من كتاب اليهودية في العراء بين الوهم والحقيقة
بقلم الكاتب محسن الخزندار
أثر العصر الروماني 63ق. م. – 395 م على اليهود(الموسويون –العبريون)
في اللغة والثقافة والحضارة والتقاليد
الشرق في العصر الروماني 63 ق. م. – 395 م
أصل الرومان:
تعرضت شبه الجزيرة الايطالية الواقعة في وسط البحر الأبيض المتوسط في القرن السادس عشر قبل الميلاد لغزوات القبائل الإيطالية التي أغارت عليها من الشمال. والتي استقرت اخيراً في شبه الجزيرة التى دُعيت باسمها وكانت القبائل اللاتينية و هي قسم من القبائل الإيطالية المستقرة قد سكنت في الجزء الجنوبي من نهر " التَّيْبَر " و التي كانت تعيش على الزراعة و الرعي.وقد أسسوا في القرن الثامن قبل الميلاد, مدينة " روما " التي ينسب إليها الرومان. و كانت " روما " في أول أمرها مدينة صغيرة ثم عظمت شيئاً فشيئاً حتى اصبحت سيدة لجميع القبائل اللاتينية المجاورة.
أخذت روما في توسيع نطاقها وبسط سلطانها على ما جاورها من البلدان, حتى اذا أهَّل القرن الثالث قبل الميلاد كانت روما قد أصبحت سيدة ايطاليا. وبعد أن تمت لها هذه السيادة أرادت أن توسع ملكها الي ما وراء شبه الجزيرة فوجدت " قَرْطاَجنَّة " عقبة في سبيلها.
كان الفينيقيون قد أسسوا مدينة " قرطاجنة " في القرن التاسع قبل الميلاد, بالقرب من " تونس " الحالية. ثم أخذت في التقدم حتى أصبحت دولة عظيمة بثروتها و تجارتها و أسطولها ومستعمراتها الكثيرة في غربي البحر الأبيض المتوسط. فكان لابد من تشوب الحرب بين روما و قرطاجنة, لأن قرطاجنة كان لها السيادة على البحر الأبيض المتوسط, وكانت روما آخذة في توسيع نطاق تجارتها في ذلك البحر وترغب في الحصول على السيادة البحرية. وقد قامت الحرب بين الطرفين ودعيت باسم " الحرب البونية" ومعناها " الفينيقية" لأن القرطاجنيين فنيقيو الأصل.
اشتبكت روما مع قرطاجنة – التي كانت عاصمة العالم التجارية – في صراع امتد اكثر من مئة عام ( 264 – 146 ق. م. ) وقد خسرت قرطاجنة الحرب, ونتيجة لذلك أضاعت مستعمراتها وأملاكها واستقلالها. كما أُحرقت عاصمتها وهدم كل ما بقي شاخصاً بعد احتراقها. وبقيت خراباً إلى يومنا هذا. وقد قام القرطاجنيون في دفاعهم عن عاصمتهم بأكثر مما تستطيعه قوات البشر للذود عن أوطانهم.
وسرعان ما أخذ النفوذ الروماني بعد ذلك ينتشر في شمالي افريقية, وانتهى باستيلاء الرومان على بقية أقطار المغرب العربي.( )
أصاب الدولة السلوقية الضعف بسبب الحروب الخارجية والاضطرابات في المنطقة السورية الفلسطينية بسبب حرب المكابيين.
تطلع الرومان الى الشرق فاستولوا على الاقطار التى كان يحكمها خلفاء الإسكندر المكدوني, ففتحوا مكدونيا وبلاد اليونان و استولوا على قسم كبير من آسيا الصغرى وثم تقدموا الي سورية وتم لهم الاستيلاء عليها عام 63 ق.م. على يد القائد " بومبي – Bompey " دون عناء كبير يذكر. وكان ذلك نهاية الدولة السلوقية واعتبرت سورية الجغرافية ولاية رومانية عاصمتها " انطاكية " مركز حاكم عام الولاية.
وكان الحاكم العام, مطلق الصلاحية لمدة سنة واحدة يُدعى "بروقنصل" وفي عهد الإمبراطور "أوغسطس" أٌلغي هذا النظام و أضحى الحاكم العام يرجع في الأمور الهامة الي روما و يبقى في ولايته ما دام قادراً على القيام بمهام منصبه على أكمل وجه.( )
ترك الرومان حكام البلاد الوطنيين يدبرون شؤون مقاطعاتهم وكان فيهم زعماء من العرب يحكمون بعض المدن في شمالي سورية. وكان على جميع المسؤلين في المدن والمقاطعات أن يرجعوا الي الحاكم العام في أمورهم السياسية والقضائية و أن يدفعوا الضرائب المطلوبة وأن يقدموا الجند حين الحاجة.
وقد سمحت روما لجميع حكام المناطق وامرائها بسك النقود الفضية والنحاسية, على أن تضع صورة الإمبراطور على قطعها النقدية. واحتفظت لنفسها بحق ضرب النقود الذهبية.
ولما زحف " بومبي " على حنوب سورية كان جنوبها ينقسم الي ثلاث اقسام : قسم تحت نفوذ المكابيين (الحشمونيين) وآخر يحكمه الأنباط (هيرودوس وخلفائه), والثالث وكان يعرف بأسم " المدن اليونانية " وسنذكر نبذة عن هذه الاقسام الثلاثة ( )
المكابيون (الحشمونيين) والرومان
إن أول وال عين على سورية هو " اولوس غابينيوس – Oulus Gabinius 57 – 75 ق.م. " أحد قواد بومبي فاتح سورية, الذي أمر باعادة بناء عدد من المدن, كان المكابيون قد هدموها مثل " السامرة – سبسطية " وبَيْسان وغزة والطنطورا ؛ وبتجريد كاهن اليهود " هركانوس الثاني " من لقب الملك, كما فرض ضرائب ثقيلة على اليهود, وباعادة حرية المدن اليونانية التي كان المكابيون قد ضموها الي ممتلكاتهم. إلا انه سمح لليهود, كما سمح لغيرهم, بالاحتفاظ بشئ من الاستقلال الداخلي و ان يسيروا حسب شرائعهم وتقاليدهم في مقاطعة القدس.
ولما قام بعض المصريين بثورة ضد الأمبراطور " يوليوس قيصر " سار "انتيباتر – Antipater " مستشار هركانوس الثاني وسيد فلسطين الحقيقي في جيش قوامه ثلاث آلاف جندي مسلحين بالمعدات الثقيلة الى مصر لمساعدة الإمبراطور في حروبه في مصر, كما ساعده ايضاً عدد من مشايخ العرب في سيناء وجنوبي فلسطين بتأثير من " أنتيباتر " ؛ حتى قيل إن فوز " يوليوس قيصر " يومئذٍ يرجع الي " أنتيباتر " لذلك منحه حقوق المواطنة الرومانية. وأقامه نائباً عنه في فلسطين عام 48 ق.م. مع بقاء هركانوس رئيساً للكهنة ورئيساً لطائفته في الظاهر.
