النجمة الصاعدة
ميسون أبو بكر
تقص بلغة الشعر ، و تنظم بدرر النثر
بقلم : نزار ب. الزين*
----------------------------
أولا : سيرة ذاتية
ميسون عبدالرحمن أبوبكر
فلسطينية من جنين
من مواليد الكويت .. في 28_8_1971
غادرت الكويت إلى الأردن عام1985
تقيم حاليا في المملكة العربية السعودية
تحمل بكالوريس أدب عربي من جامعة بيروت العربية
صدر لها ديوانان :
آفاق شعري عام 1990
وديوان أجراس الصمت 2002
لها مشاركات شعرية في المركز الثقافي بعمان وفي أماكن متعددة مثل اتحاد الكتاب الأردنيين واتحاد المرأة
تكتب بعدة صحف أردنية و عربية
تكتب في مواضيع متعددة بالإضافة إلى الشعر كالقصة القصيرة و المقالات
بمناسبة عام الطفل في عام 1979 ، كتبت عنها الصحف الكويتية ومجلة(أسرتي) ؛ منوهة بأنها أصغر صحفية في الكويت ، وذلك بعد قيامها بمقابلات صحفية مع وزير التربية والتعليم جاسم المرزوق ومدير إدارة النشاط المدرسي خالد الحربان وكانت حينها في الصف الثالث الابتدائي
كتب مقدمة ديوانها الأول الأستاذ عبد العزيز السيد، و هو شاعر وأديب و الأمين العام للموسوعة الفلسطينية ، و مما كتبه :
أجراس الصمت تقرع نافذة الروح
يسكن الشعر في وجدانها عميقا، يغور في شغاف القلب.. تضطرم به روحها يموج في حناياها شفيفا.. يصطرع الخاص بالعام حينا ويأتلقان حينا آخر ، فتكون المعاني والمضامين مزيجا من الشهد والصاب.
أنغامها صحراوية منسابة في سكون وديع آنة، كما في نجود نجد حيث تقيم وتظعن، وهي ساحلية شاطئية أنة أخرى، حينما يمتد بصرها صوب لآلئ الخليج ودانات الكويت، حيث الميلاد والنشأة ، ثم هي بين هذا وذاك موسيقى جبلية حادة الايقاع كما جبال نابلس، وعمان ،حيث الانتماءوحنين العودة..
نفحاتها مشربة أبدا بنسع القداسة في بيوت الله التي إليها تشد الرحال .. وعينها مسكونة بالقلق والألق معا، خوفا ومخافة وأملا بيوم النصر الموعود والمنشود.
وهكذا فأنت في صفحات هذا الديوان تجد نفسك في حديقة ، بل أكاد أقول في غابة فيها أعشاب وسنى ، وأقاح جذلى ، وياسمين ،وبنفسج حزين ، وفيها سروات شامخة إلى الشمس ، وجذوع زيتون وقورة حانية
وأنت في هذه الصفحات تستقبل أنساما هادئة ،وعواصف لافحة وأعاصير صاخبة،أنت حقا أمام مخاض يؤذن بميلاد شاعرة ستكون أكثر من رقم يعد ويحصى.
أتمنى أن تقرع أجراس الصمت وجدان القارئ ، وأتمنى أن يفتح للشاعرة أبواب القلب..للقاء صادق عذب أنيس.
ثانيا - الدراسة
تمتطي ميسون أبو بكر صهوة جوادين روضتهما بعناية ، صهوة النثر و صهوة الشعر ، فتراها إذا نثرت كان نثرها كالشعر ، و إن أشعرت فشعرها كالنثر ، و تغلف أكثر أعمالها غلالة رقيقة من الحزن ربما بتأثير مناخ القهر الذي يعيشه الفلسطينيون خاصة و العرب عامّة.
و إضافة إلى قدرتها اللغوية المكينة و غزارة إنتاجها ، فهي تتابع أعمال زملائها الكتاب و الشعراء لتدعمهم بتقريظاتها و عباراتها الدافعة الدافئة .
ستتناول الدراسة ست قصص و قصيدة واحدة ، هي على التوالي :
- لقاء بين عاشقين
- رسائل مجنونة - قصة
- رحلت ذات صباح - قصة
- وداعا مفيد - قصة
- أطياف ذكرى - قصة
- خيانة - قصة
- تصوف- شعر
-1-
قصة لقاء بين عاشقين
، تنتهج الأسلوب الحواري ، حوار بين محبين اضطرتهما الظروف للافتراق ليجتمعا لسويعات بعد غيبة طويلة ، فَرَحٌ و عتاب و بوح ، مشاعر فياضة تتداخل معا لتشكل قطعة نثرية هي أقرب إلى الشعر :
يقول لها :
" بل دوختني كلماتك التي تتحدثين بها بلغة الأطفال وعفويتهم ،أحب أن أسمعك ،أن تلقي ما في جعبتك لأنني وأنا أتأملك أرى تلك الطفلة تخرج من أعماقك "
" ببراءة الأطفال تحولين الحقيقة إلى واقع جميل يمتزج بالعاطفة "
" أنت متمردة بشكل لطيف ،وعاشقة تُغَيِّرين مرارة الدنيا وتجعلين لها شكلا آخر"
فتجيبه حانية :
" أرى بينك وبين البحر الذي خلفك شبها كبيرا جدا ، فكلاكما يخرج ما في أعماقه وينثره امامي "
" أحب أن أخزِّنك في أوردة ذاكرتي لتكتنز بك فأسترجعك وقتما أشاء "
و يؤكد لها متغزلاً:
" أنت عروس البحر التي طالما جلستُ أمامه أنتظركِ تخرجين بذيلك الذهبي وشعرٍ كخيوط الشمس ، يشرق منه نهاري ، وعينين سوداوين يسكن فيهما ليلي "
" أنت كعشتار إلــهة الحب، تهبين الحب حيث تكونين ،وتسعدين من حولك أينما تتوجهين "
فترد عليه مغردة :
" الشعر هو ثروتي وإنني حين أقف خلف المنبر أشعر بتوحدي معه ،لطالما وقفت وراءه مثقلة بأوراقي التي تريد أن تفرغ حملها على مسامع أولئك الذين جاءوا يستمعوا إلي ،فأهبهم كلماتي التي كتبتها بحبر القلب وأعزفها على أوتار صوتي المرتعش رهبة وإجلالا ،وما هي سوى لحظات حتى أجدني مليكه لهذا العالم الذي دخلته للتو "
تتملكه الغيرة فيعاتبها قائلا :
" لقد كشفت لي أن هناك أحداً ما يشاركني بك، وهناك آخرون غيري تروي كلماتك عطش أرواحهم و قلوبهم "
تجيبه بكل اعتزاز و ثقة بما تقول :
" الشعر كالمطر لا يستكين في مكان واحد بل يتخلل شقوق الأرض ويجري في كل مكان "
ثم تأتي لحظة الفراق فتودعه بعبارات دامعة :
" إنني أوشك أن ألقيك ثانية في جعبة ذكرياتي ، لأعود أسترجعك إذا رجعت لغرفتي "
***
تفلح الكاتبة ميسون بحواريتها هذه بالتعبير عن أعمق المشاعر الإنسانية بين عاشقين متيمين تحول قسوة الحياة بينهما و بين بناء قفصهما الذهبي .
-2-:
رسائل مجنونة
في هذه القصة تعبر ميسون عن ألم فراقها لأعز صديقاتها ، اللتي اضطرتها الظروف إلى مغادرة جَدَّة و الاقامة في لندن مدينة الضباب
" جدة أصبحت المدينة التي أخشاها..أخاف أن أنفرد بها بعد الآن "
" بالقرب من بحرها كنا نجلس معا ..بصمت.. أقفلنا على كلماتنا الأبواب ثم رمينا مفاتيحها في حضن البحر "
و بينما كانت تجلس على شاطئ البحر مستعرضة شريط ذكرياتها مع صديقتها نقلتنا إليه كي نشاركها جمالاته :
" برقة ..ودعة..داعبته الريح تلك الليلة..ريح هادئة لم تشأ أن تعكر صفوي ، أو تخترق أسوار صمتي، كانت الأمواج تتلاحق بخفة تعلو ثم تعود أدراجها فتتبعها موجات أخرى تصرخ بغنج.،. بأنوثة تصافح الشاطئ كغيمة تلقي برذاذها قريبا مني، فأستفيق من سكرتي قليلا ثم أعود إلى اللاوعي و رحلة الجنون مرة أخرى "
