رسالة الشاعر سميح محسن إلى تيسير نظمي
تاريخ النشر : 2010-03-12
قبل نحو ثلاث سنوات نشرت حركة إبداع هذه الرسالة بالحبر الأبيض وحتى تاريخه لم تنشر أي رد من تيسير نظمي على الرسالة التي كتبها الشاعر سميح محسن لصديق من أصدقائه لم يرحل بعد مع الراحلين في الشتات الفلسطيني وإليكم الرسالة:
--------------------
فلسفة الغياب
إلى تيسير نظمي
سميح محسن
5/4/2007
من مكان قصيّ، وإن كان يظن مَنْ يظن أنه يقع في قلب العالم، اتخذت قراري بالمجازفة والكتابة إليكَ بعد هذا الغيابِ الذي يدنو اليوم من الخمسة عشر عاماً. فبعد الرحيل من الكويت على جرعات، التقينا مرة واحدة في عمان، في حضرة صديقنا المشترك صلاح حزيّن، وفي بيته. وقضينا ما تبقى من تلك الليلة في مدينة الزرقاء، في مكان آخر وصف قد ينطبق عليه أنه مكان يصلح لنوم البشر. في الصباح تودعنا، ولا أدري إنْ كنا تواعدنا، واخلفتُ الموعد.
خلال تلك الأعوام الطويلة، التي انطفأت فيها زهرة العمر، كنت أتحسس أخبارك من المعارف والأصدقاء المشتركين. لقد زرت عمان، ماراً منها إلى عاصمة أخرى لأغراض العمل، أو ماكثاً فيها بعض الوقت، لأغراض العمل أيضاً، أو لزيارة خاطفة، إلا أنني لم أجرؤ يا صاحبي، ولو لثانية واحدة أن ألتقي بكَ لأغراض أحتفظ بها لنفسي.
لا أدري كيف استجمعت قواي، وأنا الذي يقترب من إنهاء عامه السادس عشر تحت الاحتلال، وأقل قليلاً منها تحت سلطة أزعم أنني تنبأت صورتها في أيار (مايو) عام 1994 في قصيدة احتوتها مجموعتي الشعرية الثانية (الممالك والمهالك) عندما قلت في مطلعها: {إلى أين تأخذنا سيد العرش؛ إلى البحر؛ أم إلى التيه من غير بوصلة، غابة؛ أم إلى دولة من غبار؟!}. أفترض أن تلك السنوات علمتني ثقافة الجرأة والمواجهة، إلا أنني لم أمتلك تلك الجرأة قبل هذا الوقت للكتابة إليك.

صدقني، أيها الصديق العزيز، أنني حاولت جاهداً أن أوقف الزمن، خلافاً لقوانينه، وأظل كما كنت تحب وصفي بأني (بريّ). ولا أدري إن كنتَ تذكر هذا الوصف، وتذكر ساعات التصعلك والخروج عن نص الحياة في الكويت، تلك الحياة التي كنا نحاول أن ننسجها خلافاً للعادة. أأقول لك أنني ما زلتُ متمرداً كالأمس، قد أكذب، إلا أن الشيء الذي أدعيه أنني ما زلت أحمل وجهة نظر نقدية، وأطرح وجهة النظر هذه إذا امتلكت الوسيلة.
بعد عودتي إلى الأراضي المحتلة كان قراري أن أعيش في القرية، لذا فأنا أمتلك فيها اليوم بيتاً أصفه بالفندق، لأن علاقتي بالقرية لم تعد علاقة ذلك (البريّ) الذي تعرفه. لقد عملت أولاً في جريدة (الطليعة) في مدينة القدس المحتلة، ثم عملت في منظمات حقوق الإنسان حتى أصبحت ناشطاً فيها، وفي بطن هذه الرحلة تراجع مشروعي الثقافي. بعد عودتي أصدرت مجموعتين شعريتين فقط (ليرتفع عدد مجموعاتي الشعرية إلى ثلاث) وأنا في الخمسين من العمر. وفي الدرج مجموعة رابعة تبحث عن ناشر، وقصيدة جديدة.

منذ عام وأنا أتابع مشاكساتك التي لا تنتهي. ولا أدري هل أحسدك على هذا الجَلَدِ أم أغبطك ؟!! ولكنك في الحالتين أنتَ أنتَ الذي تعرفت عليه في مكتبة صديقنا عبد الكريم لولو في النقرة. وكغيره من الأصدقاء لا أعرف مصيره، كما أنك قد تكون لا تعرف مصيري قبل الكتابة إليك.
إذا التقينا فيما تبقى لنا من قادم الأيام قد نتفق، وقد نختلف، وهذا أمر مشروع على الأقل من وجهة نظري على الأقل لأنني أؤمن بحق الاختلاف. لكن ما لن نختلف عليه ذلك التاريخ المشترك من المشاكسات، ومشاوير الصعلكة. فهل أنسى ذلك الفجر الذي قطعنا فيه حوالي أربعين كيلومتراً إلى منزل صديقنا الراحل فتحي ذيب سليمان عندما ع لمنا بأن لديه زجاجة ممنوعة؟!!
أعدك بأنني، وكما استجمعت قوايّ الآن وكتبت إليك، سوف أستجمعها في أول زيارة لي إلى عمان وألتقي بك، ومن الآن أقول لك بأنني سأشغلك بالماضي المشترك، وسأحاول تجنب سؤالك حول ماذا فعلت في الأعوام الخمسة عشرة الماضية، أو ماذا فعلت بك تلك السنوات