صقـور و 'فـراخ ' !!
وحكاية معبد موسى بن ميمون
بقلم : محمد السيسي -الاسبوع المصرية (مصطفى بكري )
كيف أصبح 'الكيان الصهيوني' هو المسئول عن ما يسمي زورًا بالآثار اليهودية في مصر؟!!.. ومن الذي منحهم هذا الحق؟!! .. ومنذ متي وهناك ما يمكن أن نسميه آثارًا يهودية في أي بقعة في العالم؟!!.
لقد تابعت علي مدي الأيام الماضية أخبار افتتاح معبد 'موسي بن ميمون' في حارة اليهود بالقاهرة بعد ترميمه.. وحقيقة لا أدري ما هي علاقة الكيان الصهيوني بمعبد موسي بن ميمون؟!!..
وهل نحن أمام مولد آخر ومسمار جحا جديد في القاهرة بعد البحيرة؟!.
تاريخ بن ميمون يا سادة أكبر من تاريخ دولة 'إسرائيل' المزعومة بسنوات وسنوات.. فموسي بن ميمون بن عبد الله القرطبي مولود في مارس 1135م، أي قبل ميلاد دولة إسرائيل المزعومة بــ 800 سنة علي الأقل.. ولد في الأندلس وعاش في المغرب ثم استقر به الحال في مصر ومات علي أرضها.. عمل طبيبا في بلاط السلطان صلاح الدين الأيوبي ويتردد بقوة أنه مات علي الإسلام. وبعيدًا عن ديانة موسي بن ميمون فقد عاش ومات في مصر، وقيام رئيسة الجالية 'كارمن واينشتاين' باستقدام شخصيات صهيونية للاحتفال بترميم المعبد يمثل في حقيقة الأمر واقعة سرقة علنية تمت في حراسة الشرطة ووسط كاميرات وسائل الإعلام المصرية والأجنبية.. ما حدث تزييف واضح للتاريخ.. وتعد صارخ علي السيادة المصرية وتأكيد لما يحاول الصهاينة تمريره دوما وهو مسئوليتهم عن يهود العالم!!.
أكذوبة حقيرة يجب أن نتصدي لها بقوة.. وتاريخنا مع هذا الكيان يثبت أن السكوت عن هذه الأمور بمنطق 'احتفالية وهاتعدي، كارثة.. فبهذا المنطق تحول المغربي المسلم محمد يوسف بن يعقوب الملقب بأبوحصيرة - الذي تقول الروايات إن نسبه ينتهي لطارق بن زياد - إلي الحاخام اليهودي أبوحصيرة، بل تعدي الأمر ذلك كله ليصبح ضريحه بالبحيرة مزارًا يهوديًـا يفد إليه اليهود كل عام يحتفلون ويرقصون ويرتكبون الموبقات.. فكلنا يعرف أن الصهاينة يكذبون الكذبة ويلحون في تأكيدها حتي يصدقها الجميع وتصبح أمرًا واقعا.
وبهذا المنطق أيضا سمحنا للمركز الأكاديمي الإسرائيلي - تبعيته للموساد - بالإنفاق والإشراف علي مكتبات المعابد اليهودية أو بالأحري المصرية.. ليعبثوا كيفما شاءوا بالمقتنيات المصرية من الكتب والمخطوطات.. يضيفون ويستبعدون ويصنفون ويزوّرون.. بما يخدم أغراضهم وأطماعهم ومزاعمهم.
راجع كتاب 'الآثار اليهودية في مصر' للكاتب الصهيوني 'يورام ميطال' الصادر عن معبد بن تسفي في القدس.. ترجمة الضوي يونس وعمرو زكريا الصادر عن 'دار الفكر الحديث'.
الكتاب يكشف عن مهزلة إشراف الصهاينة علي مكتبات المعابد اليهودية في مصر.. ويرصد بالتفصيل مجهودات الصهاينة في ذلك.. ففي حديثه عن مكتبة القرائين الملحقة بمعبد 'موشيه درعي' بالعباسية يقول المؤلف في صـ129: ' المبادرة في جمع المصادر القيمة في المكتبة القرائية وتصنيفها جاءت من جانب المركز الأكاديمي الإسرائيلي'.
وفي حديثه عن تراث يهود مصر الملحق بمعبد 'شاعار هشامايم' بشارع عدلي كتب يقول: لقد كانت بداية هذا المشروع من المركز الأكاديمي الإسرائيلي الذي بدأ عمله في نهاية 1982 وركز فيها مدير المركز حينذاك البروفوسير 'شمعون شامير' جهوده في تحديد المكتبات وجامعي الكتب اليهودية بالقاهرة.. وكانت هذه العملية وعملية الفهرسة معقدتين للغاية.. واستمرت هذه الجهود فترتي مديري المركز الآخرين 'جبرائيل فاربورج' و'أشر عوفاديا'.
