ قط، لم يستنشق أحد رائحة العذارى منها...
أذهلتك طفولتها وأنوثتها التي بدأت تتشكل في ذاك الوقت...
أدهشك صوتها، بهاؤها، حياؤها،حركاتها، لفتاتها، براءتها، لون السماء في عينيها، سواد الليل في شعرها، بياض الثلج في وجهها، ارتباكها كلما سكبت كوب ماء أو قدّمت لك فنجان قهوة حينما كنتَ تزور والدها!!!
وكم كنتُ أرى في عينيك نظرات لم أدركها إلاّ اليوم... يوم عرسك وانتحاري!!!
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي...
أيها الغارق بالمنكر والشهوات...
أيها المثقل بالآثام والخطايا...
سأحارب شهوتك اليوم ولو وصلتُ معها إلى حدود الموت...
لن أسمح بارتكاب خطيئتك البعد المئة معي...
لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثمّ تمزقها كيفما تشاء...
لا يغرّك فستاني الأبيض الذي ألبسني إياه أبي اليوم، ففي قلبي سواد أعظم حاقد عليك وعلى أمثالك...
لن أقبل أن أكون الرقم (1) بعد المئة في تفريغ شهواتك...
فلك المحال ولي الانتحار...
اعتقدوا أنني خلعتُ ثوب الطفولة اليوم لكنني لن أتنازل عن ثوب أنوثتي لك...
إليك عني... لا تقترب مني، محالٌ محالٌ أن أستسلم لرغبتك الجامحة اليوم...
جمعتَ مال الدنيا ورميته بين يدي... وأُجبرتُ على اختيارك... أجبرني والدي، ذاك الفقير المعدم المثقل بالديون...
وزُفّت العروس لك... التي هي أنا...
وأُعدمتُ إلى رجلٍ ملوّث بخطاياه، والذي هو أنت...
لقد أماتني أبي الميتة الأولى، وجرح قلبي اليوم بزفّي إليك لكن... لن أرضى الآن بجرح آخر لأنوثتي...
لم أكن أجرؤ على التنفس بهمسة اعتراض عليك أمام والدي... والدي الذي نسف اليوم طفولتي، أنوثتي، عواطفي، وكل شيء بي... كل شيء...وكم بكت أمي لأجلي وهي ترجوه أن يبدّل رأيه...
ولكنّه المال الذي أصمّ آذانه عن نداءاتها وبكائها المستميت...
والآن...
الآن وبعد أن ضمتنا غرفة واحدة كنتَ قد أغلقتَ بابها بطريقة وكأنك تشعر أنّك مازلتَ تسرق الأنوثة سرقةً...
لا وألف لا...
لك المحال ولي الانتحار...
اعتقدتَ أنّك بمالك وجاهك ستشتري أغلى ما تملكه فتاة في عمري...
لا يا سيدي...
ما هكذا دم العذارى يباع...
فدمُ العذارى ليس لأمثالك وليس لك... ليس لك... ليس لك!

الدراســــة النقــديــة :
رأي حاتم قاسم :
(( البعد الإنساني في نص دم العذارى ليس لك ))
في استبار مغاور النفس الإنسانية الجامحة تعتلي صهوة البوح مفردات اللغة لتفرز معطياتها بمرآة صادقة ترسم لواعج النفس ببراءتها و تسطر على صفحاتها ضوء الشمس الذي يأبى الخنوع لسواد الليل و أما بياض الثلج فهو نقي كالياسمين يزجي بعطره أقواس قزح تلون مفردات الرغبة الجامحة بتحول فيزيولوجي يأبى الانزلاق في المطامع المادية ، فأبعاد المشاعر الإنسانية الجياشة ترفض الانصياع لواقع لا يحقق لها التكافؤ بسمته المادية و المعنوية و هذا ما لا تتوقعه القاصة أن يكون زوجها من أتراب والدها فهذه قضية إنسانية تحتاج إلى بحث في هذا العصر الذي أصبح من حق المرأة أن تختار فيه من هو كفؤ لها وكم يترك زواج أصدقاء الآباء من البنات من ارتكاسات نفسية تجعل الفتاة تنظر إلى من هو في عمر والدها و إن كان ذا مال و جاه من الذين لا يقبل عقل المرأة أن يقترن بهم ذلك بعدٌ إنساني رسمته الكاتبة بأبعاده الواقعية الصحيحة 00
(( درت الدنيا أجمعها و أنت تفرغ رغباتك 000
إلى طفلة لم تتجاوز الـ 16 ربيعاً 000
كلما سكبت كوب ماء أو قدمت لك فنجان فهوة حينما كنت تزور والدها 0
و تبقى الكلمات في ارتكاسها الانعكاسي ترسم مشاعرها على صفحة بيضاء حيث أن المال لا يشكل معياراً في مقياس رغباتنا لتحقيق أحلام زائفة لا يجلوها إلا الزمن و لا تصهرها إلا التجارب و تبقى الرهن التي تخطه الكاتبة وسماً على جدران الرغبة :
(( إليك عني 000 لا تقترب 00محالٌ أن أستسلم لرغباتك الجامحة اليوم ))
من حروف كهذه الحروف تصارع الذات ترسم لنا الكاتبة براءة الطفولة بياسمينها النقي و تسجل على صفحاتها الزمن المثقل بالخطايا و لكنها المرآة التي تعكس صفاء النفس لتبلور فكرة الواقع بارتداد الضوء المصقول على حوافها فهي الوردة البيضاء و الصفحة النقية التي تأبى الاستدراج و تشير الكاتبة إلى ذلك بقولها :
(( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء ))
(( اعتقدت أنك بمالك و جاهك ستشتري أغلى ما تملكه فتاة في عمري 00 لا يا سيدي 00 ما هكذا دم العذارى يباع 000 فدم العذارى ليس لأمثالك و ليس لك 00 ليس لك 00ليس لك ))0
هكذا أرادت الكاتبة أن تعبر عن المعنى الإنساني في الذات البشرية المتمثل في محاولة استغلال أنوثة المرأة من أجل إشباع نزوات الرجل الخارج عن الأطر الإنسانية 0
رأي حسين الهنداوي :
(( المفرد القصصية في نص دم العذارى ))
يفجؤك في نص (دم العذارى ليس لك) للقاصة أماني محمد ناصر هذه الشفافية الواعدة التي تكتنزها مفرداتها القصصية و التي استطاعت أن تحمل أبعاداً إنسانية تصور حقيقة شراء مشاعر الآخرين بحفنة من الدراهم فالمفردة التي استعملتها القاصة على الرغم من كون الموضوع ليس جديد فهو مطروق على مر العصور و على حد قول الشاعر نزار قباني (( بدراهمي 00 لا بالحديث الناعم )) هكذا أراد هذا الرجل الاستثنائي أن يكون زوجاً لفتاة لا ترغب في أن تنظر إليه مع أنها المحاولة التي قد تكون العاشرة من نوعها و التي أرادها هذا الرجل و أراد أن يقتنص منها عواطف فتاة صغيرة كالوردة لم يشم رائحتها أحد ٌ إلى الآن على حد قول الكاتبة 0 و لنلاحظ ما تحمله هذه المفردات من شحنات عاطفية أفرغت فيها الكاتبة موقفها الفكري من هذا الزواج غير المتكافئ و الذي ترى فيه كل الشرائع السماوية و القوانين الوضعية حيفاً و ظلماً للمرأة 0
و هاك أيها القارئ العزيز قول الكاتبة :
(( لم يستنشق أحدٌ رائحة العذارى منها 000))
(( لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي ))
(( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء ))
(( اعتقدوا أني خلعت ثوب الطفولة اليوم 00 لكنني لم أتنازل عن ثوب أنوثتي))
(( الآن و بعد أن ضمتنا غرفة واحدة كنت قد أغلقت بابها بطريقة و كأنك تشعر أنك ما زلت تسرق الأنوثة سرقة ))
(( لا يا سيدي ما هكذا دم العذارى يباع 00 فدم العذارى ليس لأمثالك و ليس لك))0
فإذا تفحصنا ما تختزنه هذه المفردات الشاعرية في المقتبسات السابقة نجد أن الكاتبة استطاعت أن تنتقل من لغة الحقيقة إلى لغة المجاز حاملة إيانا على بساط ريح أخضر يرينا فضاءات الأنوثة على حقيقتها 0
فقولها ((لم يستنشق أحدٌ رائحة العذارى منها 000)) يحيلنا إلى غابة روحانية تفوح منها كل الأطياب الزكية التي تتمثل في الأنثى فالمرأة و كما خلقها الله هي الرائحة الطيبة و الخصوصية هنا لكلمة رائحة العذارى التي تدل على لؤلؤة مكنونة ما زالت مختبئة في صدفتها لم تصل إليها يد إنسان 0
إذن لو تصورنا مع الكاتبة رائحة الأنوثة و جمال اللؤلؤة بعد أن نكشف عنها غطاءها لأصبنا بصعقة جمالية و هذا ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله في وصف نساء الجنة : (( وحورٌ عين كأمثال اللؤلؤ المكنون )) الواقعة ( 22-23 )
و هذا يعني أن لدى الفتاة مخزوناً جمالياً يكمن في عذريتها على عكس كثير ممن يدعون غير ذلك 0
أما قولها : (( لن أدعك تمارس معي لعبة انزلاق شهواتك بمسامات أنوثتي ))
و هذه أيضاً مفردات عبرت بها الكاتبة عن مكانة الشهوة لدى الرجال فهي مكانة عظيمة إذا ما صانها صاحبها و لكن تتحول إلى صخرة مخيفة تنزلق من أعلى إلى أسفل واد ٍ إذا ما أرادها الرجال أن تكون في غير مكانها الحقيقي 0 و الأجمل من ذلك أن انزلاق هذه الصخرة سيكون إجبارياً في مسامات أنوثة المرأة و هذا ما نسجله للكاتبة في المستحيلات غير الممكنة و التي نضيفها إلى المستحيلات السبعة إذ كيف بالصخرة أن تنزلق داخل مسام جلد المرأة ( و هذا يعني بالمفهوم الشعبي زواج الرجل عنوة بالمرأة ) و لا أعتقد أن هناك شيئاً أكثر كرهاً للمرأة من أن تتزوج ممن لا ترغب به و هذا ما وفقت الكاتبة في التعبير خيالياً عنه و إن كانت صورتها المجازية ( انزلاق الصخرة في مسام الجلد تناظر دخول الفيل في ثقب إبرة على حد قول الشاعر سميح القاسم أو على حد العبارة القرآنية التي فتحت هذا الأفق أولاً :
(( إن الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط و كذلك نجزي المجرمين )) 0
أما قولها : (( اعتقدوا أني خلعت ثوب الطفولة اليوم 00 لكنني لم أتنازل عن ثوب أنوثتي))
فإن القاصة عبرت عن أنوثتها الحصينة بالثوب السابل الساتر الذي يغطي معالم جميلة و هذا يعني أن القاصة تصر على أن الأنوثة كنز ثمين و هذا يرتد إلى الصورة الأولى صورة الأنوثة ( العذرية اللؤلؤة المختبئة في صدفة محكمة )0
و أما قولها (( لن أكون ورقة بيضاء تكتب عليها كيفما اتفق ثم تمزقها كيفما تشاء )) فإن القاصة عبرت عن موقف إنساني يمثل حرية المرأة و إمكانية تصرفها في حياتها بحسب المنطق الذي يعود عليها بالنفع و السوية و هذا الزمن الذي كان فيه الرجال يكتبون ما يشاءون على النساء قد ولى مع أن جميع الشرائع السماوية ترفض ذلك فالمرأة صنو الرجل لها ما له و عليها ما عليه 0 و الأجمل أنها عبرت بكلمة ((كيفما اتفق و كيفما تشاء )) لتدلل بما الزائدة على أن الكثير من أفعال الرجال في حق النساء هي أفعال من صنع شهوات الرجال و عواطفهم و ليست قانوناً يجري على النساء لصالح الرجال فالمرأة ورقة بيضاء حقيقية أو لنقل وردة بيضاء نستطيع أن نرسم عليها جمال المنطق إذا ما أشرعت هذه المرة بحرية أفقها لنا أما أن نفتح الورقة و نكتب ما نشاء ثم نمزق
ما نشاء فذلك على حد قول القاصة عمل ليس له أصل 0
هذه المفردات الموحية إيحاءً خيالياً واسعاً تدلل على قدرة الخيال القصصي عند القاصة أماني محمد ناصر على اصطفاء الصورة الأدبية و إبداعها إبداعاً حقيقياً
يجعل من قصتها في الطبقة الأولى من القصص العربي المعاصر 0 و إن كنا نأخذ على الكاتبة بعض الاستعمالات السوقية التي يعبر عنها العامة بشكل يومي
و التي لا تبخس من مكانة القصة و لا تؤثر على تبوئها المكانة العالية في الفن القصصي 0
( و كم كنت أرى في عينيك نظرات لم أدركها إلا اليوم000 يوم عرسك و انتحاري ) و عبارة يوم عرسك و انتحاري عبارة شعبية قلقة من حيث الصياغة
و قولها ( لن أسمح بارتكاب خطيئتك بعد المئة معي ) كذلك القلق اللغوي الصياغي ينتاب عبارة بعد المئة 0
و بعد فإننا – الدارسين – نرى مع الكاتبة أن سرقة الأنوثة هي أفدح من سرقة أي شيء آخر و هذه سابقة تسجل للكاتبة على التفاتها لهذه القضية الحساسة التي يأبى الضمير الإنساني أن تتحول فيه الأنوثة إلى سلعة مادية يختلسها الآخرون 0






















مونولوجيه الحدث و أوكسجين الموت
في نص( رقصة الموت )
للأديبة : إيمان الوزير
الدارسان : حسين الهنداوي _ حاتم قاســم

نص القصة القصيرة : رقصة الموت للكاتبة إيمان الوزير
رقصة الموت

أفاق فجأة من سبات طويل ، يجمع من الظلام الدامس بعض ضوء خافت كان ينبعث من جهاز معلق بقربه ، ترامى إلى بصره أشباح متدلية من أعلى السقف ، شحذ بصره نحوها فعرف أنها محاليل معلقة فوق رأسه ، بدأ يستجمع وعيه محاولا تذكر ما حدث ، انهالت عليه جموع الأسئلة تقارع جسده المصفد ، شعر بأجهزة التنفس كجنازير تلتف حول أنفه وفمه ، وأحس بشيء خفيٍ يتراقص


في أوصال جسده المشلول ، وبدأ الخاطر يتحدث من جوفه نيابة عن لسانه الذي كان مسلوب الإرادة. يداعب ذاكرته بأحرف متلعثمة : ما الذي حدث ؟ كيـــــف وصلت إلى هنا ؟ ، كنت أمارس غواية القمع ، فهل انقلب السحر على الســــاحر وابتلعتني الأمواج ، تراجع الخاطر أمام أصوات أجهزة التنفس وأنابيبهــــا التي كانت تفرض على شرايينه مزيدا من الحصار . تقرع في أدنيه قرع الطبول ، راح خاطره يتساءل في غضب : ما الذي يضعون في هذه الخراطيم التي تقضـــم أنفي وفمي كسمكة قرش هل هو أوكسجين أم غاز مسيل للدموع ؟
جفل فزعا من جملته الأخيرة ، أحس بصدره يعلو ويهبط كأفعى كوبرا تتلوى على إيقاع الطبول القادم من الأجهزة ، فصاح : : كفى ..كفى لا أريد أن أموت ، أين أنتم أيها الأطباء الملاعين ! أين أنتم يا معشر الأشكناز ؟
ألم نشرب سوية نخب يهوه ؟ لأجلكم أفقدتهم هدأة الســـــــبات في هجيع الليل ، وبنيت لكم حوائط من أشلائهم . أنا الآن هاهنا مسجيا مهملا مشلولا لا يسمعني منكم أحد!
توقف خاطره فزعا على قيئ يندفع من أمعائه ، يجتاز فمه وأنفه نحو الكمـــــامة الموصودة على فمه بمزلاجها كباب زنزانة ، تداخل خاطره مع قيئه في امــــتزاج موحل يشبه أرض الزنازين الانفرادية ، كان اندفاع القيء كافيا لاقتحـــــــــام باب الزنزانة في سيل جارف يجتاز مســـــاحة الخد المتجعد في وديان تندفع نحو أذنه وتخترق الطبلة ، بعض القيء عاد مرة أخرى إلى بلعومه فلامس لســــانه مرارة العصارات ، وانهالت دموعه تمارس الغواية مع القيء تحمله إلى عالم الهذيان ، أحس بالاختناق يفّحم جسده ، وانبرى خاطره يلهث بحثا عن طوق نجاة ، زاغت عيناه وتعلقت بسقف الحجرة فرأى جموعا غفيرة من الأشباح تتراقص أمامه في ابتهاج ، ازدادت مساحة الاختناق في جسده ، التفت جموع الأشـــــــــــباح حوله تراقصه( التانجو ) ، تدنو منه وتبتعد مطلقة صيحاتها ، كان الاختنـــــــاق قد بلغ أوجه فراح خاطره يبتهل بتضرع للحشود : كفوا عني ســــأرحل عنكم ، صدقوني إنها المرة الأولى التي لا أكذب فيها ، سأعود إلى بولونيا ، أعلم أنني لن أكفر عن ذنوبي التي تخطت الآلاف ، لم أشـــــــــأ يوما بناء هيكل الرب بقدر ما أردت هدم كبريائهم ، كانوا في مملكتي ذبابا متوحشا ، جنادب تتطاير من حولي ، كابوســـا فاسدا يجب تجريفه ، عدوى أخشى أن تنتقل إلى جيـــــــراني فيزداد كمّ الذباب من حولي، نفثت السموم في أوردة جيراني فأغلقت عليهــــم باب الأرض وســــــقف السماء .
اقترب الراقصون منه وبدؤوا يمسكون جسده ويدغدغون رأســــــــــه ، يترنحون بأجسامهم مطبقين على صدره ، صرخ خاطره في فزع وراح يفتش عن مكــــــان آمن داخل قلبه ، طاردته الجموع إلى داخل جسده ، بدأ الخاطر يفر من شـــــريان إلى وريد ، اقتحم جدار المعدة ، وأحدث فجوات داخل أمعائه والراقصون يعبرون الطرقات يدوسون بأقدامهم أحشاءه ، يســـــــــــبحون في برك الدماء يغبون منها ويثملون ، والخاطر يفر منهم جزعا ، حتى وصــــــــــل إلى القلب لجأ إلى البطين الأيمن والراقصون يطاردونه ، يضيقون عليه الحصار ، يلتهمون المضغة بشره ،يترنح الخاطر بين أفواههم ، الأجهزة المعلقة تصرخ ، حشود الأطباء والممرضات تملأ المكان تحاول إنعاش القلب ، لتتسع مساحة الرقص من الداخل والخارج ، وهو يصيح ... يستجدي بلا كلمات ..بلا لسان ...بلا خاطر ...بلا قلب ، لا أحد يسمع الأنين في حلبة رقص مجنونة ، و الكل يلهث لإحياء ميت !!!!


رؤيوية الحوار الداخلي ( حاتم قاسم )
بين انبثاق المفردات و بوح الحروف يتسلل ضوء الحدث إلى مرايـــا النفس المقعرة في قصة تسبر الذاكرة و ترتسم على حواشيها محفورة بدمـاء الأطفال الفلسطينيين لجسد مارس البطش و شرب نخب الدماء و رفع راية الوحش الذي لا يعرف الرحمة 0
يفتح فمه في حمحمة السؤال ( هل من مزيد ) ، توصد الأسئلة أمام باب الزنزانة و تحت قيود السلاسل و يشرب القابعون على صدر فلسطين نخب الدماء 0
على أشلاء فلسطين تقرع الحروف طبول الشمس و على نسغ يخضورها ينبعث الأمل من خلال ( رقصة الموت ) للأديبة القاصة إيمان الوزير التي تحـمل إلينا في ما وراء سطورها ذاكرة ( انقلاب السحر على الساحر ) إنها ذاكرة ليــست مسلوبة الإرادة لأنها تصارع وحوش بناء هيكل سليمان كما يزعم المارقون 0
تتقاطع الأحداث في نقطة التمركز و تزداد مساحة الاختناق في رئتي المـوت و بين بوح الرغبة في هدم الكبرياء من عيون شعب لم يعرف المساومة على ذرة تراب من وطن و بين سموم تجاوزت الأوردة لتطبق باب الأرض و ســـقف السماء 0
مونولوج داخلي و صراع نفسي لذاكرة تقضم أشلاء الطفولة بين ظهرانيها و أما السيل الجارف من الدماء فيبقى النخب الذي يعشقه هذا الصهـيوني المتجذر في أصوله الاشكنازية 0 صورة رسمتها لنا الأديبة إيمان الوزير مسـتلة من صدر ذلك المهاجر الوغد طموحاتها اللاإنسانية في تشريد وقتل الآلاف و الملايين من أبناء فلسطين و حتى في صراع هذا الاشكنازي يطبع اللون و يميز العرق 00
طابع موسوم بوسم الحقد وممارسة القمع على الآخر 0000 هذا ما أطرته لنا الكاتبة إيمان الوزير بعباراتها الحنظلية المذاق ( لأجلكم أفقتهم هدأة السبات في هجيع الليل 00 و بنيت لكم حوائط من أشلائهم ) 0 ليبقى السؤال في مسـاحة ضيقة لاهثة يبحث في زفيرها عن جواب قاتل ( كيف وصلت إلى هنا ) 0
إنها النتيجة التي تحمل معها أجهزة التنفس للجسد المشـلول الذي لم يعرف من الحياة إلا طعم الموت 0000000 و أما دموع التماسـيح التي تختنق في غيها أكانت تدرك هذا الطعم 0
لسن حال القاصة التي شردتها طموحات المهاجــرين اليهود لتحل محلها يتمتم بحروف واعدة 000 لترحل أيها الاشـــكنازي عن قاموس لم تولد فيه و عن حروف نبذتك كما أنت تنبذ الموت ( كفى 00كفى 00 كفى 00لا أريد أن أموت )
عد إلى موطنك الأصلي !!!0000
( سأعود إلى بولونيا ) 00000000
أما الأوكسجين فلن تلوثه بزفراتك التي تجتاز مساحة الأسـئلة المعلقة في برك الدماء فأوكسجين الحياة لن ينعش الجسد الميت كما أبرزت الأديبة ذلك في معالم حدثها القصصي لأن دمه الملوث بغاز ثاني أكسيد الكربون لم يعرف أن الطفولة الفلسطينية هي التي تمتص أوكسجين الحياة و أن الشمس تكسر أصفاد القيود و هذه هي الرؤية التي حملها إلينا من قبل شاعر فلسطين سميح القاسم حين قال :
أهون ألف مره
أن تطفئوا الشمس
و أن تحبسوا الرياح
أن تشربوا البحر
و أن تنطقوا التمساح
أهون ألف مره
من أن تميتوا باضطهادكم
وميض فكره
وتحرفون عن طريقنا الذي اخترناه
قيد شعره
إنها المعاناة نفسها التي جسدت روح الأديب الفلســطيني شاعراً و قاصاً إزاء مواقف الموت التي يتعرض لها الشعب الفلســـطيني حيث تنضج الكلمــات بأوكسجينها الحي بأوردة تتدفق منه الأنفاس ليــشرق صـدى البوح من على صهوة المجد 0
هنا أطفال قانا 000 هنا أطفال صبرا 00 هنا أطفال جنين 00 هنا دير ياسـين 00 هنا كفر قاسم 00 هنا ملحمة الدماء المقدسية التي لا تجدد أوكسجين الحياة إلا برقصة الموت 0
النبضة الشاعرية في مونولوجية رقصة الموت ( حسين الهنداوي )
حين تتخطف الحروف أوهام الذاكرة و تسـتبر الكلمات أعماق الروح الفلسطينية المكتوية بنار الموت تبرز لغة الشاعرة و مفرداتها التي تصــطبغ بحنين الألم و همهمة الدماء حيث تبدو روح الكاتبة مفردات تتحدث بلغة المسلوبين الباحثين عن إعادة ما سلب منهم 0
مفردات محشوة بصواعق الموت 0000 لا يمكن للذاكرة الفلسـطينية الأدبية إلا أن تقف على عتبات الصراع الحقيقي مع العدو الصهيونـي الذي تعدى منذ أول لحظة صراع الحدود إلى صراع الوجود و هذا ما أكدته الكاتبة إيمان الوزير منذ الحروف الأولى حيث طلعت علينا بعنوان نصها ( رقصة الموت ) وكم تحمل هذه القيمة التعبيرية و التصويرية في طياتها من معاني تثبت أن الشعب الفلسطيني لا يقبل أن يكون كالهنود الحمر 000 إنها مونولوجية الحدث الذي أبرزتـه عربة الخيال عند الشاعرة بتشبيهات حسية واقعية لا تتعدى ما تراه العين الفلسطينية التي تأبى إلا أن تنزف دماء الشهادة من أبنائها
(( تراجع الخاطر أمام أصوات أجهــــزة التنفــــس وأنابيبها التي كانت تفرض على شرايينه مزيدا من الحصار ))
(( أحس بصدره يعلو ويهبط كأفعى كوبرا تتلوى على إيقاع الطبول ))
(( زاغت عيناه وتعلقت بسقف الحجرة فرأى جموعا غفيرة من الأشباح تتراقص أمامه في ابتهاج ، ازدادت مساحة الاختناق في جسده ، التفت جموع الأشباح حوله تراقصه( التانجو ) ، تدنو منه وتبتعـــد مطلقــــة صيحاتها )) 0
(( بدأ الخاطر يفر من شريان إلى وريد ، اقتحم جدار المعدة ، وأحدث فجوات داخل أمعائه والراقصون يعبرون الطرقات يدوسون بأقدامهـــم أحشاءه ))
أنها لغة القصة التي تحمل في ذاكرتها شاعرية المفردات فالأديبة تنقلنا من خلال الحدث القصصي إلى خيال شعري واع يحرض الروح و يحرك دوافع الشوق لاقتحام المجهول و إن أدى ذلك إلى رقصة الموت ناهيك عن إن قيم العبارات التعبيرية تزداد ألقاً بمفرداتها الواعدة التي تشحن النفس بأفانين الثورة من أجل إعادة الأرض 0
نص متفرد يحتاج إلى قراءة أخرى تسبر أعماق روح الأديبة لاكتشاف ما تكتنزه من شوق إلى تراب الوطن 0

عذرية الحب و تشظي الأمل
في نص ( قبلة عاشقة ) للشاعرة العمانية : هاجر البريكي
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم

النص الشعري :
قبلة عاشقة
شعر : هاجر البريكي
27_8_2007م


تُرَفرِفُ حَولَ القَلبِ لَيلاً شَـواردُ
وَتُشعِلُهَا شَوقَاً إليكَ الـــوَسَـــائِــدُ

أحُـــــطُّ عَلى جَمـرِ الحَنينِ غِوَايَةً
وَأصعَدُ فِيْ كَـــفِّ المَسَـــاءِ أُكَـابِدُ

فذَلِكَ بُــــعــــدٌ لا أرُومُ عَــــذَابَــهُ
وَذَلِكَ عِشــقٌَ لِــلـــفُــــؤَادِ يُعَاوِدُ