و من ثم أحجمت بطلة القصة عن زيارة جَدَّة بعد أن فارقتها أعز صديقة :
"اليوم تخذلني شجاعتي فلا أقدر أن أزور جَدَّة وبحرها ، كنت زرتها مرتين وكانت الخنساء تسكنها، والآن رحلت خنسائي ومعها قصائدها التي كانت تنشدها لي في بكرة الصباح "
و في السياق تخبرنا الكاتبة أن صديقتها هذه كانت شاعرة و عاشقة لكل الأجناس الأدبية :
"رحلت وتركت وراءها ذكرياتي معها ، و ملامح طفولتها التي تعدت الثلاثين عاما، وبعض أنغام قصائد كانت عزفتها أوتار عودها "
" وعندما قَرَّرَت الرحيل ملأت حقائبها بغادة السمان ، محمد الماغوط ، والمتنبي ، و بكل الروايات التي كانت تتحدى بها وحدتها "
تنجح ميسون في ترجمة مشاعرها و ذكرياتها من خلال صياغة قطعة فنية من أدب المذكرات
-3-
رحلت ذات صباح
هذه القصة هي مرثية تستدر الدموع ، لا تخلو من دقة الوصف الذي عودتنا عليه الكاتبة :
" في يوم خريفي نقلَت إليَّ الطبيعة كسلها وسكونها فلازمتُ غرفتي التي تعودت مجالسة أثاثها و جدرانها "
و من خلال مناجاتها لحبيبها تخبرنا بطلة القصة عن فجيعتها بموت صديقتها :
" هي الصدمة الكبيرة التي لم أكن يوما أتوقعها حيث يقرع هاتفي معلنا عن حياة توقفت للتو وصداقة ستكون منذ اللحظة مجرد ذكريات ،حياتها التي لم تستمر سوى ثلاثين عاما توقفت و صداقتنا التي امتدت لأكثر من سبع سنوات حكم عليها بالبتر "
ثم تبدأ بوصف مزايا الفقيدة بأحرف تنبض بالألم و الحسرة:
" كانت تضحكنا دوما برغم آلامها وتشعرنا بالأمان رغم خوفها وتمنحنا القوة رغم ضعفها ،كان صدرها وسادة نتوسدها رغم أوجاعه في لحظات يأسنا الشديد ،كنا نرى ابتسامتها التي لم تكن تفارقها وسعادتها التي أوهمتنا بها "
" وهاتان الشفتان اللتان كانتا تقطران شهدا وحبا تراهما وقد تجمدت الحياة فيهما وكأن كهرباء الروح عندما أطفأها الخالق عن ذاك الجسد أخذت معها كل بريق الحياة وصخبها ودفئها "
و تسوق الكاتبة كتعبير عن حزنها مرثاة شعرية تتناسب مع المقام تقول في مطلعها :
" وتجمد النــبض الأخــير
وغفـت عروق النـهر واختنـق الأثــير "
و بعد أن تجرعت بطلة القصة أحزانها حتى الثمالة ، تتذكر دورها تجاه أطفال الفقيدة :
" كان لا بد لي أن أبتلع حزني وأخفي دموعي ،وذهولي وأتمالك نفسي كي أحسن عزاء أطفالها "
و تختتم الكاتبة مرثاتها مناجية نفسها التي ما انفكت تنتحب بصمت أو بغير صمت :
" وأغادر بحزني الكبير ووجعي الأكبر وبحزن صار يسكنني كلما فكرت بيتم أبنائها،أعود إلى المنزل وأقفل عليَّ باب غرفتي فحدودها فقط هي المساحة التي أملك من العالم لأمارس فيها خصوصيتي ،لأبكي وأكتب وأصرخ وأقول لتلك الصور المعلقة هنا وهناك على جدرانها ما أريد دون أن يحاسبني أحد "
نجحت الكاتبة بتصوير المشاعر الانسانية لدى فقد عزيز و يمكن اعتبار القصة لوحة رثائية أجادت ميسون أبو بكر رسمها .
