حرية الرأي في فلسطين بقلم:رشيد شاهين
تاريخ النشر : 2009-12-14
حرية الرأي في فلسطين

رشيد شاهين
تعتبر حرية الرأي و التعبير هي حرية الشخص – الإنسان- في التعبير عن أفكاره وآراءه بطرق مختلفة، سواء كان ذلك عن طريق الكلام والحديث، أو من خلال القلم بالكتابة، أو من خلال التعبيرات الأخرى التي تشمل الرسم أحيانا، أو الكاريكاتير وغير ذلك من طرق التعبير، وهذه الحرية من المفترض ان تكون حرة، بدون عوائق أو حدود أو رقابة أو تدخل من الأشخاص، أو القوانين التي عادة ما تضعها الدول أو الحكومات، هذه الحرية التي نعتقد بأنها يجب ان تكون بلا سماء ألا انها يجب ألا تكون على حساب الآخر، بغض النظر عمن هو الآخر، وان تبتعد قدر الامكان عن الإساءة والتجريح للمعتقدات وخاصة الدينية، وان تلتزم الموضوعية والصدق.

هذه المطالبة - بالالتزام والموضوعية- قد يراها البعض محاولة – لتحديد- حدود الحرية، ومن هنا فان حرية التعبير تبدو بشكل أو بآخر قضية إشكالية شائكة تتسم بحساسية ربما تكون مفرطة، فبينما يطالب البعض الالتزام ببعض الضوابط حتى لا ينفلت عقال الحرية، يرى البعض ان هذه المطالبة بالانضباط هي كما اشرنا محاولة للتكميم، وتخفيض سقف حرية الرأي والتعبير من خلال الاختباء وراء هكذا مطالبات.

تعتبر قضية – حرية الرأي- قضية قديمة نسبيا وخاصة في المجتمعات الغربية حيث يمكن القول انها ابتدأت في بعض الدول مثل فرنسا وبريطانيا مع القرنين السابع والثامن عشر وخاصة بعد قيام الثورة الفرنسية التي تحدثت بصراحة غير مسبوقة عن حرية التعبير وعن حقوق الإنسان. كما تم تداولها بشكل موسع في الولايات المتحدة الأمريكية مع بدايات الاستقلال الأمريكي، برغم ما أصاب ذلك النقاش من اعوجاج حيث كانت العبودية تضرب أطنابها في الأرض الجديدة وبالتالي منع العبيد والسود من حريتهم الشخصية فما بالك فيما يتعلق بحرية التعبير والرأي.

ولأن حرية التعبير أصبحت احد القضايا الهامة التي يمكن من خلالها تجسيد حقوق الإنسان، فلقد نصت على هذه الحرية العديد من المواد والتشريعات القانونية سواء الدولية او المحلية، ومن هنا كانت نصوص حرية التعبير واضحة وجلية في الميثاق العالمي لحقوق الانسان الذي نصت إحدى مواده – 19- على انه من حق أي كان ان يتمتع بحرية الرأي والتعبير وحمل الآراء....، على ان هذه المادة أشارت إلى ان حدود الحرية تبقى محددة من خلال عدم التحريض على القتل على سبيل المثال.

ومن هنا فإننا نجد أن القانون الفلسطيني أكد على هذا الموضوع واعتبر ان حرية التعبير مصانة وانه لا يجوز انتهاكها او الحد منها تحت أي ذريعة او حجج لا علاقة لها بالقانون، وقد جاء هذا التأكيد من خلال إعلان منظمة التحرير بأنها تلتزم بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق المتعلقة بحقوق الانسان عدا عن تشكيل هيئة خاصة بحقوق الانسان كما أشار القانون الخاص بالمطبوعات والنشر إلى هذه القضية وان هذه الحرية مكفولة ولا يجوز المساس بها.

هذه القوانين التي فيها نصوص واضحة على حرية التعبير، ليست حكرا على السلطة الفلسطينية، فهي موجودة في معظم ان لم يكن في جميع قوانين وتشريعات الدول في العالم، إلا أن المهم في تلك التشريعات ليس في النص عليها ضمن القوانين والمواثيق، بقدر ما هو في تطبيق هذه القوانين على ارض الواقع، ومن هنا يأتي السؤال القائل، هل يتم تطبيق هذه النصوص أم انها مجرد كليشيهات تم نقلها عن قوانين موجودة في الدول الأخرى وان شيئا منها لا يتحقق على الأرض؟، وحيث ان الموضوع يتعلق بالأراضي الفلسطينية بشقيها –الضفة الغربية وقطاع غزة-، فإننا يمكننا ان نناقش هذا الموضوع كما نراه على هذه البقعة الضيقة من الأرض التي تحكمها السلطة الفلسطينية، التي هي في واقع الحال لا تمتلك الكثير من السلطة على ارض الواقع، ولا نريد الخوض هنا في هذه الإشكالية لأنها ليست مدار البحث.