ابتدأ أنتيباتر يتصرف في البلد كما يشاء وأقام أولاده حكاماً عليها, فقد عين بكره "فصايل" والياً في القدس, و"هيرودوس" ابنه الآخر والياً على "الجليل" ولما قتل "يولوس قيصر " احتال بعضهم على أنتيباتر وقتلوه بايعاز من هركانوس.
وبعد مقتل يولوس قيصر اندلعت حرب أهلية بين القواد الرومانيين كانت نتيجتها ان اقتسم حكم الامبراطورية كل من " انطوني " و " اوكتافيوس".
فكانت سورية ومصر من نصيب " انطوني". إلا ان "الفريثيين" ملوك الفرس الارساكيون, اغتنموا فرصة الحرب الأهلية التي تلت مقتل يولوس قيصر واستولوا ( 40 – 38 ق.م. ) على بلاد الشام, بما فيها فلسطين. غير ان انطوني تمكن بعد مدة قصيرة من استعادة البلاد. وفي عام 37 ق. م. دخل مدينة القدس وعين "هيرودوس بن أنتيباتر " الآدومي ملكاً على اليهود, الذي تمكن نت الانتقام لأبيه والأخذ بثأره. فهذا العسقلاني – نسبه الي مسقط رأسه, وكانت امه عربية من أسرة كبيرة معروفة من الأنباط – قضى على مُلك المكابيين. وذلك بأنه حاصر, بطلب من الرومان, " أنتيغونس بن ارسطوبولس الثاني " – الذي كان قد ساعد الفرس على دخول فلسطين – آخر زعمائهم بالقدس وتغلب عليهم. ثم أُعدم سنة 37 ق. م. بناءً على أمر من " انطوني" وانقضى بموته ملك المكابيين بعد أن دام نحو 125 سنة, مارسوا في اثنائها استقلالاً ذاتياً كان تارة ضيقاً وتارة واسعاً تحت سيادة السلوقيين والرومان كما ادركوا استقلالاً كاملاً لمدة قصيرة في زمن السلوقيين.
ومما هو الجدير بالذكر ان الكثيرين من اليهود كانوا يكيدون للمكابيين عند السلطات السلوقية ثم الرومانية, كما كانوا يتعاونون معها ضدهم, فضلاً عما عرف عن ملوك المكابيين من فساد وحب للذات مما كان سبباً من الأسباب التي دعت لانهيار دولتهم.
روما تعين هيرودوس وخلفائه حكاماً 37 ق.م. – 100 م
انتقل الملك بعد المكابيين الى هيرودوس بن أنتيباتر الآدومي الذي أحبّه الرومان حبّاً جماً, لأنه ساعدهم على توطيد حكمهم في البلاد, واجتهد في نشر آدابهم وتقاليدهم ومدنيتهم. فرضي عنه الأمبراطور أوغسطس. حتى قبل إنه لم يفضل احداً عليه سوى وزيره الأول. فكان كلما أتى الي الشرق يقصده هيرودوس ليقدم له الهدايا والمعونة, فصارت له حظوة ومكانة عند الأمبراطور فولاّه عدة ولايات فضلاً عن فلسطين – باستثناء بعض المدن اليونانية في الساحل وفي شرقي الأردن – فكان حكمه يشمل البلد الواقعة بين الصحراء والبحر, من سفوح جبل الشيخ الي سيناء.( )
زيّن هيرودوس السامرة, مقره المحبب, ورتبها ترتيب مدينة رومانية وسمّاها " سَبَسْطية " إكراماً لأغسطس. لأن " سبسطية Sebastos " كلمة يونانية بمعنى أوغسطس اللاتينية أي " السعيد " أو " المقدس ".
وبنى هيرودوس أيضاً مدينة " قيصرية – قيسارية " نسبة الي القيصر أوغسطس عام 10 ق.م. أقامها على البقعة التي كانت مبنية عليها مدينة فنيقية صغيرة تعرف بأسم " برج استراتون – Turris Stratonis " و ستراتون تحريف للاسم الفينيقي عبد عشتروت. ويمكن ان يكون ستراتون – الذي سميت المدينة والبرج باسمه – هو ملك صيدا حين فتحها الإسكندر.
استغرق بناء " قيصرية " اثنتي عشر سنة. سحب إليها مياه الشرب من نهر الزرقاء الواقع في شمالها وزينها بالقصور والمسارح والهياكل والملاعب والتماثيل. ومنها تمثال أوغسطس قيصر كان من الفخامة بحيث تراه السفن وهي قادمة من بعيد. وبني هيرودوس لها سداً في البحر عرضه 200 قدم. فصارت ميناءاً حسناً, اتساعه مئتا قدم وعمقه في بعض الأماكن مئة وعشرون قدماً.
وأضحت ميناء فلسطين عامة وميناء سبسطية – الواقعة بعد نحو 40 كم للجنوب الشرقي من قيصرية – خاصة. مما كان له التأثير السيئ على يافا والقدس. كما كانت من اهم ماكز الاسطول الحربي الروماني في سوريا. فاتسعت وأمست من أعظم مدن فلسطين وقاعدة الرومانيين فيها. وقد بلغت مسحتها نحو 370 هكتاراً.
ولما تكاثر عدد المسيحيين في فلسطين أصبحت قيصرية, مركز الديانة المسيحية فيها, كما كانت غزة مركز الديانة الوثنية.( )
وبنى هيرودوس مدينة "أنتيباترس – Antipatris " , وهي خربة رأس العين اليوم حيث منابع نهر العوجا للشمال الشرقي من يافا – نسبة الي أبيه وبنى مدينة " فصايل – Phasaelus " نسبة الي اخيه وأعاد بناء قلعة "قرن صَرْطبَة" هما بالغور النابلسي، وزيّن أريحا – التى كانت تقع على بعد كيلومترين للجنوب من " تل السلطان " – بالمسارح والملاعب و القصور واكتشفت خرائب قصر هيرودوس الشتوي في أريحا عام 1950 – 1951 . كان هذا القصر أُعجوبة زمانه. وقد اظهر التنقيب أن مساحته كانت 284 × 152 قدماً, يضم 36 غرفة. وقد دهنت جدرانه ونقشت بالألوان البديعية وتوفرت فيه وسائل الترفيه كالحمّامات الفخمة المزودة بموارد المياه البارد والساخن وقد غُطيت أرضها بالبلاط الملوّن المنقوش برسوم رائعة. وقد وجدت في القصر جرار الخمور المستوردة من جزر البحر المتوسط ولم تمتد إليها الأيدي بعد. وفي جنوب أريحا بنى قلعة دعاها بأسم " قُبْرُص " نسبه الي أمه. وكانت هذه القلعة تقوم على البقعة المعروفة اليوم بأسم " تل العقبة ".