-4-
وداعاً مفيد
و داعا مفيد على ما يبدو قصة واقعية لشاب في مقتبل العمر حالت ظروف الانتفاضة و ما رافقها من عنف و عنف مضاد و حصار و فقر ، حالت دون إتمام
تعليمه فعمل مع والده في فلاحة الأرض في موسم الفلاحة ثم راعي ماشية في موسم الرعي ثم عمل حمالا في محطات الباص ينقل أمتعة المسافرين أو العائدين عندما يحل الصيف و يكثر ترحال الناس ، إلى فُتحت له طاقة أمل فاستثمرها في الحال:
" كانت الدنيا فتحت له أول أبوابها بعيدا عن رائحة الرصاص ووقع دبابات العدو، ووجوه جنود الاحتلال التي كانت تتربص به عند كل معبر وشارع وطريق، كان قد ملَ رائحة الموت ومناظر التشرد والجوع وحياة الفقر المتفشية في بلدته في فلسطين "
" كان ما أسعده وقتها وفي رأسه الصغير الكثير من الآمال والأحلام التي أخذته بعيدا..بعيدا جدا، كان عبور المجهول بالنسبة له مغامرة كبيرة وحلم راوده طويلا للخروج من حدود الوطن "
و هناك في تونس يصدمه الواقع الذي لم يكن يخطر له أو حسب له حسابا :
" لقد كانت بانتظاره حياة صعبة لم ترحمه ومجتمعا لم يقدر على التأقلم معه أبدا، شعر بقسوة الغربة، قاوم أياما من الوحدة القاتلة ، كما أن الدراسة كانت شبه مستحيلة لأنه كان عليه إتقان اللغة الفرنسية التي يتحدثون بها هناك ، وقد غزت تونس بجامعاتها وشوارعها وحتى داخل منازلها "
" هناك أدرك أن الأحلام لا تأتي إلا خلسة في أوقات الهذيان وغياب الوعي وأنها بدون أقدام لا يمكن أن تسير على الأرض أبدا"
و إذ فشل في سنته الأولى و عندما استبد به الحنين إلى وطنه و أهله ؛ اتخذ قراره الصعب :
" قرر العودة ، لم يمهل نفسه عاما آخر ، لأنه رفض أن يسير خلف الوهم ثانية ؛ قرر أن يعود بلا شيء لكي لا يخسر كل شيء "
نجحت ميسون بقصتها الاجتماعية هذه بالتعبير عن معاناة شعبها و على الأخص الشبان منهم في ظل الاحتلال ، و الذين ضاقت بهم السبل فدفعتهم للعمل أينما كان و تحت أسوأ ، و هم يحلمون بفرصة تخرجهم من هذه الدوامة القاسية ، كما صورت ببراعة واقعية مفيد الذي لم يتردد في اتخاذ القرار الصائب .
-5-
أطياف ذكرى
أطياف ذكرى هي قصة حب أوقفته الأقدار تعسفا لتشعله الصدفة من جديد بعد عشرين عاما :
" في أحد شوارع المدينة الكبيرة القديمة الثكلى بذكريات الماضي لامس أوتار روحها شيء ما أدخل الدفء إلى جسدها من رأسها حتى أخمص قدميها ،شيء ما أعادها إلى الوراء عشرين عاما،وأضاء فيها شموعا كانت قد انطفأت ،ورعشة كانت قد راودتها لأول مرة في الماضي البعيد "
تنظر إليه بطلة القصة مليا متأملة تقاطيع وجهه و هيئته و حركاته فتجده كما كان لم يتغير فيه شيء :
" هي النظرة ذاتها التي كانت تعودت أن تراها في رجل حمل في قلبه الصغير كل حنان الكون ، وفي نظراته ترى كل دروب الحب بأمسياته وآلامه وأشواقه وأحلامه ،لحظات تجد نفسها أمام ماض بأكمله، وأمام حب كانت قد طوته صفحات الذاكرة، ولم تنعشه الحقيقة حتى اللحظة "
و يستقيظ الحب الذي حاولت دفنه مع كل الذكريات التي عششت في أعماق قلبها :
" صار للحياة نبض آخر في عروقها يعني الحياة من أجل الحياة وليس من أجل البقاء فقط .صارت في لحظات كالشاطئ حين يعود الموج إليه بعد جزر وغياب فيرطب رمله ويهديه كنوز الأعماق وأصدافا ومحارا "
أما هو فكان في تلك اللحظة يعاني نفس ما كانت تعانيه حبيبته ، فقد استيقظت كل عواطفه الجياشة و لكن ..... و لكن الواقع يجابههما من جديد و يحول بينهما .