لا شك ان هناك الكثير من المشاكل التي يواجهها حق التعبير وحرية الرأي في الأراضي الفلسطينية، وثمة مشاكل عديدة تواجه العاملين بشكل خاص في مجال الإعلام والصحافة الذين تنتهك حقوقهم بشكل شبه روتيني، بحيث أصبح من غير الممكن التعبير عن هذا الحق بدون خوف أو تردد أو قيود قد يفرضها العاملون في هذا المجال على أنفسهم في محاولة منهم لتجنب المضايقة والتهديد وربما الاعتقال لمدد طويلة يواجهون خلالها ظروفا اعتقالية لا إنسانية.

ان الحديث في بعض القضايا في الأراضي الفلسطينية يجد مساحات واسعة من حرية التعبير فيما يمنع الحديث تقريبا في العديد من القضايا الأخرى كتلك التي تتعلق بالفساد والأوضاع الأمنية منفلتة العقال أو المواضيع التي تتعلق بالأمن، ويمكن القول هنا ان هناك وضعا خاصا تعيشه الأراضي الفلسطينية من خلال وجود ثلاثة أنواع من الرقابة تتمثل في أجهزة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وفي الحكومة المقالة في قطاع غزة بالإضافة إلى الرقابة التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهنا تتفاوت المواضيع بحيث انه وفي شأن معين قد لا تتدخل أجهزة السلطة فيما تتدخل الأجهزة الاحتلالية وان لم تتدخل هذه او تلك فان الحكومة المقالة قد تكون هي من يتدخل.

لا يمكن لأي كان إلا ان يقر ويعترف بأن الانقسام الذي حصل في الساحة الفلسطينية زاد من وتيرة الرقابة والقمع والتجاوز على العاملين في مجال الإعلام، وصلت إلى الاعتداءات وإغلاق المؤسسات الإعلامية بشكل متبادل بين شطري الوطن، وكانت الاعتداءات تتم على خلفية تنظيمية ولم تكن تخضع للمنطق. وقد رصدت المؤسسات الحقوقية العاملة في مجالات حقوق الإنسان عشرات ان لم يكن مئات الحالات التي تم فيها انتهاك حرية الرأي والتعبير، ناهيك عن الانتهاكات الأخرى المتعلقة بالناس العاديين، والقتل الذي تم خلال الاشتباكات التي جرت خلال استيلاء حماس على قطاع غزة، فيما بات يعرف بالانقلاب او الحسم العسكري في حزيران 2007. وقد تم خلال تلك الفترة إغلاق مؤسسات عديدة بشكل متبادل، حيث تم على سبيل المثال السيطرة او الإغلاق للعديد من المؤسسات سواء بشكل دائم او مؤقت، ففي رام الله تم إغلاق فضائية الأقصى، وكذلك تلفزيون آفاق في نابلس، مكتب البيان في سلفيت، ومنعت صحف الرسالة و فلسطين من التوزيع في الضفة، فيما تم إغلاق تلفزيون فلسطين في غزة، وكذلك إذاعة صوت فلسطين، وصوت الشعب، وصوت العمال وغيرها، كما تم منع الصحف الصادرة في الضفة من التوزيع في القطاع، ويمكن هنا الإشارة إلى ان الانتهاكات في قطاع غزة كانت أكثر بروزا خاصة في الفترة القصيرة التي تلت سيطرة حماس على القطاع، وقد تم الاعتداء على الصحفيين والمراسلين أمام الكاميرات.

وفي غزة أيضا تم الاعتداء على مراسلي وطاقم قناة العربية وإحراق مكاتب القناة فيما تم الاعتداء في أكثر من مناسبة على مراسلي قناة الجزيرة في الضفة الغربية فيما تم تدبير حريق في المرآب التابع لقناة الجزيرة وإحراق سيارة فيه. كما تمت عمليات خطف لصحفيين أجانب بشكل خاص في قطاع غزة وقد يكون ألان جونستون من ابرز الأسماء في هذا المجال. وهذا ما أدى لاحقا إلى مغادرة جميع المراسلين الأجانب تقريبا للقطاع خوفا على حياتهم.

