الهروب إلى جهنم قصة المهاجرين الأفارقة الى اسرائيل بقلم:أشرف العناني
تاريخ النشر : 2009-12-06
الهروب إلى جهنم
قصة المهاجرين الأفارقة الى اسرائيل
أشرف العناني : شاعر وكاتب مستقل صاحب مدونة سيناء حيث أنا
صباح اليوم كما نقلت رويتر أصيب أرتيري وزوجته بجروح خطيرة على أثر إطلاق نار من الشرطة أثناء محاولتهما اجتياز الشريط الحدودي بين مصر وإسرائيل ، هذه ليست الحادثة الأولى وأظنها لن تكون الأخيرة في سلسلة طويلةمن محاولات اجتياز الحدود المصرية إلى ما يظنه هؤلاء الجنة بينما الواقع يقول أن مجتمع عنصري مثل المجتمع الإسرائيلي هو الجحيم بكل معاني الكلمة .. عملياً إسرائيل هي التي بدأت هذه اللعبة عندما سعت لتعويض النقص المطرد في العمالة بسبب الاستغناء عن العمالة الفلسطينية بعد إنشاء جدار الفصل العنصري وبعد تزايد العمليات الفدائية الاستشهادية لعمال فلسطينيين الأمر الذي دعي الإسرائيليين وبقرار قسري إلى الاستغناء نهائيا ً عن تلك العمالة واستبدالها بآخرين عن طريق تهريبهم من بلدانهم إلى سيناء ثم إلى إسرائيل ، أيضاً تزامن هذا مع تزايد النشاط الإسرائيلي السياسي في منطقة القرن الإفريقي ، على وجه الخصوص في أرتيريا ودارفور حيث جماعة العدل والمساواة التي فتحت مكتباً لها في تل أبيب ولا ننسي هنا نفوذ اللوبي الصهيوني في جماعة ” أنقذوا دارفور ” الأمريكية العالمية التي كان لها الدور الأساسي والمحوري في أزمة دارفور من الألف إلى الياء . إذن كان من ضمن أهداف إسرائيل من عمليات التهريب هذه ، ليس فقط تهريب عمالة وإنما أيضاً تدريب مقاتلين معارضين لنظام الحكم السوداني في دارفور وإعادة إرسالهم مرة أخرى إلى هناك للمشاركة في القتال .

وينقلب السحر على الساحر

هكذا بدأت إسرائيل اللعبة بإرادتها ولكن وكما يقول المثل انقلب السحر على الساحر ، نفس السيناريو الخاص بهجرة الروسيات التي شجعت إسرائيل في البداية على تسللهم عن طريق سيناء وكن سبب رئيسي في تفشي نفوذ وقوة المافياالروسية في المجتمع الإسرائيلي ، وتزايد معدلات الجرائم الاجتماعية إلى حدود غير معقولة ، مما استلزم وقفة حازمة لوقف هذه الهجرة المدبرة ، وقد أفاد القيادة الإسرائيلية أن المنابع الرئيسية لهذه الهجرة الغير شرعية للروسيات كانت تحت سيطرة أجهزتها الأمنية وعلى الأخص الموساد وكان من السهل على هذه الأجهزة تجفيف منابع هذه الهجرة في روسيا ، ما حدث بسبب الروسيات حدث بسبب هجرة الأفارقة لكن المشكلة الرئيسية التي واجهتها إسرائيل في هذه الحالة هو أن منابع هذه الهجرة أفلتت من سيطرتها على عكس الحالة الروسية مما فاقم الوضع ودعا القيادات الأمنية في إسرائيل للصراخ والاستنجاد بالضغط الأمريكي على مصر ، وسريعاً ما استجابت مصر وان كان على طريقتها الخاصة التي أدت إلى سقوط ضحايا كثر من جراء استعمال ما سمته بعض المنظمات العالمية بالقوة المفرطة في التعامل مع ملف المتسللين الأفارقة ، هنا أيضاً لا يمكننا تجاهل الصراع المحتدم بين عصابات التهريب والأمن المصري من جهة وما تسميه إسرائيل بالأخطاء الغير مقصودة من جهة أخرى هذا الصراع الذي خلف ضحايا كثر من الجهاز الأمني المصري على الحدود المصرية مع إسرائيل

مفارقات لا غنى من الوقوف أمامها

نعم هو ملف معقد هجرة الأفارقة إلى إسرائيل الجنة الموعودة في ظن هؤلاء والجحيم على أرض الواقع ، لكن ثمة مفارقات لابد من التوقف أمامها والضحك بصوت عال ٍ ، فأمريكا التي تضغط على مصر لإغلاق ملف هذه الهجرة بعد المخاطر التي سببتها للمجتمع الإسرائيلي هي ذاتها التي تنتقد مصر بسبب استعمال القوة ضد هؤلاء الأفارقة !!!!!!!! ، أما المفارقة الأكثر إضحاكا أن ماكينة الدعاية الصهيونية العالمية التي كانت تنتقد مصر بعنف بسبب تراخيها في وضع حد لهذه الهجرة فكانت الأكثر عنفاً في انتقاد مصر بسبب استعمالها للقوة المفرطة على حد تعبيرها وسقوط ضحايا بين قتيل وجريح !!!!

الواقع يقول أن إسرائيل ليست عدن بالنسبة لهؤلاء

حسب بعض التقديرات يقال أن عدد هؤلاء وصل إلى ما يقارب 17 ألف مهاجر إفريقي معظمهم من دارفور واريتريا ، وهو رقم كبير بالنسبة لمجتمع صغير ومعزول ، معظم هؤلاء ديانتهم الإسلام والمسيحية مما يجعل اندماجهم هناكمستحيلاً حيث تشترط إسرائيل على من يندمجون هناك أن تكون ديانته اليهودية ، إذن فهم يكتشفون هناك الصدمة ، المصير الوحيد الذي ينتظرهم هو معسكرات الاعتقال أو النوم في العراء أو بجوار محطات النقل ، أوضاع مهينة وأقل بكثير حتى من الأوضاع التي كانوا يعيشونها في بلدانهم الأصلية ، على الأقل كانت لهم في هذه البلدان بيوت وأهل ، أهم من هذا فان حالة من الاحتقار والتحقير يوجهون بها على الدوام سواء من الأمن الإسرائيلي أو من الإسرائيليين العاديين أنفسهم ، لكن المدهش في الأمر أن تلك التجارب وهذا الواقع المر لم يوقف تلك المأساة فهل لأن كثيرين من هؤلاء الضحايا ينظرون الى اسرائيل بوصفها البديل الأقل تكلفة عن مثيله في أوربا أو أمريكا الذي أصبح الطريق اليهما باهظ التكلفة ، أم أنها حالة اليأس من تحول حقيقي في بلدانهم نحو قيم العدالة والديموقراطية والعيش الكريم ، لا أحد يملك اجابة محددة غير أن أبواب الجحيم ما زالت مفتوحة أمام هؤلاء المساكين لتستمر المأساة وتستمر فصولها الأكثر بشاعة