عبد الرحيم عراقي ما زال في الذاكرة بقلم:تميم منصور
تاريخ النشر : 2010-03-20
اطلت في اليوم الحادي والعشرين من الشهر الحالي الذكرى الرابعة لرحيل المناضل عبد الرحيم عراقي ، احد رموز الحركة الوطنية الفلسطينية داخل الخط الأخضر وفوق كل بقعة من فلسطين .
لقد نذر هذا المناضل نفسه منذ مطلع حياته حتى وافاه الأجل ان يكون جندياً يقف في مقدمة خطوط المواجهة لمحاربة الظلم والفساد وادران العائلية ، كما تصدى للحكم العسكري الذي عمل على ترهيب المواطنين العرب ومصادرة حريتهم واستعبادهم داخل وطنهم .
اختار هذا المناضل اكثر الطرق وعورة لمقارعة سياسة اسرائيل العنصرية ، التي تمثلت بقوانين الطوارىء واحد اذرعها الحكم العسكري ، تحت غطاء هذه القوانين فرض حصاراً تجويعياً على الجماهير العربية في النقب والمثلث والجليل .
الطريقة التي اختارها كانت محاربة حالة الجهل الفكري والقومي وضياع الهوية الوطنية الفلسطينية ، وسد بعضاً من الفراغ السياسي الذي خلفته النكبة ، كان هدف عبد الرحيم عراقي عودة المواطنون العرب الى تاريخهم وعدم نسيان هويتهم القومية ، حتى لا يصبحوا كما ارادت لهم المؤسسة الأسرائيلية ( حطابين وسقاة ماء ) .
من اجل ايقاظ الذاكرة والعودة الى الروح الوطنية اسس هذا الرجل مدرسة وطنية لم يعهد شعبنا مثلها من قبل ، كانت مدرسة شاملة وجامعة تمثلت بأقامة شبكة النوادي الثقافية ، جمعت ما بين اليقظة الفكرية والقومية والرياضة والأنتماء والتعاون والمساواة وثقافة التطوع .
اقام هذه المدرسة رغم معرفته المسبقة بأن الحكم العسكري واعوانه خاصة في بلدته الطيرة سوف يتصدون لها ويحاولون اطفاء شعلتها الوطنية ، الا ان تصميم ادارة هذه المدرسة كانت الريح التي دفعت شراع انجازاتها ورفضت ان تكون الشراع الذي سيرته رياح عملاء الحكم العسكري .
من قلب هذه المدرسة الجامعة تخرجت اجيالاً تحمل رايات الوعي والأنتماء الوطني القومي الناصري، اكثر ما تميزت به هذه الأجيال الجديدة انها نجحت بضخ روحاً وطنية تعبوية في شرايين الآف المواطنين في الطيرة وخارجها ، تميزت هذه الأجيال بالعطاء والعمل من اجل الجميع ، لم تكن هناك اوسمة او مستحقات مالية من خلال العمل في هذه المدرسة .
لم يمض وقتاً طويلاً حتى اصبحت هذه المدرسة مركزاً واشعاعاً نضالياً وصلت حزمه الفكرية الى اكثر من قرية عربية واحدة من قرى المثلث ، كان عبد الرحيم عراقي بمثابة الطالب والمرشد وعامل النظافة والمدير في هذا الصرح الوطني ، عمل ما بوسعه لترسيخ الهوية الفلسطينية والمطالبة العلنية بحق العودة وغسل عار النكبة .
قبل ان يقوم الحكم العسكري بأغلاق هذا المجمع الوطني استطاع هذا المجمع توفير ما يكفي من بذور الأستمراية في النهج والطريق الذي قام بتعبيده عبد الرحيم عراقي .
كانت نكسة 1967 نقطة تحول ومفصلاً هاما في حياة هذا المناضل ، فقد قرر تغير طريقة واسلوب عمله الكفاحي مما ادخله السجن ، الا ان همته داخل الأسوار لم تفتر وبقيت ارادته حديدية ، آمن ان بأستطاعته خدمة ابناء شعبه وهو وراء القضبان ، وقد نجح في ذلك ولكن بأسلوب ونهج مختلف لأن جمهور هذه المدرسة تغير .
بعد قضاء ثمانية عشر عاماً بايامها ولياليها الحالكه داخل السجن ، فشلت خلالها السلطات بتحطيم معنوياته وارادته ، خرج سنة 1985 ضمن ما عرف بصفقة ( احمد جبريل) وهو اكثر عزيمة واصرار رغم الأنهاك والأمراض التي غزت جسده ، بعد ان اصبح طليقاً لم تتوقف عجلة مسيرته الوطنية فقد قدم ما بوسعه لدعم رفاقه السجناء من خلال جمعية انصار السجين حتى وافاه الأجل سنة 2006 .
لقد رأى بقضية شعبه عالمه الذاتي ايضاً فعزف عن الزواج لأنه رأى في كل فلسطيني ابنه .
من المحزن ان تمر ذكرى رحيله بصمت وهذا هو حال الآف الشهداء الفلسطينين ، وهذا يؤكد اننا شعب ذاكرته كالغربال يسقط منها كل شيء ، والشعوب التي لا تملك الذاكرة تبقى ضائعة .
وهنا لابد من التساؤل اين رفاق وتلاميذ عبد الرحيم عراقي من ذكرى رحيله في الطيرة وخارجها ومن داخل اسرة انصار السجين ، لا عتب على سلطاتنا وبلدياتنا لأنها لم ترتق حتى الآن الى مستوى تقدير قيمة هؤلاء الأشخاص ، والمحزن اكثر انها تقوم بتسمية شوارع ومؤسسات ومدارس بصورة عشوائية مثل ( شارع البصة وشارع التفاح وشارع قلقيلية وشارع الصومعة في الطيرة ) مع العلم انه يوجد عشرات المجاهدين من بلدة الطيرة كان لهم الفضل بمنع سقوط هذه البلدة بأيدى العصابات الصهيونية عام 48 ، ان من استشهد في المعارك ومن رحل بعدها هم اولى بنيل التكريم واطلاق اسمائهم على الشوارع والمؤسسات اسوة بالشعوب المتحضرة نذكر من هؤلاء المناضل محمد الشاويش –ابو نعيم – والمناضل خالد خاسكية – الفقاع – والشقيقيين عبد اللطيف ويوسف القدارة ونضم الى كوكبة هؤلاء الشهداء المناضل عبد الرحيم عراقي .
ملاحظة لا بد منها : تقوم الأحزاب السياسية العربية بتغيب ظاهرة ما يسمى ( النوادي الثقافية ) لأنها ترى في هذه النوادي ظلاً بمقدوره ان يخفي مسيراتها الباهتة الضعيفة ، كما ان هناك تجاهلاً حتى الآن من قبل العديد من المؤرخين داخل الخط الأخضر لأبراز الدور التاريخي لهذه النوادي وانها كانت وسيلة نضالية خاصة .