رَعَتكَ يَـــدُ الآمَـــــالِ لمَّا تَزُورُنِيْ
ولَيلٌ عَميقٌٍ أطْــــــوَلُ الخَطو سَائِدُ

أُقبِّــلُ مِنكَ الطَّيفَ حَتَّى أخَـــالَـــهُ
مِنَ الشَّوقِ قُربِي فِي المَنَامِ يُرَاوِدُ

تُــبَـادِلُنِي حُبَّاً وَأَنـــتَ مُــــوَدِّعِي
وَتَقتُلُنِي شَــــوقَــــاً وَأنــتَ تُبَاعِدُ

أرَاكَ تُمِيطُ البُعدَ مِنْ تَحتِ لَهفَتِي
وَيَأخُذُنِي شَوقٌ حَمِيمٌ وَرَاعِـــدُ

فَأَمطِرُ فِي الآهَـاتِ ليلاً يَضُمُّنِيْ
كَمِلءِ سَحَابِ الغَيثِ غَيثَاً أُزَايِدُ


حَنَانَيكَ رُوحِيْ إِنَّ رُوحِي وَحِيدَةٌ
وَقَـدْ طَوَّقَتهَا فِي الغَرَامِ القَـلائِـدُ

حَبِيبِي وَهَلْ فِي الحُبِّ غَيرُ حِكَايَةٍ
رَوَتهَا عُيُونِي إِذْ رَوَتنِي القَصَائِدُ

أنَا قُبلَةَ العُشَّاقِ مَوطِنِيَ الهَوَى
وَجِئتُ بِقَلبٍ لا تَـــرَاهُ الشَّـــدَائِدُ

غَلَبتُ عَصَـــا الأيَّـــامِ حَتَّى كَأَنَّنَيْ
مَنَ الحُبِّ قَدْ أَصغَتْ إِلَيَّ الشَّوَاهِدُ

حَفِظتُ هَــوَاكَ المُستَحِيلَ وَأدمُعِيْ
رَعَتهَا بِحُضنِ الصَّبرِِ فيَِّ سَوَاعِدُ

فَإِنْ كُنتَ تَبغِيْ فِي الوِصَالِ سَعَادَةً
فَـأنِّي وَرَبِّي للــوِصَــــالِ أُجَــاهـِدُ

وَلَكنَّ صَمتِي حَالَ دُونِي وَدُونَ أنْ
أُوَزِّعُ فِي لَــيــليكَ بَـــوحَــاً يُنَاشِدُ



الدراسة النقدية :
حينما تتحول العذرية إلى ملف عشق جديد تكتب حروفه على جدارية زمن صعب كهذا الزمن الذي نعيشه يعود إلى الذاكرة المطوية البعد الوجداني الحقيقي للروح العربية التي أشعلتها في وادي القرى قبيلة عذره و التي تعد الرائد الأول في عالم الحب الصادق الذي لا تشوبه شوائب الزمن ولا يكتسي بنظرات النفعية و الجسدية التي قد تحول هذا الحب إلى مسرحية يمثلها العشاق المعاصرون برسوم و أشكال لا بأرواح و معاني ( قبلة عاشقة ) هي تلك الملحمة الوجدانية التي ترفرف من جديد في عالم الشعر العربي المعاصر مع أن لغة العشق العصرية التي نعيشها بدت هذه الأيام عند الكثير من الشعراء تهتم بالجسدية و الشكلية و تبتعد عن الروح الحقيقية لمعنى الإنسان الذي يحاول أن يكون إنساناَ 0
ليس غريبا على بوابة الشعر العربي أن تمتشقها قامة جديدة من قامات الشعر النسائي الذي أسست له حدائق الزهراء في الأندلس أفاقاً لا محدودة و رسمت له
منظوراً طلقاً كونته سحب الوجدان النسائي الذي ما فتئ إلى يومنا هذا يرسم عواطف و خلجات حب صادق ففي قافلة الشعر العربي أسماء كثيرة عبرت عن واقع العواطف الإنسانية عند المرأة كما هو الحال عند ولادة بنت المستكفي وزينب بنت زياد الوادي آشي وأختها حمدة،ونزهون الغرناطية، واعتماد الرميكية –وحسانة التميمية- وحفصة بنت حمدون- ومهجة القرطبية، ومريم بنت أبي يعقوب الأنصاري وغيرهن ممن تناثرت أخبارهن وأشعارهن في كتب الأدب والتاريخ، والتراجم. ونحن حينما نتحدث عن الشعر النسائي تبرز العواطف الخلاقة التي تؤطرها روح المرأة الصادقة اتجاه من تبادله عواطفها و قد كانت ولادة تخط على ثوبها من جهة الطراز الأيمن ما يعرفه الجميع من قولها :

أنــا والله أصلــــــح للمعالي ........... وامشي مشيتي وأتيه تيها
وتخط على الطراز الأيسر:
وأمكن عاشقي من صحن خدي .......... وأعطي قبلتي من يشتهيها

وهي بذلك تعبر عن روح المرأة العربية التي تأبى إلا أن تكون في المنزلة العالية
و النص الذي بين أيدينا و الموسوم بعنوان ( قبلة عاشقة ) نموذج من الشعر العربي الذي تتناثر منه وجدانيات المرأة العربية التي ما زالت تخط على جمر الحنين حكايتها المتماهية مع ليل الصمت العربي الذي ما زالت فيه أصوات المرأة تبرز على استحياء و كأنها لا تستطيع أن تعبر عن عواطفها إلا من خلال شفافية رائعة ترسم صورة المرأة السيدة و المثال 0
ولو عدنا قليلاً إلى المدرسة العذرية التي أسس لها الشعراء العذزيون في وادي القرى لوجدنا أن نص شاعرتنا لا يعدو أن يكون إلا صورة جميلة لذلك الشعر وما ذاك إلا لأن الشاعرة تمتلك حساسية مرهفة حيث تمطر في أهات ليلها خيالاً يضمها و يبدو سحاباً يمطرها بأمطار الحب الموعودة و كأنها تقف أمام قيسها لتعبر له عن تعلقها بهذا الطيف الماثل أمامها :


تُــبَـادِلُنِي حُبَّاً وَأَنـــتَ مُــــوَدِّعِي
وَتَقتُلُنِي شَــــوقَــــاً وَأنــتَ تُبَاعِدُ

أرَاكَ تُمِيطُ البُعدَ مِنْ تَحتِ لَهفَتِي
وَيَأخُذُنِي شَوقٌ حَمِيمٌ وَرَاعِـــدُ

فَأَمطِرُ فِي الآهَـاتِ ليلاً يَضُمُّنِيْ
كَمِلءِ سَحَابِ الغَيثِ غَيثَاً أُزَايِدُ
ومن بوح حروف الشاعرة نلمس أهات الحنين التي تبدو جليه في حروفها و التي تختبئ وراء عباءتها العربية يد الآمال و جمر الحنين و نبض الشوق و طيف الحبيب الذي يرتسم في الأفق البعيد

حَنَانَيكَ رُوحِيْ إِنَّ رُوحِي وَحِيدَةٌ
وَقَـدْ طَوَّقَتهَا فِي الغَرَامِ القَـلائِـدُ

حَبِيبِي وَهَلْ فِي الحُبِّ غَيرُ حِكَايَةٍ
رَوَتهَا عُيُونِي إِذْ رَوَتنِي القَصَائِدُ

أنَا قُبلَةَ العُشَّاقِ مَوطِنِيَ الهَوَى
وَجِئتُ بِقَلبٍ لا تَـــرَاهُ الشَّـــدَائِدُ

حقاً إن الشاعرة تبدو متعلقة بذلك الطيف الذي يبدو لنا و كأنه وهم لا يتحقق في هذا الزمن الصعب على الرغم من كونها قد مدت حبلاً للشاعر العباسي ابن زريق البغدادي فإغترفت من بئره لواعج الشوق و الحنين و جعلته أنوذجاً لها في بعث العواطف الصادقة اتجاه الآخر 0
نص لا يخرج عن لإطار المدرسة العربية الأصيلة في إبراز المعاني و الصور تغلب عليه العاطفة الصادقة و المشاعر الحساسة التي حملتها إلينا الشاعرة من خلال ثنايا حروفها فهي على الرغم من صدقها قد حولت نصها إلى عاطفة جياشة بعيدة عن الأفق الصوري الذي لا يمكن أن يكون له وجود في حالة كون الشاعرة ترسم عواطفها بصدق ناهيك عن أن مفردات الشاعرة قد استلتها من قاموس الثقافة الشعرية العربية و لم تحملها أبعاداً أخرى و كم كنا نتمنى أن تفجر هذه الشاعرة عواطفها من خلال تفجير المفردات التي برزت لنا بصورتها التقليدية على استحياء من أن تظهر كعرائس بحر جديدة تتراقص على شطآن بحر عمان 0
و إذا كانت الشاعرة تنتمي من حيث المعاني و العواطف إلى المدرسة الرومانسية إلا أنها بقيت تلميذة نجيبة للمدرسة الكلاسيكية العربية من حيث الصياغة و الأسلوب و كم كنا نتمنى من الشاعرة أن تجمح بخيالها باتجاه أعماق أخرى لصورة الحب الإنساني الذي يمثل واقع الحياة الفاعلة في عصرنا الحاضر
قامة سامقة في الشعر العماني و الشعر العربي تنثر سعف نخيلها على امتداد مساحات واسعة من واحات النخل الشعري العربي 0
و إذا كان النص الذي بين أيدينا يمثل حكاية لامرأة تبحث عن أنموذجها الضائع فإنها تبدو صورة أخرى لعواطف شاعر سفك مشاعره بعداً عن خيال زوجته فقد كان ابن زريق البغدادي أحد النماذج الشعرية العاطفية التي رسمت لوحة البعد عن الحبيب بصورتها الواقعية حين يقول :
لا تعذليـــــــه فإن العذل يولـــعه ...... قد قلت حقاً و لكن ليس يسمعه
جاوزت في نصحه حداً أضر به ...... من حيث قدرت أن النصح ينفعه
و إذا كان ما خطته الشاعرة في أبياتها مشاعر شفافة فإن ما خطه العباس بن الأحنف هو صورة عربية للحب الأصيل الذي لم يتنازل عنه العربي ما حنت الإبل إلى مرابضها :

كتبت كتابي ما أقيم حروفه ........................ لشدة اعوالي و طول نحيبي

أخط و أمحو ما خططت بعبرة ................ تسح على القرطاس سح غروب



















نشيج الروح و تشرذم الحزن
قراءة في نص ( حمائم الفجر ) للأديبة حوراء آل بورنو
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم

حمائم الفجر
تسرب من بين رموش عينيّ تسرب رمل ، و هرب هروب مخلوع الفؤاد ، فغدا أثراً بعد عين ألا من هدأة فرّخ فيها شجني .
و بزغ النور ، و سكبت الشمس ضياءها في كل الزوايا حتى ملأت فراغ وحشتي .
حملتني الخطا حيث التقيتك ضاحكاً ، و قادني المسير إلى مغذى الحمائم ، و الخير يملأ الأرض . وقفت أرقب رفيفها يطرز السماء بزخارف لا شكل لها ما خلا رسم لحياة طير يغدو خماصاً . و السمع مني لا يعي غير هديل أعجمي و هديل آخر لروح تنشد الحياة بي و لي .
سكنت مني النفس و الأعضاء ، فأمنتْ ، و الأرض تغري الحمائم بما يشبع الحواصل ، فبدأ بالهبوط أمامي جوعا و فرحا ، واحدة ، اثنتان ، و أختهما ثم العشيرة . سبحانه المولى الأجلّ ؛ خلق و أبدع فأتمّ ، طير يشرب سواد قوادمها بياض خوافيها فلا أسود كالح و لاأبيض يقق ، تعلو بحثاً و تهبط فوزأً ، حتى إذا لا مس الطرف منها أديم الأرض رأيت أبرع ملاح يستقر على أرض زلقة ، فتشتري الصورة مني الضحك عجباً و لين الجوارح إشفاقاً .
و تتجه العين نحو الحبة و القمحة ، فيتحرك الرأس منها و المنقار و يتبعهما جسدها الصغير ، فتبدأ بالنقر و التقاط الحب مرة بعد مرة و كأنها حائك يغرس أبرته في نسيج الأرض و يسرع في انتزاعها ليرفو رتقاً أو يوشي ثوباً غير أن الوشي يضع أحجاراً و الحمائم تنزع حبوباً .
ويدعوني السرب أن أقبلي ، فأهرول نحوه يدفعني غروري أني الأكبر ، فيطير فزعاً و أضحك فرحاً ، فما أجمل انتشار الأجنحة خافقة ترى رجفها و تشم رائحتها . تأملتها مبتعدة في كل اتجاه ، و ضجيج هديلها يلوث المكان ، و لكنها سرعان ما عادت كرة أخرى ؛ واحدة ، اثنتان ، و أختهما ثم العشيرة . و عدتُ أنظر ، فإذا بها تتجه نحوي محلقة إلى أعلى و أنا أهبط فزعا بجسدي إلى أسفل ، توجعت مني النفس ، و وجف القلب ، فقد علمتُ أي حرية تملكها تلك الطيور و لا تملكها حرة .


الدراسة النقدية :
حينما يتحول الأفق الإنساني إلى دوائر من القيود تلقي بآفاق الذات في بحر متلاطم الأمواج تتحول الحياة إلى جحيم مبتسر يلذع الروح بجمرات القيود الإنسانية 0
الحرية كما يفهمها الأدباء لا تكون إلا طيراً محلقاً في آفاق السماء يتنقل بين البوادي و الوديان و يجوب النجيع و القفار باحثاً عن ألق الروح التي لا يمكن لها إلا أن تتنقل في أفق لا منظور 0
و إذا كان العصر الذي نعيشه قد تحول إلى كومة من الجماجم إمعاناً في حجر العقل و كبح الإرادة و التضييق على النفس فإن الحياة تبدو فتاتاً من الألم يقتات به الإنسان منتظراً ساعة الخلاص و لا تعني له كلمة الموت إلا عالماً جديداً يبحث فيه عن أفق آخر 0
هل يجف القلب و هل تتوجع النفس ؟؟ و هل يمكن للذات البشرية أن تمتلك حريتها فتسبح في عالم ملؤه المحبة و الخير و الإنسانية 0
الأدباء وحدهم أولئك الذين يهيمون في عوالم الخيال و هم من يعقدون صفقات من الصداقة مع حريتهم و لكنهم لا يجدون أنفسهم إلا في عالم الخيال 0
أن تكون حراً فيعني ذلك أن تكون حياً فلا حياة بلا حرية و لكن تلك سمة العاجزين الذين يختلسون من الإنسانية أجنحتها 0
و هذا النص الذي بين أيدينا ( حمائم الفجر ) للأديبة حوراء آل بورنو و الذي يتأرجح بين الخاطرة و المقالة و تتقاذفه موجات أدبية الأسلوب و علميته يبدو حاملاً في طياته رمزية مستغلقة تنبعث منها روائح البحث عن المجهول و لكنه مهم من وجهة نظر الكاتبة و قد مثلته عبارتها الأخيرة التي أفصحت عن مكنونات ذاتها و رسمت هدفها المنظور حين قالت ( حرية تملكها تلك الطيور و لا تملكها حرة ) و هي بذلك تشير إلى البحث المضني في صحراء الذات الإنسانية عن فسحة أمل تكون من خلالها الكاتبة طائراً يحلق مع حمائم الفجر التي بدأت حياتها من خلال القيود و ليس المهم كما تشير الكاتبة هو ما يشبع الحواصل فهناك حاجات أخرى تحتاج إلى أن تؤطر الذات البشرية على رأسها أن يعيش الإنسان حراً كما أراد (السمع مني لا يعي غير هديل أعجمي و هديل آخر لروح تنشد الحياة بي و لي ) 0
و إذا ما حاولنا تتبع خطا الأديبة في نصها الجاف أحياناً بكلماته و الرمزي أحياناً أخرى بعباراته و الموحي تارة أخرى بفقدان الحمامة البشرية لحرية التنقل الفكري فهي من خلال رمزيتها تبدو أسيرة لواقع مر ناء بكلكله على أدباء العرب بأجمعهم فحول الجناح البشري إلى ملتقط لفتات الحبوب المتناثرة و كأنها تريد أن تقول أن المرء يمكن أن يكون صانعاً لعوالم أخرى لا يتدخل بها وحوش الليل و ذئاب الحياة
(طير يشرب سواد قوادمها بياض خوافيها فلا أسود كالح و لاأبيض يقق ، تعلو بحثاً و تهبط فوزأً ، حتى إذا لا مس الطرف منها أديم الأرض رأيت أبرع ملاح يستقر على أرض زلقة ، فتشتري الصورة مني الضحك عجباً و لين الجوارح إشفاقاً . )
و المتصفح لما قالته الكاتبة يجد سوداوية قاتمة ترتدي ثوب الحزن و تعيش في فراغ البحث عن الذات و الحرية المفقودة و لذلك جاءت كلماتها متشحة بالسواد
( هروب مخلوع الفؤاد - ملأت فراغ وحشتي - السمع مني لا يعي غير هديل أعجمي - طير يشرب سواد قوادمها - توجعت مني النفس- و وجف القلب )
و بقي أن نقول إن بين ضجيج هديل الحمام الممثل للحزن العربي و همسات الكاتبة الحزينة التي تريد أن تصعد بسريها إلى إعلى وشائج قربى إنسانية فالكترا العرب الخنساء قد أسست للأدب النسوي حزناً لا ينقطع أساه 0
نص يحمل رمزية مستغلقة تحتاج إلى قراءة نفسية متعمقة لسبر أعماق الكاتبة 0




































أبعاد الذكريات في الآفاق النفسية
في نص الطيور المهاجرة للقاصة : البتول المحجوب/ المغرب
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم

الطيور المهاجرة

البتول المحجوب::.
29 أبريل 2006
أتذكرين انسياب أنغام عود..أتذكرين القاعة العتيقة
والجدران المطلية..؟كنا معا. !.
وضعت معطفها ذاك المساء الممطر على كتفها ،ذهبت لحضور أمسية.القاعة عتيقة، جدرانها مطلية بطلاء تعبر عن مرور أجيالا وأجيالا.. كراسي تسمع أنينها عند الجلوس..جلس قربها شعرت قرب أنفاسه منها..تذكرت ذاك المساء الماطر وأنغام عود حزين..تذكرت القاعة العتيقة..والجدران المطلية فهل تذكر ذالك..؟
..غادرت القاعة بعد أمسية شعرية وعزفا حزينا يصحبها، وقفت تنتظر مرور سيارة أجرة..رذاذ المطر المتساقط ينعش روحها الحزينة،التفت بمعطفها الأسود اتقاء قطرات عابرة..أوقف السيارة قربها..فتح الباب قائلا:
-تفضلي..الجو بارد..تأخر الوقت ..قد يطول انتظارك دون مرور سيارة. ترددت لحظة، بادرت بالركوب..جلست قربه دون كلمة..أدار شريط موسيقي لكسر الصمت المطبق بينهما..أنغام عود تعشق سماعه ..غابت مع أنغام العود الحزين..أحست دفء كفه وهو يلف يديها الباردتين..شعر بارتعاشها..
-ما بك ترتعشين…؟البرد..؟ردت بصوت لايكاد يسمع:
-بلى البرد قارس ..هذه الليلة.لفظت هاته الكلمات لتهرب من سؤاله..نزع معطفه ووضعه على كتفيها رغم أنها ترتدي معطفا لكنه شفاف على حد زعمه..شعرت دفء أنفاسه وهو يلفها بالمعطف..أخذ كفيها الباردتين ووضع عليهما قبلة من شفتيه المحمومتين علّه يزرع الدفء والحب في قلبها الجريح..لم تنبس ببنت شفة طيلة الطريق ..الغصة في الحلق تخنقها،الدمعة المتدفقة من مقلتيها،الجرح غائر وعميق. لالمسة كفه الدافئ ولاقبلة شفتيه زرعتا الدفء في قلب مسكون بحزن كربلائي..مثقل بهم محير.. وسؤال قلق..
اقترب منها أكثر أمسك يديها، حدق في عينيها طويلا ثم زفر قائلا:
-..عينان حزينتان هذا المساء..مايحزنك يا صغيرتي..انغام عود طالما عشقنا سماعه معا..ألن تتحررمن قيد ذاك الزائر الحزين النظرات..اماحان لك أن تنسي اوتتناسي..
نظرت إليه بصمت، رددت في داخلها كيف تنسى أو حتى تتناسى..كيف تنسى حزنكما الجميل معا..حزنا جمعكما طويلا..فرح وهم مشترك قاسمتها..وهاهي الأقدار تفرقكما من جديد..كل في سبيل وأكثر السبل حزنا ومرارة سبيلها..
يسود الصمت بينهما ..أيعاتب القدر الذي فرقهما..أم يعاتب أنفسهما..؟أي حظ هذا وأية صدفة جعلتني التقي به..؟رددت هاته العبارة تلوم نفسها.. أي قدر ساقني لتلك الأمسية..؟ لنلتقي من جديد..يفرقنا الزمن..ويجمعنا في قاعة عتيقة عبر أمسية دافئة بنغمات اوتارعود حزين ليزرع الدفء في مساء ماطر..يلفنا الصمت من جديد ..يتذكرها..يتذكر أنثى القلق..أنثى الحلم الجميل أنثى السؤال القلق..أنثى الحلم المغتال..يتذكر يوما غضب منها قائلا:
-ستقضين عمرك تبحثين عن سراب..
تبحثين عن ملامح ضبابية القسمات..رحلت عنك تلك الملامح يوم الجمعة الحزين..وبقيت تنتظرين..وتنتظرين،آلا تمل الانتظار..أم تراك الفته..؟
..ياأنثى القلق..والحلم الجميل..افتقدك، افتقد دفء أيام مضت..افتقد بسمتك المشرقة..احلم معك..بعالمك النقي..أتذكرك ألان..عبر انسياب انغام عود وترية..فهل تذكرين ؟أتذكرين القاعة العتيقة والجدران المطلية فهل تذكري…؟
البتول المحجوب-طنطان-



أبعاد الذكريات في الآفاق النفسية
في نص الطيور المهاجرة للقاصة : البتول المحجوب/ المغرب
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم
حينما تتحول الأجنحة إلى بساط ريح أخضر يعبر آفـاق المجهــول و تخـتزل اللحظات المدهشة في همسة ٍ مهاجرة تبعث في النفس ذكريات عميقة تنقل إليك سعف الصمت و أغنيات الحنين و شوق اللاشعور و استبطان العقل الباطن ليرســــم الإنسان عالمه الآخر عبر مساء ٍ ممطر تزينه قطرات الندى التي ينفعل الخير من رذاذها العطر 0
تتمحور قصة الطيور المهاجرة في أعماق لاشعور القاصة البتول المحجوب من خلال مفكرة ٍ عميقة الأبعاد ذات انكســــارات ممتدة تفتــح منها نافذة واحدة تتســـع لعينين تنظران إلى آفاق المجهول المعلوم في الذات إنه شـعور الصمت حين تتدفق الذكريات حاملة ً معها لوعة الشوق و حنين الدفء ذلك أن برودة الجو جعلت أنفـــاس الكاتبة تملأ الكون رذاذاً ملتهباً بالشوق و كأن هدوء الليل المخيم فوق الذاكرة يفتح صفحــة جديدة في آفاق مجهول الحب الإنساني الذي يريد أن تنطبع معالمه فوق الجبين واقعاً حقيقياً 0
القصة عند الكاتبــة تحولــت إلــى نافذة لا تتســع إلا لموقفين اثنـين كلاهما يبحث عن موطأ قدم في ساحة اللاشعور عند الآخر و يأتي المســـاء الحـــزين البارد ليؤكد على حميمية العاطفة الملتهبة في أعماق النفــس تلك هي مشــــكلة القصة النســـائية التي تحولت في عصرنا إلى سيرة ذاتية ترسم الكاتبة من خلالها موقفاً خاصـــاً يفتقد إلـــى العقدة و يفتقد إلى تأزم الحدث بحيث يجعلك تتناسى من خلال اللغة الشاعرية المعبرة الموحية أنك تقرأ قصة شعرية هذه اللغة تجعلك تؤكد من خلال مفرداتــها المتســاوقة عبر آفاق الربيع الأخضر تجعلك تعيش حالة شعرية و ما أجمل أن يتداخل الشــعر في فن القصة القصيرة 0
قصة تقترض من الشعر لغته الفنية فتنقل القارئ من نص قصصي إلى نص شعري 0 و لو أنك تصفحت هذه الأمسية الشعرية أو قل اللغة الشعرية في القصة لوجدت عزفاً حزيناً يصحبها و لسمعت إلى شريط موسيقي يكسر أعتابها و لأحسست دفء الحنين الإنساني الذي يلف اليدين الباردتين 0
البتول المحجوب محطة من محطات الذكريات التي ترتســـم ســيرة ذاتية تعبرُ محيط الصمت باحثة عن قوافل التوابل القصصية لترتســم وردة بيضـــاء على جبين الأدب

حسين الهنداوي
حــاتم قاســـــــم





شهقة الغياب بانتظار الرجوع
ملحمة هابيلية تنتظر الثأر من الغياب الاغترابي
قراءة في مجموعة ( الغريب و أنا ) للشاعر ماهر رجا
بقلم : حسين الهنداوي - حاتم قاسم

تلك هي مأساة شعب فلسطين 0000 ( اطمأنوا إلى امتلاء الجوابي بالماء 000 تركوا أباريق الشاي و كراسي القش في ساحات البيوت 000 قبلوا ظلالهم على الجدران 000 ثم حملوا مفاتيح البيوت ، لأنهم ببساطة كانوا يظنون أنهم راجعون غداً ) بهذه الكلمات ملأ الشاعر خوابي الاغتراب بمخابئ الهواء راسماً من خلال غربته أفاقاً لا متناهية للحزن الذي لم يستطع أحد على هذه الأرض أن يفك رموزه 0
( الغريب 00و أنا ) قافلة من الحزن و الصمت الموجع تلف الروح الإنسانية و تتساءل كلما حل الظلام هل يمكن لفجر جديد أن يفجر هذا الحزن الذي تحول إلى أشجار زقومية يتجرع من ثمارها شعب ألقي به على أرصفة الطرقات و تقاذفته أحذية الزعماء و كأن الليل قد أطبق على روح الفجر 0
والشاعر في بوحه الشعري يعيش غربة الحرف ( الإجزميه 000 نسبة لقريته ) فتنطبع على ذاكرته معالم قاتلة يبني منها مفرداته الساخرة 000فقرية اجزم التي عاشت في ذاكرة الشـــــاعر كانت تراثا خصـــــبا لغربته التي تعنون بها ديوانه
( الغريب 00و أنا ) و التي يرسمها سكك قطار مختلفة تلقي بأعبائها على محطات مختلفة صنعتها الغربة التي عانى من ويلاتها الفلسطيني المشرد
و ديوان الشاعر الذي يتقلب بين مجموعات الغربة المتشظية ( غرباء – صور – إشارات الغائب – مطر – مخابئ الهواء – النهايات ) و بين أحلام العودة المأزومة
تنبثق من خلاله صور الأمومة التي تمثل الجذر الأول للاغتراب و التي ظل الشاعر يعيشها حتى في منامه و كأن الوطن قد توحد بها إنها تتمثل في مدن فلسطين التي عبرت الذاكرة دون أن تعبرها الأقدام و التي بدأ الشاعر بها محطة أولى في ديوانه
و كأن الأم و الوطن جناحا عصفور وحدا سيف واحد لا يمكن لأحدهما أن ينفصل عن الأخر أو أن يعيش دونه أمومة انطبعت بصورة الوطن و صورة وطن انطبعت بابتسامة أم و لكنها غريبة :
لأمي العجوز التي أخفقت في الرجوع إلى أهلها
هنالك بيت وراء التلال على سنبلات ثلاث
و شمس تنام كقط أليف ٍ
لأمي الغريبة في الذكريات
وقوف القرى ذاهلات