ولم ينس " هيرودوس " عسقلان مسقط رأسه. فبنى فيها رواقاً فخماً وساحات عامة "فورم " تزينها الأعمدة وغيرها. وبنى في القدس قصراً فخماً ومسرحاً ومدرجاً وميداناً لسباق الخيل. وكانت تقام مختلف الألعاب في الملعب الكبير الذي شيده هيرودوس خارج القدس على شكل الملاعب الرومانية. فكانت المدينة تغض باللاعبين والمصارعين والعربات وسائقيها أو جاريّها. وترصد الجوائر للفائزين. وكثيراً ما كانت مصارعة الناس للحيوانات الوحشية, أو مصارعة بعضهم بعضاً تقام في الملعب المذكور, كما كانت تقام في غيره من الملاعب.
ومما يذكر ان الرومان كانوا يدرّبون المصارعون على نوع من الصراع أُبيح فيه للواحد ان يقتل الآخر.
ويعتبر تجديد بناء هيكل القدس, الذي قامه هيرودوس إرضاءً لليهود أهم مشروعاته. وكان أضخم وأفضل من الذي بناه سيدنا سليمان بن سيدنا داود حتى شاع القوم " مَنْ لم ير هيكل هيرودوس لم ير شيئاً جميلاً في العالم " إلا أن اليهود رغماً عن كل ذلك كانوا يكرهونه لإزالته ملكهم ولخروجه عن ديانتهم ولحبه للمدينة الرومانية – اليونانية.
وفضلاً عما تقدم فإن هيرودوس شيد كثيراً من القصور والقلاع والأبراج وغيرها في مختلف أنحاء مملكته وفي مدن أخرى خارج حكمه. ومن الابنية التي شادها في فلسطين " حصن هيروديوم " وكان يقوم على التل المخروطي الشكل للجنوب الشرقي من بيت لحم. ويعرف اليوم بأسم جبل " الفريديس " و " جبل الإفرنج". يرتفع عن سطح البحر 758 متراً بينما يرتفع عن جوراه بنحو 100 متر. وذكر ان هيرودوس دفن في هذا الحصن.
وبنى قلعة " مَسّادا " الواقعة غربي البحر الميت وتعلو عنه 1705 أقدام. وكانت من اعمال الخليل تعرف باسم " خربة سَبَّة " و " مصعدة " ذكرتها الوقائع الفلسطينية بأنها حصن ومبان مهدمة ومعسكرات رومانية ومعدات حصار.
ويرجح أن السور الضخم الذي يحيط بالحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل هو من بقايا بناء هيرودوس.
وقد عاش في بلاط هيرودوس الكاتب " نيقولاوس الدمشقي " المؤرخ والفيلسوف. وُلد في دمشق عام 74 ق.م. وكان صديقاً لهيرودوس وله مؤلفات تاريخية ومقالات فلسفية كتبها باليونانية.
و في عام 22 ق.م. أُصيبت فلسطين بمجاعة شديدة وذلك لانقطاع الأمطار فمات بسببها كثيرون. وبذل هيرودوس جهده في العناية بالبائسين. فأشترى من ماله حنطة كثيرة من مصر ووزعها على الناس مجاناً.
تزوج هيرودوس بعشر نساء وكان له منهن عدة بنين. ومع انه اعتنق اليهودية – لأسباب سياسية – فقد كرهه اليهود مع كل اعماله وسخائه؛ و مع انه جدد لهم بناء معبدهم وخفف بؤسهم أيام القحط. كرهوه لأنه كان أجنبياً عنهم ومحباً لنشر الحضارة الرومانية واليونانية التي كانوا يكرهونها. وكان يشعر بهذا الكره فحقد عليهم وجفاهم.
وقد عرف هيرودوس بقسوته وقوة ارادته. وكان واسع الحيلة, غاية في الذكاء, حاد الذهن, عنيفاً صارماً وسحق بقسوة المعارضة لحكمه المطلق.
وقبل وفاته عام 4 ق.م. ذهب الي وادي " زرقاء معين" الذي يصب شرقي البحر الميت ليستشفي بمياهه المعدنية. ثم انتقل الي أريحا حيث توفي, بعد ان ملك ثلاثاً وثلاثين سنة وله من العمر سبعون عاماً. ولما ذاع خبر موته فرح اليهود بذلك فرحاً عضيماً. ولقب هيرودوس بالكبير لما قام به من الأعمال الضخمة. وفي آخر سنه من حكمه ولد سيدنا المسيح عليه السلام.
بعد موت هيرودوس الكبير:
أوصى هيرودوس قبل موته بتقسيم أملاكه بين أولاده الثلاثة: أرخلاوس و أنتيباس و فيلبُّس , وقد أقر الأمبراطور أوغسطس الوصية. ولكن لم يلقب خلفاء هيرودوس بملوك بل جعلهم ولاة.
خلف "أرْخِلاوُس – Archelaus " أباه على القدس والخليل وبلاد نابلس وآدوم. وكان مقر ولايته في أريحا التى جرَّ لسهولها الخصبة المياه للري, بواسطة قنوات, من التلال الغربية. وتنسب اليه مدينة "أرخيلايس" التي أقامها في الغور على البقعة التي تقوم عليها اليوم " عوجا التحتا ". ولكنه أساء السيرة بظلمه وجوره فضمت أملاكه الي روما رأساً. وعين الرومان عليها والياً يرجع رأساً الي حاكم سورية العام المقيم في أنطاكية, في كثير من اموره وبعد عزله نفاه أوغسطس الي فرنسا حيث توفي وكانت مدة حكمه عشرسنوات4 ق.م. – 6م.
ومن ولاة الرومان الذين تولوا هذا القسم من فلسطين – القدس – نابلس – آدوم – الخليل – بعد أرخيلاوس, "بيلاطس البنطي " الذي وقعت حوادث سيدنا عيسى عليه السلام في عهده. وكان " بيلاطس " هذا في بادىء امره موظفاً مالياً في فلسطين, ثم عهد اليه الامبراطور طيباريوس بإدارة جميع امورها. فلبث في عمله عشر سنوات كاملة : 26 – 36 م.
أما " هيرودوس أنتيباس " فقد حكم لمدة 42 سنة : 4 ق.م. – 39 م. وكان حكمه يشمل البلاد الواقعة بين النهر الليطاني وبحر الجليل وسهول عكا وصور في غربي الأردن ومقاطعة " بيريه – Perea " الممتدة بين " وادي اليابس" في الشمال و" نهر الموجب " في شرقي الأردن. وكان مثل أبيه راغباً في المجد ورعد العيش. أعاد بناء مدينة " سفوريس – صفورية " وأحاطها بسور. وأصبحت اهم حصن في مملكته. وفي عام 20 م. بنى مدينة طبرية اكراماً للأمبراطور طيباريوس – Tiberius ، ثم نقل اليها مركز حكومته وزينها بالبنايات العالية الضخمة وحصنها فجعلها احصن مدينة في الجليل. وكان أكثر سكانها من اليونانيين. ودعا بحيرتها بأسم " بحيرة طبرية".