وفي الضفة أيضا شنت السلطة وحركة فتح حملة غير مسبوقة على قناة الجزيرة وتم توزيع ملصقات خلال المسيرات تسيء إلى القناة وتعتبر انها إساءات للقضية وقد شوهد مؤخرا العديد من اليافطات في الشوارع تغمز من جهة القناة وإنها معروضة للبيع لرجل أعمال إسرائيلي. أما عن القطاع فقد نشرت صحيفة القدس المقدسية يوم الأربعاء 2 ديسمبر 2009 تقريرا قالت انه عن الشرق الأوسط اللندنية، يشير إلى ان الحريات الصحفية في قطاع عزة أصبحت شبه معدومة وقال بعض العاملين في مجال الأعلام ضمن ذات التقرير انهم يمارسون رقابة ذاتية صارمة على ما ينشرون خشية الاصطدام بحكومة حماس، وقالت رهام عبد الكريم وهي مديرة مكتب ام بي سي بغزة في ذات التقرير "لا توجد حريات".

أما في مجال الأعلام والمواقع الاليكترونية، وحيث ان التشريعات وضعت في اغلبها قبل انتشار مثل هذه الوسائل، فان ما يخصها يعتبر ضئيلا ويتم التعامل معها بشكل يمكن وصفه بالعشوائي، وهذا ينطبق على التشريعات المتعلقة بنقابة الصحفيين التي لا يوجد فيها ما يشير إلى العاملين في هذا المجال الإعلامي – الجديد- ان جاز التعبير. ويمكن القول فيما يتعلق بالإعلام الاليكتروني ان هذا المجال يعتبر الأكثر خروجا عن محاولات التطويع التي تتم ممارستها ضد المجالات الأخرى، وهذا بحد ذاته يعتبر سلاحا ذو حدين إذ انه وبسبب إمكانية إفلاته من عمليات الرقابة قد يكون سببا في الكثير من الفتن والمشاكل خاصة مع انعدام إمكانية التحقق والتدقيق مما تورده مثل هذه المواقع.

ان الإشكالية الأبرز التي يمكن ان يعاني منها الإعلام الاليكتروني تتعلق فقط بالإمكانيات المادية للأفراد حيث ان ليس بمقدور الجميع الحصول على هذا النوع من الإعلام بسبب التكلفة التي يتطلبها، وقد يكون للرسوم العالية والتكلفة الباهظة، الأثر الأهم على انتشار هذا النوع من الإعلام بشكل مشابه لما يحدث في الدول التي تعتبر أوضاعها الاقتصادية أفضل مما هو الحال في الأراضي الفلسطينية، إلا انه وفي الحالة التي يتمكن الفرد من الحصول على هذه الخدمة فإنها في الأغلب تصبح الطريقة المثلى والأكثر تفضيلا لدى القراء، إلا ان هذا لا يعني ان هذا النوع من الإعلام سوف يلغي وسائل الإعلام الأخرى وخاصة التلفزيون، لكن مما لا شك فيه انه يؤثر بشكل كبير على الإعلام المطبوع، ومن هنا يمكن ملاحظة ان جميع المطبوعات الورقية لجأت إلى استحداث مواقع لها على الشبكة العنكبوتية من اجل الدخول في منافسة مع الإعلام الاليكتروني ومجاراة هذا التقدم، ويمكن الإشارة هنا إلى ان هنالك بعض الصحف في العالم ألغت الصادر مطبوعاتها الورقية ولجأت إلى إصدار تلك المطبوعات بشكلها الاليكتروني فقط.

أخيرا فان إعلاما مقيدا لن يستطيع الدفاع عن أية قضية مهما كانت عدالتها، وعلى هذا الأساس فانه لا بد من تفعيل دور الإعلام، من خلال منحه أعلى سقف ممكن من الحرية والانطلاق، كما ان على العاملين في هذا المجال وفي حالة منحهم مثل هذا الامتياز، ألا يبغوا أو يسيئوا استخدام هذا السقف، وان يكون الضمير هو الحكم عند نقل الأخبار أو التعامل مع أي من القضايا الموجودة في الساحة وهي ما شاء الله كثيرة لا بل وكثيرة جدا.

14-12-2009
[email protected]