من صباح الخير يا فاكهاني إلى صباح أم الخير..جدلية العراقي والفلسطيني مستمرة بقلم:تيسير نظمي
تاريخ النشر : 2010-02-15
صباح الخير أم الخير
(من الكتاب الرابع لتيسير نظمي)

للشمس ، للبحر المبهور بالضوء توا ، لهدأة الصباح واستيقاظ بائعي الصحف ، للتعب الجميل . صباح الخير للسهر المحمر في العينين، للغبار في الملامح الملوحة بحر الكدح الصيفي، صباح الخير أم الخير للقيظ القادم، للظهيرة الحارقة، للرمل للصحراء، للعرق، للملح، للسواعد، للطرقات للموج المتصاعد، للغضب للأشرعة، للنجم البعيد صباح الخير. هذا أنا لم أنم بعد. استيقظ الخبز البسيط في دمي فأتيت . ارتفعت السواعد في قامتي ، فوقفت ، شامخاً بالفخر ، قوياً كإصرار بسمتك الحنونة . وفياً ، كمواسم الزيتون ، ممتلئاً . اشتاق كعطش الأرض . أهيم كغيمة تتلاشى في تراب يديك . ها أنا ، لم أزل ساهراً ، صادقت فيك التعب ، آخيت فيك الانتظار .
أبو الخير جاء . والأولاد ذهبوا للعمل . ألم تزل ساهراً ؟
صباح الخير للعمل ، لأبي الخير صباح القادمين .
أبو الخير نائم . أنت ذهبت وهو جاء . شقشق الصبح وأنا أعجن. شو بدي أعمل يا ابن عمي?
للعجين، لاصطلاء راحتيك، للطحين، لحنينك للطوابين. للذكريات صباح الخير .
طار من عيني النوم . سأغسل وأعد لهم الغداء قبل أن يأتوا. تعال تغدى معنا ....... لا تنسى .
وفي الليلة السابقة كنت قد مررت بها واقفة بالباب باستبسال محارب لا يقهر تنتظر زوجها الذي تأخر. من السادسة صباحاً حتى السادسة مساءاً يعمل أبو الخير في شركة حمالاً للمكيفات والأجهزة المستوردة. براتب لا يكفي لاستئجار ملحقاً . وبعد العتالة يبيع القهوة على الشاطئ وفي الحدائق العامة . يعود من عمله اليومي فيجد القهوة الساخنة بانتظاره، والفناجين قد جهزتها أم الخير في سلة مع القهوة الماء. لم يعتد أبو الخير أن يتأخر عن الساعة العاشرة من كل مساء، الليلة السابقة تأخر. في الليلة السابقة ركلته سيارة على الشاطئ . لم تعالج ساقه المرضوضة . لم تضمد جراحه في المستشفى . لم يطلب من الذي ركله حقاً غير خمسين فلساً ثمن فنجان القهوة الذي شربه. بقصد بغير قصد لم تكن هذه القضية . أبو الخير يريد أن يعود في الوقت المحدد بدون تحقيقات بدون تعويض بدون إيذاء احد. تعطيل أحد . عثر عليه مغمياً ممسكاً بفناجين القهوة بقبضة لتسعة أطفال |. في الثانية بعد منتصف الليل جاء . بعد أن انتشر أولاده وبناته بحثاً عنه. في الثالثة بعد منتصف الليل ضمدت أم الخير جراحه . مسحت الغبار عن وجهه الأسمر .
في الليلة السابقة مررت بها واقفة باستبسال عينين لا تستجديان أحدا بعناد عينين لا تريان غير إصرار الجبال. بقامة المحارب تنتظر على عتبة باب خشبي " لحوش " سيهدم .
طلعتهم من المدارس . خليهم يشتغلوا ويساعدوا أبوهم .
في العاشرة من عمره ، يستيقظ قبل الضوء . يستيقظ قبل جفاف حبر المطابع، يسبق الخبر، القرار، المراسيم، المقال في الجريدة، ويمضي العاشرة من عمره ولعينيه حجم السؤال الكوني، وقوة الإضراب عن العمل.
الصنعة مليحة يا ابن عمي . أخوه أخذ التوجيهي وارتمى في وجوهنا، في الليلة السابقة رأيتها شجرة زيتون في صحراء. تمنح الخير ولا تأخذ ، تمنح الخبز ولا تطلب .
حلفتك بالله تاكل . زيت من زيتون بلادنا . الخبز خابزته على ايدي ، في الليلة السابقة وقفت بزيها الشعبي .
عندما تنوي الزواج سأفصل لعروستك ثوباً من ثياب بلادنا .
لعروستي اشتغال يديك ، تعاريج التطريز في الثوب البلدي . وانتظارك .