و توجه " هيرودوس أنتيباس" الي روما لكي يطلب لنفسه لقب " ملك " غير ان "كاليغولا " الأمبراطور عزله ونفاه هو وهيروديا الي " ليون " في فرنسا وتوفيا فيها.( )
واما " هيرودوس فيلبس " فقد كان والياً على "الجولان" و "اللجاة ". حكم من 4 ق.م. الي 34 م. وهو الذي جدد ووسع مدينة " بانيون وسماها " قيصرية فيلبس " – تمييزاً لها عن " قيصرية " فلسطين الذي أقامها والده واتخذها مقراً له. كما اعاد بناء مدينة " بيت صيدا " وصيّرها مدينة يونانية سمّاها " جوليا – يولياس " اكراماً لابنه الأمبراطور أوغسطس. هذا وتمير " فيلبس " بالعدل والاعتدال.
ومن الذين حكموا من سلالة هيرودوس " أغريبا الأول 41 – 44 م" حفيد هيرودوس الكبير. تعلم في روما وتولى الحكم على بلاد القدس ونابلس وهو الذي خص بيروت بكثير من التحسين والتجميل. فقد بنى فيها ابنية عديدة منها قصور فخمة, أقامها في رمل الأوزاعي, وميداناً للألعاب وسرحاً للخيل في حي " ميناء الحصن " وحمامات و أبنية عامة ذات أروقه مسقوفة...
أنفق على جميع ذلك مبالغ طائلة بدون حساب. وبعد ان ملك برهة قصيرة توفي فجأة في قيسارية.
وكان آخر من تولى الأمر من الهرادسة " أغريبا الثاني بن أغريبا الأول " الذي بنى له قصراً لإقامته في بيروت ومسرحاً فخماً تقام فيه الحفلات التمثيلية كما زينها بمختلف التماثيل. وزاد أغريبا أيضاً في أبنية " قيصرية فيلبس – بانياس " وجملها وسمّاها " نيرونية " اجلالاً للإمبراطور نيرون.
واشتهر أغريبا هذا بطاعته وخضوعه التام للرومانيين. فساعدهم في جميع حروبهم التي نشبت بينهم وبين اليهود. وبعد أن طرد الرومان اليهود من القدس نوجه الي روما ومات فيها عام 100 م. فكان آخر الدولة الآدومية أو آخر دولة الهرادسة التي أسسها هيرودوس الكبير في جنوبي الشام. وضمت روما أملاك هذه الدولة إليها.
في عام 66م اندلعت حركة عصيان في فلسطين ضد الرومان 66-74م بدأت من عهد نيرون 54-68م فقام تيطس الذي هدم القدس والمعبد عام 70 م وقام ببناء إيليا كايتولينا وهي القدس الجديدة.
وقد أدى هذا إلى حركة عصيان كبيرة (132-135م) انتهى أمر هذه الحركة بحل السنهدريم (المجلس اليهودي الديني الأعلى)،والتوقف عن العبادة في القدس بسبب تدمير الهيكل.
وانتقل المركز الديني اليهودي إلى يبنا التي أصبحت مركزاً للدراسات التوراتية على اختلاف أنواعها وفيها تم جمع عناصر الشريعة اليهودية وتصنيفها والتي أصبحت تسمى المشنا.
احتل تراجان (98-117 م) البتراء وقضى على دولة الأنباط ،كذلك تم تدمير أديسا (الرها) 244م وتدمر 272 م .
أخرج اليهود من إيليا كايتولينا (القدس) وحظر عليهم الدخول و الإقامة فيها .
كانت عبادة (روما) عبادة الشمس التي نشأت في حمص سنة 218-222م وانتقلت إلى روما حيث اتخذت عبادة رسمية حرم سواها.
فرضت الدولة الرومانية على اليهود أن يتقبلوا الآلهة الرومانية.
المدن اليونانية:
انتشر اليونان في المدن الفلسطينية وخاصة في المدن التجارية الساحلية, وينحدر هؤلاء النازحون من المحاربين القدماء والتجار والصناع و أرباب الأعمال والمغامرين اليونانيين الذين أتوا طلباً للرزق أو لأسباب سياسية أو غيرها. وأشهر هذه المدن التي كانت تتكلم اليونانية واصطبغت بالصبغة اليونانية غزة " أنثيدون " وعسقلان و يافا وعَكُّو – عكا – ودور – الطنطورا – كما كان لهم جالية في القدس ومنطقتها وبعد تأسيس طبرية وقيصرية – قيسارية – كان اكثر سكانهم منهم.
وكان لكل مدينة أرض شاسعة يقيم بها السكان الأصليون الذين كانوا يعتمدون الي حد كبير على عمل أيديهم كمورد رزق لهم. الا انهم لم يشعروا بالحرية التي ينعم بها سكان المدينة. وعليهم أن يدينوا بالطاعة لهم.
وكان هناك عشر مدن متلاصقة الأملاك. فمنحت جميها وَحْدَة تجارية وثقافية ودفاعية تحمي تجارتها وتدرأ عنها خطر غارات البدو وغيرهم. وقد سميت هذه المجموعة بمدن الاتحاد اليوناني " الديكابوليس " أي المدن العشر. لأن عدد المدن كان عشر او ما يقرب من ذلك. وقد انضمت إليها مدن اخرى فيما بعد. وكان هذا الاتحاد يتألف من المدن الآتية : " بيسان –" حَرش –, " وفِحْل –و " أم قيس و" عَمّان و " قناثا – قنوات في جبل العرب من أعمال سورية، و " قلعة الحصن وتقابل مقابل طربية في الجانب الشرقي من البحيرة، " وديون و إديون " و " دمشق " و " رافانا –الرافة " في حوران. ثم انضمت إليه مدن أُخرى مثل " بُصرى " و " درعا " و " كابيتولياس – بيت راس " وغيرها. وكانت عَمّان اقصى هذه المدن جنوباً ، وتقع على الطريق التجاري الوقع بين دمشق والجزيرة العربية وكانت هناك طريق تجارية أخرى من عَمّان الي بيسان نارة بجرش وفِحل. ويرجح ان بيسان لوقوعها على الطريق بين فلسطين وشمال الأردن والصحراء كانت قصبة هذه المدن المنحالفة مع أنها هي المدينة الوحيدة بين الديكابوليس، التي تقع غربي الأردن.( )
وقد كانت كل مدينة من مدن الديكابوليس مركزاً للإقليم زراعي متسع، وكان سكانها من ملاك الأراضي وقام أكثرها مكان قرى قديمة كان يقطن بها السكان الأصليون وأكثرهم من العرب.
ولما أصبحت هذه المدن مراكز تجارية رائجة، ازداد ثراؤها ورخاؤها وأضحت مبانيها الجديدة تنافس أحسن ما شيد في المدن التي أسسها الهرادسة في فلسطين.
منح " بومبي " المدن اليونانية، في مختلف الأنحاء السورية، استقلالها الذاتي الذي كانت تتمتع بع من قبل في تصريف شئونها الداخلية، فأحتفظت بقوانينها وحكامها الذين كان يتبعهم الموظفون ومجلس الشورى. وتركت مقاليد الحكم في أيدي أكثر المواطنين الأحرار ثراء .
وأهتمت روما بإدخال العنصر الروماني واللغة اللاتينية – لغة الرومانيين القدماء – ونفوذها وعاداتها وآدابها للبلاد، وقد اتخذت بعض المدن اليونانية، والمدن التي انشأها ولاتها أو جددوا بناءها لهذا الغرض فضلاً عن مركزها العسكرية الكبيرة.
وجميع المدن التي مر ذكرها وان كانت مستقلة استقلالاً داخلياً إلا أنها كانت خاضعة لسلطات الرومان في المسائل الخارجية والقضائية. وعليها أن تدفع الضرائب المطلوبة للإمبراطورية وأن تقدم لها جنوداً عند الحاجة.
الحركة اليهودية وتدمير الهيكل وأورشليم
وكان معظم اليهود في العهد الروماني يمارسون سياسة الابتعاد عن الحضارة الرومانية متمسكين بديانتهم وخصائص حياتهم وتقاليدهم .وبالرغم من التسامح الذي أظهره حكام الرومان نحو اليهود من بقاء أحكامهم الدينية في يد مجامعهم ومحاكمهم وإعفائهم من الخدمة في الجيش ومن عبادة الأمبراطور التي كانت الدين الرسمي للإمبراطورية كلها وغيرها ،أخذ اليهود يبثون بغض الحكم الروماني لأولادهم منذ الصغر،لما كان يلقيه عليهم رجال الدين والزعماء على مسامعهم في المجالس من الأقوال للقيام بوجه الرومان. وكان تيّار العدوان للرومان يخف ويقوى حيناً بعد آخر حسب مقتضى الأحوال.ولما ازداد اليهود في إظهار بغضهم وعدائهم اضطر الولاة الذين تولوا أمر اليهود أن يعاملوهم بالقسوة فازدادت الحالة سوءاً ،وانتهز اليهود فرصة عدم وجود حامية رومانية كافية في البلاد فأعلنوا ثورتهم وقامت حروبهم مع الرومان التي ابتدأت في 8 تشرين الثاني من عام 66 م. وانتهت في 8أيلول من عام 70 م. وباشر الثوار مهاجمة حاميات الرومان ففتكوا بالكثير منها ،ولما علم الرومان بذلك سارت جيوشهم إلى فلسطين،فساعدهم اليونان والسوريون من أهل البلاد وفتكوا بالجماعات اليهودية وقتلوا جميع من وقع بيدهم،حتى قيل أن أهل "قيصرية-قيسارية" ذبحوا نحو عشرين ألفاً من اليهود ، والبَيْسَانيين فتكوا بنحو ثلاثة عشر ألفاً كما قتل أهل عكا وعسقلان نحو أربعة آلاف نفس ،إلاّ أن اليهود تمكنوا في أماكن كثيرة من تعقب الجند الروماني والايقاع به،فذبحوا عدداً عظيماً منه ولما بلغ "نيرون 54-68 ب.م." القيصر الروماني المشهور أن اليهود قتلوا عدداً كبيراً من جنوده غضب وجعل يفكر في أخذ الثأر منهم وكبح جماحهم وإخضاعهم لسلطانه فانتخب لذلك أشهر قوداه "فلافيوس فاسبسياثوس" وهو رجل تمرس بالمعارك وقاسى أهوالها فجاء ومعه جنده إلى فلسطين عام 67 م. من الشمال وتبعه بعدئذٍ ابنه "طيطوس –Titus "مع جيوشه من مصر .ولحقت بهم جنود كثيرة من لشام وبلاد العرب،وكانت الجيوش العربية بقيادة ملك الأنباط "مالك الثاني" .ولما رأى اليهود استعداد الرومانيين الهائل شرعوا يُعدّون وسائل الدفاع.
كانت خطة "فاسبسيانوس" أن يحتل جميع البلاد أولاً ثم يحاصر القدس نفسها ،ولما تم له إخضاع شمالي فلسطين وكان قد اتخذ "عكا-بطولمايس" مقراً لعملياته الحربية في الجليل نزل قيصرية مركز ولاة الرومان وأكبر ثغر فلسطيني في ذلك العصر واتخذها مقراً لقيادته ،ثم اتجه نحو الساحل فاحتله وفي السنة التالية 68 م. تمكن من احتلال الغور وبلاد نابلس وجنوبي فلسطين،وفيما كان فاسبسيانوس قادماً إلى القدس لحصارها استُدعي لتولي الملك في روما بعد أن نصبه جنوده إمبراطوراً في قيسارية عام 69 م. على أثر وفاة نيرون فسار إلى روما وفوّض أمر الحرب لإبنه طيطوس.( )
تقدم طيطوس إلى القدس ومعه الفرق العربية والسورية (الآرامية) التي تشد أزره وعسكر في "تل الفول" على بعد ستة كيلومترات شمالي القدس، ويعلو عن جبل الزيتون بمئتي قدم، وبعد حصار شديد تمكن الرومان منن دخول المدينة المقدسة من الشمال حيث يقوم اليوم "باب الساهرة" وكان ذلك في آب من عام 70 م. فأعمل الفاتحون في القدس نهباً وحرقاً وقتلاً وأحرق المعبد الذي بناه هيرودوس، وقد بيع كثيراً من أهلها عبيداً وأصبحت المدينة قاعاً صفصفاً.
ومن أهم الأسباب التي دعت لتغلب الرومان وحلفائهم على اليهود الانقسامات الداخلية والتحزبات الدينية والمنازعات التي كانت بين اليهود أنفسهم.
في عهد "تراجان 98-117م." ثار اليهود في الولايات الرومانية (ميسوبوتاميا، قبرص، بَرقَة وفلسطين) التي كانوا يقطنونها، إلاّ أن تراجان كاد أن يقضي عليهم في الأقطار الأربعة الأولى قضاءً تاماً، وقد ساعده في حروبه سكان البلاد، وذلك لأن اليهود لم يقتصروا في عدائهم على الرومان بل تعداهم إلى السكان وأبدوا نحوهم من القسوة والهمجية ما يكاد أن لا يصدق. ( )
وقد عاجلت المنية تراجان قبل أن يتغلب على اليهود في فلسطين، فكان ذلك من حظ خليفته "هدريان 117-138" .