كل المؤشرات تؤكد أن الأمور تسير باتجاه ما يريده الصهاينة حتي أن بعض البسطاء وغير البسطاء يتعاملون مع المعابد اليهودية باعتبارها معابد إسرائيلية!!.. وانظروا كيف فرح الناس بالتفجير الذي حدث مؤخرا بجوار المعبد اليهودي في شارع عدلي!.
كما لاحظت أيضا أثناء قراءة التغطيات المختلفة استخدام عبارات من عينة 'الآثار اليهودية'.. 'التراث اليهودي'.. وغيرها من الكلمات والعبارات التي تصاغ بدقة داخل الكيان الصهيوني وتتسرب عمدًا إلي مفرداتنا ونستخدمها في حواراتنا وكتاباتنا دون تدقيق.
اليهود أصحاب ديانة عاشوا علي أرض مصر.. أهلا وسهلا.. لكن التعامل معهم بوصفهم أصحاب حضارة مثل الحضارة الإسلامية والقبطية.. فلا أهلا ولا سهلا.. لأن في ذلك تزويرا واضحا للتاريخ.
ومن يري أن في ذلك تجنيا علي اليهود أو مبالغة سببها كراهيتنا ورفضنا لـ'إسرائيل' فعليه أن يجيب أولا عن عدة أسئلة: هل هناك في التاريخ سواء في مصر أو في العالم ما يمكن أن نسميه 'الحضارة اليهودية'؟!!.. ثم.. بالمعني الفني والتاريخي والثقافي ما هي الآثار اليهودية علي أرض مصر أو في أي دولة في العالم؟!!.. ابحثوا في كل دول العالم عن أثر يهودي ودلونا عليه.. ثم.. كم كان عدد اليهود في مصر حتي نهاية عصر إسماعيل؟!!.. وهل كانوا يمثلون نسبة كبيرة من الشعب المصري أم عاشوا علي الهامش كما كان الحال في كل دول العالم؟!!.
الإحصائيات تؤكد أن اليهود في مصر لم يزد عددهم علي سبعة آلاف شخص حتي نهاية عصر إسماعيل سنة1897 .. تمركزوا في القاهرة والإسكندرية.. وأقصي عدد لهم كان 63 ألف شخص قبل ثورة يوليو مباشرة عام 1952.. وبعد ذلك وصل عددهم إلي 200 شخص بأقصي تقدير.
والثابت أن اليهود لم يكن لهم أي تأثير، فالعبرانيون رحالة عاشوا علي هامش الدول والحضارات ولم يتركوا أي تراث أو آثار فالحضارة تعني دولة مستقلة ومستقرة ينتج عنها آثار لها معان إنسانية.
علميا وتاريخيا هناك حضارة قبطية استمرت حتي دخول الإسلام وكل ما تم إبداعه في هذه الفترة يعتبر تراثــًا قبطيـًا سواء شارك فيه مسيحيون أو يهود أو حتي كفار.. وهكذا الحال بعد دخول الإسلام فكل الآثار الموجودة بعد دخول الإسلام سواء شارك فيها يهود أو مسيحيون أو مسلمون تدخل في إطار الحضارة الإسلامية لأنها تتميز بالطراز الفني والمعماري الإسلامي ففي المعابد أو الكنائس أو المساجد مثلا كان التراث الإسلامي هو السائد وهذا واضح في النقوش والأحجبة الموجودة بالكنائس كالكنيسة المعلقة أو كنيسة 'أبو سيفين' أو كنيسة 'أبوسرجة'، حتي معبد 'بن عذرا' في حي مصر القديمة - مثلا - فهو يصنف أثرًا إسلاميا رغم أنه كنيسة في الأصل اشتراها اليهود وحولوها إلي معبد.. ومعظم المعابد اليهودية تصنف كآثار إسلامية أو قبطية.
لقد كان منتهي الطموح عند اليهود أن يجدوا لأنفسهم دورًا في الحضارة المصرية القديمة!!.. فقط كانوا يزعمون أنهم ساهموا في صياغتها كمواطنين مصريين!!.. أما الآن فنحن بصدد تشويه التاريخ واختلاق أنهم أصحاب حضارة نتج عنها آثار يهودية!!.
ولا يفوتني هنا توجيه التحية لرجال المجلس الأعلي للآثار الذين رفضوا التعامل مع المسألة بمنطق 'عديها الناس لبعضيها' فقد رفض الدكتور زاهي حواس من البداية دعوة مسئولين صهاينة لافتتاح المعبد، الأمر الذي دفع رئيسة الجالية لعمل افتتاح قبل الافتتاح الرسمي دعت فيه مسئولي الكيان الصهيوني وبعض الشخصيات اليهودية.
السؤال: كيف تسمح الدولة المصرية لهذه السيدة بدعوة الصهاينة لافتتاح المعبد؟!!.. أو بالأحري من المسئول عن انتهاك السيادة المصرية؟!!.
هند صبري و'الهباش'!!
كيف تتحول الصقور إلي دواجن؟!
علميـا قد تكون المسألة مستحيلة.. لكن علي أرض الواقع وفي معامل السلطة 'الفلسطينية' الأمر سهل للغاية!!.