و تصور الكاتبة ببراعة ذلك الصراع المرير الذي كانت تكابده بطلة القصة في تلك اللحظة :
" قلبان في جسد واحد أصبح يتسارع نبضهما :قلب الماضي الذي لم يتوقف نبضه يوما داخلها وقلبها الآخر الذي يعمل كمضخة لاستمرار الحياة ..لكن الماضي يستطيع أن يظل هامدا ..ساكنا ..حبيسا كما من عشرين عاما ،لكن ماذا تفعل بكل ما ورثته من حاضرها وأين تلقي به؟وهل يمكن أن تتجاهل حياة استمرت ما يقارب العشرين عاما! "
و ثم يغادر الحبيب مدركا أن ما مضى قد مضى و أن الواقع لا يمكن تغييره:
" يعلم في قرارة نفسه أن الماضي ما هو إلا أطياف ذكرى لا يمكن أن تبدل حقيقة الأشياء أو تعيد ما راح يوما ، فيختار لذلك الحب أن يبقى كما الأفق بعيدا "
" يســير ويبتــعد كمــا لـو أنه لم يرَ سوى سراب حلم جميل "
و أختتم بتعليق للأديب و الناقد الكبير الأستاذ زكي العيلة يقول فيه :
" نص يمتلك القدرة على إقناعنا بلغته المركزة البعيدة عن الاستطراد و الزوائد و اعتماده تقنية تيار الوعي الأقرب إلى وجدان تلك المرأة المأزومة ، الممزقة بين اختيار الماضي بحبه الذي تسرب من بين أصابعها قبل عشرين سنة حين بدأت أنوثتها في الاستفاقة أو اختيار معالم الحقيقة التي تنتشر في داخلها إشارات تحذير ، حيث نجدها ترتد إلى نفسها ، تحاورها و تناجيها بحثاً عن خلاص ( هل من السهل حقا أن نبعثر الماضي ..كل الماضي في لحظات ..هل من الممكن بسهولة أن نعود بمنتصف العمر للوراء،لنعيش ذات اللحظة التي كنا حملنا نعشها ودفناها في أعماقنا ،وقرأنا عليها السلام ؟ هل من الممكن أن ينهض شيء فينا كنهضة أهل الكهف من سباتهم ، لكن من نهض فينا بتنا غرباء عنه هو في الزمان والمكان الخطأ ..وفي الجسد الذي صار غريبا عنا ولم نعد نملك أفراحه أو أحزانه ،أو نملك خارطته ) .لتأتي النهاية قفلة محكمة لصالح إبقاء أطياف ذلك الحب الجميل في أدراج الذاكرة ، فالماضي رغم نبضاته ، يمكن أن يظل هامداً حبيساً كما كان منذ عشرين سنة ( ماذا تفعل بكل ما ورثته من حاضرها وأين تلقي به ؟ وهل يمكن أن تتجاهل حياة استمرت ما يقارب العشرين عاما ؟ ) . قصة تؤكد من خلال احتفائها بطريقة تيار الوعي التي تكشف الكثير من الهواجس الداخلية لتلك المرأة أن الواقع بحقائقه المرة يظل في مجتمعاتنا أقوى من أطياف الذكرى ، حتى لو كانت محملة بالأشواق و الأحلام ، وهنا تكمن المفارقة ، و يصعب الاختيار .
--6-
خيانة
في هذه القصة تحدثنا ميسون عن فتاة صلبة تمكنت من كبت عواطفها و اتخاذ القرار الصعب ، كأنما تحدثنا عن جيل جديد من النساء تمكنَّ من تجاوز الحلقة المفرغة الظالمة التي عاشتها المرأة الشرقية طوال قرون ؛ فاستطاعت أن تقول لا !
تحاول بطلة القصة بداية أن تكون طبيعية و يحاول حبيبها أن يذيب الجليد :
" تشرب هي قهوتها وتداعب أناملها فنجان القهوة البارد كمشاعرها تلك اللحظة "
فيسألها متوددا :
" : أما انتهيت؟
_من شرب القهوة!
_ بل من قراءة الفنجان!
