الخرطوم/ فاطمة شيخ عيسى
هناك كثير من الأقلام التي تناولت ثقافة أقوام ونظرتهم للمرأة، إنه من المعروف حكاية الآشوريين والكلدانيين والفينقيين والفراعنة ومواقفهم من المرأة، إلى الهنود والفرس "البكم الخرس"، والغرب في عصوره الوسطى والحديث، والغريب عجز الأخير في بعض مؤتمراته التوصل إلى حل حاسم حول السؤال: "المرأة.. هل هي إنسان أم حيوان؟!". قد يكون هذا –طبعا- جليا في كثير من الأحايين، إلا أن الأقلام كلّت أن توجه سهامها للقارة السمراء، وما هو وضع المرأة هناك.. هذا ما نتحدث عنه في هذه المقالة.
إن البلدان ذات التقاليد الشفاهية العريقة هي ذات البلدان التي اكتسبت منذ آلاف السنين أدبا غنيا بالقصص الشعبية والحكايات المثخنة بالخيال الجمعي، بالأساطير، بالخرافات وبأعراف السلوك الإنساني العام …
في الكثير من القصص المتنوعة المنتقاة من طرف جماعات البحث في الآداب الإفريقية، تظل صورة المرأة وعلاقتها بالرجل، بالأولاد وبالجيران وبالمجتمع عموما، تشغل حيزا هاما جدا انطلاقا من موقعها ورؤية الآخر إليها وانطلاقا أيضا من وظائفها في المجتمع. إنها كانت وستظل العماد الأساس وحجر الزاوية في الأسرة .
تأسيسا على كل هذه الاعتبارات أصبحت المرأة الإفريقية موضوع بحث على المستوى الأنتربولوجي والإجتماعي والإثنوسيكولوجي .
وقد تمت أشغال هذه الأبحاث تحت إشراف وإدارة مختصين في المجالات المعرفية السالفة الذكر ومن بين هؤلاء ( فيرونيكا كوروك كارادي )، ( جيرار مايير) و( كلام كريول ) الذين وضعوا التعارض ( امرأة / رجل ) في إطار تكامل على صورة المفهوم الثنائي للعالم .
ويبدو هذا التصور جليا في قصص ( بامبارا ) الأسطورية حيث التكامل واضحا خصوصا عند ( دييتيرلا( بواسطة مؤسسة الزواج ومن جانب آخر فالحكايات والقصص التي تحدثنا عنها تحدد وضع المرأة بالاستناد إلى روابط وعلاقات الشر الدائمة والمتلبسة بثقافة ومتخيل ما زال حاضرا في جزء كبير من المعتقدات الذكورية الإفريقية .
كيفما كان موقع الكاتب، فغالبا ما يقدم المرأة في القصة الإفريقية ككائن مقهور، وضيع من زاوية نظر الرجل الذي يهيمن على سلطة الحكي الشفاهي والفعل الثقافي ككل. وهذه حقيقة لا مراء فيها، ففعل الحكي لذا قبائل (الملانكي ) محصور في المجتمع الذكوري ، بينما يقتصر دور المرأة على الشذو والطرب والرقص …
لقد كان وما يزال دورها تقليديا ويبرز هذا بوضوح في رواحها ليلة زفافها للعيش في كنف عائلة الرجل حيث يتوجب عليها أن تبدي الكثير من الطاعة والصبر والإقبال على الأشغال المنزلية والفلاحية .
يقول ) روني لونو ) الذي أمضى سنوات عديدة بين بعض القبائل الإفريقية : "تعيش المرأة الإفريقية غربتين؛ فهي من جهة غريبة وسط عائلتها لكونها سوف تغادرها يوما ما إلى بيت الزوجية، ومن جهة ثانية هي غريبة في عائلة الرجل وعليها أن تبذل الكثير من العمل والجهد وتخضع لأوامر أصهارها.
لقد عاشت كل نساء العالم تحت سلطة الرجال بما هي شرائع حيف وغبن واستبداد ذكوري بما في ذلك مجتمعات الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا الشمالية وشرق آسيا … إن بعض البلدان الأوروبية لم تشرع حق التصويت للمرأة إلا أواخر النصف الأول من القرن العشرين.
" خلق الرجل والمرأة " هو عنوان قصة شعرية تبين جليا تراتيبة وأسبقية الخلق للرجل على المرأة وتحدد بشكل قطعي علاقته بالمرأة التي عليها أن تتصف بالحشمة والخجل وعليها أن تكتم أحاسيسها ومشاعرها، عكس الرجل الذي يتملك كل أدوات التعبير والحيوية والسيطرة على اللغة والحركة، وهذه هي ذات الصورة التي عبرت عنها المقولة الأوروبية التالية : " للرجل الخطوة الأولى وعلى المرأة أن تتسم بالمقاومة التي تعني الحياء الذي يجعل منها كشريك للحياة طرفا أساسيا"، " ولهذا فإن الرجل هو من يبحث عن شريكته في الحياة مما يجعل المرأة مرمى له ودورها يبقى استقباليا وسلبيا كما لوأنها ليست في حاجة طبيعية للرجل".
