طلقات الرحمة الاختيار والنصّ بقلم:د. محمد عبدالله القواسمة
تاريخ النشر : 2009-08-27
طلقات الرحمة الاختيار والنصّ
د. محمد عبدالله القواسمة
طلقات الرحمة عنوان الكتاب الذي صدر عن أمانة عمان الكبرى عام 2008 للشاعر ابراهيم نصرالله، احتوى الكتاب مجموعة من قصائد الشاعر التي كتبها في المدة من عام 1987 وحتى عام 2008، العام الذي صدر فيه الكتاب، وقد اختارها من أربعة دواوين، هي: عواصف القلب 1989، شرفات الخريف 1996، وكتاب الموت والموتى 1998، وحجرة الناي 2007.
لا شك أنّ اختيار مجموعة من القصائد وضمها في كتاب، ظاهرة قديمة عرفها الشعر العربي منذ عصر التدوين في العصر العباسي، تحت مسمى المختارات الشعرية، التي بفضلها وصلت إلينا روائع الشعر في العصر الجاهلي والإسلامي، مثل: المفضليّات للمفضّل الضبّي، والأصمعيّات للأصمعي، وجمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي، وحماسة أبي تمام وغيرها..
كما عرفت هذه الظاهرة في العصر الحديث، وتنوّعت كتب المختارات في موضوعاتها، وحدودها الزمنية والمكانية؛ فعلى سبيل المثال جمع خليفة محمدالتليسي قصائد تمثل عصور الشعر العربي المختلفة في كتابه (من روائع الشعر العربي) 1982، وقد بدأه على غير السائد بقصائد من العصر الحديث، وسوّغ اختياره للقصائد بأنها " دخلت في تكويننا الثقافي" ، وتوالت كتب المختارات ومنها المختارات التي صدرت ضمن مشروع كتاب في جريدة الذي تشرف عليه اليونسكو منذ العام 2004 ، فكان هنالك مختارات من شعر عبدالله البردوني، وعمر أبي ريشة، والمتنبي ، ومختارات من الشعر السوداني وغيرها.
يلتقي كتاب طلقات الرحمة للشاعر إبراهيم نصرالله بظاهرة المختارات الشعريّة المعروفة، ولكن ما يلفت الانتباه إلى أن المختارات التي تضمنها الكتاب أعدّها الشاعر نفسه دون تمهيد، أو مقدّمة تسوّغ العمل، وتقدّم إضاءات عنه، حتى إن القارئ يظن لأول وهلة أن الكتاب عمل جديد من أعمال الشاعر الغزيرة، ولا يتضح له أنّه كتاب مختارات إلا من خلال صفحة العنوان الداخلية، وقائمة المحتويات في نهاية الكتاب.
لا شك أن هذا الكتاب مهم لدى الشاعر، فلابدّ أن يكون لهذه القصائد المختارة مكانة عالية في قلبه، وأنها تمثل جوهر تجربته الشعرية، وهو كذلك مهم لدينا لأنه وفّر لنا الحصول ـ كما هو مفترض ـ على أروع ما تمخّضت عنه تجربة الشاعر من قصائد عبر سنواته الشعرية من عام 1984 حتى عام 2008 .
يقدّم الكتاب مجموعة من القصائد الطويلة التي لا تشكل كل منها قصيدة متنامية ذات مضمون متماسك؛ فهي مقطّعة الأوصال إلى قصائد قصيرة جداً تنفرد كل منها بعنوان، لهذا يحسن التعامل معها بأنها قصائد قصيرة يمكن أن نسميها قصائد ومضة، أو لقطة، أو لمحة، وهي في معظمها تنطوي على تأملات في جزئيات الحياة المعيشة، أو في أشياء أو ظواهر طبيعية أو نفسية؛ ففي قصيدة خسارة التي تتكون من أربعة أسطر، نقرأ جملتين فعليتين، يتقدّم كلاً منهما سطر من علامات الحذف:
...
حاولت ترتيب يومي
...
فبعثرت قلبي (ص115)
فهذا القول لا ينحرف عن الكلام العادي الذي يمكن أن نسمعه من إنسان في شارع من شوارعنا المضطربة، فلم تستطع العلامات البصرية، ولا التجانس اللفظي أو التوازي الصرفي النحوي أن يمنح الجملتين روح الشعر؛ فقد اغتالته الاستعارة المبتذلة ،بعثرة القلب، و المعنى الساذج ..
