أين هو الإنقسام الفلسطيني الفلسطيني؟ بقلم:صائب خليل
تاريخ النشر : 2009-11-08
أين هو الإنقسام الفلسطيني الفلسطيني؟ بقلم:صائب خليل


أين هو الإنقسام الفلسطيني الفلسطيني؟


صائب خليل

5 تشرين الثاني 2009


الشعب الفلسطيني متفق بكليته على ما يبدو على أنه يعاني من ألإنقسام الشديد! إنقسام خطير لا يعرفه مثله شعب آخر، ويهدد كيانه ومستقبله. ورغم أن هذا يبدو أمراً واضحاً للجميع. واضح وتتفق عليه الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس والجهاد الاسلامي وفتح والجبهة الشعبية والصاعقة والنضال الشعبي والتحرير الفلسطينية والحزب الشيوعي...و...وهو واضح أيضاً للمحللين الفلسطينيين (وغير الفلسطينيين) وكل شخص على ما يبدو.....إلا أنا!



أرجو أن تتحملني يا قارئي قليلاً، لكني بالفعل لدي مشكلة في رؤية هذا الإنقسام الفلسطيني!

قبل أن نتحدث عن مصاعبي في الرؤية، اليكم بعض ما قرأت أولاً:

"ثمانية فصائل فلسطينية: قرار الإنتخابات يكرس حالة الانقسام الداخلي ولا يمثل ارادة الشعب الفلسطيني."(1)

" الجهاد الإسلامي: الشعب الفلسطيني الذي يرتقب تحقيق المصالحة بفارغ الصبر لم يكن ينتظر خطوات تعمق حالة الانقسام" (2)

"ضرورة تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني" ..."إحباط فلسطيني لاستمرار الانقسام...عمت أجواء الإحباط والتشاؤم قطاعات واسعة من الشارع الفلسطيني." (3)

"فنانون ومبدعون شباب من غزة، يعبرون عن حالة التشرذم والانقسام وحلم الوحدة بين الفلسطينيين،... "

"في ظل تكريس الإنقسام.. فيلم فلسطيني يدعو للوحدة الوطنية بين الشعب الواحد " (4)

"تظاهرة للأطفال في غزة تطالب بإنهاء الانقسام الفلسطيني" (5)

"حواتمة: العرب يموّلون الانقسام الفلسطيني" (6)


نستطيع الإستمرار إلى ما لانهاية له، لكن لنتوقف هنا قليلاً لنأخذ بعض الراحة...

ما لا أفهمه في هذا، أولاً أنه ليس هناك في العالم شعب متحد تماماً، وثانياً أنا أرى أن الشعب الفلسطيني متحد (!) أكثر بكثير مما هو منقسم، بل ويفوق اتحاده ووحدة رأيه الغالبية العظمى من شعوب الأرض!...

إسمحوا لي بدقائق من وقتكم لنرى...لعل خير طريقة لقياس مدى وحدة رأي الشعب، هي من خلال نتائج إنتخابات نزيهة! ولحسن حظ الشعب الفلسطيني، ولنادرة تاريخية لا يحظى بها إلا شعب ذو حظ عظيم، سمحت الظروف للفلسطينيين أن يقولوا رأيهم بحرية, وبنزاهة لم يعترض عليها حتى الخاسرين فيها.


الآن، الإنقسام الشديد يعني بالضرورة أن تكون الآراء بعيدة اولاً ومتقاربة العدد ثانياً. فماذا قالت نتائج الإنتخابات الفلسطينية؟ أولاً كان المتنافسون متفقين على المبدأ، ويختلفون على الوسيلة لتنفيذه. وثانياً الشعب صوت بشكل كبير لصالح برنامج أحد المتنافسين دون غيره! فأين الإنقسام؟ الفائز فاز بفارق كبير في الأصوات يتيح له أن يشكل حكومة شرعية بدون إضافة أي جهة أخرى، فأين "ألتشرذم"؟

أذكركم أننا نتحدث عن "إنقسام" و "تشرذم" الشعب الفلسطيني، وليس سياسييه، فـ "تشرذم" السياسيين طبيعي جداً، ولو لم يكن السياسيون منقسمون، لكانت الإنتخابات ناقصة، كما هو الحال في الإنتخابات الأمريكية مثلاً، حيث يضطر الناخبون إلى اختيار واحد من خيارين لافرق كبير بين مواقفهما.


