شمشون الجبارمن التوراة الى المسرح بقلم:حمزة حسان الاعرجي
تاريخ النشر : 2009-11-04
شمشون الجبار حمزة حسان الاعرجي
من التوراة إلى المسرح

لا يأتي من الغرب ما يسرّ القلب ! هذا هو المثل عند أبناء أمة العرب ! . وبعد مرور ستون عاما على أفضع مؤامرة اقترفها الغرب بحق الإنسانية بوقوفهم وتأييدهم لليهود باحتلال فلسطين العربية و الفتك بأهلها الشرعيين بأبشع أنواع الإرهاب ومصادرة أراضيهم وديارهم وتشتيتهم في المخيمات البائسة . وفي هذه الذكرى الأليمة احتفل صناع القرار في أوربا بقيام ما يسمى بدولة إسرائيل ! ولم يرتفع صوت رسمي واحد في الوطن العربي لاستنكار هذا الموقف ! عدا فعّاليات جريئة أقامتها إمارة الشارقة العربية بتقديم عروض مسرحية استمرت عشرة أيام من 17 مارس – آذار 2009 وحتى 27 منه ، وقد بدأت بعرض مسرحية ( شمشون الجبار ) تأليف الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، وهي صرخة للتاريخ بوجه البربرية التي تحاول أن تصرع الحق بالقوة ، وقد أوجز منظرو فلسفة التاريخ هذا السلوك الخاسر بهذه العبارة : (( إن الفكرة الوحيدة التي تدعو للارتياح بخصوص العدوان هي انه دائماً يبتلع سمّه الخاص )) .
و ملخص حكاية ( شمشون الجبار ) التي جاءت في سفر القضاة من التوراة : إن هناك رجل إسمه ( منوح ) من عشيرة الدانيين – يهودي – في قرية ( صرعة ) وكانت إمراته عاقراً لم تلد ، ولكن ملاك الرب يتراءى لها ويخبرها إنها ستحبل و تلد ابناً يكون نذيرا للرب وهو الذي سوف يخلّص اليهود من الفلسطينيين . . وتلد هذه المرأة إبناً وتسمّيه ( شمشون ) .. وعندما كبر هذا الأبن نزل مع أبيه و أمه إلى مدينة ( تمنة ) وفي الطريق يعرض لهم أسد يزمجر ، فيمسكه شمشون ويشقه كشق الجدي بيديه ! . وعند العودة بعد عدة أيام يجد في جثة الأسد خلية من النحل قد ملأت جوف الأسد بالعسل ! فأخذ منه ملئ كفيه ، وكان يمشي ويأكل هو وأبويّه .. وعندما ضايقه الفلسطينيون ، أمسك شمشون ثلاث مئة من ابن آوى وأخذ مشاعل وشدّها بين كل ذنبين منهما وأضرمها ناراً وأطلقها بين زروع الفلسطينيين ، فاحرق أكداس الحصاد و الزرع و كروم العنب والزيتون ! . وفي مرة من المرات تعرض له الفلسطينيون ، فقتل منهم ألف رجل بفك حمار ! وعندما سُجن في ( غزة ) قام عند منتصف الليل واخذ مصراعي باب المدينة وقلعها مع العارضة ووضعها على كتفيه وصعد بها إلى رأس الجبل مقابل ( حبرون ) ! . وكان بعد ذلك أن شمشون أحبّ إمرأة فلسطينية من وادي ( سورق ) إسمها ( دليلة ) .. ويتفق معها الفلسطينيون لتكشف لهم سر قوة شمشون .. فتسأله عدة مرات ، ولكنه كان يكذب عليها ، فمرة يقول لها : إذا أوثقوني بسبعة أوتار طرية اضعف وأصير كواحد من الناس ، ويصعد له الفلسطينيون الكامنون له ، فيقطع شمشون الأوتار وينهزم الفلسطينيون ، وتلح عليه دليلة من جديد عن سر قوته ؟ ! فيقول لها : إذا أوثقوني بحبال جديدة لم تستعمل اضعف و أصير كواحد من الناس ! فتوثقه دليلة وتصيح به : الفلسطينيون عليك يا شمشون ! ثم يقطع الحبال ! فتقول له دليلة : كيف تقول أحبك و قلبك ليس معي ؟ ! لقد خنتني ثلاث مرات .. ولكنها أصرت وأخذت تلّح عليه حتى اخبرها انه نذير للرب من بطن أمّه ، وإذا قص شعر رأسه تفارقه قوته ويضعف ويصير كأحد من الناس .. فأنامته دليلة على ركبتيها ودعت رجلا و قص شعر رأسه .. وفارقته قوته ، فأخذه الفلسطينيون وسملوا عينيه وأوثقوه بسلاسل نحاس ونزلوا به إلى ( غزة ) ليطحن في بيت السجن .. وابتدأ شعر رأس شمشون ينبت .. ولما طابت قلوب الفلسطينيين قالوا : ادعوا شمشون ليلعب لنا ، وجئ به من السجن ، فلعب أمامهم .. وكان البيت مملوءاً بالرجال و النساء وجميع أقطاب الفلسطينيين ، و على السطح نحو ثلاثة آلآف رجل وامرأة .. فقبض شمشون على عمودي البيت وصاح : (( لتمت نفسي مع الفلسطينيين ، وانحنى بقوة ، فسقط البيت على أقطاب الفلسطينيين وعلى كل الشعب .. )) . ( 1 ) وإذا تأملنا بنية هذه الرواية فسوف نجد مضمونها يهدف إلى حسم صراع يائس بين قوتين متضادتين وبإسلوب مفرط ، وهي حكاية تحنطت بغلاف إسطوري وضع في ارتباك تشبيهي مبالغ به يعكس روح صراع مخيف غير متكافئ كامن في اللاوعي الجمعي لليهود . (2) وقد حلل علماء النفس شخصية شمشون : أنه كان يعاني من أعراض اختلال الشخصية ، وقال الدكتور ( ايرك التشولير ) الباحث بجامعة كاليفورنيا في ( سان ديغو ) الذي نشر أبحاثه عن شمشون الجبار في العدد الأخير من مجلة ( نيو ساينتست) البريطانية : إن شمشون لم يكن بطلاً البتة ، بل كان مصاباً بمرض عقلي ، وأنه يعتبر بالمقاييس الاجتماعية الحالية احد السفاكين ، أو قطاع الطرق ، وأشار هذا الباحث إلى أن شمشون الذي قتل لوحده ألفاً من الفلسطينيين ، لم تبدُ عليه أي من علامات الندم على فعلته ، كما انه اظهر بشكل أخرق عندما كشف سرّ قوته لدليلة التي حاولت الإيقاع به ثلاث مرات ، كما إن هناك دلائل تشير إلى الشخصية المعادية للمجتمع ، وهي حالة مرضية يمتلك أصحابها ثلاث خصائص سلوكية ، مثل الإندفاع المتهور و الطيش ونزعة الدخول في المشاحنات .. وقال : إن قصة شمشون تظهر انه كان مصاباً منذ طفولته بمرض عقلي لأنه كان يشعل النيران ويعذب الحيوانات ويسرق الأطفال .. )) ( 3 ) ويبدو إن هذا العالم النفساني قدّ صدّق بوقوع هذه الأحداث ووجود شمشون و دليلة التاريخي ! أما تحليله النفسي هذا فانه ينطبق على كاتب هذا السفر وعلى نفسية المتطرفين من اليهود ، وهذا ما نحسّه في رواية ( طوبى للخائفين ) للكاتبة الصهيونية ( يائيل دايان ) في رسالة من ( جيدون ) الى ( نمرود ) التي تقول فيها : (( لقد كنت فاسداً وقوياً في البداية ، وها انذا انتهي فاسداً وضعيفاً .. فانا مهدد بمصيري وأنت سوف تجّن وتدمر ما حولك و تدمّر نفسك قبل كل شيء .. إنني أترك الأرض لألحق بمن هم أحسن منّي ، مثل ( لاميش ) الاسكافي العجوز)) ( 4) .
وقد تناول الكتّاب و الرسامون و الفنانون موضوع ( شمشون ودليلة ) فكتبوا عنها أقاصيص و مسرحيات ولوحات فنية ، فقد كتب الشاعر الفرنسي ( فرنان لامير ) تمثيلية غنائية وضع موسيقاها ( كميل سانس ) ومثلت على مسرح ( الأوبرا ) بباريس سنة 1892 ،وكذلك رسم الفنان الكبير ( روبنز ) لوحته الرائعة التي تمثل دليلة وهي تنادي شركائها الفلسطينيين بعد أن قصت ضفائرشمشون وأفقدته قوته. وفي عام 1948عرض على شاشات السينما فلم (شمشون ودليلة)(5) . وقد زيدت في نهاية الفيلم صيحة شمشون القوية(( عليّ وعلى أعدائي يارب )) وقد ذهبت مثلا, وهي لم توجد أصلاً في كتاب العهد القديم (التوراة)! وقد منعت الدوائر الصهيونية هذه العروض بحجة إثارة السخرية من اليهود وتذكّر العالم بوحشية سلوكهم وحتمية المصير, وإرضاء لهذه المشاعر تناول المتاجرون بالكلمة من الكتّاب (دليلة) الفلسطينية وصوروها رمزاً للخيانة والغدر متناسين الفظائع والفواحش التي تحلت بها قديساتهم (يهوديت) و(أستير) و(هيروديا) وابنتها (سالومي) التي رفضت أن ترقص عارية أمام عمها (هيرود) ملك اليهود إلا بتلبية طلبها بقطع رأس النبي (يوحنا) المعمدان! وقد وصف اليهود هذه النساء بالوفاء والبطولة!(6) .