وفي حكاية أخرى بعنوان " قرية النساء" فالسارد المفترض يتحدث عن تكامل قائم أساسا على هيمنة الرجل، وهو هنا في هذه القصة التي تنتمي إلى مجتمع من مجتمعات شمال إفريقيا انطلاقا من علامة سيميائية واضحة ــ الكسكس ــ في هذه القصة على المرأة أن تجيد طبخ الكسكس كمدخل أساسي للزواج، إنه الشرط الوحيد للنجاح في بيتها المقبل، أما في قبائل إفريقية سوداء جنوب الصحراء، فعلى المرأة أن تجيد العزف على المزمار حتى تتمكن من السيطرة على مشاعر وتوقظ نزوات الرجل .
يقدم طبق الكسكس في طقوس غايتها مد الجسور بين النساء والرجال العازبات والعزاب، من أجل التعارف والتحضير لعلاقات قد تتطور لتصبح مؤسسات أزواج في المستقبل. وعليه يبقى إتقان وبراعة وجبة الكسكس هي الاختبار القبلي وجواز المرور إلى بيت الزوجية والانتماء الاجتماعي .
إلى جانب الحكايات التي تطفح بتهميش المرأة الإفريقية والتي تقصي دورها المركزي كمكمل لدور الرجل في السراء والضراء، هناك في الصورة العكسية شخصيات نسائية لعبت أدوارا ريادية في حياة الرجال والمجتمع ككل، إنهن عبرن من خلال طريق "أنتيغون " و "وسوفوكل ".
توجد نساء في المجتمعات الإفريقية قادرات على القيام بمسؤوليات ومهام أقوى صعوبة من مهام الرجال ــ إذا ما اضطر هؤلاء إلى الغياب ــ حتى وهنّ في حالة الحمل. وهناك العديد من الحكايات والقصص التي تطرقت لهذا الموضوع خصوصا عند قبائل " مانكو" في "الزايير" الكونغو الديموقراطية حاليا ..
في مقتطف من الحكاية الشعرية (( الرجل والمرأة أو الفهد والنجمة (( يقدم صورة قوية غير مسبوقة عن فكر متفرد، لا نظير له، فالكاتب يقحمنا في عالم فانتاستيكي من خلال خصائص إنسانية نادرة جدا. وهذا ما يوضح أنه باستطاعتنا تحقيق الشيء الكثير من لا شيء وهذه بعض الأبيات التي تستحق الإشارة:
هذا ما شاهدت / وقعت امرأة حبلى / قالت لزوجها أنها لن تضع في أي مكان / لن تضع إلا على فروة فهد / استطاع الرجل أن يقتل فهدا / احتفظ بفروته / عندما أحست المرأة بآلام الوضع أخرج الرجل الفروة / وضعت المرأة عليها / ماذا صنع الرجل / تسلق أغصان شجرة وهيأ لها مكان هناك للوضع /
يتضمن هذا المقتطف بعض العبارات المتكررة التي تتنافى مع القواعد النحوية والشعرية بصفة عامة. إنه ــ المقتطف ــ يجعل من المرأة الإفريقية مصدر خصب وحياة ، لكنها غير مشبعة بالحب وجريحة في نرجسيتها في الكثير من الأحايين…
المرأة الصومالية في الحكايات القديمة.. قاهرة الرجال
لكن إﺫا نظرنا شعبنا الصومالي أيضا هناك بعض الحكايات القديمة التي تشير قوة المرأة وملكيتها كأسطورة (طجطير) المعروفة للكل كما يقال أن شخصية (طجطير) كانت ملكة قوية ولها نفوذ عجيب كما تقول الأسطورة، وكانت الملكة تحكم جزء كبير جدا من البلد، فكان لا بد أن يكون لها جواسيس وعيون حتى تتأكد أن مملكتها بخير ، وهذا سبب تسميتها باسم (طجطير) الذي يعنى (صاحبة الأذن الطويلة) بمعنى تسمع كل الأقاويل والمؤامرات ضد مملكتها وتنزل عليهم أقسى العقوبات .....
لديك أيضا الشخصية المعروفة بـ (عرويلا) ، فأسطورة عرويلا كانت امرأة أيضا قوية الشخصية ، وكانت تكن كرها شديدا للرجال وتعذبهم واستخدمت أساليب عدة لتعذيب الرجال وقتلهم.
مع أن المجتمع الصومالي مجتمع ذكوري جدا إلا أن عرويلا قهرت الرجال بشكل لا تستطيع أن تتخيله أبدا، وحيرتهم بألغاز يصعب حلها.
عرويلا تركت قائمة من الوصايا للسيدات بعدها ومن هذه الوصايا وصية ( يا بنات ارفضن ما تردنه ، وما سترفضنه قلن: نريده). وماتت عرويلا وهي تحرض النساء على الرجال ..
هده صورة خيالية في الحكايات الأسطورية الصومالية القديمة ، ففي أرض الواقع الفتاة الصومالية قوية أبية ومناضلة ومحبوبة من أهلها، وفي بيت أهل زوجها معززة مكرمة عكس ثقافات بعض الدول الأفريقية ، الثقافة الصومالية لا تهمش دور المرأة في الحياة فهي سند الرجل في السراء والضراء .
الفتاة الصومالية شجاعة أمام كل الأزمات الحاصلة وإليك أيها القارئ الكريم أكبر وخير مثال لهذه الفتاة، رمز الحرية والإباء (حاوو تاكو) وبطولاتها المعروفة من أجل تحرير البلاد من الاستعمار، وخذ من قصصها طرفا، وهناك الكثير، والكثير، لكن سأترك الباقي لك..
*كاتبة وإعلامية صومالية - الخرطوم
المرأة في الثقافة الإفريقية بقلم:فاطمة شيخ عيسى
تاريخ النشر : 2009-11-13