القدس على بالي
تاريخ النشر : 2009-10-02
القدس على بالي


قصتي هي قصه ابتسامه اذابتها الدموع المالحه التي خرجت من قلب مجروح ... تحكي عن
دموع هاربه من وطن ضاع بين زحام الاوطان ... تحكي عن زهره ليست كالزهور بل
هي الشمس عند اشراقها كل صباح وهي ام المساجد بل هي اكثر من ذلك انها عاصمتي التي رميت خارج اسوارها... انها قدسي التي لطالما اعتدت البكاء بين ذراعيها واشكو لها افعال الدنيا بي ... اليوم ...وهو ليس ككل يوم انه يوم الجمعه الذي تحبينه يا قدس ...يجتمع به الناس كبارا وصغارا واغنياء سواسية مع الفقراء ليصلوا رافعين ايديهم لله الذي فوق الكل ...اغلقوا ابواب رزقهم وحضروا من كل زقّ وشارع يعبرون ابوابكي السبع متحابين ... وهم مقبلين اليكي لمحت في عيناك دمعه محبه اطلقتها عبير مشاعركي الرقيقة واه... كم اثّرت فيّ هذه الدمعه ... وكم اشتاق لسماع صوت اقدام المصلين متخابطة تسير اليكي داعية لله بقاءكي فوق هذه الارض المقدسة تغيظين العدو بطلّتكي البهية كل يوم ... كم من سنين مرت وانا لا ازال اسير داخل وطني؟... وكم من اليالي مرت دون ان اركع تحت قدميكي الطاهرتين واتمنى الشهادة الف مرة قبل ان تذرفي الدموع على من رحلوا عنكي وماتوا ... وكم من صبح مرّعلي كأنه بارود يخترق جسدي ويفتت قلبي الى اشلاء عندما افتح نافذتي الصغيرة ولا ارى قبتكي الذهبية تنير لي نهاري ...كم اشتاق لصوت اذان الصبح يطرق ابوابنا لنستجيب لنداء الصلاة ... واه ياقدس متى اللقاء متى يكون الوفاء بهذه الوعود الكاذبة ؟! ...
متى اللقاء يا من اشتاق الى اسوارها ورائحة عطرها الصباحي الذي اشعر انه يعبر عن قدسيتها كلما شممته ... متى السجود على أرض سرى منها خاتم الانبياء لابكي على ترابكي واعاتبه على هذا البعد الطويل ... لاحكي لكي عن معاناتي في البعد يا حبيبتي ... فلطالما اعتدت على ان احكي لكي عني ... متى اللقاء يامن هجرتها رغما عني ... تركتها ويا ليتني تركت الحياة قبل ان اخرج مجبرا منها ...
متى سأشرب قهوتي الصباحيه وانا اسير ذاهبا اليها اعبر الاسواق واسمع صوت عتاب ونداء كم اشتاق لاصوات البائعين عندما ادخل باب العمود وارى في عيونهم عطش كبير للنصر... كم اتمنى ان القى اصدقائي هناك لنسجد معا سجده الوحده اما بابكي... بالامس حدثتني جدّتي عن بطولات صنعتها ايدي ابناءكي وكم كنت سعيدا لسماعي عن امجادكي ... حدّثتني عن صلاح الدين والياسر الاسير ... اخبرتني عن دماء الشهداء التي مهما تحدثت عنها لن استطيع وصفها اكثر فهي مغموسه مع كل حفنه تراب في ارض فلسطين كلّها ...
بالامس ضحكت على سخريه القدرمن الذي وعدنا بان نجتمع من جديد لكن ... قلّ من يفي بعهده هذه الايام ... وبكيت على قسوه الحكم الذي أجبرت على تقبله وهو الابتعاد عنكي ... بكيت لان حكم الحياه حرمني من التداوي بنوركي كلّ صباح ...
خابرت اهلي بالقدس القديمه اليوم وحدثوني عنكي وازداد وصفهم لكي ... سمعت انكي لا تزالين تحاربين بشتى انواع الاسلحه بل ولا تنامين ... اعلمي يا قدس اني لم اغادركي ابدا ولم انساكي ودرت العالم فلم اجد بديلا عنكي ولن اجد ... وصفوا لي عيناكي السوداوان اللتان كلما رأيتهما كنت اسمع امواج البحر فيهما مدا وجزر واغوص من خلالهما الى اعماق التاريخ لاكتشف الكثير عنكي لم تريدي ان تكشفيه ... نسيت ان اصفكي وقت الغروب فأنتي وقت الغروب عروس فلسطينيه تختال بين الناس متراقصه على انغام اروع الاغاني والنجوم تنتظر المغيب لتشبع ناظريها برؤياكي ...وعندما تشهدين على موت احد ابنائكي تكوني كزيتونه وقع منها احد اغصانها ...
سمعت انكي حزينه ... لا تحزني على فراقنا انما عودتنا قريبه ولا تبكي علينا فنحن ان غبنا الانزال نفكر بكي كل يوم ... فالحزن ليس لونكي المفضل ولا تلبسي زي الدموع الجديد بل أتركيه وتحدي الحزن كما عهدتكي دائما والبسي زي الصمود والمحبه ... فالكلّ هنا وهناك لايزالون يصرخون انتي منا وفينا وارضنا اللتي مهما طال الزمن علينا نحن عائدون عائدون عائدون ومن خلف سجوننا الورقيه قادمون اليكي شهداء ومصابون ... متعلمون وأميون اليكي يا قدس حاضرون ...كوني جزأ لا يتجزأ داخل قلب الذكريات وقطعه ذهبيه في تلك السماء الزرقاء ... فأنتي أكثر البلدان معرفه بمعنى الصمود وكل ما يحدث ليس سوى اعاده لكل ما مضى ... فأنتي من أكثر القلوب بكائا على ابنائها انتي من تنام الشمس في احضانها وقت الغروب ... انتي القدس والفس لا تموت ولا تستسلم ... انتي امل الصمود رمزا من رموز الامه الصامده فأن حاولتي الانهيار يموت الشعب من بعدكي ... وأذا بقيتي سيكون كلّّيوم من ايامنا مولد لنصر جديد ...
تذكرت بل لم انسى ايام رمضان فيكي عندما كنت وأصدقائي لا نشعر بجوع ولا عطش ونحن نصلي فروضنا الخمس معكي وندور في اسواقكي ... تذكرت كرم ابنائك عندما كانوا يقيمون الولائم البسيطه وينثرونها حولكي ليجتمع كل ابن قدس غني وفقير ويكونوا سواسيه فيهم روح المحبه والتعاون تضحك من اعماقها ونوركي يهب عليهم من كل اتجاه لاحاجه لنور اخر بعد ذلك ... ووقت صلاه التراويح يجتمعون من كثرتهم يكون منهم من وقف امامكي يتحدى البرد ليبقى بجانبكي في هذه الايام المقدسه ... ومنهم من نام في احضانك وغفى حتى طلوع الفجر ... اذكر فيكي ليالي القدر التي تكون من اروع الليالي عندما تبكي العيون حولكي وكأن وحش الموت حضر خاطفا أرواحهم ومحاطون بانور من كل جانب ... كأن هذه الليله ستشهد اخرلحظاتهم معكي وانتي من طيبه قلبكي تنهمر من عيونكي الدموع فأغوص بهما الى عالم المحال ...
أنتي يا حبيبه الكل لا تحزني على من فارقك ورحل فالرحيل من بين يديك كالذهاب الى الاسر الذي لا عوده منه ... فأنا أن غبت عنكي لا ازال المراه التي تعكس كوابيسك الى احلام وأجعل من اليأس سلما تصعدين من خلاله الى اعالي المجد ... أنا لا أزال عائد اليكي لاشرب من نبع الحنان الذي لطالما اسقيت القلوب العطشه منه ...
أذكر اني رأيت الفرحه مستنده على هضاب بناياتك تنتظر العيد ليهل على اسوارك حتى تذهب الى اطفالك لتبشرهم بقدوم يوم جديد وفرح سعيد ... اذكر كم كنتي تحلمين بالنصر الموعودين به منذ سنين ولكنه قتل على مسارح الخوف ... وكم كنت انتظر بجانبك حارسا معكي ارواح اولئك الصغار ... كم كنت احلم بلقاء اهل غزه عندما يدخلون الى احضانك ويشعرون بالامان الذي لم تحرمينا منه باي يوم كنا بحاجه اليه ... اذكر عندما وقفت اصلي فوقفت خلفي امه ليست كالامم بل هي امه الشهداء ... امه من شيوخ ونساء ... أباء وأبناء يبكون على ارضكي المقدسه التي لطالما حلمو ان يقبلوها ...
قدسي العزيزه : متى القاء الذي ارهق الوريد وجعله يركض خلف سراب يعلم انه لا نبع بعده ؟ ... متى العوده بعد ان تكبلنا خارجكي محرومون من رؤياكي؟ ... متى ستصلل للعرب رساله النجده التي ارسلناها منذ ولدنا الرساله ؟ ... التي ارسلناها مع كل طير عربي ... مع كل كلمه شوق وخوف؟ ... فأرضكي هي ارض السلام لا الاستسلام ... ارض الحياه التي لا تنتهي ... ارض كل الاديان ووطن من لا وطن له ... وطن حنون لكل الاوطان ... ارض عربيه كانت ولا تزال على مرّ الازمان ... انتي القدس التي كلما حاولت اي دوله ان تنهار مسكت بيدها لتعود من جديد مدافعه عنها ... انتي الارض التي كلما دخل العدوان اليها لا تخاف ولا تهتز بل تتحاه قائله اين ابنائي ... مناديه والنداء مسموع ...
ليس مديحا ياقدس ولكن للايام وجوه ناسيه وباكيه يخاف منها حتى اكثر الناس معرفه بها ... فانتي الصفاء وقت الربيع وخيرك غيث يشرب منه كلّ حيّ وشمسك ساطعه في سماء دنيا كل فلسطيني داخلك وخارجك وخريفك صخره يابسه على انقاض من عاداكي ... فلا تعاتبينا والعتاب مرير بل ناشدينا وادعي لنا بالدهر الطويل ... فالقصه التي حاكتها اصابع السيده الفاضله لم تنتهي والخيوط الترابطه قريبه كل القرب من الوصول الى السلام الذي لطالما حلمنا به ... فلا تقطعي علينا الدرب الذي ساره الرسول في ليلته المباركه ولا تكوني كالذي ترك الحياه للزمن وهرب ... بل كوني انتي التي لطالما يسرع العرب للجوء اليها عندما يخافون وكوني الاصابع الطفوليه البريئه التي تمتد لكل انسان مهمن كان ...
فهل عرفتي من انا ؟ هل تعرفتي على من كتب القمر قدره بعيدا ليخاف من الغد ... ليخشى الوصول اليه ؟ ... انا من سمع الصمت نداءه من بعيد وتذكر بكآبته أناسا ابعدوا عنه طريق الوصول الى القمر ... هل عرفتيني ؟ انا سطر جديد تبحث عنه الحياة لكتابة مناجاتها و آهاتها ... انا من لم يستسلم للواقع الكئيب وصوت الرصاص ... فهل سمعتي عني؟ ... نعم ... أنا الجرح الفلسطيني ) الذي لطالما لم يجد من يداري له جراحه ... )
فاذا قابلتني في يوم يا شريكتي بالجرح اعذريني فقد وهن العظم مني واوشك على الموت كضمائر الكثير من اخوتنا العرب ... ساعدي اطفالي اذا استنجدوا بكي ... ساعديهم فهم لطالما طربوا على صوت صراخ الارامل والايتام ... وعلى صوت المدافع والرصاص ... ولا تتركي العرب ينسوا اويتناسوا دماء الشعب الذي لطالما ماتوا وهم لايزالوا واقفين صامدين ...

رساله من قلم نازف ....