إن اليهود الذين احتلوا فلسطين لايمتّون لفلسطين بأية صلة أو انتماء إلى العرق السامي وقد ثبت تاريخيا إنهم خليط من الشعوب (الآرية) فان (الاشكيناز) وهم من اكبر القبائل الفارسية دخلوا الديانة اليهودية عام 539 ق . م عندما احتل الإمبراطور الفارسي (كورش) مدينة (بابل) وحرر اليهود من الاسر لدورهم الفاعل في تسهيل الاحتلال , يؤكد ذلك ما جاء في سفر (استير) اصحاح / 8 :(( وكثيرون من شعوب الأرض تهوّدوا لان رعب اليهود وقع عليهم ))(7). وفي عام 740 م أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد , دخلت مملكة (الخزر) باجمعها مع مليكها (بولان) وابنه (عوبادش) في الديانة اليهودية , وتقع مملكتهم بين بحر (قزوين) والبحر الأسود وعاصمتهم (آتيل) الواقعة على نهر (الفولغا) وشتتهم الروس سنة 1016م . وهم يهود (السفارديم) أي (الشتاة) وهم من العنصر الآري , وقد كتب عنهم (يهوذا هالفي) في كتابه (الخزر)(8) .
ولغطرسة اليهود واعتقادهم بقدسية الجريمة وجشعهم بجمع المال عن طريق الربا الفاحش , نبذتهم شعوب الأرض , فنقرأ في سفر يشوع إصحاح / 6 :((حرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة , من طفل وشيخ , حتى البقر والغنم والحمير بحّد السيف واحرقوا المدينة بالنار))(9) ونقرأ في سفر اشعيا / اصحاح/ 61 :(( أما انتم فتدعون كهنة الرب تاكلون ثروة الامم وعلى مجدهم تتآمرون))(10)! وازاء هذا السلوك اللاّ إنساني المقزز قام فلاحو (بلاثينيا) عام 1431م بحمل السلاح في مدينة (رمز) وفرضوا على مجلس المدينة ان يسلمهم اليهود لأنهم أفقروهم ـ عن طريق الربا الفاحش ـ وجردوهم من ثيابهم الأخيرة(11).
يقول (شلومو ساند) في كتابه :shattering a national mytheology (تحطيم اسطورة وطنية ) :((إن سلوك دولة إسرائيل يعمل على تدمير وجودنا بشكل أكثر خطورة .. ولو كنت فلسطينياً لقمت بالثورة على مثل هذه الدولة , وبالرغم من كوني إسرائيلي إلا إنني ثائر ضدها))(12).


























المراجع:-
1- العهد القديم ، ترجمة فانديك و البستاني ، نداء الرجاء – شتوتغارت – المانيا ، 1991 ، سفر القضاة .
2- حمزة حسان الاعرجي ، مقالات على هامش التراث ، دار اية ، الموصل ، 1995 ، ص 161 .
3- د . محمد عبد العزيز ربيع ، عبر الانترنت على الموقع :WWW . yazour . com
4- نصر شمالي ، إفلاس النظرية الصهيونية ، منشورات فلسطين المحتلة ،1980 ،ص 126 .
5- مجلة ( الهلال ) المصرية ، عدد ديسمبر – كانون الاول 1949 ، مقال للأستاذ حبيب جاماتي ( دليلة الفلسطينية الامرأة التي أهلكت شمشون الجبار ) ص 97 .
6- العهد القديم ، سفر القضاة , وسفر يهوديت ، و الملوك الثاني ، واستير . وإنجيل متى / اصحاح الثاني و الثالث .
7- العهد القديم ، سفر ( استير )
8- نصر شمالي ، ن . م ، ص60 .
9- العهد القديم ، سفر ( يوشع ) .
10- العهد القديم ، سفر ( أشعيا ) .
11- نصر شمالي ، ن . م ، ص73 ، عن أبراهام ليون ( المفهوم المادي للمسألة اليهودية) ص114 .
12- د. محمد عبد العزيز ربيع ، ن.م ، ص4 .