لعروستي جدائل الليل ، قوة الاحتمال وانفجارك ..... بالتعب والعطاء.
في الليلة السابقة لم تنم أم الخير . روبت اللبن وجهزت الخبز بزيت وزعتر .
في الليلة السابقة لم تنم أم الخير في جفني. رشت على سهري قوة حضور ذكريات . دخان الطوابين والندى . صوت ديك الصباح . تهليلة جدي . تفتح براعم . انشقاق ورق الشجر بالخضرة الدائمة . انبعاث رائحة حرث الأرض . موج سنابل القمح . فورة النبع . جريان المياه أنت.
ساق الله على هذيك الأيام . الميه من نبع العين مثل البوزة . ميتهم ثقيلة يا عمي . الله يجازي اللي كانوا السبب.
في الليلة السابقة لم أنم. ذاكرتي والسهر. ذاكرتي وقامتها الممتدة أمام بيت متداعي الجدران .
انذرونا . بدون خلو وبدون محاكم .
في الليل وذاكرتي . في السهر طعم الخبز البسيط، الدم المشتعل. في الليل والنجم البعيد أنت اختصار المسافة . في الكتب المحجوزة بالبريد ، في المواعيد المراقبة . الخطى المقتفاة. في القمر المطل من قضبان زنزانة . في المساحة الغائبة سنهاجر .
أين سنذهب ؟
لسفوح الخارجين عن القبيلة. للورد الطالع سراً . لقامة جندي عاص . لفرار عصفور لأغنية ممنوعة . ليدين من تعب وملح . لبندقية عائدة.
حنطية اللون في الأربعين ، لملامحها تضاريس المحراث وقوته ، ولبسمتها فرحة الندى تجيد خياطة الأثواب الشعبية ولا تجيد المساومة . تستلم ما يعود به أولادها من نقود بيع الجرايد وبيع "البليلة" ما يعود به أبو الخير من بيع القهوة ، والعتالة ، توزعه بين أجرة للبيت ومصاريفه ، ترتق الملابس بعد غسيلها وتتفقد أزرارها . في الأعياد تجيد عمل الكعك بعجوة والقلاج . في العزائم تجيد عمل المفتول ، والمسخن . ثوبها الشعبي الأسود المحلى بتطاريز الأخضر والأحمر يلازم قامتها . لم تستبدله كبقية الفلاحات حين غادرن المدينة . لم تشتر قماشاً غير الأسود . لم تساوم أسعار الفساتين الجاهزة لم تزر خياطاً لتفصيل الماكسي أو البنطلون أو التنانير .
لم تتورع عن محادثة الرجال يوماً ، لم تتحاشى زيارة المريض منا ? في سكن العزاب ? وتزويدنا بالميرمية والزيتون .
في الأعياد ترسل لنا الكعك بالعجوة قبل أن يستيقظ الشباب من نومهم.
تدعونا للعشاء إذا شاهدتنا . تسألنا عن أمهاتنا في البلاد عن أخواتنا . عن مشاريع الزواج إن راودتنا. تسألنا عن الأخبار . ترسل لنا جريدة كل اليوم . تسألنا عن الفدائيين الأبطال . عن لبنان . عن أبي الطبيخ كما تعودت أن تسميه . وتعرف أن أمريكا عدوتنا . وتعرف أدعياء الدين . تعرف أمريكا عدوتنا . أن الحكام باعونا. أن الخيانة مستمرة استمرار تشردنا. أن أبو الخير ما غادر البلاد مختاراً.
? لو كان لنا بيت أو قطعة ارض لما غادرنا ز طوال عشرين سنة وأبو الخير يشتغل بالسخرة . يحرث بالإيجار . يزرع بالإيجار . والحال من بعضه يا ابن عمي، قضينا كل ها العمر ساكنين بالإيجار. لكن إيجار عن إيجار يفرق ، كنا هناك نشتري تنكة الزيت والزيتون وهنا نشتري الزيت والزيتون .لكن زيت عن زيت يفرق .
لم يبق سوى شهر أين سنذهب ؟
لبلاد من شوك وصخر .. لسفن لم تنقل البترول والبضائع المستوردة . لبحر لم يتلوث بعد . لبلاد تضيق من البلاد وترفع حرابها بالعصيان . لبلاد تمتلكنا ولا نمتلكها ، للحلم الجميل في صباح مخمور . لشجر سوف نزرعه عند انبثاق المساحة ، لجموع تلتقي . لسواعد تتوحد . للموجة إذ تلغي الموجة . للعواصف . لغيمة لا تمطر ذهباً . للغيمة التجاوز ، للطيور الآتية من الحلم . لنجم بعيد يقطع إلينا المسافة لعشرات البنادق العائدة من الحدود والجبهات معبأة ومعبأة .
1980
www.tayseernazmi.com