و هذا ما ترجمه الفعل ( أخفقت ) و جمع المؤنث السالم ( ذاهلات ) ليطير بصمت إلى وادي الحزن العربي الذي لف الروح الفلسطينية المشردة و كأن الزمان قد تحول من خلال ذلك إلى مشرحة من صمت تجزر فوقها الأمومة الفلسطينية التي يسيل دماء أطفالها دون أن يجد ولو مطالب واحد من أبناء العروبة بهذا الدم المطلوب
و ثمة غربة أخرى تنبثق من أحضان ( أنا 00 الشاعر ) التي دفن ذكرياتها في أعماقه و التي تلتهب قدراً من الحزن يغلي بصمت كما يغلي حصان امرئ القيس
و الذي ينتظر أن يحمل من فوقه سيفاً يعيد للروح معناها 0
ثمة أخر
يأخذ أحياناً صوتي
و ينادي أسماء لا أعرفها
و يغني بحنين عن بلد في أقصى الدنيا
ليس خيالاً
لكن 000 مثل خيال
ثمة أخر يمشي خلفي
يمشي فوق الخطوة قربي
يدلف في أوردتي
مثل حرير الطيف
إنها مخابئ هواء كما سماها الشاعر نفسه 000 دوامة من الصمت 00 دوي من الحروف المتناثرة 0000 أجوبة لأسئلة غير مطروحة 000 فالغربة تطرح أفاقاً لا أفق لها و تستدعي معاني لا سعة لها 00 و تسفه أحلاماً لا تخطر في بال مسافر أو مقامر 000 ينادي ليفتح بصوته ممر الغبار 000 فالنخل على سور بغداد أعمى 00
فقد فقأت العروبة كما يرى الشاعر عينيها ( الأوديبية ) :
هنا النخل أعمى
هنا الأفق أعمى
هنا الخيل عمياء
و نحن نسير معاُ في الجنازة
نحو مقابرنا في العماء
وهل تحول العماء عند الشاعر إلى أداة فاعلة تكون منه عرافة تبحث في فنجانها عن مستقبل خارطة الوطن التي بدت ممزقة بين أنياب و أظفار الذئاب البشرية و التي أدخلت الكثير من الشعوب في دهليز الغربة بحثا عن البداية 0
أخط على الرمل باباً
لأدخل منه إلى غربتي
أنادي ليفتح صوتي ممر الغبار
غداً في ذهول الحكاية
يأتي الرعاة من الغيم كي يحملوني
إلى شجر في الأعالي
فكما هي العيون مرايا الألم تجسد ملامح المتعبين 000 يكون المشهد موج يصفق للفاتحين 000 لغة تؤطر الذكيات في كينونتها التي تبحث عن بوابة في طريق طويل 000و يسقط الشاعر في نصه ( عند تمثال المتنبي ) صورة العروبة المبعثرة التي تمزقت في ليل مظلم هبت رياح عاتيه

قرب تمثال أبي الطيب المتنبي
العدو لجندية
هاهنا شاعر العرب الغابرين
وكان اللعين يظن الكلام نبيا
فتضحك أردافها في يديه
و تلوي الحروف

هذه هي صورة المجموعة الشعرية الوجدانية ( الأنوية ) التي بدت فيها ( أنا) 00الشاعر بصورتها العارية أمام كاميرا الغربة التي لونت عيون الشاعر بسواد الحزن الإنساني و لكن هذه المجموعة و إن كنا نقترح على الشاعر أن يحذف الواو قبل كلمة أنا من العنوان ليصبح ( الغريب 00 أنا ) و التي تبدو فيه الواو عقبة كأداء في مدخل الديوان الشعري 000 هذه المجموعة التي اعتمد فيها الشاعر على نظرية ( ترامح الحواس ) حيث تراشقت صور الشاعر المتلاطمة الأمواج برماح الغربة التي عاشها الشاعر في مفرداته 000 شعر نثري أو كما يحلو لمن يسميه قصيدة النثر و أفاق فنية لنصوص تحاول أن تقول ما لم تقوله أعماق الشاعر بلهجة كأنها تنحت في صخر من المفردات التي تتحول في النصوص لإلى ثمار ناضجة تلتقمها الأيدي الواعدة 0



































انكسارات الأبعاد النفسية تحت ستار العاطفة الحديدية الدارسان : حسين الهنداوي - حاتم قاسم النص للشاعرة : ريم أبو عيد ( أضحكتني )

انكسارات الأبعـاد النفـسية

تحت ستار العاطفة الحديدية

الدارســـان النص للشاعرة

حسين الهنداوي ريـم أبو عـيد

حاتم قاســـم

أضحكتني

أضحكتني

أظننت أنك عندما ودعتني ..

هزمتني ..

كسرتني ..

حطمتني ..

وهماً ظننت أيها المغرور ..

من أنت ..

كي يقف الزمان عندك

و لا يدور؟

أظننت أني بعدك لن أعيش ..

أظننت أني بعدك لن أكون ..

أظننت أنك عندما ودعتني ..

أوجعتني؟؟

أبكيتني؟؟

و قتلتني؟؟

وهماً ظننت

فما أنا التي ستبكي

يوماً عليك

و أنا التي ..

كنت النجوم لناظريك

و أنا التي قلتَ في عينيها يوماً ..

أجمل ما لديك

و قلت عنها أنها ..

أغلى مَن لديك

أضحكتني ..

حين ظننت ..

أني

سأبكي احتراقاً بين يديك ..

و أني سأسكب دمي ..

أنهاراً على قدميك ..

حينما ودعتني

أضحكتني ..

و سيأتي يومٌ تعرف فيه أيها المغرور

كيف أنت خسرتني ..

في الحديث عن الأدب النسائي و في استبار أعماق المرأة التي تتمثل بعواطفها و معطيات تدفق شرايين الدماء في قلبها ترتسم ذاكرة الأفعال الإنسانية الواعدة و التي تحمل إلينا روح الحيـاة بمعناها الحق و الصحيح فالإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض و هو يبحث عن مرآة حقيقية صادقة ترتسم ذاته على صفحاتها ارتساماً حقيقياً فإذا ما وجد أن المــرآة ترســم صـورة كاريكاتورية للعواطف الكاذبة فإنه يتحول إلى وحي يبحث عن سخرية يصد بها أفعال الآخرين

خاصة عندما تكون هذه الأفعال تعبر شرايين الدم بجواز سفر مزور 0

لا أعتقد أن الشواعر العرب نقصد الشاعرات العربيات قد ابتعدن في كتاباتهن عن العاطــفة فحيثما فتحت صفحة الأدب في ديوان الأدب النسائي تجد اســتيلاء العاطفة علــى مفردات النصوص الأدبية و تجارب ليلى الأخيلية و الخنساء وولادة بنت المستكفي و مي زيادة و فدوى طوقان و غيرهم تريك أبعاد المشاعر الإنسانية التي تحملها الكتابات النسائية 0

و شاعرتنا ريم أبو عيد في نصها ( أضحكتني ) هي أنموذج آخر في رسم العواطــف الذاتية التي ترتد بفعل ارتكاسات رجولية ترى في المرأة مخلوقاً ضعيفاً أو مستهاناً إذ أنها منذ البدايـة تشحن مفرداتها بسخرية لاذعة لتلك المواقف التي لا تعبر عن كيانها الحقيقي و نحن نعرف أن المرأة هي شجرة الحياة التي نستفيء تحت ظلالها و نقطف من ثمارها فلماذا نحـتطبها إذا ما رغبنا في إحباطها و لماذا نستدفئ بنارها و هي تحترق من أجل أن تذكي مشاعرنا إن المـرأة بصورتها الحقيقية غيمة تظل سماءنا فإذا ما أردنا أن نخدش مشاعرها بحجارة صغيرة فذلك لن يضيرها 0 و على الرغم من ذلك فإن شاعرتنا في نصها هذا تبدو واثقة من نفسها في رصـد الأفعال الرجولية التي تحاول أن تقصيها عن واقعها الحقيقي 0

( أظننت أنك عندما ودعتني

هزمتني

كسرتني

حطمتني )

استفهام إنكاري يحمل في طياته أبعاد الشوق الإنساني إلى الثبات و البقاء توّجــه استــفهام استنكاري آخر يستهجن فعل كل خلية من هذا المستهتر ( من أنت ؟؟؟؟؟ ) عبـارة تحـمل في طياتها مطرقة عنيفة تحطم الأفكار التي لا ترى في الآخرين إلا صدى لأشباح تمــشي على الأرض و هذا ما أكدته الشاعرة ريم أبو عيد في قولها :

( كي يقف الزمان عندك و لا يدور ) و هي عبارة مشحونة بمعاني الإباء الأنثوي الذي نلمـسه عند المرأة الشرقية و التي لا تقبل أن تكون سلعة رخيصة تتقاذفها أيدي المستهترين متوهـمين أنهم يستطيعون أن يتحكموا بمشاعر المرأة كما يشاؤون 000 و إن كانت القيم التعبيرية في هذا السطر الشعري لم تصل إلى الطموح الذي تريده الشاعرة 0

إذا نحن أمام ثلاثة أفعال استنكارية تبحث عن أجوبة تبين ذلك الكبر الذي يعيــشه الآخـرون ليؤكدوا ذواتهم المنتقصة إرتكاس لهشاشة في أعماق النفس و شاعرتنا قد أجادت في رسـم هذا الإرتكاس و تلك الهشاشة بشكل لا شعوري حين قالت :

( أظننت أني بعدك لن أعيش ؟؟؟ !!!! )

( أظننت أني بعدك لن أكون ؟؟؟ !!!! )

( أظننت أنك عندما ودعتني

أوجعتني

أبكيتني

و قتلتني ؟؟ !!! )

حقيقة كما قالت الشاعرة : ما صنعه كان وهماً لأن الدنيا لا تقف عند المشاعر المزيفة فالأفعال الإنسانية تؤكد على معيارية الإخلاص ذلك الخلق النبيل الذي تحمله الفطرة الإنسانية إلينا 0

لقد كانت الشاعرة في نصها قناديلاً مضيئة و نجوماً مشعة أمام ظاهـرة الغـرور وما ذلك إلا فطرة و سجية ً ترسلها رسالة إنسانية في آفاق الحياة 0

و إذا كان ما نراه في النص من ( لقاء غريب ) لمحناه من إيحاء المفردات و الصيغ التعـبيرية و القيم الصورية تلاه ( فراق غريب ) عبر عنه خط دفاع الاستفهام الإستكاري لعـدم وجـود التكافؤ بين معياري الفطرة السليمة و النكوص الغروري من جهة و الإخلاص الساذج و الكبر المر تكس من جهة أخرى فإن مرد ذلك لن يكون إلا قطيعة الخاسر فيها هو الغرور نفسه 0

( و سيأتي يوم تعرف فيه أيها المغرور

كيف أنت خسرتني )

عبارة على هشاشة صياغتها تحمل جذوة عاطفية صادقة سيطرت على مشــاعر الـشاعرة و تحولت إلى حاجز حديدي أمام التعبير البياني و التعبير الخيالي الذي افتقده النــص و الذي عوضته شحنة الاحساس الملتهب للمفردات الشعرية حين اشتـعلت بأنفاسـها روح الصــدق و الإخلاص و إن كانت هذه المفردات مفردات قاموسية في بعضها و متداولة في حركة الحياة اليومية أو أنها لم تشكل استجابات بلاغية مستقلة عن موروث الشعر ترتسم فيها صور بلاغية جديدة تصور المغرور بأبعاد موشورية مختلفة عما رسمه ماضي الأدب 0

و إذا كان هناك من همسه نهمسها في أذن الشاعرة فهي أن كوكبها الـشعري لم يشكل مـداراً مستقل في مجرة الشعر العربي و هي في هذا النص بالذات تدور في فـلك الـشعر الـنزاري محاولة الاسقلال بمسار جديد يرسم على صفحات الشعر العربي معطيات جديدة و آفاق جديدة و عواطف صادقة جديدة 0













انطوائية الروح و تفتق الذات العاشقة
قراءة في نص ( إسراء ) للشاعرة بهيجة مصري إدلبي
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم
إسراء
من لي إذا الداء مني بي سرى الداء
و هم بالقلب عشق فيه إغواء
أخفيت بي ما سرى بالغيب فانكشفت
نوافذ الروح لي و الكشف إخفاء
كأنما أسطر ما خطها قلم
فاضت من اللوح و الألواح خرساء
حملت ما لو بدا للناس حل بهم
من الصبابة أشياء و أشياء
فالعشق إن شاء يخفي سر نشوته
و السر لا ينجلي كشفاً لمن شاؤوا
نفنى كما النهر يفنى في عذوبته
إن الفناء به فيض و إفضاء
حملته فارتدت روحي مسافتها
و غبت عني وما للروح ميناء
حل الهوى في دمي سراً ليقتلني
فحل لي منه بعد القتل إحياء
يا غائباً قد بدا في غيبه شغفي
و في الخفاء مرايا غبها الماء
وما بدا من هوى مني بلا صفة ٍ
فاق الذي قد بدا و الروح عمياء
نزلت في منزل حفته عتمته
و العتم في معجم الأرواح إبداء
فماد بي شغفي حين استوى بصري
ورحت أبصر و الأشياء أسماء
حارت بك الروح و الأشواق منزلة
فضمها للرؤى في الليل إسراء
كأنني و المدى حرف أذوب به
و الوجد من نوره وحي و إيماء
أطاوع الشوق يعمى حين أبصره
و تنطوي في مدار الروح آلاء
في القرب يمنحني بعداً يقربني
و البعد في العشق إدناءُ و إغراء
ورددت أضلعي و الحال في وله
ما قض صحوتها و الصمت إعياء
مشتاقة فاضت الأشواق من ولهي
و فجوة الآه في الأعماق ظلماء
وذلني ولهي فيمن ولهت به
إن الأعزّا إذا اشتاقوا أذلاء
الدراسة النقدية :
إن الروح الإنسانية حين تدلف في عالم الصمت بحثاً عن نظيرها تتخطى حدود المعقول و تسري بين تناغم السحب لتقول كلمتها في أعماق الفضاء اللامتناهي 0
تلك هي صورة الإسراء الإنساني المنطلق بخطى وئيدة بحثاً عن الذات و كأن لرجع صدى أصوات الصراخ المخنوق نغمات شجية تبعث في النفس الحزن و الانطواء و تعمر خريطة الفضاء بآفاق إنسانية جديدة 0
ليس جديداً علينا أن تسبح الروح الشاعرية بعيداً عن عالم الأجساد لترسم صورتها الملائكية في عالم الأرواح ذلك أن هذه الأرواح جنود مجندة تتوافق حينما تجد مرآة ذاتها ترسم صورة الآخرين عليها و الشعر العربي زاخر بانطلاقة الروح في فضاء الخيال و الشعراء كما هو معروف وحدهم من يسبح في أودية الخيال اللامتناهية و قد عبر عن ذلك القرآن الكريم حينما يقول : ( ألم تر أنهم أنهم في كل واد ٍيهيمون ) و يشارك الشعراء في هذه الخاصية شطحات الصوفيين التي تحمل الروح إلى آفاق ليست بالمنظورة 0
إذاً هناك قناة اتصال بين الشاعرية و الصوفية فكلاهما يهيم بالروح في عالم يصنعه الخيال البشري بحثاً عن الخلود 0
و النص الذي بين أيدينا هو شطحة من شطحات الصوفية أو قل الخيال الشعري الصوفي الذي أسس له ابن الفارض و السهروردي و ابن عربي حين انطلقوا في رسم عالم آخر لا تعيش فيه إلا الأرواح كيف لا و هذه الأرواح تخط بأقلامها الشفافة على الألواح الخرساء كما تقول الشاعرة حيث الكشف إخفاء و حيث تبدو نوافذ الروح مشرعة آفاقها في وادي الخيال الإنساني :
أخفيت بي ما سرى بالغيب فانكشفت
نوافذ الروح لي و الكشـــف إخفـــاء
كأنمـــا أســـــطر ما خطهـــــا قلـــم
فاضت من اللوح و الألواح خرساء
و كأنما الشاعرة تريد ان تعبر عن حالة الوجد الروحي الذي تعيشه في داخلها فهي تشف دون أن تصف و هي على حد قول المتنبي الذي صرح بذلك معلناً عن وجده الداخلي :
القلب أعلــــم يا عـــذول بـــدائه ......... و أحق منك بجفنه و بمائه
فومن أحب لأعصينك في الهوى ......... قسماً به و بحسنه و بهائه
أو على حد قول ابن الفارض :
هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل............. فما اختاره مضنــى به ولـــه عقل
فمن لم يمــــت في حبه ولم يعــــش به ............ ودون اجتناء النحل ما جنت النحل
و كأنما أسرارها الخفية تفضي إلى كلمتها الندية أشواقها الحارة التي أحرقت أضلعها من شدة الوله الذي تعيشه :
ورددت أضلعــي و الحال في وله
ما قض صحوتها و الصمت إعياء
إذاً نحن أمام حالة صوفية جديدة ترسم حالة حب إنساني و تتدفق من خلالها حالة الوجد الإنساني الذي يمثل (لا وعي) الشاعرة الذي ما فتئ أن صرح بالحالة الاستثنائية التي قذفها وعي الكلمات في ذيل القصيدة :
( اشتياق – وله – حب – سبر للأعماق – ظلماء مدلهمة – تسقط فيها الشاعرة أمام ذل ولهها ) و كأنها تريد أن تصرخ من أعماقها فتخونها حنجرتها لتقذف ذاكرتها بجمر الشوق الإنساني :
مشتاقة فاضت الأشواق من ولهي
و فجوة الآه في الأعماق ظلمــــاء
وذلني ولهــــــي فيمن ولهـــت به
إن الأعـــــزّا إذا اشــــتاقوا أذلاء
و يبدو أن الشاعرة تتناظر مع حالة إسقاط نفسي على الذات التي تلبس رداء العشق الصوفي فتتوقد جمرته توهجاً من نوافذ الروح و تكشف ببوحها عن مكنونات الذات الشاعرية بأفقها الذي يتعدى الأسطر و الكلمات حيث تركب جواد عشقها سابحة في أفاق الغيوم لتبوح لنا بسرها الذي يفيض كما النهر في أنينه عذوبته :
فالعشق إن شاء يخفي سر نشوته
و السر لا ينجلي كشفاً لمن شاؤوا
نفنى كما النهر يفنى في عذوبته
إن الفناء به فيض و إفضـــــــــاء
و قبل أن نغادر ميناء النص المتوسطي المناخ و نشير إن مرايا الروح عند الشاعرة وقد غبها ماء الصبابة :
يا غائباً قد بدا في غيبه شغفي
و في الخفاء مرايا غبها الماء
لا بد أن نهمس بكلمات تفتق مفردة النص الذي بين أيدينا فمفردات الشاعرة تبدو عرائس بحر تسبح في فضاء واسع الامتداد و هي مفردات فضفاضة يمكن لها أن تسير باتجاهين : اتجاه الحب الإلهي و اتجاه الحب البشري و لا يمكن لنا أن ندرك البعد الحقيقي لهذا العشق الروحي الذي يبدو (لا وعياً ) أحياناً و مجسداً للوعي أحياناً أخرى و إذا ما تجاوزنا الحشو المفرداتي في بعض الأبيات لإقامة الوزن أحياناً و لاختلاس المعنى أحياناً أخرى فإننا في المحصلة نبحر في ميناء الصبابة و لكننا لا نجد الشاطئ الذي ترسو به فينة الأرواح و كأننا أمام خيال انطوائي يريد أن يقول و يريد ألا يقول و هو على استحياء من الذات و الآخر ربما لأن الروح على حد قولها عمياء و هذا ما لا يمكن أن يتصوره الشعر :
من لي إذا الداء مني (بي )سـرى الداء
و هم بالقلب عشـــــق فيه إغـــــواء
أخفيت( بي) ما سرى بالغيب فانكشفت
نوافذ الروح( لي )و الكشــــــف إخفاء
ففي هذين البيتين تبدو ألفاظ ( بي – بي – لي ) التي استعملتها الشاعرة حشواً لإقامة الوزن و كأنها لم تدقق في أن هذه الكلمات الثلاثة جعلت مفردات هذين البيتين عرائس حب تتعثر بثياب الزفاف الواعد 0
نص متسامق في عالم الأرواح يحتاج إلى قراءة أكثر إبحاراً في بحر الشاعرة ربما لأن الشعر الصوفي يلتقي في دلالات مفرداته مع الشعر الحديث الذي يفتق أحياناً معاني جديدة و ينم أحياناً عن غموض مستغلق يحتاج إلى مسبار نقدي عميق يكشف عن أبعاده




العناق المصيري بين فضاءات النخيل و مدارات البرتقال
قراءة انطباعية في نص مراسم الزفاف للقاص خليل النابلسي
بقلم الدراسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم

القصة : مراسم الزفاف
==============
قد يضيق الأفق الرحب بصغار النمل ، لكنه جعل من زنزانته مجـــرة تحــــوي آلاف الكواكب 0 تعلّم كيف يطعم الجرح جرحاً ، و كيف ينثر الملح على جراحه كي تتأجج نارا 0 آلاف الخواطر تتجاذبه و تعصف به ، اكتشف أن المشاعر لها أقدام تتســـلّق الهضاب و الجبال ، و أن الوطن زنبقة تنمو و تكبر كلما التصــق بتراب الزيتـــــون و البرتقال 0
- ها أنت يا ولدي أدميت جسدك و أرهقت روحك !!
- لا يا أبتي : فالخنادق الحمراء تجتاحها زوارق الفولاذ ، و الأمـــــواج العاتيــة تتحطّم و تتلاشى على صخور الشاطئ 0
- علام عزمت إذاً يا كاظم ؟
- على دراسة الكيمياء في بغداد 0
- لكن الماء البارد لا يمدّد جناح بعوضة !!
- قد يتسلق المرء شرايينه فيصل إلى قمة ( افرست )
- لكنك تبدو عاري الجسد ، حافي القدمين !!
- الإرادة الثائرة المتمرّدة ككرة إســفنجية كلما ضغـــطت عليها أكثر كلما قفزت و تحرّرت أكثر 0
- ألا ترى أن صاحب الحائط يستمتع بقطف الأعذاق كلما كانت النخلة شــــاهقة سامقة ؟
كانت بغداد آنذاك تستعر بجحيم البرابرة و أتون المغول ، و النخيل العراقـــي محاط بالنار و البارود ، و غراس الذل و الخنوع تدوسها أقدام الثائرين 0
عندما أصبح كاظم و فاطمة عاشقين ، تعانق البرتقال و النخيل ، تعانـــقت السنابل و الأعشاب و الينابيع و الجداول و الأزاهير و الأفلاك 0
- إنها فاطمة الفتاة التي أحببت يا أبتي 0 إنها نخلة عراقية أصــــــلها ثابت في دجلة و الفرات و فرعها و جريدها في سماء القدس و بيسان و الخليل 0 ولدت منذ آلاف السنين في حضن الشمس ، و ترعرعت في سهوب المجد و الكبرياء ، و تأرجحت في حدائق بابل ، و استحمت في بحيرة المتوكل 0 إنها ابنة المرأة الزبطرية التي أنفت الذل و الهوان ، و أطلقت صيحتهــــا التي ما زالت تجلجل في أرجاء الأرض و السماء 0
- عذراً يا أبتي 0 لقد وعدتك ألا أعشق إلا تراب الوطن 0 لكن الحب يحاصرني هنا في ما بين النهرين ، اخترق الجلد و العظم و استقرَّ في شــــغاف القلـــب و خالط وجيبه 0
- لقد أعلنّا خطوبتنا في الذكرى الثانية و الثلاثون لحصـــــــار جنين 0 أما حفل الزفاف فربما يكون قريباً 0
أما أنت يا أماه فإنني استميحك عذراً بقدر الحب الذي يطفح به قلبك 0 كان
بودي ، بل كم كنت أرغب أن تملأ زغاريدك الشوارع و الحقول ، و تلامـــــس
أمواه دجلة و الفرات ن و سعف النخيل و الأزاهير 0
- باركا لنا يا والديّ ، و سيكون يوم الزفاف أجمل و أبهى 0 و في طريقهما إلى الجامعة ، و عندما اقتربا من دورية للغزاة المحتليــن ســـــمعا كلمات عبــرية ترجمها كاظم همساً ، ابتعد ، وقفا تحت نخلة 0
أردفت فاطمة قائلة : أيها القتلة أيها الأوغاد !!!!
ألم يكفهم القتل و التدمير و الإبادة اليومية هناك ، و جاؤوا هنا ليدنسوا أرض الرافدين أيضاً ؟
لم يكونا جذابين مثل تلك الليلة 0 تعانقا طويلاً ، أحلامهــما رماح تخــترق الزمان و المكان 0 وما أجمل أن ينــــام المرء يقطف نجمـــاً و يزرع زيتوناً
و نخلاً !!
نضج الزيتون و البرتقال و النخـــيل الممتد من بغــــداد إلى الــقدس و تألقــت الأرض بأكوام النجوم ، نظما قلادتيــــــن منها ، و طفقا يخصفــــان من ورق البرتقال و جريد النخل طريقاً أخضر يتلألأ بالنجوم ، و ما زالا ينتظران اللون الأجمل و موعد الزفاف 0
تحسّسا الحزامين الناسفين اللذين يلتصقان بجسديهما كما يلتصق الوشم جبين الفلاح ، أو كما تلتصق ذرات الغبار على سواعده السمراء 0
سارا جذلين كعروسين ينتظران اللقاء الخالــد ، و يرددان أنشـــــودة الحــــياة و المجد ، الأعشاب تتهامس ، و ســعف النخيل يتراقص ، و الطبيــعة جذلى مفعمة بالفرح الأخضر 0
و بعد الانفجار تدفّق الأحمر القاني فارتوى النخيل و البرتقــــال ، و ازداد المكان ألقاً و بدأت مراسم الزفاف 0
الدراسة النقدية :
=========
حين يضيق الصمت بالمتكلمين و تتعاور الكلمات بحثاً عن نظارات شمسية تبصر من خلالها أفق العودة تنقبض الروح و تتراقص الآف الخواطر بحثاً عن تجاذبية تعصف بالموت المجاني الذي حول فلسطين و العراق إلى حدود مفخخة بالموت 0
الوطن زنبقة و الليمون يكبر و يلتصق بتراب الزيتون و البرتقال و الموت بينهما حنظلي الطعم
النخيل و البرتقال يلتفان جسداً واحداً لينبثق فجر جديد يتسلق به المجاهدون قمة أفرست الجهادية 0
نص يتأرجح كاتبه بين الشاعرية و السردية و تتملكه الحيرة في أن يرسم نصه مشاعر دفاقة أو أن يؤرخ لمضمونه العروبي في قصة تبدو و كأنها عذراء ترهل صمتها طويلاً فمشت خطواتها على جنائز الموت محملة بالدحنون و التراب المخضب0
و أما نص سردي يحمل توقيع مراسم الزفاف ذلك العنوان الذي يعكس على مرآته المحدبة صورة الموت الفلسطيني و العراقي من خلال استخدام رمزية النخيل و البرتقال إنه زفاف من نوع أخر 0000 انفجار 000 تدفق الأحمر القاني 000 صعقة الزواج 000 ارتواء النخيل و البرتقال 00 و ازدياد المكان ألقاً و حسناً 000 إنها صورة الشهادة بأبعادها الحقيقية اللون لون الدم و الريح ريح المسك 000
و إنك و أنت تطالع نص مراسم الزفاف تكتشف الكيمياء العربية التي يمثلها كاظم و فاطمة 000
( لإنها نخلة عربية أصلها ثابت في دجلة و الفرات و فرعها و جريدها في سماء القدس و بيسان ) 0 ينزاح لدى القاص الصوت القصصي باتجاه الشعر حيث يصـــــف لنا حقيقة المضمن العربي الذي يمثله هذا الدم المتدفق شلالاً دفاعاً عن الأرض و الوطن ( عذراً يا أبتي لقد وعـــــدتك ألا أعشق إلا تراب الوطن ) ثنائية من الموت و القتل و الخراب و الدمار يرســـمها القاص بصورة مقالية و كأنه يستصرخ النخوة العربية لتوقف هذا الدمار و ذلك الخراب المكتنز بالموت اليومي و كأننا بالقاص يريد أن يقول إن حدود فلسطين و العراق مسيجة بالموت 0










