من يقرأ التاريخ يأخذ عبر!؟ بقلم:محمود التعمري
تاريخ النشر : 2010-01-31
من يقرأ التاريخ..يأخذ عِبر..!!؟؟

بقلم :محمود التعمري

("نامي جياع الشعب نامي
حرستك آلهة الطعام
نامي فأن لم تشبعي
من يقظة فمن المنام
نامي على زبد الوعود
يضاف في عسل الكلام
نامي فان الوحدة العصماء
تطلب أن تنامي
نامي جياع الشعب نامي
النوم من نِعم السلام
تتوحد الأحزاب فيه
ويُتقى خطر الصدام
تهدأ الجموع به وتستغني
الصفوف عن انقسام
نامي فان صلاح أمر
فاسد في أن تنامي")
هذه أبيات منتقاة من قصيدة وطنية مشهورة للشاعر العراقي الكبير محمد مهدي ألجواهري ،خاطب فيها جماهير الشعب الكادحة التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار البريطاني في العراق ، والتي كانت تعاني من فقر مدقع مثل بقية كل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال الاستعماري في الكثير من أرجاء المعمورة.هذا من جهة، ومن جهة أخرى مهمة ،جاءت رداً على حالة الانقسام والتشرذم والصراع التي كانت واقعة فيها الأحزاب والتنظيمات والقوى السياسية العراقية ، والتي على ضوئها نسيت وابتعدت عن العدو الرئيسي للشعب العراقي الذي وقع بدوره فريسة للصراعات والوعود الحزبية والتنظيمية في العراق وقتذاك.
واعتقد إن ما قاله ألجواهري لا يحتاج إلى أي جهد أو إشغال فكرٍ كثيرٍ لكي يفسره احد ما ، لأنه كلام واضح كوضوح الشمس.
ما جعلني أتذكر قصيدة ألجواهري هذه بعد أكثر من ثلاثون عاماً على قراءتها ، هو هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه شعبنا وتعبيراته السياسية المختلفة ، وهو ذاته الذي جعلني أتذكر قولاً لأحد الفلاسفة حين قال :" التاريخ يعيد نفسه مرتين ، مرة على شكل مأساة ومرة على شكل مهزلة ".
وكنت سأقف في كل ساحات وميادين بقايا هذا الوطن لألقي على مسامع فقراء شعبنا الجائع قصيدة ألجواهري هذه، ولكنني عدلت عن ذلك لأنني اكتشفت أنهم قد استجابوا لنداء ألجواهري وغطوا في نوم عميق ، وان كل تنظيمات وأحزاب وسياسيي شعبنا قد قرؤوا كل التعويذات حتى لا ينهض النائمون من نومهم لان في ذلك سيكون خطراً على وجودهم وبرامجهم وسياساتهم وكشفاً لزيف وعوداتهم بجنة الفردوس ورغد الحياة. وان الخلود إلى النوم هو ما يضفي على النائمون سلاماً أبديا،تتوحد الأحزاب والتنظيمات فيه، ويتقي شعبنا شر المعارك والحروب والصدام بين أحزابه وتنظيماته وحركاته، وكل شئ هادئ على رأي قائد الأسطول الروسي زمن القيصرية، عندما قامت القوات اليابانية باحتلال ميناء "شبيكا" الروسي ، حيث أرسل قائد الحامية الروسية برقية إلى القيصر يخبره فيها عن الوضع في الميناء (" مولاي كل شئ هادئ في ممر شبيكا ...")،في الوقت الذي كان الميناء قد سقط تحت سيطرة القوات اليابانية..
لقد كان ألجواهري على حق حين قال .." نامي فان صلاح أمر فاسد في أن تنامي..".ولكن هل يا ترى سيطول هذا النوم وهذا السبات ...؟؟ ألا يخاف الحاكمين والغاصبين والفاسدين وفلاسفة أخر زمن من لحظة يهب فيها فقراء شعبنا من مناماتهم ليضعوا حداً وللأبد لكل من باع قضيته وخان عهود بيته ووقف يتكأ على عامود خشب يتفرج من بعيد على ما يحدث لهذا الشعب..؟؟ ألا يقرا السياسيون والمتسيسون إحداث التاريخ ليأخذوا منها العبر ...؟؟.
لقد صار من نافلة القول الحديث عن دويلات الكعكة المقسومة، مع إنني أتمنى أن تكون عندنا كعكة نقتسمها، لعله يصيبنا من الحب جانب، وبالنهاية فان فاقد الشئ لا يعطيه ، وفقراء شعبنا يدركون ان لا جنة ولا نعيم من وراء وعودكم وصراعكم وقراءة الكفوف، لأنكم لا تملكون شيئاً تقدمونه لشعب قد يشق عصا الطاعة في القريب العاجل على من ادخله في سبات النوم ..!!!
بيت لحم/2010