نهاية اليهود وتشتيتهم في العالم
قاد اليهود زعيم اسمه"سمعان" المدعو أيضاً "بركوكب" الذي توفرت فيه صفات اللص والقاتل ،وادعى أنه "مَسِيّا-المسيح المنتظر" وأخيراً انتهت الثورة عام 135 م.بعد أن نكل هدريان بالثائرين أشد تنكيل ثم منعهم من دخول القدس والسكن فيها والدنو منها ،وقد رُخص للمسيحيين أن يقيموا بها على ألاّ يكونوا من أصل يهودي .وسمى المدينة "إيليا كابيتولينا-Aelia-Capitolina" وهو الاسم الذي عرفه المسلمون عند الفتح وشدد هدريان على اليهود في جميع أنحاء فلسطين،وقتل منهم خلقاً عظيماً فأصابهم من معاملته أكثر مما أصابهم من طيطوس وبختنصر .وقد أخذ الرومان منهم كثيرين من الأسرى ثم باعوهم بأبخس الأثمان ،وهكذا انتهت صلة اليهود بفلسطين ولم يعد لها وجود طوال السنوات الألف والثمانمائة التي تلت ،ثم أمر هدريان ببناء هيكل لكوكب المشتري على أنقاض هيكل هيرودوس ،ونصب تمثاله بالقرب من الصخرة.وبعد هذه الحروب لم تقم لليهود قائمة فإنهم تشتتوا في أقطار العالم المعزوف في أوروبا وآسيا وأفريقيا بعد تاريخ مملوء بالانحرافات الدينية والأخلاقية والاجتماعية وبما اقترفوه من آثام ونقضوه من مباديء ووصايا التي ندد بها أنبياؤهم قادتهم وصبوا بسببها على قومهم اللعنات.
وقد وصف اليهود كثير من أنبيائهم بأنهم أبناء الأفاعي وقتلة الأنبياء ،وقد تكرر وصفهم بذلك في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم.
إن الدولة اليهودية التي كانت أحسن حالاً من ناحية الصلاح والدين من أختها الإسرائيلية قد بلغ فيها الانحراف مبلغاً عظيماً في معظم أدوارها وكان الهيكل والمعابد في مختلف أنحاء البلاد مملوءة بالرجاسات ومسرحاً لإقامة الطقوس الدينية (حتى أن جميع رؤساء الكهنة والشعب أكثروا الخيانة حسب كل رجاسات الأمم ونجسوا بيت الرب الذي قدسه في أورشليم فأرسل الرب إله آبائهم إليهم عن يد رسله مبكراً مرسلاً لأنه شفق على شبه وعلى مسكنه فكانوا يهزئون برسل الله ورذلوا كلامه وتهاونوا بأنبيائه ) ( ).
وكان المسيح عليه السلام لايأمن اليهود على نفسه.( ) .
ومما قاله عنهم :"إن الخلاص هو من اليهود" ( ) .
(وتقولون لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء،فأنتم تشهدون على ألأنفسكم أنكم قتلة الأنبياء فاملئوا أنتم مكيال آبائكم .أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم) ( ) .
وهاجم السيد المسيح كهنتهم لأنهم استغلوا عباد الله تجارياً وجعلوا من الهيكل مغارة للصوص،فالصرافون الذين كانوا يجلسون إلى موائدهم في الهيكل نفسه كانوا يتخذون صفة السماسرة للكهنة الكبار ويبتزون الأموال دونما رحمة أو شفقة من الزائرين والمصلين والحجاج.
ومن تفريطهم في تهالكهم على المادة وحب المال أنهم كانوا يحرضون الفقراء والمحتاجين على النذر للهيكل ليستولوا على ذلك المال ،في حين أن الناذرين في أشد الحاجة إلى ما يصرفونه على أنفسهم وعيالهم وآبائهم وأمهاتهم .
وها ما قاله "برنابا في الفصل الثاني والثلاثين: (.....أجاب يسوع ....تقولون لأولاد الآباء الفقراء "قدموا وانذروا نذوراً للهيكل" وهم إنما يجعلون نذوراً من النذر الذي يجب أن يعولوا به آبائهم وإذا أحب آباؤهم أن يأخذوا نقوداً يصرخ الأبناء إن هذه النقود نذر لله.فيصيب الآباء بذلك ضيق .أيها الكتبة الكذابون المراءون ! إنكم تفعلون ذلك لتملئوا كيسكم ...)
وقال تعالى:" ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل، وآتينا عيسى بن مريم البينات، وأيدناه بروح القدس، أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم، ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون، وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم، فقليلاً ما يؤمنون".( )
قال مؤلفو قصص القرآن: ( وكان من حقهم أن يعتبروا بما كان، أي بما عمله فيهم بختنصر وغيره وأن يقابلوا النعمة بالشكران، لكن أنى للنفوس التي طُبعت على الشر أن تستروح الخير وتميل إلى الصلاح، وأنى لسائل القوم الذين تمالئوا على سيدنا يوسف وآذوا سيدنا موسى من بعده أن تأنس نفوسهم إلى الاطمئنان أو تنسى العدوان،فإنهم ما عتموا أن رجعوا أدراجهم إلى الشر وأخذوا يخبطون في حبال الظلم والبغي حتى إذا قام فيهم سيدنا زكريا و سيدنا يحيى نبيين رحيمين، رسولين كريمين سفكوا دمهما !كأن بنفوسهم عطشاً إلى الدماء، وكأن وتراً بينهم وبين الأنبياء وعادوا إلى الشر والعدوان وعاد الله بهم إلى المكر والانتقام وسلط عليهم بختنصر، وأعاد الكرة عليهم من ذهاب ملكهم وتخريب معابدهم.وهكذا مزقوا كل ممزق وتفرقوا تحت كل كوكب، وضرب الله عليهم أبد الدهر الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
قال كلرمون : (لما دخل المسلمون أرض اليهودية لم يجدوا يهوداً لأن حروب فاسبسيانوس وطيطوس وتراجان وهدريان واضطهادات ملوك النصرانية لم تترك حجراً على حجر من اليهودية السياسية والوثنية بل أمعنوا في القضاء عليها ففقدت فلسطين جميع التقاليد اليهودية ،وجميع اليهود الذين تراهم بلا استثناء هم من الدخلاء على فلسطين مؤخراً نزلوا بعد أن بادوا منها مدة خمسة عشر قرناً ) ( )
( )
ظهور المسيحية وصراعها مع اليهود والرومان
وُلد سيدنا المسيح عليه السلام أيام أوغسطوس قيصر (27 ق.م.-14 ب.م.) وذلك بعد دخول الرومان فلسطين بنحو ستين سنة، وذلك في بلدة بيت لحم التي كانت مسقط رأس أجداده بالنسبة لأمه التي اصطفاها الله وطهّرها على نساء العالمين من سلالة النبي داود.ولكنه تربى عليه السلام ونشأ في الناصرة وكان أكثر تلاميذه من الجليل، ولما بلغ الثلاثين من عمره أخذ يتجول في فلسطين مُبشّراً بوحدانية الله ورأفته وحبه للبشر، وبخلود النفس والثواب والعقاب. وهو آخر أنبياء الله ورسله من بني إسرائيل، وقد ذكره القرآن في ثلاث عشرة سورة وثلاثين آية منه.
من أهم تعاليمه ما جاء في عظته الشهيرة على الجبل وهي مذكورة في إنجيل "متَّى" من الإصحاح الخامس إلى نهاية الإصحاح السابع، وننقل أدناه بعض هذه العظة:
(سمعتم أنه قيل عين بعين، سن بسن، وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر.بل من لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضاً، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً، ومن سخّرك ميلاً فاذهب معه اثنين، من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منه فلا ترده.
سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم:أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.
احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قُدّام الناس لكي ينظروا إليكم فمتى صنعت صدقة فلا تُصوّت قدامك بالبوق كما يفعل المراءون في المجامع وفي الأزقة لكي يُمجّدوا من الناس.الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أُجورهم، وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء.
لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يُفسد السوس والصدأ ،وحيث ينقب السارقون ويسرقون، بل اكتنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يُفسد سوس لا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.
ولا يقدر أحد أن يخدم سيدين لأنه إما أن يبغض الواحد ويُحب الآخر أو ليلازم الواحد ويحتقر الآخر ،ولا تقدرون أن تخدموا الله والمال.
لا تدينوا لكي لا تدانوا لأنكم بالدينونة التي تُدينون تُدانون ،وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك ،وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها .أم كيف تقول لأخيك :دعني أُخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك.يا مرائي! أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذٍ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك.
احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ،ولكنهم من داخل ذئاب خاطئة ،من ثمارهم تعرفونهم،هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً .هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة.وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثماراً رديئة .لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثماراً رديئة،ولا شجرة رديئة أن تصنع أثماراً جيدة .كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار ،فإذاً من ثمارهم تعرفونهم.) ( )
وقد شعر عبدة الأصنام واليهود في سورية وفلسطين بما سيلحق دينهم من الفشل عاجلاً أو آجلاً من جرّاء مناهضة الديانة الجديدة لهم،فأخذوا يدافعون عن دينهم وتوسيع نطاق عبادته ،ولكن دعاة النصرانية لم يعبأوا بذلك بل ازدادوا نشاطاً في نشر دينهم ولم يرهبهم مناهضة الوثنيين واليهود لهم وارهابهم بأنواع العذاب وصنوف الموت ،فمات كثيرون منهم شهداء.
وكما كانت فلسطين مقر النبتة الأولى للديانة المسيحية فمنها أيضاً خرج الحواريون يبشرون برسالة عيسى عليه السلام في أنحاء العالم .
وأخذت النصرانية بالانتشار في سوريا وآسيا الصغرى واليونان ومصر وغيرها من الأقطار. وقد كانت فلسطين بطيئة في قبول النصرانية إذا قوبلت بغيرها من بلاد الإمبراطورية الرومانية ،ولعل السبب راجع إلى مقاومة اليهود لها وتعصب السكان للوثنية.
إن انتشار النصرانية في فلسطين كان في ضواحي المدن والقرى أكثر منه في نفس المدن.
والحواريون هم تلاميذ المسيح الذين تركوا أعمالهم العادية ليشدوا أزره فاحتملوا شظف العيش وحالوا بينه وبين أعين الرقباء الذين يتبعون ظله أينما سار ويطاردونه حيثما حلّ واستماتوا في سبيل نصرته،وكانوا اثني عشر رجلاً.
وهم الذين ذكرهم الله عز وجل بقوله :" فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله،قال الحواريون،نحن أنصار الله، آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون .ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول ،فاكتبنا مع الشاهدين" . ( )
ومن الأمور الغامضة اختياره عليه السلام ل"يهوذا الأسخَرْيوطي "أو القريوتي نسبة إلى بلدة "قريوت" إحدى قرى نابلس اليوم الذي خانه في نهاية الأمر فعرّف أعدائه بمكانه وباعه لهم بثلاثين من الفضة ،ولكن الله جلّت قدرته أخفاه عن أعين الناظرين ورفعه إليه.
و من هؤلاء الحواريين: بطرس – أندراوس- يوحنا- يعقوب- متّى
وأشهر حواري المسيح "بولس" بمعنى صغير ولد في "طرسوس" من أعمال "كيليكيا" في المجهورية التركية،وروى بعضهم أن أصل أهله من قرية "الجِش" في الجليل من أعمال صفد وهو يهودي اسمه العبراني "شاول" . والروماني "بولس" تعلم في القدس، عُرف بنباهته وذكائه وفطنته وكان عالماً باليونانية والفلسفة اليونانية ،آمن بالسيد المسيح نشر تعاليمه في مختلف الأقطار ،والأرجح أنه استشهد في روما في عهد نيرون الإمبراطور الروماني المعروف بظلمه حوالي عام 67 أو 68 م.
وذكر بولس في بعض رسائله ما كان عليه اليهود من تدهور وإنحرافات في أخلاقهم ودينهم وهاك نبذاً منها (إنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه ولم يشكروه بل سفهوا في أفكارهم وأظلمت قلوبهم الغبية وقد زعموا أنهم حكماء فصاروا حمقى،واستبدلوا مجد الله الذي لا يدركه الفساد يشبه صورة إنسان ذي فساد وطيور ذوات أربع وزحافات فلذلك أسلم الله في شهوات قلوبهم إلى النجاسة لتضحية أجسادهم في ذواتهم الذين أبدلوا حق الله بالباطل،واتقوا المخلوق وعبدوه دون الخالق ،لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الفضيحة فغير إناثهم استعمالهن الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة وكذلك الذكران أيضاً تركوا استعمال الأنثى الطبيعي والتهبوا بعشق بعضهم بعضاً ،ففعل الذكران بالذكران الفحشاء ونالوا بأنفسهم الجزاء اللائق بضلالهم .وبما أنهم لم يؤثروا أن يستمروا على معرفة الله أسلمهم الله إلى رأي مرذول حتى يعملوا بما لا يليق ممتلئين من كل إثم وشر وزنا وبخل وخبث مفعمين حسداً وقتلاً وخصاماً ومكراً وإساءةً نمامين مغتابين ممقوتين من الله شتامين متكبرين مفتخرين مخترعين شروراً عاقين للوالدين لا فهم لهم ولا نظام ولا ودّ ولا عهد ولا رحمة).( )
وقال أيضاً عن اليهود:"ضلوا كلهم فرذلوا وليس أحد منهم يحمل الصلاح.حناجرهم قبور مفتحة وقد غشوا بألسنتهم وسُمُّ الإضلال تحت شفاههم .وأفواههم مملوءة لعنة ومرارة وأرجلهم سارعة إلى سفك الدماء .وفي مسالكهم خصم ومشقة ولم يعرفوا سبيل السلام وليست مخافة الله أما أعينهم .أم الله لليهود فقط؟ أليس هو للأمم أيضاً .بل للأمم أيضاً ).( )
وجاء في الرسالة الأولى من بولس إلى أهل (تسالونيكي) من أعمال اليونان (فإنكم أيها الإخوة إقتديتم بكنائس الله في اليهودية إذ قد أصابكم من أمتكم ما أصابهم من اليهود الذين قتلوا الرب يسوع والأنبياء واضطهدونا وهم يرضون الله ويقاومون جميع الناس ويمنعونا أن نلم الأمم لخلاصها حتى يستتموا خطاياهم كل حين ،فإن غضب الله قد حلّ عليهم إلى النهاية ).( )
وقد شيّد في روما في مكان استشهاد كل منه بولس وبطرس ،كنيستان كبيرتان :إحداهما كنيسة القديس بطرس وأخرى كنيسة القديس بولس والي هاتين الكنيستين اللتين تضمان رفات الشهيدين يأتي آلاف المسيحيين للزيارة والتبرك .