قراءة ما ورائية في نص لسان الأمنيات للشاعر الشلال


--------------------------------------------------------------------------------


الشاعر الشلال يجدف في صحراء الأمنيات
قراءة ما ورائية في نص لسان الأمنيات للشاعر محمد إبراهيم الحريري
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم
فوق ذاكرة الشعر ومن خلال الانطلاقات النفسية التي تسكن من خلالها الهواجس النفسية تتوضع ذكريات شاعر صامت يعبر بريق عينيه وصمت حاجبيه عن استجابات نفسية تشكل في قاموس الشعر نقطة انطلاق نحو المجهول ، فبين غياب ذاتية الشاعر و انسكاب مرارة الأيام على الأبيات الشعرية تقف شخصية الشاعر الشلال أبو القاسم محمد إبراهيم الحريري حيث تفجؤك المعاني النفسية الإنسانية التي شكلت شخصية هذا الشاعر 0
وعلى الرغم من كوننا نجهل التفاصيل النفسية الشخصية لطفولة الشاعر بخصائصها الفيزيولوجية و السيكولوجية و التي انسكبت بين حارات بصر الحرير و تماهت مع أجواء بيئة حوران الندية المكشوفة كسهولها البسيطة إلا أننا نستطيع اكتشاف الأبعاد النفسية لهذا الشاعر من خلال ما يختبئ وراء كلماته من استجابات لنوازع النفس 0
فالشاعر بين الواقع المر و التطلع الحر يقف وراء ارتكاسات نفسية شكلتها أحلام طفولية قد لا تتحقق عند الكثير من الناس و لكن الشعراء بطبيعتهم التي تبحث عن الحلم و الطفولة يجدفون في عالم الخيال بحثاً عن قضايا قد لا يكون للواقع العملي صلة بها وهنا يحضرنا في نص ( لسان الأمنيات ) قضيتان مهمتان تشكلان بعدين أساسين من أبعاد الشاعر الشلال (
القضية الأولى : هي موقف الشاعر من ذاته التي تعيش حالة من التصادمات النفسية بسبب الواقع الإنساني المر الذي يتطلب من الشاعر أن يكون رب أسرة راعياً لمصالحها و بسبب الطموحات التي يختزلها خياله بحثاً عن حالة جديدة يستقر بها كيانه الشعري إضافة إلى مشاكسات العلاقات الإنسانية التي قد تجعل من الإنسان محطة قطارات تتصادم عليها عربات الحزن و الهم و لا يجب أن نغفل في حديثنا عن موقف الشاعر من ذاته قضية البحث عن مساحة شخصية تبرز الشاعر ذا دور فعال في هذا المجتمع الذي سحقت عجلاته طموحات الشعراء و حولتها إلى حزن معلب ينتظر مفاجأة الزمن 0
و القضية الثانية و هي قضية تتقاطع مع الأولى بأبعادها السيكولوجية هي موقف الشاعر من المرأة هذا النصف الآخر من التفاحة التي قد تتحول في نظر الشاعر إلى دواء مر لا يحقق إلا دوراً اجتماعياً مجافياً للدور الإنساني الذي يشكل الطموحات الحقيقية بصورة عامة و الذي هو عند شاعرنا الشلال أبي القاسم الحريري يشكل الأوكسجين الذي يتنفس منه نسمات الأحلام و الطفولة الواعدة وهذا يعني أن للمرأة دور خطير في التأثير على شبكية العين الشعرية عند الشعراء بحيث تجعل صورة الحياة إما ظلاماً دامساً و إما شمساً مضيئة 0
إذاً نحن أمام شاعر لا يشبعه نهم البحار و لا ما يختبئ في أصداف المحار فهو يتصور ذاته عنترة عصره و لكنه لا يجد عبلة عصره طموحاته يكشف عنها خيال امرئ القيس في بحثه عن اللذة الحسية التي افتقدها الشاعر الشلال ربما لطول اغترابه و بعده عن أرض الوطن هذا الإحباط النفسي الذي يسيطر على لاوعي الشاعر يجعله يلازم بكاء المعري و ينتظر نهاية مالك بن الريب مع العلم أنه يشوق إلى المرأة شوق بابن زيدون في عالم لو تقصيت أرضه لوجدت أن الأمة التي ينتسب إليها الشاعر تعيش حالة من الإحباط و هاكم ما يقوله الشاعر :
ما بين أنت و أنتما و أنا و ذا طلل تلوح كوشم لحد رفاتها
و إذا مفاوز غربتي أنست بها أسراب حيف تصطلي بفلاتها
لا بحر لا ملاح أسرج وحدتي بعسى هروباً من ضنى عبراتها
لا شط من بحر الخليل يرومني و أنا المهرب من جدار نجاتها
ولو تمعنا النظر في ضمائر الشاعر (( أنت و أنتما و أنت )) لاكتشفنا العلاقة بين مفاوز غربته في البيت التالي و عسى تحقيق هروبه من خلال مثيولوجيا إنسانية تقف في جنازة موت فجائعية 0
إن الشاعر ليقف أمام ذاته الموهومة واضعاً خلفه صورة المرأة المتخيلة ينظر إلى أفق إنساني و لكن بسهام نظرات حزينة
ما بين عبلة و الهوى( هل غادر الشعراء من متردم) بوشاتها
أرنو إلى( ولقد ذكرتك و الرماح) تبرجـت في خــدرها لصلاتها
أوقفت غيد الصبر ذكرى (حندج )عند الغدير( قفا) على عرصاتها
نبكي أنا و الليل مالك سائلا خطا لناظرة السها زفراتها
ولزمت قافلة المعري ما بدا ضرٌ يندي باللمى شذراتها
يا صاحبي تقصيا فأنا هنا في أمة كشفت قفا خفراتها
وهذا يعني في القاموس الفرويدي أن قصيدة الشاعر هي ذاته أولاً و المرأة المتخيلة ثانياً و ليتنا نسقرئ مفردات الشاعر واحدة تلو الأخرى لنكتشف أن الشاعر قد صنع لنفسه رحماً جديدة من الحزن و البؤس و المرارة و الأسى و لكنه في الوقت نفسه ما زال لديه أمل في أن تعود خيل الحياة به من معركة الذات الصامته إلى عرس إنساني تزغرد فيه المرأة ( الوهم ) أنشودة الطفولة الجديدة أو يتوقع الشاعر أن يقف على شاطئ بحر الحياة لتخرج حوريته البحرية التي طال انتظارها خمسين عاماً 0
( لسان الأمنيات ) نص خرج من تنور الشاعر للتو فهو يتحدث عن قضايا عصرية
تتقاطع مع ذات الشاعر و لكنها تلبس ثياباً من ثياب( العجاج ) تارة و ( أبي النجم العجلي ) تارة أخرى 0
وكم هو الشاعر يعيش حالة من الاستدعاء اللاشعوري ولكنه يركب حصان شعره إلى صحراء موحشة يرتدي ثياب الشعراء الجاهليين و يقفز بحصانه بين هضاب ووديان هؤلاء الشعراء ممتشقاً سيفه و ليته حدثنا عن أمنياته وهو يركب سيارة معاصرة تنطلق بسرعة فائقة مزاحمة وحوش الصحراء التي ما تزال تسكن في أعماق شاعرنا 0
الشاعر الشلال أو كما نحب أن نسميه نحن بـ (رؤبة العجاج ) خلع على معانيه الثياب الجاهلية و نسي أنه يعيش في عصر السرعة وهذا يعني أن مصدر أشعار و قصائد الشاعر جاءت بفعل الثقافة التي استقاها من الشعر الجاهلي و التي أتقنها أيما إتقان بحيث تستطيع أن تدعي أن شاعرنا استوعب الثقافة الجاهلية استيعاباً دقيقاً لم يغفل حتى التفاصيل التي عاشها امرئ القيس و عنترة و تجاوز ذلك إلى ثقافة شعراء جاؤوا بعد الإسلام كمالك بن الريب و أبي نواس و المعري وابن زيدون و البحتري و ليته اقتطف من بستان كل شاعر من هؤلاء الشعراء وردة و اعتصر رحيقها ثم مزج هذا الرحيق و عبأه لنا بزجاجة عطر شعرية جديدة 0
مفردات شعرية ( فلاتها – خماص – سروات – صوافن – أثافي – وشم – شذرات
مفاوز – 000000 )) تحمل في طياتها معاني عاشها شعراؤنا الجاهليون و الإسلاميون وكم نتمنى لو أن شاعرنا شحذ هذه المعاني بعواطفه و مشاعره التي شكلها عصره لتخرج لنا لفافات من الموت الأحمر الذي يذوقه المرء في كل يوم بفعل مرارة سوء العلاقات الاجتماعية و انعكاسها على الذات الإنسانية 0 مفردات مجردة تجعل الصور الشعرية لدى الشاعر مشاكسة أحيانا تستعصي على العلاقات الأليفة (( شفة الهموم – ثمر الخصام – غصون الأمنيات – أصوات الخيال )) استعارات حملت إلينا هم الشاعر الذاتي و شكلت لنا قضية جديدة في تناقضات العصر هذا العصر الذي يسقيك مرة بيديه كأساً حلوة و لكنه كثيراً ما يجرعك مرارة الحرمان و الحزن فيجعلك تموت في كل كأس تذوقها موتتين موتة تشكلها انعكاسات صورة الواقع المر وموتة تفرضها مشكلة البحث عن مستقبل أفضل في زمن متسارع في متطلباته 0
أخطو فيسبقني العثار إلى الخطا فأخط ســــــطراً باعتراف جناتها
جدران صمت تستبيك بزفـــــرة ثكلى المواجع من عسيس ولاتها
أشتق من كلم الـــتقصي دهشــة عذراء ما جست أنين ســـماتــهـا
و تعنست بجوى المعاني حيرة لم يدرك المكيال صاع ثقـــاتــهـا
مرة أخرى ( لسان الأمنيات ) نص استثنائي يحتاج إلى الكشف عن أعماقه بصورة أكثر تفصيلا و أدق نظراً و أعمق رؤية فالشاعر الشلال كما يحلو لزملائه أن يسموه يحتاج إلى مخبر سيكولوجي لكشف تفاصيل ذات الشاعر هذه الذات التي وقف عندها العلماء طويلاً قراءة لقوله تعالى : ( و نفس و ما سواها ) بحيث تجد معاني جديدة و أوجه جديدة لكل ذات في كل دراسة جديدة 0

قراءة انطباعية لنص ( الصوت المزمجر )


--------------------------------------------------------------------------------



الصوت المزمجر




لا سيفَ عنديَ لا دروعـاً أرْتَـدِي
شعريْ سلاحيَ كالمَدَافِع ِ في يَـدِي
دبّابتي قَلَمـي و جَيشِـيَ أحْرُفِـي
و ذَخِيرتي و البارجـاتُ قصائِـدِي
قصفي دمارٌ و المجـازرُ حرفتـي
إعصارُ نار ٍ من جهنَّـم ِ مَوْقِـدِي
جهَّزْتُ للحربِ الضَّرُوس ِ عِتَادُهـا
فَتَهَيَّئُوا هـا قـدْ أتيـتُ لموعِـدِي
لن أستريحَ سوى بـدكِّ حصونكـمْ
فَدَمَارُكم عيـديْ و فيـهِ تَجَـدُّدِي
آن الأوانُ لكـي أوجَّـهَ ضَرْبَتِـي
ليعودَ طُهرُ الخاشعيـنَ لمسجِـدِي
أَيْ يـا فلاسفـةَ المـدادِ تقدًّمـوا
هل بينكـمْ مـن قامـع ٍ لِتَمَـرُّدِي
هـل بينكـمْ قلـمٌ بحـدٍّ صـارِم ٍ
أم أنّهـا جَبُنَـتْ أمـامَ تَـوَعُّـدِي
سفهاءُ أنتـم و التخـاذلُ دينكـمْ
متشاعـرونَ و تعبثـونَ بمعْبَـدِي
سيسجلُ التاريـخُ لحظـةَ موتكـم
و سيشهدُ التاريخُ لحظةَ سُـؤْدَدِي
أنا منْ إذا قلمي تسامـى وارتقـى
يعلو كنجم ٍ في السماء ِ فيهْتَـدِيْ
من ضلَّ عن درب ِ السواء ِ بجهله ِ
و لضلّ دهـراً غيـر أن بمولـدي
لعن الظلامُ و كلُّ أسبـابِ العمـى
فغدوتُ شمساً رغم أنفِ المُعْتًـدِي
و أنا الذي في صمتـهِ و حديثـهِ
معنىً و مغزىً حين يُفْهَمُ مَقْصَـدِي
أما الغريقُ ببحـرِ حمـق ِ بَلاهـةٍ
و الناعقونَ كما الغـرابِ الأسْـوَدِ
فأولاءِ فـي دَرَكِ الغبـاءِ مُقامُهـمْ
أبداً ولـن يصلـوا لمينـاءِ الغَـدِ
يا من تظنُّ الشعرَ محضُ تفاهـة ٍ
رصفٌ و طَلْسَمَةٌ بإسقاط ٍ صَـدِيْ
الشعـرُ إحسـاسٌ و فـنٌّ خـالـدٌ
يأتيكَ عذباً مـن صفـاءِ المَـوْرِدِ
يأتيكَ مثلَ النخـل ِِ طلعـاً باسقـاً
من عمق ِ حزن ٍ أو جَمال ِ المَشْهَدِ
الشعرُ يا هذا كتائبُ فـي الوغـى
حيناً و حيناً مثـلُ ريحـان ٍ نَـدِي
و لئنْ تأثَّـرَ مـا أُصِيـبَ بِجُنَّـةٍ
و لئنْ تَعَثَّرَ فهـو ليـسَ بِأًرْمَـد ِ
لكنّهـا الأيـامُ تصـقـلُ حــدَّهُ
لترصِّـعَ المجـدَ التليـدَ بأمْـجَـدِ
يا أيها الصوتُ المزمجرُ في دمـي
يا سيدي يا عشقَ روحيْ الأوحَـدِ
اقبلْ خضوعيَ عند عرشكَ خادمـاً
دعنيْ ببرْق ِ سيوفِ عِزِّكَ أهْتَـدِي
خذنيْ فإنيَ فيـكَ لسـتُ بطامـع ٍ
لا شـيءَ إلا بالعُطـاءِ تَـفَـرُّدِي


قراءة انطباعية لنص ( الصوت المزمجر )
للشاعر : هيثم اللحياني - السعودية

عندما نبحر في أشرعة الكلمات ومداراتها اللامتناهية تأخذنا الحروف ببصمتها إلى مجهر يحلل لنا الصور
و الأفكار و الرؤى أمام الحديث و الجديد منها فيلقي بأشعته المرســــــــلة إلى مفردات النص نتلمس بوح الشاعر في تشكيلاته الفنية التي تجاري صناعة الشعر في شعر طرفة و المتنبي و أبي النواس و إسقاطاته المجازية التي ترتكز على وجود واقعي لشاعر يبحث عن نفسه بين أروقة الزمن فيســـكب لحنه على جدران الحياة قصائد عشق تمنحه صيرورة البقاء فتغدو القصيدة معلقـــة على جــــدران القلب تنبض بدفء العيون و تكتب بمداد المحبة وتنفح بريح الاعتزاز بالنفس00 قصيدة تشربت من طموحها ألق الكبرياء :



لا سيف عندي لادروعأ أرتديشعري سلاحي كالمدافع في يدي
دبابتي قلمي و جيشي أحرفـيو ذخيرتي و البارجات قصائدي


بين الصورة التي يصاهل سيفها المداد ودروعها حروف الشمس التي تبحر في أروقة الشـــــموخ لترتدي أحرف الشعر سلاحا تأخذنا هذه الصورة إلى ظلال بؤرة ضوئية في انعكاس قزحي يلون النفس بلغة تتعدى الحروف :



أي يا فلاسفة المداد تقدمواهل بينكم من قامع لتمردي


لتنطلق إلى مسامات الواقع و كأننا نصغي للمتنبي وهو يبرق لنا رسالته التي عاتب فيها سيف الدولة بقوة وجزالة و بافتخاره بشعره :



سأصب في سمع الرياح قصائـديلا أرتجـي غنمـا ولا أتكـسـب
و أصوغ في شفة السراب ملامحيإن السراب مع الكرامـة يشـرب


وتبقى لغة الحروف تشعل أتون جمرها فتجهز عتادها المأمول بقوافل الكلمات المفعمة بروح الاعتزاز بالنفس ورمز التحدي الصوري ( فتهيئوا ) و كأن الشاعر أعد عدته وجهز نفسه لساعة الحسم في مدارات تبحث عن صيرورة النفس لمعركة تدور على رحى السجال الشعري فتطحن الكلمات كل ما هو بائد منها وتسجل شعاعا للشمس يبرق بزغردة النصر التي تعتلي أروقة النهار :



هل بينكم قلم بحد صـارمأم أنها جبنت أمام توعدي


وهنا يكبر الانكسار الحسي الذي يعتري الشاعر في بؤرة الضــــــــــوء لينقلنا إلى دهاليز النفس التي تجيد التلاعب بأبجديات الجمال المقنع فتقف بعنفوان أمام فلاسفة المداد لتلقي بوحها بنداء توجيهي يمثله حرف النداء ( أي ) الذي يجعــل البعيـــــد قريبا و يحول المنادى البعيد إلى حقيقة ماثلة أمام هذا النداء و لتلقي على أروقــة النص نفي وجود الأقلام الصادقة و الذي جاء بصورة الاستفهام( خروج الاســـتفهام من معناه الحقيقي إلى النفي = هـــل بيـنـكـمْ قـلــمٌ بـحــدٍّ صـــارِم 0000حقاً كما يقول الشــــــــاعر تلاشت كل الأقلام الصارمة هذه الاســـــــتفهامية تبحث عن مرفأ في شواطئ التحدي من خلال (أم ) المعادلـــــــة التي تقر بجوابـــــها ( أم أنها جبنت أمام توعدي ) 0



الشعـرُ إحسـاسٌ و فـنٌّ خالـدٌيأتيكَ عذباً مـن صفـاءِ المَـوْرِدِ
يأتيكَ مثلَ النخـل ِِ طلعـاً باسقـاًمن عمق ِ حزن ٍ أو جَمال ِ المَشْهَدِ
الشعرُ يا هذا كتائبُ فـي الوغـىحيناً و حيناً مثلُ ريحـان ٍ نَـدِي
و لئنْ تأثَّـرَ مـا أُصِيـبَ بِجُنَّـةٍو لئنْ تَعَثَّرَ فهـو ليـسَ بِأًرْمَـد


شـــــــاعر تبدو ثماره اليانعة على نخل القصيدة الباســــــق و على طلعها النضيد حيث عمق الألم و المعاناة و الإحساس بروعة الجمال و الموت و الحق 0
يا أيها الصوتُ المزمجـرُ فـي دمـي
يا سيدي يـا عشـقَ روحـيْ الأوحَـدِ
اقبلْ خضوعيَ عنـد عرشـكَ خادمـاً
دعنيْ ببـرْق ِ سيـوفِ عِـزِّكَ أهْتَـدِي
خذنـيْ فـإنـيَ فـيـكَ لـسـتُ بطـامـع ٍ
لا شــــيءَ إلا بـالــعُــلَاءِ تَــفَـــرُّدِي
نحن إذاً مع شاعر و نص شــــــاعر تكتنفه جبهات المجد و نص يتمثــــــــل فيه الصوت الشـــــــعري الواعد ( هيثم اللحياني ) شاعر يستحق القراءة و صوت يحمل معاناة الحياة و الكون و الإنسان 0






انكسارات الحزن الإنساني -حسين الهنداوي - حاتم قاسم




انكسارات الحزن الإنساني
في نص (( ذبحوا حيائي )) للشاعرة فردوس النجار
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم


ذبحوا حيائي
«تعليقاً على لقاء مجاهدة فلسطينية بوالدها المعتقل في السجون الإسرائيلية»‏

ذبحوا حيائي يا أبي‏

خلعوا ملاءة هامتي‏
وبكل أطرافي
قيودي تنضوي
ويضجُّ زندي بالعويل‏

ونسيتُ أنغام الهديل‏

مسكوا بشعري..‏

كالخيول!!‏

ورموا بجثتَي الخجول‏

قالوا.... أبوكِ!!‏

أكنتَ أنتَ مسافراً؟؟!!‏

قادوا لنا هجران حزنِكَ للمنافي..‏

والحلمُ جاء..‏

مُكبَّلاً..‏

عجباً أبي؟؟!!‏

حجبوك عن نظري الشغوف!!‏

حجبوك عن عَبقي!!‏

استكانت نبضةُ الأشواقِ..‏

في دمنا معاً.‏

زجّوا بعريي..‏

بيننا..‏

حَجبوك عن ولهي‏

أبي!!‏

زَفُّوا إلى..‏

قيدي..‏

مرارة فرقتي‏

قتلوا الرؤى..‏

حَصدوا ابتسامات..‏

المقل!!‏

وبقيت يا أبتِ المسافر‏

في الهجير!!‏

تَبغي..‏ النفير!!‏

تَعلو..‏

تُحلِّقُ‏

كي تَحوْكَ..‏

مَلاءتي!!‏

فإليك‏

يا أبتي‏

يدي..‏

و َسَلْ النسورَ..‏

عَباءَتي..!!‏

عُذراً..‏

أبي.‏


الدراسة النقدية :
=========
في مسيرة نهر الحزن الفلسطيني الذي يمثل الصراع القابيلي الهابيلي تتمدد أطراف الموت ملونة مياه هذا النهر بالدم المسفوك في كل دقيقة هذا الدم الذي أصبح عنواناً لفطير صهيون الذي لا تألو وحوشه افتراس الأطفال الفلسطينيين في كل دقيقة و كأن الأمر قد تحول إلى مقصلة موت تبحث عن ضحايا جدد 0
القتل – الموت – الأسر – التعذيب – الدماء الجارية مفردات أصبحت عنواناً لقاموس الموت اليهودي الذي ترك الكون بمساحته ليشرب من الدم الفلسطيني ما يشاء له صلفه و عنجهيته ما يشرب 0
و صورة لقاء الأبناء بآبائهم الأسرى المحتجزين خلف قضبان الحديد أضحت أيضاً صورة مألوفة في ذاكرة السجون الإسرائيلية 0
و النص الذي بين أيدينا يمثل بكل وضوح صورة فتاة تلتقي بوالدها في أحد سجون الاحتلال لتكتمل عناصر ملحمة الحزن الفلسطيني هذا التيه الطويل الذي ينتظر مخلصاً له كي تعود الحياة إلى سابق مسيرتها و هذا اللقاء يمثل مونولوجاً داخلياًُ يرتسم في لاوعي هذه الفتاة يتحاور أطرافه حول هذا الموت البطيء الذي تحول له الأب الفلسطيني المدافع عن مفتاح بيته و ذرات تراب أرضه و الذي يبدأ بصورة الذبح وهي اللفظة الأولى التي ارتسمت في ذاكرة الشاعرة فردوس النجار لتفتح على الأفق ملحمة حقيقية و لتفتح للنص ملحمة حزن فلسطيني إنها صورة الأطراف المكبلة و المنضوية بالقيود حتى لا يكاد الزند يعول في آفاق الموت الفلسطيني ولا تصدق النفس أن هناك نغماً من أنغام الحمام المنتظر رؤية السلام :

ذبحوا حيائي يا أبي‏

خلعوا ملاءة هامتي

وبكل أطرافي

قيودي تنضوي

ويضجُّ زندي بالعويل‏

ونسيتُ أنغام الهديل‏

و إذا أردنا أن نمنتج لا وعي الشاعرة من خلال نصها نجد أن الأحلام الفلسطينية ما زالت مكبلة كما هي الأجساد الفلسطينية و هي حقيقة اقتنصتها الشاعرة بكل دقة و إن كان العقل الواعي يحفر على جدران لوحة التيه الفلسطيني أن العودة للتراب سنة كونية شرعها الله تعالى لإعادة فطرة حق العيش إلى كل صاحب حق فتغييب الأب و تعذيب الأبناء لا يمكن له أن يمحوا من ذاكرة الفلسطيني أن كل ذرة رمل هي أغلى من ذهب الدنيا و أنها لا بد أن تعود عربية مسلمة موحدة شاء الأعداء أم أبوا :

والحلمُ جاء..‏

مُكبَّلاً..‏

عجباً أبي؟؟!!‏

حجبوك عن نظري الشغوف!!‏

حجبوك عن عَبقي!!‏

استكانت نبضةُ الأشواقِ..‏

في دمنا معاً.‏

إذن نحن أمام مفكرة شاعرة ترسم لنا لوحة لوطن سليب بعض رجاله مقيدون بسلاسل السجون و بعضهم طليقاً يحاول استرجاع الدماء المسلوبة ومعظم أطفاله حصد الموت ابتسامات الرؤى و القتل من مقلهم و ريشة الشاعرة ترسم هذه المشاهد بمداد الدماء الفلسطينية التي لا زالت تنزف ورداً قانياً يعد بالعودة و الرجوع :

