ما العمل؟ سؤال مطروح فلسطينياً وعربياً بقلم:عثمان أبو غربية
تاريخ النشر : 2010-02-11
ما العمل؟ سؤال مطروح فلسطينياً وعربياً
بقلم / عثمان أبو غربية
أصبحت مجموعة من العوامل المتداخلة تتطلب إثارة زوابع حراك سياسي يتعلق بقضية فلسطين وواقعها الإقليمي المحيط، ويستدعي إدراك حقائقه وحقيقة الأهداف منه. وهو الأمر الذي يتطلب مواجهة بعض الأسئلة وبعض المضامين السياسية وغير السياسية للمواقف في كل الاتجاهات. وأولها مجمل مسلمات وحقائق تنطلق منها مؤسسة الأمن الاستراتيجي للاحتلال حيال المستقبل الفلسطيني. وفي مقدمة هذه المسلمات:
 
أولا: هناك خط أحمر يقضي بعدم قبول أية سيادة أخرى سوى سيادة الاحتلال في المنطقة الواقعة بين البحر والنهر أي في حدود فلسطين التاريخية كلها، وهو ما يعني أنه ليس في التصور قبول أي سيادة عربية تمتد إلى أي شبر في هذه الحدود.
 
ثانيا: إن واقع الاستيطان المتواصل والإصرار على مواصلته، وحتى حيال الاضطرار للتعاطي مع بعض العوامل الدولية، فإن هذا التعاطي لا يخرج عن حدود التعاطي الجزئي والمؤقت والمتزامن مع استمرار استكمال مخططات استيطانية تم إقرارها سابقا، بمعنى أنه حتى الفترة المؤقتة لن تكون خالية الوفاض من مواصلة العملية الاستيطانية. وكذلك الاستمرار في تهويد القدس بمختلف الوسائل والتفاصيل، وهذان أمران ينهيان عمليا مقومات حل الدولتين الذي تصاعد الحديث عنه دوليا.
 
ثالثا: كذلك فإن فكرة حل الدولة الواحدة هي فكرة مرفوضة كليا بسبب الحرص على ما يسمى النقاء اليهودي وأساسيته في التفكير العنصري الاحتلالي.
وهنا يتوجب السؤال: إذا كان الاحتلال في حقيقة الأمر لا يريد حل الدولتين ولا حل الدولة الواحدة، ولا حضور أية سيادة أخرى بين البحر والنهر، فما هي حقيقة أهدافه من التعاطي مع الحراك السياسي الذي يلوح في الأفاق؟؟
إن الاستنتاج الوحيد وكذلك مدلولات الوقائع وحقائقها تؤكد أن هذه الأهداف تنطوي على ما يلي:
 
الهدف الأول: وهو هدف تعامل إيجابي ظاهري مع تحرك الولايات المتحدة لابد منه لاعتبارات السياسة الدولية وطبيعة العلاقات الخاصة في إطارها، وحتى لضرورات منح غطاء لأية ميوعة أو مناورة محتملة أو مطلوبة في الموقف الأمريكي.
 
الهدف الثاني: وهو هدف استثمار حراك سياسي بضرورة وضع سراب سياسي للحصول على تنازلات عربية، ولتغطية هذه التنازلات في حالة الاستجابة أو الوقوع في الشباك، وقد ظهر بعض من ذلك على سطح المطالب، مثل السماح بعبور الطائرات للأجواء العربية أو لبعضها، وعودة المكاتب التجارية مع الدول العربية التي أقامت تلك المكاتب وهي في حقيقة الأمر أبعد من أن تكون مجرد مكاتب تجارية، وفتح مكاتب من هذا القبيل مع دول عربية جديدة حيث تلوح في الأفاق بعض الاستعدادات. وهنا لا بد من ملاحظة التركيز على النطاق الخليجي.
كل ذلك إضافة لخطوات تطبيعية أخرى مطلوبة على المدى الأبعد قليلا، وكله أيضا قبل زوال لاحتلال عن أي من الأراضي العربية المحتلة.
إذن مطلوب تنازلات عربية ثمنا لحراك سياسي هو في حقيقته مجرد إقامة سراب جديد أمام الشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل الحرية والكرامة ولاستقلال.
 
الهدف الثالث: وهو هدف استثمار الوقت لمزيد من خطوات الأمر الواقع وخاصة في القدس وفي الضفة الغربية عموما.
إن ما يجري في القدس هو أمر غاية في الخطورة والتدهور وقد تفاقم التضييق، والغرض منه هو إحداث جلاء طوعي لسكان القدس منها نحو الضفة الغربية أو نحو الخارج وعندما يشكل هذا الجلاء حجومه المطلوبة من قبل الاحتلال فإنه لا يوجد ما يمنع انتقال التضييق والمناخات الطاردة بما فيها التوتر الأمني لبقية الضفة الغربية لإحداث ترحيل طوعي في ظاهره على المدى البعيد، يترافق مع استمرار التهويد والاستيطان. علما أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية أصبح يساوي ربع عدد سكانها.
 
الهدف الرابع: هو الحصول على أية تنازلات فلسطينية ممكنة وخاصة في قضية القدس واللاجئين وما يتطلبه ذلك من انفصام عرى التوحد والترابط بين أجزاء تواجد الشعب الفلسطيني داخل وطنه وخارج وطنه.
 
إذن ما هو المقبول لدى الاحتلال..؟ المقبول المؤقت هو حكم ذاتي يسمى دولة مؤقتة الحدود أشبه (بقن دجاج في باحة البيت الإسرائيلي) على حد تعبير إيهود باراك، ويتم تسليمه لأدوات وآليات تابعة.
 
ومن الواضح أن هذا القن لا يقف في وجه التطور المستقبلي للاحتلال، وإنما يمكن أن يكون من عوامل مساعدته، ومساعدة قفزاته المستقبلية والتي لها مدى أبعد من التصورات التي تطرأ على أذهان بعضننا اليوم، وتكمن فيها مخاطر أكثر تفاقما في التوطين ووضعية اللاجئين خارج الوطن، وهنا يجدر الانتباه الشديد لما يمكن أن يواجهه تواجد اللجوء في الخارج من عوامل تفتيت وتهجير وتخلص. كما تكمن فيها مخاطر خيار الوطن البديل والترانسفير وبقية الإجراءات.
 
وكذلك فإنها تمس الأمن الاستراتيجي العربي لأن جغرافية الأمن الاستراتيجي للاحتلال تتجاوز حدود فلسطين التاريخية ولأن حله لقضية فلسطين يتجاوز هذه الحدود كذلك. وليس خافيا أن كل ذلك يجري في ظل انقسام فلسطيني هو أفضل مناخ لمخططات الاحتلال وفي ظل صعوبة الخيارات وجفاف الموسم للمد أو استرداد زمام المبادرة. وكذلك في ظل وهن للنظام العربي حيث أصبحت قضية فلسطين ثقيلة على كاهله منذ أن أصبح النظام العربي يلقي بها على الكاهل الفلسطيني وحده، كذلك فقد أصبحت قضية القدس ثقيلة على كاهل النظام العربي حيث يتضح كل هذا المقدار من التخلي عن القدس، وعدم الاستعداد لتحمل مسؤوليات أقل بكثير من مسؤوليات الدم حيالها.
 
ولكن هذا لا يعني عدم العمل للتخندق في أية نقاط ايجابية في الموقف العربي والتي تجعلها استحالة الموافقة على متطلبات نتنياهو متوفرة.
هنا يبقى السؤال عما تريده الولايات المتحدة؟؟
 
ما من شك أن إدارة السيد أوباما تحاول إحراز تقدم سياسي ما، ولكن ذلك تحت سقف جدارين:
الجدار الأول: عدم القدرة أو الاستعداد للضغط على حكومة نتنياهو.
والجدار الثاني: هو عدم القدرة أو الاستعداد للاصطدام معها.
إذن ماذا بإمكان السيد أوباما أن يعمل أكثر من محاولة إيجاد حلول وسط من الحساب الفلسطيني الضعيف؟؟
 
إن من مصلحة الولايات المتحدة أن يجري حراك سياسي، ومن الأفضل لها أن يسفر عن نتائج، وهو من مستلزمات حركتها في الواقع الإقليمي والامتداد بين العربي والإسلامي عموما، ولكن الجدارين المذكورين هما حدود حقيقية بفعل معادلة داخلية في الولايات المتحدة، ومستلزمات والتزامات دولية وخارجية، بل وبفعل ما تريده الولايات المتحدة للواقع الإقليمي في منطقتنا من آفاق ومدى.
إن الولايات المتحدة تدرك أفاق الاحتمالات إمامها في نطاق هذا الحراك السياسي الذي تقبل عليه ولو لمجرد الحراك بحد ذاته.
وهنا لابد أن نلحظ كل إشارة في مواقف تصدر عن الإدارة الأمريكية أو تعديلات في المسؤوليات الداخلية.
 
إن كل ما تقدم بمجمله يلقي السؤال أمام النظام العربي وأمام الواقع الفلسطيني... ما العمل؟ وكيف تتم مواجهة حراك، كل العوامل تقول إنه حراك كاذب، وحتى لو تم القبول بتعبير أقل صرامة مثل تعبير أنه ربما يكون كاذبا، فما هي الأوراق التي لا يمكن إلقاؤها؟ هذا السؤال السياسي. كذلك هناك سؤال آخر ما هي الضمانات حيال كل احتمال بعد أن أثبتت التجارب أنه لا ضمانات خارج ما يمكن أن يُمتلك من أوراق قوة؟
 
وسؤال ثالث ما هو البديل وما هو الاحتياط الأساسي للفشل وللوصول للطريق المسدود؟
إن التجربة ورؤية الظروف الموضوعية للنظام العربي والواقع الفلسطيني لا تستدعي أكثر من إلقاء السؤال. لان أمر الدخول في النصائح لم يعد مجديا.
مع ذلك لا نفقد الأمل من الاستمرار في طريقنا نحو الحرية والكرامة والاستقلال واستمرار المحاولة والمبادرة والتطوير والنهوض النوعي.
وفي هذا الاتجاه لابد من تدعيم الموقف بالتوجه الصحيح نحو القوى القومية الصاعدة والحالات النهضوية والتصميم الوطني على الحرية بكل معانيها، وعلى الكرامة بكل معانيها وعلى الاستقلال بكل معانيه.
 
هناك فارق كبير بين أن ننظر للأمور أو أن ندرك ملامح الطريق من خلال حالة الوهن أو معطيات الواقع المختل بموازين قواه وبين أن ندركها ببصيرة الإرادة لأن للإرادة بصيرتها.
ليس أمام التطلع إلى الحرية والكرامة سوى رؤية الأمور ببصيرة وحس الإرادة أكثر من رؤيتها بلغة المنطق الظاهري لأن حس الإرادة بحد ذاته هو ورقة قوة ومصدر إطلاق للقوى الكامنة على أن ذلك لا يتم من خلال إعاقة انجاز محتمل مهما كانت فرصه ضئيلة وربما مستحيلة، وإنما من خلال استرداد زمام المبادرة وصناعة ميزان قوى جديدة وتحريك آليات استخدام القوى الكامنة.
 
وهنا نقف أمام سؤال.. ما العمل فلسطينيا حيث ينبغي تقديم إجابة واضحة ومحددة ومختصرة، يمكن تلخيصها بما يلي:
أولا: لا يمكن أن تكون الاستجابة للحراك السياسي القائم والمنوي تتويجه ربما باللقاء الثلاثي في نيويورك على أساس من التنازل عن شرط الوقف الكامل للاستيطان وعدم منح الفرصة لأي استئناف له من خلال التوقيتات والمدى الزمني أو غيره من الصيغ.
إن أي تنازل سوف يكون مدخلا للتدهور السياسي من حافة هاوية المفصل السياسي الخطير القائم.
 
ثانيا: يجب التخندق في موقف عربي واضح يرفض تقديم أوراق مجانية وتنازلات هي في الحقيقة ستساهم في تعذر نيل الحقوق العربية واسترداد الأراضي العربية المحتلة، وان يساهم هذا الموقف في شد عضد الموقف الفلسطيني في مواجهة ما يمكن أن يبرز من مخاطر وضغوط ومراوغة سياسية. وذلك عدا عن شد عضد الموقف الفلسطيني في الكفاح من أجل زوال الاحتلال ومواجهة إجراءات التهويد والاستيطان في القدس وغيرها.
 
ثالثا : استرداد أوراق قوة الوضع الذاتي الفلسطيني بكل الأبعاد والدوائر وفي المقدمة إنهاء نزيف الانقسام بين الضفة والقطاع الذي اوهن الجسد الفلسطيني إلي حدود الاحتضار.
أما آن لنا أن ندرك أن المستثمر الأول لهذا النزيف هو الاحتلال..
 
رابعا: العمل لاسترداد زمام المبادرة في الكفاح من أجل زوال الاحتلال، طبعا هذا ليس كل شيء ولكن هذه المحاور هي محاور عمل مفصلية في هذه اللحظة.
 
يبقى السؤال الكبير أمامنا ما هو البديل في حال إخفاق هذا الطريق ووصوله إلى باب مغلق وكيف نضع التصور للاحتمالات المختلفة.
ينبغي أن تكون العزيمة أقوى من وهن الجسد وان تبقى بصيرة الإرادة فوق منطق الحسابات لأن ما يجري في الواقع أقوى بكثير من ترف انعدام الغضب.
 
 
·       الأمين العام للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس
·       وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح