الانتخابات تتحول إلى لعبة مخابراتية بقلم:د. محمد أحمد النابلسي-لبنان
تاريخ النشر : 2005-03-08
الانتخابات تتحول إلى لعبة مخابراتية.

دفع الرئيس الفنزويلي هيغو شافيز ثمناً غاليا لتحديه الولايات المتحدة خلال رئاسته لمنظمة الأوبيك، فهو تحداها مرة عندما أراد اختراق سقف سعر النفط المحدد أميركياً. وتحداها مرة أخرى بدعوته لتأمين المنظمة تجاه التناقضات السياسية لدولها. وكان تحديه الأكبر في زيارته لصدام حسين. وهي زيارة خرقت في حينه الحصار على العراق. كما أنها أتت في الوقت الذي يضغط فيه الصقور على الرئيس كلينتون وقد وضعوا أمامه خطة غزو العراق.

في المقابل أثارت المخابرات الأميركية الدنيا في وجه شافيز إذ انفجرت المعارضة الفنزويلية الضعيفة ولكن المستقوية بالأميركي. ثم جاءت محاولة اغتيال شافيز بإسقاط مروحيته وبعدها بما يشبه ثورة شغب داخلي. فإذا ما جاءت حرب العراق تراجع التمرد وأتيح لدولة شافيز أن تخدم الولايات المتحدة بتغطية حاجة سوق النفط في وجه الخوف من انقطاع نفط الخليج بسبب الحرب العراقية. وهو خوف كان من شأنه أن يلهب أسعار النفط. كما اضطر شافيز لإتباع هذه الخدمة بخطوة أخرى هي الخضوع للمشيئة الأميركية بإجراء استفتاء حول رئاسته. وهي سابقة خطيرة تهم الاميركيين لأنهم يريدون معاودة تطبيقها في أماكن أخرى من العالم. وخاصة في المنطقة العربية، فالرئيس الفنزويلي منتخب بصورة شرعية لا يمكن التشكيك بديموقراطيتها ومصداقيتها وهو ما أثبته الاستفتاء، وكانت الرسالة الأميركية من إجبار شافير على قبول الاستفتاء تتضمن النقاط الآتية:

1- على الرؤساء المارقين من أمثال شافيز أن يمروا بجبل المطهر الأميركي وأن يعلنوا توبتهم.

2- أن الأقلية مهما كانت هشة ومشلولة تتحول إلى قوة ضغط إن هي تلقت الدعم الأميركي.

3- أن إرادة الشعوب والناخبين الديمقراطية عديمة القيمة إن هي لم تقترن بموافقة أميركية وهو اعتراف له شروطه المحددة.

4- على الرؤساء الأقل شعبية من شافيز ومن كانت عنده معارضة أقوى من المعارضة الفنزويلية أن يرتموا في الأحضان الأميركية قبل فوات الأوان.

5- على معارضات الدول المارقة المسارعة للاتصال بالمخابرات الأميركية للحصول على رضاها. الذي يحولها إلى معارضة مرهوبة الجانب.

6- على الشعوب المعترضة على السياسة الأميركية أن تفقد كل شعور لها بالفعالية أو بالتأثير على السياسة في بلادها. فالجبار الأميركي هو الذي يعطي الاعتراف أو يسحبه.

7- أن السياسة الجديدة لأميركا لا تعترف بمبدأ القذارة المخابراتية. فهي مستعدة ،كما في حالة شافيز، لممارسة كل أنواع العمليات المخابراتية القذرة ومن إثارة الحروب الأهلية وحتى اغتيال الرؤساء مروراً بالمحاولات الانقلابية.

8- يبقى باب التوبة موارباً أمام الدول المارقة حيث التسلل من هذا الباب يقتضي تنصل هذه الدول ورؤسائها من التعهدات وألأحلاف غير المرضي عنها أميركياً.

9- أن الفقر قد يكون مصدر قوة زعماء مثل شافيز لكنه أيضا نقطة ضعف وتهديد للدول الفقيرة. وذلك وصولا للتهديد بإطلاق الفوضى والمجاعة عن طريق تعطيل عجلة الإنتاج. حيث توقفت شركات النفط الخاصة الفنزويلية عن العمل، مما هدد فنزويلا بالانهيار الاقتصادي.

10- أن لعبة التدخل في الانتخابات قادرة على تحويل وإقلاب سياسات الدول الأضعف رأساً على عقب.

11- أن الأمم المتحدة وكل مؤسساتها لا تستطيع الحؤول دون تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

12- أن السياسة الخارجية الأميركية لم تعد تقبل بتبادل المصالح أو بالشراكة من أي نوع كانت. فهذه السياسة باتت تعتمد مبدأ تبعية الأخر، وخضوعه للإدارة الأميركية بدون شروط هذه المبادئ الاثني عشر. وهي التي حكمت التدخل الأميركي في انتخابات دول جوار روسيا ومن ثم الانتخابات العراقية والفلسطينية بانتظار وصول قطار الانتخابات إلى محطته اللبنانية وهي محطة من أصعب المحطات.

إن فهم صعوبة وتعقيد المحطة اللبنانية يتطلب الوقوف عند القرار 1559 المطالب بانسحاب القوى الأجنبية من لبنان. وهو يخص سوريا بشكل موارب، فالوجود العسكري السوري في لبنان هو أحد المحاور الرئيسية في السياسة اللبنانية حيث يجهد الأميركيون وأطراف أخرى لتحويل هذا المحور إلى مسألة عقائدية وهو تحويل محكوم بالفشل المسبق ذلك أن معارضة سوريا ليست أيديولوجيا ذلك للأسباب التالية:

1- لا يمكن للدخل العسكري في بلد آخر أن يحظى بقبول السكان المحليين. فقد كان عبد الناصر زعيماً خرافياً ومع ذلك انسحب السوريون من الوحدة بسبب تصرفات الجيش المصري. أقله أن هذه التصرفات أفقدت عبد الناصر معظم رصيده في الشارع السوري. ومن هنا فإنه من الطبيعي أن يثير الوجود السوري العسكري حفيظة اللبنانيين. إلا أن هذه الحساسية ضد العسكر لا تصل إلى حدود العداء لسوريا. كما أن فئة عظمى من اللبنانيين يرفضون استبدال الجيش السوري بالقوات الإسرائيلية أو الأميركية أو الفرنسية، أو غيرها من القوات الأجنبية، وحسب المقاومة العراقية ضد الأميركيين نموذجاً على هذا الرفض الشعبي للقوات المحتلة.

2- لا تمكن بحال مقارنة الوحشية الأميركية في إسقاط مئتي ألف ضحية عراقية في حوالي الشهر. ومن ثم فظائع التعذيب في سجن أبو غريب وغوانتانامو مع كل ما يقال عن الممارسات السورية الأمنية بحسب قول المعارضة. كما أن القوة الأميركية لاتضاهي ولا تعادل ومع ذلك قامت مقاومة الاحتلال الأميركي صبيحة احتلال العراق. في حين لم تنتظم أية مقاومة للسوريين إلا في فندق البريستول. وربما في فنادق أخرى مما يؤكد عدم أيديولوجية العداء لسوريا في مقابل عقائدية العداء لأميركا.

3- أن معارضة الوجود السوري لا تنطلق من المنطلقات والأسباب ذاتها. بل أن هذه المنطلقات متعارضة على وزن التعارض والخلافات اللبنانية الداخلية. وبالتالي فإن هذه المعارضة لسوريا لا تشكل مبدأ جامعا يخفف من التناقضات بين الفرق اللبنانية المعارضة.

4- أن المعارضة اللبنانية الراهنة تملك عناصر تفجيرها الذاتي فهي مزروعة بألغام الأحقاد التاريخية ومنها التالية:

- الأحقاد التاريخية بين القوات وتيار عون ( حرب الإلغاء بين عون وجعجع).

- معارك التصفية نمور الأحرار على يد القوات اللبنانية.

- الخلافات الشخصية العميقة بين رموز المعارضة.

- تحالف الأطراف الأقوى في المعارضة مع سوريا على مدى عقود .

- فقدان معظم زعامات المعارضة للقاعدة الشعبية.

- اعتماد المعارضة الكلي على الدعم الخارجي بدليل كمونها لعقود في غياب هذا الدعم وهو غياب كفيل بإعادة تفجير تناقضات المعارضة.

5- أن الاستقواء بفرنسا وأميركا يشكل قاعدة سياسية قوية على الصعيد الخارجي والمالي. ولكن هذا الدعم يفقد فعاليته بعجز المعارضة عن المواجه الميدانية. ويكفي هنا التذكير بمظاهرة الأكفان التي أقامها حزب الله والتي بينت غياب قدرة الحشد الداخلي للمعارضة. وهو لم يتجاوز بحال مظاهرات الطلاب الجامعيون ومن المستبعد أن تتمكن المعارضة من الحصول على دعم أجنبي لوجيستي فجل ما يمكنها أن تطمع به هو تعهد سوري بالحؤول دون تصعيد المواجهة.

وهكذا فإن أيدلوجيا العداء لأميركا وللتدخل الأجنبي تبقى أقوى وأصلب عقائديا من صرعة معارضة سوريا ومن تزوير الإدارة اللبنانية بصك دولي مزور هو القرار 1559 حيث يجب ألا ننسى الثمن الذي يدفعه الأميركيون لتنفيذ قرارهم باحتلال العراق وربما كان الآتي أعظم. ومن هنا ضرورة التنبيه الى أهمية الإنتخابات اللبنانية القادمة التي تشكل إمتحاناً عسيراً لسياسة التدخل الأميركي عن طريق الإنتخابات. ولعل الخطوة الأولى في مقاومة هذه السياسة وممناعتها تكمن في عزل المال السياسي ورفض بيع الأصوات. كطي ى تتحول الإنتخابات الى انتخابات رغيف الجوع الناجم عن سياسة الإفقار الأميركية.

د. محمد أحمد النابلسي.

رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية.