التحزب القح و مصالح الوطن
عماد علي
انه لبديهي و طبيعي ان يحب المواطن وطنه و نعرف جميعا بان الوطن اقدم و اعلى و اثمن من الحزب و اية حركة او تركيبة سياسية مهما كانت اهدافها و شعاراتها، غير ان الشعب و المواطن الانسان هو الاهم و هو الهدف الاسمى و الاعلى من كل المسميات المادية و المثالية الاخرى، و الاهداف و الامنيات العامة هي من اجل الانسان ذاته و ليس المكان او الموقع او البقعة التي يعيش فيها او ينتمي اليه . و هذا لا يعني ان لا يكون هناك حب للوطن و التضحية من اجله، بل في تسلسل الاهميات و المهمات التي تندرج لهذه المفاهيم الاولوية للانسان ثم الوطن و اخيرا الحزب او الفكر و العقيدة و الايمان ان كنا نهتم بالحياة و ما فيها و نحن علمانيين، و العلمنة تعني العديد من المفاهيم العصرية المتمدنة الحديثة و اولها الفكر الانساني و العقلية الانسانية.
و لا يوجد على هذا الارض من لا يحب البقعة التي ترعرع فيها ، اي المواطن يحب وطنه و يحس به من قرارة نفسه مهما كانت ظروفه، و ان احس بالاغتراب و عدم الرضا فانه لا يكره وطنه مهما حدث الا القليلين جدا و هم ما يمكن ان يُنعتوا بالالقاب و المسميات الشتى، و الولاء للوطن قبل اي شيء اخر هو قمة الوعي، و لكن بعد الايمان بالانسانية و حب الانسان و حتى قبل الوطن ايضا، مهما ادعى البعض من الايديولوجيين المتطرفين او المثاليين و المتدينيين المتشددين و العقائديين، التضحية بالدم و النفس في سبيل الوطن .
الولاء و الرضوخ للوطن ليس بعمل انساني مقدس فقط و انما واجب على المواطن ان يتسم به بكل صدق و اخلاص، لا سيما الحب للحياة و الذات يختلط في اكثر الاحيان مع الوطن، و الانسانية التي تعتبر من الافكار التقدمية الحضارية قريبة جدا من الحب و الولاء للوطن ، و هو الذي يساند و يدعم انبات الفكر الانساني الحقيقي الصحيح في كيان اي فرد في المجتمع و لكن الانسان و ما يخص حياته بنفسه فوق الجميع.
انما نقصده هنا هو العلاقة بين الوطنية و الحزبية او السياسة، و يمكننا ان نقول بانهما يمكن ان لا يكملا بعضهما كما هو العلاقة المتكاملة بين الانسانية و الوطنية، اي يمكن ان يكون الفرد وطنيا دون ان يكون سياسيا او حزبيا ، و لكن لا يمكن لاي وطني ان يكون بعيدا عن الفكر الانساني و الانسانية في عقليته و سلوكه و تصرفاته .
كما هو الحال في اكثرية بلدان العالم عدا الدول التي ترزح تحت نير و ظلم النظم الدكتاتورية التي تفرض الولاء و التحزب بالقوة، فان اكثرية المواطنين ليسوا بسياسيين و غير منتمين للاحزاب و حبهم و ولائهم و تضحياتهم للوطن و التزامهم بقوانينه يفوق اية مباديء اخرى لهم وهم اقرب الى الانسانية كما هو المعلوم عن غيرهم، و هم يهتمون بظروف معيشتهم و كيفية تحسينها.
ان ما نتعايشه في هذه المنطقة بالذات، اخر ما يفكر به المواطن هو الوطن و اصبح التحزب في قمة الاهتمامات و الاسباب معلومة للجميع، و اصبح الهدف الرئيسي لكل مواطن و حزب هو الاستحواذ على السلطة و الفوز بالملذات في الوقت الذي نحس ان الغالبية العظمى هم من يمتهنون السياسة و منتمون الى حزب ما لاسباب ذاتية معيشية فقط بعيدا عن الفكرو العقيدة في الاكثرية الغالبة فيهم و في واقع و وضع عام غير مشجع للالتزام بما يهم الانسانية و حب الاخر. و هذا يثبته التاريخ ، فكم من منتم حزبي اثبت ولاءه لحزبه و قائده و في لحظة ارتد و انقلب و شارك في دحر و سقوط من والاهم من قبل من اجل مصلحة او اضطر لسبب ما في ولائه.
عندما يختلط اداء الواجبات الحزبلية مع خصوصيات المواطن فالطريق تتفرع و المنتمي لاي حزب و هو يحاول العمل من اجل حزبه فيتفنن مع حزبه في محاولاته لزيادة عدد المنتمين باشكال مختلفة ، عندئذ لم تبق مصالح الوطن في الاولويات بقدر مصالح الحزب و ما يهمه، و الى جانب ذلك يشغل هذا الهدف فكر و عقلية الخبراء و المختصين المنتمين في هذا الجانب بدلا من مكانهم الحقيقي و هو ممارسة تخصصاتهم المهنية و تلاحمهم مع الفئات و الكونات المتعدد للشعب مما يزيد من فرص تضحياتهم للوطن و عملهم بروح و نفس انسانية و هم يوفرون الخدمات و ضروريات المواطن التي هي الاهم، اي ان كانت الانسانية هي المبدا المعتمد في العقلية العاملة في اي مجال فتكون مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات و لم يبق اي عائق امام تقدم المواطن و تنمية الوطن و تطوره الا التحزب القح الضيق .
التحزب القح و مصالح الوطن بقلم:عماد علي
تاريخ النشر : 2009-10-09