قتلوا الرؤى..‏

حَصدوا ابتسامات..‏

المقل!!‏

وبقيت يا أبتِ المسافر‏

في الهجير!!‏

تَبغي..‏ النفير!!‏

تَعلو..‏

تُحلِّقُ‏

كي تَحوْكَ..‏

مَلاءتي!!‏

( ذبحوا حيائي ) نص أدبي و إن كان يقترب من لغة الحياة اليومية إلا أنه يحمل بين طياته معاناة شاعرة لا يروق لها أن ترى لقاء الأبناء بالآباء وراء قضبان السجون و مركبة الشاعرة العاطفية تطير بجناحين من حزن شجي يرتسم في كل كلمة من كلمات النص ولو رحنا نستنطق الدفقات الشعورية الأسيفة التي تحملها كلمات الشاعرة لوجدنا أن كل كلمة متخمة بالحزن الفلسطيني ( نبضة الأشواق – نظراتي الشغوف – زجوا بعريي – و بقيت يا أبتي المسافر في الهجير ) دفقات من الحزن أسرت الشاعرة و حولتها إلى بكاءة على أطلال الدم الفلسطيني و إذا كان المضمون الإنساني الذي يحمله النص ينقلنا إلى آفاق ذات نبضات عالية من التعاطف الإنساني فإن مركبة الخيال التي أقلت الشاعرة لم تستطع أن تسير في طريق منتظمة راسمة خط مسيرها من بداية النص إلى نهايته فأنت حين تقرأ النص يشدك التعاطف أكثر مما ينقلك الخيال و إن كنا أحيانا نجد خيال الشاعرة يعبر عن القيمة الإنسانية للعذاب الفلسطيني ( لقاء الآباء الأسرى بأبنائهم ) و باستثناء بعض الصور الرائعة التي تسنطق الخيال عند الشاعرة من مثل ( زفوا إلى قيدي مرارة فرقتي ) ( و بكل أطراف قيودي تنضوي ) ( و الحلم جاء مكبلاً ) يبقى النص أسير المشاعر الإنسانية وهذه سمة ( الشواعر = النساء الشاعرات ) على مر العصور الأدبية إذ أن أكثر النساء الشواعر يمثل الحزن و العاطفة لديها في النص قيمة أكثر من أي قيمة من قيم النص الأخرى 0
أما الإيقاعات التي عزفت عليها الشاعرة أنغام الحزن و المرارة الفلسطينية فهي إيقاعات البحر الكامل الذي يحمل على جوانحه كل نغمات الحزن الإنسانية و تبقى النصوص الخالدة هي التي تنطبع في أفق الذاكرة الشعرية طال الزمن أو قصر 0
























ميساء شهاب تشرع حزنها في العواصم الموجوعة
قراءة في أبجدية خاطرة
حسين علي الهنداوي

( كل قلبي ) ( نص) للأديبة ميساء شهاب

بعد طول فجر انهض مذعورة من نومي كل ما يهز الأرض واقع بي أشعره
أحسه ولا أيقنه
كنت أصلي أن يهرول كابوسي عني أو أن يجلدني بكل قسوة ويمضي
هكذا يصبح الأمر هينا علي
ويصبح الكون كحبة كرز حمراء متلألأه ولحظة الدنو منها تمتطي
جناحي طائر وتهرب بعيدا إلى الأفق
حتى يمتلئ الكون حزنا ويجف بعد عهد حبري
كم حبرا كتبت فلا أجدت ولا اجادني هو
لا كتبت ولا برأت نفسي أمام الشك ...أمام الظن
هدرني كل الكون وما أهدرت سوى بوحي أمام لحظة عمر الصمت
كنت لا شيئا خالصا أو حالة تنتمي إلى حالة واحدة كنت كل الحالات
والاحتمالات
لأصبح حجارة منسية شجرة على باب بيت فلسطيني عتيق
لوحة بابلية على جدار متآكل في العراق
ورقة كتاب بين الركام في ضاحية بيروت
و وجع ياسميني على سور بيت دمشقي
يقاوم بصمت رهيب على كل الجبهات
أصبحت وشاحا خفيا لا أكثر
صخرة ...ظل شجرة
في بلادي العربية
بعد طول فجر طويل تعبت وهذا الشرود القابع بداخلي
هذا البرود الساكن أضلعي وهذا الازدحام الخانق الحاصل في كل
خلايا فكري يضيعني ويحيلني إلى فوضى
وكلما نهضت من يقظتي أهرول حتى تيبست قدماي لحظة راحة
فشرعت أمام مدني حزنا ليزرع في القلب مزقا شتاتا يمحو عن الرأس
ثقل الدموع التي أنهكته فيرتمى على الوسادة يصارع أوجاعا لا تعصف
إلا نادرا
وربما كثيرا
ما عدت اذكر حقا ماذا يجري وكيف أصبحت على هذا الحال حتى توحدت
مع الليل البارد فلا ينفصلان جسدي والليل ينزفان دمعا ماءا وجعا
صراخ وإعصارا ويكادان يمزقان جدران جسدي وجدران البيوت ويلملمان
ويكفكفان حزن العيون والقلوب
أما أنا فيمتد حزني ويمتد بي ليفرش على عتبة قلبي سكناه ويخلد
فيه ذكراه
منذ ذاك الفجر الطويل الحالك الظالم وأنا اركض أهرول كمجنونة بين
بوابات الحب والكره بين الحاء والكاف وما علمت أنني متهمة
أنني داخل هذا الصراع البشري
كيف ومتى وأين لا ادري
لا ادري أين قادتني خطواتي أحزاني تمردي وأفكار أخرى بعيدة عني
تنتصب كالرمح في حلقي تلهو فوق موائد الشيطان وموائد العهر
والطهارة التي لا تخلو من البساطة والإيمان والشفافية
أين قادتني هذه الجهنمية لا ادري
لا ادري
أسلمت نفسي لبراءتي لقناعتي التي لا اشك فيها مادام الله موجودا
صمت سكت وابتليت بعدم إعلانها جهرا فقادتني الكوابيس إلى المقصلة
إلى ساحة إعدامي
هناك ....هنا مالفرق ما دام الميت المعدوم هو أنا في حلمي وفي
واقعي لا انشد من كليهما الخلاص
لا اطلب إلا أن تتفقد أوراقي الأيام علها تثبت براءتي وتعلن ربما
بعد طول غياب حضوري في ساحتها
بعد طول فجر
أزيح عني عبء الأنوثة ارميها خارجا عني
واكتب ما يمكن أن يشعل ثورة
في هذا العالم الهادئ حد الرعب
في هذا العالم الساكن حد القتل
في هذا العالم الفقير من كل شيء
من كل وجه يكلل صباحاتنا ومساءتنا بفرح يعتمر نفوسنا ولو لدقائق
وبعد ...بعد طول فجر طويل ارتمي على سريري أتفقد قبل نومي صلاة
عينيك واصلي بهمس برفق من أجلك وأغفو
الدراسة النقدية
حينما تتحول الكتابة على المساحة العربية إلى أنثى واعدة تفي بحقوق خريطتها الإنسانية يتحول الوجع الإنساني و الوطني إلى شجرة باسقة الثمار تنشر ظلها على المساحات الموؤدة
و القلوب المفؤودة و، و حينما يسيل حبر القلم مستمداً مداده من حليب الأنوثة يتحول الوطن إلى أم رؤوم توزع مساحة عواطفها على كل بيت فأده الحزن 0
و في نص أطرته الكاتبة تحت عنوان ( كل قلبي ) يتمثل الوجع العربي على سنان قلم الكاتبة و كأنه ملحمة إنسانية تبحث عن مرفأ ترسو به و كأن الموت العربي الذي ينوء بكلكله على كثير من العواصم العربية بدا وحشاً كاسرا لم تستطع الكاتبة أن تصد أنيابه إلا إذا قدمت قلبها كله ضحية للطفولة العربية و الوعد الإنساني 0
هذا هو حال التشظي العربي الذي يحاول الاستعمار و أعوانه أن يوزعه أشتاتاً متناثرة على مساحة القلوب العربية و الكاتبة ميساء شهاب قلب عربي يستوطن عاصمة هي قلب العروبة
( دمشق ) و بالتالي يتضافر القلبان و تتوحد الأرض مع الأنثى لتشكل لوحة إنسانية تبذل دمها لتدافع عن ( الكل ) وهذا ما أرادت لأن توحي به كاتبة النص في خاطرتها ( كل قلبي ) لأن كلمة كل تعني الشمول و اللا محدودية و هذا ما يقدمه الوطن الأم لأبناء العروبة كل أبناء العروبة
و الكاتبة تبدو في نصها المنحاز إلى درر النثر الواعدة تشكل لنا لوحة الأمة من خلال ذاتها فهي تقول (( كنت لا شيئا خالصا أو حالة تنتمي إلى حالة واحدة 0 كنت كل الحالات و الاحتمالات ))
و حقيقة فالأمة كانت لاشيء و يمكننا أن نقول العرب لم يكونوا شيئا حتى جاء الإسلام و حولهم إلى أمة ناضجة تدفع بفكرها و سنانها لبناء مستقبل واعد للإنسانية جمعاء و هذا ما توقف منذ خمسمئة عام لتتشظى العروبة إلى دول كحب السمسم و هذا ما عبرت عنه الكاتبة حينما ألمحت إلى هذا التمزق الذي التقم هذه الدول لقمة لقمة
((لأصبح حجارة منسية شجرة على باب بيت فلسطيني عتيق
لوحة بابلية على جدار متآكل في العراق
ورقة كتاب بين الركام في ضاحية بيروت
و وجع ياسميني على سور بيت دمشقي
يقاوم بصمت رهيب على كل الجبهات
أصبحت وشاحا خفيا لا أكثر
صخرة ...ظل شجرة
في بلادي العربية ))

إذن الكاتبة تحاول أن تغطي هذا التمزق العربي بتحولها إلى وشاح خفي كما هي مدينتها دمشق تتحول إلى ياسمينة موجوعة تريد أن توزع الطيب على عواصم العروبة و هذا يعني أن عاصمة الكاتبة أو التراب الذي عجنت منه الكاتبة فكرها و روحها ما يزال يعيش أمال العروبة و أمالها
مستشرفاً رؤيا النصر المقبلة 00 صحيح أن الكاتبة قد شرعت حزنها أمام مدنها العربية بحيث بدت فلسطين أمامها حجارة نابضة بالحياة و العراق لوحة بابلية معلقة على جدار بدأ يتأكل بينما أصبحت بيروت ورقة تذوب بين ركام الصمت بحثاّ عن حالة جديدة 000 إنه الازدحام الخانق الذي يضيع الكاتبة في خلايا فكرها المستنفرة لهذا التمزق العربي
((بعد طول فجر طويل تعبت وهذا الشرود القابع بداخلي
هذا البرود الساكن أضلعي وهذا الازدحام الخانق الحاصل في كل
خلايا فكري يضيعني ويحيلني إلى فوضى
وكلما نهضت من يقظتي أهرول حتى تيبست قدماي لحظة راحة
فشرعت أمام مدني حزنا ليزرع في القلب مزقا شتاتا يمحو عن الرأس
ثقل الدموع التي أنهكته فيرتمى على الوسادة يصارع أوجاعا لا تعصف
إلا نادرا
وربما كثيرا ))
إذن نحن أمام نص تتقاطع في خلاياه( الخاطرة و المقالة ) و يبدو التناص الفني بين هذين الجنسين عند الكاتبة يأخذ مساراً جديداً ، فالمقالة و الخاطرة تتسامقان معاً في هذا النص و يبدو أن تأثير الكتابة الصحفية بدأ يفرز مساحة جديدة لنص يحمل خيال الخاطرة و يسير ضمن مسار المقالة ليشكل لنا جنساً جديداً أفرزته العلاقات الكتابية في النص الأدبي و إن كانت المفردة التي تعتمدها الكاتبة في نصها لا تعدو أن تكون كرة من الحب تقذفها في مساحات النصوص الأدبية فالمفردة لديها جسد وروح أحياناً وروح أحياناً أخرى و لكنها في كثير من الأحيان جسد يحتاج إلى أن تنفخ فيه روح الحركة ، فالخاطرة لا تؤتي أكلها إلا حينما تشحن مفرداتها بمعاني عميقة أو لنقل أن تكون هذه المفردة مكتنزة بتعابير ذات طابع جديد و لكنها في الوقت نفسه تحمل روح المقالة المضمون الواعد الذي يجعل من النص لوحة تشكيلية واقعية تحمل معها هموم الإنسان العادي الذي يعيش حالة الضياع و التمزق 0
وبعد فالنص الذي بين أيدينا ( كل قلبي ) يحتاج أن يخرج من قمقمه ليوضح لنا بصورته الواعدة أبعاد الذات التي ناءت بكلكلها على واقع الأمة فالكاتبة مازالت تصلي ليزول هذا التشظي العربي و هي تحتاج مع صلاتها إلى أن تعلن و بشكل أعمق أن العروبة وعد يجب أن يتحقق على مساحة كل العواصم العربية 0

(( وبعد ...بعد طول فجر طويل
ارتمي على سريري
أتفقد قبل نومي صلاة عينيك
واصلي بهمس
برفق
من أجلك وأغفو ))

أي حزن هذا الذي تشرعه الكاتبة في المدن و تهرول به بين العواصم 00 إنها تحاول أن تصنع بمفرداتها من حزنها مداداً لكونها الذي يمتلئ بالحب و إذا كانت المفردات تجف أمام الحزن الذي تفرده الكاتبة و تبقي على البوح المهدور ألقه فإن النص يبقى ينتمي لديها لاحتمالات متعددة حتى أنها ما عادت تذكر كيف تحولت إلى هذه الحال إذ أن صورة الجسد و الليل تؤطرهما لوحة تشكيلية ألوانه الدمع و مزيجها الماء و إطارها الوجع المرسوم بصراخها تماماً هي ملتصقة بجسدها كما تسكن العيون جمر تملئ القلوب أيضاً إنها تحاول أن تفترش القلب ليصبح مسكنناًً للذكرى و المحبة
(( أما أنا فيمتد حزني
ويمتد بي
ليفرش على عتبة قلبي سكناه
ويخلد فيه ذكراه ))
































استجابات اللغة الواعدة في الأنا الاجتماعية
في نص القاصة ليلى البلوشي ( غبش الحي)
الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم
________________________________________
غبش الحيّ ..
حل ّ الليل .. توشح الحي بصمت رهيب يشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة ، ولج من بوابتها وأنفاسه تتصاعد شهيقا زفيرا ، إنه الحي القديم بزخارفه وطوبه القديم ، تفوح منه روائح البن والشاي والهيل والزعفران ، كأنها ساكـن جسده وعقلـه ، إنه الحي الصاخب فـي النهار وما يلبث أن يكتسح بسواده العتيد فيرحل غارقا في سباته الليلي ، نائيا عـن الحياة بكل تفاصيلها المادية والمعنوية ، كل بقعة من مساحة هذا الحي تحكي قصة .. تلكم القصص المنطوية في جدرانها ، المخبئة بتفاصيلها الدقيقة في عقول الجدات و التي تنساب عفو اللحظة حينما يحكينها لأحفادهن ، " رحمة الله عليك يا جدتي " .. كنت دائما تتحفينا بحكاياتك الجميلة عن البحر ، عن وحوش الليل ، عن" أم الدويس " وملاحقاتها المرعبة للنساء والأطفال ، يال لذة الذكريات الحميمة القديمة التي تهزنا كبندول لا يكف عن الحركة ، انعطف يسارا حيث رائحة الذكريات المنعشة تنبعث من طرقاته الغائرة رمالا ، ونفسه تحدثه بجمالية تضاريس القديمة .. تابع سير أقدامه إلى أن أوصلته إلى مكان قد ألفه.. " مطعم السهرة " ..

إنه الاسم ذاته لم يتغير شيء ،البقعة المستيقظة الوحيدة النابضة حسا فيها ، سرى في جسده شعور مريح وهو يهدد " حمدا لله لم تجرى عمليات جراحية للحي " جلس على المقعد ذاته والطاولة الفردية ذاتها ، وأنفاس من الدخان تنفث من أفواه تخفي تحت ألسنتها خناقات تكاد تصرخ ، ألقى نظرة على الرجل القاعد أمامه .. فقط تفصلهم عدة خطوات ، كان ذو كرش كبير ورأسه موصولة بصلعته التي اعتنى بتلميعها جيدا لا يدري لم خطر بباله أنه خرج من منزله بعد خناق مصدوم بينه وبين زوجاته الأربع ، هكذا توحي ملامحه القابضة وعيناه الغائبتان عن سمرة هذا القمر في يومه المحاق ، يبدو أن زوجاته الثلاث يتآمرن على الرابعة ، إنها دائما ضحية الغيرة والمؤامرات السرية ، قطع عليه النادل ذو أكتاف عريضة حبل أفكاره حاملا معه " المنيو " ، رفع عقيرته وكأنه يخاطب زرافة ذو رقبة طويلة ، ممتلئ قليلا واختفت شفتيه تحت شاربين كثيفين معقوفين إلى أعلى كجناحي نسر قد نكسا إلى الأسفل كراية سحقتها الهزيمة ، إنها معركته مع النساء .. أجل ، فوراء كل هزيمة رجل امرأة .. كما قال أستاذ المحققين الذي تتلمذ على يديه " توكو موري " في المسلسل الكرتوني المحقق كونان " أن وراء كل جريمة غامضة امرأة " لو اتكأنا على هذه المقولة فمعنى ذلك أن وراء كل مصيبة امرأة .. ووراء كل خسارة امرأة .. وراء كل حرب امرأة.. ووراء كل إرهاب امرأة.. ووراء كل زلزال امرأة.. ووراء كل مجاعة امرأة.. الخ ياللهول ! اكتشاف عبقري عظيم " النساء وراء كل شيء في هذا العالم " رحماك يا ربي.. ! أخذ منه قائمة الطلبات نظر فيه وهو يحاول إخفاء غبطته من الاكتشاف الجديد الذي توصل إليه، وهم ّ بتمرير إصبعه على المأكولات.. بدأها بقسم المعجنات ، فطائر لبنة ، زعتر ، جبنه تركية ، كرافت ، جاوزها إلى مأكولات مشوية .. رولكس ، مكسيكي ديلايت راب ، راخ زنجر.. " راخ " ، أطلق ضحكة داخلية يبدو أن هذه الوجبة منسوبة للموسيقي العالمي " باخ " ..! حدث نفسه: يخترعون أسماء غريبة والطعم واحد هذا ما يطلقون عليه بــ " خداع المستهلك " ، قسم المأكولات البحرية .. ربيان عادي ، ربيان خصوصي ، نغر ، فيليه سمك ، ألطق زفرة .. تنفس صعداء .. أغلق المنيو ثم نظر إلى النادل : أريد كوب شاي ( كَرَك ) يضبط المزاج .. تركه النادل وعلى وجهه علامة استفهام كبيرة ، عدّل من جلسته ، وضع رجلا على رجل ، سمع سعلة من المقعد الذي بمحاذاته كان الرجل يسعل بشكل مريب وكأن روحه تخرج من جسده ، وعيناه محمرتان من أثر السعال ، ما لبث أن هدأت سعلته ثم أشار للنادل أن يحضر له شيشة بنكهة الفراولة ، كان يطلق دفقات من الدخان في الهواء وهو يفتل شاربه مع ابتسامة تزين شفتيه ، كما لو كان منشغلا بفكرة داخلية يستمتع بها ، حدثته نفسه بضحكة على رجل إياه إنه على حافة القبر وتجاعيد تكاد تلتهم ملامحه الغائبة ينفث دخان الفراولة وحبيبته ذات العشرين تتخايل راقصة أمامه ، يبدو أن الفتيات هذا الزمان يفضلن رجال من هذا النوع يدفع ويدفع كآلة صرافه متحركة فلا متعة تضاهي متعة ملاعبة مراهقات حسناوات ! ذلك جليّ على وجهه المنطفئ شحوبا من ملاحقة المراهقات ، كما أن عينه اليسرى ترمش بشكل مريب ، ترك الرجل المسن مع خيال حبيبته ، جاءه النادل حاملا معه صينية عليها كأس من الماء وقدح من الشاي (كَرَك ) ، تذكر صديقه القديم " بو راشد " المنعوت بالبخيل كان إذا ما شعر بالعطش فإنه يطلب كل شيء إلا الماء ، وإذا سئل عن السبب فإنه كان يجيبنا بقاعدته العجيبة " بأن الماء يحضر مع القائمة مجانا أما إذا طلبته أنا بنفسي فمعنى ذلك سأدفع ثمنه من جيبي ..! " وكثيرا ما كان يردد قوله تعالى الذي حفظه عن ظهر قلب: ( ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين ) ، وكغيره من الذين تظاهروا بالزهد في الدنيا وُورِيَ في قبره أما ثروته الضخمة التي وصلت الملايين يتمتع بها غيره الآن ! لكم آلمه عدم تمتعه بثروته ، رشف عدة رشفات من الشاي ، شعر بأن رأسه قد أعيدت له توازنه، نظر من حوله ، حيره الصمت المستبد على المكان ، يبدو أنهم ضجروا من الكلام والثرثرة طوال النهار ،والغريب في الأمر أن كلا منهم اختار المكوث لوحده على طاولة خاصة دون رفقة تآنسه ..! أدار رأسه في كل الجوانب ثم رفع يديه وظهره مستند .. إنه التمرين الذي اعتاد ممارسته حين يجلس طويلا على الكرسي، رفع رأسه من جديد وقعت عيناه على شاب ذو تقاطيع وسيمة، كان طاولته زاخرة بمأكولات من شتى الأنواع، المشوي والبحري وسلطات متنوعة..الخ ، كان فمه ممتلئ وهو يحشوه بحبات من الكبة المقلية من الطبق أمامه ، تفَرّس في وجه مرة أخرى ، أطلق صيحته الداخلية : آها ، يبدو أن قاعدتي عن النساء كما استنجت آنفا صحيحة ، نعم ففمه يبوح بكل شيء ، إنه يعاني من أزمة عاطفية ، ويحاول حلّها وفكها من خلال الأكل ، على ما يبدو أن قصة حبه وصلت لطريق مسدود ، ظاهر ذلك من فمه المفتوح كالجرافة تقضم كل ما تراه .. تطحن ، تفرم ، تحطم ، تبلع ، تجرش ، تهرمش ، ببساطة تحول من آكل عاطفيا إلى آكل للأخضر واليابس .. البارد، الحار.. المالح.. والسكري، إنها مسألة خطيرة فعلا ـ أعانه الله ـ أما هو فيضل أن يحتفظ بنصيحة أحد الشعراء ( وعش خاليا فالحب أوله عنى.. وأوسطه سقم وآخره قتل ) ، لا يهم إنه لا يستطيع الاستغناء عنها سيعودان لبعضهما، حينئذ سينحف كشجرة سرو عندما يعود إليها مرة أخرى أما هي فحتما ستكون كشجرة بلوط ، إنها القاعدة المعروفة في عالم العشاق بعد الزواج " الرجال ينحفون كالعصا والنساء ينتفخون كالبالون " .! رشف رشفات أخرى من القدح ، نظر إلى ساعته ، نهض من مكانه بعد أن دفع الفاتورة .. ألقى نظرة أخيرة على الجالسين في مقاعدهم أخرج من جيب قميصه بطاقات بيضاء دونت عليها عبارات بلون كحلي..

الدكتور صالح الأحمدي مستشاري لغة الجسد وخفايا الشخصية، سلمها بيد النادل وهو يهمهم : في الطابق الأول.. شقة رقم 3، ثم مضى في سبيله مودعا حيّيه القديم الذي فارقه منذ أكثر من عشرة أعوام.. مضى وصوت المؤذن يحيك نسيجه الدافئ على أسقف الحي الذي ما يزال غارقاً في أحلامه 0

الدراسة النقدية :
الرأي الأول : حاتم قاسم
( البعد السيسيولوجي في نص غبش الحي )

نقف عند الرغبة و نسدل رواق الليل لنسبر الأنفاس المتصاعدة في رائحتها التي تستذكر الماضي بعبق الحاضر في مونولوج داخـلي يحاكـي الذات ببعد نفسي يتجاوز كل الأمكنة ليرسم لنا أفئدة حاضرة يتداعى فيها الحدث و أما المكان فهو القديم الجديد الغائب الحاضر بين رائحة الذكريات المنعشة و التضاريس القديمة التي ترسم على لوحاتها مكاناً لاستيقاظ الذات ، فالحي القديم بزخارفه و طوبـه وروائح البن و الشاي و الهيل و الزعفران و حكايا الجدة عن البحـر ووحوش الليل و أم الدويس ذكريات عالقة في اختزان الذاكرة المتوقدة بشحنتها العاطفية و بعدها النفسي الذي يعكس لنا رائحة الذكريات المنعشة 0 و تنقلنا الكاتبة عبر منهجية دراماتيكية لتصوير البعد النفســي بمونولوجـية الحدث ، فالتضاريس نفسها و المكان نفسه و لكنها النفوس التي تتغير وفق معطيات شاقولية تتقاطع في النقطة نفسها التي تكشف لنا جوانب القوة و الضعف في الذات البشرية عبر منهج سيكولوجي يلقي بموشوره على البعد النفسي و هذا ما عبرت عنه الكاتبة بالزوجات الثلاث وهنَّ يتآمرن على الرابعة فهي صورة تعكس بارتدادها بعداً نفسياً بنمطه السلوكي 0
(( يبدو أن زوجاته الثلاث يتآمرن على الرابعة ، إنها دائماً ضحية الغيرة 00))
فالصراع دائماً ينصب في نقطة الاهتمام ليؤطر الحدث في بقعة الضوء التي تسلط عليها الكاتبة أشعتها المشرقة فكينونة الحدث المشاكس عند المرأة بدأ منذ نزول آدم إلى الأرض إذا صحت المقولة الشعبية أن حواء هي التي أغوت آدم بأكل تفاحة الحياة مع أن القرآن الكريم أشار إلى أن كليهما أكلا من الشجرة و اشتركا في الجريمة نفسها0 أما أن تكون المرأة على الأرض وراء كل مشكلة فهذا ديدن المجتمعات المتخلفة التي يندفع فيها الرجال وراء انفعالات النســاء صحيح أن المرأة إذا همشت بدأت تغزل خيوط المؤامرات لإثبات وجودها ولـكن ذلك لا يتأتى في الواقع إلا في مجتمع رجولي ينظر للمرأة على أنها تابع لا قيمة له مع أن القيم الدينية الإسلامية تصر على أن النساء شقائق الرجال لهن مالهم و عليهن ما عليهم و الشيء الغريب في هذا النص و إن كنا لا نـرى أن زواج الأربع محل انتقاد لأن الله أكرم به النساء قبل الرجال لحكمة يريدها في مجتمعات كمجتمعات الخليج إذا لم يحسن الرجل قيادة المركبات الأربع فإنه لا شك واقـع
(( في حيص بيص )) بحيث يرضي واحدة و تبقى الأخريات في موقع السخط و صناعة المؤامرة 0
و النقطة الثانية التي تعالجها الكاتبة هي نزوة كبار السن مع الفتيات المراهقات بحيث تجعل هذا المعجب يدفع كآلة صرافة من أجل إشباع نزواته 00 الذي لبس
البخل ثوباً و جعله شعاره المتحرك وهذا يؤكد اجتماعياً سمات الكثير من الرجال في مجتمعات الكاتبة الذين و إن كانوا في سـن الشــيخوخة ما زالوا يحلمون بالفتيات المراهقات 0
فصورة المرأة عند الكاتبة ما تزال تؤكد على نقطة حبك المؤامرات و صناعة المشكلات وكأنها استقت من معين القرآن الكريم ما ورد في سورة يوسف و في حق هذا النبي النقي (( إن كيدكن عظيم )) 0

الرأي الثاني : حسين الهنداوي
(( اللغة الشعرية في نص غبش الحي))
تختزن ذاكرة القاصة ليلى البلوشي في نصها غبش الحي لغة شاعرية ذات أبعاد قزحية فهي بكلماتها و حروفها تبعث في النفس الشـوق إلى الالتقاء بالمجهول الذي يتمثل بما يرسمه الواقع المأساوي من مشكلات أبطالها المرأة فقولها :
(( إنه الحي القديم 0000 ، تفوح منه روائح البن والشاي والهيل والزعفران ))
(( هكذا توحي ملامحه القابضة و عيناه الغائبتان عن سمرة هذا القمر في يومه المحاق )) 0
(( على ما يبدو أن قصة حبه وصلت لطريق مسدود ظاهر ذلك من فمه المفتوح كالجرافة تقصم كل ما تراه 00 تطحن00 تفرم000 تحطم 000تبلع 000تجرش 00تهرمش ، ببساطة تحول من آكل للأخضر و اليابس 00 البارد و الحار 000
المالح و السكري ))0
يشير إلى أن لدى القاصة مخزوناً لغوياً يحمل على جناحيه آفاق الخيال القصصي المتمثل بالصورة الفنية في الحي الذي تحول إلى مقهى تفوح منه رائحة البن و الشاي و الهيل و الزعفران ناهيك عن صورة القمر الذي تحول من وجهة نظـر الكاتبة إلى رجل أسمر ذي ملامح قابضة و عينين غائبتيــن و كأنه في يومـه المحاق 0 كما أن استعمال الكاتبة للتشبيه في وصف الفم بالجرافة التي تقضـم كل ما تراه يحيلنا إلى قدرة الخيال الاصطفائي عند الكاتبة إلى اختزان الصــور الواقعية و تجسيدها بصور واقعية مماثلة و إن كان ذلك لا يرتقي إلى ابتــداع الصورة المثلى للقيمة الإنسانية 0 فقد تحولت عين الكاتبة إلى ( آلة تصويــر الواقع المعاش ) ولكنها في العبارة التالية استطاعت أن تحول المجسـدات إلى معنويات و المعنويات إلى مجسدات فقد تحول هذا الإنسان من وجهة نظرها من آكل عاطفياً إلى أكلٍ للأخضر و اليابس و كأنها تؤكد على الجشـع النفسي الذي يقف وراء نفوس بعض الرجال 0 موقف لا شك أنه يصور واقـع النفــوس المريضة التي تحولت الحياة لدى أصحابها إلى ماديات محسوســة ذات فائدة متناسين رفعة القيم و سمو الإنسانية و جمال العاطفة الحقيقية الصادقة 0
(( هل يتحول الدكتور صالح الأحمدي مستشار لغة الجسد إلى مهمهم يبحث عن مادية الحياة تاركاً وراءه صوت المؤذن يحيك نسيجه الدافئ على أسقف الحي الذي ما يزال غارقاً في أحلامه )) 0
مع وضع ثلاثة خطوط حمراء تحت كلمة( مستشار لغة الجسد ) 0
وفي قراءة متأنية للنص مرة أخرى فإنا نحيل الكاتبة إلى مقطع لو حذفته من القصة لتخلصت من السرد المقالي الذي يربك الحدث و يتجلى ذلك من قولها :
(( كما قال أستاذ المحققين 0000000000000000 إلى قولها ووراء كل مجاعة امرأة 00 الخ ))0
كما أنه لو حركت كلمة ( شيء ) بتنوين النصب لكان الأصح في قولها ( إنه الاسم ذاته لم يتغير شيء ) 0 و لو وصفت الزرافة بكلمة ذات في قولها :
( يخاطب زرافة ذو رقبة طويلة ) لكان الأصح 0 كما أن فاعل فعل اختفت يجب أن يكون مرفوعاً بالألف( شفتاه ) في قولها ( و اختفت شفتيه تحت شاربين كثيفين معقوفين ) 0
و قبل أن تتنفس الدراسة الصعداء كان من الأولى أن تقول القاصة ( تنفس الصعداء بدلاً من قولها ( تنفس صعداء ) 0










مونولوجية الحدث و أبعاد الرؤى
في نص (المتفوق الأول ) ( للقاص عبد الرحمن حسن )
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم
نص القصة القصيرة :
المتفوق الأول
كعادتي في كل يوم استيقظ باكرا00 رغم ســـهري الطويل في الليلـة الماضـــــية، كان الشـــوق يقودني لرؤيــــــة تلاميــذ مدرســـــتي وهم يتباهـون بألبستهــم الجديــدة بعـــد أن تخلصوا من ألبستهم المدرسية وكأنهم يقولون بعـــد عام من الجهـــد أهلا بوقــت اللعب واللهو ، إنهم الآن ينتظرون تسلم الجلاء المدرسي والكل في حالــة من الـفــــــرح المشوب بشيء من القلـق ، أما أنا فكانت الأمــور مختلفــة بالنسبة لي ، فكنت أتلهف لرؤية أولئك التلاميــذ وهــم في قمة سعادتهــم ،هيـــأت نفسي وانطلقت نحو مدرستي التي أعمل فيها مرشــــدا اجتماعيا والتي تبعــــد عن منزلي مسافة قصيرة ، قـــد تعودت كل صباح أن أطيل مسافة الوصول إلى المدرسة كنـوع من الرياضة، خاصـــــة وأن خريف العمر على الأبواب 000 لكن صدقوني لم تكن المســـــــــافة هذه التي أقطعهــــا عادة على حســـــاب الدوام الرسمي 000 في هذا اليــوم تبـــدو شوارع المدينـــة مزدانـة جميلة على غير عادتها كنت أشــــــاهد الفــرح على كل الوجـــوه حتى ذلك الحارس الليلي الموظف في الدائـــــرة الحكومية التي أمر من أمامها كل يـوم في طريقي نحو المدرسة متغير المزاج هذا الصباح لأنني أعرفه جيــدا ولولا الخجل لما ألقيت عليه التحية الصبـــــــاحية لأنه كان يـــرد تحيتــــي بينما كانت ملامـــــح وجهه العابسة تشعرني أحيانا بأنه ناقم على الحياة 000 وكم كان ينتابنــــي هاجس أن أقــول له : تواضــع يا أخـــي ورد التحيـــة بأحسن منهـــا لكنني كنـــت أتراجـــع خوفـــا مــــن أن يصــــب جام غضبــه علي وحتى الحاجـــة أم محمود والتي تقطـن بجانــب المدرسة تخاطــب جارها هذا اليوم بلطف غير اعتيادي أيضا وهي المعتادة دائما أن توزع كل صباح مزيدا من الشتائم على أبناء الحي وعند المساء تلعـــن الســــاعة التي سكنت فيها هـذا الحي السقيم ، تأملتُ أم محمود 000فتذكرت أيام الشقاوة يوم كنا أطفال لا تتجاوز أعمارنا الخامسة تذكرت خالتي أم العبد والتي كانت تسكن وحدهـــا في بيت من الطين بابه من التوتيـــــاء كنـا نتبـــادل الأدوار برمي الحجــارة على باب بيتهــا فتصرخ من الداخل وتبــــدأ بالشتائم علينا وعلى أهلنـــــــا الذين لـــم يهتمـــوا بتربيتـــنا حسب قولها ( ولاد عديمين التربية) وفي إحـــدى المرات التي كنا نُغيـْــرُ بها على بيت الخالة أم العبــد تعثر صديقي أحمد وتأذى من رجله أذكر يومها كم كانت خالتي أم العبد حزينة وهي تحنو بلهفة على هذا الشقي لتطمئن عليــه ، وأخذت تدعو ربها أن يشفى وأن يــدب بها المرض، شاهدت يومها مــدى الحــزن الذي بــدا على خالتي ومن يومهــا تعاهدت مع رفاقي ألا نزعجها واتفقنا أن يذهب كل يوم واحد منا لبيتها ليؤمن لها احتياجاتها من الخبز والأشــــــياء الضرورية الأخرى 000 تابعت سيري إلى المدرسة000 كان الجميع منهمك بالعمل من أجل توزيع الجلاء المدرسي على التلاميذ كان الفرح المشوب بالقلق باديا على التلاميــــذ جميعا 00وهم يتراكضون كالفراشات في باحة المدرســــة 00الثياب ملونــــة بألــــوان الزهـور، وهم أيضا زهور هذا العالم البريء000 وقفـــت وسط الباحة أحاط بي التلاميذ من كل جانب 00 باركــت لهم جميعا كانــوا فرحين جدا الكل طموح لينال العلامة التامة حتى نيسان هـــذه التلميـذة الدلوعة والتي يشهد لها كل معلميها أن لها مستقبلا يبشر بالخير إن واكبت نشاطها الدراسي ، كانت قلقة أيضا 000 بلحظة واحـدة تحول المشهد لشيء مختلف تحـــولت الباحـــة إلى غابـــة من أشجار السنديان وتحولــت الجــدران إلى متاريس 00 كل شيء تغير000 كلما نظرت في وجه تلميـــذ كنت أشاهــد محمد الدرة ، كان التلاميذ يراقبون المشـــــهد جيدا كانــت الأرض تتحــول إلى مـرج أخضر وكان نيسان يخالــــف كل مواعيد هــــذا العام 000 بـــدأت أسمع صوتا جهوريا يخترق سمع الجميع ، وقـــف مدير المدرسة ليعلـــن أسماء التلاميـــذ الأوائـل في المدرســة غابــــت عنه كل الأسماء، اختفـى الصوت داخل حنجرته ثم حــاول من جديـــــد 00استجمع قــــواه فخرج الصوت قويا كأنه الجلجلة أبنائي الأعـــزاء لنصفق جميعا للتلميـــذ الأول الـــذي حاز على المرتبـــة الأولى 000مرتبـة الشرف التلميــــذ محمـــد الــدرة عندهـــا رفــــع التلاميــــذ رؤوسهم جميعا إلى السماء كانت الشمس تزداد توهجا وصهيل الخيــــول يأخــــــذ مـــداه ومن فــوق الهامات يعبـــر سرب من اليمـــام 00 أصطف الجميــــع وبنظام لــم نعهــده سابقــا وبكل هــــــدوء 000 ارتفعــت الأيــــدي حتى لامست الجباه كانت الهامات مرفوعة 000 ارتفـــــع الصوت عاليــــا 000 جميلا وواعـــدا هادرا000 بلادي 000بـــلادي لك حبـــــي وفــــــــؤادي فامتزجــــت الأشياء ببعضهــا ، فتكونــت لوحة جديــدة تجلى فيهــا الوطـــن بأجمل صوره وأخــــذت العصافير تسبح في الفضاء تعـد طقــوس الفرح و الأصوات تنبعـــث من حناجـــر التلاميـــذ مدويــة والقبضـــات تتعالى ، عندها وجــدت نفسي بيـــن الحشـــود الكبيرة التي تجــاوزت الباحــــة المدرسية إلى الشوارع والحـارات والمـدن العتيقــة ، والتـــــي توزعـــت على امتــداد الوطـــن ، أردد مــــــع التلاميـــــذ بالـــــــدم بالــــــروح نفديــــك يا شهيـــــد 0

الدراسة النقدية :
حينما تنبض الحروف بين حنايا الشوق و ينقلك الحنين إلى الشهادة إلى مصاف الفرح و تتجاوز حدود الألوان المشروعة مساحة الضوء الإنســــاني ترتسم الشهادة قوس قزح على شفاه الطفولة العذبة لتتحول إلى اســتجابات إنسانية تمتزج فيها التضحية بالدماء بالتراب المقدس و يتعمق الحدس بفعل الشــهادة بأعماق اللاشعور و تبرز العاطفة الإنسانية المصفاة ببعديها الطفولـي و الفدائي و لكن تراتيل الحدث و مونولوجيته ترتسم في وسط الزحام لتشرق من جديد بين عيني الدرة شمساً جديدة تتنسمها روابي الأرض الفلسطينية 0
المتفوق الأول للقاص عبد الرحمن حسن انموذج جديد لمضمون قديم حملنا فيه القاص إلى أحضان البعد الآخر من التضحية الذي أطره لنا القرآن الكريــم من خلال مفهوم الشهادة التي هي في نهاية المطاف خلود لا يستطيع العقل البشري أن يتصور أبعاده المتجددة 0
نحن إذاً أمام نص قصصي يختزل فيه القاص حكاية الطفولة الفلســطينية التي يرافقها موكب الحجر الفلسطيني في فجائعية تجاوزت الحزن إلى رســم ملحمة إنسانية تسفك فيها الدماء لترتوي الأرض و يتحول فيها البرتقال الفلسطيني إلى رصاصات جهاد ترسم أيضاً فوق مآذن المسجد الأقصى فضاءً برتقالــياً يلوح للمترقبين خارج الأرض الفلسطينية عودة لأرضــهم و القاص أحد هــؤلاء المترقبين الذين ما زالت تختزن ذواكرهم بالبرتقال الحيفاوي
000)) ارتفـــــع الصوت عاليــــا 000 جميلا وواعـــدا هادرا000 بلادي 000بـــلادي لك حبـــــي وفــــــــؤادي فامتزجــــت الأشياء ببعضهــا ، فتكونــت لوحة جديــدة تجلى فيهــا الوطـــن بأجمل صوره وأخــــذت العصافير تسبح في الفضاء تعـد طقــوس الفرح ))

إذن القاص و من خلال نصه ما زالت طفولته المختزنة تتأرج أمامه في الطريق
يرقب ما يرقبه الأطفال عند مرورهم في الطرقات فهو يألف طرقه و لا ينســى منه تعابير الوجه عند نساء الحي اللواتي كن َّ يعترضنه و كأنه يريد أن يؤكد لنا إن طفولة محمد الدرة الخريطة الدموية للشهادة الفلسطينية هي امتداد لطفولته التي بدأت تستيقظ بفعل ما رآه العالم على شاشات التلفزة 0
سيكولوجية الشهادة في مفهوم القاص عبد الرحمن حسن ( حاتم قاسم )
بين الحبل السري للقاص عبد الرحمن حسن و بين الشهادة تتســلق الطفولة الفلسطينية التي حملت على عاتقها هموم الرحيل و الغربة و الاغتراب إضافـة إلى لواعج الحنين و الشوق التي تربط الطفولة بمرابع اللهو و المتصفـح لنص القاص ( المتفوق الأول ) و لشخصية القاص التي سعت إلى أن تكون الرعـيل الأول من الأطفال الفلسطينيين الذين يحلمون بالوصول إلى فلسطين تحريراً يجد أن تطابقاً مريراً بين شخصية الكاتب و طفولته و شخصية محمد الدرة و طفولته أيضاً فكلا الشخصيتين شخصية الدرة و شخصية القاص انموذجــاً واحداً لطفل فلسطيني يحلم و يبرمج حياته ليعود إلى مرابع الصبا 0
و لا تكمن المشكلة في النص في السباقات التي يألفها الأطفال للفوز بجوائــز دنيوية و لكنها تبدو مريرة في السباق من أجل الشــهادة دفاعاً عن الأرض و العرض و هذا ما أطره القاص في نصه 0
التقييم المفرداتي لنص ( المتفوق الأول ) للقاص عبد الرحمن حسن ( حسين الهنداوي )
يبدو أن القاص عبد الرحمن حسن في نصه المتفوق الأول الذي حمل إلينا البعد الشهادي في ذاكرة الطفل الفلسطيني تتأرجح مفرداته بين الفن المقالي و القيم التعبيرية للنص القصصي ذلك أن المفردات التي استخدمها القاص في نصه لم ترد أن تفصح عن أسرارها الماورائية بشكل مونولوجي بقدر ما أرادت أن تؤكد على معيارية اللغة التي يلتقمها الناس في أحاديثهم 0
مفردات حملها إلينا الكاتب و اختزنت في ذاكرتها بعداً شـعورياً يجعل الإنسان يلتصق بالعاطفة الإنسانية أكثر مما صنعـــته من أجنحة لتحلق بخيالها في فضاءات طفولية و نحن جميعاً نعرف أن الطفولة هي حلم و بالتالي هي طيور تتنقل بين أغصان الحياة و لكنها عند الكاتب بدت طفولة تنتقي مفرداتها بشكل دقيق لا لأن الكاتب يتصنع ذلك و لكن لأن الطفولة الفلســطينية نفسها تعيش مرحلة الكهولة فهي بعد هذا الصراع المرير مع آلة الوحشـية الصهيونية تعي بأن الحياة لا تعني اللعب و لا تعني السباق الذي ينتهي بجائزة مسـلية بقدر ما هي تصف المتفوق الأول الذي يصل إلى مرتبة الشهادة و هذه ظاهرة تفرد بها الكاتب إذ جعل الطفولة الفلسطينية رجلاً حكيماً يعي أفعـــاله و يدرك محتوى قضيته و أبعادها
((وكان نيسان يخالــــف كل مواعيد هــــذا العام 000 بـــدأت أسمع صوتا جهوريا يخترق سمع الجميع ، وقـــف مدير المدرسة ليعلـــن أسماء التلاميـــذ الأوائـل في المدرســة غابــــت عنه كل الأسماء، اختفـى الصوت داخل حنجرته ثم حــاول من جديـــــد 00استجمع قــــواه فخرج الصوت قويا كأنه الجلجلة أبنائي الأعـــزاء لنصفق جميعا للتلميـــذ الأول الـــذي حاز على المرتبـــة الأولى 000مرتبـة الشرف التلميــــذ محمـــد الــدرة ))
بقي أن نقول إن للنص أبعاداً أخرى تحمل الهم الفلســطيني و المعاناة القاسية التي يعيشها كل مبعد عن أرضه و هي تحتاج إلى قراءة أخرى تبرز ذلك الهم و تصور أبعاده

--------------------------------------------------------------------------------
















قراءة في نص /حين يأكل الصمت السكون/ بقلم حسين علي الهنداوي

--------------------------------------------------------------------------------




حين يأكل الصمت السكون































أبعاد الذكريات في الآفاق النفسية

في نص الطيور المهاجرة للقاصة : البتول المحجوب/ المغرب

الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم



الطيور المهاجرة




البتول المحجوب::.
29 أبريل 2006


أتذكرين انسياب أنغام عود..أتذكرين القاعة العتيقة
والجدران المطلية..؟كنا معا. !.
وضعت معطفها ذاك المساء الممطر على كتفها ،ذهبت لحضور أمسية.القاعة عتيقة، جدرانها مطلية بطلاء تعبر عن مرور أجيالا وأجيالا.. كراسي تسمع أنينها عند الجلوس..جلس قربها شعرت قرب أنفاسه منها..تذكرت ذاك المساء الماطر وأنغام عود حزين..تذكرت القاعة العتيقة..والجدران المطلية فهل تذكر ذالك..؟
..غادرت القاعة بعد أمسية شعرية وعزفا حزينا يصحبها، وقفت تنتظر مرور سيارة أجرة..رذاذ المطر المتساقط ينعش روحها الحزينة،التفت بمعطفها الأسود اتقاء قطرات عابرة..أوقف السيارة قربها..فتح الباب قائلا:
-تفضلي..الجو بارد..تأخر الوقت ..قد يطول انتظارك دون مرور سيارة. ترددت لحظة، بادرت بالركوب..جلست قربه دون كلمة..أدار شريط موسيقي لكسر الصمت المطبق بينهما..أنغام عود تعشق سماعه ..غابت مع أنغام العود الحزين..أحست دفء كفه وهو يلف يديها الباردتين..شعر بارتعاشها..
-ما بك ترتعشين…؟البرد..؟ردت بصوت لايكاد يسمع:

-بلى البرد قارس ..هذه الليلة.لفظت هاته الكلمات لتهرب من سؤاله..نزع معطفه ووضعه على كتفيها رغم أنها ترتدي معطفا لكنه شفاف على حد زعمه..شعرت دفء أنفاسه وهو يلفها بالمعطف..أخذ كفيها الباردتين ووضع عليهما قبلة من شفتيه المحمومتين علّه يزرع الدفء والحب في قلبها الجريح..لم تنبس ببنت شفة طيلة الطريق ..الغصة في الحلق تخنقها،الدمعة المتدفقة من مقلتيها،الجرح غائر وعميق. لالمسة كفه الدافئ ولاقبلة شفتيه زرعتا الدفء في قلب مسكون بحزن كربلائي..مثقل بهم محير.. وسؤال قلق..
اقترب منها أكثر أمسك يديها، حدق في عينيها طويلا ثم زفر قائلا:
-..عينان حزينتان هذا المساء..مايحزنك يا صغيرتي..انغام عود طالما عشقنا سماعه معا..ألن تتحررمن قيد ذاك الزائر الحزين النظرات..اماحان لك أن تنسي اوتتناسي..
نظرت إليه بصمت، رددت في داخلها كيف تنسى أو حتى تتناسى..كيف تنسى حزنكما الجميل معا..حزنا جمعكما طويلا..فرح وهم مشترك قاسمتها..وهاهي الأقدار تفرقكما من جديد..كل في سبيل وأكثر السبل حزنا ومرارة سبيلها..
يسود الصمت بينهما ..أيعاتب القدر الذي فرقهما..أم يعاتب أنفسهما..؟أي حظ هذا وأية صدفة جعلتني التقي به..؟رددت هاته العبارة تلوم نفسها.. أي قدر ساقني لتلك الأمسية..؟ لنلتقي من جديد..يفرقنا الزمن..ويجمعنا في قاعة عتيقة عبر أمسية دافئة بنغمات اوتارعود حزين ليزرع الدفء في مساء ماطر..يلفنا الصمت من جديد ..يتذكرها..يتذكر أنثى القلق..أنثى الحلم الجميل أنثى السؤال القلق..أنثى الحلم المغتال..يتذكر يوما غضب منها قائلا:
-ستقضين عمرك تبحثين عن سراب..
تبحثين عن ملامح ضبابية القسمات..رحلت عنك تلك الملامح يوم الجمعة الحزين..وبقيت تنتظرين..وتنتظرين،آلا تمل الانتظار..أم تراك الفته..؟
..ياأنثى القلق..والحلم الجميل..افتقدك، افتقد دفء أيام مضت..افتقد بسمتك المشرقة..احلم معك..بعالمك النقي..أتذكرك ألان..عبر انسياب انغام عود وترية..فهل تذكرين ؟أتذكرين القاعة العتيقة والجدران المطلية فهل تذكري…؟

البتول المحجوب-طنطان-







أبعاد الذكريات في الآفاق النفسية

في نص الطيور المهاجرة للقاصة : البتول المحجوب/ المغرب

الدارسان : حسين الهنداوي – حاتم قاسم

حينما تتحول الأجنحة إلى بساط ريح أخضر يعبر آفـاق المجهــول و تخـتزل اللحظات المدهشة في همسة ٍ مهاجرة تبعث في النفس ذكريات عميقة تنقل إليك سعف الصمت و أغنيات الحنين و شوق اللاشعور و استبطان العقل الباطن ليرســــم الإنسان عالمه الآخر عبر مساء ٍ ممطر تزينه قطرات الندى التي ينفعل الخير من رذاذها العطر 0

تتمحور قصة الطيور المهاجرة في أعماق لاشعور القاصة البتول المحجوب من خلال مفكرة ٍ عميقة الأبعاد ذات انكســــارات ممتدة تفتــح منها نافذة واحدة تتســـع لعينين تنظران إلى آفاق المجهول المعلوم في الذات إنه شـعور الصمت حين تتدفق الذكريات حاملة ً معها لوعة الشوق و حنين الدفء ذلك أن برودة الجو جعلت أنفـــاس الكاتبة تملأ الكون رذاذاً ملتهباً بالشوق و كأن هدوء الليل المخيم فوق الذاكرة يفتح صفحــة جديدة في آفاق مجهول الحب الإنساني الذي يريد أن تنطبع معالمه فوق الجبين واقعاً حقيقياً 0

القصة عند الكاتبــة تحولــت إلــى نافذة لا تتســع إلا لموقفين اثنـين كلاهما يبحث عن موطأ قدم في ساحة اللاشعور عند الآخر و يأتي المســـاء الحـــزين البارد ليؤكد على حميمية العاطفة الملتهبة في أعماق النفــس تلك هي مشــــكلة القصة النســـائية التي تحولت في عصرنا إلى سيرة ذاتية ترسم الكاتبة من خلالها موقفاً خاصـــاً يفتقد إلـــى العقدة و يفتقد إلى تأزم الحدث بحيث يجعلك تتناسى من خلال اللغة الشاعرية المعبرة الموحية أنك تقرأ قصة شعرية هذه اللغة تجعلك تؤكد من خلال مفرداتــها المتســاوقة عبر آفاق الربيع الأخضر تجعلك تعيش حالة شعرية و ما أجمل أن يتداخل الشــعر في فن القصة القصيرة 0

قصة تقترض من الشعر لغته الفنية فتنقل القارئ من نص قصصي إلى نص شعري 0 و لو أنك تصفحت هذه الأمسية الشعرية أو قل اللغة الشعرية في القصة لوجدت عزفاً حزيناً يصحبها و لسمعت إلى شريط موسيقي يكسر أعتابها و لأحسست دفء الحنين الإنساني الذي يلف اليدين الباردتين 0

البتول المحجوب محطة من محطات الذكريات التي ترتســـم ســيرة ذاتية تعبرُ محيط الصمت باحثة عن قوافل التوابل القصصية لترتســم وردة بيضـــاء على جبين الأدب



حسين الهنداوي

حــاتم قاســـــــم






























حسين علي الهنداوي ( في ذاكرة الإبداع )