إذن لدينا سياسيون مختلفون، وشعب اختار بوضوح من يريد أن يمثله منهم، وبفارق مريح...هل يسمى ذلك انقسام شعبي؟ أرجو أنك فهمت وجهة نظري الأولية، لكن لنقرأ المزيد:

"مؤتمر الخريف: الانقسام الفلسطيني والتحديات....يعتصر الألم القلب عندما نرى الشعب الفلسطيني وقد انقسم إلى فسطاطين، أحدهما في غزة بقيادة حركة حماس والمتعاطفين معها، والآخر في الضفة الغربية بقيادة حركة فتح والمتعاطفين معها..." (7)

أي فسطاطين وأي سبعة فسافيط؟ حماس لم تفز في غزة فقط بل فازت في الضفة الغربية أيضاً، فعمن يتحدث هذا عندما يكتب عن " الآخر في الضفة الغربية بقيادة فتح والمتعاطفين معها..."؟؟ من هم "المتعاطفين معها"؟ هل سبق لرئيس أمريكي أن فاز في جميع الولايات في بلده؟ حسناً...حماس فازت في "جميع الولايات" الفلسطينية، ورغم ذلك يريدون إقناعنا يا صاحبي بأن هناك "إنقسام" و "تشرذم" خطير في الشعب الفلسطيني!


لا أدري لماذا إذن، وبعد كل هذا الوضوح في الموقف، يصور أحد رسامي الكاريكاتير الشعب الفلسطيني كالمجنون، تلاوي يده اليمنى يده اليسرى وهو يعتصر جهداً! إنه كاريكاتير قد يعبر عن أي شعب آخر أكثر من الشعب الفلسطيني!


لقد انزعج الدكتور مصطفى البرغوثي عندما قامت حماس بـ "الإستيلاء على السلطة" في غزة، فكتب: الانقسام الفلسطيني اخطر مما كان سائدا عام 1948 ...على القوى الوطنية ان تقدم رؤية وحدوية تركز على احترام الشرعية الوطنية وتجد مخارج لاستعادة وحدة الشعب ومنع انقسامه....الاحداث المؤسفة التي شهدها قطاع غزة ....رفض حسم الخلافات السياسية بالقوة العسكرية كما جرى في القطاع ....رفض الاقصاء لاي طرف من الاطراف السياسية..... التراجع عن خطوات عديدة خرقت الشرعية والقانون...انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة تشمل الجميع ولا تستثني احدا لكي نعود الى المرجع وهو الشعب الفلسطيني ... ما حققه الشعب الفلسطيني من استقلالية قراره الوطني وتمثيله لنفسه بات اليوم معرضا للخطر بسبب الانقسام الداخلي.... (8)


ما أفهمه يا دكتور، وارجو أن تصحح لي رأيي إن أخطأت، أن "الأحداث المؤسفة التي شهدها قطاع غزة" هي التي أنقذت ما أمكن إنقاذه من الشرعية والقانون، من مؤامرة من خسر السلطة بالإنتخابات، فحاول الإستيلاء عليها بالقوة العسكرية، فاضطرت الشرعية للإكتفاء بسلطتها على جزء من البلاد التي يفترض أن تحكمها كلها، وأن يقف معها ويساعدها في ذلك كل شخص ديمقراطي أمين لمبادئه. أما عن "رفض الإقصاء لأي طرف" فالديمقراطية تقصي الأقلية من قرار الحكم، وهذه هي ديمقراطية أوروبا وأميركا وكل ديمقراطية تعمل في العالم، فهل تطالب حماس بأكثر من ذلك ديمقراطيةً؟ الشعب الفلسطيني قرر بأصواته أي طرف يجب "إقصاءه"، فهل يحق لك أن تقرر العكس، مهما كان رأيك بالأطراف المختلفة؟

والحقيقة أن حماس قدمت أكثر مما تتطلب منها الديمقراطية بالفعل! لقد طلبت من الخاسرين، وبدون أن تكون مضطرة لذلك، أن يشكلوا معها حكومة وحدة وطنية، ورغم علمها بأن هؤلاء يتآمرون عليها, وإنهم مجموعة فاسدة حتى العظم، فماذا نريد من حماس أكثر من ذلك؟