وعلى الطريقة نفسها تأتي قصيدة خفاء:
ستراني العتمة
..........
ويخبئني الضوء (ص 117)
وتأتي قصيدة ثقة أقل شأناً من القصيدتين السابقتين، نقرأ:
ربحت الكثير
خسرت الكثير
ولم يزل بعد
عمري قصير (128)
فهذا الكلام العادي الركيك يمكن أن نسمعه من تاجر، وليس من شاعر؛ فلا يقاس العمر بالربح والخسارة، وانما بامتلائه بالفعل . ومثل هذه القصيدة قصيدة وفاء من كتاب الموت والموتى:
لا..
أنا لا أفكر به
لكنه أكثر وفاءً
إنه يفكر بي دائماً (ص169)
وتقدّم بعض القصائد القصيرة أقوالاً على شكل لافتات أو شعارات، تفتقد إلى الشعر الذي يأسر الوجدان، وإلى الأفكار أو الحكم، التي تعمق فهمنا للحياة، إنه كلام يجعلنا نأسى لحكمة بوذا و كونفوشيوس و زراوشت، التي حاولت القصائد أن تتبنى إطارها، مثل قصيدة البداية:
تلك أغنيتي
قبل هذا الختام
لا خريف مع امرأة ..
والسلام(ص256)
وتتنزل بعض القصائد إلى النثر الذي لا طائل من ورائه، والذي يقوم على التكرار الممل، والقول المباشر والممجوج، فنقرأ من قصيدة حب:
أحبك ..نعم أحبك
وهذه الوردة لك
أحبك ..نعم أ حبك
وهذه القصيدة لك (ص180)
ومثلها قصيدة حياة؛ فهي تعلمنا أنّ الذات الشاعرة تتمثل الحياة في كل شيء، في الظل والنور والشارع والبيت والحديقة والوردة ..الخ، وأنها تحب هذه الأشياء" من أجل البيت (ص205).
فهذه التكرارات الاستهلالية،" إنه في.." وتكرار المفردات لم تستطع النفوذ إلى قلب القارئ، أو تخرق افق توقعاته، أو تنقله إلى خيالات لذيذة بل يرى بعد قراءتها بمقدوره أن يأتي بمثلها، كأن يقول ـ على سبيل المثال ـ إنه في السماء والأرض والشجر والحجر والماء والبحر وفي الدجى والفجر، لكنني سأحب السماء، أحب الأرض ..من أجل الوطن..
ومثلها قصيدة خسارات التي يمكن أن تتردد على ألسنة العاشقين في ثرثرة دلع وولهٍ:
ـ سوف ينتهيي ربيعي
قالت لي باكية
ـ سوف ينتهي
ولم يكتب لي شاعر قصيدة..(ص223)
وتأتي بعض القصائد على شكل لغز يحتاج حله إلى مندل أو ضارب ودع، وليس إلى ناقد، مثل قصيدة بورتريه التي تقوم على ضمير المخاطب؛ فتلك المخاطبة لا نستطيع معرفتها ، فلا ندري إن كانت من البشر أو من عالم الجن. فهي تبتسم كامرأة، وتضحك كطفلة، و تُقْبل كطيف، وتذهب كالحقيقة..(ص274) في النهاية لابد للقارئ أن يتساءل على لسان الذات الشاعرة: من هي؟ أو من أنت؟
خلاصة
ربما يمكننا القول بشئ من القسوة إنّ كتاب طلقات الرحمة إذا كان عنوانه يبعث التشاؤم لدى القارئ فإن محتوياته تستحق طلقة رحمة، فلا أرى مسوغاً منطقيّاً أو وجدانياً لصدوره من قبل الشاعر أو من غيره؛ فقد جاءت القصائد المختارة من أربع محموعات فقط،، وتكرّر بعضها في أعمال الشاعر الكاملة، التي صدرت عام 1994م، كما أنها لم تحمل في طياتها شعراً ذا قيمة تعكس هذا الألق الذي يحظى به في وسائل الاعلام، ولدى كثيرين من النقاد؛ مما يترك أسئلة كثيرة حول حياتنا الثقافية بشكل عام، وحياة الشعر والنقد بشكل خاص.
.....................................................
* ابراهيم نصرالله ، طلقات الرحمة، عمان: منشورات أمانة عمان الكبرى، 2008، في 283 صفحة من القطع المتوسط[email protected]