حينما تتراقص الكلمات بثياب سحرية تتحول الحروف إلى حوريات عذراء تلامس بشفافية الصمت قطرات الماء البحر المتقاذف على شواطئ الحياة 0
و حينما تنطلق الذاكرة الإبداعية إلى أعالي السماء بحثاً عن السحر الإنساني تتهامس حروف الإبداع معلنة عن بداية وعد جديد 0
انطلاقة بعد تحفز طويل و كلمات تحمل على بساط ريحها أفاقاً متمثلة بواحة من الإبداع الأدبي 0
بين الشعر و القصة و الدراسات النقدية تتماوج كلمات الحب و الشوق و تضع رحلها في واحة الأدب الخالد الذي ترسمه آفاق الكلمة الحرة البعيدة عن الإنحيازات الشخصانية 00 شاعر يمتلك إرثاً ثقافياً و يختزل الحروف ليصنع أغنية يتماوج لحنها على بحر الحياة المتقاذف الأمواج في زمن صعب تستعصي فيه الكلمات على اللسان و تستقصى فيه خطوات الباحثين عن الخلود الأبدي 0
في واحة الشعر و بين نخيل المجموعات الشعرية ( هنا كان صوتي وعيناك يلتقيان )
و ( أغنيات على أطلال الزمن المقهور ) و ( هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير )
و ( القدس ليست فاصلة ) و ( هذه الشام لا تقولي كفانا ) تنبثق عرائس البحر حاملة معها أصدافاً شعرية مكنونة بالحب الإنساني و الوطني و الترابي و مبرقة بلؤلؤيتها
حكايا تحمل على عاتقها سيزيف الوطن الذي مازالت صخرته تتدحرج بحثاً عن الخلاص الإنساني 0
لأني كنت قريباً من النار
أنت احترقت
لأني كنت بعيداً من الثلج
أنت اشتعلت
على جمر صوتك
كانت طيور النوارس
تهجس حقداً
وحزناً
وموت
ضحكنا جميعاً وأنت بكـــيت
هربنا جميعاً و أنت استويت
أيا ومضة الجمر
و الخمر
و التمر
قل لي لماذا بكيت ؟؟؟
وها قد تلوّنتَ في الصمت
وها أنت في زحمة الراحلين عبرت
سيمفونية رائعة تعزفها أنامل الشاعر على أوتار الواقع الرديء الذي يستعصي على المترجلين هذه الأيام و كأنما هذا الحوار الذي يتجاذب أطرافه لاوعي الشاعر هو صعقة الوطن الهارب من الذاكرة هو حفيف أشجار واعدة و سقسقة مياه رافدة و انطلاق نحو رؤية جديدة تبحث عن الوطن في الذات و عن الذات في الوطن حالة اغتراب داخلي تجهش بالبكاء و تتلون في الصمت ليعبر الوطن أخيراً في زحمة الراحلين 0
ناهيك عن مئات الدراسات النقدية التي فتقت كثيراً من النصوص الأدبية و التي ما تزال ترسم خطاً بيانياً من المحيط الأطلنطي إلى بحر العرب تعبر آفاق الشعراء و الشواعر الذين نسجوا من دمائهم قطرات الوعد الشعري و للقصة بوح في ذاكرة الشاعر تتعربش فيه الحروف لتصنع من الأحلام غداً جديد و تصنع من ورق التوت الذي اقتبس منه الشاعر العنوان ( شجرة التوت ) غطاءاً جديداً لإنسانية ما تزال تكشف عن عوراتها الكثيرة و على إيقاع النبض الدافئ تأخذنا الكلمات إلى عالم المسرح السيمفوني الذي يصور واقع الصراع فالمسرح الواقعي هو جزء من شخصية الشاعر يرسم من خلاله ما تنبض به ذرات التراب الإنساني
بين بوح الحروف و قلب الشاعر صهيل يتأجج بأغنيات واعدة تبحث عن مرفأ تحط عليه نوارس الكلمات 0
وهل تحب أن تعبر ذاكرة الشاعر على مساحة واسعة من الحب و الخير و العطاء آفاق إنسانية تحمل في عبقها رحيق اللقاء الإنساني 0











قراءة ماورائية ببعد سيكولوجي لنص :

مآلت أغصان المحبه!! للشاعر السعودي : أسعد السحيمي

بقلم الدارسين : حسين الهنداوي – حاتم قاسم







النص : مآلت أغصان المحبه!!
مآلت أغصان المحبه وإنقطت قطرة وداع

والورق ودّع عشــيقه في ليالي مؤلمه
والثرى كنت أحسبنه طيب وشهم وشجاع
مادريت إنه أناني ضحــكة الغدر بفمه
زيـّن الهرج وتفنّن لين ماشـب الصراع
بين قطرات النــدى وبين أوراق نظمه
والورق معروف غصنه مايهمه مايشـاع
لكن البلوى تزافر هالنــدى من مبسمه
والوعود ألي وعدها الثرى كانت خداع
هدّم أحــلام الندى ولا لفى قام ظلمه
كل ماطاح الندى غاص في ظلم الوساع
وإنكبت في قاع ضامي والندم يمشي بدمه
والفرح ذاب وتلاشى وإبتدى درب الضياع
والسهر كنـّه شقاوي عذب الناس قلمه
ياهجــيري فرقونا كل ماحلّ إجتماع
وكرّهونا في بعضنا لكن الســر إكتمه
غبت من سبّت عذولن إشــتريته ثم باع
وصار قلبك والمشــاعر لاطرالك تشتمه
من رحل طيفـك وأنا ألي بيني وبيني نزاع
كنّ في صدري حــزين ٍ لاتذكرّك أرحمه
شــف مئآسي هالخيانه أثرت بي للنخاع
شف مكانك في خفوقي شوف حزنه يكتمه
من ظلامي إلـ ظلامك مركب بليّا شراع
وحـبك بقلبي وحبي للعواذل تقسـمه
غابت البسمه وقفآ من سنا فجرك شعاع
وإنطوت صفحات ذكرى تأسر ألي تفهمه
والقلم لملم حكاوي حاولت تنهي الصراع
ولاكسب غير المأسي والجفاف ألي هزمه



الدراســــة النقــدية :
=================
نتوجس الصورة فتسطع أشعة العزف على وتر القصيد تحملنا بين دفتيها لمدارات تنطق فيها الحروف لتبوح عن كينونة النفس 00 تسبر الأغوار
و ينطلق اللحن من صحارى النفس التائهة بقوسه القزحي ليلون مفردات النص بإرهاصات لها بعدٌ سيكولوجي تمتد مفاصله عبر الطبيعة ليرسم لنا الشاعر بمفرداته تجربة ذاتية ببعد يتجاوز فيه النص الاعتيادي فينطلق من الذات يرسم لنا اللوحة بفنها التشكيلي


مآلت أغصان المحبه وإنقطت قطرة وداع

والورق ودّع عشيقه في ليالي مؤلمه
لوحة الذات المتألمة على فراق الأحبة تصنع من أوراق الأشــجار كينونة النفس فترصد من واقعها لون المحبة الذي مالت به الليـالي لينفض قطرات الندى عن أوراقه وتبقى الحسرة على ما فات تسجل ببعدها النفـسي وزناً إيقاعيا يلامس جدران القلب بخطه الأفقي الذي يتمازج مع اللون ليصبـغ الوداع في نفسه المشحونة بالعشق 000 أي ورق يحمل النفس ليطير بها في مدرات الوداع يتلاقى في موشورها النفسي بعدان هما ( العاشق و عشيقته ) والليالي المؤلمة 000
على إيقاع بحر الرمل يسير بنا العاشق الولهان فيأخذنا بإيقاعه الدافئ و بلحنه إلى مسامات القلب لنفتق الحروف و نسلط الأشعة على المفردات
مالتغصا / نل المحبه / و نقطت قط / رة وداع /
فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلان /
و الورقود / دعشيقه / في ليالي / مؤلمه
فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلاتن / فاعلان
من إرهاصات النفس يسوق لنا الشاعر أسعد السحيمي قصة ذاتية تسبر الأغوار و تنطلق من
الذات لتبحث عن نبض تخالطه المشاعر في حركة ديناميكية تنقلنا إلى الحدث عبر مجسات قصصية تروي الحدث و تنقلنا عبر فضائها الكوني لصورة الواقع فتبدو الصورة جليه وواضحة فنفسه الطامحه تتمثل بأوراق الأشجار التي هزتها الليالي لتذهب بنداها العطر ( المعشوقه ) ثلاثية رائعة ( الورق – الندى – الثرى ) وترابط يجمع المفردات في كينـونة واحدة وكل منهما بحاجة الآخر وهذا ارتباط عضوي وتحليل نفسـي يسـجله الشاعر في معطيات النص الشعري وتبقى الأوراق تحفر عــلى جدران ذاكرتها ألم الوداع تسأل شعلتها المتوقده ويبقى السؤال ينتظر الجواب 00 وعبر سيكولوجية البعد النفسي يرسم هذا الارتداد
بشكل لا شعوري متقمصاً ذاته المتشجرة بالحزن :
والورق معروف غصنه مايهمه مايشاع
لكن البلوى تزافر هالندى من مبسمه

والوعود ألي وعدها الثرى كانت خداع
هدّم أحلام الندى ولا لفى قام ظلمه
كل ماطاح الندى غاص في ظلم الوساع
وإنكبت في قاع ضامي والندم يمشي بدمه
والفرح ذاب وتلاشى وإبتدى درب الضياع
والسهر كنـّه شقاوي عذب الناس قلمه


يشتد صلب العود و تكبر الثقة بالنفس يتجاوز فيها الشاعر بصورته الورقيه الخضراء كل مايشاع وعلى الجانب الآخر تقف البلوى بزفيرها المتصـاعد لتعكر صفو الندى وهو بذلك يمازجنا لون المفردة الحسـية ببعده الرمزي ليعود بنا إلى الثرى الذي يحمل وعود الخداع بأحلامه النرجسية التي ذهبت بأحلام الندى المخملية ليبدأ العد العكسي من ميدان الفرح
إلى درب الضياع الذي يرسمه الكاتب بسهره وعذاباته التي يسطرها في ليله الطويل 000 تتجاوز الكلمات بعدها الحركي بحسية مطلقة ورمزية معلنة لينطلق النداء :
ياهجيري فرقونا كل ماحلّ إجتماع
وكرّهونا في بعضنا لكن السر إكتمه
غبت من سبّت عذولن إشتريته ثم باع
وصار قلبك والمشاعر لاطرالك تشتمه
إنه عشق عذري بأبعاد انسانية تنظر إلى المرأة ببعدها المعنوي لا الحسي
و انظروا معنا إلى ياء النداء ( يا هجيري ) و إضفاء ياء المتكلم الملصوقة بها ومدلولات هذه الكلمة ببعدها السيكولوجي 00 و التضاد الشعري في المفردة ( فرقونا – اجتماع )
( اشتريته – باع ) يوظفها الشاعر في رسم الصورة الشعرية لتعطي بعدها الفني ( الطباق ) ويسقط لنا من المثل السائد ( كل سر جاوز الاثنين شاع ) ( لكن السر اكتمه ) بصمات للحدث تسجل الحضور و على أروقة الصمت في مساماتها المتوقدة تشتعل الحروف :

من رحل طيفك وأنا ألي بيني وبيني نزاع
كنّ في صدري حزين ٍ لاتذكرّك أرحمه

شف مئآسي هالخيانه أثرت بي للنخاع
شف مكانك في خفوقي شوف حزنه يكتمه

يعيش الكاتب أسعد السحيمي صراعا مع النفس بمفردته التي ودعت طيف الحبيبة
لتعيش على الذكرى في أيقونة التفاعل مع معطيات المآسي و الخيانة التي جاوزت حد النخاع الشوكي وهذا بعدٌ آخر يرسمه الكاتب لحركته الديناميكية فالنخاع الشوكي مركز الحركة العصبية التي يتوجس منها آخر أحلامه النرجسية حتى يخاطب الأحبة بلغة فوسفورية
تضيء بصماتها أشعة المكان متجاوزا حدود المكان و الزمان و أشــرعة الحزن المكتومه بدف ء مكان القلب ( شف مكانك في خفوقي شـوف حزنه يكتمه ) على صهوة البوح يمتد الشراع يبحث في النفـس التائهه عن مرسى افتقده في الظلام الدامس يبحث عن شاطئ الأمان يقتسم الفرح ليعلو نشيد القلب
من ظلامي إلـ ظلامك مركب بليّا شراع
وحبك بقلبي وحبي للعواذل تقسمه

إلى ملاذ الشفاه التي تبحث عن بسمتها المفقوده وراء أشعة الفجر بسناها الذي يحمل عبق الذكريات ليطوي صفحاتها المأسورة في ثنايا القلوب التائهة يبرق بصيص الأمل :

غابت البسمه وقفآ من سنا فجرك شعاع
وإنطوت صفحات ذكرى تأسر ألي تفهمه
والقلم لملم حكاوي حاولت تنهي الصراع
ولاكسب غير المأسي والجفاف ألي هزمه

تبحر ريشة الشاعر في أشرعتها لتلملم ( حكاوي حاولت تنهي الصراع ) ولكن الرياح كانت قوية تجرف التيار و تعاكس الأهواء بمرادها فما نالت غير التعب و لا حصدت إلا المآسي في صحراء القلوب التي هزمها الجفاف ليدون على بصماتها رحلة النفس في ذاتية تحاور و تخاطب و ترسم طريقها الوعر فوق حواجز النفس لترصد الحدث باحثا عن وجود حقيقي وكما قال المتنبي :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
إنه يتقمص الورق ليعبر عن نفسه و يلبسها ثوب المحبه الذي يكسوه الندى
( العشيقة ) و يبقى للثرى بعد آخر يجمع الاثنين 00
وحبذا لو أن الشاعر قد عنون النص بـ ( يا هجيري ) لأنه يحمل صبغة مطلقة على مفردات النص و المعاناة ولما له من دلالات واضحة في المسار العام لسياق المفردات 000
و تبقى النفس تبحث عن الذات فتلون حركتها بمعطيات الطبيعة تكسر الصمت ببوح يبرعم الذاكرة ويشعل الحروف 0

































دندنات امرأة على قلادة الوطن
قراءة في نص (هو الشِّعر كفّي ) للشاعرة قمر صبري الجاسم
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم


النص :
=====
يضيءُ الكلامُ على شفتيكَ
بقنْديلِ شوقٍ
تزوَّدَ مِنْ زيتِ حبٍّ عفيفْ
و صمتُكَ مثلُ دموعِ الثّكالى
بأولادهِنَّ و أزواجهِنَّ و أحلامهِنَّ
و ما مِنْ مُجيبٍ لصمْتِ النزيفْ
و يسكنُ في راحتيكَ الأمانُ
إذا جدَّ في الخَوفِ شيءٌ مُخيفْ
جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
ذراعاكَ عذْرُ انتظاري
لأنَّ ذراعيكَ
حلْمُ طفولةِ عمْري اليتيمْ
و حضنُكَ أمٌّ تضمُّ
صغارَ العصافيرِ مذْ غادَروها و طاروا
كأنَّ التي أنجَبَتْهمْ عقيمْ
بعينَيكَ برْقُ القصيدةِ يأتي
يحطُّ على وَحْيِ بَوْحي
فينظمُ ما لا يُجاري حنيني
و أقطفُ مِنْ خدِّكَ الوردَ حتى
أزيِّنَ شِعري
و أرفعَ فيما كتبتُ جبينَ أنيني
بصدرِكَ تطفو سفينةُ نوحٍ
و أيّوبُ أوْدَعَ صبراً مُعتّقْ
و قد قايضوكَ و قدّوا
قميصَ الأمانِ و ما أحرَقوكَ
و لكنْ تمنّوا
و ما مِنْ ضميرٍ تعلّقَ باللهِ يُحرقْ
و من أجلِ ذلكَ أقسمتُ أنّي
سأغْرِفُ كلَّ النساءِ اللواتي
عشقْتَ بقلبي
و مَنْ سوف تعشقْ
بضحكتِكَ النهرُ يروي الحروفَ
على مدِّ تاريخِها بالأملْ
و وجهُكَ تسبيحةٌ للغزلْ
مكانُ سجودِ شفاهِ المُصلّي
صلاةَ حنانٍ بمليونِ قُبلهْ
فكيف يجيءُ إلى قُبلتي العيدُ
أين أولّي لهُ وجهَ شوقي
إلى أيِّ شَطْرٍ و وجهُكَ
من كلِّ حدْبٍ و صوبْ
و بعدكَ ما سوف يخفقُ شِعري
و قبلكَ ما كان شِعري يُحبّْ
سأصنعُ مما كتبتُ مظلّهْ
تخفّفُ وَطْأَ الأسى عَنْ حياتِكْ
و أنسجُ مِنْ خيطِ شِعري رداءً
أفكُّ بهِ السِّحْرَ عَنْ أمنياتِكْ
أبيعُ لعُشّاقِ هذا الزمانِ
ورودي القصائدْ
لأبتاعَ حلْماً يمشِّطُ شِعرَكْ
فباللهِ .. لا لا تقصَّ
جدائلَ شِعركَ كي تشتري لي قَلَمْ
و لستُ أفكِّرُ مِنْ بعدِ حرِّيتي في يديكَ
سوى أنْ يصيرَ
بأرضِ المحبةِ قلبي عَلَمْ
أميري ..أنا عروةٌ في قميصِ الحياةِ
تقيكَ الرياحَ
حنانُكَ زرّي ..
أصومُ أُصلّي و أدعو ,
و سجّادةُ البوحِ شِعري ..
و أرفعُ كفَّ القصائدِ نحو السماءِ
لأنَّ القصائدَ ما دنَّسَتْها الذنوبُ
بل الشِّعرُ طُهري
و ليلةَ سوف يضمُّ حنيني فضاؤكَ
ليلةُ قدْري
أنا لستُ إلا وداعاً مؤجّلْ
أنا لستُ إلا وميضَ الأملْ
شِفاهي عذارى
شفاهُكَ مسكونةٌ بالقُبَلْ
أنا قبلةٌ في شفاهِ الوسادهْ
سريري الوداعْ
و حلْمي الفَرَحْ
أنا دمعةٌ فجّرتْ شِعرَها كي
تنالَ الشهادهْ
هو الشِّعرُ عَرْشي
و شَعبي الحروفْ
أسنُّ بهِ ما يطيبُ لصمْتي
أغيِّرُ بالشِّعرِ أقسى الحروفْ
أدندنُ مِنْ حزنِ شِعري انتصاراً
أعمِّرُ مِنْ شوقِ شِعري وطنْ
تبسَّمْ ليصمدَ حزني
لعلّي أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ
أبي الشِّعرُ أمّي , و " ستّي " وجَدّي
وخالي و عمّي و أختي , أخي
صديقي الوفيْ
و شاربُ خمرَ القصائدِ يسكرُ
كيف أنا مَنْ تعتَّقَ فيّْ
هو الشِّعرُ عيني أراكَ بِهِ
و يحمي القصائدَ رمْشُ الغرامْ
سلاحي و ما مِنْ سلاحٍ
يناهضُ كالشِّعرِ حربَ السلامْ
و أُضحيتي بعد حجِّ القصائدْ
أوفّي بِهِ نذرَ حُلْمِ المنامْ
حِواري و صمتي و صوتي غنائي
و أحلى بحورِ القصائدِ بحرُ الهُيامْ
هو الشِّعرُ حُلْمي البسيطُ المعقّدْ
صلاةُ المسافرِ في أرضِ شِعرٍ مُخلَّدْ
صلاةُ "التّسابيحِ" في وَهْجِ عمري
صلاةُ " التهجّدْ "
و في الليلِ عوَّدتُ شِعري القيامْ
أعلِّمُ بالشِّعرِ كلَّ النساءِ المودّهْ
أُذكِّرُ كلَّ الرجالِ
بأنَّ النساءَ وراءَ الرجالِ العِظامْ
هو الشِّعرُ طفلي
لأجلكَ علَّمتُهُ كيفَ يمشي
لأجلكَ علَّمتُ طفلي الكلامْ
هو الشِّعرُ شَعري
فمشِّط بعينيكَ
شَعرَ حروفي
هو الشِّعرُ كفّي
إذا ما قَرَأْتَ القصائدَ
ردَّ السلامْ
خدودي
شفاهي ..
فهلاّ حكيتَ لهُ قُبلةً
كي ينامْ .




دندنات امرأة على قلادة الوطن

حينما تتفتح على قارعة الصمت أغنيات الوعد الإنساني تمطر غيوم الشعر أحلاماً وردية ترسم ذاكرة الوطن أفقاً نيراً يطاول كواكب الصمت في هذا الكون المتسع و الذي تحول فيه الشعر إلى نشيد حزين على قارعة الحزن الإنساني 0
( هو الشعر كفي ) مرثية تبحث عن الأمل في عالم شعري يضج بالأصوات الناجزة حينما تحول الشعراء إلى باعة جوالين على أرصفة الصمت العربي 0 و أنت حينما تريد أن تتحدث عن ذاكرة المرأة و الوطن من المفترض أن تستحضر عالم الحزن الذي ما زال يغلف الأصوات النسائية و يظلل آفاق الشعر العربي في زمن يخسر فيه الإنسان العربي الكثير من مقومات الشخصية العصرية 0
( هو الشعر كفي ) نص أبدي النشيج يتلون بألوان قوس قزح الحزين ولكنه يفتح أمام الوطن أفقاً واسع المدى ليرتسم علمه في أعلى الكواكب منزلة و أعظمها إكباراً و أكثرها مودة 0
فالوطن في نص الشاعرة جبينه مزرعة للكبرياء و غمازتاه هلالان أحلى من الصمت في حضرة الأتقياء وهذا يعني أن صورة الوطن المقدسة في ذاكرة الشاعرة ركن من أركان الحياة لا يمكن أن تقوم حياتها إلا به وهو يلتقي مع اثفيتين أخريين هما الذات و الشعر ليشكل أثافي ثلاث تقوم عليها ذاكرة الحزن عند الشاعرة وما لا يمكن أن يتخيله قارئ النص هو أولئك الذين يعكرون صفو لوحة الحب الوطنية التي خربش على أطرافها الكثير من الذين لم يصلوا إلى عمق الحب الصافي لهذا المعشوق الوطني و الذي توحد مع ذات الشاعر ليعكس لنا صورة حب من طرف واحد فشلت ذاكرة الشاعرة في أن تختزنه في لاوعيها 0
( هو الشعر كفي ) قراءة للكف التي هي تهويمة للوصول إلى محطة ترسو عليها سفينة الشاعرة و لكن قارئة الكف تؤوب بخفي حنين

جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
ذراعاكَ عذْرُ انتظاري
لأنَّ ذراعيكَ
حلْمُ طفولةِ عمْري اليتيمْ
و حضنُكَ أمٌّ تضمُّ
صغارَ العصافيرِ مذْ غادَروها و طاروا
كأنَّ التي أنجَبَتْهمْ عقيمْ

أليس من العبث أن يتحول هذا الحب إلى فقاعات هواء تسري في ذاكرة الكون و كأن الصراع الدرامي للنفس الإنسانية يعيد لذاكرة الشاعرة فجائع الإنسانية السابقة المتمثلة بسفينة نوح و بصبر أيوب على الرغم من أنها تحاول أن تقطف من بستان هذا الوطن وروداً تضفر بها شعرها لتبقى شامخة في دروب الحياة الموجعة 0 فأيوب و نوح يمثلان الصبر العريض الذي يتلقاه الإنسان أمام صدمات الحياة المتكررة التي تحول فيها الإنسان إلى جريدة تقرأ ثم تلقى على أرصفة الطرقات
و أقطفُ مِنْ خدِّكَ الوردَ حتى
أزيِّنَ شِعري
و أرفعَ فيما كتبتُ جبينَ أنيني
بصدرِكَ تطفو سفينةُ نوحٍ
و أيّوبُ أوْدَعَ صبراً مُعتّقْ
و قد قايضوكَ و قدّوا
قميصَ الأمانِ و ما أحرَقوكَ
و لكنْ تمنّوا
و ما مِنْ ضميرٍ تعلّقَ باللهِ يُحرقْ


و في زحمة الوجع الإنساني تعود الشاعرة إلى قراءة كفها المتمثل ( بالشعر ) الملاذ الوحيد الذي يحقق لها أمنياتها على هذه الأرض 000 نحن لا ننكر على الشاعرة هذا التعلق الوله بقميص الحياة المتمثل بالوطن على الرغم من شدة الرياح العاتية التي تحاول اقتلاع ذاتها من هذا الأفق الفسيح ونحن نعرف أن الشعراء يتعلقون بأوسمة الوطن لأن التراب يمثل لديهم المعاد الإنساني الحقيقي وهذا جزء من الذات الإنسانية التي لا تبرح أن ترتبط بذرات التراب

أميري ..أنا عروةٌ في قميصِ الحياةِ
تقيكَ الرياحَ
حنانُكَ زرّي ..
أصومُ أُصلّي و أدعو ,
و سجّادةُ البوحِ شِعري ..
و أرفعُ كفَّ القصائدِ نحو السماءِ
لأنَّ القصائدَ ما دنَّسَتْها الذنوبُ
بل الشِّعرُ طُهري
و في ذروة هذا الحزن تنبثق زنابق الأمل باحثة عن وعد إنساني يتمثل في عذرية الشفاه المسكونة بالقبل 000 فوميض هذه القبل يطبع على الوسادة أحلامها المؤجلة التي تنتظر عودتها مع طائر الفرح كي تزف للطامحين بعيون هذا الوطن بشرى الشهادة التي تجذر فينا معاني الطموح و الكبرياء :

أنا لستُ إلا وداعاً مؤجّلْ
أنا لستُ إلا وميضَ الأملْ
شِفاهي عذارى
شفاهُكَ مسكونةٌ بالقُبَلْ
أنا قبلةٌ في شفاهِ الوسادهْ
سريري الوداعْ
و حلْمي الفَرَحْ
أنا دمعةٌ فجّرتْ شِعرَها كي
تنالَ الشهادهْ
و الشاعرة في نصها مصرة على أن تتسلح بالأمل الواعد الذي يعيد لوطنها الحلم أفقه الانتصاري الذي يعلق على صدرها أوسمة من الفرح و العطاء فهي ما تزال مدندنة و مصرة في إيقاع نبضها الدافئ أن يتحول الحزن إلى فرح أبدي و إن كان بالشعر لا يستطيع الإنسان أن يكسر قيود الزمن :

أدندنُ مِنْ حزنِ شِعري انتصاراً
أعمِّرُ مِنْ شوقِ شِعري وطنْ
تبسَّمْ ليصمدَ حزني
لعلّي أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ

البناء الفني في نص (هو الشعر كفي )
------------------------------------
تكاد و أنت تقرأ في نص ( هو الشعر كفي ) الذي كتب على طريقة شعر التفعيلة أن تتلمس خطا الأصالة العربية في موسيقا الشعر الخليلي الذي ما تزال إيقاعاته تدندن في ذاكرة الشعراء جوقة موسيقية لا يبرح أعضائها أن يؤدوا ما عليها من أدوار فالبحر المتقارب يحمل على جناحيه خيال الشاعرة الواعد و المتمثل بخطوات واثقة من الوصول و إن كانت حزينة الوقع إذ أن تفعيلة
( فعول) التي تشكل الوحدة الموسيقية في النص تحمل في عمقها بحة حزينة صبغت كل كلمة من كلمات الشاعرة بحزنها الأبدي و التي إذا وصلت إلى اللام منها انطلق الوثوق بأفقه الواعد و لا أدل على ذلك إلا كلمات الشاعرة التي كللتها بقوافي مقيدة في كل مقطع شعري و أبرز ما يؤطر قيمة هذا النص الخيال الشعري الواعد الي يفتح لنا أفقاً من الفرح و لكنه مثقل بحزن عميق يأسر الشاعرة أحياناً و يتركها طليقة في أحيان أخرى غير متناسين أن الأدب النسائي ما زال في معظمه يدور في فلك الذات و إن كانت الشاعرة تحمل في نصها هم ذاتها و هم تراب وطنها حملاً ثقيلاً تدور فيه في مرابد الشاعر العربي

جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
و يمكن للمتلقي أن يسبح مع خيال الشاعرة حينما يتحول جبين الوطن إلى مزرعة من الكبرياء بينما غمازتاه تشفان عن ابتسامة هلالية تبعث الوقار في هذا الصمت المطبق ( صورة مركبة تحتاج إلى بحث أعمق ) كما و أن صوت المفردة التي يحملها هذا النص بقي مثقلا بالأمل و الحزن معا فكلمات مثل (وَطْأَ الأسى - صلاةَ حنانٍ - سجّادةُ البوحِ شِعري ..- أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ )
تحمل في ذاكرتها الحالة الإحباطية التي يعيشها الإنسان في هذا الزمن المفؤود بقيمه و أخلاقه و إنسانيته و الشاعرة في كل ما سبق تحاول أن تنهض بذاتها الغائبة عن أنظار العابرين بسفنهم بحار الحياة فهي مثقلة بصور محبطة تذكر ما للأنوثة من قوة كامنة تدفع الرجال إلى قمة المجد و تذكر بأن وطنها المتخيل يحمل للعالم قوة كامنة تدفع الإنسانية إلى آفاق مشرقة كما كان في الماضي و إن كانت هناك بعض الزحافات الشعرية التي أثقلت متن بعض الأسطر الشعرية بحمل زائد كان بإمكان الشاعرة أن تتخلص منه لتجري سفينتها في بحر الشعر الواعد ( بضحكتِكَ النهرُ يروي الحروفَ ) كما و أن بعض الحروف التي تعلقت بالأسطر الشعرية أثقلت متن النص فالباء في قولها ( بقنديل ) جاءت سفاحاً شعرياً كان من الأولى للشاعرة أن لا تورده في هذا السطر الشعري وكم هو جميل لو أنها جعلت كلمة قنديل منصوبة لا مجرورة
(يضيءُ الكلامُ على شفتيكَ
بقنْديلِ شوقٍ )

و تبقى نوافذ الأمل مفتوحة في ذاكرة الشاعرة تجمح بها نحو أفق واسع لتؤكد على أن القصيدة الحقة تتحول إلى كائن إنساني يقرأ ذاته و يفتق كينونته على شفاه الزمن

هو الشِّعرُ شَعري
فمشِّط بعينيكَ
شَعرَ حروفي
هو الشِّعرُ كفّي
إذا ما قَرَأْتَ القصائدَ
ردَّ السلامْ
خدودي
شفاهي ..
فهلاّ حكيتَ لهُ قُبلةً
كي ينامْ .