ولماذا تريد إنتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة؟ اليس من حق الفائز أن يحكم شرعياً لحين انتهاء فترة ولايته؟ إذا كنا سنعامل نتائج الإنتخابات الأولى بهذا الإحتقار فلماذا سنعامل الإنتخابات التالية بشكل أفضل؟ ولنفرض أن عباس فاز في الإنتخابات الثانية، وطلبت حماس أن تجري أنتخابات ثالثة، فما هو الموقف؟ إن إعادة الإنتخابات بدون مبرر قانوني، بحث عن المتاعب، وبحث عن الإنقسام الحقيقي ليس إلا!

"أن ما حققه الشعب الفلسطيني من استقلالية قراره الوطني" لا يجد طريقة للحفاظ عليه أفضل من احترام نتائج الإنتخابات النزيهة التي قال فيها الشعب الفلسطيني رأيه لأول مرة في حياته بحرية تامة!


كتب آخرون يلقون باللوم في مشكلة عدم تقدم القضية الفلسطينية من الحل، على "الإنقسام" و "التشرذم"، لكن أليس الأقرب إلى الحقيقة هو أن "القضية" بقيت صامدة بعض الشيء، بفضل وحدة جميلة، وإن لم تكن كاملة، للشعب الفلسطيني، الذي كان واضحاً في خياراته إلى درجة جعل تجاهلها أمراً شاقاً على أعدائه؟

لو أن الشعب الفلسطيني انقسم فعلاً، وكان نصفه مع عباس، لما كان هناك أية فرصة لصمود الجانب الآخر ضد قوة تعادله مضاف إليها مساندة إسرائيل وأميركا والغرب كله، لكننا الآن أمام جانب تدعمه إسرائيل وأميركا مقابل جانب يدعمه أغلبية فلسطينية واضحة!

أن ما نراه من توازن قوة ليس بسبب انقسام الشعب الفلسطيني بين كفتين متوازنتين، فكفة عباس تأخذ وزنها الأساسي من ضغط اليد الإسرائيلة والأمريكية على الميزان! فهل يصح أن نطلق على هذا الحال كلمة "إنقسام"؟


لنلاحظ أيضاً، أن السبب الأساسي الذي فضل الشعب على أساسه حماس على فياض وعباس، ليس رفض الشعب لـ "الحلول السلمية" وتفضيل الحل المسلح، كما يحلو للبعض تفسيره، وإنما لأن جماعة عباس كانت تبدو للشعب الفلسطيني كعصابة لصوص (يقودها قاتل، كما تبين فيما بعد). لقد رفض الشعب الفلسطيني، رغم كل الإعلام الموجه والضغط والإرهاب، عصابة اللصوص بدون اي انقسام كبير، بل أنه كان موحداً إلى درجة ممتازة.


قلت أن "وحدة الشعب الفلسطيني" ليست كاملة، لكنها تبدو لي ممتازة، لذا فالحديث عن "ضرورة تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني" ومطالبته بالمزيد من التوافق والمصالحة، ليسا من العدل في شيء، فالوحدة متحققة إلى حد ممتاز على مستوى الشعب، وكان على الخاسرين، لو أن لديهم أي حرص على مستقبل شعبهم، أو شرف شخصي، أن يحترموا إرادته وأن يعيدوا النظر في ما آل إليه حالهم وصورتهم، إن أرادوا العودة إلى قيادته ثانية. لكن بدلاً من ذلك، أنظروا ماذا يفعلون حين بين الرئيس المرفوض نيته لعدم الترشيح؟ إنهم يصرخون بأعلى أصواتهم مطالبين ببقاء المرفوض المتهم بالقتل والملطخ بالفضائح، رئيساً لهم، لا غنى عنه ولا بديل له، فماذا تفعل بمثل هؤلاء الذين لا يستطيعون الحياة إلا تحت قيادة قاتل؟ هل هناك حكومة في بلد طبيعي لشعب طبيعي تلام على رفضها مشاركة مثل هذه العصابة في السلطة؟ هل تطالب الشعوب بالتوافق مع لصوصها؟

الدول التي تطالبها بذلك لا تكتفي بـ "إقصاء" أمثال السلطة الفلسطينية من الحكم، بل يضعونهم خلف الزنازين أيضاً، و لا يطالبهم أحد بالمصالحة وتشكيل حكومة نصفها من المجرمين!