اضطهد اليهود المسيحيين في القدس ،وكذلك امتنع المسيحيون عن عبادة الإمبراطور وتقديم القرابين وأُعتبروا خارجين عن القانون وحق عليهم عقاب الإمبراطور ،
اضطهد الرومان المسيحيين اضطهادات شديدة وكان أشد اضطهاد للمسيحيين في عهد الامبراطور ديليوقليتان الذي أمر بأن تهدم كنائس المسيحيين وتمزيق كتبهم وطرد الموظفون المسيحيين من الخدمة وبيعهم عبيد .
إلى أن كان عهد الإمبراطور "قسطنطين 306-337 م) باني القسطنطينية الذي تنصر ، تبدل موقف الدولة الرومانية في عهد قسطنطين وأصبح الدين المسيحي الدين الرسمي لروما ،وأمر الامبراطور قسطنطين برفع جميع القيود المفروضة على النصارى وعمّم الديانة المسيحية وبنى عدة كنائس وأقامت أمه هيلانة كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد التي يرجح أنها أقدم كنيسة في العالم في بيت لحم وغيرها من الكنائس .
وكذلك بنت "أفتروبية" إمرأة "مكسميان" حمى قسطنطين بنت كنيسة على قبر إبراهيم الخليل وعائلته في بلدة الخليل وقد انتشرت بعد ذلك الكنائس والأديرة والصوامع في بلاد الشام وغيرها خلال القرنين الرابع والخامس الميلاديين.
انتشرت المسيحية في المدن والأرياف وتخلصت المسيحية من الالتصاق باليهودية وأصبحت ديانة جديدة تماماً
وظهرت كنيسة المشرق التي استعملت اللغة السريانية ،وفي مصر استعملت الكنيسة المرقسية اللغة القبطية ، أما الكنيسة في آسيا الصغرى وبلاد اليونان والإسكندرية اعتمدت اللغة اليونانية ، أما شمال أفريقيا فقد استعملت الكنيسة اللغة اللاتينية .
وفي عهد الامبراطور يوليان المرتد قام بمحاربة حركة الرهبنة التي انتشرت في مصر وغزة وطارد فروعها ودمر أبنية النساك والأديرة في فلسطين .
وصفوة القول أن فلسطين تعد قلب الديانة المسيحية ،وهي لذلك لدى المسيحيين أقدس أرض على وجه المعمورة ،ففيها ولد المسيح ،وفيها عاش طول حياته (33 سنة) ومنها رُفع إلى السماء وفيها بشر ودعا قومه للإيمان وكثير من بقاعها تثير في نفوس النصارى ذكريات دينية مختلفة . ( )
المراجع
1- د.إبراهيم الشريقي،"أورشليم وأرض كنعان حوار مع أنبياء وملوك إسرائيل" ،شركة الشرق الأوسط للطباعة ،الأردن ،1985
2- مصطفى مراد الدباغ ،"بلادنا فلسطين" ،الجزء الأول ، القسم الأول ،ص619
3- سفير د.حسين شريف :" فلسطين من فجر التاريخ إلى انتفاضة الأقصى وتوابعها عام 2002" -الجزء الأول ،الهيئة المصرية العامة للكتاب 2003،القاهرة ص804
4- يوسف سامي اليوسف ،"تاريخ فلسطين عبر العصور"،الأهالي ،دمشق 1988،ص96-99
5- الشيخ عثمان الطباع :"إتحاف الأعزة في تاريخ غزة"،المجلد الأول ،مكتبة اليازجي،فلسطين 1989،الطبعة الأولى
6- يوسف سامي اليوسف ،"تاريخ فلسطين عبر العصور"،الأهالي ،دمشق 1988
7- فردريك بيك :"تاريخ شرق الأردن وقبائلها"-تعريب بهاء الدين طوفان، الدار العربية،1935،الطبعة الأولى ،ص72-97
8- الموسوعة الفلسطينية ،القسم الثاني،المجلد الثاني، بيروت 1990،الطبعة الأولى، ص176-179
9- يوسف إلياس الدبس –مطران بيروت الماروني ("تاريخ سوريا" ، الجزء الثاني –المجلد الثالث ،ص569
10-الكتاب المقدس- أخبار الأيام الثاني:الإصحاح 36/14-17
11- الكتاب المقدس-إنجيل يوحنا .الإصحاح الثاني :24
12-الكتاب المقدس- إنجيل يوحنا .الإصحاح الرابع:22-0
13- الكتاب المقدس-إنجيل متى-الإصحاح 30:23-33-0
14- قرآن كريم-سورة البقر،آية 87-88
15- محمد كرد علي ،"خطط الشام"، 1/95 دمشق 1925
16- "الموسوعة الفلسطينية"، القسم الثاني، المجلد الثاني ،بيروت 1990، الطبعة الأولى
17- مصطفى مراد الدباغ،"بلادنا فلسطين"، الجزء الأول 2002-ص650-656
18- قرآن كريم -سورة آل عمران :52-53
19-الكتاب المقدس- الإصحاح الأول من رسالة بولس إلى أهل رومية :21-32
20-الكتاب المقدس-الإصحاح الثالث من رسالة بولس إلى أهل رومية
21-الكتاب المقدس- الإصحاح الثاني من رسالة بولس 14-17
22- الموسوعة الفلسطينية ،القسم الثاني،المجلد الثاني ،بيروت 1990-الطبعة الأولى ،ص115-201
أثر العصر الروماني 63ق. م. – 395 م على اليهود(الموسويون –العبريون) بقلم محسن الخزندار
تاريخ النشر : 2010-02-15