الضياع المثيولوجي و انطواء الذات
قراءة قي قصيدة ( سكة سفر ) للشاعرة ريناد القحطاني
الدارسان : حسين الهنداوي - حاتم قاسم




ويل عيني للمسافر .. لا لقي له درب عاثر
هو يصيح بصوت عالي!!
او يخليها خوافي!!
من يقول الموت واحد ..
ماصدق يمكن يكابر
المنايا ..
والحكايا ..
والنوايا
تشتكي من كل غادر
هي كذا عندي (أنا)
يمكن تخّلف او(غبا)
بس الصراحة مؤلمة
لا شفت لك دربً (غدا)
من كثر ماهو (عنا)
تحتار فيه الخُطا ..
هي تترررررركه او تسسسسسسسلكه!!!


حظي (كذا)..
رغم الرياح العاتية
رغم الظروف الماشية ..
رغم الرمال الزاحفة
رغم الشعر وأهل الشعر الا


(أنا)


تبقى حروفي باكيه..
تكتب خوافي ماضية
ذيك السنين الخالية ..
ذيك السنين الشارده .. ذيك الخطُاوي الضايعه



لا .. لا تقولوا اشردت ..
لا.. لا تنادوا اغربت ..
هيّ (هنا) فـــ امحاجري .. في غرفتي .. في ديرتي
شمس الاصيل الذابحة

وسط الحنايا ساكنة .. كل الزوايا داكنه
كل الزاويا داكنة ..

حتى (أنا)

درب السفر ليله طويل .. الا بعيد ابناظري
اشكي لمن ؟ ..

ابكي لمن؟ ..

ياعزوتي .. يامدتي .. ياخطوتي .. اشكي لمن؟
دمعي غرق .. قلبي شهق .. في ناظري راح الزمن
ماعدت اقوى للسفر .....الدرب عاثر والتوى ..
ماعاد ادري هي انا .. نفس الملامح الاوله ..
لا والله الا ناقصة ..
هذي عيوني زارقه ...
هذي يديني طايحه ..
هذي عظامي بالية

مو بس انا .. مثلي كذا .. مليوووووووووووون واحد يشتكي ..
سكة سفر ..
اقسا مـــ الحجر ..
ياهو سفر ..
ياهو سفر..
ياهو سفر

حينما يختزن اللاشعور انطواءات العلاقات الاجتماعية و حينما تتحول الذات الفاعلة إلى صفحة منفعلة يرسم عليها الزمن حوادثه المتدفقة يقف العقل مشدوهاً أمام الضياع الإنساني الذي بدأه أدم عليه السلام حينما أنزله الله إلى الأرض و أحس بخطيئته إحساسا إنسانياً جعله يبكي ردحاً طويلاً من الزمن و يعيش حالة من الحزن و التفرد على سفره الممتد من السموات العلا إلى الأرض التي لن يستمر عليها إلا سنوات معدودة 0
السفر في ذاكرة الإنسان بشكل عام و في ذاكرة الشعراء بشكل خاص يلقي بظلال حزينة تجعل من الذات قربة ًً من الماء الساكن لا يمكن أن يتدفق إلا بحركة فاعلة 0
و شاعرتنا ريناد تبدأ سفرها الحزين المضني بعبارة صارخة تستنهض كل خزانات الحزن التي يختزنها الإنسان في أعماقه فهي تشتعل منذ مطلع القصيدة بنار حزينة و تلتهب روحها بانفعالات تستدعي الموت كي يحضر ليخلص الشاعرة من شلالات الحزن التي تصب في بحيرة ذاكرتها 0

(( ويل عيني للمسافر000 لا لقي له درب عاثر
هو يصيح بصوت عالي
أو يخليها خـــــــوافــــي
من يقول الموت واحــــد
ما صدق يمكن يكــابــــر
و كلمة ( ويل ) هذه التي تحضر في أي نص شعري تستدعي معها كل الآلام الإنسانية التي أصبحت على مر الأيام سجلاً تاريخياً يسم الإنسان بمرارة العيش و الحرمان و هي تلتقي في نهاية السطر الشعري الأول مع لوحة (( درب عاثر )) لتشكل لنا خطاً بيانياً يرسم واقع الإنسان و همومه على هذه الأرض و من هنا يبدو أن الإنسان الضعيف المختبئ داخل ذات الشاعرة يصرخ بصوت عال و كأنه يريد أن يقول للناس جميعاً : توقفوا عن الحزن و عن إهداء الحزن إلى الآخرين 0
إنها حقيقة المشاعر الإنسانية التي يطلقها الآخرون باتجاهنا بحيث تجعل المنايا و الحكايا و النوايا تشتكي من ظلم الإنسان الذي أصبح يغدر بكل شيء و هل الوقوف عند الحزن و الاكتواء بناره يجدي شيئاً في رأي الشاعرة 000 يمكن أن يكون عناء تستدعيه الذات لكي تعلل لذاتها هذا الحزن المستمر الذي يحط بجناحيه على ذاكرة الإنسان و الشاعرة في رسمها لظاهرة ملايين الناس الذين يعيشون تلك الحالة و الدلالة على ذلك قولها :

(( مو بس أنا 000 مثلي كذا000 مليووووووووون
واحد يشتكي
سكة سفــر
وهل ذلك بسب هذا السفر الذاتي مع الحزن يبقى أن نشير إلى أن الظاهرة النفسية التي تجعل الإنسان يستمرء حالة الحزن و يستجيب لها بشكل ألي توقعه أن حظه في الدنيا هو على هذه الصورة

(( حظي ( كذا )
رغم الريــــاح العاتـيـة
رغم الظروف الماشية
رغم الرمال الزاحفــــة
رغم الشعر و أهل الشعر إلا
( أنـــــا )
و نتوقف هنا لنخالف الشاعرة فيما ذهبت إليه في فهم فلسفة الانفعال الإنساني مع الواقع الحياتي ، فالمفهومات الاجتماعية تستدعي في ذاكرة الذين يعيشون حالة الحزن أن الأقدار هي التي خطت لهم الطريق الحزين و أنهم لا يستطيعون دفع الأقدار و بالتالي لا يستطيعون دفع الحزن و من هنا يكون الحظ ظلاً ملازماً للحزين مع أن الحقيقة القرآنية تشير إلى أن كل إنسان له حظه من السعادة و التعاسة و من الحزن ومن السرور و من الخير و من الشر 0 أما أن ينطوي الفرد تحت إسار الحزن و يبدأ العزف على هذا الوتر فهذا شأن إنساني خاص و ليس شأناً قدرياً فكل إنسان مسؤول عما يفعله أو يعيشه على هذه الأرض 0
و لنتوقف قليلاً عند عبارات أطلقتها الشاعرة لتؤكد لنا أن الحزن ظاهرة ( حظية)
لا يستطيع الإنسان الانفكاك منها 0

رغم الريــــاح العاتـيـة
رغم الظروف الماشية
رغم الرمال الزاحفــــة
رغم الشعر و أهل الشعر


لتؤكد على أن الرياح العاتية هي من صنع الشاعرة نفسها فالحياة فيها نسيم عليل و رياح عاتية و لتؤكد أن الظروف التي سمتها الشاعرة ماشية منها ما هي ظروف تبعث الأمل الإنساني الضاحك و منها ظروف تبعث الحزن الباكي لهذا الإنسان و حقيقة كما تقول الشاعرة أن الرمال زاحفة فهي تشكل كثبان في هذا الاتجاه و كثبان أخرى في اتجاه آخر و هذه سابقة نسجلها لهذه الشاعرة لأنها عبرت من خلال هذه الجملة المجازية أن ما يخلفه القدر على الإنسان يتحول من مكان إلى آخر ومن شخص إلى آخر و إن كانت الشاعرة أدخلت الشعر الذي يمثل العاطفة و الوجدان في معمعان صراع الإنسان مع الظروف الصعبة فالشعراء كما يقول الشاعر الإنكليزي ( شيلي ) : (( مشرعو العالم غير المعترف بهم )) و هذا يعني أن العاطفة زئبقية رجراجة لا تعطي حكماً واقعياً 0
بقي أن نقول أن زفرة الحزن التي أطلقتها الشاعرة ريناد القحطاني و التي اكتنزت بمرارة الواقع هي امتداد لزفرة الحزن عند شاعرة بكاءة كالخنساء أو كسعدى الشمردلية و إن كانت الأولى ( الشاعرة ريناد ) قد عبرت عن ذلك من خلال الشعر النبطي بينما عبرت الخنساء و سعدى الشمردلية عن ذلك بالشعر الفصيح 0

(( هذي عيوني زارقه000
هذي يديني طايحــه000
هذي عظامي باليــه000
و هكذا أعادت الشاعرة إلى دورة الحزن من جديد لتبدأ حركة ديناميكية جديدة في عالم الحزن 0




دندنات امرأة على قلادة الوطن
قراءة في نص (هو الشِّعر كفّي ) للشاعرة قمر صبري الجاسم
الدارسان : حسين علي الهنداوي – حاتم قاسم


النص :
=====
يضيءُ الكلامُ على شفتيكَ
بقنْديلِ شوقٍ
تزوَّدَ مِنْ زيتِ حبٍّ عفيفْ
و صمتُكَ مثلُ دموعِ الثّكالى
بأولادهِنَّ و أزواجهِنَّ و أحلامهِنَّ
و ما مِنْ مُجيبٍ لصمْتِ النزيفْ
و يسكنُ في راحتيكَ الأمانُ
إذا جدَّ في الخَوفِ شيءٌ مُخيفْ
جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
ذراعاكَ عذْرُ انتظاري
لأنَّ ذراعيكَ
حلْمُ طفولةِ عمْري اليتيمْ
و حضنُكَ أمٌّ تضمُّ
صغارَ العصافيرِ مذْ غادَروها و طاروا
كأنَّ التي أنجَبَتْهمْ عقيمْ
بعينَيكَ برْقُ القصيدةِ يأتي
يحطُّ على وَحْيِ بَوْحي
فينظمُ ما لا يُجاري حنيني
و أقطفُ مِنْ خدِّكَ الوردَ حتى
أزيِّنَ شِعري
و أرفعَ فيما كتبتُ جبينَ أنيني
بصدرِكَ تطفو سفينةُ نوحٍ
و أيّوبُ أوْدَعَ صبراً مُعتّقْ
و قد قايضوكَ و قدّوا
قميصَ الأمانِ و ما أحرَقوكَ
و لكنْ تمنّوا
و ما مِنْ ضميرٍ تعلّقَ باللهِ يُحرقْ
و من أجلِ ذلكَ أقسمتُ أنّي
سأغْرِفُ كلَّ النساءِ اللواتي
عشقْتَ بقلبي
و مَنْ سوف تعشقْ
بضحكتِكَ النهرُ يروي الحروفَ
على مدِّ تاريخِها بالأملْ
و وجهُكَ تسبيحةٌ للغزلْ
مكانُ سجودِ شفاهِ المُصلّي
صلاةَ حنانٍ بمليونِ قُبلهْ
فكيف يجيءُ إلى قُبلتي العيدُ
أين أولّي لهُ وجهَ شوقي
إلى أيِّ شَطْرٍ و وجهُكَ
من كلِّ حدْبٍ و صوبْ
و بعدكَ ما سوف يخفقُ شِعري
و قبلكَ ما كان شِعري يُحبّْ
سأصنعُ مما كتبتُ مظلّهْ
تخفّفُ وَطْأَ الأسى عَنْ حياتِكْ
و أنسجُ مِنْ خيطِ شِعري رداءً
أفكُّ بهِ السِّحْرَ عَنْ أمنياتِكْ
أبيعُ لعُشّاقِ هذا الزمانِ
ورودي القصائدْ
لأبتاعَ حلْماً يمشِّطُ شِعرَكْ
فباللهِ .. لا لا تقصَّ
جدائلَ شِعركَ كي تشتري لي قَلَمْ
و لستُ أفكِّرُ مِنْ بعدِ حرِّيتي في يديكَ
سوى أنْ يصيرَ
بأرضِ المحبةِ قلبي عَلَمْ
أميري ..أنا عروةٌ في قميصِ الحياةِ
تقيكَ الرياحَ
حنانُكَ زرّي ..
أصومُ أُصلّي و أدعو ,
و سجّادةُ البوحِ شِعري ..
و أرفعُ كفَّ القصائدِ نحو السماءِ
لأنَّ القصائدَ ما دنَّسَتْها الذنوبُ
بل الشِّعرُ طُهري
و ليلةَ سوف يضمُّ حنيني فضاؤكَ
ليلةُ قدْري
أنا لستُ إلا وداعاً مؤجّلْ
أنا لستُ إلا وميضَ الأملْ
شِفاهي عذارى
شفاهُكَ مسكونةٌ بالقُبَلْ
أنا قبلةٌ في شفاهِ الوسادهْ
سريري الوداعْ
و حلْمي الفَرَحْ
أنا دمعةٌ فجّرتْ شِعرَها كي
تنالَ الشهادهْ
هو الشِّعرُ عَرْشي
و شَعبي الحروفْ
أسنُّ بهِ ما يطيبُ لصمْتي
أغيِّرُ بالشِّعرِ أقسى الحروفْ
أدندنُ مِنْ حزنِ شِعري انتصاراً
أعمِّرُ مِنْ شوقِ شِعري وطنْ
تبسَّمْ ليصمدَ حزني
لعلّي أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ
أبي الشِّعرُ أمّي , و " ستّي " وجَدّي
وخالي و عمّي و أختي , أخي
صديقي الوفيْ
و شاربُ خمرَ القصائدِ يسكرُ
كيف أنا مَنْ تعتَّقَ فيّْ
هو الشِّعرُ عيني أراكَ بِهِ
و يحمي القصائدَ رمْشُ الغرامْ
سلاحي و ما مِنْ سلاحٍ
يناهضُ كالشِّعرِ حربَ السلامْ
و أُضحيتي بعد حجِّ القصائدْ
أوفّي بِهِ نذرَ حُلْمِ المنامْ
حِواري و صمتي و صوتي غنائي
و أحلى بحورِ القصائدِ بحرُ الهُيامْ
هو الشِّعرُ حُلْمي البسيطُ المعقّدْ
صلاةُ المسافرِ في أرضِ شِعرٍ مُخلَّدْ
صلاةُ "التّسابيحِ" في وَهْجِ عمري
صلاةُ " التهجّدْ "
و في الليلِ عوَّدتُ شِعري القيامْ
أعلِّمُ بالشِّعرِ كلَّ النساءِ المودّهْ
أُذكِّرُ كلَّ الرجالِ
بأنَّ النساءَ وراءَ الرجالِ العِظامْ
هو الشِّعرُ طفلي
لأجلكَ علَّمتُهُ كيفَ يمشي
لأجلكَ علَّمتُ طفلي الكلامْ
هو الشِّعرُ شَعري
فمشِّط بعينيكَ
شَعرَ حروفي
هو الشِّعرُ كفّي
إذا ما قَرَأْتَ القصائدَ
ردَّ السلامْ
خدودي
شفاهي ..
فهلاّ حكيتَ لهُ قُبلةً
كي ينامْ .




دندنات امرأة على قلادة الوطن

حينما تتفتح على قارعة الصمت أغنيات الوعد الإنساني تمطر غيوم الشعر أحلاماً وردية ترسم ذاكرة الوطن أفقاً نيراً يطاول كواكب الصمت في هذا الكون المتسع و الذي تحول فيه الشعر إلى نشيد حزين على قارعة الحزن الإنساني 0
( هو الشعر كفي ) مرثية تبحث عن الأمل في عالم شعري يضج بالأصوات الناجزة حينما تحول الشعراء إلى باعة جوالين على أرصفة الصمت العربي 0 و أنت حينما تريد أن تتحدث عن ذاكرة المرأة و الوطن من المفترض أن تستحضر عالم الحزن الذي ما زال يغلف الأصوات النسائية و يظلل آفاق الشعر العربي في زمن يخسر فيه الإنسان العربي الكثير من مقومات الشخصية العصرية 0
( هو الشعر كفي ) نص أبدي النشيج يتلون بألوان قوس قزح الحزين ولكنه يفتح أمام الوطن أفقاً واسع المدى ليرتسم علمه في أعلى الكواكب منزلة و أعظمها إكباراً و أكثرها مودة 0
فالوطن في نص الشاعرة جبينه مزرعة للكبرياء و غمازتاه هلالان أحلى من الصمت في حضرة الأتقياء وهذا يعني أن صورة الوطن المقدسة في ذاكرة الشاعرة ركن من أركان الحياة لا يمكن أن تقوم حياتها إلا به وهو يلتقي مع اثفيتين أخريين هما الذات و الشعر ليشكل أثافي ثلاث تقوم عليها ذاكرة الحزن عند الشاعرة وما لا يمكن أن يتخيله قارئ النص هو أولئك الذين يعكرون صفو لوحة الحب الوطنية التي خربش على أطرافها الكثير من الذين لم يصلوا إلى عمق الحب الصافي لهذا المعشوق الوطني و الذي توحد مع ذات الشاعر ليعكس لنا صورة حب من طرف واحد فشلت ذاكرة الشاعرة في أن تختزنه في لاوعيها 0
( هو الشعر كفي ) قراءة للكف التي هي تهويمة للوصول إلى محطة ترسو عليها سفينة الشاعرة و لكن قارئة الكف تؤوب بخفي حنين

جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
ذراعاكَ عذْرُ انتظاري
لأنَّ ذراعيكَ
حلْمُ طفولةِ عمْري اليتيمْ
و حضنُكَ أمٌّ تضمُّ
صغارَ العصافيرِ مذْ غادَروها و طاروا
كأنَّ التي أنجَبَتْهمْ عقيمْ

أليس من العبث أن يتحول هذا الحب إلى فقاعات هواء تسري في ذاكرة الكون و كأن الصراع الدرامي للنفس الإنسانية يعيد لذاكرة الشاعرة فجائع الإنسانية السابقة المتمثلة بسفينة نوح و بصبر أيوب على الرغم من أنها تحاول أن تقطف من بستان هذا الوطن وروداً تضفر بها شعرها لتبقى شامخة في دروب الحياة الموجعة 0 فأيوب و نوح يمثلان الصبر العريض الذي يتلقاه الإنسان أمام صدمات الحياة المتكررة التي تحول فيها الإنسان إلى جريدة تقرأ ثم تلقى على أرصفة الطرقات
و أقطفُ مِنْ خدِّكَ الوردَ حتى
أزيِّنَ شِعري
و أرفعَ فيما كتبتُ جبينَ أنيني
بصدرِكَ تطفو سفينةُ نوحٍ
و أيّوبُ أوْدَعَ صبراً مُعتّقْ
و قد قايضوكَ و قدّوا
قميصَ الأمانِ و ما أحرَقوكَ
و لكنْ تمنّوا
و ما مِنْ ضميرٍ تعلّقَ باللهِ يُحرقْ


و في زحمة الوجع الإنساني تعود الشاعرة إلى قراءة كفها المتمثل ( بالشعر ) الملاذ الوحيد الذي يحقق لها أمنياتها على هذه الأرض 000 نحن لا ننكر على الشاعرة هذا التعلق الوله بقميص الحياة المتمثل بالوطن على الرغم من شدة الرياح العاتية التي تحاول اقتلاع ذاتها من هذا الأفق الفسيح ونحن نعرف أن الشعراء يتعلقون بأوسمة الوطن لأن التراب يمثل لديهم المعاد الإنساني الحقيقي وهذا جزء من الذات الإنسانية التي لا تبرح أن ترتبط بذرات التراب

أميري ..أنا عروةٌ في قميصِ الحياةِ
تقيكَ الرياحَ
حنانُكَ زرّي ..
أصومُ أُصلّي و أدعو ,
و سجّادةُ البوحِ شِعري ..
و أرفعُ كفَّ القصائدِ نحو السماءِ
لأنَّ القصائدَ ما دنَّسَتْها الذنوبُ
بل الشِّعرُ طُهري
و في ذروة هذا الحزن تنبثق زنابق الأمل باحثة عن وعد إنساني يتمثل في عذرية الشفاه المسكونة بالقبل 000 فوميض هذه القبل يطبع على الوسادة أحلامها المؤجلة التي تنتظر عودتها مع طائر الفرح كي تزف للطامحين بعيون هذا الوطن بشرى الشهادة التي تجذر فينا معاني الطموح و الكبرياء :

أنا لستُ إلا وداعاً مؤجّلْ
أنا لستُ إلا وميضَ الأملْ
شِفاهي عذارى
شفاهُكَ مسكونةٌ بالقُبَلْ
أنا قبلةٌ في شفاهِ الوسادهْ
سريري الوداعْ
و حلْمي الفَرَحْ
أنا دمعةٌ فجّرتْ شِعرَها كي
تنالَ الشهادهْ
و الشاعرة في نصها مصرة على أن تتسلح بالأمل الواعد الذي يعيد لوطنها الحلم أفقه الانتصاري الذي يعلق على صدرها أوسمة من الفرح و العطاء فهي ما تزال مدندنة و مصرة في إيقاع نبضها الدافئ أن يتحول الحزن إلى فرح أبدي و إن كان بالشعر لا يستطيع الإنسان أن يكسر قيود الزمن :

أدندنُ مِنْ حزنِ شِعري انتصاراً
أعمِّرُ مِنْ شوقِ شِعري وطنْ
تبسَّمْ ليصمدَ حزني
لعلّي أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ

البناء الفني في نص (هو الشعر كفي )
------------------------------------
تكاد و أنت تقرأ في نص ( هو الشعر كفي ) الذي كتب على طريقة شعر التفعيلة أن تتلمس خطا الأصالة العربية في موسيقا الشعر الخليلي الذي ما تزال إيقاعاته تدندن في ذاكرة الشعراء جوقة موسيقية لا يبرح أعضائها أن يؤدوا ما عليها من أدوار فالبحر المتقارب يحمل على جناحيه خيال الشاعرة الواعد و المتمثل بخطوات واثقة من الوصول و إن كانت حزينة الوقع إذ أن تفعيلة
( فعول) التي تشكل الوحدة الموسيقية في النص تحمل في عمقها بحة حزينة صبغت كل كلمة من كلمات الشاعرة بحزنها الأبدي و التي إذا وصلت إلى اللام منها انطلق الوثوق بأفقه الواعد و لا أدل على ذلك إلا كلمات الشاعرة التي كللتها بقوافي مقيدة في كل مقطع شعري و أبرز ما يؤطر قيمة هذا النص الخيال الشعري الواعد الي يفتح لنا أفقاً من الفرح و لكنه مثقل بحزن عميق يأسر الشاعرة أحياناً و يتركها طليقة في أحيان أخرى غير متناسين أن الأدب النسائي ما زال في معظمه يدور في فلك الذات و إن كانت الشاعرة تحمل في نصها هم ذاتها و هم تراب وطنها حملاً ثقيلاً تدور فيه في مرابد الشاعر العربي

جبينُكَ مزرعةُ الكبرياءْ
و" غمَّازتاكَ " هلالانِ أحلى
مِنَ الصمْتِ في حَضْرةِ الأتقياءْ
و يمكن للمتلقي أن يسبح مع خيال الشاعرة حينما يتحول جبين الوطن إلى مزرعة من الكبرياء بينما غمازتاه تشفان عن ابتسامة هلالية تبعث الوقار في هذا الصمت المطبق ( صورة مركبة تحتاج إلى بحث أعمق ) كما و أن صوت المفردة التي يحملها هذا النص بقي مثقلا بالأمل و الحزن معا فكلمات مثل (وَطْأَ الأسى - صلاةَ حنانٍ - سجّادةُ البوحِ شِعري ..- أكسِّرُ بالشِّعرِ قيدَ الزمنْ )
تحمل في ذاكرتها الحالة الإحباطية التي يعيشها الإنسان في هذا الزمن المفؤود بقيمه و أخلاقه و إنسانيته و الشاعرة في كل ما سبق تحاول أن تنهض بذاتها الغائبة عن أنظار العابرين بسفنهم بحار الحياة فهي مثقلة بصور محبطة تذكر ما للأنوثة من قوة كامنة تدفع الرجال إلى قمة المجد و تذكر بأن وطنها المتخيل يحمل للعالم قوة كامنة تدفع الإنسانية إلى آفاق مشرقة كما كان في الماضي و إن كانت هناك بعض الزحافات الشعرية التي أثقلت متن بعض الأسطر الشعرية بحمل زائد كان بإمكان الشاعرة أن تتخلص منه لتجري سفينتها في بحر الشعر الواعد ( بضحكتِكَ النهرُ يروي الحروفَ ) كما و أن بعض الحروف التي تعلقت بالأسطر الشعرية أثقلت متن النص فالباء في قولها ( بقنديل ) جاءت سفاحاً شعرياً كان من الأولى للشاعرة أن لا تورده في هذا السطر الشعري وكم هو جميل لو أنها جعلت كلمة قنديل منصوبة لا مجرورة
(يضيءُ الكلامُ على شفتيكَ
بقنْديلِ شوقٍ )

و تبقى نوافذ الأمل مفتوحة في ذاكرة الشاعرة تجمح بها نحو أفق واسع لتؤكد على أن القصيدة الحقة تتحول إلى كائن إنساني يقرأ ذاته و يفتق كينونته على شفاه الزمن

هو الشِّعرُ شَعري
فمشِّط بعينيكَ
شَعرَ حروفي
هو الشِّعرُ كفّي
إذا ما قَرَأْتَ القصائدَ
ردَّ السلامْ
خدودي
شفاهي ..
فهلاّ حكيتَ لهُ قُبلةً
كي ينامْ .