إذا أردت أن تعرف كيف فعليك بمراجعة تصريحات محمود الهباش وزير الأوقاف 'الفلسطيني' الأخيرة قبل وأثناء وبعد مؤتمر المجلس الأعلي للشئون الإسلامية الذي أقامته وزارة الأوقاف بالقاهرة مؤخرًا.
لقد جاء 'الهباش' إلي القاهرة رافعا شعار 'طبعوا من أجل فلسطين'!!.. مستخدما عبارات الفنانة هند صبري التي رددتها بعد زيارتها للكيان الصهيوني: 'كل من يزور فلسطين يساهم في كسر الحصار المفروض عليها'.. متجاهلا نضال الحركة الوطنية العربية والضمير الوطني الرافض للتطبيع.. ورصيدا كبيرا من مواجهة التطبيع والمطبعين.
تحرك 'الهباش' في كل مكان من مشيخة الأزهر إلي دار الإفتاء إلي الفضائيات يطلق الصيحات ويوزع الدعوات ويصدر الفتاوي بوجه مكشوف: 'زيارة المسجد الأقصي أهم وأشد وجوبا من زيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي'.. وغيرها من الكلمات التي اعتدنا سماعها من علي سالم ورفاقه من المطبعين.
أعرف أن عملية تحول الصقور إلي دواجن تحبط البعض وتثير بعض الجدل لبعض الوقت لكن في النهاية سرعان ما تزول حالة الإحباط أمام تنامي حالة رفض هذا الكيان السرطاني لتنتهي هذه الدعوات في النهاية وتذهب إلي مكانها الطبيعي.. سلة المهملات.
فلم تمر سوي أيام قليلة علي الدعوة التي وجهها الوزير الفلسطيني الهباش لرموز وعلماء ومفكري الأمة العربية والإسلامية يحثهم فيها علي التطبيع حتي بدأ 'أسبوع مقاطعة الكيان الصهيوني' الذي ينظمه العديد من الجامعات في أربعين مدينة من مختلف دول العالم بهدف حشد الجميع باتجاه دعم مقاطعة 'إسرائيل' وقطع الاستثمارات عنها وفرض العقوبات عليها.
ألا تخجل السلطة الفلسطينية من هذه الأفعال التي تصب في النهاية في مصلحة الكيان الصهيوني؟!.. ألا يخجل مهندسو حملة التطبيع التي تقودها السلطة من أجل حث رموز وأبناء الأمة العربية والإسلامية علي زيارة فلسطين والأماكن المقدسة في الوقت الذي تتصاعد فيه حملات المقاطعة في مختلف دول العالم؟!!.
ألم يسمع هؤلاء عن الجامعات البريطانية التي تنظم عمليات المقاطعة لهذا الكيان منذ سنوات؟!!.
قداسة البابا
ألم يخجل الوفد الفلسطيني الذي جاء يدعو البابا شنوده لزيارة القدس من رد قداسته علي الدعوة وموقفه الوطني العظيم الرافض للتطبيع دون مناورات أو عبارات دبلوماسية.. من عينة أفكر أو ربنا يسهل؟!!.
ألم يتعلم هذا الوفد شيئا من تصريحات قداسة البابا؟!!.. لقد قال بحسم: لن أذهب إلي القدس إلا وهي محررة و لن أعطي جوازي للسفارة الإسرائيلية كي أحصل علي تأشيرة دخول لفلسطين، مؤكدًا أن دعم الشعب الفلسطيني لا يكون بالتطبيع.
أيها الصقور - سابقا - لقد تعلمنا منكم قبل أن تتحولوا إلي 'فراخ' في حظيرة التطبيع أن صراعنا مع العدو الصهيوني صراع وجود وليس صراع حدود.. وأن التطبيع خيانة وليس وجهة نظر.. وأن المقاطعة هي سلاحنا الوحيد.. وأننا لا نملك إلا هذا السلاح في ظل الخلل في موازين القوي.. فلماذا تحاولون الآن تجريدنا منه ولمصلحة من؟!!.
يوم الشهيد
ونحن نتحدث عن تحول الصقور إلي دواجن، علينا أن نتذكر بكل فخر الشهيد البطل عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة في ذكراه.. لقد قدم باستشهاده علي جبهة القتال وسط جنوده نموذجا يفضح كل المتخاذلين والمتهاونين في حق وطنهم.. نموذجا يكشف سماسرة الوطن والقضية.
كان عبد المنعم رياض يشرف بنفسه علي خطة تدمير خط بارليف، وفي يوم السبت 8 مارس 1969م كانت البداية عندما انطلقت نيران القوات المصرية لتدمر جزءًا كبيرًا من مواقع خط بارليف في أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك .1973
ليستشهد بعد ذلك في اليوم التالي ٩ مارس في معركة قادها بنفسه لمدة ساعة ونصف الساعة ليلقي ربه بعد 32 عاما قضاها في خدمة وطنه.
صقـور و 'فـراخ ' !! وحكاية معبد موسى بن ميمون بقلم : محمد السيسي
تاريخ النشر : 2010-03-14