_أنا لا أعرف قراءته، بل تعجبني الرسوم والرموز"
بكلمات بسيطة و لكنها معبرة تصور لنا الكاتبة سحبا تلقي بظلالها على علاقتهما المتوترة :
" برهة صمت.. تهرب الكلمات .. النظرات ضائعة لا تلتقي.. ينظر هو من نافذة قريبة منه على غيمة سوداء حجبت ضوء الشمس، فأصبح لون السماء والمكان رماديا، بينما هي تبقى نظراتها شاردة في فنجان قهوتها الفارغ "
و تبذل الفتاة جهدا جبارا لتخفي اضطرابها:
" كانت تعرف أن تَعوُّدَ الحياة من دونه شيء صعب ..ونسيانه أصعب ، لكنها امرأة تحب أن تعيش صادقة مع نفسها وعواطفها "
تصارحه بخيانته و بأنها ترفض حبيبا مخادعا ، ثم تلقي في وجهه بقرارها الحاسم دفعة واحدة ،
" فتحت حقيبة يدها ، أخرجت رزمة أوراق .. وضعتها أمامه ثم قالت له: هذا كل ما تبقى لك عندي "
و أختتم قراءتي لقصة ( خيانة ) بتعليق للكاتبة ابتسام كنعان قالت فيه :
" امرأة غير عادية هى فقط من تكونها ، امرأة قدرت كينونتها ، وآثرت انسانيتها
الحياة بدونه ، كما هى معه "
ثم أضافت :
" فلتعطيه فرصة ..... لا والف ولا
فلتنتظر ولتتريث ......لا والف لا
لو لم تكن بطلتك من هذا الصنف لعاتبتك ، فتاريخنا النسوى لا يحتمل تنازلات جديدة "
-7-
تصوف ( شِعر )
تعلو كاتبتنا ميسون أبو بكر صهوة جواد الشعر فتنثر أمام أعيننا في هذه القصيدة دررا ترقى إلى أعلى مستويات الشعر الصوفي ؛ فمن ميزات المتصوف :
- الزهد بالدنيا
" مــا كـانت الأرض وعــدي
ولا كــان في الأرض مهــدي "
- الطهر و التقوى
" أقابل ربي بصدق النوايـــا
بطهــر الفؤاد
أسبح ليلا ... أسبح فجرا
أبيع زماني لأنجـــو بنفســـي
فمـــا مـــات يومـــا ضمــير التقــاة "
و أختتم قراءتي للقصيدة بتعليق للكاتب محمود الأزهري :
" نص يكشف عن روح شاعرة حساسة ملأى بالشجن ومحملة بطاقات من الفكر والفلسفة
ورغبة قوية فى السمو عن الطين
والسير فى دروب السموات
كما يحمل النص صورا شعرية شفافة و جميلة "
ثالثا : بعض متابعاتها على صفحات (دنيا الوطن)
- تعليقها حول قصة( حورية) للكاتب الفذ محمد رمضان :
كلماتك كفراشات النور تحترق وهي تحوم حول الحقيقة لترسم باحتراقها ملامحها
هي كرذاذ البحر يطفئ أشواق الشاطئ إليه
هي كالغيم يتنقل هنا وهناك ليروي الأرض العطشى
نحن والوطن متعطشون لمثل هذه الكلمات الرقيقة التي تنسجها من نور
دمت ماردا من نور
ميسون أبوبكر
- تعليقها حول قصتي ( ذو الوجهين ) :
أنت دائما تحكي عنا ...عن واقعنا ..ومجتمعاتنا
نعم سيدي لمياء هي جارية من جواري هذا المجتمع الذي يفسر كتاب الله وفقا لمصلحته الشخصية وعلى هواه
لم يكن يفهم نادر هذا أن القوامة التي ذكرها الله تعني رعاية الزوجة والانفاق عليها لذلك كان للذكر مثل حق الانثيين
صدق رسول الله:ما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم"
ميسون أبوبكر
- تعليقها حول قصة (الرجل الذي تبخر ) للكاتب المبير عبد الهادي شلا :
جميلة .. جميلة حقا
تبخرنا نحن الآخرون حين قرأناها
العصافير تحوت إلى قارورة عطر ونحن تحولت فينا كلماتك لباقة فكر
ميسون أبو بكر
-----------------------
و صفوة القول ، نحن أمام كاتبة صاعدة تعشق الأدب فتمارسه نثرا و شعرا ، و تتابع من خلاله أعمال زملائها الكتاب بدون توانٍ أو ملل ، محللة و مشجعة ، ما يدل على حسها الانساني العالي .
--------------
* نزار بهاء الدين الزين
مغترب في الولايات المتحدة من أصل سوري
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : [email protected]
النجمة الصاعدة ميسون أبو بكر بقلم:نزار الزين
تاريخ النشر : 2005-02-11