قلت، ليس من شعب يطالب أن يتصالح مع اللصوص والقتلة ولا أن يشاركهم الحكم، لكن الحقيقة هي أن الإحتلال كان وسيبقى دائماً يفعل ذلك. وبالرغم من أنه نفسه يضع أمثال هؤلاء في بلاده في السجون والإعدام أحياناً، إلا أنه يصر على أن يحكم البلدان التي يحتلها، حثالاتها، وإن لم يستطع أن يفرض سلطتهم على الحكم، فعلى الأقل مشاركتهم به، يضمنون فساده وينتظرون الفرصة السانحة لذبح شركائهم المنتخبين والإنفراد بالسلطة لتسييرها كما يشاء الإحتلال. هذا ما حدث في أميركا الجنوبية وغيرها مراراً وتكراراً، ويحدث الآن في فلسطين والعراق. وفي كل مكان يحدث ذلك فيه، تتردد نفس الأصداء لنفس العبارات من "رفض الإقصاء" و "الطائفية" و "المصالحة" و "حكومة الوحدة الوطنية" و "الذين لم تتلطخ ايديهم بالدماء" (يقصد عادة من لم يتم الإمساك به متلبساً) و "الإنقسام" و "التشرذم" وغيرها. إنها عبارات لا تخلوا طبعاً من الحق أحياناً، لكنها تستعمل دائماً عندما يكون الإحتلال بحاجة إلى إدخال حثالاته وعملائه ولصوصه وقتلته إلى السلطة، ومنع الشعب من تكوين حكومة منتخبة قادرة على العمل والدفاع عن مصالح شعبها، وحتى عندما ينتخبها هذا الشعب بأمانة وبأغلبية كبيرة واضحة، كما فعل الفلسطينيون فعلاً، وبانسجام واتفاق يحسدون عليه.


هذا لا يعني أن الحكومة المنتخبة تستطيع فعلياً أن ترفض اللصوص الذين يفرضهم الإحتلال، فمقاييس القوى تفرض نفسها في كل بلد، وكثيراً ما يستحيل تجاهل قوة الإحتلال واللصوص مجتمعة. لذا فليس كل من يدعو إلى "المصالحة" يعمل بالضرورة كمأجور لصالح اللصوص، وأحياناً لا بأس من القبول بحل وسط ما، لكن هذا لا يبرر أن نشوش الصورة أمام الشعب، ونصور الوضع على أنه "إنقسام": علينا أن نقول لهم بصراحة: أيها الشعب، لقد أخترت بوضوح، وكنت موحداً إلى درجة تثير الإعجاب، لكن لا مفر من قبول بعض اللصوص ضمن حكومتك المنتخبة. هكذا هي حال العالم للأسف. وإن أصررت على أن تكون حكومتك نقية خالية من اللصوص فعليك أن تتوقع المزيد من الأذى من الذين يمثلهم هؤلاء اللصوص، والخيار لك.


هذه رؤيتي للأمر، فهل مازلت مصراً يا قارئي أن هناك مشكلة إنقسام "فلسطيني فلسطيني" "خطير"، وأن الحل هو في "المصالحة" و "حكومة وحدة وطنية"؟ إذن ما أزال وحدي من يعجز أن يرى أين هو ذلك الإنقسام! مازلت لا أرى "ملابس الإمبراطور".


(1) http://www.arrouiah.com/node/212040

(2) http://www.arabs48.com/display.x?cid=6&sid=7&id=66461

(3) http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C831BA18-CE0C-4F2E-B8B1-8E028CB41CF8.htm

(4) http://hanzala.net/2009/04/07/jen-shhb-kjasnu-zbedjuuzg..-jenbg.html

(5) http://arabic.peopledaily.com.cn/31662/6790944.html

(6) http://www.e-joussour.net/ar/node/3150

(7) http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=443532&issueno=10563

(8) http://www.almubadara.org/new/details.php?id=3158